الخميـــــــس
3/1/2013
أقلام وآراء عـــــــــــــربي
في هـــذا الملف:
نحو الخروج من الأزمة الفلسطينية
بقلم: صلاح الحموري(أسير محرر وناشط فلسطيني) عن القدس العربي
أرجوك: افعلها يا سيد عباس
بقلم: فايز رشيد ( كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
هل يسلم أبو مازن المفتاح للإسرائيليين؟
بقلم: عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
الأقربون أولى بالسلطة
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
غباء نتانياهو .. بالأدلة!
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
الأراضي الفلسطينية المحتلة بين القرار الإسرائيلي وزيارة المسؤولين العرب
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
القضية الفلسطينية والمقترحات الروسية للخروج من المأزق
بقلم: الكسندر ديمتشينكو(باحث في مركز الدراسات العربية الإسلامية- أكاديمية العلوم الروسية) عن السفير البيروتية
واقع اليسار الفلسطيني وأزمة صحيفة «الرسالة» وأصحابها
بقلم: معتصم حمادة عن اليوم المغربية
سؤال لإخوان مصر:«أهذا عيشنا»؟
ممدوح الشيخ (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
علاقات مصر بالخليج.. بعد خلية الإخوان
بقلم: محمد مبارك جمعة عن أخبار الخليج الإماراتية
نحو الخروج من الأزمة الفلسطينية
بقلم: صلاح الحموري(أسير محرر وناشط فلسطيني) عن القدس العربي
لم يكن من السهل على الفلسطينيين النهوض بحالتهم النضالية وصنع هويتهم الوطنية بعد هزيمتي 1948 و1967 وارتكاب الاحتلال الإسرائيلي أبشع الجرائم في التاريخ المعاصر وتشتيت أبناء شعبنا كلاجئين في كل أصقاع العالم. أمام هذا المشهد المظلم وفي سياق التشرذم والسقوط العربي في حينه وتآمر بعض قادة الانظمة على القضية الفلسطينية من أجل الحفاظ على عروشهم لم يكن هناك خيار أمام الفلسطينيين إلا العودة الى مقدرات شعبنا وإرادته وإطلاق ثورته تحت راية منظمة التحريرالفلسطينية، الا وهي البنيان الذي تم من خلاله تأطير الهوية و توحيد القوى والكفاح ردا على الهزيمة العربية السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية الشاملة.
فبالرغم من الخلاف التاريخي على طريقة اداء المنظمة والتفرد بقراراتها وبنمط ادارتها، إلا انها بقيت العنوان الاول للشعب الفلسطيني سياسيا والإطار الجامع لإدارة المعركة مع الاحتلال و الاستعمار. إلا ان المرحلة السابقة شهدت ارتكاب أخطاء عدة اضعفت دور كل مؤسسات م.ت.ف، ومن ضمنها المجلسين الوطني والمركزي وغيرهما من الاطر التمثيلية الحيوية. و على وجه الخصوص، ادى الذهاب الى خيار التسوية في اوسلو الى القضاء شبه الكلي على دور م.ت.ف واستبداله بالسلطة الفلسطينية وأدواتها وحصر العملية السياسية في جزء بسيط من الوطن المحتل.
كان نتاج هذه التجربة الاليمة في غياهب اوسلو تحلل كل مؤسسات م.ت.ف والانقسام السياسي والجغرافي في الوطن المحتل والذي شتت بدوره وحدة التمثيل السياسي للشعب الفلسطيني.
وأمام هذه الحالة من التفكك السياسي وغطرسة الاحتلال وتوسعه الاستيطاني، اصبح الشعب الفلسطيني امام مسؤولية تاريخية لاستعادة الاطر الوطنية الموحدة، ولا مفر من حمل هذه المسؤولية من اجل العودة الى مربع المقاومة الحقيقي.
إن الخروج من الازمة الحالية يتطلب من جميع الوان الطيف السياسي الفلسطيني ارادةً خلاقة ومواقفاً جادة للنهوض بالمشروع الوطني.
وأمام هذا المشهد السياسي المأزوم من الناحية الداخلية واستهداف الاحتلال لكل ما هو فلسطيني، اعتقد ان الحل الوحيد هو العودة مرة اخرى لشعبنا و إعادة بناء م.ت.ف بمجلسيها الوطني والمركزي، ليشكل المجلس الوطني الجديد نواة الوحدة الفلسطينية و ليمهد الطريق امام الوصول الى اتفاقٍ على برنامج سياسي موحد.
هذا المجلس الوطني المنتخب سيكون بمثابة الجبهة الوطنية الموحدة لإدارة الصراع، والبديل الناجع عن كل الاتفاقيات الثنائية مع الاحتلال، ناهضاً بمشروع كفاحي يعيد القضية الفلسطينية الى موقعها الطبيعي على الطاولة الدولية و يردع كل المحاولات لطمس و اضاعة قضية اللاجئين الفلسطينيين في ظل التوازنات الدولية الحالية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات يبقى الحل الأمثل للفلسطينيين في هذه المرحلة للنهوض بواقعهم هو اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير والذهاب نحو انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني لتوحيد القرار والقيادة والشعب والفصائل الفلسطينية من اجل الحرية والعودة وتقرير المصير.
أرجوك: افعلها يا سيد عباس
بقلم: فايز رشيد ( كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
تهديدات الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحل السلطة وتسليم مفاتيح المقاطعة إلى نتنياهو إذا لم يتم استئناف المفاوضات بعد الانتخابات التشريعية الإسرئيلية القادمة، هي تهديدات يجري طرحها للمرة العاشرة، فمن قبل هدد الرئيس بالاستقالة وبحل السلطة مراراً وتكراراً في منعطفات سياسية ولم ينفذ، كما سبق وأن وعد عباس بمراجعة اتفاقيات كمب ديفيد ثم ما يلبث أن يتراجع عن كل وعوده وتهديداته.
من ناحية ثانية فإن ما يدعو للاستغراب هو أن يطالب عباس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل، وكأنه جرى الاتفاق قبلا على إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، ولا ينقصها سوى تفاصيل بسيطة بحاجة إلى المفاوضات مع نتنياهو.
يعرف الرئيس عباس إلى ماذا أدت المفاوضات مع إسرائيل لمدة عشرين سنة، وإذا كان لايعرف فهي الطامّة الكبرى، أدت إلى زيادة الاستيطان وآخر مشاريعه: 'آي 1' وهو المشروع الذي يقسم شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ويقضي قضاءً مبرماً على إمكانية قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، أدّت إلى إعادة اجتياح الضفة الغربية في عام 2004، وإلى حصار غزة الذي ما يزال مفروضاً عليها منذ ما يزيد على الأربع سنوات. أدت إلى عدوانيين على القطاع الأول في عامي 2008-2009، وإلى العدوان القريب في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. أدت إلى مزيد من التنكر الإسرائيلي للحقوق الوطنية الفلسطينية، فلا قدس، ولا لحق عودة اللاجئين ولا للانسحاب من كافة مناطق 1967، ولا سيادة أو سلطة للفلسطينيين سوى الحكم الذاتي. ومن حق إسرائيل التواجد العسكري في غور الأردن باعتبار هذه المسألة ضرورية للأمن الإسرائيلي، وكذلك دخول القوات الإسرائيلية إلى مناطق الحكم الذاتي . المفاوضات أدت إلى شروط جديدة فرضها شارون وهي:الاعتراف الفلسطيني والعربي'بيهودية إسرائيل'.
تهديدات عباس التي نشرتها صحيفة 'هآرتس' الإسرائيلية تهدف إلى ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية وعلى راعيها الأمريكي من أجل أن (تتكرم) إسرائيل وتعود إلى التفاوض مع الفلسطينيين. للأسف الرئيس عباس وبدلاً من أخذ الدروس والعبر من عشرين سنة تفاوض مع إسرائيل، يُبحر عميقاً في الإيغال بنهج المفاوضات الذي هو خياره الوحيد!. لقد جرّد عباس نفسه من كل أوراق القوة، كان بإمكانه استغلالها وأولها: نهج المقاومة.
ثانيها: الغاء أوسلو.
ثالثها: تجاوز الانقسام وإنجاز المصالحة على أساس الثوابت الفلسطينية، والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.
رابعها: إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها بكافة مؤسساتها، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
الرئيس عباس وبدلاً من كل ذلك، أخذ في تقديم التنازلات لإسرائيل واحداً بعد الآخر، فبعد ورقة عبد ربه - بيلين التي شطب فيها المسؤول الفلسطيني حق العودة ، واختزله إلى عودة بضعة آلاف بدلاً من ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات، قام بالإعلان في مقابلة له مع صحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية عن عدم تمسكه بالعودة إلى بلده صفد، في رسالة واضحة إلى الإسرائيليين. رغم ذلك تعامل الإسرائيليون مع هذا التنازل بسخرية واضحة، وبخاصة الفاشي ليبرمان وزير خارجية إسرائيل.
من قبل، وفي أثناء توقف المفاوضات مع إسرائيل حين وضع عباس شرطاً لاستئنافها وهو وقف الاستيطان، لم يوقف الرئيس الفلسطيني مفاوضاته مع إسرائيل تارة من خلال ما يسمى 'بدبلوماسية أو مفاوضات الرسائل' وأخرى من خلال 'المفاوضات الاستكشافية' التي جرى عقدها في أربع جولات في العاصمة الأردنية عمّان. محمود عباس هدف من قبول فلسطين عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة: الانتقال إلى مرحلة جديدة من التفاوض مع إسرائيل من موقع: أن فلسطين هي دولة تحت الاحتلال. هذا لم يخفه الرئيس الفلسطيني بل ذكره في لقاء مع قادة فتح، وفي مقابلته مع صحيفة'يديعوت أحرونوت' وفي رسالته إلى الرئيس الأمريكي أوباما.
محمود عباس لا يعرف طبيعة التحولات الإسرائيلية الداخلية في العشرة سنوات الأخيرة: اتساع قاعدة المتطرفين والأكثر تطرفا، حيث تمثل هذه الظاهرة الأبرز في إسرائيل. كافة استطلاعات الرأي الإسرائيلية (وبخاصة في الأسبوع الأخير من كانون الاول/ديسمبر 2012) تشير إلى التقدم المتسارع للأحزاب الإسرائيلية الممثلة لهذين الاتجاهين: حزب'البيت اليهودي' وهو يميني قومي وصهيوني متطرف بقيادة نفتالي بينيت، سيحصل على 12 مقعداً. حزب'شاس' وهو حزب متشدد لليهود الشرقيين فسيحصل على 11 مقعداً. حزب'يش عتيد' وهو أيضاً حزب متطرف فسيحصل على 11 مقعداً.
حزب 'اليهودية الموحدة للتوراة ' سيحصل على 6 مقاعد.
حزب'القوة' سيحصل على مقعدين.
وإذا ما أضفنا اليهم: تحالف الليكود- بيتينيو بزعامة نتنياهو- ليبرمان فسيحصل على 33 مقعداً، فإن اليمين المتطرف الإسرائيلي سيحصل على أكثر من 75 مقعداً. هذا على اعتبار أن حزب'العمل'وحزب'الحركة' هما حزبان (وسطيان) مع أن هذين الحزبين صهيونيان بامتياز. هذه هي طبيعة الحكومة القادمة في إسرائيل.
النتائج السابقة جاءت وفقاً لاستفتاء أجرته صحيفة 'يديعوت أحرونوت' الإسرائيلية مؤخراً ونشرته (الجمعة 28 كانون الاول/ديسمبر الماضي).
والأغرب أن عباس يطالب بمفاوضات مع حكومة مثل هذه. بعض أحزاب الائتلاف الحكومي القادم (ولن يكون تحالف الليكود وإسرائيل بيتنا قادراً على تشكيل الحكومة من دون هذه الأحزاب، تماماً مثل الائتلاف الحكومي الحالي) مازالت تطرح شعار 'أرض إسرائيل الكبرى'، والضفة الغربية بالنسبة لها (كما هي بالنسبة لنتنياهو وليبرمان) هي يهودا والسامرة.
ومؤخراً اعترفت الحكومة الإسرائيلية بأول جامعة إسرائيلية حكومية، يجري إنشاؤها في مستوطنة أرييل في الضفة الغربية.
الرئيس الفلسطيني وفي مقابلته مع صحيفة 'هآرتس' تخلى تماماً عن شرطه: وقف الاستيطان (وهو أيضاً تنازل جديد) كشرط للمفاوضات، فهو يقول وبالحرف 'ليس هناك شروط مسبقة لاستئناف المفاوضات' وتم اختزال الشرط 'بأن تقوم بتجميد البناء في المستوطنات خلال المحادثات'.
الرئيس عباس أيضاً وبدلاً من إلغاء 'التنسيق الأمني' مع العدو الصهيوني فإنه (زعلان) و(هذا يتضح من حديثه للصحيفة) بسبب 'أنه ومنذ التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة فإن إسرائيل قامت بتخفيض التنسيق الأمني مع السلطة في الضفة الغربية'.
الرئيس عباس قال أيضاً: 'بأنه لن يسمح باندلاع انتفاضة ثالثة مسلحة ضد إسرائيل' مشيراً إلى أنه أصدر تعليماته إلى قوات الأمن لمنع 'أي حوادث عنف ضد إسرائيل'.
كل هذه التنازلات الجديدة لمحمود عباس والتي ظهرت في مقابلته مع صحيفة 'هآرتس' أثارت استخفاف ليبرمان (وفقاً لقول الصحيفة) فهي نقلت عنه قوله 'أن لا استئناف للمفاوضات مع الفلسطينيين في ظل وجود عباس في السلطة'.
باختصار: ليبرمان يهدف من وراء قوله هذا إلى الضغط على عباس لإبداء المزيد من التنازلات لإسرائيل.
هذا هو المأزق الذي حشر عباس نفسه والسلطة فيه: إنه المأزق الذي يدعو للسخرية والخجل وانعدام الخيارات (أو تضييعها بالأحرى)، الأمر الذي يجعل من استقالة عباس وحل السلطة وتقديم مفاتيح الاحتلال إلى إسرائيل، قضايا مطلوبة، ذلك لتتحمل عبء احتلالها للأرض الفلسطينية، لهذا. . . أتحداك أن تفعلها يا سيد عباس.
هل يسلم أبو مازن المفتاح للإسرائيليين؟
بقلم: عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
هذا ما هدد به أبو مازن الإسرائيليين، حيث قال لهم إنه ينوي أن يسلمهم مفتاح الضفة الغربية بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية التي على الأبواب، ما داموا يرفضون حل الدولتين. وبالتالي، عليهم أن يدفعوا ثمن الاحتلال بدلا من أن يجبوا منه الضرائب، كما هو الحال عليه اليوم.
وهنا، نتوقع منه، أي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فعلا أن يسلم الحكم للإسرائيليين، وينهي حكم أوسلو الذي وقّع قبل عشرين عاما وعليه أقيمت السلطة الفلسطينية، لأن التهديدات الفارغة تضر ولا تنفع.
والذي يجعله يفكر في هذه الخطوة غير المسبوقة في التاريخ، أي إعادة زمام الحكم للاحتلال، هو أن الحكومة الفلسطينية تشعر بالثقة والإحباط معا. فهي حصلت أخيرا على مقعد في الأمم المتحدة كدولة غير عضو، لكنه في الحقيقة انتصار رمزي وحسب. ومن جانب آخر، لم تعد السلطة قادرة على فعل شيء لتحسين أحوال الشعب الفلسطيني المسؤولة عن إدارته وفق اتفاق أوسلو، حيث تعيش على المعونات الدولية، وقليل من الرسوم التي يفترض أن تسلمها لها إسرائيل من تحصيل الجمارك.
المعونات لم تعد كافية، وإسرائيل امتنعت عن تسليم الفلسطينيين حقهم من أموالهم، وفي الوقت نفسه يتفرج العالم على هذا الوضع الغريب حقا. فالمشروع الفلسطيني في حال إفلاس سياسي ومالي ووصل إلى طريق مسدود بسبب إسرائيل التي ترفض استكماله بإقامة دولتين متجاورتين.
إن سلم أبو مازن مفتاح الدولة للإسرائيليين، هنا يتعين عليهم قانونيا أن يتحملوا مسؤولية إدارة وإعاشة مليونين ونصف المليون فلسطيني. لن تكون مهمة سهلة أبدا، وستعود الانتفاضات ضد الاحتلال التي توقفت بفضل وجود قوات شرطة فلسطينية في المنتصف.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد يبقى في منصبه بعد الانتخابات، يقول هازئا إن أبو مازن يهدد بحل السلطة المدنية الفلسطينية لأنه يخسر على الأرض في الضفة الغربية، حيث تتوسع منافِسته حركة حماس، وقد تهيمن على الأرض. لكن نتنياهو يدرك أن حل السلطة سيعني تدخلا دوليا، لأن الاتفاق الذي وُقّع بداية منذ عام 1993 كان برعاية أميركية، ولا بد أن يتحمل الأميركيون والمجتمع الدولي مسؤولية عواقب حل السلطة الفلسطينية. وهنا، على عباس أن يضمن ألا تستغل حماس الوضع الذي سيتدهور على الأرض لتسلم السلطة تحت دعاوى مختلفة، وربما بالاتفاق مع الإسرائيليين، كما يحدث حاليا في غزة التي لا تقوم المعارك فيها إلا عندما تعجز حماس عن ضبط الفصائل الفلسطينية، وتحديدا المنافِسة لها من سلفية وجهادية، لتخلق الهدنة رغما عن حماس.
أيضا، يفترض ألا يتنازل عباس في اللحظة الأخيرة عن تهديداته مقابل وعود كلامية، لأنه وضع الجميع في حال انتظار لساعة الحسم الموعودة. فالوضع في الأراضي المحتلة لم يعد مسألة تمويل مرتبات موظفي السلطة والبحث عن المزيد من الدعم المالي للخدمات المدنية، لأن إسرائيل تشعر بالثقة في توسيع مستوطناتها على الأراضي المحتلة ولم يعد أحد يبالي بما يحدث، ما دامت السلطة الفلسطينية منشغلة بالهم اليومي لمواطنيها.
الأقربون أولى بالسلطة
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
ما قاله نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” موسى أبو مرزوق رداً على “تهديد” محمود عباس بحل السلطة الفلسطينية، يفتقر إلى العلمية والاتساق مع المنطق السياسي، وينطوي على تناقض تاريخي مع موقف حركته من السلطة من حيث المسار السياسي الذي أفرزها، أي المفاوضات واتفاقات أوسلو وما تبعها، وكان هذا سبباً معلناً لرفض الحركة خوض الانتخابات لرئاسة السلطة بعد استشهاد ياسر عرفات، مع أنها خاضت انتخابات المجلس “التشريعي” .
غريب أن نسمع من قائد في “حماس” حديثاً عن استعداد الحركة لوراثة السلطة في الضفة، مستغلاً تلويح عباس بحل السلطة و”تسليم المفاتيح” لبنيامين نتنياهو . أبو مرزوق سربل النص الديني بلغة سياسية حين تساءل في رده على عباس “أليس الأقربون أولى بالسلطة”؟ . أي أن السلطة التي كانت وهمية ورجساً من عمل شيطان أوسلو أصبحت “معروفاً”، ذلك بأن “حماس”، كما يقول أبو مرزوق في تبريره لعرض وراثة السلطة، صمدت أمام حصار غزة، كما أنها انتصرت في حروبها مع “إسرائيل” .
ولكي يكون لكل مقام مقال، فإن عباس لم يقل إنه سيحل السلطة لأسباب تتعلّق بعجز إداري، بل لأن “إسرائيل” ترفض التفاوض وفق مرجعيات مقبولة، وتواصل بناء المستوطنات وتهويد القدس، وتتمسّك بمطالبتها بالاعتراف بها ك “دولة يهودية”، وترفض أي كلام عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وفق قرارات الأمم المتحدة . من الممكن أن يحل عباس السلطة، أو أن تنهار بفعل حصارها وتجفيف تمويلها، كما هو حاصل الآن . في هذه الحالة، ليست هناك آلية تمكّن “حماس” من وراثة السلطة سوى قبولها بالمواقف “الإسرائيلية” .
إذا حصل هذا فإن حماس ستفعل ما فعلته الحركة الأم في مصر عندما أمضت أكثر من ثلاثين عاماً في رفض اتفاقات “كامب ديفيد”، ثم عادت وتعهّدت احترامها . هل تأتي “حماس” على صهوة “الربيع العربي” بموافقة “إسرائيل” التي بدأ من عندها حصار السلطة مالياً ثم تبعتها أمريكا والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية . ليس من قبيل الرزانة السياسية أن يأتي فصيل فلسطيني ويرش السكّر على الجرح، أو يدخل إلى السلطة من بوابة كهذه، حتى لو اتكأ على الانتصار في غزة .
الانتصار الذي حصل في غزة أشاد به خصوم “حماس” قبل مؤيّديها، وذلك من زاوية مواجهة العدوان وتسجيل صفحة جديدة في معركة توازن الردع، علماً بأن الاحتلال ما زال يحاصر غزة ويسيطر على أجوائها، علاوة على احتلاله كل فلسطين . لذلك فإنه من غير المقبول تشغيل أسطوانة الانتصار لتحقيق مكاسب داخلية من انتصار تحقق بمشاركة جميع فصائل المقاومة، وبصبر أهل غزة وصمودهم، حتى وإن كان لفضائيات المرحلة رأي آخر، مع أننا لا ننكر، بل نثمّن، الدور القيادي لحماس في الانتصار الذي رغم تحقّقه لم يحرّر شبراً واحداً من فلسطين، ولم يوقف الاستيطان وتهويد القدس .
وحتى اتفاق التهدئة الذي اختزل الاختصار لم تحترمه “إسرائيل” بل تنتهكه كل يوم تقريباً، حيث بلغت انتهاكاتها للاتفاق منذ إبرامه أكثر من خمسين مرّة، وقد قتلت وجرحت وتوغّلت وكأن شيئاً لم يكن . إذاً فالعدوان “الإسرائيلي” مستمر بعد الانتصار وتحت غطاء التهدئة .
ولا ينبغي أن ننسى أن الانتصار الميداني لا يأخذ شهادته النهائية قبل اتّضاح النهاية السياسية على المديين المنظور والمستقبلي، وإلا لكنّا عدنا إلى الأندلس منذ عام 1968 عندما انتصرنا في معركة الكرامة .
غباء نتانياهو .. بالأدلة!
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
إذا كانت الحرب السورية قد شكلت المأساة رقم واحد على مدى عام «2012» فلم يبتعد الاستيطان الإسرائيلي للضفة الغربية عن ذلك الرقم، عندما أقدمت إسرائيل على بناء وتوسعة المستوطنات رداً على استنجاد رام الله بالأمم المتحدة لإنصاف الفلسطينيين. وفي كل الأحوال، لم تكن حكومة نتانياهو بحاجة إلى فعل فلسطيني حتى تطلق المشاريع الاستيطانية، بل استخدمت اللجوء الفلسطيني للشرعية الدولية كحجة للصراخ أولاً والرد بسرقة الأرض ثانيا.
التصرفات الإسرائيلية ليست سهلة، بل هي محملة ببذور حرب مستقبلية طاحنة لا يعلم إلا الله متى يمكن أن تقع وكيف، ذلك أن الاستيطان بالشكل المخطط له يقضي تماماً على فرص قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
غير أن اللقمة التي تحاول الدولة العبرية ابتلاعها أكبر بكثير من قدرتها أو قدرة حاميتها الولايات المتحدة ذاتها على الإفلات من العقاب. ولا تتعلق المسألة بالعالم الخارجي وحده، بل إن الإسرائيليين أنفسهم يؤمنون بالدولة الفلسطينية على عكس ما تدعيه الحكومة، حيث جاء في استطلاع حديث للرأي أن «67 %» من المواطنين في إسرائيل يؤيدون إقامة دولة فلسطينية، لكن الوزارة التي يترأسها نتانياهو تسعى إلى القفز على رغبة الجماهير الإسرائيلية ذاتها والإيحاء بأن التطرف اليميني قد غزا المجتمع ولا رجعة عنه ولا عن الاستيطان.
ولم تكن تلك هي الفضيحة الوحيدة التي ضبطت إسرائيل متلبسة بها، بل هناك ما يشبه حالة تمرد بين السفراء الإسرائيليين في العالم تجاه سياسة حكومتهم حول الاستيطان والشعب الفلسطيني. وعندما تجمع هؤلاء السفراء في القدس لعقد اجتماعهم السنوي أمس الأول، قيل لهم بلهجة قاسية إن عليهم التقيد بسياسات الحكومة أو الاستقالة والذهاب إلى بيوتهم.
وقد تطلب الأمر أن يوجه رئيس المجلس القومي الإسرائيلي التهديد للسفراء قائلاً لهم إن مهمتهم هي مهمة «الكتبة» لا أكثر، وأن عليهم أن يمثلوا حكومة إسرائيل ويأخذوا الأوامر والتعليمات منها.
وتقول صحف إسرائيلية وغربية إن هذه الفضيحة التي تدل على غباء نتانياهو، بقيت داخل الغرف المغلقة طويلاً قبل أن تتسرب إلى الإعلام وتعكس حالة من الإحباط الشديد بين الدبلوماسيين الإسرائيليين الذين لا يعتقدون بجدوى سياسات نتانياهو الذي يشرف بنفسه على «عملية السلام» مع الفلسطينيين والعلاقات الأميركية ــ الإسرائيلية.
الأراضي الفلسطينية المحتلة بين القرار الإسرائيلي وزيارة المسؤولين العرب
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
ربما لم يعد يخفى على أحد من الفلسطينيين أولاً ومن العرب ثانياً أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية سيتحول إلى سلطات مدنية إسرائيلية تمارس سيادتها السياسية الكاملة على تلك المناطق. وإذا كان البعض يريد مؤشرات أو أدلة على هذا الطموح الإسرائيلي فثمة أدلة عديدة أبرزها:
أولاً: إن الحكومة الإسرائيلية تعتبر القدس المحتلة جزءاً من السيادة الإسرائيلية و«عاصمة» لها وتقوم يومياً بتهويدها بعد أن فرضت مشاريع الاستيطان في داخلها تحويل الإسرائيليين إلى أغلبية.
ثانياً: إن عدد المستوطنين الذين يقيمون في مستوطنات الضفة الغربية بما في ذلك القدس أصبح أكثر من 750 ألفاً بموجب ما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت وتحولت المستوطنات وطرقها ومساحات الأراضي التابعة لها إلى عوائق جغرافية وسياسية أمام تشكيل أي دولة فلسطينية متماسكة المسافات والأبعاد.
ثالثاً: إن البرنامج السياسي الذي يطرحه تحالف كتلة (الليكود، إسرائيل بيتنا) الانتخابية لم يتضمن أي إشارة لدولة فلسطينية فيما يتبقى من الأراضي المحتلة لهذا الغرض.
رابعاً: إن الاقتصاد الفلسطيني غير موجود في مرافقه وبنيته الأساسية على نحو مستقل عن سلطات الاحتلال التي تخلق له أزمة فقر وركود وحصار كلما رغبت بذلك لأن معظم القوة الشرائية للمواطنين يتم استحضارها من رواتب شهرية يحصل عليها أكثر من (160) ألفاً من الموظفين ورجال الشرطة في السلطة الفلسطينية والأسرى السابقين وعائلات الشهداء.
خامساً: إن الانقسام الفلسطيني بين قطاع غزة والضفة الغربية ووجود حكومتين واقتصادين منفصلين منذ فرض الحصار على قطاع غزة جعل سلطات الاحتلال تقوم باستغلاله لكي تخلق كيانين منفصلين. تتوج أحدهما بارتباط محدد لا يشمل غير السكان في الضفة الغربية بالأردن وتترك الآخر في قطاع غزة لعلاقة مصرية خاصة.
وهذه النقاط أكدتها البرامج السياسية للانتخابات الإسرائيلية وكذلك تصريحات صدرت عن قادة المستوطنين في مناسبات كثيرة أمام عجز السلطة الفلسطينية عن إدارة الصراع بطريقة مختلفة وأمام صمت النظام الرسمي العربي. وقد يجهل البعض أن الضفة الغربية تخضع هي أيضاً لحصار مالي فلا يمكن إدخال أي مبالغ مالية إلى بنوكها أو إلى وزارة المالية الفلسطينية إلا بمعرفة سلطات الاحتلال وموافقتها ومراقبتها، وهذا ما يدفع إسرائيل إلى تجميد الأموال التي تجبيها من الفلسطينيين وعدم تسليمها للسلطة الفلسطينية في مناسبات كثيرة. ولو كانت حركة دخول الأموال إلى الضفة الغربية والمواطنين والمؤسسات الفلسطينية فيها مفتوحة لما جاع الفلسطينيون في كل مرة تقوم فيها إسرائيل بتجميد الأموال المخصصة للسلطة الفلسطينية!
ولذلك لا أحد يعتقد أن أي مسؤول عربي يعلن عن رغبته بتقديم مساعدة مالية للفلسطينيين يمكن أن يفعل ذلك من دون حصوله على موافقة مسبقة من إسرائيل وإذا ما رفضت فلن تصل هذه المساعدة. وهذا ما تثبته حقيقة أن دولاراً واحداً لم يصل إلى الفلسطينيين في القدس منذ أعلنت القمة العربية في بغداد قبل عام تقريباً عن تخصيص 500 مليون دولار لدعم المقدسيين، ففي أكثر من مناسبة أكد هذه الحقيقة رئيس مجلس المقاصد الخيرية في القدس حين اشتكى من أن العرب يعرفون أنهم لم يرسلوا دولاراً واحداً من هذا المبلغ. ولذلك يقول الإسرائيليون إن زيارة أمين عام الجامعة العربية إلى رام اللـه وإعلانه أنه سيحمل مساعدات مالية للسلطة الفلسطينية مجرد كلام في كلام لأن إسرائيل هي صاحبة القرار في مثل هذه المواضيع!
ويعترف الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بأن تقصير وإهمال النظام الرسمي العربي لقضيتهم وتجاهل معاناتهم لم يحدث لهما مثيل في السابق والكل يعرف الأسباب!؟
القضية الفلسطينية والمقترحات الروسية للخروج من المأزق
بقلم: الكسندر ديمتشينكو(باحث في مركز الدراسات العربية الإسلامية- أكاديمية العلوم الروسية) عن السفير البيروتية
مبادئ التسوية
تتطابق رؤية روسيا للمبادئ الأساسية للتسوية السلمية للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، التي يمكن مناقشتها في مؤتمر موسكو وغيره من المؤتمرات واللقاءات المماثلة، مع موقف المجتمع الدولي وأطراف «الرباعية» الشرق أوسطية. وقد عرض الزعماء الروس وكبار المسؤولين في وزارة الخارجية الروسية في أحاديثهم وتصريحاتهم للصحف، مراراً، آراءَ موسكو في أبعاد السلام المحتمل. لقد امتنع الوسطاء الدوليون على مدى عشرين عاما من عملية السلام، عن ذكرٍ مباشر لشكل الحدود بين فلسطين وإسرائيل.
فقد ألقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في 19 مايو/أيار عام2011 خطابا في مقر وزارة الخارجية الأميركية، بعنوان «الربيع العربي»، مما أصبح ردَّ فعل على المتغيرات الجارية في الشرق الأوسط وتغيُّرِ الوضع المحيط بالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. واصبح أوباما أولّ رئيسٍ أميركي، يعلن عن ضرورة إيجاد حل (بأسرع وقت ممكن) للنزاع، انطلاقا من مبدأ استعادة الحدود القائمة في عام 1967، بتبادلاتٍ طوعية للأراضي. وأيد الطرف الروسي هذه الصياغة.
وأكد مدير الديوان الرئاسي (آنذاك) سيرغي ناريشكين أن روسيا تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود المذكورة، على أن تكون القدس الشرقية عاصمةً لها. وكرّر الرئيس ميدفيديف أثناء لقائه بأوباما في 26 مايو/أيار على هامش قمة «الثمانية الكبار» بمدينة دوفيل الفرنسية، أن روسيا تؤيد اقتراحَه بشأن حدود عام 1967، آخذة بعين الاعتبار المتغيرات التي حدثت بعد حرب الأيام الستة. أما في ما يتعلق بتفاصيل التسوية السلمية، فإن مواقف روسيا منها تتسم بالواقعية. تنطلق موسكو من أن التنازلات يجب ألاّ يقدمها الإسرائيليون فحسب، بل والفلسطينيون أيضا. وتبقى قضية القدس أكثر القضايا «أَلَمًا».
وترى وزارة الخارجية الروسية أن الطرفين يجب أن يحلّا هذه القضية أثناء المرحلة الختامية من المفاوضات. ويرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن القدس الغربية ينبغى أن «تُثَبَّت» لإسرائيل، أما القدس الشرقية فيجب أن تعود إلى فلسطين. ولا يُستبعد، في هذا السياق، أن الاماكن المقدسة الواقعة في القسم الشرقي من المدينة، يمكن تسليمها لتكون تحت رقابة الأمم المتحدة أو منظمة «اليونسكو»، أما الهيئة الدولية التي ستتولى إدارتها، فيجب أن تُمَثَّل فيها الأديان الثلاثة، أي اليهودية والمسيحية والإسلام.
وثمة مسألة معقدة اخرى ألا وهي مطلب الفلسطينيين بعودة اللاجئين وعائلاتهم والذين غادروا منازلهم جراء حَرْبَي 1948 - 1949 و1967، إلى إسرائيل. وأشار لافروف إلى أن هذه القضية يجب حلها بعودة عدد «رمزي» من اللاجئين ودفع تعويضات إلى الأخرين، ذلك أن الحديث عن عودة جميع اللاجئين أمر غير واقعي، انطلاقا من سعي إسرائيل للحفاظ على التوازن السكاني والطابع اليهودي للدولة.
وتعترف روسيا بأن المطالبة بإجلاء عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود من الضفة الغربية أمر غير فعال، وينبغي أن يبحث الطرفان عن حل وسط يتمثل في التعويض ـ «بالأرض» ـ للفلسطينيين عن الأراضي المستوطَنة من قبل الاسرائيليين.
عدم القبول بأعمال أحادية الجانب
يؤدي الطابع المعقد لعملية السلام في السنوات الأخيرة إلى نتائج لا تحقق لفلسطين بسيادة «مرغوب فيها»، ولا تأتي بالأمن لإسرائيل، إلى اتجاه الطرفين إلى الاعتقاد بنجاعة الإجراءات من جانب واحد. وترى روسيا أن المسائل المتنازع عليها يجب حلها بالحوار، ويجب أن يُعترف بها، لأن الخطوات المتخذة بدون مشاورات مع الشريك، تعقّد عملية السلام.
ويخص ذلك بالدرجة الأولى النشاطَ الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. ففي 26 سبتمبر/أيلول عام 2010، انتهى الحظر الذي دام عشرة أشهر على بناء مستوطنات في الضفة الغربية. وأعلنت اسرائيل في 8 و9 نوفمبر/تشرين الثاني 2010 عن مخططات إنشاء ألف وثلاثمائة وحدة سكنية في القدس الشرقية، وثمانمائة وحدة سكنية في بلدة آريئيل بوصفها إحدى أكبر الوحدات السكنية في الضفة الغربية.
ونددت روسيا، شأنها شأن غيرها من أطراف «الرباعية»، باستئناف أعمال البناء في الأراضـي التي سيـتم تحـديد وضـعها الـقانـوني مستـقبلاً، وذلك رغم أن الجميع، بما في ذلك السلطات الفلسطينية، يدرك أن الوحـدات الضخمة للمستوطنات اليهودية ستعود إلى إسرائيل، حتى في حالة حدوث أكثر التطورات ايجابيةً بالنسبة للفلسطينيين. غير أن البناء «داخل المستوطنات» يتسم بأهمية رمزية بالغة بالنسبة للفلسطينيين والعالم العربي، لأن هناك توسُّعا للاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، الأمر الذي لا يساعد على توفير أجواء ملائمة للمفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية.
تحمل الأعمال أحادية الجانب من الطرف الفلسطيني هي الأخرى طابعاً واسع النطاق. فبعد أنْ وصلت المحاولة الأخيرة للبدء بالمفاوضات المباشرة بوساطةٍ من أوباما، إلى مأزق، راهن محمود عباس على إعلان الاستقلال في حدود عام 1967، وقرر العمل على قبول فلسطين، كدولة مستقلة، في عضوية الأمم المتحدة أثناء دورة الجمعية العامة في سبتمبر/أيلول 2011.
ففي الفترة ما بين أوائل ديسمبر/كانون الأول عام 2010 حتى مطلع يونيو/حزيران عام 2011، اعترفت إحدى عشرة دولة من دول أميركا اللاتينية باستقلال فلسطين ضمن هذه الحدود. وبلغ مجموع الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ضمن حدود غير مرسومة (بموجب إعلان الاستقلال عام 1988)، وضمن حدود عام 1967، زهاء مائة دولة.
تسعى روسيا جاهدة لإبداء الحد الأقصى من المرونة في مسألة الاعتراف بفلسطين؛ فعشية زيارة ميدفيديف إلى فلسطين في 18 يناير/كانون الثاني عام 2011 ، صرح عضو اللجنة المركزية لـ «فتح»، أحد أهم المفاوضين الفلسطينيين، نبيل شعث، في حديث أدلى به لصحيفة «الحياة»، بأن موسكو مستعدة للاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967.
وكرر الرئيس الروسي في مؤتمر صحافي مشترك عقده مع محمود عباس في أريحا، أن روسيا «تؤيد حق الفلسطينيين في إنشاء دولة موحدة (من حيث الأراضي) وغير قابلة للتقسيم»، معيداً إلى الأذهان أن موسكو كانت قد اعترفت بالدولة الفلسطينية في عهد الاتحاد السوفياتي، وأن موقفها إزاء هذه المسألة لم يتغير منذ ذلك الحين. وأشار الرئيس الروسي إلى أن فلسطين يتعين عليها أن تقطع مستقبلا ما تَبَقَّى من طريق يتصل بانشاء دولة مستقلة.
تدعو روسيا إلى حلٍ للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي يقوم على أساس إقامة دولتين، وتسعى لمشاركة كل القوى السياسية في عملية السلام. وترى موسكو أن ضمان نجاح عملية السلام يكمن في توسع إطاره، وجذب المشاركين الاقليميين للمشاركة فيها، لا سيما أن ضمان أمن اسرائيل يجب أن يصبح إحدى نتائج عملية السلام بالنسبة لها. كما ان لدى روسيا مواقعَ لا بأس بها، لتحقيق مبادراتها، كعضو في «الرباعية»، ودولة تتمتع بصفة «مراقب» في منظمة التعاون الإسلامي، وتحافظ على علاقات وثيقة مع العالم العربي. واللفات أن موسكو، وبالرغم من فوارق في مواقفها من القضية الفلسطينية (بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي)، لا تسعى لإزاحة «رعاة» آخرين، بل تحرص على إكمال نشاطهم والتعويض عن العيوب على هذا الصعيد.
وتدل الأحداث الأخيرة المرتبطة بانتقال الفلسطينيين إلى أعمال وحيدة الجانب، ومحاولات التصالح بين «فتح» و«حماس»، على أن عملية السلام تواجه صعوبات. فقد أَبْعَدَ «الربيعُ العربي» القضيةَ الفلسطينية إلى الأولوية الثانية، غير أنه اثر تأثيرا ملحوظا في توازن القوى حول فلسطين. ترى إسرائيل القلقة بهذا الشأن، أن ما يُنْقِذُها هو تحوُّلُها إلى قلعة منيعة.
وهنا تُطرح في المقام الأول مهامُ تحقيق الاستقرار في العلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية، والحيلولة دون انزلاقها إلى مجابهة مسلحة سافرة، وتعزيز المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية لحياة السلطة الفلسطينية، لكيلا تصبح الدولة الفلسطينية بعد إقامتها مستقبلاً، دولةً ذات سيادة فحسب، بل ودولة قادرة على الحياة أيضاً.
واقع اليسار الفلسطيني وأزمة صحيفة «الرسالة» وأصحابها
بقلم: معتصم حمادة عن اليوم المغربية
لم تعد تشكل مفاجأة أن تهتم وسائل الإعلام، الفلسطينية منها بشكل خاص، باليسار الفلسطيني وبدوره في الحالة السياسية. ونعتقد أن هذا ناتج عن أمرين رئيسيين: أولهما الدور المميز الذي يلعبه اليسار في الوضع الفلسطيني، خاصة في ظل الانقسام القائم، واستفحال الأزمة السياسية في الضفة كما في القطاع. ثانيهما التقدم الذي يحرزه اليسار على الصعيد الجماهيري، يعبر عن ذلك في تحركاته وأنشطته، حيث الالتفاف الشعبي واضح ولا يحتاج لتفسير.
من بين «الاهتمامات» باليسار، ذلك الملف الذي أطلقته صحفية الرسالة (غزة) التابعة لحركة حماس في 6/9/2012، حاولت من خلاله أن تلملم أقلاما من هنا وهناك، بدا واضحا أن معظمها لم يستطع أن يرى الأمور إلا من الخارج، ولم يستطع أن ينفذ إلى الداخل، لقراءة الوضع في تحركاته. وإنه، أيضا، اعتمد على المشاعر المسبقة في الرؤية والتحليل، وهذا مقتل كل باحث وصحفي، يترك لمشاعره أن تتحكم بقلمه بدلا من أن يذهب في البحث الموضوعي وصولا إلى النتائج الملموسة حتى لو كانت لا ترضي مشاعره. كما بدا واضحا أن بعضها حكمته خلفية فكرية، تقوم على العداء لليسار، بشكل مبدئي لا يبرره واقع الحال، ولا الضرورات الوطنية، ولا خصوصية الحالة الفلسطينية.
وقبل أن ندخل في تفاصيل الأمور وتناول القضايا محور النقاش، لا بد من الإشارة إلى مسألة شديدة الأهمية، تغيب عن بال الكثيرين ألا وهي المقارنة على الدوام بين قوة اليسار وإمكاناته وبين قوة كل من فتح وحماس. ويتناسى هؤلاء أن المقارنة الصحيحة والعادلة، لا تجوز بين قوى معارضة، تعتمد في يومها السياسي على ذراعها، وعلى جماهيرها، ومؤيديها، وبين حركتين تديران سلطة واحدة في رام الله، والأخرى في غزة، توفر لكل منهما، هذه السلطة، عناصر قوة ونفوذ، وقدرة على السيطرة، وأدوات وآليات، لا تتوفر لقوى اليسار.
علما أن قوى اليسار لم تطمح يوما تحت سقف أوسلو أن تكون سلطة، وهذا على الأقل ما أعلنته صراحة الجبهة الديمقراطية منذ ولادة هذا الاتفاق، ولم تعتمد سياسة الانقلابات العسكرية الدموية، ضد أوسلو، والسلطة الفلسطينية لتلعب دور البديل، ولو بالقوة. لذلك نعتقد أن على من يريد أن يقيم اليسار أو أن يزن قوته وقدرته الجماهيرية، وأن يقيم دوره وفعاليته السياسة وأن يسائله عن هذا الدور، أن يأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وإلا اعتبرت المعاينة مختلة وفاقدة للتوازن، لا تستند إلى الواقع، بل تطلق العنان، كما قلنا للمشاعر والموقف المسبقة، وهذا أمر لا يفيد الحالة الفلسطينية، وينتقص من دور أصحاب ملف «الرسالة».
ما هو اليسار؟
حتى لا يبقى اليسار مجرد لغز، من المفيد أن نقدم ما نعتبره تعريفا مبسطا وواقعيا لليسار الفلسطيني، انطلاقا من واقع الجبهة الديمقراطية ودورها في الحالة الفلسطينية.
أن تكون يسارا أو يساريا معناه أن تكون حريصا على صون البرنامج الوطني الفلسطيني، كما أقرته المؤسسة الفلسطينية، واعترفت به الدوائر العربية والإقليمية والدولية، وكما تبنته المؤسسات والاتحادات والنقابات والتيارات السياسية والاجتماعية الفلسطينية في مناطق وجود الشعب الفلسطيني كافة. (داخل مناطق 48، في الضفة، في القدس، في القطاع، في الشتات ودول الاغتراب والمهاجر)، وأن تناضل ضد المس بهذا البرنامج، أو التنازل عنه، أو المزايدة عليه، باعتباره البرنامج الوطني الذي وحد الشعب الفلسطيني، من خلال توحيد حقوقه الوطنية والقومية، ويرفض اليسار في هذا المجال، الموقف القائل بأن «الضرورات تبيح المحظورات» لأن هذا الموقف، قد يفتح الباب على مصراعيه لنسف البرنامج الوطني، إما للرضوخ لاتفاق ينال من حقوق الشعب الفلسطيني، وإما للركض وراء أوهام «الإمارة» أو غيرها من التشكيلات السياسية. علما أن ما من معيار واضح ومحدد وله سقف وقاعدة، يمكن من رسم وتعريف هذه «الضرورات»، وما دامت هذه الضرورات تبيح المحظورات، فمعنى ذلك أننا بتنا بلا برنامج إجماع وطني، وبتنا أمام حالة تعطي لنفسها، الحق الانفرادي في البت بمصير الشعب وحقوقه ومصيره.
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تصون الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها حاضنة المشروع الوطني، وأن تناضل على الدوام دفاعا عن هذا الموقع التمثيلي، باعتباره عنوانا وإطارا لوحدة الشعب الفلسطيني ووحدة كيانيته، والسد المنيع لمنع القوى العربية أو الإقليمية من العبث بهذه الكيانية تحت أي شعار كان، قطريا أو قومجيا أو إسلاميا.
ويسجل التاريخ والواقع الفلسطيني، للجبهة الديمقراطية الفصيل اليساري بامتياز، والفصيل الوطني بامتياز أيضا، أنها حملت لواء «م.ت.ف.»، في سنوات عجاف، حين رمى هذا اللواء من ذهب إلى العواصم العربية يدخل معها في إطار للعمل المشترك، ومن ذهب إلى عواصم أخرى لبناء هياكل بديلة، للمنظمة، وإذا كان البعض يتهم الجبهة الديمقراطية بأنها في دفاعها عن المنظمة، ملكية أكثر من الملك، فإن الحقيقة تقول إن الجبهة في هذا الميدان ليست ملكية، بل هي الملك نفسه. هذه من الثوابت التي رفضت الجبهة المساومة عليها، رغم كل الإغراءات المالية وغير المالية التي قدمت لها، ورغم الإنذارات وعمليات التخريب التي تعرضت لها. لكن الجبهة صمدت، بفعل صلابة قاعدتها الجماهيرية، وبفعل التفاف الحالة الشعبية حولها وحول «م.ت.ف.».
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تصون وحدة الشعب الفلسطيني، وقواه السياسية في مواجهة الاحتلال والاستيطان، في خوض معركة التحرير والاستقلال والسيادة. الخلافات والتعددية السياسية، أمر طبيعي في صفوف كل شعوب الأرض، ومنها الشعب الفلسطيني، لكن الخلاف السياسي شيء وتحويل الخلاف السياسي إلى سبب للاحتراب الدموي، واستعمال العنف وسيلة للحسم، شيء آخر.
هنا ترفض الجبهة القول بأن «فتنة صغرى قد تعفي من فتنة كبرى». فهذا القول تشريع واضح وصريح للعنف والاقتتال وتدمير الوحدة الداخلية لشعب فلسطين. والذين ذهبوا إلى انقلاب 14/6/2007، رفعوا هذه المقولة «الفتنة الصغرى والفتنة الكبرى»، وأعطوا لأنفسهم الحق في رسم حدود «الفتنة» التي أدخلوا فيها الحالة الفلسطينية، والتي مازلنا حتى الآن نعاني نتائجها وتداعياتها، وآثارها المدمرة على الشعب وقضيته الوطنية. الجبهة الديمقراطية تتمسك بالحوار الوطني سبيلا وحيدا لحل الخلافات السياسية، والوصول إلى التوافقات التي يفترض أن تكون ملزمة لكل من وقع عليها، كما هو حال وثيقة الوفاق الوطني (2006)، وإعلان القاهرة (2005)، ووثيقة المصالحة (2011).
أن تكون يسارا أو يساريا، معناه أن تتمسك بمبدإ العدالة الاجتماعية بين فئات الشعب وشرائحه المختلفة، وأن تدافع عن مصالح الفقراء والعمال والفلاحين، وأصحاب الدخل المحدود، وحقوق المرأة، ومصالح الشباب، وكل الفئات المهمشة، وأن تدفع باتجاه نظام اقتصادي يحد من جشع كبار التجار والأغنياء، ويفكك المافيات، ويكافح الفساد، ويضع حدا له، ويرسم أسسا للمساءلة والمكاشفة ومحاسبة المسؤولين تحت شعار «من أين لك هذا؟»، برامج اليسار، وبشكل خاص الجبهة الديمقراطية ناطقة بهذا كله، وتحركات ونضالات قواعدها، ومنظماتها ومؤسساتها، وممثليها في الاتحادات والنقابات، ومواقف ودعوات، وتحركات ممثليها في اللجنة التنفيذية، والحكومة الفلسطينية، والمجلس التشريعي، دليل على ذلك.
ولمن خانته الذاكرة، نعيد ونؤكد كيف بادر الرفيق قيس عبد الكريم (أبو ليلى) عضو المجلس التشريعي، وفور دخوله قاعة المجلس، لتقديم مشروع قرار بتخفيض مرتبات وتعويضات أعضاء المجلس، وكيف تصدت له الكتلة البرلمانية الأكبر آنذاك (كتلة حماس) بدعوى أن المرتب وسيلة ليتفرغ أعضاء المجلس لمهامهم وليؤمن لهم مستوى من الحياة، تمكنهم من الالتفات لمصالح الناس. وقد أعاد التأكيد على اقتراحه هذا في إحدى مقابلاته التلفزيونية الأخيرة، بينما كان الشارع يعج بالمتظاهرين ضد السياسات الاقتصادية لحكومة فياض.
العدالة الاجتماعية، ومبدأ «من أين لك هذا؟» من شأنهما أن يلزما حكومة هنية على سبيل المثال، للبحث في الأسباب والعوامل، والمصادر، التي فتحت الباب لولادة المئات من أصحاب الملايين في قطاع غزة تحت الحصار، في وقت ترتفع فيه البطالة بين المواطنين ويتحول القطاع برمته باعتراف المنظمات الدولية إلى أزمة إنسانية، تحتاج لحلول بعيدة المدى.
الأرزاق لا تأتي من السماء كما يأتي المطر، الأرزاق مسألة اقتصادية، أولا وأخيرا، وهناك اقتصاد يؤمن العدالة الاجتماعية، واقتصاد يقوم على الفساد ونهب المال العام، والاحتكار، والتهريب، وسرقة لقمة العيش من جيوب الفقراء والمتاجرة بمآسيهم.
التمويل.. وما أدراك ما التمويل؟...
تتهم الجبهة الديمقراطية أنها تتواطأ مع السلطة الفلسطينية ورئيسها، ومع الفريق المفاوض، حرصا منها على عدم انقطاع حصتها المالية من فتح، ونعتقد أن تهمة التواطؤ هذه لا يصدقها لا رئيس السلطة، ولا رئيس الحكومة سلام فياض، ولا الفريق المفاوض، ولا حتى الفريق الفتحاوي الذي يدير مع حماس مباحثات إنهاء الانقسام. ومواقف الجبهة في هذا المجال لا تحتاج لمن يدافع عنها. ما يحتاج لتوضيح هنا، (رغم أن الذين وجهوا للجبهة هذه التهمة يعرفون الحقيقة لكنهم يتلاعبون بها، ظنا منهم أنهم بذلك يتذاكون على القراء وعلى الرأي العام)، هي مسألة «التمويل»، وحصة الجبهة.
حصة الجبهة تنالها من الصندوق القومي لمنظمة التحرير، وبقرار من المجلس الوطني الفلسطيني والمؤسسات المعنية، وهي مخصصة لتوفير احتياجات كتائب المقاومة الوطنية، الذراع العسكري، وهو الصندوق الذي يقدم مساعدات مالية لفتح نفسها، ولباقي الفصائل، وإن كانت الحصص هنا لا تقوم على مبدأ «العدالة النضالية». وكثيرا ما حرمت الجبهة من حصتها هذه، بقرار تعسفي، عقابا لها على مواقفها السياسية، فالكل يدرك، وفي مقدمتهم العاملون في «الرسالة» و«الكتبة» لديهم أن الجبهة حين تتخذ قرارا سياسيا، لا تضع في اعتبارها مسألة المال، وحصتها في «م.ت.ف.»، فالجبهة تعتمد على ذاتها في إدارة شؤونها أولا وقبل كل شيء لأنها تريد لقرارها السياسي أن يكون متحررا من كل الضغوط المالية.
وكم كنا نتمنى لو أن «الرسالة» فتحت باب «التمويل» على مصراعيه لتقول لنا، أين ذهبت الأموال التي جمعتها حماس، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية، باسم الشعب الفلسطيني، وليس باسم حماس، وتحت شعار «فك الحصار عن القطاع والحكومة»، هل ذهبت حقا إلى وزارة المال، أم ذهبت إلى صناديق أخرى؟؟ ولمن خانته الذاكرة، فإن في ملفات القضاء الفلسطيني، قضية قيادات في حماس وفي حكومتها، وأعضاء في كتلتها البرلمانية، تسلموا في الخارج مبالغ من المال، باسم السلطة والحكومة، وعادوا بها إلى غزة، ولم يحولوها، حتى الآن إلى وزارة المال. ولا نذيع سرا حين نتحدث عن ملايين الدولارات التي صبت في صندوق حماس من عواصم عربية ودولية، ما يدفعنا للسؤال: إذا كانت بضعة آلاف من الدولارات كافية للضغط على المواقف السياسية للجبهة الديمقراطية، فماذا يمكن، إذن، أن تفعل الملايين في مواقف حماس، خاصة وأنه، على قاعدة هذه الملايين قامت الامتيازات والمكاسب الفردية؟؟
في السياسة...
يقول بعض كتاب الملف في الرسالة إن الجبهة الديمقراطية تضع قدما في المعارضة وقدما في السلطة. وهذا توصيف بسيط وساذج، وخارجي، وسطحي لسياسة الجبهة وأدائها. إن سياسة الجبهة تنطلق من الدعوة لإستراتيجية سياسية بديلة، ليس لسياسة السلطة في رام الله فحسب، بل وكذلك لسياسة حركة حماس في القطاع. فكثير من أوجه الشبه بين السياستين، وأهم وجه من هذه الأوجه أن الطرفين كلا من موقعه، وبأسلوبه، يغلب متطلبات السلطة والحكم، على غيرها من المتطلبات السياسية الأخرى، ويزن البدائل بميزان الامتيازات التي تقدمها له السلطة.
للجبهة ممثل في الحكومة، لكنه يمثل سياسة الجبهة داخل وزارته وداخل الحكومة ولا يمثل سياسة الحكومة داخل الجبهة. ونعتقد أن من تابع تصريحات ومواقف وزيرة الشؤون الاجتماعية في حكومة فياض، بإدارة الوزيرة ماجدة المصري، وتابع أداء وزارتها، في الضفة كما في القطاع، يلمس جيدا الدور المميز الذي تلعبه هذه الوزارة، في أداء حكومة فياض.
وللجبهة ممثل في اللجنة التنفيذية، ومواقفه السياسية العلنية والموزعة على النطاق الإعلامي الواسع، ناطقة بما فيها، وكذلك تنطق بوضوح تصريحات ومواقف ممثل الجبهة في المجلس التشريعي الرفيق قيس عبد الكريم (أبو ليلى).
ونعتقد أن اتهام الجبهة بأنها تضع قدما في المعارضة وقدما أخرى في السلطة يفقد أثره حين يأتيها من طرف سياسي بات جل همه أن يديم إقامته في السلطة ولو على حساب المصلحة الوطنية العليا.
الانقسام والمسؤولية عنه..
لا يفيد كثيرا اتهام الجبهة بأنها لا تتخذ المواقف الصائبة من مسألة الانقسام. فهذا الاتهام لن يغطي على مسؤولية حماس التي قامت بالانقلاب يوم 14/6/2007، وأحدثت هذا الانقسام في الحالة الفلسطينية. وهي مسؤولية رئيسية مهما حاولت أن تتبرأ منها وأن توزع المسؤوليات على الآخرين، بذريعة أننا جميعا مسؤولون عن البحث عن المخارج لأزمة الانقسام.
الجبهة أدت دورها، السياسي والدبلوماسي والجماهيري، ضد الانقسام، وكانت أول من قدم مبادرة لإنهائه، بعد أيام قليلة على وقوعه. كما تحملت مسؤولياتها في الحوار الوطني في القاهرة لتطبيق الورقة المصرية. ولكن على أصحاب الاتهامات أن يتذكروا جيدا أن ما يتم الاتفاق عليه جماعيا، سرعان ما يتم نسفه ووضع اتفاقات بديلة عنه، حين يلتقي الطرفان «فتح وحماس». وأن ما يتم الاتفاق عليه حتى بين الإثنين، لا يتم الالتزام به منهما بالذات.
مثال على ذلك اتفاق الدوحة بين الرئيس عباس ومشعل، ثم بروتوكول القاهرة لتطبيق اتفاق الدوحة، بين أبو مرزوق وعزام. ترى من عطل تطبيق ما تم الاتفاق عليه بينهما؟ ومن المسؤول عن عرقلة الوصول إلى الحل؟ هل الأطراف الممسكة بالسلطة وبالقرارات هنا وهناك، أم الأطراف المعارضة التي لا صلاحية سلطوية لها؟. نعتقد أن مستوى الوعي لدى أبناء الشعب الفلسطيني لم تعد تنفع معه سياسة ذر الرماد في العيون، لا عبر «الرسالة» ولا عبر أي وسيلة أخرى.
أخيرا وليس آخرا، كنا نتمنى على «الرسالة» أن تفتح ملفات بعيدا عن المناكفات والألاعيب الصبيانية. لماذا لا تفتح ملف الفساد في القطاع. وملف البطالة والفقر المتزايد، ومظاهر الثراء المتزايد هو الآخر. وملف الكهرباء و«الأسرار» التي تقف خلف انقطاع التيار. وملف المساعدات التي تفد إلى القطاع، من أصدقاء الشعب الفلسطيني، وكيف توزع وعلى من وفي أية مستودعات تخزن، وكيف بقدرة قادر، تظهر في اليوم التالي في مخازن مدينة العريش؟.
سؤال لإخوان مصر:«أهذا عيشنا»؟
ممدوح الشيخ (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
في الفيلم المصري الشهير «المومياء» (المستحق بجدارة وصف: رائعة شادي عبدالسلام)، كانت قبيلة الحرابات تعيش على انتهاك حرمة جثث الموتى (مومياوات الفراعنة) وسرقة ذهبها. وعندما مات شيخ القبيلة الذي كان أحد قليلين الذين يعرفون السر، لم يكن هناك مفر من إطلاع ولديه على «الوديعة»، وفي لحظة مواجهة الحقيقة للمرة الأولى لم يخف أحد الولدين صدمته، فأطلق سؤالاً كالرصاصة: «أهذا عيشنا؟».
وعندما يكتشف شخص ما أنه جزء من تركيب كبير (بناء تنظيمي) لا يعرف إلا القليل من حقيقة آليات عمله، بل أحياناً لا يعرف هدفه الحقيقي، فإن هذا الشخص يواجه اختباراً أخلاقياً صعباً. والحال هنا لا يختلف إلا نسبياً من قبيلة الحرابات إلى قبيلة/ جماعة الإخوان المسلمين.
والاختبار القصير للجماعة في السلطة في مصر أدى إلى خروج غير قليل من كوادر الجماعة – فضلاً عن القياديين المعروفين عبدالمنعم أبو الفتوح وكمال الهلباوي – بسبب الإحساس بأن المسافة بين ما يتبناه التنظيم وما يمكن أن يقبله بعض كوادره تتسع. وصحيح أن معظم حالات الخروج من الجماعة يمكن تفسيرها بأسباب جزئية، لكنها كلها، تشير إلى هذه المسافة.
وأحد هؤلاء، وليس الوحيد، استقال فقط بسبب تقديره لمدى أخلاقية موقف الجماعة من الثورة والقوى الثورية، وهو حكى لي كيف عبّرت أمه عن صدمتها باستقالته من الجماعة وهي على بُعد خطوات من السلطة، بينما بقي فيها لسنوات وهي تواجه الحظر والقمع معاً، وقد كانت إجابته: «ضميري غير مرتاح».
والنفس الإنسانية قادرة على أن تبرر لنفسها، لكن الضمير الأخلاقي السوي لا يقبل المسكنات أبداً، ولذا فإن المعيار الأخلاقي هو ما سيظل اختباراً عسيراً للجماعة أمام شريحة ليست قليلة من قاعدتها التنظيمية.
وما نشر من معلومات عن تذمر متفاوت الحدة في صفوفها على خلفية ما عرف بـ «أحداث قصر الاتحادية» مؤشر في هذا الاتجاه. فقد كشفت الأزمة عن ميل لاستخدام العنف وعن خطاب إقصائي طالما أكدت الجماعة أنها تجاوزته تماماً.
وثمة عاملان ساهما بقوة في كشف درجة التباين بين صورتين للجماعة، العامل الأول هو التحالف الإخواني السلفي، والعامل الثاني هو الوزن النسبي الكبير لـ «الصقور» في مكتب إرشاد الجماعة رجّح كفة اختيارات سياسية وفقهية وكرس لغة خطاب تتعارض بشكل ليس بالقليل مع التراث التربوي الإخواني الأصيل.
وتشكل الاستقالات المشار إليها، وحالات انفصال تنظيمي أخرى، ترجمة هامسة للسؤال/ الصرخة الذي أطلقه أحد أبطال فيلم «المومياء»: «أهذا عيشنا؟»
علاقات مصر بالخليج.. بعد خلية الإخوان
بقلم: محمد مبارك جمعة عن أخبار الخليج الإماراتية
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة إلقاء القبض على 10 عناصر منتمين إلى تنظيم «الإخوان المسلمين»، ووجهت الأجهزة الأمنية إليهم تهماً تتعلق بمحاولة قلب نظام الحكم في الإمارات مع تفاصيل أخرى تتعلق بالتمويل والتدريب وغير ذلك. ومن المعروف أن تنظيم الإخوان المسلمين يعتبر محظوراً في الإمارات. ليس هذا فقط، بل سبق أن وجه الشيخ عبدالله بن زايد وزير خارجية الإمارات رسالة إلى باقي دول الخليج بأن عليها جميعاً أن تتكاتف لمواجهة التنظيم. المتحدث الرسمي باسم الجماعة في مصر صرح بأن المقبوض عليهم ينتمون فعلاً إلى الإخوان، إلا أنه أكد أنهم موجودون هناك «للعمل» وليس لأي شيء آخر.
الموضوع الذي أطرحه اليوم لا يتعلق بتفاصيل الخلية التي فككتها الإمارات، لأن الأيام القادمة ستكشف المزيد، وإنما أتحدث عن العلاقات الخليجية المصرية: هل تتأثر بحدث كهذا، أي هل يؤثر القبض على عناصر ينتمون إلى تنظيم الإخوان على العلاقات المصرية الإماراتية بشكل خاص، والعلاقات المصرية الخليجية بشكل عام، في ظل وصول تنظيم الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر؟ التجارب تعلمنا أن نستنتج من خلال ما نراه على الأرض.
صحيفة الـ«فايننشال تايمز» نشرت قبل أسبوعين تقريراً يبدد هذه المخاوف، حيث أشارت إلى أن بنك «إن بي دي» الإماراتي، والمملوك للحكومة الإماراتية (وأرجو التركيز على مسألة أنه مملوك للحكومة الإماراتية) يرغب في الاستثمار في مصر من خلال شراء الذراع المصرية لمؤسسة «بي إن بي باريبا». وقد صرح الرئيس التنفيذي للبنك الإماراتي بأن السوق المصرية بها الكثير من الإمكانات التي تحفز على الاستثمار. وليس لنا أن نفهم معنى أن يعبر بنك «إماراتي» مملوك للحكومة «الإماراتية» عن رغبته في الاستثمار في مصر إلا بأن نعتبر العلاقات السياسية بين مصر والإمارات طبيعية جداٌّ.
ليس هذا فحسب، بل ذكرت الصحيفة أيضاً أن المملكة العربية السعودية، ومعها قطر، قد عززتا من دعمهما لمصر، وقامتا بضخ مئات الملايين من الدولارات لمساندة البنك المركزي المصري. ونقلت الصحيفة عن أحد الخبراء الاقتصاديين قوله إنه رغم الشكوك التي كانت تعتري تصريحات دول الخليج في بداية الثورة المصرية بأنها ستساند مصر مالياٌّ، فإن الدعم المالي الخليجي لمصر الآن قد وجد طريقه بشكل فعلي.
وذكرت الصحيفة أيضاً أن دول الخليج تشعر بالارتياح للاستثمار في مصر، ولا تعتبر أنها تواجه خطراً، مشيرة أيضاً إلى أن هذه الدول بدأت تملأ الفراغ الذي تركه التراجع الغربي عن الاستثمار في السوق المصرية.
إذن نستنتج من كل هذا، أن علاقات دول الخليج بمصر لا يمكن أن تتأثر، وحينما تقول الصحيفة العالمية الأولى في مجال المال والاقتصاد ذلك فعلينا أن نأخذ ما تقوله بعين الاعتبار. ولذلك فإن رسالتي لكل من وجهوا سهام نقدهم إلى دولة الإمارات العربية المتحدة بعدما قبضت على عناصر الإخوان هي ببساطة: اتركوا الإمارات تفعل ما تراه صائباً للحفاظ على أمنها فهذا حقها وهو من واجبها كدولة، وهناك تحقيقات وقضاء سيقول كلمته، ولا تقلقوا بشأن العلاقات الخليجية المصرية، فهي في تنام مستمرّ.. واسألوا «الفايننشال تايمز»..!
