الثلاثاء
15/01/2013
أقلام وآراء عـــــــــــــربي
في هذا الملـــــــف:
«الإخوان المسلمون» والقضية الفلسطينية
مصطفى الفقي )كاتب مصري( عن الحياة اللندنية
اعتراف بيريز باغتيال عرفات له ما بعده
سلامة العكور عن الرأي الأردنية
عن جمال عبدالناصر.. بالمناسبة
محمد خروب عن الرأي الأردنية
الأولوية لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي
رأي الدستور الأردنية
عن المخيمات والانتخابات
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
«باب الشمس»..«تكرم الفصائل أو تهان»!
حسن عصفور عن الدستور الأردنية
انتخابات إسرائيل بنتائج معروفة: نتنياهـو رئيسـاً بتحالـف يمينـي
حلمي موسى عن السفير
أيـكـون عـام المـصـالـحـة الـفـلـسـطـيـنـيـة؟
فهمي هويدي عن الشروق المصرية
طريق اللاعنف إلى فلسطين
اوكتافيا نصر عن النهار اللبنانية
المفاوضات والحائط المسدود
فايز رشيد عن دار الخليج
مخيم باب الشمس
أمجد عرار عن دار الخليج
باب الأمل
بركات شلاتوة عن دار الخليج
مستقبل فلسطين بعد 65 سنة من العدوان الإسرائيلي: تأملات ناشط أوروبي مؤيد للقضية الفلسطينية
أغوستين بيجوسو(أستاذ جامعي وناشط إسباني متضامن مع القضية الفلسطينية) ترجمة: ليلى التلاوي عن القدس العربي
خرائط تقسيم الوطن العربي!
كلمة الرياض بقلم:يوسف الكويليت
الفلسطينيون واليهود المصريون بين النظام والمعارضة(1-2)
جوزيف مسعد عن المصري اليوم
الانتخابات الإسرائيلية والقضية الفلسطينية
ابراهيم البحراوي عن المصري اليوم
سوريا والأردن والإسلاميون: الجلوس فوق البركان
د. لبيب قمحاوي(سياسي وأكاديمي أردني) عن القدس العربي
«الإخوان المسلمون» والقضية الفلسطينية
مصطفى الفقي )كاتب مصري( عن الحياة اللندنية
مظلومة هي القضية الفلسطينية ـ قضية العرب والمسلمين الأولى ـ فكم من النظم السياسية عاشت عليها، وكم من التنظيمات الحزبية التي تاجرت بها، بل كم من الطغاة والبغاة قد جعلوها «قميص عثمان» لاستمرار ديكتاتورياتهم وقهر شعوبهم، وجماعة «الإخوان المسلمين» تحديداً ـ باعتبارها الفصيل القائد والرائد للإسلام السياسي المعاصر ـ لم تدخر جهداً في دعم هذه القضية منذ الكتابات المبكرة للإمام المؤسس حسن البنا، مروراً بمتطوعي الجماعة في صفوف الفدائيين أثناء الحرب العربية الإسرائيلية الأولى المسماة «حرب فلسطين 1948»، ونحن لا ننكر أن الجانب الإسلامي في هذه القضية القومية واضح لا مراء فيه ولعل المدينة المقدسة «القدس الشريف» هي تجسيد للجانب الروحي في الصراع العربي- الإسرائيلي والتي تمثل وضعاً خاصاً للأديان الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)، كما أن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين، لذلك عاشت القضية الفلسطينية في ضمير المسلمين عموماً بالزخم نفسه الذي استقرت به في الوجدان العربي، وما زلنا نأمل أن يكون لقدسية هذه القضية ذلك التأثير التاريخي الذي ظهرت به وألا يؤثر في ذلك الإحساس الصادق وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى الحكم في مصر مدعومة بقوى دولية وظروفٍ إقليمية فالقضية الفلسطينية أقدس وأخطر من أن تكون محلاً للمقايضة أو أن تتحوَّل إلى جزء من صفقة مهما كانت الضغوط والتحديات والعقبات، والآن دعونا نفصِّل ما أجملناه من خلال النقاط الآتية:
أولاً: إن القراءة المتأنية للعلاقة التاريخية بين دعاة تيار الإسلام السياسي وبين القضية القومية المركزية المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي تؤكد أن القضية الفلسطينية ظلت محوراً تدور حوله أفكار وسياسات ذلك التيار خصوصاً بالنسبة إلى الحركة الأم وهي جماعة «الإخوان المسلمين»، حيث داروا حولها وتمركزوا فيها وفسروا كثيراً من مواقفهم طبقاً لها، ونحن لا نشكك في صدق نوايا الجماعة وإحساسها بأن إسرائيل كانت دائماً هي الأخطر على العروبة والإسلام، ولكننا في الوقت نفسه لا ننتقص من فهم الجماعة تاريخياً لأسلوب التعامل العصري مع القضية في ظل الظروف المختلفة التي مرت بها المنطقة العربية وعاشتها في العقود الأخيرة.
ثانياً: إن ميلاد حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية والظهور القوي لحركة «حماس» عسكرياً وشعبياً قد أعطى زخماً خاصاً وعمقًا أكبر للعلاقة بين جماعة «الإخوان المسلمين» والقضية الفلسطينية، إذ إن «حماس» هي منذ البداية فصيلٌ سياسي وجناحٌ عسكري للجماعة عندما أسسها الراحل الشيخ أحمد ياسين، ولقد تعودت قيادات الجماعة في مصر وفي ظل الضغوط التي عاشوا تحتها في عصر الرئيس السابق حسني مبارك أن يدافعوا بضراوة عن حركة «حماس» التي لم يكن يتحمس لها الرئيس السابق، وعندما جرت المواجهة بين «فتح» و «حماس» عام 2007 اتخذ أعضاء مجلس الشعب المصري من نواب جماعة «الإخوان المسلمين» موقفاً داعماً بشدة لتصرفات حركة «حماس» التي أدت إلى الفصل بينها وبين حركة «فتح» المؤسس التاريخي للمقاومة الشعبية الفلسطينية، ولذلك لا يخفي «الإخوان المسلمون» دعمهم المطلق لحركة «حماس» في الظروف والأوقات كافة.
ثالثاً: إن وصول جماعة «الإخوان المسلمين» إلى السلطة في مصر بعد أن تلقوا ضوءاً أخضر من واشنطن ودعماً سياسياً وربما مادياً أيضاً بصورة توحي أن هناك اتفاقاً غير معلن بين الولايات المتحدة الأميركية والجماعة مؤداه أن تقوم الأخيرة بتوجيه حركة «حماس» ـ وهي الجناح المتشدد في الجانب الفلسطيني ـ لكي تدخل في تسوية مقبولة تحقق للفلسطينيين بعض مطالبهم وتضمن في الوقت ذاته أمن إسرائيل، لأن أمن الدولة العبرية هدف استراتيجي للولايات المتحدة لا يليه مباشرة إلا حماية منابع البترول في المنطقة، وذلك قد يفسر الاستهداف المحتمل من جماعة «الإخوان المسلمين» بالتوجه الفكري نحو دول الخليج العربي، ولا بأس في هذه الحالة من أن تقود الجماعة تيارات الإسلام السياسي السني لإقامة حائط سياسي ومذهبي في مواجهة «الهلال الشيعي»، ولا شك أن ما تريده الولايات المتحدة من جماعة «الإخوان» ليس أمراً سهلاً على الجماعة التي ارتبط تاريخها بالحرص على إسلامية القضية الفلسطينية إلى جانب عروبتها منذ البداية.
رابعاً: إن المواجهة السنية الشيعية هي بدعة أميركية جديدة لتقسيم العالم الإسلامي ولعزل إيران سياسياً، وأنا لا أدعي هنا أن طهران ليس لديها أجندة قومية ذات طابع فارسي قبل أن تكون لها أجندة دينية ذات طابع إسلامي ولعل في خلافاتها مع بعض دول الخليج العربي ومحاولاتها التدخل في شؤونها الداخلية ما يؤكد هذه النقطة تحديداً. ويتساءل الكثيرون عن علاقة جماعة «الإخوان المسلمين» بالثورة الإسلامية الإيرانية وأنا أظن أنها علاقة إيجابية في إطارها العام ولكنها تختلف في التفاصيل، وإذا كان السلفيون من بين تيارات «الإسلام السياسي» هم الأشد اختلافاً مع إيران ومذهبها الشيعي فإن «الإخوان المسلمين» ينظرون إلى الأمر من زاوية براغماتية سياسية تتجاوز الخلاف الديني المصطنع وتتجه إلى احتمالات التقارب المطلوب في مراحل معينة من أجل المصلحة المشتركة على اعتبار أن الجميع يعيشون تحت مظلة «الإسلام السياسي»، وفي ظننا أن الولايات المتحدة الأميركية لم تفطن إلى هذه النقطة تحديداً وتصورت أن «الإخوان المسلمين» سوف يقودون تياراً سياسياً في العالمين العربي والإسلامي يواجه الشيعة ويرفض سياسات إيران وهو ما لم تؤكده الشواهد حتى الآن.
خامساً: إن شبه جزيرة سيناء المصرية مرشحة قبل غيرها لأن تكون مسرح عمليات المواجهة بين تيار الإسلام السياسي الذي تقوده جماعة «الإخوان المسلمين» من القاهرة والتنظيمات الإسلامية المتطرفة بما فيها «القاعدة» و «الجهاد الإسلامي» و «الجماعة الإسلامية» وغيرها من التنظيمات التي تنشط في سيناء، الخالية من السكان نسبياً، وذلك بمباركة أميركية وقبول إسرائيلي بصورة ترفع العبء عن واشنطن التي حاربت تلك التنظيمات في أفغانستان والعراق وغيرهما، فالولايات المتحدة تبحث عن «شرطي» جديد في العالمين العربي والإسلامي وتتوهم أن جماعة «الإخوان المسلمين» بوصولها إلى الحكم في أكبر الدول العربية يمكن أن تكون هي ذلك «الشرطي» الذي يؤدي تلك المهمة، وقد يكون هذا تصوراً نظرياً بحتاً، لأنني لا أتوقع أن يقبل «الإخوان» بتلك المهمة التي قد لا تتفق مع أفكارهم وتتعارض مع صورتهم أمام غيرهم، ولكنهم يتمشون مع الولايات المتحدة بأفكارها وتصوراتها في هذه المرحلة على أن يتركوا المواجهة بينهم وبين واشنطن لمرحلة قادمة يكونون فيها أكثر استعداداً للوقوف أمام سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل في المنطقة لأن ذلك ليس من أولويات جماعة «الإخوان» وسياساتها في هذه المرحلة المبكرة من وصولهم إلى السلطة في العاصمة المصرية.
هذه ملاحظاتٌ نريد أن نخرج منها ببعض الاستنتاجات الواعية والعادلة في الوقت نفسه فنحن لا نحمل جماعة «الإخوان المسلمين» أوزار المنطقة كلها كما لا نتحمس للتشكيك في نواياها المعلنة أو الخفية، ولكنني أرى أن نظاماً إقليمياً جديداً بدأ ينسج خيوطه في المنطقة مدعوماً بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية التي تتصور أن ثورات «الربيع العربي» سوف تستبدل بالنظم التي كانت قائمة نظاماً إسلامياً جديداً يطرح نفسه على الساحة الدينية لأمة يلعب فيها الإسلام دوراً تأمل واشنطن أن يحمي مصالحها بدءاً من ضمان أمن إسرائيل وصولاً إلى حماية منابع النفط مروراً بتدشين سياسات جديدة سوف يكون لها تأثيرها القوي على مستقبل العالمين العربي والإسلامي.
إننا نبغي مما أسلفنا توضيح حقيقة مؤداها أن القضية الفلسطينية كانت وما زالت وربما تظل لعقود مقبلة مطية يعتليها كل من يريد أن يدغدغ مشاعر الجماهير أو يحرك عواطفها، وليس «الإخوان المسلمون» استثناءً من ذلك رغم أنني لا أشك في ولائهم للقضية وحرصهم على الشعب الفلسطيني ولكن من بوابة «حماس»! فاستقراء الماضي القريب يثبت ذلك ويدل عليه، إذ إن القضية الفلسطينية هي القضية الأولى للعرب والمسلمين معاً.
اعتراف بيريز باغتيال عرفات له ما بعده
سلامة العكور عن الرأي الأردنية
مرة اخرى يعترف قادة اسرائيل بانهم يمارسون الارهاب .. فبعد ان اعترفوا باغتيال عدد من القيادات الفلسطينية في تونس في عملية ارهاب مكشوفة انتهكوا فيها حرمة السيادة الجوية والارضية التونسية .. واغتالوا الاديب والصحفي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني ، واغتالوا المفكر العراقي الكبير باسل الكبيسي ، ها هم يعترفون باغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حيث اعرب الرئيس الاسرائيلي « الثعلب» عن ندم كامن في نفسه جراء اغتيال الرئيس عرفات ، معتبرا ان اغتياله لم يكن في مصلحة اسرائيل ..وسياتي اليوم الذي يعلن فيه قادة اسرائيل عن اغتيالهم الرئيس جمال عبد الناصر ...
ان بيريز بهذا الاعتراف لم يفاجئ مواطنا فلسطينيا وعربيا واحدا ولم يفاجئ الادارات والحكومات الغربية والعربية .. ذلك ان اسرائيل قامت اساسا على سياسة ارهاب الدولة وارهاب المنظمات الصهيونية مثل منظمة الارغون والهاغانا وغيرها ..
كما اعتمدت احزاب اسرائيل وقياداتها وكهنتها سياسة العدوان على الدول العربية المجاورة لتحقيق اطماع توسعية .. وها هي تمارس سياسة الارهاب ضد الشعب الفلسطيني الاعزل في الاراضي الفلسطينية المحتلة في عام» 1948» وفي عام «1967» .. وشنت اكثر من عدوان على لبنان الشقيق واكثر من عدوان على قطاع غزة ..
لكن الادارات الاميركية والحكومات الاوروبية المتعاقبة وحلفاؤها قد بحثت عن الارهاب في اوساط الفلسطينيين والعرب والمسلمين .. متهمة الاسلام نفسه وتعاليمه السمحة بالارهاب..
وحكومات اسرائيل المتعاقبة قد دأبت على مصادرة منازل واراضي ومزارع وممتلكات الفلسطينيين بوسائل ارهاب القوة والاغتيالات والاعتقالات والتهجير المتواصل .. وقد زرعت عشرات المستوطنات في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية تمهيدا لالحاقها بكيانها العنصري والاعلان عن « يهودية» الدولة العبرية .. لكن هذا الحلم الاسرائيلي القديم - الجديد غير قابل للتحقيق ابدا .. وسيرتد كيد قادة اسرائل وقادة احزابها العنصرية الى نحورهم ..
فالربيع العربي الذي فجر ثورتي تونس ومصر ، راح يقرع ابواب فلسطين ليشرق ربيع فلسطيني خصب ومعطاء .. والربيع الفلسطيني الذي يبشر بانتفاضة شعبية ثالثة تتصدى لسياسة التوسع والاستيطان الاسرائيلية..وتردع ارهاب الدولة العنصرية الاسرائيلية راح يلوح في افق فلسطين ..
وما حظيت به اسرائيل من دعم مصري في عهد الرئيس مبارك وبعض القادة العرب لن تحظى به بعد اليوم .. والصمت الرسمي العربي الذي شجع اسرائيل على المضي في ارهابها وجبروتها وعربدتها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني الاعزل وعلى دول الجوار العربية المذعورة من الولايات المتحدة الاميركية الداعمة بدون حدود لاسرائيل ولسياساتها في المنطقة لن يستمرفالشعوب العربيةلن تسكت بعد اليوم بعد أن هبت عليها رياح الربيع العربي ، لتصحو وتنهض وتتصدى لسياسة اسرائيل الارهابية والعدوانية وستتصدى لجميع اعداء الامة.. وعندما تنهض الامة العربية فاسرائيل الى أفول .. وأن غدا لناظره قريب .
عن جمال عبدالناصر.. بالمناسبة
محمد خروب عن الرأي الأردنية
عامان بعد ثورة 25 يناير كان لسيرة جمال عبدالناصر ومسيرته، تاريخ ودور ومكانة... مذاق خاص، رغم اختطاف الثورة من قبل جماعة الاخوان المسلمين الذين استطاعوا بخبث سياسي (وغير سياسي) ان يصادروا مفاعيل الثورة واهدافها النبيلة وان يحكموا قبضتهم على مفاصل الدولة المصرية بغية «اخونتها» ووضعها في خدمة مشروعهم الاستحواذي، الذي بدأ كثيرون من السذّج وطيبي النيات والبسطاء باكتشاف الخطأ الذي وقعوا فيه عندما «صوّتوا» لصالح جماعة الاخوان المسلمين وذراعهم السياسية المعروفة بحزب «الحرية والعدالة» سواء في اول المشوار (استفتاء 19 مارس 2011 على التعديلات الدستورية المنسّقة إخوانياً مع المجلس العسكري) ام في انتخابات مجلسي الشعب والشورى (في تجسيد للمقولة الشعبية «غير الصحيحة بالمناسبة» ان الاخوان بتوع ربّنا)!!
وتاليا انتخابات رئاسة الجمهورية عندما وقف المصريون كافة أمام خيار هو الاصعب والاقسى والامرّ وهو الاختيار بين الاسوأ والاسوأ (كما تبين لاحقا وربما اثناء المعركة الانتخابية، لأن تاريخ الاخوان السياسي.. معروف، وثقافتهم القائمة على الاقصاء والاستحواذ والثأرية ) دع عنك الانتهازية ومغازلة الانظمة القائمة) سائدة في صفوفهم سواء كانوا مطاردين او خلف القضبان أو عندما يُؤْثِرون الصمت ويمتهنون مبدأ «التقية» في تعاطيهم مع القوى السياسية المعارضة.
لم نبتعد كثيرا عن موضوعنا لان عداء الاخوان وحقدهم على جمال عبدالناصر (الذي نحتفل اليوم بذكرى مولده 15/ 1/ 1918) لا يعرف حدودا وهم واصلوا منذ اكثر من ستة عقود حملة تشويه واساءة واغتيال معنوي وسياسي له ولم يكونوا قد وصلوا الى الحكم بعد (وربما لم يكن في خيالهم حتى انهم سيتمكنون من الامساك بها وخصوصا في مصر لكن الرياح المحلية والاقليمية وخصوصا الاميركية جاءت بما تشتهي سفنهم)، ما بالك انهم الان قد باتوا في صدارة المشهد ولم يضيعوا لحظة واحدة بعد «انتصارهم» (الذي سيكتشفون لاحقا انه انتصار بطعم الهزيمة وخصوصا بعد ان تنكروا لوعودهم ولم يفوا بعهودهم وراحوا يتصرفون وكأن مصر عزبة لهم) فأداروا معركة تصفية حسابات مع عبدالناصر شخصياً ومع ثورة 23 يوليو خصوصاً, حيث لم يكد الرئيس الاخواني يجلس في قصر الاتحادية (30/ 6/ 2012) حتى جاءت ذكرى الثورة بعد ثلاثة اسابيع, فاذا به يُبدي ازدراء لها ولزعيمها الخالد ولم يكلف نفسه عناء الاشارة اليها أو التنويه بدورها في نقل المجتمع المصري الى افاق التطور والحرية والكرامة ومجانية التعليم (الذي استفاد موسى منه شخصياً) كذلك في توزيع الاراضي الزراعية على الفلاحين (وعائلة مرسي منهم) زد على ذلك التصنيع وبناء السد العالي وغيرها من المنجزات التي ما يزال المصريون الفقراء ومَنْ انتمنى منهم الى الطبقة الوسطى (أو ما تبقى منها) يحنون اليها.
راح الرئيس مرسي يتندر على الثورة ويغمز من قناة رئيسها ويتساءل في استنكار (الستينات.. وما ادراك ما الستينات) ثم فاجأنا جميعاً (مصريين وعرباً) عندما زار ضريح السادات (بطل كامب ديفيد وليس «بطل» العبور فحسب) كي يمنحه اعلى الاوسمة وانواط الشجاعة, ويسدد بذلك استحقاقات التحالف المشبوه الذي ربط الاخوان المسلمين بالسادات, سواء عندما استخدمهم (كميليشيات وأدوات) لضرب القوى الناصرية واليسارية والوطنية المصرية, بعد أن اطاح برفاقه في الحكومة والاتحاد الاشتراكي ومجلس الثورة في ما عرف بمؤامرة مراكز القوى (سبعة اشهر فقط بعد وفاة جمال عبدالناصر في 28/ 9/ 1970) وبدأت المواجهات الجامعية ثم اطلت الفتنة الطائفية برأسها في السنة ذاتها (احداث الزاوية الحمراء) وبدأت من يومها مسيرة التكفير وتخوين الاقباط وهدر دمائهم واعتبارهم اهل ذمة وغيرها من تلك الاوصاف التي رعاها أو اشرف عليها أو اطلقها «الرئيس المؤمن لدولة العلم والايمان.. كبير العيلة انور السادات».
واذا كان الاخوان ومن رعاهم من الانظمة والوكالات الاستخبارية قد «أسرفوا» في مزاعمهم عن علاقة جمال عبدالناصر بالاميركان (وما ادراك ما الاميركان) وراحوا يتحدثون عن ما يلز كوبلاند ويروّجوا لكتابه الشهير «لعبة الامم».
رغم كل «الاذى» الأميركي والاستعماري الغربي الذي لحق بعبدالناصر شخصياً ومشروعه القومي النهضوي التحرري وصولاً الى الضربة الموجعة بل القاصمة في 5 حزيران 1967, فإن عليهم الان أن يتوقفوا عن استهبال الجمهور واستعباطه والاقلاع عن محاولاتهم المعروفة لإلغاء عقول الناس وإلباس خطابهم عباءة الدين, وبخاصة بعد أن انكشفت علاقتهم بالاميركيين وتهافت شعارهم التعبوي الذي «نسوه» منذ عامين «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود».
ويجيبوا على الاسئلة الكبيرة التي ما تزال بغير أجوبة يواصل «الاخوان» التهرب منها.
ماذا عن اسرائيل وكامب ديفيد وفلسطين من النهر إلى البحر، الوقف الإسلامي الذي لا يجوز التنازل عنه أو التفريط به.. ورأس الحية الاميركية؟ وأين وصل مشروع النهضة الذي جاء مرسي على جناحيه؟ دون اهمال عدم اعتذار الاخوان عن «الفرية» التي الصقها عصام العريان مؤخرا بجمال عبدالناصر التي اراد من خلالها هذا الاخواني، التقرب الى اليهود والصهيونية بادعائه - كذبا وافتراء- ان عبد الناصر طرد اليهود من مصر، وهم (الاخوان المسلمون) يدعونهم للعودة الى «وطنهم»!!
سلام على جمال عبدالناصر (الذي عرف الاخوان وعرّفهم).. يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا.
الأولوية لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي
رأي الدستور الأردنية
أكبد جلالة الملك عبدالله الثاني في حديثه الصحفي لمجلة “لونوفيل اوبزرفاتور” وخلال لقائه اعضاء لجنة الشؤون العامة الاميركية- الاسرائيلية “ايباك” ان اولوية السياسة الخارجية الاردنية هي ايجاد حل للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي، يقوم على حل الدولتين، لوضع نهاية لحالة عدم الاستقرار التي تسود المنطقة، والتي ستزداد توتراً بسبب الاخفاق في احياء عملية السلام.
ومن هنا، اشار جلالته وبعبارات واضحة محددة الى ان تبني اسرائيل عقلية القلعة، ورفضها مغادرة هذا النهج القائم على الاحتكام للقوة، من شأنه ان يبقيها معزولة عن محيطها، وهذا ما أثبتته الوقائع مؤخراً، اذ لم تقم اسرائيل بمراجعة سياستها وفقا للتحولات والمستجدات التي تضرب المنطقة، وتشي بتغيرات جذرية، بل أصرت على الاستمرار في الاستيطان، والتهويد، واستباحة المقدسات الاسلامية والمسيحية، متجاهلة التحولات السياسية الراهنة التي فرضها الربيع العربي، وتطلعات الشعوب العربية الى الحرية والديمقراطية والتعددية، وتداول السلطة وصولا الى الدولة المدنية الحديثة.
وفي ذات السياق، شدد جلالة الملك على ضرورة عدم اضاعة المزيد من الوقت للدخول مجدداً في مفاوضات مباشرة على اساس حل الدولتين، الذي لا يزال يشكل الحل الامثل والوحيد لانهاء الصراع، وصولا الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة، وقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، عاصمتها القدس الشريف، وفي حدود الرابع من حزيران 1967.
ومن هنا، لفت جلالته الى اهمية الدور الاميركي، كداعم للعملية السلمية، وضرورة استمرار انخراط واشنطن في دعم جهود التوصل الى السلام الشامل والعادل، معرباً عن تفاؤله في ظل تشكل ارادة سياسية قوية عالمية، تجلت في قبول فلسطين عضوا مراقبا بالامم المتحدة بتصويت “138” دولة لصالح القرار، وهو ما يعني وجود اجماع دولي لحل هذا الصراع المزمن، واقامة دولة فلسطينية مستقلة كسبيل وحيد لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة، وتحريرها من الارتهان للخوف، والارهاب والاحتلال الصهيوني.
حديث جلالته الصريح هذا، هو بمثابة رسالة الى المنظمات اليهودية الاميركية لتقوم بدورها المهم في اقناع اسرائيل بضرورة الاستجابة للاجماع الدولي بوقف الاستيطان وعمليات التطهير العرقي، واجراءات التهويد، وخاصة في القدس الشرقية، والكف عن تدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية، والتي تشكل خطاً أحمر للاردن، لا يسمح بتجاوزه كونها جزءاً من عقيدة الامة واي اعتداء عليها هو اعتداء على هذه العقيدة السمحة.
مجمل القول: وضع جلالة الملك عبدالله الثاني النقاط على الحروف، وبمنتهى الوضوح، حيث اشـَّر على ان تبني اسرائيل عقلية القلعة، هو سبب فشل المفاوضات، وسبب وصول عملية السلام الى طريق مسدود، ولن يتغير الحال حتى تخرج من هذه العقلية التي تحتكم للقوة، داعياً واشنطن بصفتها الراعية الوحيدة للسلام الى ان تقوم بدورها في هذه المرحلة الخطيرة لانقاذ المنطقة من انفجار قريب اذا ما استمرت اسرائيل في تعنتها رافضة الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
عن المخيمات والانتخابات
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
عن قصد أو من دونه، يجري اختصار الأردنيين من أصول فلسطينية بسكان المخيمات..مع أن المخيمات، الرسمية منها وغير الرسمية، بالكاد تستوعب 18 بالمائة من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين في كشوف الأونروا، وهم هنا لاجئو 48 الذين يحملون الجنسية الأردنية..وهناك لاجئون آخرون غير مسجلين على كشوف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بيد أنهم مواطنون وناخبون، فضلا كما هو معروف، عن مئات ألوف الفلسطينيين، من أبناء غزة أو من أبناء الضفة الغربية الذين سحبت جنسياتهم عملاً بتعليمات فك الارتباط (عن حق أو من دونه).
ويجري التعامل مع هذه المخيمات، بوصفها “خزان رخيص” للأصوات..بمقدور من امتلك المال أو الجاه أو السطوة أو “الواسطة” أن يذهب إليه ليغرف ما شاء من الأصوات..ومن قبل كان بمقدور أصحاب المال والجاه والنفوذ، أن ينقّلوا هذه الأصوات حيث طاب لهم الهوى..وحكاية “حافلات” نقل الأصوات التي انطلقت من المخيمات لتجوب أرجاء البلاد في سابق الانتخابات، باتت أكثر من معروفة.
الدولة تستحث سكان المخيمات (في ربع الساعة الأخيرة كدأبها) على المشاركة، لرفع نسب الاقتراع، خشية أن يُحسبَ لتيار المقاطعة، أنه حقق مبتغاه..وهي لهذه الغاية عمدت إلى “توسيط” خالد مشعل لإقناع الإخوان المسلمين بالمشاركة، وعندما تعذر عليه إتمام مهمته في ظل رفض الإخوان للوساطة، لجأت بعض دوائر الدولة إلى السلطة وفتح، علّ وعسى..علماّ أن اللجوء إلى قطبي المعادلة الفلسطيني، وإن جاء بطرق غير مباشرة وغير رسمية، يعد انتهاكاً لمبدأ أساسي اعتمدته الدولة في علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية: عدم التدخل في الشؤون الأردنية الداخلية..لكن يبدو أن الضرورات تبيح المحظورات، وسياسة “العليق عند الغارة”، تفضي إلى هكذا مواقف...والتدخل المرفوض يصبح مقبولاً إن جاء من بوابة الدولة، وليس من بوابة المجتمع أو المجموعات.
لم تيأس الدولة من تكرار المحاولة، طالما أن الهدف هو رفع نسبة الاقتراع ، وتفويت الفرصة على الإخوان وتيار المقاطعة..لجأت إلى “المخاتير” و”الوجاهات التقليدية” التي تآكل دورها في أوساط الفلسطينيين والأردنيين من أصول فلسطينية سواء بسواء..حتى أنني استمعت في بعض الأحياء الشعبية لقصص وشائعات تتحدث عن مخاطر عدم التسجيل وعدم الانتخاب، تحت طائلة الفزّاعة إياها: سحب الرقم الوطني، ولا أدري من هو صاحب “براءة الاختراع” اللئيمة هذه.
وقبل سنوات، جرت محاولة أكثر ذكاء ودهاء..تمثلت في محاولة “صناعة” نخبة جديدة للأردنيين من أصول فلسطينية، حين “تلاقح المال السياسي والتدخل الحكومي” بهدف إيصال نواب ديجيتال إلى البرلمان، يمثلون هذه الشريحة من السكان..ودائماً للقول أن الإخوان ليسوا سوى مجرد حزب له بعض النفوذ في هذه الأوساط، وليس ناطقاً باسمها أو ممثلاً لها.
تعددت المحاولات والهدف واحد: حفز مشاركة الأردنيين من أصول فلسطينية، حتى يتمكن البعض منّا صبيحة الرابع والعشرين من يناير، من إخراج لسانه للإخوان المسلمين، وإطلاق عبارة ألم نقل لكم، أن مقاطعتكم مثل مشاركتكم، لا تقدم ولا تؤخر.
وثمة قصص مروّعة عن نواب هبطوا على دوائر الكثافة السكانية الخاصة بهذه الفئة، وأمكن لهم الفوز بمقاعد عنها، لا لشيء إلا لحاجة أهلها للواسطة و”الكفيل” في ظل ضعف وإضعاف منهجي منظم للنخب السياسية المنبثقة من رحم هذه الدوائر والفئات السكانية..علماً بأن هؤلاء يضمرون ويظهرون في مواقفهم وممارساتهم، أعمق مشاعر الكراهية لهذه الفئة من السكان.
على أية حال، لقد ثبت عقم هذه السياسة، فلكي تقنع هؤلاء الذين اعتادوا تسجيل نسبة اقتراع تراوح ما بين 25 – 30 بالمائة..عليك أن تفعل ما هو أكثر من هذه الخطوات والمبادرات..عليك أن تقنعهم بأنهم مع سائر خلق الله، سواسية أمام القانون..وأن عليهم من الواجبات التي لا تقصر الدولة في الاستحصال عليها، وأن لهم من الحقوق العادلة والمتساوية، ما لا يحق للدولة أن تغمض الأعين عن مصادرتها أو تأجيلها أو الانتقاص منها.
وإلى أن يجري تصحيح الاختلال في علاقة الدولة بهذه الفئة من مواطنيها..وما لم يشعر هؤلاء بأن مواطنتهم ليست ملونة أو مهددة بالتلون بالأصفر والأخضر، فإن كافة الوسائل المتبعة لحفزهم على المشاركة، لن تزيد عن أن تكون وسائل ترقيعية، أو نوعاً من “العليق عند الغارة”...والمسألة هنا لا تتعلق بالإخوان المسلمين، مشاركة أو مقاطعة، فقد ظلت نسب الاقتراع في دوائر أربع في عمان والرصيفة، حيث يقطن ما يزيد عن 30 بالمائة من سكان الأردن، تدور في ذات النطاق الذي أشرنا إليه، بمشاركة الإخوان ومقاطعتهم...القصة أعمق من مجرد مناكفة بين الدولة والإخوان، جذر المشكلة يمكن في اختلال العلاقة بين الدولة وهذه الفئة من مواطنيها.
«باب الشمس»..«تكرم الفصائل أو تهان»!
حسن عصفور عن الدستور الأردنية
قبل 15 عاما من تاريخه (1997) أعلنت السلطات الاحتلالية قرارها للبدء في تنفيذ مشروعها الاستيطاني فوق أرض جبل أبو غنيم بين القدس وبيت لحم، وعندها اندلعت موجة احتجاج شعبي ورسمي واسعة، ومن بين تلك الجهات كانت لجنة مقاومة الاستيطان ومصادرة الأراضي في المجلس التشريعي التي كان يرأسها أحد مناضلي حركة «فتح» الأوائل، صلاح التعمري، فقررت الاعتصام فوق الأرض والمبيت بها، ونصبت خيام شارك بها عشرات من «المتضامين» مع اللجنة ورئيسها، وخلقت حالة كفاحية بهذا الاستنباط كشكل جديد للمقاومة ومواجهة مصادرة الأرض والنشاط الاستيطاني، وكان التقدير أن تفرض تلك «الظاهرة» النضالية موجة انعطاف نحو تصاعد الرد الشعبي على المصادرة والاستيطان.. ولكن حدث «الخمول الوطني» رويدا رويدا حتى بات صلاح التعمري «وحيدا بخيمته» التي يذهب اليها وينام بها، وتعامل بعض من قيادات فتح في حينه بـ»سخرية» بالاشتقاق الكفاحي لصلاح التعمري.. ولعل تلك السخرية كانت اقسى عليه من تخلي رفاق «الخيمة الأولى» عن مسيرته الابداعية..
واليوم تعود حالة اشراق وابداع جديد لأهل فلسطين في صورة هجوم شعبي ونوعي من خلال اقامة قرية – باب الشمس – فوق الأرض المصادرة شرق القدس المحتلة، ابتكار يتكرر بروح أكثر تصميما مما كان في الخيمة الأولى، سيقيم أكثر من 200 ممن يعشقون الأرض في خيام القرية التي اشتق اسمها من رواية المبدع الياس خوري – باب الشمس - ، اشتقاق الاسم كان له مغزى ورسالة بالتصميم والارادة لمقاومة المغتصب لأرض فلسطين، اصحاب فكرة قرية «باب الشمس» اعتبروها ابداعا في المقاومة الشعبية، وهي حقا كذلك، هي تواصل لتلك البذرة التي أطلقها المناضل صلاح التعمري « ابو حسن»، ربما لم ينجح في حينه لتخلي اخوة السلاح عنه في نهاية الرحلة، ولم يكن باب الحضور التضامني العالمي واسعا كما هو اليوم، ما يمنح «باب الشمس» الجديدة روحا وقوة وطاقة..
ولكن وقبل البحث عن دعم تضامني عالمي، فالأولوية يجب أن تكون من أهل البلاد، وخاصة قواها وفصائلها، قيادتها وحكومتها، خاصة وأن المشروع الهجومي لمواجهة الاستيطان ومصادرة الأرض شعبي وسلمي بامتياز كبير، لا يحمل سوى «سلاح الخيمة الوطني لتحرير الأرض» من الاستيطان..سلاح ابتكاري لشعب لا تنبض حركة الابداع لديه للمقاومة، فذهب الى الابتعاد عن جدل «الفصائل» في سؤالها التقليدي «الممل»، عن وسائل مقاومة الاحتلال.. فقرر نشطاء اللجان الشعبية حمل «خيمتهم» ويمضوا لنصبها فوق الأرض منتظرين أن ينتهي «الجدل الفصائلي»، علهم يأتون..ولكن ليس بطريقة الحضور الاعلامي لكفاح قرى بعلين ونعلين..
بعد بناء القرية الفلسطينية، لم يعد هناك ذريعة أو حجة أن لا تلتحق كوادر وقيادات الفصائل عامة وفتح وحماس خاصة، بالبناء والاقامة في قرية «باب الشمس» الجديدة، لتصبح المعركة شعبية وطنية عامة، ليست قاصرة على «نشطاء»، فكل شيء مناسب وملائم جدا لتنفيذ ما قالته القيادة والحكومة والفصائل من «النضال الشعبي السلمي» وأن «الاستيطان خط أحمر لن يسمح به».. والآن جاءت الفرصة بعد المبادرة المبدعة والمبتكرة لاقامة قرية فوق أرض مصادرة اعتبرها العالم دون استثناء انها خطر حقيقي ويجب وقف مصادرتها كونها الأخطر على الدولة الفلسطينية وتواصلها وعاصمتها..
قرية «باب الشمس» هي الاختبار الحقيقي لمكونات الشعب الفلسطيني كافة، نحو تطبيق رؤية « الجهاد الشعبي»، ردا عمليا على مخطط الاحتلال وقادته، فالظروف المحلية تعيش حالة نشوة وطنية بعد الاعتراف بدولة فلسطين ومكتسبات «رجم» تل أبيب بصواريخ فجر الايرانية، ومهرجان انطلاقة الثورة المعاصرة في قطاع غزة، وقبلها الحراك الشعبي في الضفة الغربية ضد المحتلين..وانطلاق لقاءات مصر للمصالحة الوطنية,, والى جانب ذلك كله غضب دولي واسع وقد يكون غير مسبوق ضد القرار الاسرائيلي بمصادرة ارض واقامة المشروع الاستيطاني الأخطر المعروف باسم «أي 1» ، لذا جاءت لحظة الاختبار والحقيقة، كي تبادر قوى الشعب مجتمعة للتشارك في معركة الدفاع الوطني عن الأرض ورد المحتل، التي أطلقتها لجان المقاومة الشعبية للاستيطان والجدار..
ننتظر حراكا من عشرات آلاف يزحفون نحو «باب الشمس»..
ننتظر لقاء فصائليا يبحث «المصالحة» من «باب الشمس»..
* ننتظر عقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء في خيمة بقرية « باب الشمس»..
ننتظر ذهاب أعضاء المجلس التشريعي للاقامة في قرية «باب الشمس»..
ننتظر من رئيس لجنة القدس ومنسقها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ان يقيم في «باب الشمس»..
ننتظر من وزير خارجية دولة فلسطين أن يصطحب كل البعثات الديبلوماسية العربية والأجنبية لزيارة قرية «باب الشمس»..
ننتظر أن نسمع اقامة قيادات فصائل وطنية خيام لهم فوق أرض «باب الشمس»..
ننتظر بثا حيا لبرامج اذاعة وتلفزيون فلسطين من خيمة في «باب الشمس»..
واخيرا ننتظرا مرسوما رئاسيا بالاعتراف بتلك القرية واصدار الأوامر لتوفير كل ما يلزم.. تطبيقا لمقولة الرئيس عباس «الاستيطان خط أحمر ولن نسمح به»..
«باب الشمس» لا تريدا منكم بيانا يشرح قيمتها، فأصحاب خيماها قالوا خيرا من بيانتكم.. هم ينتظرون فعلكم.. انها لحظة الامتحان.. تكرم الفصائل أو تهان!
ملاحظة: اعتراف رئيس دولة الكيان شمعون بيريز باغتيال الخالد ياسر عرفات، يجب اعتباره «وثيقة رسمية» تقدم للمحكمة الجنائية الدولة لملاحقة مرتكبي تلك الجريمة.. طبعا لو كانت النية الذهاب اليها!
تنويه خاص: مواصلة قيام سلطات الاحتلال بقتل الفلسطيني على حدود غزة وسط صمت مريب من «حماس» يثر أسئلة محيرة.. ابسطها لماذا تسكتون سكوت «اهل الكهف»!
انتخابات إسرائيل بنتائج معروفة: نتنياهـو رئيسـاً بتحالـف يمينـي
حلمي موسى عن السفير
انطلقت المعركة الانتخابية في إسرائيل رسمياً قبل أسابيع وشهدت في الأيام الأخيرة تصعيداً كبيراً في الاتهامات المتبادلة بين جميع القوى الفاعلة فيها. ومع ذلك، وقبل أسبوع من موعد الوصول إلى صناديق الاقتراع، يصعب القول ان الانتخابات الإسرائيلية مثيرة، بل هناك من يعتبرها مضجرة. ويرى البعض أن أخطر ما فيها أنها برغم حشد القضايا مثار النقاش فيها إلا انها عصية على الإثارة. ومن الجائز أنه برغم الفوارق في استطلاعات الرأي التي تنشرها الصحف فإن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية المقبلة ورئيسها لن يشكلا مفاجأة لأحد، فالحكومة يمينية بامتياز ورئيسها هو بنيامين نتنياهو.
ولا يغير في هذه المعادلة اتهام عدد من قادة أجهزة الأمن السابقين، ورئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، وقادة أحزاب المعارضة لنتنياهو وحكومته بتبذير الأموال وتخريب الاقتصاد وإبعاد السلام وتدمير العلاقة الإستراتيجية مع أميركا. كما لا يهم في هذا السياق اتهام وزارة الخارجية ووزيرها، أفيغدور ليبرمان، بانتهاج سياسة تقود إلى فرض عزلة دولية على الدولة العبرية. وإذا كان الإسرائيلي لا يهتم بما يحدث في العالم أو بالعرب من حوله أو تحت سلطته فمن الضروري أن يهتم بمصلحته اليومية المباشرة. لكن ذلك لا يحدث جدياً، فمحافظ مصرف إسرائيل ستانلي فيشر كشف النقاب عن فجوة هائلة في ميزانية الدولة تتمثل في عجز يبلغ ضعف العجز المقرر سلفاً، ويبلغ 39 مليار شيكل (أكثر من عشرة مليارات دولار). وإذا كان ثمة معنى لذلك فإن كل عائلة إسرائيلية، وفقاً لزعيمة حزب العمل شيلي يحيموفيتش، ستتحمل في العام المقبل ضرائب إضافية تقدر بـ18 ألف شيكل (ما يقرب من خمسة آلاف دولار). لكن شيئاً لا يغير من وجهة نظر الناخب الإسرائيلي الذي لم يعد يرى شيئاً إلا عبر عينه اليمنى.
ولذلك، ما كادت محاولة تجميع أحزاب وقوى الوسط في كتلة تنسيقية انتخابية تولد كفكرة حتى دفنت قبل أن تجد من يحتضنها. فالخيط الجامع لهذه المحاولة، وهو إسقاط نتنياهو أو تشكيل قوة مانعة، كان واهياً لدرجة أنه لم يحتمل عقد أول اجتماع تنسيقي.
وبديهي أن عين كل أطراف هذه المحاولة كانت مصوبة نحو ما يريده الجمهور. والجمهور، وفق دلائل كثيرة، اعتبر خطوة كهذه عملاً عدائياً تجاه اليمين فسارع إلى معاقبة الضالعين فيه. وهكذا تراجعت في الاستطلاعات قوة ليس فقط حزب العمل وإنما «حركة» تسيبي ليفني أيضاً.
وجوهرياً، انحصر النقاش الفعال والمثير بين القوى الأشد يمينية وخصوصاً بين «الليكود بيتنا» و«البيت اليهودي» و«شاس». والنقاش الفعال هنا لم يكن مجرد أفكار وشعارات تطرح هنا وهناك، وإنما أصوات ومقاعد تنتقل في استطلاعات الرأي بين هذه القوى الثلاث أساساً وخصوصاً بين القوتين الأوليين. فقد تشكلت كتلة «الليكود بيتنا» بين حزبي الليكود و«إسرائيل بيتنا» بأمل امتلاك 45 مقعدا في الكنيست تسمح «لرئيس حكومة قوي» بتشكيل «حكومة قوية» لا تخضع لابتزاز قوى أصغر. لكن هذه الكتلة خلقت شعوراً مضاداً في أوساط اليمين قاد إلى تنامي قوة «البيت اليهودي»، ونقله من مكانه الهامشي تقريباً إلى مركز الحلبة بجعله الحزب الثالث في قوته بعد الليكود والعمل.
وعملياً، أظهرت استطلاعات الرأي الإسرائيلية واقع تشكل ثلاثة معسكرات في الوسط اليهودي. ويتكون المعسكر الأول من اليمين التقليدي ممثلا بـ«الليكود بيتنا» وسينال حتى الآن ما يزيد على ثلاثة إلى خمسة مقاعد فوق الثلاثين مقعداً. أما المعسكر الثاني الجديد وله أكثر من 30 مقعداً فهو المعسكر اليميني الديني الذي لم يعد ملحقا باليمين القومي وإنما يسعى لنيل استقلاله ويضم «البيت اليهودي» و«شاس» و«يهدوت هتوراه» وربما «عوتسما ليسرائيل». ويبقى المعسكر الثالث ويضم حزب العمل و«هناك مستقبل» بزعامة يائير لبيد، و«حركة» تسيبي ليفني، ويملك أيضا قوة بحدود 30 مقعدا. وعلى هامش هذه المعسكرات تقف الأحزاب العربية وحركة «ميرتس»، وهي في كل الأحوال خارج اللعبة السياسية الدائرة وبقوة تبلغ حوالي 15 مقعداً.
وربما لهذه الأسباب تطرح منذ الآن احتمالات الحكومة المقبلة. وبديهي أنه برغم الصراع الانتخابي الدائر حالياً بين المعسكرين الأول والثاني إلا انه يصعب تخيل أنهما في طريق إنهاء الشراكة الطبيعية بينهما. لذلك فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن يشكل «الليكود بيتنا» ائتلافاً مع كل من «البيت اليهودي» و«شاس» و«يهدوت هتوراه» فيملك بالتالي بين 67 و69 مقعدا. وإذا أراد نتنياهو فإن بوسعه توسيع هذا الائتلاف بضم حزب يائير لبيد أو «حركة» تسيبي ليفني. وعمليا يبتعد نتنياهو عن ضم «عوتسما ليسرائيل» وهو الحزب الأشد يمينية والذي يعتبر خليفة حركة «كاخ» العنصرية.
غير أن هناك من يعتقدون أن نتنياهو، ربما بسبب عداء أفيغدور ليبرمان وحزبه لـ«شاس» والحريديم، قد يذهب إلى التحالف مع حزب العمل وحزبي الوسط (لبيد وليفني) على أمل تنفيذ التغيير الذي وعد به في النظام الانتخابي وإقرار قانون تجنيد الحريديم. لكن من يعرف طبيعة الانتماءات داخل الليكود ووجهة نتنياهو الأيديولوجية يتعذر عليه ترجيح هذا الاحتمال. فالأمر ينطوي على تغيير واضح للوجهة وفض للشراكة الطبيعية في وقت غير مناسب. فالقوة التي يمنحها الجمهور لـ«البيت اليهودي» و«شاس» في الانتخابات وطبيعة الخلافات الجوهرية القائمة بين الليكود وأحزاب الوسط ستجعل صمود سيناريو كهذا أمرا مستبعدا.
صحيح أن هناك في الليكود من يعتقدون أن الظروف الجديدة ستقود إلى تغليب الاحتمال الثاني، لكن مثل هذا الاعتقاد ينبع من صراع في زمن المعركة الانتخابية وليس في مرحلة الإدارة السياسية والاقتصادية للدولة. عموما إذا كانت هناك مفاجآت في الانتخابات الإسرائيلية فهي على الأغلب ليست في النتائج وإنما في مرحلة تأليف الحكومة.
أيـكـون عـام المـصـالـحـة الـفـلـسـطـيـنـيـة؟
فهمي هويدي عن الشروق المصرية
تستعيد القضية الفلسطينية مكانتها بعد ضياع. المصالحة باتت ممكنة، بعد صمود غزة وتطور سلاحها في المواجهة، وبعد قبول فلسطين دولة عضواً غير مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد التغييرات التي حصلت في مصر... العام الجديد، عام إحياء فلسطين.
(1)
أدري أن مصطلح المصالحة الفلسطينية جرى ابتذاله، بعدما استخدم عنواناً للقاءات ومشاورات عدة، أُريد بها تمييع المصالحة وتعطيلها، وبعدما توسطت لأجلها أطراف، عرفنا لاحقا، أنها لم تكن محايدة أو نزيهة، وأنها كانت تتحرك في إطار المخطط الإسرائيلي الرافض للمصالحة، ما لم تتم بعد استسلام غزة وتركيعها. برغم ذلك، فإنني أزعم أن الكلام الجاد حول المصالحة سوف يجرى في العام الحالي، وإن زيارة السيد محمود عباس للقاهرة هذا الأسبوع كانت بمثابة خطوة في ذلك الاتجاه. وإذا سألتني لماذا التفاؤل بما يمكن أن يتم إنجازه هذا العام، فردي أن المتغيرات التي حدثت في الأجواء وعلى الأرض تعطي ذلك الانطباع، وتوحي بأن أوان الكلام الجاد حول الموضوع قد حل.
لا أنكر أنني كنت أحد الذين يتشككون في إمكانية وجدوى المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس»، لأن الرئيس محمود عباس، الذي يفترض أنه يرأس منظمة التحرير، ويقود حركة «فتح» يتبنى موقفاً يراهن فيه على الحل السياسي، ويستهجن فكرة المقاومة ويرفضها، في حين أن حركة «حماس» تستمد شرعيتها من تبنيها لخط المقاومة، وتعتبر السلطة التي تمارسها في القطاع أحد أوجه المقاومة التي لا تلغي الأوجه الأخرى، بدليل أنها تحتفظ بسلاحها، وقد استخدمته في صد الاجتياحات الإسرائيلية، جنباً إلى جنب مع حركة «الجهاد الإسلامي» وعناصر المقاومة الأخرى. أفهم أيضاً، أن الطرفين لم يغيرا من موقفيهما، لكن الذي تغير هو المعطيات الحاصلة على الأرض التي تفرض على الطرفين أن يتلاقيا من دون أن يتنازل كل منهما عن موقفه. وهذه المعطيات تتوزع على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، إلى جانب أن هناك متغيرات أخرى مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي ينبغي ألا نغفلها.
(2)
إسرائيلياً، لم يعد هناك شك في أن موضوع الدولة الفلسطينية وحل الدولتين استبعد تماماً من الأجندة الإسرائيلية. وأن كل الوعود التي قدمت والاتفاقات التي تمت مع الفلسطينيين من خلال التفاهمات السياسية، لم تكن سوى فخاخ أريد بها كسب الوقت وتخدير الفلسطينيين لتغطية عملية التهويد والمضي في الانقلاب الجغرافي والسكاني الذي يحدث على الأرض. وفي الوقت الذي ظلت تتمدد فيه إسرائيل على الأرض، فإنها أناطت بالسلطة في رام الله وجهازها الأمني الذي ينفق عليه ثلث الموازنة، مهمة قمع الجماهير الفلسطينية والحيلولة دون انتفاضها وثورتها في مواجهة التغول والعبث الإسرائيليين. وهو ما نجحت فيه حتى الآن. إلا أن استمرار ذلك النجاح ليس مضموناً، خصوصاً أن مظاهر الغضب الفلسطيني في الضفة تعددت خلال الأشهر الأخيرة، حتى أصبح الحديث متواتراً عن انتفاضة فلسطينية ثالثة وعن ربيع فلسطيني تهب رياحه استلهاماً للربيع العربي. وقد تزامن ذلك مع تسارع خطى الاستيطان الذي قيل إنه بمناسبة الانتخابات البرلمانية التي تجري في 22 كانون الثاني الحالي. وقيل إنه جزء من الرد الإسرائيلي على لجوء السلطة الفلسطينية إلى طلب عضوية الأمم المتحدة وقبول الطلب. وهي سياسة يتوقع لها أن تستمر خلال المرحلة المقبلة، لأن التنافس في الانتخابات حاصل بين اليمين واليمين وليس بين اليمين واليسار.
ورغم أن إسرائيل ضامنة لانحياز الإدارة الأميركية، وضمانها للكونغرس أشد، فإنها تدرك أن الرئيس باراك أوباما سيظل مشغولا بمشكلات بلاده الاقتصادية في خلال العامين الأولين من ولايته الثانية، وهو ما قد يفسح المجال أمامها لممارسة العربدة في المنطقة. وليس معروفاً في هذه الحالة ما إذا كان بنيامين نتنياهو سيحاول أن يسترد اعتباره بعمل عسكري ضد غزة التي تحدَّته وكسرت كبرياءه مرتين. أو ما إذا كان سيحقق رغبته في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، التي اعتبر مشروعها النووي على رأس تحديات إسرائيل الاستراتيجية. وفي كل الحالات، فإن الفترة القادمة ستظل مفتوحة لمختلف الاحتمالات أمام مغامرات اليمين الإسرائيلي، وربما ألقى بعضها بظلاله على أجواء المصالحة.
(3)
المتغيرات على الساحات الأخرى الفلسطينية والعربية والدولية إيجابية ومهمة وتتلخص فيما يلي:
} فلسطينياً، أضع صمود غزة في المرتبة الأولى، وأضع التطور النوعي في سلاح المقاومة في مرتبة موازية، وهو التطور الذي مكّن عناصر المقاومة من إطلاق صواريخ وصلت إلى تل أبيب، حتى لو لم تصب أحداً فيها. لأن فكرة وصول صواريخ المقاومة إلى «عاصمة الدولة العبرية»، تمثل هاجساً مرعباً يؤرق القيادة الإسرائيلية، فضلا عن أنه يصيب في مقتل فكرة الأمن الإسرائيلي. وأحسب أن هذه النقطة بالذات كانت وراء مسارعة إسرائيل إلى طلب وقف إطلاق النار إثر عدوانها على القطاع الذي حمل اسم «عمود السحاب»، كما أنها كانت وراء مبادرات حُسن النية التي قدمتها آنذاك، مقابل وقف إطلاق الصواريخ من غزة، في غير حالات العدوان بطبيعة الحال. وقد أشار إليها الرئيس الأسبق لجهاز الموساد افرايم هليفي في مقال نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، (من تلك المبادرات توسيع مساحة القطاع البحري أمام شاطئ القطاع لصيد الأسماك والسماح بتجديد أسطول الحافلات والشاحنات في القطاع، كذلك السماح باستيراد مواد البناء من إسرائيل). ومن الملاحظات المهمة التي ذكرها الرجل، أنها كانت المرة الأولى التي أجرت فيها إسرائيل مفاوضات مع حركة «حماس» لتخفيف الحصار عن غزة، بوساطة مصرية بطبيعة الحال. وكانت إسرائيل في السابق تخاطب السلطة في رام الله فقط وترفض الحديث مع حركة «حماس».
يضاف إلى ما سبق، متغير سياسي آخر له أهميته، يتمثل في قبول دولة فلسطين عضواً بالجمعية العامة للأمم المتحدة، استجابة للطلب الذي قدمه الرئيس محمود عباس، ولقي تأييداً واسعاً من قبل المنظمة الدولية.
} عربيا، أزعم أن ثورة 25 كانون الثاني كانت أهم متغير إقليمي لصالح القضية الفلسطينية. ذلك أنها المرة الأولى منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل العام 1979 التي تبنت فيها مصر موقفاً مسؤولاً ونزيهاً إزاء القضية، تجاوزت به تلك المرحلة المخجلة التي صار فيها رئيس مصر كنزاً استراتيجياً لإسرائيل. وحين طويت هذه الصفحة، فإن مصر الرسمية فتحت أبوابها لممثلي المقاومة، وهم الذين لم يروا في السابق سوى مصر الأمنية دون غيرها. وفى ظل ذلك الوضع المستجد، رأينا خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» ورمضان شلح الأمين العام لحركة «الجهاد» ورفاقهما في قيادتي الحركتين، في لقاء مع رئيس الجمهورية، بعد أن كان محظوراً عليهما دخول أي مؤسسة رسمية باستثناء مبنى المخابرات العامة. كما رأينا رئيس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل مجتمعاً مع السيد إسماعيل هنية وغيره من المسؤولين في قطاع غزة.
لم يكن ذلك هو المتغير الوحيد وإن كان الأهم، وإنما أسهمت تلك الأجواء في كسر حصار غزة (وليس إلغاؤه) فزار القطاع أمير قطر ثم وفد من وزراء الخارجية العرب، كما أصبحت الوفود والمساعدات تصل إلى غزة من دون عقبات تذكر.
هذه الأجواء كان لها صداها في محيط الجامعة العربية، حيث وافق وزراء الخارجية على اقتراح للأمين العام الدكتور نبيل العربي بإعادة النظر في قرارات الجامعة السابقة المتعلقة بالتسوية السلمية مع إسرائيل. وفي المقدمة منها، المبادرة التي أطلقتها قمة بيروت في العام 2002 ولم تحقق شيئاً منذ ذلك الحين، وقد فهمت أن هذه الخطوة سوف تتلوها خطوات أخرى، ربما كان في مقدمتها سحب المبادرة وتبني موقف أكثر حزماً في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتصلة بالاستيطان والتهويد.
} دولياً، كان تصويت 138 دولة في الجمعية العامة لمصلحة قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة دليلاً قوياً على تراجع التأييد الدولي لإسرائيل ووقوفها على أبواب عزلة سياسية لم تعرفها من قبل.
(4)
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن القضية الفلسطينية أصبحت الآن في وضع أفضل نسبياً. وأن اختراقات حدثت في الأفق المسدود الذي سرب إلينا إحباطاً مستمراً طوال السنوات التي خلت، ولم يمنعنا من الاستسلام لليأس سوى تلك الومضات المضيئة التي كانت تلوح في الفضاء مع أخبار المقاومة الفلسطينية والصمود الباسل لأهل قطاع غزة.
لقد ظل انقسام الصف الفلسطيني هو الثغرة المؤلمة في المشهد، الأمر الذي عانى منه المسؤولون في حركتي «فتح» و«حماس»، وقد أدركوا أن الوقت قد حان لحديث جاد حول المصالحة، تقوم فيه مصر بدور نزيه وفاعل. وإذا صحت معلوماتي في هذا الصدد فإن الدور المصري المفترض في هذه الحالة سوف يتجاوز نقل وجهات النظر ومحاولة التقريب بينها، إلى محاولة بلورة مشروع محدد للمصالحة يقدم إلى الطرفين، يسترشد بوجهة نظر كل طرف ومقترحاته. والسيناريو المفترض في هذه الحالة يقضي بأن يطالب كل طرف بتقديم رؤيته ومقترحاته إلى الوسيط المصري، الذي سيتولى دراسة ما يتلقاه ويستخلص منه مشروعاً يكون ملزماً لـ«فتح» و«حماس» معاً. كأننا بصدد الدخول في شيء أقرب إلى التحكيم الذي يرتضي فيه طرفا الاحتكام إلى ثالث موثوق فيه، ويمكِّن هذا الأخير من الاستماع إلى حجج كل طرف على حدة. وبعد مناقشتها يُصدر الحَكَم قراره الذي يلزم الطرفين.
حين سألت في التفاصيل، قيل لي إن المشاورات لم تدخل بعد طور بلورة الأفكار، وإن لقاءً تمهيدياً يفترض أن يتم بين أبومازن وأبوالوليد، سيطلب بعده من كل طرف أن يقدم مشروعه، لتدور العجلة بعد ذلك إيذاناً بميلاد المصالحة المرجوة، التي أرجو أن تكسر الشعور بالتشاؤم من رقم 13 المعلق على جدران العام. إلا أن أبوالوليد يبدو أكثر تفاؤلا، لأنني سمعت منه في الدوحة قبل أيام قوله، إن العام الجديد لن ينتهي قبل أن تتم المصالحة. قولوا إن شاء الله.
طريق اللاعنف إلى فلسطين
اوكتافيا نصر عن النهار اللبنانية
انطبع النضال الفلسطيني من أجل الدولة بالعنف في الجزء الأكبر منه. سواء كنّا نوافق على مساره العنفي والأهداف التي حقّقها أو نرفضهما معاً، لا بد من أن نتذكّر أن فلسطين اليوم هي على وشك أن تصير من جديد جزءاً من المجتمع الدولي بعد سبعة عقود من حرمانها ذلك الحق والامتياز.
في الغرب، يستحضر مجرد ذكر اسم فلسطين أو الفلسطينيين صور العمليات الانتحارية والخطف والقتل والفساد والعنف. والسبب هو البروباغندا الصهيونية العالمية التي تصوِّر الفلسطينيين منذ عقود بأنهم إرهابيون خطرون ومتشدّدون يثيرون الخوف ولذلك يجب عزلهم أياً يكن الثمن. هذه الصورة التي تروِّج بعناية وتخطيط منهجي ومنظَّم، غالباً ما تُساهم فيها لا بل تُعزّزها وسائل الإعلام المرتهَنة، والرسائل المركَّزة والمتكرِّرة من الأوساط اليهودية والإسرائيلية الأصولية، ولعل الأهم هو أن أعمال العنف التي ينفّذها الفلسطينيون على الأرض تصبّ في إطار السيناريو نفسه وتزوّده مادّة إضافية عند كل فرصة سانحة.
يعاني الفلسطينيون كمجموعة مشكلة في صورتهم في كل مكان تقريباً من العالم. تتغيّر الصورة مع تبدّل المشهد وأوجه التنوّع في كل بلد وقارّة. لكن الوطأة الأقسى هي تلك التي يتحمّلها الفلسطينيون من إخوانهم العرب الذين يتبنّون القضية الفلسطينية من أجل مصالحهم السياسية الخاصة، فيما لا يُقدِّمون للفلسطينيين شيئاً جوهرياً أو عملياً. ووقت يُنظَر إلى الفلسطينيين بعين الإعجاب في أميركا اللاتينية مثلاً حيث يُعتبَرون مهاجرين ناجحين قدّموا إسهامات كبيرة لمجتمعاتهم، وارتقوا إلى مراتب عالية في الأعمال والحكومات، لا يزالون يتعرّضون للمعاملة السيّئة والتعسّفية في مخيّمات اللاجئين في أنحاء الشرق الأوسط. كلمة "فلسطيني" مرادفة في نظر عدد كبير من العرب لخيم اللاجئين الملوَّثة بالمجاري المفتوحة، وللإعاشات الغذائية، والفقر، والشعب غير المرغوب فيه الذي لا يستحقّ التمتّع بأي حقوق أو فرص. يُنظَر إلى الفلسطينيين كمجموعة، وليس لما هم عليهم كأفراد. إنهم في نظر الآخرين شعبٌ مع وقف التنفيذ ينتظر العودة - كمجموعة - إلى وطنه الأم. حتى في الأماكن التي اندمج فيها الفلسطينيون تماماً، مثل الأردن، يصير الاستقطاب الفلسطيني - الأردني واضحاً للعيان ما أن تلوح في الأفق بوادر عدم استقرار سياسي في المملكة.
كما كتبتُ مراراً من قبل، يعني الانتماء الفلسطيني اليوم أموراً كثيرة لعدد كبير من الأشخاص. يصعب تحديد ما يريده الفلسطينيون فعلاً في خضم الصحوة العربية التاريخية، تماماً كما يصعب معرفة من يمثّلهم فعلاً ومن يتحدّث باسمهم جميعاً.
ليست مهمة سهلة، وهذا ما يشهد عليه كل من يعمل بلا كلل لتغيير صورة الفسطينيين في العالم. إنها معركة شاقّة. لا يمكن إلغاء سنوات من البروباغندا المدروسة في غضون أيام أو حتى بضع سنوات. فالأمر يقتضي ثباتاً والكثير من الإرادة الطيّبة كي يُظهر الفلسطينيون للعالم أنهم بشرٌ سُلِبوا أرضهم تحت العين الساهرة للعالم "المتمدِّن". ويتطلّب إقامة الكثير من القرى المماثلة لقرية "باب الشمس" من أجل تغيير هذه النظرة السلبية غير الإنسانية عن الفلسطينيين الراسخة في أذهان عدد كبير من الأشخاص حول العالم.
بما أنني من أنصار اللاعنف، لا يسعني سوى أن أصفّق لشجاعة مئات الفلسطينيين الذين أقاموا قرية من أجل تمهيد الطريق لقيام دولة فلسطين. خوف نتنياهو من المتظاهرين السلميين واضح للعيان. وخير دليل على ذلك إرساله قوة أمنية مدجّجة بالسلاح تحت جنح الظلام لطردهم بالقوّة على رغم الأمر الصادر عن محكمة العدل العليا الذي يمنع عمليات الإجلاء.
مع أن التحرّك الإسرائيلي كان سريعاً وشكّل مفاجأة لكثيرين، ومن هنا تقصير وسائل الإعلام في تغطية الخبر بطريقة وافية، قدّمت فلسطين الى العالم المئات من أمثال غاندي. أعلم مثل كثر، أن لدى الفلسطينيين الآلاف من أمثال غاندي، لا بل عشرات الآلاف ومئات الآلاف الذين يتحيّنون الفرصة للفت انتباه العالم ودفعه إلى الإصغاء إليهم. فهل يدخلون التاريخ بفتح مزيد من الأبواب التي تقودهم الى الشمس؟
المفاوضات والحائط المسدود
فايز رشيد عن دار الخليج
غالبية الفلسطينيين تؤيد المقاومة المسلحة . هذا ما خرجت به صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية في تقرير لها من الضفة الغربية، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته الصحيفة أن 9 .50 % يؤيدون العمليات العسكرية ضد “إسرائيل”، وذلك بزيادة بلغت 6 .22 % عن آخر استطلاع أجرته وكان في يناير/كانون الثاني 2011 ، الأمر الذي حدا بالصحيفة إلى الاستنتاج أن “تأييد المقاومة العسكرية ضد “إسرائيل” سجّل أعلى قفزاته في العشر سنوات الأخيرة” .
مما لا شك فيه، أن هذه النسبة وتأييد المقاومة المسلحة بين أهلنا في الضفة الغربية أسهمت فيها مجموعة من العوامل:
أولاً: إن الاستفتاء جاء بعد الصمود الأسطوري لأهلنا ولفصائل المقاومة الفلسطينية كلها بلا استثناء في صد العدوان الصهيوني الأخير على القطاع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ( 2012 ) وإفشال أهدافه، الأمر الذي حدا بالعدو لطلب وقف إطلاق النار مع الفلسطينيين بعد وصول الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب والقدس . الاستفتاء يجيء أيضاً بعد المعركة الناجحة بامتياز للمقاومة الوطنية اللبنانية في رد الاعتداء الصهيوني على لبنان صيف ،2006 والتجربة العملية التي تكللت وتعزّزت بدماء الشهداء الفلسطينيين واللبنانيين، التي أثبتت بما لا يقبل مجالا للشك: أن العدو الصهيوني لا يفهم ولا يرتدع إلا من خلال المقاومة المسلحة ولغة القوة .
ثانياً: إن المواطن الفلسطيني كما العربي من المحيط إلى الخليج وفي مقارنته بين نهج المفاوضات والدبلوماسية السلمية مع “إسرائيل” الذي ظلّ ينتقل بالفلسطينيين من كارثة إلى أخرى وبين نهج الصمود والكفاح المسلح الذي حقق للفلسطينيين مجموعة من الإيجابيات منها: إبراز الهوية الوطنية، والتأييد العالمي الواسع على الصعيد الدولي للحقوق الوطنية الفلسطينية، واعتراف العدو بالشعب الفلسطيني وبأن له قضية بعد إنكاره لعقود طويلة وجود هذا الشعب من الأساس وغيرها من القضايا، يخلص إلى نتيجة مفادها: أن “إسرائيل” تستغل ما يسمى بالهدنة ومنع فصائل المقاومة من ممارسة كفاحها المسلح ضد “إسرائيل”، من قبل السلطتين في رام الله وغزة لصنع حقائقها على الأرض سواء على صعيد الاستيطان المتواصل ومصادرة الأراضي واقتراف العدوان والاغتيال والاعتقال والمزيد من التنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية، ما كانت “إسرائيل” لتجرؤ على اقتراف هذه الجرائم لو كانت المقاومة المسلحة قد خيضت بوتائر عالية كما في السابق بدليل: إن توسيع الاستيطان والعدوان وكافة أشكال الجرائم والمذابح التي تم اقترافها بشكل أوسع وأكبر من قبل “إسرائيل” بعد توقيع اتفاقيات أوسلو مقارنة بما قبلها، العدوان الصهيوني على الأرض والوطن والإنسان الفلسطيني ما زال مستمراً حتى اللحظة . أيضاً في ظل المفاوضات مع “إسرائيل” تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى ( 550 ) ألفاً، والعدد في تزايد .
ثالثاً: إن نهج المفاوضات أدّى بالدولة الصهيونية إلى التشدد وطلب المزيد من الاشتراطات على الفلسطينيين مقابل إنجاز تسوية سقفها: الحكم الذاتي منزوع الصلاحيات، فبالمعنى الفعلي أصبح من الاستحالة بمكان تحقيق ما يسمى “بحل الدولتين” بفعل الاستيطان “الإسرائيلي” . هذا الحل راهن عليه البعض من الفلسطينيين بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، وعلى إمكانية تحقيقه، هذا الحل وصل إلى طريق مسدود، بحيث لم يعد أمام الفلسطينيين الذين يصرون على نيل حقوقهم، من طريقة، سوى الكفاح ومقاومة العدو عسكرياً، وتحويل احتلاله إلى مشروع خاسر بالمعاني: البشرية والاقتصادية، والسياسية والاجتماعية والإعلامية، والحقوقية القانونية .
رابعاً: إن نهج الكفاح لم يخترعه الفلسطينيون في بدء ثورتهم، إنه نهج كفاحي مارسته كل حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية بلا استثناء، وبفضله تحررت شعوب وبلدان هذه الحركات من نير محتليها ومغتصبي أراضيها وإرادة شعوبها، إنه نهج أثبت كفاءته المطلقة في التعامل مع المستعمرين، وبالتالي فإن الفلسطينيين لا ولن يشكلوا استثناء من هذه القاعدة .
خامساً: إن المقاومة قد جرى تشريعها بقرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة باعتبارها “خياراً وحقاً للشعوب المحتلة أراضيها” وكذلك “حقها في استخدام الكفاح المسلح” ضد المحتلين .
يدرك شعبنا الفلسطيني الذي يكافح منذ قرن، أن ذلك سيكلفه المزيد من الشهداء والتضحيات والمزيد من المعاناة على جميع الصعد، لكنه في غالبيته مع هذا النهج ضد العدو الصهيوني، الذي أثبت أنه يمارس أفظع الجرائم ضد الفلسطينيين حتى وإن لم يمارسوا المقاومة المسلحة . نهج المفاوضات لم يمنع “إسرائيل” من مصادرة الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات والجدار العازل، ولم يمنعها من اغتيال القيادات والكفاءات الفلسطينية سواء في الداخل الفلسطيني أو في الشتات، ولم يمنعها من اعتقال الناشطين الفلسطينيين سواء كانوا في الضفة الغربية أو في قطاع غزة .
مخيم باب الشمس
أمجد عرار عن دار الخليج
ليس معتاداً أن يكون للكلمة عندنا، نحن العرب، معنى يتجاوز رصف المترادفات واشتقاقاتها فعلاً واسماً ومصدراً وشتى أشكال الصرف اللغوي الذي يتلوه صرف مالي لصاحب الكلمة المأجورة . اليأس يبعث على المشاعر المطلقة المتمردة على الاستثناءات التي بالكاد ترى، لكن الاستثناءات دائماً تطل برأسها من بين دفتي اليأس لتقول بعامية جدي “إن خليت بليت” . ليس أدل على هذه الاستثناءات من ترجمة عنوان رواية للكاتب اللبناني الياس خوري الذي جرّب أن يطرق “باب الشمس” رداً على تقهقر البعض على الأرض، وقبول البعض الآخر التفريط بالأرض أو معظمها باسم الواقعية و”إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإذا به لا ينقذ شيئاً”، ولا يزال الحوار مع “الآخر” المغتصب خياره الوحيد، أما “ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوّة”، فقد أصبحت “دقّة قديمة”، وعندما حاولوا دفنها في قبر صاحبها نهشوه وأعملوا فيه تشويهاً وتقريعاً على طريقة من “ينظّف” مكاناً لبناء بديل، لكن المقاول موجود في مكان آخر .
من حق إلياس خوري أن يطير فرحاً وهو يرى كلمتين، عنون بهما روايته التي كتبها قبل خمسة عشر عاماً، تتحوّلان من حلم روائي إلى حقيقة بأيدي ثوار الأرض وحماتها يغرزونها في ثرى فلسطين، فهي مساحة الحلم المعشعش في مخيّلة كاتب وأنجبها لبنان الكرامة والشعب العنيد، من مزارع شبعا إلى أم الرشراش، مروراً بالجليل والقدس .
المناضلون اقتبسوا “باب الشمس” من الرواية وحوّلوه إلى رمز للمقاومة والصمود والتصدي للاحتلال والاستيطان . . أنزلوا يونس من حلمه بين ثنايا صفحات الرواية إلى ساحة نضال على مشارف المسجد الأقصى وقبّة الصخرة . نعم إلياس خوري، استأذنه المناضلون لصرختين، إحداهما في وجه الإرهاب الصهيوني، والثانية في مواجهة وجهه الآخر المتمثّل بالتخلّف والقتل على الاسم والهوية .
وإذ يقتبس من محمود درويش أن “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”، تمتزج الدهشة بالغبطة من رؤية الحلم يترجم على شكل قرية خيام على أرض مهدّدة بالاستيطان، لكي يعيد أبناء الأرض وأسيادها المعنى إلى المعنى، ويحموا دلالات اللغة من غزو مفردات الخنوع والتسليم للأمر الواقع، ولكي لا تقتحم القلعة من الداخل، وتبرهن ضمّة من سنابل القمح أنها عصيّة على رياح الاقتلاع . هكذا يحصل عندما تصير الكلمات جروحاً تنزف بها الأرض، وتعيد فلسطين إلى فلسطين باعتبارها موعد الغرباء الذين طردوا من أرضهم، ويطردون كل يوم من بيوتهم . هنا يجسّد المعتصمون في مخيم “باب الشمس” مقولة أم سعد وبرهنوا باقتحامهم عش الدبابير الصهيوني وبناء خيامهم أن “خيمة عن خيمة تفرق” .
هكذا أنشأ فاتح “باب الشمس” في مخاطبة كوكبة من الشباب فرّعوا كزيتون فلسطين الذي يغذي قنديل الحرية ويضيء شمس العدل، هكذا يرى في عيون هؤلاء “وطناً يولد من ركام النكبة الكبرى المستمرة منذ أربعة وستين عاماً” . هكذا يتأملهم من لبنان القريب فتكبر الكلمات في قلبه ووجدانه، وهم يواصلون الصمود والصعود ليلجوا باب الشمس ويحملوا معهم وصية غسان كنفاني التي حمّلها للعائد إلى حيفا وصفد والجليل والقدس، ويستصدروا طلباً للإقامة فيما هو أعلى وأسمى من البرج العاجي، ويتحوّلوا من متسوّلين يطرقون أبواب الشرعية الدولية، إلى حراس على باب الشمس، ومن غرابيل يوظّفها المطبّعون في محاولة حجب الشمس إلى رجال في الشمس .
باب الأمل
بركات شلاتوة عن دار الخليج
عندما أنشئت قرية “باب الشمس” على الأراضي التي تعتزم “إسرائيل” بناء آلاف الوحدات الاستيطانية عليها في منطقة “إي 1” قرب القدس المحتلة، كان من المتوقع، بل من الطبيعي، أن يتم اقتلاعها سريعاً في ظل كيان احتلالي أساسه البطش والغطرسة ولا يفهم غير لغة القوة . لذا فإن عمر هذه القرية لم يدم سوى أقل من ثمان وأربعين ساعة، لكنها ستخلد في التاريخ كونها ابتكاراً جديداً في المقاومة الشعبية وتحمل دلالات كبيرة، وستلهم الكثيرين لتعميم فكرتها في العديد من المناطق الأخرى .
كان بإمكان “إسرائيل” أن تنهي هذا الفعل الشعبي بطرق عديدة ومن دون “طنة ورنة”، لكن الطريقة الوحشية التي تم بها قمع المقاومين السلميين والمتضامنين الأجانب واقتلاع خيامهم ومصادرتها، تحمل رسالة إلى كل من يفكر في فعل مشابه مستقبلاً، وترسل إشارات أن منطقة القدس المحتلة على وجه الخصوص “خط أحمر” لا ينبغي تجاوزه .
المهم في الأمر أن الفكرة رأت النور، وأظهرت أن العزم والتصميم يوصلان إلى الهدف مهما كان صعباً وخيالياً، خاصة أن الفكرة تم التكتم عليها، فهي فاجأت الجميع حتى المشاركين فيها كونها لم تعلن من قبل وأتت على حين غفلة من الاحتلال إذ تم تحويل اتجاه قافلة المركبات التي أقلّت الناشطين نحو “إي 1” بعد أن كانت وجهتها منطقة أخرى، وذلك لتفويت الفرصة على الاحتلال في إفشال التحرك أو وأده .
رغم ذلك فإن الاحتلال أنهى التحرك كما كان متوقعاً، لكنه أيقظ الفكرة وجعلها تراود آخرين في مناطق أخرى، كما أنه كشف عن صلفه وعنجهيته في مواجهة مسالمين لا يملكون أي وسائل للدفاع عن أنفسهم سوى الإرادة والتصميم والإيمان بفلسطين وعدالة قضيتها .
وللتدليل على إمكانية نجاح الفكرة، نورد أنه ذات صيف هدد مستوطنون بالاستيلاء على أراض فلسطينية وإقامة بؤرة استيطانية عليها في منطقة إلى الشمال الغربي من رام الله تسمى “الحصة”، وبدأوا يعدون العدة لذلك وتوجهوا للأرض التي يقطنها بعض البدو الرحّل، لكن مالكي الأرض وأهالي المنطقة سبقوهم إليها واعتصموا فيها رافضين مغادرتها رغم تهديدات الاحتلال ومستوطنيه، ومؤكدين أنْ لا شيء سيوقفهم عن الدفاع عن أرضهم، وبعد أن رأى الاحتلال ومستوطنوه هذا التصميم قفلوا عائدين وبقيت الأرض لأصحابها إلى اليوم .
ما يثير الأحاسيس ويبعث مشاعر الأمل هو وجود مثل أولئك الشبان المصممين على استعادة حقوقهم وخدمة قضيتهم بكل امكاناتهم، لأن المرء قد يفقد الأمل في لحظة من اللحظات ويسيطر عليه اليأس بأن فلسطين محاصرة وقضيتها انتهت من دون أن يأبه لها أحد، لكن هذه المشاهد والأفكار الخلاقة تبعث الأمل من جديد .
لذا فإن الأيام والأسابيع المقبلة ستشهد بكل تأكيد المزيد من “أبواب الشمس” على الأراضي المهددة بالمصادرة أو الاستيطان في مناطق متفرقة من الضفة الفلسطينية المحتلة، لكن من المهم عدم نسيان حقيقة أن ذلك أحد أشكال المقاومة وليس وحيدها، وأن دعمها يجب ألا يكون على حساب إلغاء مقاومة مسلحة مشروعة يفهم الاحتلال جيداً لغتها ويدرك ما تعنيه .
مستقبل فلسطين بعد 65 سنة من العدوان الإسرائيلي: تأملات ناشط أوروبي مؤيد للقضية الفلسطينية
أغوستين بيجوسو(أستاذ جامعي وناشط إسباني متضامن مع القضية الفلسطينية) ترجمة: ليلى التلاوي عن القدس العربي
حاز نضال الشعب الفلسطيني على مناصرين من بين الرأي العام الدولي على مر السنين. لكن وفي نفس الوقت، علينا الاعتراف بسيطرة معارضيه على الوضع، وذلك بسبب دعم أقوى الحكومات وجماعات الضغط والشركات الكبرى لإسرائيل ومن ينشط لصالحها في العالم وما أكثرهم للأسف الشديد لاسيما في الغرب.
يشعر عامة البشر بالشفقة والاشمئزاز والغضب حتى الكراهية، عندما تقتل إسرائيل الفلسطينيين بمساعدة من يدعمها عسكريا وسياسيا واقتصاديا، كما يحلو لها دون الخوف من عقاب بالطبع تستحقه أعمالها. ويجدر الإشارة هنا إلى فعالية دعاية إسرائيل وأنصارها، حيث أدت إلى انخداع الكثير بخصوص ما يجري في فلسطين. كما علينا الأخذ في عين الاعتبار لامبالاة البعض الآخر لألم لا يعنيهم إطلاقا ولا يعانون منه والعنصرية ضد العرب والمسلمين وعدم الاهتمام بجريمة يعتقدون أنها ليست من شأنهم.
إن تأثير هذه الدعاية واسع جدا حيث لا يستغرب الكثير من الناس، مثلا، من موت ثلاثة إسرائيليين، أثناء العدوان الأخير على غزة نهاية العام الماضي، على فرض أنهم هم الضحايا، ومقتل أكثر من مئة فلسطيني، الكثير منهم أطفال، على فرض أنهم هم المعتدون. لم يسأل أحد عام 2009 لماذا أسفرت عملية الرصاص المصبوب التي تم الإعلان عنها لاستئصال شأفة 'الإرهابيين' من قطاع غزة، عن مقتل 1400 ضحية، كان الثلث منهم أطفالا. إن ما حدث في هاتين العمليتين يلخص بشكل جيد تاريخ فلسطين.
يتكرر هذا التاريخ ويتأبد بدءا من أوساط القرن العشرين، ليس فقط بسبب عدوان إسرائيل الكبير، وإنما أيضا بسبب التعاون المستمر من قبل القوى المشارة إليها مسبقا وضلال الرأي العام الغربي الجاهل المجهل. تظهر الاستبانات في إسرائيل أن أكثر من 80 بالمئة من الإسرائيليين يدعمون جرائم حكومتهم. ويسمح إفلات إسرائيل من العقاب استمرارها في ارتكاب الجرائم.
لم يتمكن تضامن مناصري فلسطين من تغيير التاريخ بشكل جوهري. لكن بالطبع لا يمكن إلقاء اللوم على هؤلاء الذين دفعوا بأرواحهم دعمهم للقضية الفلسطينية (مثلا راتشيل كوري والمسافرين على متن سفينة المافي مرمرة، الخ)، كما كانت تكلفة البعض الآخر السجن بعقوبات. وعلى عكس ذلك، هم يستحقون الاعتراف بهم والاعجاب بإخلاصهم الكريم.
إن أحد الحجج الأكثر استخداما من قبل الدعاية الإسرائيلية والغربية هي ردّ إسرائيل على عدوان الفلسطينيين. وقد تم تصديق هذه الأكذوبة لدرجة أن عددا ممن يقول إنهم يساندون حق هذا الشعب المظلوم يشترطون دعمهم بأن يتخلى الفلسطينيون عن الدفاع المشروع عن أنفسهم كلما اعتدت عليهم إسرائيل داعين إياهم إلى 'اللا عنف' و'التصدي للسياسات التوسعية الصهيونية بالطرق السلمية' وكأن الذود عن الحوض جريمة نكراء إذا لجأ إليه الفلسطينيون بواسطة أسلحتهم البالية وقنابلهم المنزلية.... مقابل العنف الإسرائيلي 'المقدس'.
إن ما ينتج عن أعمال المنظمات غير الحكومية كمنظمة العفو الدولية ومنظمات أخرى عندما يدينون الفلسطينيين بسبب الدفاع عن أنفسهم باستخدام الوسائل المتاحة لهم، هو إبعادهم أكثر عن الوسيلة الوحيدة المتناولة لمنع إسرائيل من قتلهم كيفما ومتى شاءت.
ومن يستنكر 'الإرهاب الإسلامي' وينصح الفلسطينيين بالاحتكام إلى محادثات السلام ويجبرهم على التخلي عن الدفاع الذاتي دون اعطائهم أي ضمان من أجل حمايتهم من جبروت دولة عدوانية بالأساس، فما يفعله هو التعاون مع الظالم والتنكيل بالمظلوم.
لم يعان اليهود والصهاينة المعاصرون ولا السياسيون الأوروبيون والأمريكيون الذين يدعمونهم ولا قادة الأمم المتحدة وهيئات دولية أخرى ولا المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان، لم يعان أحدهم قط من التطهير العرقي على يد إسرائيل عام 1948، ولم يعيشوا تحت الاحتلال العسكري منذ عام 1967، ولم يروا أقرباءهم مقتولين إثر الانفجارات أو معتقلين في السجون الإسرائيلية دون محاكمة لمدة سنوات طويلة. لا يعرفون ما هو العيش كلاجئين دون القدرة على العودة إلى ديارهم ولا أربعة أجيال من بعدهم حتى يومنا هذا. لم يروا بيوتهم مدمرة على يد جيش الاحتلال، لم يروا حقولهم مجرفة ولا أشجارهم مقطوعة ولا آبارهم مسممة ولا أموالهم مسروقة ولا مرضاهم تتلاشى أرواحهم لأن إسرائيل تمنع من دخول المواد الطبية إلى الأراضي المحتلة...
كما أنهم لم يروا أبناءهم مقطعين إلى أجزاء في عز طفولتهم خلال إحدى المداهمات المريعة كالتي حصلت خلال الغارات الجوية الأخيرة أو خلال عملية الرصاص المصبوب، وهي اعتداءات شاملة لا يمكن أن تخفي بشاعة العمليات الروتينية اليومية التي يمارسها الطيران الإسرائيلي منذ سنوات وتقضي على أرواح العديد من الشهداء وتدمر البنى التحتية وتملأ المستشفيات بالمصابين ، حتى وإن كانت الصحافة الغربية تتجاهل هذه الأمور، إلا إذا تم اختطاف جندي إسرائيلي محتل واحد خلال عملية حربية. عندئذ سوف نراها تهرول إلى عناوين مزيفة خبيثة من نوع 'حماس تختطف جنديا إسرائيليا'.
كما أنهم ليسوا مجبرين على الالتزام بالحمية الغذائية التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة، وبحسب ما تقوله الأمم المتحدة ليست كافية لإرضاء الاحتياجات الغذائية للإنسان. كما أنهم لم يعانوا من أن يندد العالم بأكمله، خاصة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والكنائس، في بعض الأحيان الهجومات بالفسفور الأبيض وسلاح آخر ممنوع من قبل القانون الدولي والمستخدم من قبل الطائرات والمدفعيات والسفن الحربية الإسرائيلية على مدن قطاع غزة، أكثر منطاق العالم كثافة بالسكان، المحروم من الوسائل المطلوبة للتصدي لأحدث الأسلحة الفتاكة.
متى أنقذت جملة تنديد وإدانة طفلا فلسطينيا من قذيفة أو متى قادت 'الاحتجاج' الدولي على 'تجاوزات' نظام تل أبيب حاكما إسرائيليا واحدا أمر بإطلاق تلك القذيفة إلى محكمة جنائية دولية، وهي المحكمة التي لا تستأهل بالمناسبة أن تحمل هذا الاسم فليست بالجنائية ولا بالدولية ولا تسعى إلى فرض القانون والعدالية إلا في حالات محددة جدا لا تتعارض مع مصالح القوى لمهيمنة عليها.
لا يحتاج الفلسطينيون إلى خبراء من الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية في القانون الدولي والتطهير العرقي وجرائم الحرب وضد الإنسانية، العاجزين دوما على منع إسرائيل من ارتكاب هذه الجرائم باستمرار ضدهم منذ أكثر من 60 عاما، كما لا يحتاجون إلى دروس في كيفية الرد على هذه الهمجية غير المنتهية.
حان الوقت للتخلي عن ميثاق الأمم المتحدة وبيان حقوق الإنسان الفاضي وثرثرة اللجنة الرباعية للسلام وحماقة بعثات ووفود السلام وخديعة عملية السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. إن الصهاينة على معرفة تامة بما يضر بمصالحهم ويمكن أن يضع حدا لتاريخهم المليء بالموت والسرقة والقمع، وهي تدابير ملموسة لم يقدم عليها المجتمع الدولي في أي وقت من الأوقات.
كما يعرفه الفلسطينيون أيضا، على الرغم من الضغط عليهم لعقود عدة من أجل جرهم إلى الالتزام بتعليمات المجتمع الدولي لأسباب واضحة، ما هي نتائج الضعف والانصياع أمام قوة إسرائيل والمجتمع الدولي نفسه. لم يكن هذا الطريق لصالح الفلسطينيين أبدا، فعلى عكس ذلك، انقلب هذا الخيار عليهم حيث لم يعد عليهم بشيء سوى المزيد من الموت وانحسار الأراضي وتجريدهم من أبسط حقوقهم بما فيها حق المقاومة وهو حق منصوص عليه في القانون الدولي ومعترف به، لكن لا أحد على استعداد للمطالبة به لصالح الفلسطينيين.
وعلى عكس ما تقوله الدعاية مرة أخرى، إن غياب العمليات المسلحة الفلسطينية ضد إسرائيل والتي درجت وسائل الإعلام الغربية على الإشارة إليها بمسميات سخيفة للغاية من قبيل 'العمليات الإسلامية الانتحارية' أو 'الهحمات الإرهابية' هو ما لا يجعل إسرائيل تشعر بالحاجة إلى الالتزام بالقانون الدولي والتخلي عن سياستها العدوانية المنفذة بتواطؤ المجتمع الدولي.
الموضوع ليس أن الفلسطينيين لا يحصلون على دولتهم وحقوقهم لأنهم يستخدمون العنف في الدفاع عن أنفسهم ضد عدوان إسرائيل، وإنما بسبب أنهم لا يستخدمونه أصلا. بكلمات أخرى: إن لم تدفع إسرائيل ثمنا لجرائمها، في ظل غياب العدل والقانون الدوليين، لماذا عليها التخلي عنها، أي قتل المدنيين والأطفال وسرقة أراضيهم واحتلالها وطرد سكانها، الخ... الخ؟
لا يوجد أي دافع اليوم للتفكير بأن هذا المجتمع الدولي سيجبر إسرائيل على احترام القانون الدولي، في وقت ما زال يسهل لها الطريق للاستمرار في القتل، بالإضافة إلى تمويل آليتها العسكرية والسكوت عن سياستها التوسعية. ألم يعلن أوباما الرئيس الأمريكي نفسه أمام العالم، أيام العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أن إسرائيل تحظى بدعم الولايات المتحدة الأمريكية التام؟
كما لا توجد أية أسباب للاعتقاد بأن المنظمات غير الحكومية ستأخذ في الحسبان الموت المستمر الناجم عن القذائف، لكي تعترف بأن الضحايا هم من يستحقون المساعدة والاعتراف بشرعية كفاحهم.
تم تفجير حافلة في تل أبيب في 21 نوفمبر عام 2012. لم يحدث شيء كهذا منذ زمن طويل. قد تكون دلالة على أن الفلسطينيين غير مستعدين للسماح بأن يقع أبناؤهم وأحفادهم، كما حصل مع آبائهم وأجدادهم، فريسة سهلة في فكوك جلاديهم ومن يتعاون معهم من أبناء جلدهم. وإن كانت الأخبار المتعلقة ب'العنف الفلسطيني' يداهمك من كل حدب وصوب، فكفّ لمدة يوم واحد عن قراءة ما تنشره الصحف والاستماع إلى ما يقوله التلفاز عن الفلسطينيين، بل قم بقراءة ما يقوله الصهاينة عله يغير رأيك الموجه في الصراع الفلسطيني. فموشيه ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي خلال حرب 1967، أكد بخصوص العقوبات التي فرضتها إسرائيل على المجتمع المدني الفلسطيني، أي قبل خمسين عاما من اتخاذ بنيامين نتنياهو إجراءات عقابية مماثلة بحق شعب غزة،: 'لا نستطيع أن نحمي كل واحدة من منشآتنا ضد هجوم، كما لا نستطيع الحيلولة دون قتل عامل في حقله أو عائلة في بيتها. لكن ما يمكننا فعله هو أن يدفعوا ثمنا غاليا مقابل سفك دمائنا، وسيكون الثمن عاليا جدا لدرجة أن الفلسطينيين والمجتمع العربي وجيشه والحكومات العربية لن تسول لهم أنفسهم أن دفع هذه الفاتورة يستحق العناء...' .
قد يقرر الفلسطينيون بعد 60 عام من اتخاذ دور الضحية أن يتخلوا عنه. وقد يضطر الإسرائيليون بعد 60 عام من اتخاذ دور المعتدي إلى التفكير بأن الثمن المدفوع مقابل جرائمهم عال جدا.
وصلتنا قبل أيام عدة رسالة من فلسطين: 'إن استطاعت المقاومة الاستمرار وفتح جبهات جديدة، فليكن، فالصهاينة، في جميع الأحوال، سيواصلون قتلنا. على الأقل فلنجعلهم يدفعون الثمن بقدر مستطاعنا، على عكس ما حدث حتى الآن، أن يقتلونا دون عقاب ومعاناة وإنما القليل من التخويف والترويع. لقد استمرت حالة ال 'لا سلام' وال 'لا حرب' وقتا طويلا، وهم يمارسون تصفيتنا كما يحلو لهم، حتى أنهم يستخدمون أمواتنا لصالح حملاتهم الانتخابية'.
خرائط تقسيم الوطن العربي!
كلمة الرياض بقلم:يوسف الكويليت
تقسيم الوطن العربي ظلّ على لائحة دول الاستعمار الأوروبية ب «سايكس - بيكو» واحتلال إسرائيل فلسطين، وجعل الحدود بين الدول العربية أساسية وسياسية، لكن الاستعمار خرج وبقي التقسيم هذه المرة عربياً عندما كان جنوب السودان أرضاً مهملة ومعزولة فحدثت حرب التحرير ضد الشمال وتم وفق طبيعة الأشياء أي تعذّر وحدتهما، وقطعاً لم تكن الدول الخارجية بعيدة عن العملية..
الصيغة ذاتها تحدث الآن في العراق، فالتقسيم لا يحتاج لقرار فالوضع السياسي للدولة هو من يقوم بهذا الدور حتى إن الكيان الكردي أصبح دولة تتجه لأن تكون نواة لدولة كل الأكراد بدءاً من إيران والعراق وسورية وتركيا، وهذا قد يزلزل وضع هذه الدول كلها، ويبقى الجنوب والوسط العراقيان جاهزين لخلق نظامهما الكونفدرالي أو المستقل بدولة خاصة.
الأدوار القادمة ضبابية لكن هناك آراء ترشح سورية لعدم الاستقرار وربما لحرب أهلية تفرض أنظمة جديدة لقطاعات لا تزال روح القومية والطائفية، وحتى العشائرية تطل برأسها، والتفاؤل بدولة موحدة وسط الحرب والثارات وتحالفات فصائل معينة مع النظام وأخرى ضده، وتعزيز دور العلويين في دولتهم على الساحل الشمالي أمر غير واقعي وسط هذه المخاطر حتى إن التقارير المحايدة والبعيدة عن الرفض والتأييد لطرفيْ النزاع ترى أن المستقبل السوري سيكون شبيهاً بلبنان في حروب الطوائف والأحزاب نتيجة ثقل السنين والثارات التي تسبب في خلقها النظام على كل المستويات الاجتماعية والدينية والطائفية..
اليمن، ورغم أن الشعب يملك الملايين من قطع السلاح، ولديه فوارق مذهبية وقبلية، إلاّ أن نزعة التقاتل بين أبناء الوطن الواحد ظلت خامدة، ولم تكن الخيار حتى في ظل انقسام الجيش والقبائل بين مؤيد للنظام السابق، أو معارض للجديد، وهذه صفة رائعة لشعب، رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة يؤكد متانة وحدته الوطنية، إلاّ أن الجنوب، والذي لم يعامله النظام السابق بما يليق بالوحدة الوطنية، بدأ يطرح موضوع الانفصال لأسباب بررها الجنوبيون بسوء التعامل مع الحكومة السابقة، وطالما الحوار منفذ للتغلب على المصاعب واستعداد الدولة الراهنة لمعالجة السلبيات كلها، فالوحدة قامت من أجل تعزيز الكيان اليمني في دولة واحدة، لكن المخاطر تأتي من أن اللعبة دخلتها إيران لاستغلال الوضع اليمني الداخلي بحلم وجود كيان يدور في فلكها وهي لم تخف محاولة تمزيق اليمن سواء من خلال تسليح ودعم الحوثيين، أو انفصال الجنوب مستفيدة من غضبهم على الشمال، أسوة بما فعلته بالعراق والحلم بضم جنوبه إلى الدولة الإيرانية..
ظواهر تمزيق الخارطة العربية تأتي من ضعف التأسيس لحكومات وطنية تساوي بين أبناء المجتمع الواحد بقيم العدالة والحرية، وسن القوانين التي تراعي الفوارق واحتفاظ كل مكونات المجتمع بنظام يعطي الحقوق للجميع..
(سايكس - بيكو) عربية تحدث الآن، وقد لعبت كل القوى على الحس الديني وغيره، وصار البحث عن ملاذ آمن ولو بكيانات صغيرة حلمَ دعاة الانفصال، والصورة مخيفة في منطقة تقع على درب زلازل الفرقة والتقسيم.
الفلسطينيون واليهود المصريون بين النظام والمعارضة(1-2)
جوزيف مسعد عن المصري اليوم
أثارت التصريحات الأخيرة للقيادى البارز فى جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان حربا دعائية فى مصر استهدفت الفلسطينيين واليهود المصريين. وقد أسهمت تصريحات العريان والضجة الإعلامية التى أثارتها فى إلهاء الناس عن المشاكل الحقيقية التى تواجه البلاد، نتيجة إخفاقات حكومة الرئيس مرسى المتتالية وانتهازية المعارضة عالية الصوت بشقيها الليبرالى والفلولى (ولا ينطبق هذا على من يعادى الإمبريالية من المعارضين). ولولا التبعات الكبيرة المترتبة على هذه الحرب الدعائية على خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتقويض الثورة المصرية والسيطرة على نتائجها وتسخيرها لخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية، لما تعدت كونها زوبعة فى فنجان.
لقد قام «العريان» بدعوة اليهود المصريين القاطنين فى إسرائيل للعودة إلى وطنهم. وليست دعوته هذه بالحدث الجديد. ففى الواقع كانت مصر أنور السادات قد دعت اليهود المصريين إلى العودة فى عام ١٩٧٥ بناء على طلب من منظمة التحرير الفلسطينية، التى رأت فى مغادرة اليهود العرب إلى إسرائيل، فى ظل الأنظمة العربية السابقة- هدية للاستعمار الاستيطانى الصهيونى لفلسطين، وعليه فقد دعت منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة اليهود العرب إلى أوطانهم، وطالبت القادة العرب آنذاك (ولم يكن أى منهم فى السلطة عندما غادر اليهود العرب أوطانهم فى الخمسينيات والستينيات) بإصدار دعوة مفتوحة لهم للعودة. وقد استجابت كل من المغرب، واليمن، وليبيا، والسودان، والعراق، ومصر لدعوة منظمة التحرير الفلسطينية، وقامت بالفعل بتوجيه دعوة مفتوحة لليهود العرب للعودة إلى بلادهم. ولكن وعلى الرغم من هذه الجهود، لم تستجب لا إسرائيل ولا الجاليات اليهودية العربية القاطنة فيها للدعوة.
قامت إسرائيل فى العقدين الأخيرين باستغلال مسألة اليهود العرب كثقل لموازنة المطالب الفلسطينية المدعومة بالقانون الدولى بحقهم فى العودة إلى فلسطين التى طردهم الصهاينة منها. وبدأت القيادة اليهودية الأشكنازية، وهى القيادة ذاتها التى ما فتئت تميز عرقيا ضد اليهود العرب فى إسرائيل، ببذل الجهد للمطالبة بالتعويض عن خسائر اليهود العرب لممتلكاتهم، فيما شرع صهاينة ليبراليون ومؤيدون لهم فى الغرب فى إصدار البيانات التى لخصت ما حدث فى عام ١٩٤٨ وما تبعه على أنه «تبادل سكان» عادل بين «العرب» و «اليهود» (وقارنوه بما حصل إبّان انفصال باكستان عن الهند)، ودعوا الفلسطينيين للتخلى عن مطالبهم بالعودة والتعويض. وتغفل هذه الدعاية ذبح الفلسطينيين وطردهم قسرا من وطنهم، فى حين غادر أغلب اليهود العرب أوطانهم نتيجة المضايقات والممارسات الصهيونية التى عرضت حياتهم للخطر.
وجد الصهاينة والدعاية الإسرائيلية فى المقارنة بين معاملة الدول العربية السيئة للاجئين الفلسطينيين، التى ترفض منحهم الجنسيات ولا توفر لهم مساكن دائمة، وتبقيهم قابعين فى مخيمات اللاجئين مقابل معاملة إسرائيل لليهود العرب ومنحهم الجنسية الإسرائيلية وتوفير السكن لهم بالفعل خارج مخيمات اللاجئين- حجة إضافية لإثبات مدى تحضر إسرائيل مقارنة بهمجية العرب. وهنا يبرز تناقض صهيونى فاضح فى هذا الطرح، حيث تدعى إسرائيل من جهة أنها هى وطن يهود العالم، ومن جهة أخرى تزعم أن اليهود العرب لاجئون فيها بعد أن هُجّروا من أوطانهم، مغفلة ادعاءها الصهيونى المعتاد بأنهم «عادوا» إلى وطنهم إسرائيل.
أما الادعاءات الإسرائيلية عن وضع اللاجئين الفلسطينيين، فهو صحيح جزئيا، حيث تم منح الفلسطينيين الجنسية فى بعض الدول العربية (ولاسيما الأردن)، ولكن خلافا لإسرائيل التى وهبت الأراضى والممتلكات الفلسطينية المسروقة، التى قامت بطرد أصحابها منها، للمستوطنين اليهود، بما فى ذلك اليهود العرب (على الرغم من أن الأخيرين حصلوا على الأراضى والممتلكات الأقل قيمة وفقا لعنصرية إسرائيل الأوروبية الأشكنازية ضد اليهود العرب)، فلم تهب الدول العربية الممتلكات اليهودية للفلسطينيين ولم تسكنهم فى منازلهم. وهكذا، تُقدَّم الجريمة الإسرائيلية بسرقة الممتلكات الفلسطينية ومنحها لليهود، وهو الأمر الذى يحظره القانون الدولى، على أنها أعمال تدل على حضارية المستعمرة الاستيطانية اليهودية مقارنة بهمجية العرب. فى هذا السياق، من المهم أن نؤكد أن الفلسطينيين هم من يستحقون التعويض عن ممتلكاتهم المسروقة من قبل جميع المستوطنين اليهود الذين يعيشون على أراضيهم وفى منازلهم منذ ستة عقود ونيف، بما فيهم اليهود العرب.
أما حقيقة أنه لم يتم طرد اليهود العرب من أى دولة عربية، حتى من تلك التى عانوا فيها من المضايقات من قبل السلطات أو حتى من شرائح المجتمع بأسره، فتظل قضية جوهرية فى هذا الطرح. ففى اليمن والعراق، قامت إسرائيل بتهجير المجتمعات اليهودية من خلال وسائل إجرامية مختلفة، ولاسيما من خلال تفجيرات الموساد لمواقع يهودية فى العراق، وعبر صفقات سرية مع مختلف الأنظمة العربية، بما فى ذلك النظام اليمنى. وفى الجزائر، قامت إسرائيل بتجنيد أفراد من المجتمع اليهودى الذى كان عدده قد بلغ مائة ألف (وجميعهم من حملة الجنسية الفرنسية التى حصلوا عليها بموجب مرسوم كريميو الذى أصدرته فرنسا فى عام ١٨٧٠، مع الأخذ فى الاعتبار أن نسبة لا بأس بها منهم كانوا من المستوطنين الأوروبيين) للتجسس على ثوار جبهة التحرير الوطنى وتقديم تقارير عنهم إلى السلطات الفرنسية. فى حين كانت القوات العسكرية الإسرائيلية تجرى تدريبات عسكرية على التراب الجزائرى المحتل مع سلطات الاحتلال الفرنسى فى الخمسينيات. وبالطبع فلا يمكن لوضع كهذا أن يؤدى إلى زيادة الألفة بين اليهود والمسلمين فى الجزائر، والأخيرون كانوا يرزحون تحت أشد أنواع الاستعمار الأوروبى وحشية فى أفريقيا. وفى حين قاتل اليهود الجزائريون جنبا إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين أثناء المقاومة ضد الفرنسيين فى منتصف القرن التاسع عشر مع الأمير عبدالقادر، إلا أن سياسة «فرق تسد» الاستعمارية الفرنسية هى التى أدت إلى خلق الشرخ بين الفريقين.
أما فى مصر، فتمت مهاجمة مصالح اليهود المصريين فى عام ١٩٤٨ على أيدى أفراد من جماعة الإخوان المسلمين وأفراد من حزب مصر الفتاة غير الإسلامى، مما أدى إلى رحيل عدد صغير من اليهود (ولا سيما أولئك الذين يحملون جنسيات أجنبية).
وقامت إسرائيل فى وقت لاحق بتجنيد يهود مصريين كجواسيس وإرهابيين قاموا بعمليات تفجير فى القاهرة والإسكندرية فى عام ١٩٥٤ لتشويه صورة عبد الناصر فى الغرب، كما قامت إسرائيل أيضا بغزو البلاد فى عام ١٩٥٦ جنبا إلى جنب مع القوات الفرنسية والبريطانية واحتلال أراض مصرية.
وعلى أثر هذا العدوان قامت السلطات المصرية بطرد جميع المواطنين الأجانب من حملة الجنسيات الفرنسية والبريطانية من البلاد (حوالى ١٧٠٠٠ شخص)، وكان من ضمنهم يهود. وعندما شرع عبد الناصر بتطبيق سياسة التأميم، أخذت الأسر التى تمتلك شركات كبيرة، والتى كان من المقرر أن يطالها التأميم، بمغادرة البلاد. وكان من ضمن هذه الأسر الغنية المصرية مسلمين ومسيحيين ويهودا (وكثير منهم كان يحمل جنسيات أجنبية)، إضافة إلى المسيحيين الشوام والأرمن واليونانيين والإيطاليين. وفى أعقاب «فضيحة لافون» فى عام ١٩٥٤، ساد الشارع المصرى غضب شعبى ضد اليهود المصريين، لم يكن بالإمكان تفاديه، على الرغم من محاولات الحكومة المصرية خلال محاكمات الإرهابيين الحفاظ فى خطابها على التمييز بين المجتمع اليهودى والإرهابيين المجندين. وينبغى مقارنة هذا الوضع مع العنصرية الحالية المعادية للعرب والمناهضة للمسلمين فى الولايات المتحدة، والتى، كما أشار أسعد أبوخليل مؤخرا، تواصل استهداف العرب والمسلمين الأمريكيين بعد أحد عشر عاما على أحداث ١١ سبتمبر «أيلول»، على الرغم من أن أياً من الإرهابيين الذين ارتكبوا جرائم ذلك اليوم لم يكن أمريكيا من أصول عربية أو مسلمة. فمنذ بضعة أيام فقط دفعت امرأة أمريكية عنصرية شابا هنديا (ينتمى إلى طائفة الهندوس) أمام قطار مترو الأنفاق فى مدينة نيويورك، مما أدى إلى قتله: وقالت المجرمة للمدعى العام: «لقد دفعت بمسلم تحت قضبان القطار لأننى أكره الهندوس والمسلمين منذ عام ٢٠٠١ عندما نسفوا البرجين التوءمين». وكان هذا آخر ضحية لعنف العنصرية الكارهة للعرب المسلمين فى أمريكا وللهنود الهندوس والسيخ الذين يعتقد عنصريو أمريكا بأنهم مسلمون.
من الجدير بالذكر، أن نسبة كبيرة من يهود مصر لم يكونوا مصريين قانونيا، وأنهم لم يحملوا الجنسية المصرية، بل كانوا يحملون جوازات سفر أوروبية (إيطالية وروسية وبريطانية وفرنسية)، وأن العديد منهم لم يكن حتى يتكلم العربية، مما عزز التصور فى بعض الأوساط الشعبية أنهم لم يكونوا بالضرورة مخلصين لمصر. ولا ينطبق هذا بالطبع على مجتمع اليهود العرب والمصريين الموجودين فى البلاد منذ الأزل (وخصوصا اليهود القرائين) الذين انحسر مجتمعهم نتيجة نفوذ الأسر الأشكنازية والسفاردية الكبيرة والقوية التى وفدت إلى مصر فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ومع أنه يجب توجيه اللوم لنظام عبدالناصر، لأنه لم يقم بواجبه بما فيه الكفاية لحماية أعضاء الطائفة اليهودية من التحرش من قبل أجهزة الدولة والتقصير بالدفاع عنهم إزاء الغضب الشعبى، إلا أن هذا لا يمكن اعتباره ألبتة طردا لليهود أو ترحيلا لهم عن وطنهم كما ادعى العريان.
تزامن هذا الوضع أيضا مع الحملة الإسرائيلية المتواصلة لتهجير اليهود العرب إلى فلسطين من خلال وسائل إجرامية مختلفة وصفقات سرية، نجحت فى العراق واليمن وتواصلت فى المغرب، ما أسفر عن تدمير هذه المجتمعات تماما. ولا تزال جهود إسرائيل المباشرة لتهجير نصف المجتمع اليهودى فى مصر (والذى كان تعداده حوالى ستين ألفا) إلى إسرائيل (حيث غادر النصف الثانى إلى فرنسا والأمريكتين) غير معروف تماما، ولكن لا ينبغى تجاهلها فى تحليلنا لما جرى.
لا تأبه دعاية القلة من الصهاينة المصريين لحقيقة أن معظم الهجمات الإرهابية ضد المصالح اليهودية فى مصر وقعت فى ظل حكم الملك فاروق فى الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وقد ظهر هؤلاء هذا الأسبوع على فضائيات مصرية، وكتبوا المقالات فى الصحف يلقون فيها باللائمة على عبدالناصر والإخوان المسلمين لكل ما حدث لليهود المصريين مبرئين ساحة إسرائيل من أى ذنب بخصوص رحيلهم عن مصر، كما فعل العريان نفسه. وقد أشار أحدهم إلى رحيل اليهود المصريين بـ«النزوح»، متفقا بذلك مع العريان (والأول يعارض الأخير فى كل النواحى الأخرى)، ومؤكدا بأن اليهود «طُردوا» من مصر. وأضاف أيضا أن اليهود المصريين الموجودين فى الولايات المتحدة وفرنسا لا يزالون يحبون مصر والعرب والمسلمين، فى حين ما من شك أن العديد من اليهود المصريين، أينما كانوا، يكنون مشاعر إيجابية تجاه مصر، فقد أعرب العديد من شخصياتهم البارزة فى الغرب عن كراهيتهم لمصر والعالم العربى. وفى حين يتم تجاهل اليهود المصريين الذين يحبون مصر ويقلل من شأنهم فى الغرب وإسرائيل، فإنه يبرز العديد من اليهود فى المقابل نتيجة آرائهم الكارهة لمصر.
الانتخابات الإسرائيلية والقضية الفلسطينية
ابراهيم البحراوي عن المصري اليوم
السؤال الذى يهم القارئ العربى فى مسألة الانتخابات الإسرائيلية، التى ستجرى يوم 22 يناير الجارى، يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية، وما إذا كانت النتائج المتوقعة للانتخابات يمكن أن تأتى بجديد.. إن نظرة على خريطة الأحزاب التى ستخوض المنافسة تشير إلى أن أحد عشر حزباً يهودياً وصهيونياً تتنافس على أصوات الجمهور الإسرائيلى اليهودى، أساساً، فى حين أن أربع قوائم عربية تتنافس على أصوات عرب 1948، حصرياً، يقسم الباحثون الإسرائيليون كتل الأحزاب اليهودية والصهيونية إلى ثلاث كتل،
أولاً: كتلة اليمين، وتضم قائمة مشتركة من حزبى الـ«ليكود» و«إسرائيل بيتنا»، وهى تمثل على نحو رئيسى الجناح اليمينى الصهيونى العلمانى، كما تضم حزب «البيت اليهودى»، وهو يمثل الجناح الدينى فى الصهيونية، ويضاف إليهما قائمة ثانوية تحمل اسم «عوتسماه ليسرائيل».
إن هذه القوائم الانتخابية الثلاث تتنافس فيما بينها على عقول وقلوب غلاة المستوطنين فى الضفة، وتتبارى فى إظهار الحماس لالتهام الضفة بالاستيطان، وإيجاد صيغ مبتكرة، إما للتخلص من الوجود الفلسطينى فيها، وإما لحشر الفلسطينيين فى أصغر مساحة ممكنة، قد يثير استغراب القارئ العربى أن يعلم أنها المرة الأولى التى لا يعلن فيها حزب «ليكود» عن برنامجه الانتخابى، غير أن هذا الاستغراب شمل أيضاً الناخبين الإسرائيليين، فلقد انشغلت الصحافة الإسرائيلية العبرية بمتابعة جهود طالب يهودى مقيم فى القدس، حاول جاهداً الوصول إلى البرنامج الانتخابى لـ«ليكود» على موقع الحزب الإلكترونى فلم يجده، وأحاله الموقع إلى موقع آخر، هو موقع معهد جايوتنسكى، مؤسس حركة الصهيونية التنقيحية، الأب الروحى لليمين الصهيونى العلمانى،
غير أن الطالب أُحيل مرة ثانية إلى موقع «ليكود» واضطر إلى إجراء اتصالات تليفونية بالمسؤولين عن الموقع الذين أخبروه أنه لا يوجد برنامج انتخابى حتى الآن.. لقد أردت إطلاع القارئ العربى على هذه الواقعة ليشاركنى طرح السؤال القائل: لماذا لم يكتب القائمون على قائمة «ليكود - إسرائيل بيتنا» برنامجاً انتخابياً لهذه الانتخابات؟ الإجابة: تكمن فى حالة التناقض الفاضحة والفادحة بين إعلان نتنياهو، فى خطاب جامعة بارايلان، عن استعداده للاعتراف بالحل القائم على وجود دولتين بعد انتخابه عام 2009 تحت ضغوط «أوباما»، وبين البرنامج الانتخابى الذى خاض «ليكود» على أساسه انتخابات ذلك العام
.. فلقد نص البرنامج عام 2009 على الموقف السياسى النابع من أيديولوجية «ليكود»، التى أرساها الأب الروحى فلاديمير جابوتنسكى منذ عشرينيات القرن الماضى، التى تعتبر أن دولة إسرائيل، المأمولة آنذاك، تشمل الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن
.. لقد ظل شعار «ليكود» منذ وقوع الضفة تحت الاحتلال عام 1967 قائماً على اعتبارها أرضاً محررة من المستعمرين العرب، وتم صك شعار: «بين النهر والبحر لا مكان إلا لدولة واحدة هى دولة إسرائيل».. إن مشكلة نتنياهو، زعيم «ليكود»، فى انتخابات 2013، تتمثل فى أنه سيفقد أنصاره داخل «ليكود»، خاصة بتحريض الجناح المتطرف الذى يقوده منافسه موشيه فيجلين، إذا قرر إدراج موقفه المعلن فى جامعة بارايلان فى البرنامج الانتخابى، أما إذا قرر أن يكتب الشعار التقليدى «لا مكان إلا لدولة واحدة»، فإنه سيكتشف كذبه بنفسه، ويظهر للعالم أنه لم يكن صادقاً عندما أعلن قبول حل الدولتين، لهذا يصبح الحل لهذا المأزق هو عدم الإعلان عن برنامج سياسى للحزب.. إن ما أريد قوله هنا هو أن البرنامج الحقيقى لـ«ليكود - بيتنا» هو التهام ما يمكن من الضفة مع الوقت مع ترك الإعلان الوهمى عن حل الدولتين كجزرة تداعب عيون الواهمين.
أما حزب «البيت اليهودى»، الصهيونى الدينى، فإن زعيمه الجديد نفتالى بينيت يعلن فى وضوح أن برنامجه للتسوية يقوم على ابتلاع القسم الأكبر من الضفة، الذى يضم كتل المستوطنات، وفرض السيادة الإسرائيلية عليه، وهو المعروف بالمنطقة «سى»، مع منح الخمسين ألف فلسطينى الذين يعيشون فى هذه المنطقة الجنسية الإسرائيلية حتى لا تتهم إسرائيل بأنها تمارس سياسة الفصل العنصرى.. هذا إذن المتوقع من كتلة اليمين الصهيونى العلمانية الدينية المشتركة، التى تمنحها استطلاعات الرأى ما بين 45 و47 مقعداً تسمح لنتنياهو بأن يكون المرشح الأول لتشكيل الحكومة الجديدة.
ثانياً: كتلة الأحزاب اليهودية الحريدية غير الصهيونية، وتضم حزبين هما حزب «شاس» الممثل للطائفة الشرقية الحريدية، وحزب «يهدوت هتوراه»، الذى يمثل الحريديم الغربيين، وكلا الحزبين لا يؤمن بالصهيونية، ومازال ينتظر الخلاص على يد مسيح يهودى تبعثه السماء، وكلاهما يمارس الحياة السياسة داخل إسرائيل باعتبارها أمراً واقعاً لا يلغى معتقداته. وكلاهما يميل إلى المواقف المتطرفة التى يعبر عنها اليمين الصهيونى بجناحيه العلمانى والدينى.
وترجح استطلاعات الرأى حصول هذه الكتلة على سبعة عشر مقعداً، وهى ظهير داعم لمعسكر اليمين، وشريك مؤكد فى حكومته وسياساته تجاه الفلسطينيين.
ثالثاً: كتلة اليسار والوسط وتشمل حزب «العمل»، وحزب الحركة «هتنوعاه» الذى شكلته أخيراً تسيبى ليفنى، وحزب «هناك مستقبل»، يش عاتيد، بزعامة العلمانى لبيد، وحزب «ميريتس» اليساوى، وحزب «كاديما»، وهى كتلة تطرح أحزابها، فيما عدا الحزب الثالث «يش عاتيد» صوراً من فكرة حل الدولتين، وإن كان الإجماع بينهما قائماً على الحفاظ على كتل الاستيطان والقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، ورفض عودة اللاجئين إلى ديارهم، وهى طروح قريبة من الطرح الوهمى المناور، الذى أعلنه نتنياهو فى جامعة بارايلان للمناورة والتخلص من الضغط الأمريكى آنذاك.. هذه الكتلة تعطيها الاستطلاعات ما بين 43 و45 مقعداً، أى أنها تمثل المعارضة القوية، غير أن المرجح أن يبدى «لبيد» و«ليفنى» استعدادهما لدخول حكومة تحت قيادة نتنياهو، أما الأحزاب العربية فتمنحها الاستطلاعات أحد عشر مقعداً دون تغيير.. إننى لا أرى فى الأفق سوى سياسات تكريس الأمر الواقع الاستيطانى مع مسايرة حوارات السلام لمنع العتاب الأمريكى.
سوريا والأردن والإسلاميون: الجلوس فوق البركان
د. لبيب قمحاوي(سياسي وأكاديمي أردني) عن القدس العربي
هل وصل العرب إلى مرحلة الترّحم على الأنظمة الديكتاتورية البائدة؟ وهل فشل العرب في معركة الإصلاح والتغيير كما فشلوا في معاركهم الأخرى بما في ذلك الحرب والسلام؟.
من الواضح أن الحكام العرب المستبدين، البائدين منهم والباقين، قد وضعوا شعوبهم أمام خيارات مستحيلة: إما الاستقرار والأمن مع بقاء الاستبداد والفساد، أو التغيير مع كل المخاطر التي قد يحملها البديل المجهول، خصوصاً أن انهيار النظام الاستبدادي يحمل في طياته احتمالية انهيار مؤسسات الدولة التي تم ربطها بالنظام بشكل شبه كامل يفرغها من محتواها في حال انهار ذلك النظام. وفي المقابل، خلت الساحة السياسية العربية من قوى منظمة ومؤثرة باستثناء الإسلاميين. وتميز العمل السياسي بضعف واضح في بنية الحركة الوطنية. فالأحزاب والتنظيمات القومية واليسارية، وكمحصلة لعقود من الاضطهاد والملاحقة حيناً، والعمل في ظل الحاكم المستبد وكامتداد له حيناً آخر، أصبحت عبارة عن بقايا أحزاب وتنظيمات تفتقر إلى امتداد حقيقي ومؤثر في عمق المجتمع الذي تنتمي إليه.
وقد ترافق هذا الوضع مع تًمًكـُّن الإسلاميين من الارتقاء إلى سدة الحكم في مصر وتونس وتزايد حملات التخويف من احتمال وصولهم للحكم في أقطار عربية أخرى. وهذا هو المجهول الأكبر الذي يبدو أنه ساهم في عزوف العديد من القوى المدنية والعلمانية والقوى غير الإسلامية عن تأييد جهود التغيير والإصلاح في أكثر من بـلد عربي. وهذا الوضع يبدو واضحاً وجلياً في سوريا وإلى حد ما في الأردن.
ومع ملاحظة الفرق في أن الحركة الإسلامية والتي كانت العدو المُعلـَن للنظام السوري على مدى أربعة عقود لم تكن تحظى بأي وجود مؤثر أو فاعل عشية انطلاق الثورة في سوريا. في حين أن الحركة الإسلامية والتي كانت الحليف المُعلـَن للنظام الأردني على مدى ما يزيد عن ستة عقود لم تقد الثورة الاحتجاجية في الأردن بل التحقت بها بعد أن اكتسبت أرضية ودعما شعبيا.
وقد استعملت الأنظمة المعنية الخطر الإسلامي كفزَّاعة في محاولة منها لخلق حالة من التخوف من المجهول الإسلامي بين أوساط علمانية أو غير إسلامية وبالتالي خلق مزاج عام يفضل الاصطفاف مع الأمر الواقع كوسيلة للحد من خطر ذلك المجهول الإسلامي. فالنظام السوري عوضاً عن احترام مطالب شعبه في الإصلاح الديمقراطي، لجأ إلى تخويف شعبه والعالم الخارجي من خطر تنظيم القاعدة الذي، كما ادعى في حينه، قد نجح في اختراق صفوف الثوار والتغلغل فيها. والنظام الأردني في المقابل حرص على خلق نمطية ثنائية تنحصر في الخيار بين النظام ومؤسساته أو تولي الحركة الإسلامية مقاليد الحكومة وبالتالي احتمال أسلمة الدولة.
وقد اختار كل من النظامين السوري والأردني المسار الخاص به. فقد اخترع النظام السوري الخطر الإسلامي، في حين أن النظام الأردني قد بالغ فيه. وفي كلا الحالتين لم يكن الهدف منع خطر الإسلام السياسي بل منع التغيير والإصلاح الحقيقيين. وقد ساهم في تعزيز مقولة وجود هذا الخطر، السلوك الأناني الذي انتهجه نظام الحكم الإسلامي في مصر في محاولاته المتكررة لاحتكار السلطة وأسلمة الدولة وهي محاولات ما زالت مستمرة، مما أعطى مؤشراً على ما يمكن أن تصبح عليه الأمور وعزز مخاوف معظم القوى المدنية وغير الإسلامية في دول العالم العربي من عواقب تولي الإسلاميين الحكم.
إن استعمال النتائج السلبية لتولي الحركات الإسلامية الحكم في بعض بلاد الربيع العربي كعذر لمنع التغيير والإصلاح عوضاً عن العمل على إرساء دعائم التعددية السياسية الحقيقية ومدنية الدولة كوسيلة لمجابهة ذلك الخطر، إنما يعكس النوايا السيئة لتلك الأنظمة المعنية ورغبتها الدفينة في تضخيم خطر الإسلام السياسي واستعماله للالتفاف على المطالب الشعبية في الإصلاح والتغيير.
إن هذا النهج التخويفي يأتي منسجماً مع نهج إضعاف الدول العربية والذي يحظى بأولوية لدى دول الغرب وأمريكا. وكان على الإسلاميين أن يعوا ذلك وأن يتخلوا عن أنانيتهم وينظروا إلى دورهم في هذه الحقبة باعتباره مكملاً لإرادة الشعب ومطامحه وآماله وليس محتكراً لها. فالواجب الأول على الحركات الإسلامية هو أن تكون أحد أدوات حماية الاستقرار الوطني والوحدة الوطنية والتحول السلمي نحو الديمقراطية في الدول التي ينتمون إليها. ولكن طريقة إدارة الإسلاميين للحكم في مصر، وإلى حد ما في تونس، جاءت لتزيد من عدد المتخوفين من تداعيات استلام الإسلاميين للسلطة في الدول التي ينتمون إليها وأعطت بُعداً عملياً للمقولات النظرية التي تتبناها العديد من الأنظمة المعادية للتغيير والإصلاح باعتبار ذلك المسار طريقاً نحو الانفلات الأمني وانهيار اقتصاد الدولة ومؤسساتها .
ولو دققنا ملياً في الوضع السوري مثلاً لاتضح أن إمكانات الإسلاميين للتغلغل في صفوف الثورة السورية كانت ضعيفة لأسباب تاريخية وما كان يمكن أن تتم إلا بدعم خارجي سواء أكان ذلك الدعم قادماً من دول الجوار أو دول أخرى. فسوريا كانت قبل عامين تخلو من الإسلام السياسي وكانت دولة قومية علمانية في المنظور العام. ما الذي حصل وجعل تواجد الإسلاميين ضمن صفوف الثوار ممكناً وملحوظاً بل ويشكل خطورة على دول الجوار وعلى التوازن الإقليمي كما تدعي بعض دول الإقليم وبعض الدول الغربية؟ ولماذا الآن على الرغم من أن الحلف القوي والاستراتيجي الذي ربط سوريا بإيران الإسلامية وحزب الله الإسلامي ولعقود خلت لم ينعكس ايجابياً على وضع الإسلاميين في سوريا وبقيت سوريا خالية من الإسلام السياسي؟. يبدو من المنطقي إذاً الجزم بأن الدول والقوى التي ساعدت على دخول الأفراد والمعدات من خارج سوريا إلى داخلها هي نفس الدول والقوى التي سهلت دخول بعض العناصر الإسلامية، والهدف الواضح هو ضرب استقرار سوريا في حقبة ما بعد التغيير تماماً كما يحصل الآن في مصر.
العلويون خائفون والمسيحيون خائفون والعلمانيون خائفون وسوريا الآن على فوهة بركان تماماً كما يريد الكثيرون من أعداء سوريا والأمة العربية. وهذا ليس دفاعاً عن نظام الأسد بل عن سوريا نفسها. فإضعاف سوريا في حقبة ما بعد الأسد هو الهدف المنشود من قبل بعض الدول العربية والغربية. وهذا يأتي في سياق نهج الإضعاف والتشتيت الذي يجري العمل على تعميمه في دول الربيع العربي.
والأردن ليس بعيداً عن ما يجري. فبعد أن قام النظام الأردني بتخويف الناس من خطر الإسلام السياسي، قام بالالتفاف على عملية الإصلاح مستعملاً ذلك الخطر كعذر غير معلن لممارساته تلك. وواقع الأمور يحتم علينا الاعتراف بأن قلق العديد من الأردنيين من احتمال فوز الإسلاميين بالانتخابات النيابية هو قلق حقيقي ومتزايد. وقد استعمل النظام هذا القلق كعذر للخروج بقانون انتخابات إقصائي وغير ديمقراطي هو 'قانون الصوت الواحد' حتى يضمن عدم فوز الإسلاميين بعدد كبير من مقاعد المجلس النيابي. وأكثر من ذلك إضعاف فرص وصول أي حزب أو تجمع سياسي إلى مجلس النواب بأعداد ملحوظة بهدف إنتاج مجلس نواب مطيع ومسالم مكون من أفراد وليس من أحزاب أو تجمعات سياسية. وبذلك يكون تزوير نتائج الانتخابات النيابية في الأردن قد تم في الواقع قبل إجرائها وبقوة القانون.
لا بد من الاعتراف أن هنالك ارتياح مشوب بالقلق بين أوساط العديد من القوى المدنية والعلمانية والمسيحية في الأردن لمحاولات النظام إضعاف فرص الإسلاميين للسيطرة على مجلس النواب أو لتشكيل الحكومة. سبب الارتياح مفهوم أما القلق فيعود إلى خشية تلك القوى من نجاح النظام في استعمال ذلك العذر كوسيلة للانقضاض على مطالب الإصلاح والتحول الديمقراطي ومكافحة الفساد. وقد ساهمت أنانية وقصر نظر الحركات الإسلامية في الأردن في إيصال الأمور إلى هذه النقطة من خلال فشلهم في الخروج بضمانات مُقْنِعة لباقي قوى المجتمع المدني والالتزام المعلن بعدم تفردهم بالسلطة والتعهد بعدم أسلمة الدولة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن سلوك الإسلاميين في الأردن وتعاملهم مع باقي الأحزاب والتنظيمات كان في صلبه سلوكاً احتوائياً انطلاقاُ من الفرضية القائلة بأن الحركة الإسلامية هي بيضة القبان في الحياة السياسية الأردنية وأن كل شيء مرده إليها في النهاية باعتبارها التنظيم الأكبر الذي يملك قاعدة عريضة من المؤيدين. ومحاولة الحركة الإسلامية في الأردن الاستقواء بالخارج، والحديث هنا تحديداً عن مصر وغـــــزة، لن يساعد في حسم الأمور لصالحها، بل سوف يؤدي إلى مزيد من الشـــكوك حول نوايــــاها وأهــــدافها ويرفع بالتالي من عامل التخوف منها بين الأوساط المدنية والعلمانية.
ورغم حملات النظام الأردني على الحركة الإسلامية والتخويف من نواياها، فإن هذا لا يعني أن حلفاء الأمس قد تحولوا إلى أعداء اليوم. فهم ما زالوا حلفاء، وبرنامج الحركة الإسلامية ما زال حتى الآن تحت سقف النظام. ولكن النظام أقوى، وأجهزته متغلغلة في صفوفهم وكنتيجة لذلك تمكن النظام الأردني من استعمالهم لتخويف قوى سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى مؤثرة في المجتمع الأردني بهدف إبعاد تلك القوى عن معسكر الإصلاح والتغيير الديمقراطي الحقيقي.
إن مغالاة النظام في استغلال المخاوف من الحركة الإسلامية قد يؤدي بالنتيجة إلى انشقاق في صفوفها حيث سيكون من الصعب جداً على القيادات الإسلامية التقليدية السيطرة على العناصر الشابة في تلك الحركة والتي لن تقبل أن تبقى أداة في يد النظام. وهذا الانشقاق سوف يؤدي إلى مزيد من التطرف والتشدد بين صفوف العناصر الشابة الغاضبة والتي تنتمي إلى جيل لا يشعر أنه مدين بشيء لنظام الحكم مما سيؤدي تلقائياً إلى دفع الأمور نحو مزيد من التطرف والعمل السري بين الأوساط الشابة المنشقة عن التيار التقليدي داخل الحركة الإسلامية.
لقد كان النظامان السوري والأردني هما البادئين في خلق هذه البلبلة، وهما بالتالي يتحملان مسؤولية الخروج منها. والمعادلة البسيطة تفترض الامتثال لإرادة الشعب خصوصاً عندما تكون المطالب منطقية وعادلة. ولكن أنانية الحكم وغرور السلطة عادة ما تدفع الأمور في اتجاهات إما دموية كما في سوريا أو معقدة وأنانية كما في الأردن.
