-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 312
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
لا تغير في الموقف الأميركي من سوريا بمعزل عن البعدين الروسي والإسرائيلي
بقلم: إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
* لا
* عندما تفجرت الانتفاضة المصرية، وعلى الرغم من الارتباك الأولي، اختارت واشنطن إفهام نظام الرئيس حسني مبارك ومن خلفه المؤسسة العسكرية بأنه آن الأوان للتغيير، لا سيما أنه ظل في مصر شيء يمكن اعتباره مؤسسات سلطة مركزية.
صحيح ضعفت مشاعر المواطنة، وضاع معنى «الدولة المدنية»، وتاه مفهوم «المواطنة»، لكن ظل هناك شيء اسمه مصر، وظل الشعب المصري، بمختلف مشاربه وفئاته، ينظر إلى نفسه على أنه مصري.
وبالنتيجة بعد نحو أسبوعين انتهت رئاسة حسني مبارك، وبدأ عهد جديد تختلف في تقييمه الآراء بينما يختلف صانعوه على شكله وهويته.
لم تشفع لنظام مبارك التزاماته الدولية والإقليمية، وعلى رأسها التزامه باتفاقيات السلام المصرية - الإسرائيلية، مع أنه من الواجب القول إن قرار الإبقاء على النظام أو إزاحته. ومع هذا تعاملت تل أبيب مع التغيير المصري - ظاهريا على الأقل - على أنه شأن داخلي.
الوضع مع ثورة سوريا جاء مختلفا، أميركيا وإسرائيليا.. إدارة باراك أوباما التي رحبت بـ«الربيع العربي» وأيدت دوران عجلة التغيير تعاملت مع الحالة السورية بلغتين ولسانين.
اللغة الأولى هي اللغة المثالية التي تشدد على حق الشعوب وعلى انتصار الديمقراطية من دون دفع أو دعم حقيقي ملموس لتغيير جاء من الداخل وبتضحيات جسام على امتداد قرابة السنتين.
واللغة الثانية كانت لغة البراغماتية القائمة على طرح الشيء ونقيضه، ومعها بررت إدارة أوباما وقوفها مكتوفة الأيدي وسط انتشار المجازر وازدياد القمع وسقوط المحظورات واحدا تلو الآخر.
مفهوم تماما أن نسيج المجتمع السوري مختلف عن نسيج المجتمع المصري أو المجتمع التونسي أو غيرهما من المجتمعات العربية التي عاشت ثورات التغيير.. ومفهوم أيضا عمق العلاقة الاستراتيجية بين نظام دمشق ونظام طهران، وارتياح إسرائيل للدور الذي يؤديه النظام السوري إقليميا على عدة أصعدة، أبرزها إبقاء جبهة الجولان صامتة، واعتماد سياسات تساعد في تنمية الاستقطاب الطائفي والمذهبي في المنطقة، وزرع إسفين في الوحدة الفلسطينية يكفل لليمين الإسرائيلي تجاوز أي استحقاق يتعلق بحلم الدولة الفلسطينية. لكن في المقابل، دأبت واشنطن عبر الإدارات المتعقبة خلال العقود الأخيرة على تصنيف سوريا في خانة «الدول الداعمة للإرهاب»، وكانت ترى - ظاهريا على الأقل - في صلاتها الإيرانية، وانعكاس هذه الصلات على الوضع الداخلي اللبناني، مما يدعو للقلق.
سكوت واشنطن عن وصول «الحالة السورية» إلى ما وصلت إليه يمكن أن يبرر بذرائع كثيرة، من بينها الوضع الاقتصادي والمالي في الولايات المتحدة والذي يدفع أي سياسي حصيف إلى إيلاء الشأن الداخلي رأس أولوياته، لكن ثمة خللا في نظرة باراك أوباما نفسه إلى الأزمة السورية ينم عن اختلالات أكبر. وبالتالي، يستحيل توقع تحسن حقيقي أو نقلة نوعية في مقاربة أوباما في فترته الرئاسية الثانية إزاء سوريا من دون الأخذ في الاعتبار عوامل مهمة أكبر من تغيير وزيري الخارجية والدفاع ومدير الـ«سي آي إيه».
في طليعة هذه العوامل ما إذا كان أوباما على استعداد للتفاوض مع موسكو على مصالحها الخاصة والاستراتيجية في سوريا أم لا. وكل تصرفات أوباما في الماضي والحاضر تشير إلى أنه ليس في وارد اعتماد سياسة شفير الهاوية مع موسكو في ما يخص دمشق، وهذا ما أسفر عن استخدام موسكو ثلاثة «فيتوهات» في أروقة مجلس الأمن الدولي حماية لنظام بشار الأسد.
عامل آخر لا يقل أهمية هو أن أوباما لم يثبت خلال السنوات الأربع الماضية أنه قادر على التحلل من ربقة الابتزاز الإسرائيلي، بدليل نكوصه عن وعد «الدولة الفلسطينية» في مطلع عهده، وعجزه عن وقف آفة الاستيطان. ومعنى هذا أنه ما دامت إسرائيل ترى في أي تغيير في سوريا تهديدا لوجودها، سيكون توقع أي خطوة عملية يعتمدها البيت الأبيض لإنهاء نظام الأسد، ومعه معاناة الشعب السوري، أمرا صعب الحدوث.
(نتنياهو) بدون عمود فقري: كيف؟ والنتيجة؟
بقلم: اسعد عبد الرحمن عن الرأي الأردنية
أضحى رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ضعيفا حتى في داخل حزبه «الليكود» حيث تزايدت الانتقادات التي توجه اليه. وقد نقلت صحف إسرائيلية عن مصادر من داخل الحزب «أن كثيرين اعتبروا نتنياهو فاشلا، وأن طريقته في إدارة قيادة الانتخابات كانت كارثة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أحزاب اليمين». ولهذا الأمر – على الصعيد الداخلي – توابعه ونتائجه في قادم الأيام. وكتبت أسرة تحرير «هآرتس» تقول: «هذا يدل على أن نتنياهو هو رجل الماضي».
وفي تقرير لمركز أطلس للدراسات الاسرائيلية جاء: «صحيح ان نتنياهو ما زال هو الشخص الوحيد الذى يستطيع أن يشكل الحكومة القادمة، ولكنه سيكون أشبه بسلطان بدون سلطات حقيقية، أو ليس أكثر من ملك عار كما يقول الصحفي من هآرتس جدعون ليفي». ويقول (بوعز بسموت) في مقال له: «إن نتنياهو شخصية مأساوية، فقد وصل مرتين الى الحكم واستقرت آراء الناخبين مرتين على انهاء ولايته بضربة مُذلة لا لأنه رئيس وزراء سيئ جدا بل لأنه يُنفر الجمهور منه مرة بعد اخرى باجراءاته وسلوكه».
الدوامة السياسية التي يعيشها (نتنياهو) اليوم تجبره على الاختيار بين خيارين كلاهما مر: أولا: تحالفه مع (يائير لابيد) زعيم حزب (يوجد مستقبل) الذي فاز بـ 19 مقعدا، يمكن أن ينسف مطالبة الأخير بأن يؤدي طلبة المعاهد الدينية الخدمة العسكرية ودعوته لاحياء المفاوضات المتعثرة مع الفلسطينيين. وفي هذا الشأن يقول الأستاذ الجامعي الإسرائيلي (شموئيل ساندلر) «نتنياهو في حاجة الى العمل مع لابيد وأن يكشف عن وجه أكثر اعتدالا للعالم. واذا لم يتمكن من ذلك فسيثير هذا مشكلات كثيرة له. لكن توفيق الاراء في القضية الفلسطينية لن يكون سهلا.. وسيكون تشكيل الحكومة أمرا أصعب من ذي قبل». ثانيا: احتمال نجاح (نتنياهو) بتشكيل ائتلاف أكثر يمينية من الائتلاف السابق، بعد إعلان زعماء حزبي «شاس» و»التوراة اليهودي المتحد» (18 مقعدا) انهما سيتحالفان من أجل الدخول في أي حكومة ائتلافية يشكلها (نتنياهو) لمقاومة (يوجد مستقبل) الذي يتعهد بحرمان المتدينين المتشددين من مزايا تقليدية حصلوا عليها ابتزازا.
خلاصة قراءتنا في الأدبيات السياسية الإسرائيلية تقول: أن (نتنياهو) بات بلا عمود فقري يحفظ تماسك (نخاعه الشوكي) مثلما أصبح هلاميا لا شكل صلب يحدد توجهاته وكل الفرص أمامه رجراجة! وتستخلص (سيما كدمون): «يعلم كل من يعرف نتنياهو انه شخص لا يلتزم أبدا الا اذا كان محتاجا لاحد ما أو لشيء ما. ولم يكن عنده الى الان ما يدعوه الى الالتزام لا لاحزاب ولا لاعضاء كتلته الحزبية». وعليه، لو هو نجح في تشكيل حكومة، فإنها لن تكون ذات حضور قوي بحيث تشكل عمودا فقريا للدولة: فأولا، التنازل عن تحالفه مع الأحزاب الدينية وتشكيل ائتلاف مع «يوجد مستقبل» يعني التسبب في حالة غليان لدى الأوساط الدينية وإشعال احتجاج شعبي كبير من طرفهم مع تشكيل معارضة متشددة في «الكنيست». ثانيا، ائتلاف يمين قومي ومتدينين: هو الأسهل لكنه سيزيد من العزلتين، الداخلية، والخارجية التي يعاني منهما (نتنياهو).
وثالثا، الجمع بين «العمل» و»يوجد مستقبل» والأحزاب الدينية، سيؤدي إلى حالة معرضة للانفراط بسهولة نتيجة الخلافات الجوهرية بين الأطراف جميعا. ويلخص ذلك (ناحوم برنياع) في مقال بعنوان «فشل.. في ستة دروس»: «لن يحدث هذا كما يبدو. فنتائج الانتخابات تدع لنتنياهو امكانا متضايقا لانشاء حكومة – أو حكومة ضيقة قائمة على المتدينين والحريديين، أو حكومة أوسع شيئا ما بمشاركة قائمة لابيد وآخرين. ولن يكون له من هذه الجنازة فرح كبير». هذا على الصعيد الداخلي.
أما على الصعيد الخارجي فإن (نتنياهو) بهذا يكون أيضا هو الخاسر الأكبر. فهو، في هذا الوضع، وبدون عمود فقري في البيئة السياسية والحزبية المستجدة، بات بابه السياسي مفتوحا على مصراعيه أمام أي قوة، الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم (دول أوروبا الغربية) كي يضربوا (إن هم شاؤوا) على هذا العمود الفقري بحيث (1) يتألم (نتنياهو) سياسيا وبالتالي يغير مواقفه رغم أن مثل هذا التغيير يعتبر أمرا مستبعدا لدى الكثيرين، أو (2) تؤدي به تحالفاته مع اليمين المتطرف (القومي والديني) إلى مزيد من استفزاز الغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا، الأمر الذي قد يدفعه إلى خارج الساحة السياسية كما حدث معه في الولاية الأولى في 1996 - 1999.
نهاية الربيع العربي... ولكن لا عودة إلى الوراء
بقلم: جمال خاشقجي (إعلامي وكاتب سعودي) عن الحياة اللندنية
بشار يقول بثقة إن جيشه استعاد زمام المبادرة على الأرض، زوجته حامل، وإشارات متزايدة إلى أن دول المنطقة ملت من الحال السورية، والمعارضة تقف وحدها.
مصر تحترق، قادة الرأي هناك ينظرون، ويتجادلون على كل القنوات المصرية والعربية، ويرسلون المطالب، الواحد تلو الآخر للرئيس محمد مرسي، بينما في النافذة المجاورة لهم على الشاشة، صورة لشباب يلقون بأثاث مكاتب حكومية من النافذة، ويحرقون عربة للجيش، فلا يكلّف أحدهم نفسه بجملة: «عودوا يا شباب إلى بيوتكم، لقد فقدنا السيطرة على الثورة»، أقصى ما سيفعله لإظهار قدر من المسؤولية أن يدين العنف من «كل الأطراف»، ذلك أنه يشم رائحة النصر، وقهر مرسي الذي سيرحل، فلعله يحل محله، ثم يدعو لتظاهرات جديدة في الجمعة التالية، وهو يعلم أنها تعني بضعة شباب آخرين يقتلون من دون هدف، غير إعطاء المعارضة ورقة ضغط على النظام، مرسي نفسه فقد السيطرة، فهو يأمر بحظر التجوال، فلا يستجاب له.
اغتيالات في ليبيا، وتفجيرات انتحارية في اليمن، وخلافات في تأليف الحكومة في تونس، يبدو أنني زجيت بتونس في السياق، فمقارنة مع إخوانها هي في نعيم كبير.
فهل انتهى الربيع العربي؟ نعم لقد انتهى بدفئه ورومانسيته، تحوّل إلى «عالم الواقع» بكل مرارته، وضع اقتصادي مترد، أجهزة حكومية متداعية ورثتها الأنظمة الجديدة، بالطبع لن يقتنع مصري واحد عندما يصرح وزير النقل بأن 85 في المئة من شبكة السكة الحديد في مصر انتهى عمرها الافتراضي، ليبرر حوادث القطارات التي قتل فيها عشرات المصريين أخيراً، وأن النظام السابق هو المسؤول بإهماله وفساده، المواطن المصري الغاضب لم يعد يرى مبارك ونظامه، الوزير الحالي هو المسؤول اليوم ومعه الرئيس مرسي وحركة الإخوان المسلمين، وسينادون برأسه متى وقعت حادثة أخرى. تزيد الطين بلة، بيئة سياسية مراهقة، تتصيد الأخطاء وتتربص، وحكومة صعدت للسلطة من دون خبرة أو مشروع.
انتهى الربيع العربي، ولكن «الثورة العربية» مستمرة بغضبها وثاراتها وتحولاتها التي لا تتوقف، المحلل المتفائل قال في زمن ازدهار الربيع، وهو يرى المواطن المصري يعيد طلاء أرصفة ميدان التحرير، والليبي يحضن أخاه ويبكي، إن العربي سيمضي في نهضته الجديدة، وقد استوعب أخطاء الثورات السابقة، زاعماً أن ثمة خبرة إنسانية جمعية تتراكم، وأن العربي المواطن والسياسي قرأ واستوعب تجارب سبقته.
أما المحلل المتشائم أو الواقعي الذي خف صوته في بدايات الربيع خشية أن يوصف بأنه «فلول»، فله الآن أن يمد رجليه، ويحاضر فينا كيف أن الثورات كائن حي تتصرف وتتحوّل وفق سنن كامنة فيها، بعيداً عن مثالية الثوار الحالمين، فيقول إن مصر وهي الجائزة الكبرى للربيع، ستحتاج عقداً كاملاً من الزمان على الأقل ريثما تستقر، ثم يحاضر على السامعين في تاريخ الثورة الفرنسية، وكيف استغرقت عقداً لتهدأ، ثم عقوداً لتكمل تحولاتها نحو نظام ديموقراطي فعال.
ولكن كلا المحللين سيتفق على أن لا عودة للماضي، قد يسقط مرسي أو يضطر لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة (وفي ذلك حركة التفاف ذكية من الإخوان)، ولكن لن يرجع بالتأكيد نظام مبارك أو ما يشبهه، حتى لو تسلم الجيش السلطة، فسيكون ذلك موقتاً، ريثما يعاد ترتيب المسرح الديموقراطي، لن يختفي الإخوان، ولن يستطيع أحد حظرهم من جديد، وكذلك لن يختفي أحد من القوى الليبرالية التي ستتفكك من جديد، بعدما تحقق سبب اجتماعهم في «جبهة الإنقاذ»، وهو إسقاط نظام الإخوان.
سيلف المصريون ويدورون، ومعهم كل الربيعيين العرب بحثاً عن صيغة للحكم ترضي الجميع، خصوصاً النخب الليبرالية التي لم تستوعب صعود القوى المهمشة، قد تتوقف الحياة السياسية على يد الجيش مدة عام أو عامين، ولكنها عندما تستأنف لا مفر من العودة لصندوق الانتخاب أو الفوضى، لن يستطيع ضابط مصري وسيم مرة أخرى أن يحكمهم «بشرعية الثورة» بخطب ووعود، لقد جرب المصريون كل هذا، ولا أن يحل الأحزاب «التي فرّقت الأمة» ويشكّل «مجلساً وطنياً»، فلا مكان في هذا الزمن لاتحاد اشتراكي جديد، حتى لو رفع الضابط الوسيم راية الدين الرائجة هذه الأيام، قد يجد شيخاً سلفياً ينظر له فكرة «مجلس أهل الحل والعقد»، ولكن عليه أن يحيطه بعشرات الدبابات، ليحميه من شباب الثورة رقم 4 أو 5.
قوة التاريخ مع الحرية والديموقراطية. لن يقبل سوري بتوافق طائفي يجعل لأبناء الطائفة العلوية «كوتا» معينة في الأمن، ثم يشاركهم السلطة، لأن وزير الخارجية الروسي لافروف يرى أن إصرار المعارضة على إسقاط بشار يعطّل الحل السلمي، ولا قول المرشح المحتمل للرئاسة في إيران علي أكبر ولايتي أن إسقاط بشار خط أحمر سيفت في عضد ثورته، أو لأن ثمة من يقول له إما أن تتفاهموا مع النظام أو ستقسم سورية، سيصر على وحدة بلاده، وسيمضي في ثورة كاملة ما لزم الأمر، قد تستمر أعواماً بعدما تحولت إلى حرب ميليشاوية، فالنظام لم يعد نظاماً إنما ميليشيا لديها سلاح طيران وصواريخ طويلة المدى وأسلحة كيماوية، ولكنها ميليشيا وليست نظام حكم، لن يعود بشار حاكماً على كل سورية مرة أخرى، حتى لو أهمل «أصدقاء الشعب السوري» الثورة السورية، في النهاية سيسقط، قد يختلف السوريون بعدها، قد تعلن جبهة النصرة إمارة إسلامية في حلب، فيتصارعون، في النهاية لن يجدوا غير صندوق الانتخاب حكماً... أو الفوضى.
سيختلف التونسيون ويتجادلون وهم يستعدون لانتخاباتهم المقبلة هذا الصيف، اليمنيون كذلك ينتظرون أول انتخابات حرة لاختيار رئيسهم في شباط (فبراير) 2014، ستستمر احتجاجات الحراك الجنوبي، وغباء «القاعدة» في عملياتها الانتحارية، ولكن صندوق الانتخابات هو صاحب القرار النهائي الذي لا يملكون غيره هم والتوانسة والليبيون.
المشكلة في أم الدنيا، الدولة العربية الكبرى مصر، التي عجزت النخب السياسية فيها عن القبول بنتائج صندوق الانتخاب، وفضّلت الحياة والحوار في استوديوات الفضائيات المصرية وليس في البرلمان.
تهمة هايغل: يحب باراك أوباما ويكره إسرائيل!
بقلم: مالك التريكي عن القدس العربي
ما إن انتشر منذ أسابيع نبأ اعتزام الرئيس أوباما ترشيح السناتور الجمهوري السابق تشاك هايغل لمنصب وزير الدفاع حتى سارع بعض الكتاب الليبراليين إلى التنغيص على جميع من يمكن أن يصيبهم النبأ ببعض الارتياح، علما أن ترشيح هايغل، أو تعيينه، لا يمكن أن يثير بعض ارتياح (إذ لا متسع لفرحة ولا يحزنون) إلا في الأوساط المتعطشة لبروز ساسة أمريكيين يتميزون باستقلالية الرأي، وإلا في الأوساط غير المتيمة بهوى إسرائيل.
حيث عمد هؤلاء الكتاب إلى التذكير بأن هايغل لم ينشق يوما على الإجماع 'القومي العدواني' في قضية الموقف من إيران، وأن انفتاحه على إمكانية الحوار مع حركة حماس لا يخرج على الموقف الذي تدافع عنه مؤسسات البحث الليبرالية الأمريكية منذ مدة طويلة (على أساس أن المصلحة هي في احتواء حماس أمريكيا بمثلما تم احتواء إخوان مصر وسورية)، وأن تصوره لحل النزاع العربي الإسرائيلي لا يغير نقطة ولا فاصلة في ما تفتق عنه ذهن جورج بوش وكوندوليزا رايس من روائع في كراس تمارين 'حل الدولتين'.
وهذا في معظمه صحيح. فالرجل ليس ثوريا ولا عالمثالثيا. وما هو بداعية سلام ولا حقوق مدنية. وما هو بتشومسكي ولا حتى كارتر. ورغم ذلك، فإن جلسة الاستماع لهايغل في مجلس الشيوخ، التي كانت منعقدة عند كتابة هذه السطور، أكدت صحة التوقع بأن حالته مستعصية. ومعلوم أن الاستعصاء لا يتعلق بكثرة الاتهامات، رغم أن لائحة الاتهام السياسي والإعلامي ضد هايغل طويلة. بل إنه يتعلق حصرا بالاتهام المركزي الذي من شأنه أن يزلزل الجبال الراسيات في واشنطن: وهو أن الرجل قد اقترف جرم انتقاد إسرائيل أكثر من مرة. أي أنه ما زال لم يثبت حتى الآن أنه منخرط انخراطا كليا في هارمونية الموقف الأمريكي السائد حول قدسية البقرة الإسرائيلية. على أن النبأ السار هو أن كهنة المعبد لم يبلغوا حد رمي هايغل بأنه كافر جاحد بالبقرة. ولكن المعضلة أن الإعلام الأمريكي ضبطه متلبسا مرارا وتكرارا بجرم الشك، فالسؤال فالمساءلة الدالة على زوال برد اليقين. أي أن الرجل مؤمن ولكنه يفكر أكثر من اللزوم.
ورغم أن المشهد كان متوقعا ولم يكن فيه خروج على النص، فإنه قد كان باعثا على الرثاء. حيث أن تباري أعضاء مجلس الشيوخ، وخاصة الجمهوريين، في إمطار هايغل بوابل الأسئلة البوليسية حول القديم والجديد والمحفوظ والمنسي من أقواله بشأن إسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين قد أثبت مجددا أن هؤلاء القوم ليسوا سوى جمع من المشرعين (الأمريكيين) بأمر اللوبيات (الصهيونية). بل إنهم أقرب، في حقيقة الأمر، لأن يكونوا نواب إسرائيل في أمريكا، أو أعضاء الكنيست في الكونغرس!
هذا والحال أن هايغل، الذي يجمع الحس البراغماتي إلى النزعة الدولية، هو مجرد سياسي جمهوري من المدرسة الواقعية القديمة (التي قد يكون جيمس بيكر أحد آخر ممثليها). وقد أبدعت الغارديان عندما كتبت، مداعبة، أن 'فلسفة هايغل ليست متماسكة على الدوام، ولكنه عدو لكانط ويستحق الثناء لإتيانه بالجديد في مجال التفكير في مكانة أمريكا في العالم'.
تلاعب لفظي لطيف مأتاه اشتراك الأسماء بين هايغل وهيغل، والاشتراك الصوتي بين كلمة 'كانط' الإنكليزية (التي تعني هنا النفاق والرياء) وبين اسم إمانويل كانطô ولهذا ختمت الجريدة، في شبه عتاب للذات، أن كفى بهذا تورية وتلاعبا بأسماء الفلاسفة الألمان!
إسرائيل وأوباما الثاني.. قلق وهواجس وغموض «غير بناء»
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
أثارت التصريحات المنسوبة للرئيس الأميركي حول عدم فهم نتنياهو لمصلحة إسرائيل، وسوء سلوكه الذي يقود إسرائيل إلى عزلة دولية، وردود فعل الأخير الصلفة تجاهها، واعتبارها فرصة لتأكيد ما سماه المصالح الحيوية الثلاث لـ«إسرائيل»: «منع إيران من امتلاك سلاح نووي، عدم العودة إلى خط عام 1967، والحفاظ على وحدة القدس». أثارت زوابع سياسية وإعلامية واسعة، وطرحت سيلاً من التعليقات والتحليلات والأسئلة التي انصبَ معظمها حول مستقبل العلاقات الأميركية- «الإسرائيلية» وآفاقها المتوقعة، تحت ظلال المتغيرات، ذات الطبيعة النوعية، التي تشهدها الساحتان الدولية والإقليمية، بشكل عام، والمستجدات التي تعتمل في قلب وثنايا ومفاصل الحليفين الإستراتيجيين، حيث يتخبط الأول (أميركا) في أزمة مالية واقتصادية تقف على شفا الهاوية، ويعاني من اضمحلال دوره ومكانته وتأثيره في العالم، بينما يواصل الثاني (الكيان) مجازره ضد الفلسطينيين والعرب، ويكثف من وتائر تهويده واستيطانه للأراضي المحتلة، ويتحوَل يمينه إلى يمين متوحش، ووسطه إلى وسط هزيل، ويساره إلى أثر بعد عين.
تطورات دراماتيكية وعلاقات مهتزة
ما تظهره صورة المشهد الأميركي- الإسرائيلي ومستجداته، في حال استبعاد العامل التكتيكي المتعلق بتأثير تصريحات أوباما في مجرى ونتيجة انتخابات الكنيست، وإهمال الكلام المرسل عن «انتقام» الرئيس الأميركي من نتنياهو، يؤشر إلى التالي: «إسرائيل القوية عسكرياً والمزدهرة اقتصادياً والمحتلة للأراضي الفلسطينية والعربية، كانت، ولا تزال، وبكل المقاييس، مصلحة حيوية صرفة للأميركيين الذين قدَموا لها حتى منتصف العام الماضي، ما مجموعه أكثر من 115 مليار دولار، أي ما يزيد على ما حصلت عليه 15 دولة أوروبية مجتمعة في إطار خطة مارشال لإعادة إعمار القارة المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وفق ما أفاد به تقرير أعدته هيئة أميركية تابعة للكونغرس. وواشنطن التي قالت، على لسان رئيسها، كلاماً شديداً ومخيفاً عن نتنياهو ومستقبل إسرائيل لم يسبق له مثيل، ويتصل اتصالاً وثيقاً بكلام رئيس «الشاباك» السابق يوفال ديسكن، هي التي تضع لنفسها (ولإسرائيل) الخطوط الحمراء، وليس متعهداً ثانوياً مثل نتنياهو، كما قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر لصحيفة «واشنطن بوست» قبل أشهر.
على أن هذه الحقائق والأسس التي يسهم سلوك نتنياهو وغروره في زعزعتها، رغم زعمه أن علاقات كيانه مع الولايات المتحدة «علاقات متينة، وأن التعاون الاستخباري، بين الجانبين، «معزَز»، باتت تهتز على وقع التطورات الدراماتيكية التي تشهدها موازين القوى الدولية، والاقتصاد العالمي، والمنطقة العربية التي يحاول الأميركيون قيادة عملية التغيير الجارية فيها وإعادة ترتيبها، وأخذ الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، في سياق ذلك، بنظر الاعتبار، وعدم تركه بالكامل في يد الحكومة الإسرائيلية اليمينية. ويبدو أن نتنياهو الذي يحاول كسر قاعدة كيسنجر الشهيرة التي تقول: «إن إسرائيل لها سياسة داخلية فقط، أما السياسة الخارجية فغير موجودة»، أي إنها من اختصاص الولايات المتحدة، يراهن على حاجة واشنطن، التي تتراكم الأدلة والمؤشرات على إمكانية خروجها تدريجياً من المنطقة التي تعج بالاضطراب، إلى كيانه كحليف أساسي مجرب وموثوق، للحفاظ على مصالحها في هذه البقعة الحيوية من العالم، والتي ترتسم في آفاقها ملامح النظام العالمي الجديد.
حل الدولتين في صلب مصالح واشنطن
ومع أن مضامين وأولويات السياسة الداخلية والعامة ستستمر، خلال الولاية الثانية لأوباما، في محاولة التعاطي مع الاقتصاد الأميركي المتعثر، وخفض الميزانية، فضلا عن مواصلة تحويل الاهتمام الإستراتيجي نحو آسيا، إلا أن بعض المتفائلين يرى ثمة مؤشرات على محاولة اجتراح نمط جديد في التعاطي مع مسائل الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، والملف الإيراني، وتطورات ما سمي «الربيع العربي». ويعتقد الباحث في شؤون الشرق الأوسط في مركز «بروكينغز- سابان» ناتان ساكس أنه، وعلى الرغم من أن الظروف لا تبدو ملائمة لتنسيق جهد أميركي يجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على طاولة واحدة، غير أن الولاية الثانية لأوباما ربما تشهد تغيّرات دراماتيكية في التعاطي الأميركي مع هذا الملف، وقد تختلف الظروف بحيث يبقى هناك احتمال أن يقرّر الرئيس الأميركي ممارسة الضغط على بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية، ذلك أن حل الدولتين يأتي في صلب مصالح الولايات المتحدة، كما أنه من مصلحة إسرائيل التي يحيق بها خطر التحول إلى دولة «مزدوجة القومية»، وذلك على الرغم من عدم وجود منطلقات جديدة لتحقيق ذلك، ولاسيما بعد تأكيد أوباما مراراً أن إسرائيل كانت وستبقى حليفاً استراتيجياً رئيسياً للولايات المتحدة في المنطقة.
أما بخصوص الملف الإيراني، فيبدو أن واشنطن ستميل إلى إدارة الأمر الواقع مع إيران، على الرغم من إعلانها عن عقوبات جديدة ضد طهران في أعقاب فوز أوباما بولاية ثانية، وذلك على الرغم من وضوح الرئيس الأميركي في إبقاء «كل الخيارات مطروحة على الطاولة»، وذلك بموازاة درس عرض «المزيد مقابل المزيد» في هذا الملف، أي تخفيف بعض العقوبات وتقديم التنازلات الأميركية الأخرى، مقابل القيود القابلة للتحقّق من البرنامج النووي الإيراني، وذلك بعد أن وضعت العقوبات طهران، وكما يعتقد الأميركيون، تحت ضغط لا يُستهان به منذ محادثات حزيران الماضي. ويقترح باتريك كلاوسون من «معهد واشنطن» وضع خطوط عريضة لتسوية شاملة للأزمة المتعلقة بالبرنامج النووي، على الرغم من تأكيده أن مصلحة أوباما تقتضي حلاً دبلوماسياً، وخاصة بعد حرب العراق، إذ سيكون من الصعب على أي رئيس أميركي أن يتاجر بقرار شن حرب، استناداً إلى تقييمات الاستخبارات الأميركية».
وضع المنطقة الراهن والمناخ الدولي لا يحتملان التعاطي الاستعلائي
في كل الأحوال، يبدو أن ما لا يفهمه نتنياهو وحلفاؤه من قوى اليمين الصهيوني والديني التي فجعتها انتخابات الكنيست ولم تمنحها سوى النصف زائد واحد، أو ما لا يريد أن يراه ببصر وبصيرة، هو أن انتقاد الرئيس الأميركي الذي قدَم أدلة ملموسة على دعمه لإسرائيل ليس أقلها استثناء دعم «القبة الحديدية» من عملية تقليص الموازنة الأميركية، ليس سوى أحد الخيوط البارزة في كتل الـنسيج الدولي المتخم بالامتعاض والنفور من إسرائيل وسياساتها المعادية للفلسطينيين والعرب و«السلام» الإقليمي والدولي. وإذا كانت الظروف الإقليمية والدولية قد سمحت لصانع القرار والسياسة الأميركية، في السابق، بالتعاطي بمرونة وأريحية وتفهَم مع كل الانتهاكات والخطايا والمجازر الفعلية والسياسية والاستيطانية الإسرائيلية، فإن وضع المنطقة الراهن، والمناخ الدولي، لا يحتملان اليوم هذا النمط من التعاطي الاستعلائي الفاشي الذي ربما يقود، في حال استمراره تحت ظلال تآكل قوة ومكانة الولايات المتحدة، ليس فقط إلى فقدان التأييد الدولي وفقدان الشرعية والإقصاء، وإنما كذلك، وكما يرى العديد من المفكرين والمثقفين الإسرائيليين، بمن فيهم الشاعر المعروف ناتان زاخ، إلى وضع إسرائيل على سكة التفجير والتلاشي خلال العقود القليلة المقبلة.
الهجوم الإسرائيلي على سوريا.. أ هو نقطة تحوّل؟
بقلم: عادل عبد المهدي عن الصباح العراقية
تعيش سوريا أعمال عنف وقتل ودمار وهجرة ومعاناة إنسانية قاسية ومحزنة، ناهيك عن شتى المخاطر التي تواجهها البلاد.. فالنظام يتعرض لهجوم كبير من معارضيه مدعومين من قوى إقليمية ودول عظمى.. والنظام يشن هجوماً مضاداً على معارضيه مدعوماً من قوى إقليمية ودول عظمى. ورغم جهود الإبراهيمي، بما فيها مطالبته مجلس الأمن للتدخل بعد فشل الأطراف السورية أو الإقليمية لحل النزاع.. وكلام جميع الأطراف الحكومية والمعارضة عن الحوار إلا ان الأوضاع لم تكشف عن انفراج يمكن التعويل عليه ، وما زال الطرفان منشغلين اساساً بالحلول الامنية والعسكرية.
برزت بعض المؤشرات وكأن الاقتتال ارهق الاطراف وصارت اكثر قبولاً للقاء الآخر.. كتصريحات الاستاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض باهمية الحوار.. او تصريحات الرئيس الاسد عن ان الحوار هو الحل.. او الاجتماع المرتقب "لمجموعة العمل، جنيف 2" ودعوة ايران والسعودية اليه باعتبارهما طرفين مؤثرين في النزاع.
في خضم هذه التطورات تأتي الغارة الاسرائيلية على مركز للابحاث في منطقة جرمايا بريف دمشق.. والتي ادانتها الكثير من الدول بما في ذلك الامم المتحدة بلسان امينها العام.. والتي يقول بعضهم انها تستهدف تحسين موقف ناتنياهو بعد نتائج الانتخابات الاسرائيلية وحاجته لتحالفات داخلية ضد عدو خارجي.. وليس افضل من الملف الكيمياوي السوري او تزويد حزب الله بالأسلحة الايرانية عبر سوريا كغطاء لهذا العمل. ويرى اخرون ان الغارة هي بداية دخول اسرائيل على خط الصراعات الاقليمية.. فالضربة لن تبقى بدون رد.. والرد سيقود بدوره ليس فقط الى توسيع رقعة الصراع، بل الى احتمال تغير اتجاهاته.. وهنا سيقف الوضع الاقليمي والدولي على المحك وليس النظام والمعارضة السورية فقط.. ففي حرب الكويت بقيت اسرائيل تضغط للرد على الصواريخ العراقية.. لكن الولايات المتحدة لعبت دور الضاغط لمنع تصعيد قد يفكك التحالف الدولي الذي كان يضم سوريا ومصر انذاك.
السؤال الان.. هل سيكون هناك رد وما حجم وغايات التصعيد؟.. اهو لتوسيع رقعة الحرب؟ ام لحل عبر مجلس الامن كما يطالب الابراهيمي.. او عبر "جنيف 2"، او عبر اتفاق اقليمي دولي؟ واذا اخذت الامور هذه المسارات.. فهل ستبقى الاصطفافات داخل سوريا او اقليمياً كما هي اليوم؟ اسئلة علينا كعراقيين الاستعداد لاحتمالات وقوعها، وطبيعة النتائج المترتبة عليها.
الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط
بقلم: غسان ملحم عن الأخبار البيروتية
تبدو الصورة غير واضحة تماماً للمرء العادي والمراقب على حدّ سواء، طالما أنّ الولايات المتحدة لم تفصح بالكامل عن محددات وملامح استراتيجيتها المقرّرة للمرحلة المقبلة بُعيْد التجديد للرئيس الأميركي باراك أوباما. لا شك في أنّ الضغوط الداخلية تلقي بثقلها على مركز القرار الأول في العالم، وكذلك التحديات الخارجية التي تتهدد استمرار النفوذ الأميركي في المجال الدولي على المنوال ذاته، بل الأحادية القطبية ذاتها. فهل صحيح أنّ الإدارة الجديدة تعتزم تطبيق استراتيجية جديدة في مجال إدارتها للعلاقات الخارجية؟ وهل يعقل أن يصل الأمر إلى حدّ الانقطاع عن الماضي في لحظة تخلّ، أم أنّ المسألة لم تبلغ هذا الحد؟
أخفقت الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق الأهداف التي كانت تتوخاها من وراء الخطة التي كانت مقررة لسوريا، وإن كان هناك ثمة من يزال يكابر ويرفض الإقرار بتطور الأمور في الميدان وفي الأروقة الدولية أو يجهل ذلك. لم تخسر واشنطن بطبيعة الحال كلّ الأوراق التي بيدها، وهي لم تربح بالمقابل هذه المعركة، لكنها أنجزت بعض المكاسب، وإن لم تتمكن من استكمال عملية تنفيذ مخططها في المنطقة والذي يبدأ في سوريا. أرادت الإدارة الأميركية تكوين هيكلية منظمة ومسلحة تحظى بمعاضدة تركيا لضرب نظام الرئيس بشار الأسد وتدمير سوريا.
تأتي بعدها المواجهة مع حزب الله وكذلك الحرب على إيران، والرهان هنا على المحور المناهض للأخيرة في الجبهة الإسلامية السنية وحتى الأصولية الجهادية. وتكتمل الصورة بالعمل على إخراج روسيا من الشرق الأوسط والانكفاء عن المتوسط، بل تفجير روسيا بتوسيع رقعة الحراك المتمدد للتنظيمات الجهادية الإسلامية ونقله إلى داخلها.
في الواقع، لقد تمكنت الولايات المتحدة من استقطاب الجهاديين من شتى أصقاع الكرة الأرضية وإقحامهم في المحرقة المتواصلة على الأراضي السورية. وهي بذلك تخلصت من خطر التهديد الذي يمثله حمَلة هذا الفكر الأصولي على مصالحها في مناطق أخرى، أو على الأقل حصرت نطاق التمركز والتحرك للتيارات الجهادية والأصولية في دائرة محددة. كما استطاعت أيضاً تدمير، أو بالحد الأدنى إضعاف قدرة الدولة في سوريا على خوض الحرب ضد العدو الصهيوني والصمود والترقي لفترة غير قصيرة، فأزالت بذلك احتمالات وجود دولة قوية على مقربة من إسرائيل، ربما كانت قادرة مع غيرها على إلحاق الهزيمة بها إلى حدّ تغيير وجه المنطقة.
هذا التعثر في بلوغ بنك الأهداف الموضوعة للحرب على سوريا، والتي كانت مقررة منذ سنوات، يفترض الخوض في الخيارات البديلة في ظل التردي في داخل الولايات المتحدة وتبدل المناخ العالمي، ومنه تغير موازين القوى الدولية. هكذا أدركت الإدارة الأميركية ضرورة البدء بخطى هادئة وغير معلنة في عملية التحول في طريقة مقاربة القضايا الدولية، ذلك أنها تعي بأن اللحظة ملائمة لإحداث مثل هذا التغيير في هذا التوقيت بالذات مع بدء عمل الفريق الحكومي الجديد. فإعادة انتخاب الرئيس باراك أوباما لولاية ثانية تجعل الإدارة الأميركية أكثر تحرراً من الضغوط، كذلك أكثر قدرة على المبادرة، وربما اتخاذ قرارات جريئة بل تاريخية لعقد التسوية وإحلال السلام والقبول بالشراكة الدولية.
والموضوع هنا لا يقتصر على الإرادة الفردية للرئيس باراك أوباما وحده، بل إنّ التحول المرتقب في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبالتالي التحول المفترض في الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وغير ذلك من المعلومات والملاحظات، كله يدلّل على تبدل موضوعي في المزاج العام لصانعي القرار في داخل تلك الدائرة الضيقة للحكم في أميركا. هناك قرار استراتيجي بإطلاق رؤية جديدة للعمل في المجال الدولي، وفي كيفية التعامل مع ملفات وأزمات المنطقة على وجه التحديد. ولكن إدراك هذا التغيير، كما البدء بتنفيذ بنوده، يحتاج إلى بعض الوقت، ولا يمكن أن يحصل بطريقة دراماتيكية أو أوتوماتيكية، وإنما من ضمن مقاربة براغماتية تنطوي على تحولات أو تغييرات ملحوظة بوتيرة بطيئة وثابتة.
يأتي قرار الإدارة الأميركية بإعادة النظر في استراتيجيتها في المنطقة على خلفية التدهور المحدود للنفوذ الأميركي فيها نتيجة التقهقر في العراق والإخفاق في سوريا وثبات المقاومة في لبنان وعودة روسيا وصعود الصين وغير ذلك، وهو يندرج في إطار الواقعية السياسية في التعامل مع المستجدات الدولية والإقليمية. لن تكون الولايات المتحدة أكثر التزاماً بالمبادئ الديموقراطية أو حتى أكثر انشغالاً بالقضايا الإنسانية، لكنها أكثر تشبثاً بتأمين مصالحها مرة أخرى على حساب تطلعات الشعوب في بلدان المنطقة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.
بيد أنّ المضي في هذه الاستراتيجية الجديدة التي تفترض التفاهم مع روسيا وتقاسم مناطق النفوذ، كما المصالح الحيوية في محاولة لتطويق الصين، يصطدم بمعارضة شديدة في داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى بعض المراكز الفاعلة في دوائر القرار الأميركي في وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية والبنتاغون، وكذلك قيادة حلف شمالي الأطلسي. والمقصود هنا بالتحديد تلك الطغمة التي خططت للحرب على سوريا، وكذلك الحصار على إيران والقضاء على حزب الله. ثمّة من كان يعمل داخل الإدارة الأميركية على محاصرة وتصفية هذه الدول والأنظمة والتنظيمات في محور المقاومة والممانعة لتحقيق الأهداف الصهيونية، وهو لا يزال مؤمناً بخيار الحرب واللجوء إلى القوة، كما يعارض تماماً فكرة التعاون مع الروس لإدارة الملفات العالقة في المنطقة والعالم من ضمن شراكة ثنائية تضمن المحافظة على المصالح الأميركية الاستراتيجية. هذه المعارضة في داخل واشنطن هي التي تحول حتى اللحظة دون إنجاز الاتفاق الروسي الأميركي الذي يكفل إدارة المرحلة المقبلة بطريقة متوازنة، والذي بات العديد من بنوده معروفاً وقيد التداول. وهو الأمر الذي يمنع رضوخ أو قبول الأميركي دون مكابرة للصيغة المطروحة للإدارة الدولية المشتركة، بعيداً عن محاولات الاستئثار بالنفوذ الدولي.
لن تتخلى الولايات المتحدة الأميركية بتاتاً عن مآربها التقليدية في هذه المنطقة، لجهة الالتزام بحماية أمن إسرائيل وتلبية مطامعها من النفط والطاقة. وهي تصر على إظهار قوتها وصمودها في وجه التحديات الداخلية والخارجية. والأكيد أنّ الإدارة الأميركية اليوم لا تشبه طبعاً تلك التي كانت قبيل البدء بالحرب على الإرهاب في بدايات العقد الماضي، بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001. فبعدما خاضت غمار الاحتلال المباشر في أفغانستان والعراق، تبعاً لنظرية الهجمة الاستباقية، وكذلك التآمر والاعتداء على سوريا، وقبل ذلك الحرب الإسرائيلية على لبنان، تبدو الإدارة الأميركية أكثر تعقلاً وواقعية في طرح الأمور والنظر إليها بطريقة مغايرة، أقلّه داخل مركز القرار، ذلك أنّه لم يظهر بعد إلى العلن. لقد بدأ البيت الأبيض، ومن معه في قلب الحكم، حملة تطهير داخل الإدارة الأميركية في سبيل تشكيل فريق عمل متجانس ومتماسك، يكون أكثر التزاماً بالنهج الجديد، وصولاً إلى عقد معاهدة تفاهم من الجانب الأميركي مع الطرف الروسي.
تندرج استقالة رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الجنرال ديفيد بترايوس في هذا الإطار، وكذلك تعيين السيناتور جون كيري على رأس الدبلوماسية الأميركية، كما «الاستغناء عن خدمات» هيلاري كلينتون، وتسمية السيناتور السابق تشاك هيغل وزيراً للدفاع، وغيرها من التشكيلات السياسية والأمنية والدبلوماسية في صلب الإدارة الحكومية المزمعة. لم يعد هناك مجال لمن كان يعرف بصقور البيت الأبيض، كما في عهد الرئيس السابق جورج بوش، للعب دور في المرحلة المقبلة، حتى إن المتعصبين لفكرة دعم إسرائيل المتواصل من الأميركيين الصهاينة ملتزمون بالتقيد باستراتيجية أميركا الجديدة، عملاً بما تقتضيه تلك الواقعية السياسية لبلوغ الأهداف العليا الحقيقية.
تسعى الإدارة الجديدة إلى تلميع صورة الولايات المتحدة في مجال العلاقات الخارجية والاستراتيجية، وهذا لا يعني أنها تخلت إلى غير رجعة عن حلفائها ومصالحها. قد يظن البعض أن ما تريده الآن دوائر القرار في أميركا، أو ما يمكنها فعله، هو التصرف بطريقة مختلفة، ربما تكون أكثر إنصافاً للقضايا العربية، بإجراء تغيير جذري في النمط السلوكي الخارجي، وهو في الحقيقة مخطئ ومفرط في المغالاة بالرهان على المستقبل مع بدء الولاية الجديدة للرئيس باراك أوباما.
ما تحاول الإدارة الأميركية فعله هو الاستعاضة عن الحروب المباشرة بالحروب غير المعلنة أو الحروب بالواسطة، وهو الأمر الذي يستلزم طيّ صفحة الماضي ومحاولة التجديد في المظهر الذي تطلّ به على أبناء بلدان المنطقة. وقد اقتضى هذا الأمر استبعاد العديد من المسؤولين الأجانب من رجالات الاستخبارات والأمن الذين تورطوا أو انخرطوا في المعركة. في هذا الصدد، تبدو وفاة المدير السابق للاستخبارات المصرية اللواء عمر سليمان في الولايات المتحدة بطريقة غامضة ومفاجئة بحاجة إلى إعادة نظر.
كذلك ثمّة من يرى أن فرضية تصفية العميد اللبناني وسام الحسن ربما تحتاج إلى الوقوف عندها، وقد تكون منطقية بل مرجحة من هذا المنظار. كما أن تعيين الأمير بندر بن سلطان محل الأمير مقرن بن عبد العزيز على رأس جهاز الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعوية أيضاً ذات دلالة. ثمة اتجاه للتخلص من بعض مخلفات الحقبة الماضية بقصد الولوج إلى المرحلة المقبلة، مع ما يعنيه ذلك من خلط للأوراق وإعادة ترتيب الصورة. فإدارة المرحلة الجديدة تقوم على استخدام طرق مختلفة من قبل فريق عمل مستحدث لتخطي العقبات التي قد يحدثها بقاء القديم على قدمه.
من الواضح أن الإدارة الأميركية أجرت مراجعة للمرحلة التي خلت بكل مندرجاتها. وهي في المبدأ مستعدة للدخول في عقد التفاهم مع الروس، وإن اقتضى الأمر بعض الوقت للبدء بتنفيذ خطة الحل. أول بنود الاتفاق ينصّ على وقف إطلاق النار في سوريا ولا شيء سواه، وإرسال قوات دولية لحفظ السلام تحت ستار الأمم المتحدة، على أن تتشكّل بمعظمها من دول معاهدة الأمن الجماعي. يلي ذلك، تنفيذ قرار بغاية الأهمية يقضي بتصفية الجهاديين، وهو الأمر الذي يحتاج بدوره إلى بعض الوقت، ويفترض التعاون والعمل الدولي المشترك بين موسكو وواشنطن والعواصم الأوروبية. وقد يعقب ذلك إعطاء الضوء الأخضر لتطبيق الخطة المعدّة لتجزئة المملكة العربية السعودية، الأمر الذي تعمل عليه وكالة الاستخبارات المركزية!
رأي البيان: ذرائع إسرائيل الأمنية
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الإماراتية
فيما لزم المسؤولون الإسرائيليون صمتاً تاماً أمس غداة إعلان الجيش السوري قيام طائرات حربية إسرائيلية بقصف مركز عسكري للبحوث العلمية في ريف دمشق، معلقين على الموضوع بعبارة «لا تعليق»، قال مصدر في حزب «الليكود» مقرب من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إن تل أبيب «لا تنفي ولا تؤكد هذا النوع من الأنشطة لأسباب أمنية».
يتزامن ذلك مع تصريحات لنتانياهو ألمح فيها إلى عدم قدرة إسرائيل عسكرياً على تدمير المشروع النووي الايراني، الذي يتغنى فيه لكونه «خطرا حقيقياً يهدد إسرائيل وأمنها»، معتبرا أن تل أبيب تستطيع تأجيل هذا المشروع لفترة زمنية من خلال التحرك العسكري، ولكن الولايات المتحدة تستطيع القيام بهذا الدور العسكري.
كما يتزامن أيضا مع الإعلان عن تزايد طلب السكان في إسرائيل على الأقنعة الواقية من أسلحة غير تقليدية في الأخيرة، تحسباً لهجمات من أطراف تصفها حكومة الاحتلال بأنها «معادية» لها وتهدد أمنها.
والليلة قبل الماضية، بثّت القناة العاشرة الإسرائيلية تقريرا يروّج لتلك الأفكار، يفيد بان حزب الله اللبناني وفيلق القدس الايراني هددوا بضرب مصالح أميركية وإسرائيلية في جميع أنحاء العالم.
وأشار التقرير إلى أن المحاولة الفاشلة لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة وتفجير حافلة السياح الإسرائيليين في بورغاس، والذي ادى لمقتل خمسة إسرائيليين ومواطن بلغاري، يثبت عزم حزب الله وفيلق القدس الايراني بضرب أهداف إسرائيلية وأميركية والثأر من الغرب، بسبب فرض العقوبات على إيران ونشاطها النووي.
أما فلسطينياً، فلم تتوقف ماكينة الاعتقالات والمداهمات الإسرائيلية بالتزامن مع بناء استيطاني يتم تنفيذه على أرض الواقع أو إعداد مخططات لتنفيذه، واستخدام الأسلحة القاتلة لقمع المتظاهرين الفلسطينيين الذين يخرجون في تظاهرات سلمية تندد بممارسات الاحتلال، وذلك أيضا بذرائع ترتدي لباساً أمنياً.
تصريحات هنا وهناك، جميعها تسعى لتبرير ممارسات إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وربما خارجها، تتخذ من المخاطر الخارجية والداخلية ذرائع لإطلاق يدها كيفما تشاء وأينما تشاء، مستندة إلى ما تعتبره «حقها في حفظ أمنها»، بغض النظر عن أمن وسيادة غيرها.
مبادئ نتانياهو للسلام!
بقلم: جواد البشيتي عن الوطن القطرية
وزيرة خارجية الولايات المتحدة (المنتهية ولايتها) هيلاري كلينتون فَهِمَت نتائج الانتخابات العامة الإسرائيلية الأخيرة على أنَّها فاتِحَة لأبواب أمام عودة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني إلى مفاوضات السلام المنقطعة منذ سبتمبر 2010؛ وكان نتانياهو نفسه قد دعا، غير مرَّة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى العودة إلى التفاوض.
نتانياهو لن يفاوِض الفلسطينيين، توصُّلاً إلى «حلِّ الدولتين»، إلاَّ بما يُظْهِر كثيراً من كوامِن قبوله المبدئي لهذا الحل، فـ «الدولتان» اللتان يريدهما نتانياهو، وسيستميت في «دفاعه التلمودي والأمني» عنهما، إنَّما هما «دولة إسرائيل اليهودية» و«دولة أندورا الفلسطينية». إذا كانت «دولة فلسطين الديمقراطية المسالمة» بالخواص الجغرافية والسيادية لإمارة أندورا، وإذا كان ثمن قيامها هو الاعتراف بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية، أي تخصُّ «الشعب اليهودي» فحسب، فإنَّ «فلسطين تلك» هي «مطلب نتانياهو« الذي يريد للفلسطينيين قبوله. وإذا اعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها «دولة يهودية»، وقبلوا حلاًّ نهائياً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتوافق، ولا يتعارض، مع اعترافهم هذا، فإنَّ «الدولة اليهودية» يمكن أن «تجازيهم»، عندئذٍ، «خير جزاء»، بأنْ تسمح للاجئين الفلسطينيين بـ «عودة غير مباشِرة» إلى إسرائيل، أي بأنْ يعودوا، أو يعود قسم منهم، إلى «دولة أندورا الفلسطينية» التي تقع ضِمن «دولة إسرائيل اليهودية»!
النزاع، على ما صوَّره نتانياهو، ليس، من حيث المبدأ والجوهر والأساس، بالنزاع الذي يمكن أن يُسوَّى بـ «الانسحاب»، أو وفق مبدأ «الأرض في مقابل السلام»، فأصل النزاع يكمن في رفض العرب والفلسطينيين الاعتراف بحقِّ «الشعب اليهودي» في أن تكون له «دولة قومية» في «أرض آبائه وأجداده.. أرض إسرائيل»، والتي في القلب منها تقع «يهودا والسامرة»، أي الضفة الغربية.
وتسوية هذا النزاع، من ثم، يجب أن تبدأ باعتراف الفلسطينيين اعترافاً لا لبس فيه بدولة إسرائيل بصفة كونها دولة يهودية، تخصُّ «الشعب اليهودي» فحسب، فإنْ هم أبوا واستكبروا فلن تقوم لهم دولة في جزء من «الوطن القومي والتاريخي للشعب اليهودي»، ولو كانت بالخواص التي يريدها لها نتانياهو.
ولكن، ما هو «الجوهر الفلسفي» لتلك «الدولة» الفلسطينية التي يمكن أن يقبل نتانياهو قيامها؟
إذا قامت تلك «الدولة» فلن تقوم إلاَّ في أرضٍ هي «جزء من موطن الشعب اليهودي»، فالتاريخ عاث فساداً في «أرض إسرائيل» إذ أسكن فيها قوماً ليس لهم من حقٍّ قومي فيها، هم الفلسطينيون. ولقد قال: «في موطننا هذا، يعيش أناسٌ (الفلسطينيون) لا نريد حكمهم، أو إدارة شؤونهم، أو فَرْض عَلَمنا وثقافتنا عليهم، فكلا الشعبين له عَلَمُه، ونشيده، وسلطته»!
إنَّهما شعبان لا فَرْق بينهما إلاَّ بـ «السيادة»، فالفلسطينيون لا يحقُّ لهم أن يتساووا مع «الشعب اليهودي» في «الحقوق السيادية».
والسبب شرحه نتانياهو على خير وجه إذ قال: «دولتنا اليهودية يجب أن تكون ذات سيادة، لأنَّها مُقامة في موطن الشعب اليهودي»، أمَّا دولتهم (والقول لي أقوله استنتاجاً من قول نتانياهو) فلن تكون دولة ذات سيادة، لأنْ ليس للفلسطينيين من حقٍّ قومي أو تاريخي في الأرض التي يعيشون فيها، والتي هي جزء من موطن «الشعب اليهودي».
على الفلسطينيين أوَّلاً، وقبل كل شيء، أن يشهروا «إيمانهم»، بأن يشهدوا أنْ لا شعب يحق له أن تكون له دولة قومية ذات سيادة في «أرض إسرائيل» إلاَّ «الشعب اليهودي»، فإذا أشهروا «إيمانهم»، ونطقوا بتلك «الشهادة»، قالوا، بلغة سياسية الآن، إنَّهم يعترفون بدولة إسرائيل على أنَّها دولة يهودية، تخصُّ «الشعب اليهودي» فحسب.
وبعد «الإيمان»، وإشهاره، تأتي «الفرائض»، فالفلسطينيون مدعوُّون إلى أن يأتوا ببرهانهم إنْ كانوا صادقين.. عليهم أن يثبتوا حُسْن «إيمانهم» من خلال قبولهم «دولة» لا تملك شيئاً من مقوِّمات السيادة الحقيقية، وإلاَّ جدَّفوا بما زعموا أنَّهم قد آمنوا به، فالدولة ذات السيادة هي حق لمن يملك الحق القومي والتاريخي في «أرض إسرائيل». وعلى الفلسطينيين أن يتحلوا بفضيلة «القناعة كنز لا يفنى»!
وعليهم، أيضاً، تأدية «فريضة» ثانية هي أن يقبلوا حلاًّ نهائياً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، لا «يتوطَّن»، بموجبه، أي لاجئ في إقليم «الدولة اليهودية»، فأين «يتوطنون»، أو إلى أين يعودون؟
تلميحاً، أجاب نتانياهو قائلاً: إسرائيل، على صغر مساحتها، وضآلة مواردها الطبيعية، استطاعت أن تستوعب مئات الآلاف من «اللاجئين اليهود» من البلدان العربية.
وكأنَّه يريد أن يقول لـ «الدولة» الفلسطينية: إنَّكِ، وعلى صغر مساحتك، وضآلة مواردك الطبيعية، تستطيعين، بمعونة (مالية) دولية، أن «توطِّني» في إقليمك، الذي وهبتكِ إيَّاه دولة «الشعب اليهودي (الكريم)»، مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، بفضل «السلام الاقتصادي».. وهكذا «يُعوَّض اللاجئون الفلسطينيون عن حقَّهم في العودة»!
وتوصُّلاً إلى هذا الحل دعا نتانياهو عباس إلى العودة إلى طاولة المفاوضات؛ ولكن على ماذا يريد مفاوضته؟
قبل أن يفاوضه، فاوض نفسه، فتوصَّل إلى اتفاق معها على أنْ لا عودة لأيِّ لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل، وعلى بقاء القدس الموحَّدة عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، فشطرها الشرقي لن يكون أبداً جزءاً من إقليم «الدولة» الفلسطينية (منزوعة الدسم) ولن يكون من ثم عاصمة لها، وإنْ ضَمِنَ حرية العبادة فيها. واتَّفق مع نفسه، أيضاً، على أن تكون «دولتهم ـ المَكْرُمَة» منزوعة «الوحشية العسكرية والإرهابية»، فلا سلاح لديها إلاَّ سلاح الإيمان بأنَّ لها رَبَّاً يحميها، فكل همزات الوصل (البرية والجوية والبحرية) بينها وبين العالم الخارجي يجب أن تكون خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، أي أنَّ «الدولة اليهودية» يجب أن تحد «دولة» الفلسطينيين في الضفة الغربية، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. ستكون تلك الدولة على هيئة «جزيرة فلسطينية» في بحر إسرائيلي، إنْ لم تكن على هيئة «أرخبيل فلسطيني» في بحر إسرائيلي.
هذا هو «اتِّفاق المبادئ» الذي توصَّل إليه نتانياهو مع نفسه، بعد إنهائه المفاوضات معها، ومن أجل كسو هذه المبادئ لحماً دعا نتانياهو الفلسطينيين إلى «مفاوضات فورية من غير شروط مسبقة»!
وتلك هي «الدولة» التي وعد بها نتانياهو الفلسطينيين، والتي تتَّخِذ من جزء من موطن «الشعب اليهودي» إقليماً لها، بعدما أوضح لهم، وأكَّد، أنَّه لن يبرَّ بوعده قبل أن يعلن الفلسطينيون اعترافهم بدولة إسرائيل على أنَّها دولة يهودية تخصُّ فحسب «الشعب اليهودي»، ويقبلوا كل العواقب المترتِّبة على هذا الاعتراف؛ وهذا هو «السلام» الذي يدعو إليه «رَجُلٌ في إسرائيل لا يريد حرباً»!
كلمة الرياض: من سيرسم خريطة العرب القادمة!؟
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
سادت مصطلحات أمريكية موجهة للعالم، لكنها تخص الواقع العربي بما سمي «بالفوضى الخلاقة»، و«الشرق الأوسط الجديد»، وبدأت هذه الحقبة مع احتلال العراق من قبل أمريكا لتحدث أول فوضى تحت رقابة ورؤية، وتخطيط تلك القوات، والآن يدفع العراق الثمن بوضعه تحت لائحة التقسيم، وهذه المرة باتفاق أمريكي - إيراني، ومباركة من بعض عناصر الداخل..
سورية تنزف، دُمر كل شيء تطاله قوات الأسد بدعم روسي - إيراني، وصمت وتجاهل من دول الأطلسي، وحياد آسيوي عدا الصين، وانقسام بين الحكومات العربية، وترقب حذر من تركيا، ودخول مباشر مع إسرائيل في الإعلان عن أولى غاراتها، والمستقبل ضبابي، فبينما معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري يطرح فكرة الحوار الوطني مع السلطة بشروط محددة، انقسمت المعارضة ما بين مرحب ورافض، لكن هناك رغبة دولية بتمرير هذا المشروع لأنه المخرج الوحيد لما تخشاه أمريكا وحلفاؤها، وروسيا والتابعون لها في قبول هذا الحل، لكن هل لا يصاحب ذلك عمل جديد تُرسم من خلاله الخارطة السورية، ومعها العراقية بفدراليات أو شبه دول تلتقي على اتحادات تستقل بصلاحياتها وبإداراتها الذاتية، وبعاصمة مركزية تبقى مجرد منسق سياسات ومقر للوزارة والبرلمان والمحكمة العليا؟
في البلدين، العراق، وسورية، هناك ريبة من النظامين في أي تغيير يحدث على الساحة السورية، لأن الخطوط ستتقاطع، وربما المتغير السياسي قد يتبعه اختلال في الجغرافيا، وأن إسرائيل وإيران ستدخلان اللعبة في ظل غياب تام من القوى المؤثرة في المنطقة، خاصة إذا ما تم الاتفاق بين تلك القوى على رسم حدود، وإنشاء أقاليم وحكام لأجزاء من الدولتين..
ليس الأمر مدخلاً للتفاؤل والتشاؤم، لكن الصورة ليست زاهية طالما الفوضى سائدة، وليس هناك تصوّر لدولة ناجحة تستطيع أن تعبر من دكتاتوريات ما قبل الربيع العربي إلى نظم تجمع أطياف المجتمع الواحد بتوافق وطني على كل الخلافات بين الأطراف المتنازعة، والتي حتى الآن تسببت في تعقيدات اجتماعية، وتدن اقتصادي يهددها بالمجاعات وثورة فقراء يريدون العيش والأمان..
مصر لحقت بانقسام الشارع، ويبدو أن الأصابع الخارجية أخذت دورها بتحويل البلد إلى مشكل أمني وسياسي، يلحقهما تدن في المداخيل وانهيار للعملة، ومصر هدف أساسي لإضعافها، سواء بالحروب أو التشابك الداخلي لأنها مصدر القوة العربية، لكن في خضم ما يجري الكل يخشى أن تستمر الاحتجاجات والمصادمات بين الفرقاء، وأمام عجز الدولة وأجهزة الأمن قد يتحرك الجيش لضمان الأمن، وهذا يعني العودة إلى العهد السابق، بينما هناك من يرى فرصة للباب المفتوح في التفاوض والالتقاء على جامع مشترك ينقذ البلد باتفاق لا يجعل هناك ضرورة لفرض حالات حظر أو تغيير في مسار الثورة، لكن هذا مرتبط بشعور عام لأن مصر تقع على خط التماس بين القوى الكبرى، وإسرائيل لا تغيب عن المشهد، فهي لا تريدها دولة ديمقراطية تنجح في امتلاك قرارها السياسي، ولا تقبلها دولة مزدهرة اقتصادياً لأن ذلك يخل بموازين القوى، ومع كل ذلك فالآمال تبقى معقودة على خروجها من النفق وبقائها دولة قائدة..
حكم الإخوان المسلمين فى مصر
بقلم: ياسمين الرشيدي عن الشروق المصرية
رغم مرور عامين على الثورة المصرية، مازالت الثورة تشغل اهتمام مراكز الأبحاث سواء العربية أو الغربية ومازالت التساؤلات تدور حول ما تحمله من ملامح النجاح والفشل. وفى هذا السياق، يأتينا مقال لياسمين الرشيدى، المحررة فى مجلة «ثقافة وفنون الشرق الأوسط» ومؤلفة كتاب «معركة من أجل مصر» نشره موقع «ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس» بتاريخ 23 يناير، استهلت مقالها بمحاولة تحليل شخصية الرئيس المصرى محمد مرسى وفقا للمقربين منه، حيث تصفه أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بـ «البرجماتى»، وبـ «المنصت وشديد التدقيق» وفقا لآراء مستشاريه، بينما تراه المعارضة السياسية والقضاة بالاحمق وفرعون آخر لمصر، ويراه المتظاهرون بأنه دمية تحركه جماعته.
وتضيف قائلة عندما ترشح الرئيس مرسى للانتخابات الرئاسية كبديل لمرشح جماعة الاخوان المسلمين الاخر خيرت الشاطر، لم يكن لديه حضور كبير للشعب ولا رؤية واضحة لمشروع قدمه الاخوان « مشروع النهضة» معتبرينه حلا سحريا للمشاكل المزمنة التى تعانى منها البلاد، ومازالت تفاصيل هذا المشروع غامضة مرددين عبارات واهية مثل توفير الوظائف، الاسلام، الانتعاش الاقتصادى. وترى أنه بالرغم من الدعم الواسع الذى تلقاه قيادات الاخوان المسلمين مع كفاءة حملاتها لاسيما فى الانتخابات البرلمانية السابقة واكتساح نسبة كبيرة من المقاعد بيد أن افتقاد مرسى للحضور أدى الى تراجع نسبة كبيرة لهم.
ومن المفارقة، وفقا لياسمين، أن المحللين ظنوا يقينا ان فرص مرسى ضئيلة مقارنة بمرشحى الرئاسة الاخرين سواء الاسلامى المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح أو أحمد شفيق أوعمرو موسى . كما ان المجلس العسكرى الذى أدار المرحلة الانتقالية عقب سقوط نظام مبارك والذى يملك مصالح اقتصادية هائلة، أبدى عدم استعداده للتنازل عن هذه المصالح والخضوع لأى تهديد حقيقى قد يواجهه، علاوة على عداء الاسلاميين الشديد للعسكر منذ قيام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بقمع الإسلاميين عام 1965. وكان أكبر دليل على محاولة المجلس العسكرى لصد الإسلاميين هو الاعلان الدستورى قبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية.
والمثير للدهشة، وفقا لياسمين، ان مرسى وجماعته قاوموا هذه المحاولات وقاموا بالاستيلاء على السلطة التى ظلت سنين طوالا فى قبضة العسكر. ومازالت النظريات تحاول تفسير ما فعلته الجماعة. وترى ايضا ان الولايات المتحدة قررت دعم الاخوان المسلمين. وتعتقد أن المرشح الرئاسى الاخر أحمد شفيق هو الفائز فى الانتخابات الرئاسية، ولكن قامت جماعة الاخوان المسلمين بالتلويح بأن فوز شفيق سيكون مزورا. أيا كان السيناريو الذى جرى، لا يمكن التغاطى عن حقيقة أن الرئيس مرسى أقل شعبية وكفاءة.
وعندما تولى مرسى الرئاسة، أضحى التساؤل الرئيسى الذى يشغل جميع المصريين» هل يستطيع مرسى ان ينأى بنفسه عن جماعته علما انها قامت بتمويله وإرشاده ودعمه أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، أم انه يستطيع عزل نفسه عن مكتب الارشاد دون تشويهه أو حتى التخلص منه على غرار ما حدث مع منافسه الاسلامى أبو الفتوح.
وتطرقت ياسمين الى المجلس العسكرى التى ترى أنه برغم مساوئه بيد أنه أقل شرا من مرشحى الرئاسة الاخرين مرسى وشفيق. واثناء احداث العنف التى وقعت فى الاتحادية، والتى تحولت الى حرب أهلية، تمنى العديد من المصريين بحدوث تدخل عسكرى لإنقاذ البلاد.
وفى غضون الاحداث التى شهدتها مصر إبان احداث الاتحادية، تم تمرير الدستور الذى أراده الإسلاميون، وبرغم وعود مرسى بتعيين أعضاء توافقيين فى مجلس الشورى الا ان الجماعات الإسلامية حصلت على الاغلبية. ويبدو ان الشعب أصبح مسيطرا عليه مقولة « تخلصنا من حزب مبارك الوطنى لنستبدله بحزب اسلامى»، وان خطاب مرسى أمام مجلس الشورى يذكرهم بعهد الرئيس السابق مبارك.
ووفقا لياسمين، واجه الرئيس مرسى أزمات سياسية طاحنة عقب إلقاء خطابه منها استقالة نائبه، وبعض وزراء حكومته، وانهيار قيمة الجنيه المصرى، واستقالة محافظ البنك المركزى، وبرغم كل ذلك الا انه قال فى خطابه ان من يتحدث عن «الافلاس هم المفلسون»، وراحت صحف المعارضة تنتقد هذا الخطاب واصفة اياه «بمضيعة للوقت» بينما أثنت جريدة الأهرام على خطابه، والتى كانت لسان حال لنظام مبارك وباتت الآن فى سيطرة الإسلاميين.
وترى ياسمين أن مجلس الشورى بمجرد انعقاده دأب على هندسة بعض القوانين التى تعمل لصالحهم ومنهم قانون الانتخابات وتشريع قانون لتنظيم التظاهرات والاضرابات، حيث يسعى المجلس جاهدا لتعديل قوانين الانتخابات لإزالة المواد المتنازع عليها التى افضت نهاية بحل البرلمان الاسلامى .
وختاما، ترى ياسمين، كون جماعة الاخوان الاكثر تنظيما فهم يستعدون جيدا لمعركة الانتخابات البرلمانية القادمة فى الوقت الذى بدا فيه جبهة الانقاذ أقل تماسكا ووضوحا فى تعريف سياساتها أو التخطيط لها. ولا توجد اية اشارات عن ظهور العسكر فى المشهد السياسى. والأنكى أن هناك شائعات منتشرة عن نية جماعة الاخوان المسلمين إعطاء جزء كبير من سيناء للفلسطينيين وهذه الخطة متورط فيها قطر عن طريق تقديم اموال ومساعدات، لذلك ليس مدهشا أن يصدر وزير الدفاع قرارا بحظر تملك المناطق الإستراتيجية ذات الأهمية العسكرية.
مرسي.. وأشباح مبارك
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
أن تكون رئيسا لمصر بعد مبارك.. وتجلس على الكرسي الذي تمدد عليه “الريس الكبير” ثلاثين سنة.. يشبه أن تكون رئيسا لدائرة تطهير نفايات القاهرة الكبرى.. ومعنيا بالقبض على الأشباح التي تزعج الناس.. وتتآمر على الثورة.
فمهنة التعاطي مع مكبات النفايات السياسية والمالية والإدارية والقضائية والأمنية والإعلامية والثقافية التي ملأ بها “عزيز مصر” أرض مصر.. هي بكل تأكيد وظيفة غير مغرية ولا مريحة ولا آمنة صحيا.. وليست مستساغة حتى لدى الأربعين مليون مصري ممن يعيش تحت حافة الفقر.. وينامون في العشوائيات والمقابر.
فأكداس النفايات التي راكمها مبارك وعلاء وجمال وعزت وسرور وحبيب.. بنشاط ومثابرة.. وأعانتهم عليها (السي آي إي والموساد وجماعة خلفان).. كانت كافية لتملأ جغرافيا مصر بأهرامات وأشكال لا حصر لها من أبي الهول.. تنافس أهرامات “خوفوخفرع ومنقرع”.. وتتفوق عليها.. بقي أن أهرامات الفراعنة القدامى من حجر مصقول.. وغاية بنائها هي تخليد ذكرى الفرعون.. ومنحه طريقا إلى العالم الآخر.. وتوفير مصدر دخل دائم للمصريين.. من باب عناية الأجداد بالأحفاد.. أما أهرامات مبارك فمن المخلفات السامة والقذرة والملوثة.. لنظام قام على الفساد والإفساد وبيع مصر في المزاد.. وهي مخلفات تستهدف خنق رئة مصر.. وتسميم جسدها المنهك.. وتلويث عقلها المحجور عليه منذ ثلاثين سنة.. وهي بكل تأكيد مخلفات وبقايا وعوادم غير قابلة للتحلل بسرعة.. بمعنى أنها مباءة لتكاثر الأشباح.. وتناسل الخفافيش الليلية وكل أنواع الوطاويط مصاصة الدماء البشرية.
ما يحدث في مصر حاليا.. يعني شيئا واحدا.. أن أشباح مبارك.. ومن على شاكلته من المسوخ البشرية.. قد خرجت من خرائبها.. وانتشرت في مدن مصر.. تتجول حرة طليقة.. تتسلل بين المتظاهرين.. ترعب وترهب.. وتقتحم مقرات جماعة الإخوان المسلمين.. وتطلق الرصاص وتشعل الحرائق وتوزع منشورات العصيان المدني.. وتحرض المعارضة على النفخ في بوق الفوضى والتحامل على الرئيس مرسي.
ولأن الأشباح لا تموت قبل أصحابها.. فقد تعهدت المعارضة “الفلولية” على إعادة كتابة تاريخ جديد للموتى.. باستدعائهم حالا من قبورهم.. ومطالبة الشعب المصري بضرورة رد الاعتبار إليهم.. وإسكانهم ثانية في قصر الاتحادية .
في مصر ـ كما في بلدان الربيع العربي الأخرى ـ الموتى يرفضون الموت ويقاومون بشدة قرار تقييدهم في سجل الراحلين.. ويرفضون أن يدفنوا.. وقد يمزقون أكفانهم.. وإذا تمكن حفار القبور من حشر أحدهم في قبره.. حاول المقبور ثقبه والخروج منه.
ولأن أشباح “الريس” من النوع العابر للبلدان.. فإن من هؤلاء الموتى من يهاجر إلى دبي لاستخراج شهادة حياة جديدة.. وجواز سفر جديد.. بأمل العودة لأداء الواجب الوطني.. حيث مومياء الفرعون الأكبر لا تزال حية في سجن المزرعة.. تأكل وتشرب وتتكلم.. وتلعب كرة الطاولة.. وتعالج في المستشفى العسكري.. منتظرة قرار التحنيط النهائي من النائب العام.
الحرب الدائرة بين مرسي وأشباح مبارك.. لا تريد أن تبقى مصرية.. فعصابات (البلاك بلوك ـ الكتلة السوداء ـ) التي دخلت على الخط.. حاملة في جيبها (مخططا إسرائيليا يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية).. وتضع أقنعة سوداء على وجوه أعضائها.. تتحدى وزارة الداخلية أن تضبط فردا منها أو أن تعرف مكان إقامته.. فالأشباح السوداء.. كما البيضاء والحمراء.. لا تملك عنوان إقامة.. ولا بطاقة تعريف!!
وجماعة الظل التي تسمي نفسها “الإنقاذ”.. والتي تخصصت في إشعال الحرائق في ثوب الرئيس مرسي.. واتهامه بالعجز عن أداء فروض القوامة الثورية.. تحج إلى شيخ الأزهر طلبا للبركة.. قبل أن تعود إلى ميدان التحريض لمعاودة النفخ في (الغلابى).
هذه الجماعة الشبحية.. ثلاثية الأرجل والأيدي.. تعتقد أن مرسي والمرشد قد استحوذا معا على طبق الفول (المدمس).. وعلى الدجاجة الذهبية التي تركها مبارك سهوا.. وهما يجلسان الآن في “الاتحادية” يمرحان ويأكلان هنيئا مريئا.. ويملآن سلتيهما من البيض الذهبي.. بانتظار أن تهب عليهما رياح الثورة.. فيلتحقا بشفيق في دبي.. أو يجاورا مبارك في المزرعة.
خلف هذه الأشباح.. ثمة عفاريت مطلقة السراح اختارت الإقامة في نادي القضاة.. وأرواح شريرة تسكن في الفضائيات.. وهوام ليلية تستأجر أعمدة ومساحات في الصحف المكتوبة والإلكترونية…. و”دابراكا” تتولى إعداد وصفات السحر الأسود.. بعد أن خانتها طلاسم الصندوق الانتخابي.
وأمام الأرتال المتحركة من الأشباح التي ترى ولا ترى (بضم الياء).. كان الله في عون الدكتور مرسي.. الذي ساقته أقدار الثورة المصرية إلى هذا المكان.. وأجلسته على هذا الكرسي الشائك المتقلب.. ووضعت في يده مكنسة مصر.. ليتحمل تبعة تطهير أضخم مكب نفايات عرفته أم الدنيا.. ومقارعة أضخم جيش من الأشباح في العالم.
خيانة الإخوان العظمى
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
لماذا يصر بعض مشبوهي الاخوان المسلمين على أن ليس لحزبهم في الكويت علاقة باخوان مصر أو بالتنظيم العالمي؟ لماذا هذا الانكار والاصرار، على مدى أكثر من 20 عاما، على عدم وجود صلة تنظيمية أو مادية بينهم؟ وكيف ارتضوا قطع علاقة تعود جذورها لأربعينات القرن الماضي بكل هذه السهولة؟ لا بد ان أمرا جللا قد حدث بحيث دفع اخوان الكويت لانكار وجود اي علاقة لهم بالتنظيم العالمي، شيء بحجم الخيانة العظمى دفعهم لكل هذا الرفض والتمنع والتواري خلف تسميات ومسميات!
والحقيقة أن في الأمر خيانة وموقفاً مخزياً يبلغ درجة الحقارة، ففي عز كارثة احتلال صدام حسين، البعثي المجرم، للكويت عام 1990وقفت كل فصائل الاخوان في صف صدام، وضد رغبة القوى الغربية الحرة في تحريرها. وكان بين هؤلاء بالطبع اخوان الكويت، وأسماء الذين شارك منهم في مؤتمر لاهور، باكستان، الذي عقد لنصرة صدام، معروفة، كما وضع البعض منهم توقيعاتهم الكريهة على البيان الختامي للمؤتمر الذي أدان محاولات الولايات المتحدة الاميركية، والقوى الغربية، والأمم المتحدة، طرد الجيش العراقي من.. وطنهم الكويت! وكان لمأمون الهضيبي، مرشد الاخوان حينها، دور محوري في توحيد مواقف جميع الفصائل، ومنهم اخوان الكويت ضد تحرير الكويت! كما كان لاخوان الكويت موقف خسيس ومخجل آخر عندما توجه وفد منهم الى الولايات المتحدة، خلال فترة الاحتلال، واجتمع بكبار مسؤولي وزارة الخارجية الاميركية، وعبروا لهم عن رفضهم لتدخل اميركا في عملية تحرير... وطنهم الكويت! وكانوا على علم تام بأن لا قوة في العالم بغير دعم الولايات المتحدة الكبير، بامكانها تحرير.. وطنهم الكويت من قبضة مجرم أفاق كصدام! ولو كان الاحتلال العراقي في حينه امرا مشرفا أو كان تاريخ صدام نظيفا، او كان هناك ولو بصيص أمل في أن تتحرر الكويت بغير قتال، لوجدنا لكل هؤلاء «الخونة» عذرا، لمواقفهم.. ولكن!!
وبالتالي من المخجل ان يعود أولئك أنفسهم، الذين وقفوا ضد قيام اميركا بتحرير.. وطنهم الكويت، والذين سبق أن أنكروا علاقة تنظيمهم المحلي بالتنظيم العالمي، وباخوان مصر، ليهللوا ويطبلوا لوصول من باعوا وطنهم لحكم مصر والتحكم برقاب شعبها، من خلال انتخابات لم يحصلوا فيها، بكل ما شابها من شبهة وتلاعب، الا على %42 من الاصوات، وهي نسبة لا يحلمون اليوم بالحصول على نصفها، بعد ان انكشفت اقنعتهم وبان زيفهم!
ان الدماء التي سالت ولا تزال تسيل يوميا في شوارع مصر، هم مسؤولون عنها، وحكمهم لمصر فاشل وساقط حتما، ولن ينجحوا في حكم شعب أسقط طاغية أكبر في أقل من شهر، فالنهاية آتية لا ريب في ذلك، وهي مصير كل من يعتقد انه، وحزبه، على حق، والآخرين جميعا لا أهمية لهم!
وبـدأ مشروعهـم فـي التراجـع والانكسـار
بقلم: النفطي حولة عن الشروق التونسية
ما زالت الأمة العربية تتعرض الى تحديات خطيرة لعل أخطرها على الاطلاق منذ مرحلتي الاستعمار المباشر وغير المباشر التي انتهت بالاستيطان الصهيوني في فلسطين المحتلة لفصل المغرب العربي عن مشرقه ولمنع كل محاولة للنهوض بالأمة تحررا ووحدة وتقدما .
ولقد بدأت هذه المرحلة الأخطر تحديدا مع التحرش بالعراق البوابة الشرقية للأمة منذ بداية التسعينات والتي انتهت بغزوه في بداية الألفية الجديدة تحت مسميات مختلفة وعناوين شتى تارة باسم البحث عن أسلحة الدمار الشامل وطورا تحت اسم «مساندة الشعب العراقي للإطاحة بالدكتاتورية» و«نشر قيم الديمقراطية وحقوق الانسان» وطورا آخر تحت اسم «تحرير العراق» وتارة أخرى تحت اسم محاربة الارهاب «الاسلامي» لتنظيم القاعدة الذراع والأداة التي أشرفت على تأسيسها وصنعها المخابرات الأمريكية والصهيونية منذ الثمانينات تحت اسم الجهاد في أفغانستان أو الأفغان العرب.
وتجدر الاشارة الى أنه وقع هذا كله في ظل اختلال التوازن الدولي بعد انفراد الامبراطورية الأمريكية بالقرار العالمي في سياق هيمنة الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي العالمي و تدشين مرحلة العولمة المعسكرة على اثر صعود اليمين الديني المتطرف من المسيحيين المتصهينين بزعامة بوش الأب الذي رفع شعار «من ليس معنا فهو ضدنا » وشعار « الفوضى الخلاقة أو البناءة » لإعادة تشكيل خارطة الوطن العربي وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير أو مشروع الشرق الأوسط الجديد .
فلا غرابة والحالة تلك أن يقع استغلال غضب الشعب العربي في انتفاضته المشروعة على الفساد والاستبداد بدءا من تونس الى ليبيا الى اليمن الى مصر الى سوريا وتحويلها الى مصلحة القوى العظمى طالما أن لديها مشاريعها الاستعمارية الجاهزة للتنفيذ من جهة وأن لديها عملاءها وأدواتها ودماها في مشايخ النفط بقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا أردوغان ومن جهة أخرى ينتظرون الأوامر خلف باب البنتاغون والبيت الأبيض للشروع في التنفيذ عبر أداتيهما الرئيسيتين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين والحركة السلفية الوهابية التكفيرية والذين لاهم لهم ولا غاية غير الانقضاض على السلطة والتفرد بالحكم باسم «ثورات الربيع العربي» مستغلين في ذلك المطالب المشروعة والعادلة لشعبنا العربي الذي عانى طيلة عقود من القهر والظلم الاجتماعي و من الاضطهاد السياسي .
لكن بفضل عزيمة القيادة الوطنية الشرعية في سوريا وحكمتها وتبصرها وصبرها وبفضل صمود الجيش العربي السوري حامي حمى الوطن والديار وعلى رأسهم الشعب العربي السوري الذي احتضن القيادة السياسية والجيش الوطني كانت مواقف روسيا والصين ومجموعة دول البراكس الداعمة لسوريا تبرهن على أن قطبا جديدا في العالم بدأ يتشكل لاسترجاع التوازن الدولي حماية لحقوق الأمم والشعوب من جهة وحماية لمصالحها الدولية من جهة أخرى .
وهكذا بدأنا نشهد تعثر المشروع الصهيو أمريكي المشروع الظلامي التكفيري القطري السعودي التركي في سوريا المدعوم من طرف الادارة الفرنسية والبريطانية والذي خرج من عباءة شيخ الفتنة يوسف القرضاوي وبدأ مشروعهم هذا في التراجع والانكسارعلى ضربات المقاومة الباسلة للجيش العربي السوري وأغلب فئات الشعب والقوى الوطنية في الأحزاب والجمعيات . وقد ظهر فعلا زيفهم وانكشفت أباطيلهم للقاصي والداني وبدأ كل مواطن عربي يتساءل بمحض ارادته فيحدث نفسه قائلا :متى كانتا كل من قطر والسعودية ديمقراطيتين حتى تسعيان الى مصلحة الشعب في الديمقراطية ؟ ومتى كانت أمريكا صديقة الشعوب حتى تحقق لها حلمها في الديمقراطية ونشر ثقافة حقوق الانسان ؟ فهل أن التسليح والتجييش بالمال والعتاد وبأخطر أنواع الأسلحة و وسائل الاتصال التي تشرف عليها أمريكا والغرب هو من سيجلب الديمقراطية للشعب العربي السوري؟
فهل ان تدمير المنشآت العامة والخاصة وحرق الدواء والغذاء وحليب الأطفال الرضع هو مجلبة للحرية والديمقراطية ؟ وهل أن القتل والذبح وتشريد الأهالي وقصف المتساكنين وهم آمنون يدخل في باب الاصلاح والتغيير الديمقراطي؟ هل من الديمقراطية أن تحصد أرواح الأبرياء من الطلبة الذين بلغ عددهم أكثر من ثمانين شهيدا وهم يجتازون الامتحان وتدك حصون المعرفة بجامعة حلب الشهباء ؟ هل من الديمقراطية أن يقع تفجير حي سكني مكتظ بالسكان المدنيين بمدينة السلمية بحلب الشهداء؟
وها أن الشعب العربي السوري بدأ يلملم جراحه وينظم صفوفه في شكل لجان شعبية مدنية وأهلية للمضي قدما في الخروج من الأزمة الراهنة بالحوار ولا حل غير الحوار السياسي كخيار لا بديل عنه بعيدا عن لغة السلاح وأصوات فوهات البنادق وأزيز الرصاص مستلهما مبادرة السيد الرئيس بشار الأسد كمبادرة وطنية جامعة لكل أبناء الوطن المخلصين من أجل بناء سوريا الجديدة والمتجددة كأنموذج في الاصلاح الديمقراطي والمحافظة على استقلالية القرار الوطني والسيادة الوطنية .