السبت
12/1/2013
أقلام وآراء عـــــــــــــربي
في هـــذا الملف:
الحرب على الاخوان تشق الخليج
بقلم عبد الباري عطوان عن القدس العربي
«الإخوان» بين الحداثة و»القاعدة»
بقلم مصطفى زين عن الحياة اللندنية
برلسكوني 'يفضح' الثورة الليبية
رأي القدس
دروس من أقدم الديمقراطيات
بقلم عادل درويش عن الشرق الاوسط
سوريا.. الإبراهيمي ليس القصة
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
الاختباء خلف "الباتريوت"
بقلم سميح صعب عن النهار اللبنانية
أبعد من طرح مسألة العنصريّة
بقلم حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
عيون وآذان (كذبهم موجود وباقٍ ما بقوا)
بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
الحرب على الاخوان تشق الخليج
بقلم عبد الباري عطوان عن القدس العربي
من يتابع الاعلام الخليجي، والسعودي منه على وجه الخصوص، يلمس وجود حملة شرسة ضد حركة الاخوان المسلمين، والتيارات الاسلامية بشكل عام، والدعاة الخليجيين الكبار الذين تعاظم نفوذهم في الايام الأخيرة، بفضل وسائل الاتصال الاجتماعي مثل 'الفيس بوك' و'التويتر'، التي يصعب على الدول وأجهزتها الامنية المتخصصة السيطرة عليها وحجبها مثلما كان يحدث للصحف ومواقع الانترنت.
واذا كان الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس شرطة دبي 'الرائد' في هذه الحملة على الإخوان المسلمين ومن اوائل المحذرين بشراسة من اخطارهم، فإن مقالات عديدة بدأت تظهر في الصحافتين السعودية والإماراتية تسير على النهج نفسه، وبطريقة توحي ان هناك جهات عليا في الدولة تريد فتح جبهة مع هؤلاء، سواء في مصر الذين يتربعون على سدة الحكم فيها، او في الداخل الخليجي نفسه.
هذه الحملة على الاخوان، وربما التيارات السلفية لاحقا، تشكل نقضا لتحالف تاريخي بين الانظمة الخليجية المحافظة وهؤلاء، وهو التحالف الذي ادى الى استقرار هذه الانظمة، ومحاربة كل الافكار اليسارية والقومية التي كانت تشكل تهديدا لهذا الاستقرار في نظر الحكام.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هذه الايام هو حول هذا الانقلاب الخليجي المفاجئ على الفكر الاخواني، الذي حظي بالاحتضان والدعم، بل والتحكم في النشء الخليجي طوال الثمانين عاما الماضية، من خلال السماح لمفكري الاخوان واساتذتهم بالسيطرة على القطاع التعليمي التربوي، ووضع المناهج الدراسية وإقامة الجمعيات الدعوية والخيرية، ليس داخل دول الخليج وانما في العالم بأسره؟ ثم كيف انقلبت هذه العلاقة من صداقة حميمة استراتيجية الى حرب ضروس، من جانب واحد على الاقل في الوقت الراهن، اي بين الانظمة الخليجية الحاكمة وحركة الإخوان؟
' ' '
الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها يمكن اختصارها في النقاط التالية:
*اولا: ادراك الحكومات الخليجية ان حركة الإخوان المسلمين حركة 'عالمية' محكومة بتنظيم دولي، يجعل الولاء التنظيمي للمرشد الأعلى الموجود في مصر، وليس للسلطات المحلية،ولا حتى لأمير الجماعة في هذه الدول.
*ثانيا: سيطرة الحركة الاخوانية الاسلامية على عملية تشكيل الاجيال الجديدة من خلال وضع المناهج المحلية ادى الى هيمنتها على الجيوش والأجهزة الامنية، الأمر الذي جعلها مهيأة اكثر من اي وقت مضى لقلب انظمة الحكم، والاستيلاء على السلطة، وهو نقطة الخوف المركزية لدى الانظمة الخليجية.
*ثالثا: في ظل ضعف التيارات الليبرالية واليسارية في دول الخليج نتيجة لعقود من القمع والاضطهاد، باتت التيارات الاخوانية المنظمة هي القوة المرشحة لقيادة ثورات الربيع العربي المطالبة بالتغيير السياسي في دول الخليج.
*رابعا: تمتاز التيارات الدينية والاخوانية على وجه الخصوص، باستقلال مالي يميزها عن التيارات الاخرى، نظرا لشبكاتها التنظيمية المعقدة، وامتلاك انصارها موارد مالية ضخمة، نظرا لسيطرتهم على شركات ومؤسسات مالية ضخمة في دول الخليج على وجه الخصوص، الأمر الذي يجعلهم يجمعون بين القوتين السياسية والاقتصادية معا.
*خامسا: تمتع الحركات الاسلامية بتأييد كبير في الاوساط الشعبية لان ايديولوجيتهم ترتكز على العقيدة الاسلامية، وسيطرتهم على المساجد، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، مما يعني خمسة اجتماعات يومية مصغرة، واجتماعا اسبوعيا كبيرا كل يوم جمعة.
*سادسا: اتباع الحركات الاسلامية غير الجهادية، والاخوان المسلمين على وجه الخصوص، سياسة ضبط النفس، وتجنب اي صدام مع الدولة، وهذا ما يفسر صمت حركة الاخوان في مصر تجاه الهجمات التي تستهدفها، والتمسك بالتهدئة، وارسالها وفودا الى دولة الامارات لحل ازمة المعتقلين بالطرق الدبلوماسية. ولم يكن مفاجئا ان يتهم كتاب سعوديون الحركة الاخوانية باتباع 'مبدأ التقية' في ممارساتهم التنظيمية.
' ' '
الدول الخليجية وباختصار شديد، تشعر بالقلق من سيطرة الاخوان على مصر وتونس والسودان ومحاولتهم للسيطرة على الاردن واليمن وسورية، مما يجعلها محاصرة وبالتالي مهددة بالسقوط في ايدي المحور الاخواني الجديد، تطبيقا لنظرية 'الدومينو' السياسية.
هناك ايجابيات وسلبيات في هذه الهجمة الخليجية السعودية الشرسة ضد حركة الاخوان، بالنسبة الى انظمة الحكم في الجزيرة العربية، أما الايجابيات فتختصر في محاولة تحصين الجبهة الداخلية، وتقليص نفوذ الاخوان المسلمين، ولكنها تبدو صحوة متأخرة في نظرنا، لعدم وجود حليف بديل يمكن الاستناد اليه، لغياب اليسار والليبراليين وضعف جذورهم في المجتمعات الخليجية المحافظة.، وكل محاولات جديدة لتقوية هذا التيار الليبرالي تظل محدودة التأثير مثل المرسوم الصادر امس من قبل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإدخال ثلاثين امرأة الى مجلس الشورى، وهي خطوة ستخلق مشاكل اكثر مما ستجد حلولا، خاصة مع المؤسسة الوهابية الداعمة للحكم، المعارضة لاي دور للمرأة مساو للرجل في المجتمع.
اما اخطار هذه الهجمة ضد الاخوان فهي الاصطدام بالمؤسسة الدينية، وعدد كبير من الدعاة المتنفذين، مثل الشيوخ سلمان العودة، ومحمد العريفي، وسفر الحوالي، ومحسن العواجي وعايض القرني، وبعض اتباع هؤلاء على جهاز التويتر فاق المليون متابع، و هم في تزايد مطرد.
الشيخ سلمان العودة الداعية السعودي البارز انضم مؤخرا الى حملة تطالب بمجلس شورى سعودي منتخب، بينما طالب آخرون بمحاسبة دقيقة لكيفية انفاق المال العام، والاشراف على ميزانية الدولة الجديدة التي هي الاضخم، حيث بلغت 223 مليار دولار، وهناك حملة شرسة لمطاردة الامراء الذين استولوا على ملايين الهكتارات من الاراضي دون وجه حق.
المسؤولون الخليجيون الكبار يعتقدون ان هناك تحالفا مصريا ـ تركيا ـ قطريا يقف خلف هذا التمدد الاخواني يريد السيطرة على المنطقة بأسرها لا بدّ من مقاومته، وهذا ما يفسر الجفوة السعودية ـ التركية المتنامية، والحرب الضروس التي تشنها دولة الامارات ضد نظام الرئيس محمد مرسي الاخواني في مصر من خلال دعم جبهة الانقاذ المصرية المعارضة.
' ' '
لا بدّ من الاعتراف بان خوف الدول الخليجية في محله، فهذا المثلث الجديد على درجة كبيرة من الخطورة اذا ما تعزز وتماسك واستمر، لانه يملك كل اسباب القوة العسكرية (تركيا) والمالية (قطر) والبشرية الاستراتيجية (مصر).وهو يحل بشكل تدريجي متسارع محل المثلث المصري ـ السعودي ـ السوري الذي حكم المنطقة طوال الاربعين عاما الماضية، واخرج العراق من المعادلة ومهدّ الطريق للسلام مع اسرائيل.
واذا كان المثلث الاول اعتمد على العلاقة الوثيقة مع الغرب وامريكا، فإن المثلث الجديد يسير في الاتجاه نفسه، وربما تكون علاقته اوثق مع امريكا، ولو مؤقتا، في ظل وجود الرئيس باراك اوباما في الحكم.
النظام السوري سيخرج المستفيد الاكبر من هذا الصراع المتفجر داخل الجبهة المعارضة لبقائه، والداعمة للمعارضة المسلحة التي تريد اسقاطه. فتنظيم الاخوان المسلمين هو العمود الفقري لهذه المعارضة (الرسمية)، وجبهة النصرة الجهادية الطابع الاكثر حضورا على الارض، وتشكل استقلاليتها خطرا ساحقا على النظام السوري والدول الخليجية معا.
ولعل الخطوات التي اتخذتها السلطات السعودية مؤخرا والمتمثلة في قرار منع القنوات الطائفية السلفية، وحديث وزير خارجيتها سعود الفيصل عن ترحيبه بحل سلمي، وترك مسألة خروج الاسد للشعب السوري، وهو الذي كان صقرا في المطالبة بتسليح المعارضة، كلها مؤشرات توحي بأن الموقف السعودي يتغير، وتؤكد تقاريرعودة الاتصالات السرية بين دمشق والرياض.
تقاطر الدعاة السعوديين والخليجيين الى القاهرة، وآخرهم الدكتور محمد العريفي الذي القى خطبة في جامع عمرو بن العاص في قلب العاصمة، طالب فيه رجال الاعمال الخليجيين بالاستثمار في مصر وليس الغرب، هو احد ابرز عناوين المشهد الخليجي الجديد: حكومات تعارض النظام المصري الاخواني بقوة، ودعاة متنفذون يقفون في خندقه.
ولا يمكن ان ننسى في هذه العجالة الحجيج الايراني الجديد الى قاهرة المعز، وزيارة علي اكبر صالحي وزير الخارجية والحفاوة التي استقبل بها، والدعوة التي حملها للرئيس محمد مرسي لزيارة طهران وتوقيتها. فالأنف الايراني يملك حاسة شم قوية جدا لما يجري في المنطقة من تطورات وتغيير في المعادلات لتوظيفها في خدمة مصالحه.
الاسابيع والاشهر المقبلة حافلة بالمفاجآت، وما علينا الا الانتظار والترقب، ومحاولة استقراء التفاعلات الجديدة والتحالفات المتوقعة فيها، والتغيرات المتسارعة فيها بتمعن، وهي متغيرات ستعيد تشكيل المنطقة بشكل جذري.
«الإخوان» بين الحداثة و»القاعدة»
بقلم مصطفى زين عن الحياة اللندنية
يجهد «الإخوان المسلمون» أنفسهم ويحمّلون تاريخهم وأيديولوجيتهم السياسية ما لا تحتمل كي يظهروا في مظهر الاعتدال الذي يريده الغرب. بدأوا هذا «الاجتهاد» قبل وصولهم إلى الحكم في بعض البلدان العربية، وبعد وصولهم، بنصائح من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ومن مغتربيهم المقيمين في أوروبا والولايات المتحدة. هؤلاء اكتشفوا أن التقرب من اليهود الإسرائيليين أسرع طريق لكسب عقول وقلوب المسؤولين في الدول الغربية (سبقهم إلى ذلك كثير من المثقفين العرب الطامحين إلى العالمية).
للوصول إلى الهدف المنشود، أي كي يوائموا بين أيديولوجيتهم، المبنية على أساس ديني، وحصولهم على الدعم في مواجهة أنظمة تبنتها الولايات المتحدة وأوروبا من سنين طويلة، اكتشفوا أن عليهم التغيير في الشكل وفي المضمون.
في الشكل تخلوا عن زيهم الشعبي، واهتموا كثيراً بربطات العنق (على طريقة أردوغان)، وراحوا يتكلمون العربية بلكنة أجنبية، أو يطعمون أحاديثهم ببعض الإنكليزية. في المضمون، كان عليهم الابتعاد عن الحركات السلفية وعن «القاعدة» وتقديم وجه آخر مختلف عن الظواهري وإبن لادن و»مجاهدي القاعدة» فراحوا يرطنون بالديموقراطية وحقوق الإنسان، مدعين التوفيق بين فكرهم والأفكار المعاصرة، محاولين تأصيل حداثتهم باستشهادات من التراث ينتقونها بعناية. فكانوا يباهون بأن الرئيس محمد مرسي يتكلم الإنكليزية بطلاقة. وذهب الأمر به وبهم إلى الادعاء أنه كان يعمل في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا». كان ذلك خلال حملة الانتخابات الرئاسية المصرية. وعندما كذبت «ناسا» الادعاء قالوا إن حديث المرشح، آنذاك، حرف من موضعه، وأن نظرياته وكتبه تدرس في الوكالة. ولم يكن أي من الادعاءين صحيحاً والواقع أن الهدف من هذه الأقاويل لم يكن الولايات المتحدة، فواشنطن تعرف تماماً ماذا كان يفعل مرسي وما عمله وطموحاته وتوجهاته، بل الهدف كان الشارع المصري. ردوا بهذه الرطانة على الشباب رافعي شعارات الديموقراطية والحداثة والعلمانية. على بعض المرشحين مثل محمد البرادعي وعمرو موسى. فإذا كان الأول عمل على رأس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والثاني أميناً عاماً للجامعة العربية وعلى علاقة بالمنظمات الدولية فمرسي عمل في «ناسا» ويتكلم الإنكليزية بطلاقة.
الأهم من ذلك كله، وبعيداً عن الدعاوى الانتخابية والمزايدات، كان سلوك «الإخوان» للتقرب من الولايات المتحدة مثيراً للريبة، عمد بعض مسؤوليهم إلى تعمد لقاء زعماء الجالية اليهودية في أميركا والإدلاء بتصريحات بعيدة من تراثه (ليس من باب التطور الفكري) وعن روحية الشارع (غالبيته العظمى لا تعرف الإنكليزية)، في هذا الإطار كانت لقاءات زعيم حركة «النهضة» آنذاك، راشد الغنوشي مع زعماء اليهود الأميركيين في «ايباك» وتصريحاته التي أثارت جدلاً واسعاً في العالم العربي. وفي هذا الإطار أيضاً كانت تعهدات مرسي عدم المساس باتفاقات كامب ديفيد. وفي هذا السياق كان حضور القائد «الإخواني» ملهم الدروبي مؤتمراً في باريس نظمه برنار هنري ليفي.
أما احدث ما حصل في هذا الاتجاه فكان اقتراح المسؤول في «الإخوان» عصام العريان عودة اليهود الذين غادروا مصر إلى إسرائيل في الخمسينات والستينات، والإقرار بحقهم في تعويض ما فقدوه من أملاك. أي أنه حول المسألة الفلسطينية من قضية وطن وشعب إلى قضية لاجئين.
واقع الأمر أن «الإخوان»، في الحكم وخارجه، واقعون بين السعي إلى محو صورة «القاعدة» الملتصقة، أميركياً، بكل مسلم، وشارع يطالبهم بالحرية والديموقراطية، لذا يقدمون التنازلات إلى واشنطن ويتشددون مع مطالب الشارع. فلا واشنطن تكتفي ولا الشارع يستكين. ولا الظواهري ببعيد عن المشهد.
برلسكوني 'يفضح' الثورة الليبية
رأي القدس
لم نتوقع ان تظهر ملامح الخديعة الكبرى في ليبيا بمثل هذه السرعة، ولكن المستر سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي، الذي كان مشاركا رئيسيا في التدخل العسكري لحلف الناتو، وتنطلق الطائرات من قواعد بلاده لقصف طرابلس وسرت وبني الوليد وسبها، فاجأنا جميعا عندما فجر قنبلة من الوزن الثقيل واعلن في حديث لوكالة الانباء الايطالية الرسمية 'ان ما حدث في ليبيا لم يكن ربيعا عربيا، او ثورة شعبية، بل تدخلا ارادته فرنسا'.
برلسكوني ذهب الى ما هو ابعد من ذلك عندما قال في الحديث نفسه 'ان ما حدث في ليبيا جرى وفق قرار للحكومة الفرنسية بالذهاب الى هناك، والتدخل في نزاع داخلي، وتقديمه في اطار المجتمع الدولي على انه ثورة، وهاجمت الطائرات الفرنسية ليبيا قبل ان يتم اتخاذ قرار مشترك، والبدء في قصف قوات القذافي'.
هذا الاعتراف، ومن رئيس وزراء ايطاليا الذي كان يشارك في ادارة الحرب على ليبيا، ويطلع على كل التقارير العسكرية والاستخبارية، يؤكد ما ردده 'القلة' بان الحرب في ليبيا لم تكن من اجل حقوق الانسان والحريات وانهاء الظلم الواقع على الشعب الليبي، وانما من اجل مصالح فرنسية بريطانية صرفة عنوانها الاستيلاء على النفط الليبي، وتدمير البلاد وبناها التحتية من اجل اعادة اعمارها من قبل الشركات الغربية.
نعم.. كانت مسرحية فرنسية بطلها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وصديقه المفكر اليهودي برنارد هنري ليفي الذي توجه الى بنغازي مبكرا، وادعى التعاطف مع الليبيين من ابنائها، ورفع سماعة الهاتف مستنجدا بالرئيس ساركوزي طالبا منه التدخل فورا لمنع مجزرة تعد لارتكابها قوات القذافي في المدينة.
المفكر ليفي اعترف في كتابه الذي اصدره حول دوره في ليبيا، وكذلك في تصريحات صحافية، انه فعل ذلك انطلاقا من كونه يهوديا وخدمة لمصالح اسرائيل، وتحدث عن الرسالة التي حملها من اصدقائه 'الثوار' في المجلس الوطني الانتقالي الى بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل عارضين فيها التطبيع.
نختلف مع برلسكوني في نقطة واحدة هي 'ان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي كان محبوبا من قبل شعبه، ورغم انه كان يفتقر الى الحرية فانه كان يحصل على الخبز والسكن مجانا'، فالتعميم هنا خطأ كبير، فليس كل الشعب الليبي كان محبا لرئيسه، كما ان الحرية اهم من الحصول على الخبز والسكن مجانا، فالمعتقلون في السجون يحصلون عليهما، اي السكن والخبز مجانا ايضا.
النظام الليبي السابق ارتكب اخطاء قاتلة في حق شعبه، عندما صادر الحريات وفشل في تقديم الخدمات الاساسية التي تليق بدولة ثرية تصدر مليونا ونصف المليون برميل يوميا من النفط، ولكن هذا لا يعني ان النظام الجديد افضل حالا، فمعدلات الفساد في ليبيا الجديدة بلغت ارقاما خرافية، والانهيار الامني بات معروفا للجميع، والصراعات المناطقية والقبلية اصبحت من البديهيات في المشهد الليبي الحالي.
برلسكوني نفسه قال ان ما يحدث في ليبيا حاليا يبعث على الكثير من القلق لدى الجميع، والسبب في ذلك ان 'هذا الربيع يعيد البلاد الى الوراء، وهذا لا يمت بصلة الى الديمقراطية الغربية'.
نكتفي بترديد المقولة الاثيرة 'وشهد شاهد من اهلها'!
دروس من أقدم الديمقراطيات
بقلم عادل درويش عن الشرق الاوسط
في محاولته استعادة توجيه الأجندة السياسية البريطانية، تعثر رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في واقع فرضته صحافة لا تنظمها قوانين في مناخ ديمقراطي لا مثيل له بفضل إصرار «فليت ستريت» (شارع الصحافة) على الاحتفاظ بحريته والالتزام بتقاليد مهنية عريقة أكثر صرامة من التشريعات. فعظمة الديمقراطية الحقيقية عراقة تقاليدها في الممارسة وليس في تشريعات ودساتير (لا يوجد في بريطانيا دستور مكتوب أو قوانين منسوخة كفرنسا أو أميركا أو مصر مثلا).
مع عودة البرلمان (بمجلسيه العموم واللوردات، وهو قلب الأمة السياسي وميدان نشاطي الحكومة ووزارة الظل المعارضة) للانعقاد بعد ظهر الاثنين بعد إجازة أعياد الميلاد استدعانا السكرتير الصحافي لرئيس الحكومة إلى داونينغ ستريت للقاء كاميرون ونائبه، نيكولاس (واسم التدليل نك) كليغ، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار، الشريك الأصغر للمحافظين في حكومة الائتلاف ليقدما كشف حساب إنجازات الحكومة وتصورهما للـ15 شهرا الباقية افتراضيا في عمر الحكومة، في ملف مطبوع من 48 صفحة.
أخفت الحكومة حذفها من الملف الموزع على الصحافة ما أخفقت عن تحقيقه من الوعود. وكان كليغ وكاميرون ينويان شرح أسباب الإخفاق وتقديم استراتيجية للعلاج. لكن المستشارين السياسيين أقنعوهما بحذف السلبيات تجنبا لتقارير صحافية سلبية.
ولسوء حظ الزعيمين التقطت عدسة مقربة تقرير المستشار السياسي عبر مظروف شفاف. تحول إخفاء المعلومات السلبية إلى مانشيت «الديلي تلغراف»، الصحيفة الموالية تاريخيا للمحافظين، لكن تغلب ولاءها للقراء وللمهنة على موقفها السياسي لتدفع الرياح غير المشتهاة بسفينة الحكومة بعيدا عن مرفأ إنجازات منتصف فترة الحكم.
حكومة الائتلاف تشكلت منذ عامين ونصف، وأحد أهم بنود وثيقة الائتلاف (من 293 بندا) تحديد فترة الحكومة بخمس سنوات في تطور غير مسبوق.
تقليديا تجرى الانتخابات بعدما يقدم رئيس الحكومة الاستقالة إلى الملكة، إما بفقدان الثقة في تصويت برلماني (كحكومة جيمس كالاهان العمالية التي فقدت الثقة بصوت واحد 1979) أو عندما يقدر رئيس الوزراء أن الوقت مناسب لخوض الانتخابات (مثل مارغريت ثاتشر عام 1983 وتوني بلير عامي 2001 و2005 عند ارتفاع شعبية الحكومة في استطلاعات الرأي لما يكفي لكسب الانتخابات).
كليغ يريد أن يصبح تحديد فترة الحكومة وإجراء الانتخابات كل خمس سنوات تقليدا، يمارس دستوريا ويحبذ تمرير تشريع برلماني Act لفرضه؛ وهو ما لا أتوقعه إذ سيرفضه مجلس اللوردات لأن التقييد بقوانين غير مرنة يناقض طبيعة الشخصية السياسية البريطانية.
الحكومة الائتلافية معتادة في أوروبا نتيجة proportional representation نظام التمثيل النسبي (الانتخاب بالقوائم في لغة العرب) لكنها غير مألوفة في الديمقراطية البريطانية الأكثر نضجا بالتمثيل المباشر لناخبي كل دائرة بنائب واحد.
مقاعد مجلسي العموم واللوردات في صفوف ككتلتين متقابلتين (ليس نصف دائرة كبرلمانات أوروبا) ولذا فطابع الجدل السياسي تخاصمي adversarial ومنازلة مرافعات بلاغية (معظم الساسة البريطانيين محامون).
الصحافة التلفزيونية (خاصة التجارية كمحطات سكاي وITV والقناة 4) سعت إلى أمركة الحملة الانتخابية عام 2010 واستدرجت زعماء الأحزاب الثلاثة (المحافظين، العمال، والديمقراطيين الأحرار) إلى مناظرة تلفزيونية أخلت بموازين تغطية الصحافة كعين وأذن الشعب ديمقراطيا.
فلخمسة قرون تحسم نتيجة الانتخابات على عتبات المنازل، وفي الأسواق والمرشح يحاور أبناء الدائرة وجها لوجه، وليس كمنازلات مرشحي الرئاسة الأميركية التلفزيونية التي احتقرها البريطانيون تاريخيا كابتذال أميركي American vulgarity. ولأن الليبراليين لم يفوزوا بمنصب حكومي منذ 1935 فكليغ الذي لم يواجه أبدا مسؤولية الحكم سهل عليه الاتجار بالشعارات في المعارضة فصوب قذائفه ببلاغة شكسبيرية نحو خصميه، رئيس الوزراء (وقتها العمالي غوردون براون) وزعيم المعارضة المحافظ كاميرون. ارتفعت شعبية كليغ، خاصة بين الشباب الذي يصوت لأول مرة (سن 18 فما فوق أي مواليد 1990 - 1994) إلى جانب المصوتين تقليديا للأحرار وهم نحو 12% من الناخبين، والساخطين على العمال، لكنهم من طبقات اجتماعية لا تصوت تقليديا للمحافظين، والمثقفين وهم بطبيعتهم يساريون استاءوا من تقارب العمال بزعامة بلير مع أميركا وإدارة الاقتصاد بأسلوب رأسمالي فصوتوا لكليغ. وأدى هذا الخلل في التغطية إلى برلمان معلق، الأغلبية فيه للمحافظين (36%) لكنهم أقل من 50% فكانت حكومة ائتلافية.
الواقع الاقتصادي المتردي الذي تركته الحكومة العمالية دون تشريعات لإجبار البنوك على إقراض المشاريع الصغرى، وارتفاع المديونية كانت نتيجته الحتمية تخفيض الإنفاق على الخدمات. وكنائب لرئيس الحكومة وله وزراء في الأعمال والصناعة والخزانة واجه كليغ وحزبه حقائق اقتصادية وواقعا عمليا لم يعتده. واكتشف عدم وجود ميزانية لتنفيذ وعوده في المناظرة التلفزيونية كتجميد المصروفات الجامعية والتوسع في المنح الدراسية وأصبح الشخصية المكروهة الأولى بين الشباب الذي صوت له لأول مرة عام 2010.
في اللقاء الصحافي المشترك معنا يوم الاثنين كرر رئيس الوزراء، في كل إجابة عبارات كـ«مثلما قال نك» و«تماما أتفق مع نك،...نك شرح لكم الأمر بوضوح..»، بينما لم يذكر كليغ شريكه باسم التدليل «ديف» سوى مرة واحدة.
زعيم المحافظين كاميرون يحاول رفع أسهم شريك الائتلاف كليغ شعبيا لإدراكه أن الأصوات التي سيخسرها الديمقراطيون الأحرار ستذهب إلى العمال، وبالتالي قد ترجح فوزهم بأغلبية برلمانية. حسابات كاميرون أن ارتفاع شعبية كليغ ستقسم الأصوات المعارضة للمحافظين بين العمال والديمقراطيين الأحرار مما يتيح فرصة أكبر للمحافظين.
حسابات تنم عن نضج سياسي وخبرة طويلة في العمل الديمقراطي.
الدرس المستخلص للقراء أنه حتى في أعرق الديمقراطيات تبرز هوة هائلة بين الشعارات المثالية والآيديولوجية وبين الواقع السياسي. فحزب ظل في المعارضة لـ75 عاما وجد نفسه في الحكومة، فكشف الشعب - بفضل الصحافة الحرة - في بضعة أشهر زيف الشعارات واستحالة تحولها نقودا في جيب المواطن، وانخفضت شعبية حزب كليغ من 22% في انتخابات 2010 إلى 9% هذا الأسبوع.
والدرس الآخر ضرورة المرونة في سياسة ليست أبيض وأسود. غريزة حب البقاء فرضت الائتلاف بين تيارات بآيديولوجيات مخالفة، وقدم حزب المحافظين الفائز بالنصيب الأكبر تنازلات أكبر، فالسياسة تتطلب براغماتية التوصل إلى برنامج يرتضيه الناخب.
الدرس الثالث أن الصحافة الحرة، كضمير الرأي العام يستحيل على الساسة استغفالها، لأن غريزة حب البقاء تضع ولاء الصحافة للمهنة قبل أي وعود يمنحها حملة الأسهم أو صاحب الصحيفة لزعيم حزب؛ فخسارة ثقة الحكومة (التي تتغير بالانتخابات) يمكن تعويضها أما فقدان ثقة القراء (المستمعين والمتفرجين) فتعني نهاية المؤسسة الصحافية.
سوريا.. الإبراهيمي ليس القصة
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
شن النظام الأسدي هجوما شرسا على المبعوث الأممي والعربي لسوريا الأخضر الإبراهيمي، بعد قوله إن الأسد لن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية المقبلة، والحقيقة أن المهم في هذه القصة ليس ما صدر عن الإبراهيمي، ولا رد الفعل الأسدي عليه، بل إن الأهمية كلها في الموقف الروسي.
وقد يقول قائل: كيف؟ الحقيقة - بل والمفترض - أنه عندما يقوم السيد الإبراهيمي بالتصريح حول الأوضاع في سوريا، وتحديدا كيفية تطبيق الاقتراحات المقترحة لمرحلة انتقالية، أو خلافه، فالمفترض أن يراعي الإبراهيمي بتصريحاته جميع الأطراف المعنية بالأمر، داخليا وخارجيا، وأبرز الأطراف الخارجية هنا هم الروس، فلا يمكن أن يقول الإبراهيمي إن الأسد لن يكون من ضمن المرحلة المقبلة، وهو، أي الإبراهيمي، لم يتشاور مع الروس، أو يعرف موقفهم حيال ذلك، وإلا يكون الإبراهيمي هو من يحدد للروس، وخلافهم، السقف الذي بموجبه سيتم التفاوض. وهذا أمر لا يوجد مؤشر عليه، وليس لدى الإبراهيمي الأدوات التي تمكّنه من فعل ذلك أساسا، خصوصا أن الإبراهيمي يستعد لحضور الاجتماع المرتقب في جنيف بين الروس والأميركيين حول سوريا.
ومن هنا؛ فالواضح أن الروس وبالطبع الإبراهيمي والأميركيين، قد استوعبوا جيدا، بعد خطاب الأسد في الأوبرا، أن الطاغية ليس بوارد التعاون للخروج بحل سياسي، بل إنه، أي الأسد، يريد أن يكون هو من يضع الشروط، ويحدد قواعد اللعبة برمتها، وهذا أمر غير مقبول للجميع بكل تأكيد. وكما ذكرنا في مقال الأسبوع المنصرم «الأسد في الأوبرا»؛ فإن مبادرة الأسد الأخيرة هي بمثابة رسالة للروس مفادها: اذهبوا للجحيم! فتصريحات الأسد ليست نسفا لجهود الإبراهيمي بقدر ما أنها تمزيق لمقترحات جنيف التي يتبناها الروس. لذا، يجب هنا ملاحظة أن اتفاقية جنيف لا تنص على رحيل الأسد الذي تنبه جيدا إلى أن الروس باتوا لا يصرون على بقائه أيضا. ومن هنا فقد أراد سفاح دمشق تحديد سقف المفاوضات، واشتراط إشرافه على الخطوات، مما يعني بقاءه، وهذا هو أسلوب الأسد في كل الأزمات، حيث يتبنى المبادرة ثم يقوم بإفراغها من محتواها. وبالطبع، فإن المتخوف على سوريا من جرائم الأسد لا يكترث بكل هذه التفاصيل، خصوصا في القصة الروسية، بل يريد موقفا روسيا واضحا، وهذا أمر لن يتحقق بسهولة، وإن كان يحدث يوميا؛ فالتحولات الروسية واضحة، لكنها تتم ببطء، وعلى غرار استدارة سفينة عملاقة بقلب المحيط، حيث لا يلحظ استدارتها حتى من هم على متنها.
هذه هي القراءة، ووفق المعطيات التي أمامنا، وإلا كيف نفهم شتيمة النظام الأسدي للإبراهيمي، وقول الإبراهيمي نفسه إن الأسد لن يكون جزءا من المرحلة الانتقالية؟! فهل سيأتي وزير الخارجية الروسي، مثلا، للتفاوض مع كل الأطراف، أم أنه سيصار إلى تعيين موفود أممي جديد؟ الإجابة بالطبع لا هذا ولا ذاك. ولذا نقول إن القصة ليست الإبراهيمي، بل هي أكبر، وأعقد؛ القصة في «المخاض» الروسي تجاه سوريا الآن.
الاختباء خلف "الباتريوت"
بقلم سميح صعب عن النهار اللبنانية
كل التصريحات التي يدلي بها المسؤولون الاتراك تؤكد ان النظام السوري يشارف السقوط. وما دام الامر كذلك ويصل الى حد اليقين المطلق، فإن ثمة سؤالاً يطرح نفسه ألا وهو: لماذا تحصن تركيا نفسها بصواريخ "باتريوت" وهي تعلم ان النظام الذي سينشأ في سوريا في أمد ليس ببعيد سيكون نظاماً موالياً لتركيا يستلهم خطى حزب العدالة والتنيمة الحاكم برئاسة رجب طيب اردوغان تماماً كما هو نظام محمد مرسي الاخواني في مصر؟
ولماذا يتكبد جنود اميركيون والمان وهولنديون مشقة المجيء الى تركيا لنشر "الباتريوت" على الحدود مع سوريا ما دام النظام في هذا البلد الذي يعتبرونه معادياً اليوم، يعيش ايامه الاخيرة؟ إلا اذا كان الزعماء الاتراك غير موقنين فعلاً من حدسهم بقرب سقوط النظام السوري فعلاً، وإلا اذا كانوا ينوون في مرحلة من المراحل التدخل مباشرة لحسم حرب يرون ان اطالتها لا تصب في مصلحة مشروعهم لبسط النفوذ التركي على المنطقة متلبساً عباءة الدين.
وليس من شأن الاندفاع التركي الجديد الذي يستند
الى بعث مشروع "الاخوان المسلمين" من تركيا الى ليبيا مروراً بسوريا ومصر سوى اثارة الشكوك في المرامي والتوجهات التي تقف وراء هذا المشروع. فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يعبر علناً عن ان سياسة اردوغان ايقظت النعرات الطائفية في المنطقة. وما ينقل عن العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين لا يقل قلقاً عما يساور المالكي، وقد ترجم الاردن خوفه من الصعود الاخواني في نأي بالنفس غير معلن عن الازمة السورية وفي اتخاذ موقف ادنى بكثير مما كانت تأمل الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربية التي ترجمت ذلك في التردد في دفع ما وعدت به الاردن من مساعدات مالية لمواجهة ما خسره الاقتصاد الاردني نتيجة الازمة السورية. أما مرسي فيبيع الاردن الغاز باضعاف ما كان يبيعه اياه مبارك وبسعر اعلى مما يبيعه لاسرائيل. ربما كان سبب ذلك حكمة لا يعلمها الا رعاة "الربيع العربي" والراسخون في العلم. ولا بد من التوقف عندما بدأ يثيره التمدد الاخواني في دولة الامارات العربية المتحدة من أزمة في العلاقات بين أبوظبي والقاهرة.
على خلفية ذلك، يحصن اردوغان نفسه بـ"الباتريوت" ويعد نفسه للحرب بينما يبشر بالسلام. ويعتقد ان هذا السلام متوقف على سقوط الرئيس السوري بشار الاسد وبعده سيغمر "الربيع العربي" بنعمه المنطقة. حري باردوغان ان ينظر الى الدماء التي سالت والخراب الذي حل بالدول التي حل "الربيع" عليها ضيفاً. ولم يجانب الامير خالد الفيصل الحقيقة برأيه في هذا "الربيع".
أبعد من طرح مسألة العنصريّة
بقلم حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
الطريقة التي استُقبل بها النازحون السوريون والفلسطينيون في لبنان، وشكل «الضيافة» المقيت، والكلام العنصري المسموم الذي شاب ذلك، تقول كلها كم أن لبنان متصدع، وكم أن الولاءات العصبية المتناحرة فيه تقتات على إنسانية إنسانه، فتحد من قدرته على التعاطف مع بشر آخرين معذبين ومهددين بالموت.
وحال لبنان هذه تنفيرٌ وتظهيرٌ لأحوال عربية أشمل، أحوالٍ قد يكون رمزها التعيس والمزري مخيم الزعتري في الأردن، أو إغلاقات الحدود في المثلث العراقي – الأردني – السوري أمام بشر هم في أمس الحاجة إلى الاحتضان والتعاطف.
والمرء لا تفوته المقارنة بأحوال النازحين السوريين إلى تركيا، وهي قد لا تكون مثالية إلا أنها أرقى أشواطاً منها في البلدان العربية «الشقيقة» التي تفتك بها المنافسات الأهلية والعصبية المتورمة.
وهذا الواقع ليس جديداً، وإن كنا نعاود اكتشافه مع كل حدث كبير، فحين نفعل نجد أنه زاد بنسبة معتبرة عما كان عليه في المرة السابقة. وربما جاز التأريخ لهذه الظاهرة في زمننا الاستقلالي الحديث بنكبة 1948 الفلسطينية التي تزامنت مع استقلالات بلدان المشرق العربي. يومها تجاور نقص التعاطف الإنساني وقلة الأخوة الفعلية مع تضخم في لفظيات الأخوة »القومية» والتباري في إعلان التمسك بـ»قضية العرب الأولى.»
ثم جاءت حرب الخليج الثانية، حين غزا صدام الكويت، ذروةً غير مسبوقة في التبادل العنصري بين «الأخوة» و «الأخوة»: فمن العراق طُرد المصريون ومن الخليج طُرد الأردنيون والفلسطينيون واليمنيون، وسط تهاجٍ عصبي مقزز يؤكد جميع أصحابه أنهم هم الذين يريدون تحرير فلسطين!
ولنقل، هنا، إن العطل مقيم في ثقافات شعبية واسعة تتعدى الاصطفافات السياسية والأيديولوجية. فنحن نقع عليه، مثلاً لا حصراً، في السلع المسمومة التي يتبادلها سنة العراق وشيعته، مثلما تدل إليه الاحتكاكات غير السارة التي تجدّ بين «الجيش السوري الحر» وأهل المناطق، الكردية أو المدينية، التي تتحرر من سلطة النظام الأسدي.
لقد آن لنا أن نستنتج، واضعين جانباً الدجل السائد عن الأخوة والقومية، أن أي احتكاك بين جسمين غير صحيين، وكل أجسامنا غير صحية، يدفع بنا خطوة أخرى نحو الهمجية ويعمل على التقليل من إنسانيتنا، فضلاً عن الإمعان في هلهلة أنسجتنا الوطنية وهي مهلهلة اصلاً. ومع أهمية التنديد الدائم بالعنصرية وضرورته، أخلاقياً على الأقل، سيتحول هذا التنديد إلى مجرد وعظ نخبوي قليل التأثير ما لم يقترن بنهج آخر في التعاطي مع تلك الأجسام، نهجٍ يحاول التصدي لما هو غير صحي في متنها.
ففي لبنان، مثلاً، فُوتت فرصة جدية للتعاطي مع الوضع المسيحي ومخاوفه من خلال طرح الاقتراح الأرثوذكسي للانتخابات، بينما فوتت الثورة السورية، ولا تزال تفوت، فرصة جدية للتعاطي مع الوضع الكردي ومخاوفه. والحال أن المخاوف، هنا وهناك، ليست شيئاً مفتعلاً، ولا غنجاً لا مبرر له، أو تعصباً يفتقر إلى الأدلة والبراهين. وبدوره، يرقى المدخل لعلاج هذه التصدعات إلى تطوير رؤية سياسية وثقافية أخرى، في لبنان كما في سورية والعراق، تُحل الفيدرالية حيث تحل المركزية اليوم، والتعددية الإثنية والدينية والمذهبية حيث الواحدية الطاغية.
وهذا، في أغلب الظن، فرصتنا الأخيرة لإنقاذ الأوطان التي نقول إننا نريد إنقاذها، وللحفاظ على ما تبقى من إنسانية لدينا.
عيون وآذان (كذبهم موجود وباقٍ ما بقوا)
بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
أشرت أمس إلى استطلاعات الرأي العام في إسرائيل وأرقام المقاعد التي يُرجح أن يفوز كل حزب بها، ولاحظت على مدى الأيام الماضية أن الأرقام تختلف قليلاً من يوم إلى يوم، فبعد أن سجلت آخر ما قرأت أمس وجدت اليوم (أكتب الجمعة) أن ليكود أوقف التراجع في عدد مؤيديه، وقد يفوز تكتله مع إسرائيل بيتنا بـ 35 أو 36 مقعداً. والتكتل يقول للمستوطنين: أيدونا أو تدفعون الثمن، وهو ضمِن تأييد مجلس المستوطنين ورئيسه داني دايان ما يجعلهم جميعاً مجرمي حرب.
أهم ما في الاستطلاعات أنها تظهر أن أحزاب اليمين قد تحصل على 66 مقعداً مقابل 54 مقعداً للوسط واليسار، وثمة أسباب كثيرة لتحول المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المتطرف، إلا أن بين أهمها انقسام الوسط واليسار فاجتماع بين شيلي ياشيموفيتش، زعيمة العمل، ويائير لابيد، زعيم ييش آتيد (هناك مستقبل)، وتسيبي ليفني، زعيمة الحزب الجديد هاتنوا (الحركة)، انتهى بخلاف انتقل إلى العلن مع تبادل تهم وتكذيب متبادل، ثم عادت ليفني لتقول إن اقتراحها ائتلاف الوسط واليسار لا يزال قائماً، وقد يفوز إذا كان الإقبال على التصويت كثيفاً.
القارئ العربي يعرف بالإضافة إلى ما سبق أحزاب ليكود اليميني، وشاس الديني، وإسرائيل بيتنا أي حزب المهاجرين الروس وغيرهم. كما لا بد أنه سمع بأحزاب اليسار هاداش (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة) وميريتز وهو حزب الصهيونية الديموقراطية الاجتماعية. أما حزب بلد فاسمه العربي الرسمي التجمع الوطني الديموقراطي. وهناك آم شاليم وعمره سنة واحدة وقد أسسه عضو الكنيست حاييم أمسالم بعد طرده من شاس.
هناك حزب يستحق شرحاً أوفى هو بيت يهودي، فهو حزب يميني متطرف، الاستطلاعات تعطيه 13 إلى 15 مقعداً، ما يجعله منافساً قوياً لأحزاب اليمين الأخرى. وزعيمه إبن مهاجرين من أميركا اسمه نفتالي بنيت يوصف أحياناً بأنه نجم صاعد في صفوف اليمين ومنافس قوي على الزعامة لبنيامين نتانياهو، بعد أن عمل مديراً لمكتبه بين 2006 و2008، وأصبح الآن يقول علناً «أعارض قيام دولة فلسطينية في بلادنا.» أقول أنها ليست بلاده أبداً ففلسطين لأهلها الفلسطينيين، وهو مهاجر من أميركا، أو لاجئ، والأرجح أن أصله أوروبي مزوّر، ولا حقَّ له بالوجود في فلسطين.
أقول أن لا سلام ممكناً مع الحكومة الإسرائيلية التي ستؤلف بعد انتخابات 22 من هذا الشهر، وبما أن رأيي هذا يقوم على معلومات أكيدة فإنني أتمنى أن يعود بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء، لأن الرئيس باراك أوباما لن ينسى خصومتهما، وتدخل نتانياهو في الانتخابات لمصلحة المرشح الجمهوري ميت رومني، ثم أن اليمين الإسرائيلي مكشوف وتكرهه غالبية من شعوب العالم ودولها بعكس اليسار الإسرائيلي الذي قامت إسرائيل على أكتافه، فالسياسة واحدة إلا أن اليسار مغلَّف بالسكر ويخدع كثيرين في الخارج.
وقرأت نقلاً عن مسؤولين أميركيين أنهم يخشون تدخل نتانياهو مع الكونغرس لمنع تثبيت تشك هاغل وزيراً للدفاع كما يريد أوباما. وأرجو أن يحاول نتانياهو لأنه إذا فعل سيزيد عداء أوباما له، وثمة إسرائيليون كثيرون يعتقدون أن اختيار هاغل، الذي اشتهر بمعارضته نفوذ لوبي إسرائيل، هو أول خطوة من خطوات للإدارة الأميركية ضد رئيس وزراء إسرائيل وحلفائه الأميركيين.
المخاوف الأميركية ليست من دون مبرر، وهناك لجنة الطوارئ من أجل إسرائيل التي تضم رموز المحافظين الجدد وليكود أميركا، فقد أعلنت أنها ضد ترشيح هاغل، وتأمل أن تنجح في إيذاء أوباما عن طريقه.
العاصفة الآتية من الشمال ضربت إسرائيل أيضاً برياحها وثلوجها، فكان ما تلقيت من أخبار صحفهم وإذاعاتهم محدوداً الخميس والجمعة، والسبت يوم إجازتهم الأسبوعية، فأزعم أنني ارتحت من قراءة كذبهم على الله وعباده، وتطرفهم وإرهابهم، إلا أنني لا أحتاج أن أقرأ لأعرف أن كذبهم موجود وباقٍ ما بقوا.
