-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 313
اقلام واراء عربي 313
4/2/2013
فلسطين: غابت أم غيبت في الثورات العربية؟
بقلم: مضاوي الرشيد عن القدس العربي
نقرأ في التحليلات التي تواكب تطورات الساحة العربية منذ عامين خطابا يحاول اقناعنا ان قضية فلسطين وتشعباتها واخفاق الحلول لحلها والتعاطي مع تبعياتها قد اختفت من اهتمامات الشارع العربي الذي انصرف بفصائله الشعبية ومؤسساته غير الرسمية واحزابه المتنوعة بالاضافة الى نظامه الرسمي المتآكل والمتهلهل في مؤسساته سوى القمعية الى متابعة الثورات والتعاطي معها اما بالتشجيع والاستبشار بمرحلة جديدة او بالقمع والثورات المضادة على حساب القضية التي شغلت الوجدان العربي لاكثر من نصف قرن. وتستشهد هذه التحليلات بشعارات الثورات وحراكها الذي تمحور حول مطالب تتضمن الحرية والكرامة والعدالة بالاضافة الى الاوضاع الاقتصادية المتدهورة التي شهدتها المنطقة وتراكمت تبعياتها بعيدا عن حلول جوهرية تفكك الرابط القوي بين الحكم الاستبدادي ومصالحه الاقتصادية الضيقة التي جاءت على حساب تنمية بشرية وعدالة اجتماعية.
ويحاول البعض اقناعنا ان هذه الاوضاع المزرية وحدها حركت الشارع العربي ليطلب حلا لمأزقه المنحصر في بلد واحد واقتصاد واحد وحكم تسلطي واحد على حساب اهتمامه بالقضية الاولى التي كان يدافع عنها حيث لم تكن فلسطين يوما ما قضية فلسطينية بحتة حدودها من البحر الى النهر فقد تعربت قضية فلسطين منذ ايامها الاولى الى ان تمت 'اسلمتها' لتصبح قضية اسلامية ينخرط في الدفاع عنها طيف كبير من دول الجوار الاسلامي وابعد من ذلك بكثير. بل هي مع مرور الزمن اصبحت قضية اممية تتمركز كمحور عالمي في المنابر الاممية وتحتضنها مؤسسات المجتمع المدني العالمي من امريكا مرورا بأوروبا وافريقيا وآسيا.
وان كانت القضية الفلسطينية لم ترفع كشعار عربي يتمظهر في حراك الثورات العربية كدليل على انهماك الشارع العربي بقضاياه المحلية بعيدا عن شعارات الحقبات السابقة الا ان مثل هذه التحليلات تبقى قاصرة على فهم مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي ووعيه السياسي بل نكاد نجزم ان هذه القضية وحدها هي من سيس ما يسمى بالشارع العربي منذ بداية تقسيمه الى دويلات ورغم استثمار المشروع الاستبدادي العربي للقضية الاولى وتسلقه على ازمتها بالشعار والمال الا ان هذا الشارع رغم همومه المحلية ومأزقه السياسي الاقتصادي كان قد استلهم معنى النضال والمقاومة من القضية الاولى التي كانت درسا واقعيا شاهده عن قرب وعن بعد وكم مناضل سياسي في بلده اطلع على حقبات النضال الفلسطيني بل تمرن في مخيماته الفكرية والسياسية وحتى العسكرية.
ورغم ان هذا الجيل قد يكون في مرحلة الانقراض التدريجي الا ان شباب الثورات العربية الجديد لم يكن معزولا عن الذاكرة العربية الجمعية لحقباته المتتالية فأرشيف الذاكرة لم تستطع الانظمة العربية القمعية ان تستأصله من المخيلة او الوجدان رغم محاولات هذه الانظمة بعد فترة احتلال الكويت من قبل صدام حسين عام 1990 واستنجاد الانظمة العربية بشعارات الوطن اولا والتي اشتدت بعد احداث 11 سبتمبر 2001 حيث شعرت انظمة مثل السعودية ودول الخليج وغيرها كالاردن بخطورة غياب الخطاب الوطني الذي لم يتطور حتى يندثر تحت شحن المجتمعات بخطابات الاممية الاسلامية او القومية العربية السابقة. فظنت هذه الانظمة ان الاممية الاسلامية والقومية العربية قد يجيشان الشارع العربي على حساب الالتفات الى الاوطان وان كانت هذه السياسة سياسة رسمية استغلتها دول كالسعودية في الحالة الاسلامية واخرى كمصر في مرحلة القومية وكذلك سوريا والعراق الا ان الجيل السابق كان له التصور المغاير لزيف الشعارات العربية الرسمية التي لم يقتنع بها لفترة طويلة حيث تعلم قواعد اللعبة السياسية بعد ان انكشفت خفاياها وانفضحت شعاراتها الوهمية رغم كل الاموال التي صرفت اعلاميا لتضليل هذا الشارع واستيعاب عواطفه تجاه القضية الفلسطينية.
ويبدو ان الشارع العربي الذي ثار منذ عام 2010 قد فضل ان لا يحمل شعارا وهميا قد تم استغلاله بشكل مفضوح على مدى عقود طويلة لكن هذا لا يعني بالضرورة غياب فلسطين كخلفية تلهم الشارع في نضاله الذي انبثق خلال عامين وان حاول بعض المحللين ان يحدد نقطة الالهام لهذا الشارع ويحصرها في امثلة يطرحها كبداية لمشروع الثورة السلمية كاستدعاء التحرك البرتقالي في لبنان ضد الهيمنة السورية وقبله الحراك الاخضر في ايران الا ان هؤلاء ينسون تجربة اطفال الحجارة في فلسطين خلال انتفاضاتها التي سبقت اي حراك عربي او في دول الجوار قاوم سلميا منذ الثمانيات وينسى هؤلاء الدروس القيمة التي استمدوها من متابعة هذه الانتفاضات التي واجهت الرصاص والقتل والاعتقال ناهيك عن استمرارية الاحتلال والقتل بالطائرات خلال فترة 2000 ـ 2012 في الضفة وغزة.
فالحراك العربي السلمي الحالي ما هو الا امتداد للحقبة الفلسطينية التي بدأت بالانتفاضات السلمية وجاءت بأبجديات جديدة تمركزت في الخيال العربي قبل عصر ما يسمى زورا بثورات الفيس بوك وتويتر التي تنزع عن العربي قوة حراكه الواقعي وتحصره في تكنولوجيا جديدة مستوردة تبقى محدودة رغم قدرتها على التواصل والحوار في ظل انظمة قمعية تقنن حتى الهواء الذي يستنشقه العربي كل صباح ومساء.
فقد رفض الشارع العربي أن يتقمص شخصية نظامه ويرفع شعار فلسطين لمجرد الاستهلاك الاعلامي تماما كما فعلت انظمته خلال العقود الماضي ولكن هذا لا يعني تخلي هذا الشارع عن القضية الاولى والتي قد يعتبر حلها الوحيد في اقتلاع انظمة الاستبداد اولا من جذورها حيث ظلت هذه الانظمة مطية لتمرير مشاريع خارجية على حساب القضية فكانت سندا لمشروع عدم حل هذه القضية وتمييعها تارة على منابر المؤتمرات العربية ومبادراتها العقيمة وتارة في المحافل الدولية وتارة اخرى في الخفاء والسر الذي اصبح الآن سرا معلنا فأحكمت هذه الانظمة قبضتها على اي عمل يعتبر نصرة للقضية وحرمت على شعوبها العمل المستقيل الذي لا تريده ان يخرج من تحت عباءتها بل اججت الصراع بين الاطراف الفلسطينية لتعود وتقنع شعوبها انها تسعى خلف مبادرات الصلح وتوحيد الصف ولم تعد تنطلي مثل هذه الدعاية الفجة على الشارع الذي بوعيه استطاع ان يكشف زيف مثل هذه المبادرات والمؤتمرات السنوية.
وقد اكتشفت هذا الوعي خلال زيارات لمصر وتونس والمغرب خلال شهر واحد حيث ظهر بوضوح محورية القضية الفلسطينية في حوارات بعض النخب والشارع الكبير ليس فقط كقضية جمعية لكل العرب بل كقضية الهام حركت الكثيرين بمأساتها واستراتيجية تلك الشريحة القابعة تحت الاحتلال حيث صور البعض المشهد الفلسطيني بمأساته وكأنه صورة محلية رغم اختلاف اللاعبين على الساحة وقارن هؤلاء بين خروجهم السلمي احتجاجا على القمع السياسي والحصار الاقتصادي وخروج الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي على معادلات الاستيطان والتشريد والتهميش الاقتصادي والتجويع الممنهج ناهيك عن الاعتقالات التعسفية والسجون التي تحتضن الناشطين دون محاكمات عادلة.
وحسنا فعل الشارع العربي عندما رفض شعار فلسطين علنا حتى لا يتقمص شخصية ذلك الحاكم المتشدق به اعلاميا ومن ثم فرض على القيادة الجديدة والمجتمع لغة جديدة فنهضت مصر لترفض اصطياد افراد الجيش المصري في سيناء ودفعت اسرائيل ثمنا باهظا بتقلص مساحات عملها في اكبر عاصمة عربية. وخرج البعض متهما قيادة مصر الجديدة بانها امتداد للسابقة في ما يخص موضوع فلسطين واخطأ هؤلاء ورغم معطيات السياسة الجديدة المفروضة على مصر لن يستطيع الحكم الجديد مهما كانت اطيافه والوانه الفكرية والسياسية ان يعود ليجتر الخطاب السابق ويتماهى في تحوله الى سند لدولة لا تزال تنتهك ابسط حقوق الانسان في المساحة الفلسطينية.
ورغم ان الشارع العربي في مناطق ما بعد الثورات لا يزال منهكا اقتصاديا الا انه لم يكن بمعزل ولن يتحول الى منعزل عن القضية الفلسطينية والتي هي قضية يراها عن قرب في شوارع عربية ومخيمات لا تزال قائمة على الارض العربية يعيش فيها مئات الآلاف من الفلسطينيين المهجرين من وطنهم. فالقضية الفلسطينية مرتبطة بالشعوب العربية كحالة مرئية يعتاشها العرب يوميا في الرباط وتونس والقاهرة ودمشق وبيروت ناهيك عن كونها مأساة بشرية لا تزال قائمة. وستظل هذه القضية الفلسطينية المعلم الاول لجيل عربي حالي وقادم وان لم يرفع شعارها كما رفعته انظمة الزيف العربي المنقرضة والقادمة على الانقراض بعون الوعي الجديد والمعاناة الحالية. وان غيبت التحليلات فلسطين عن الثورات العربية الا انها لا تزال حية في الوجدان العربي.
رسالة الرسم الكاريكاتيري: الانتخابات الإسرائيلية.. هل يستمر تعزيز السلام؟
بقلم: عطاء الله مهجراني عن الشرق الأوسط
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، مثلما يقال، الملك نتنياهو، لا يزال يتصدر الأخبار. إنه أشبه بطعام غريب أو سمك قاروص إذا شئت، ولكنه مليء بأشواك سامة. إذا اتفقنا مع ألكسيس دي توكفيل على أن التاريخ عبارة عن معرض صور قليل منها أصلي وكثير منها مقلد، فسيكون نتنياهو هو النسخة المقلدة لآرييل شارون، على الرغم من أن ذلك غريب لأن شارون لا يزال على قيد الحياة.
قبل عامين، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، حينما كان ساركوزي وأوباما يتحدثان في غرفة خاصة في مجموعة العشرين، أخبر ساركوزي أوباما بأنه لا يروق له نتنياهو، قائلا: «لا يمكنني تحمله. إنه كاذب». ورد أوباما: «إنك قد ضقت ذرعا به، لكن يتعين عليّ التعامل معه كل يوم!».
بالرجوع إلى تلك الفترة، نجد أنه لم يقل أحد إن أوباما وساركوزي معاديان للسامية. مؤخرا، نشرت صحيفة «صنداي تايمز» المرموقة في المملكة المتحدة، رسما كاريكاتيريا للفنان غيرالد سكارف في يوم ذكرى الهولوكوست نهاية الأسبوع الماضي. كانت تلك بداية عاصفة من الانتقادات ضد الصحيفة وأشهر رسامي الكاريكاتير فيها. لقد وصف رئيس جمعية الكاريكاتير السياسي الضجة المحيطة بالرسم الكاريكاتيري الذي اتهم بأنه معاد للسامية بأنها مجرد «زوبعة في فنجان». لكن يجب أن نضع في الحسبان أن تيم بنسون شخصية يهودية شهيرة. إضافة إلى ذلك، قال ستيف بيل، رسام الكاريكاتير في صحيفة «الغارديان»: «لم يكن هذا رسما كاريكاتيريا سيئا. وتكمن المشكلة المتعلقة بدولة إسرائيل واللوبي الصهيوني في أنهما لا يعترفون مطلقا بجريمة التطهير العرقي التي قامت عليها الدولة».
دعوني أعرض لكم مثالا شهيرا آخر. في عام 2003، اتهم بنسون بكونه «نازيا وفاشيا يمينيا متطرفا»، حينما منحت جمعية الكاريكاتير السياسي رسما كاريكاتيريا مستقلا مثيرا للجدل، يصور القائد الإسرائيلي آرييل شارون يأكل طفلا رضيعا، لقب أفضل رسم كاريكاتيري سياسي للعام. كذلك، رسم ديف براون كاريكاتيرا، ونال عنه جائزة أفضل رسم كاريكاتيري سياسي لعام 2003. وقال تيم بنسون إنه أصبح يتلقى أكثر من 400 رسالة بريد إلكتروني غاضبة يوميا وتم تحطيم نافذة مكتبه منذ أن تم الإعلان عن الجائزة.
على الجانب الآخر، لم يشر كبير حاخامات المملكة المتحدة إلى رسام الكاريكاتير بوصفه معاديا للسامية. وقد حذر من مخاطر الصور «المحرضة» مثل الرسم الكاريكاتيري لغيرالد سكارف المنشور بصحيفة «صنداي تايمز» عن نتنياهو.
لم يذهب لورد ساكس بعيدا إلى حد وصف الرسم الكاريكاتيري لسكارف بأنه معاد للسامية. يصور الرسم الكاريكاتيري القائد الإسرائيلي وهو يبني جدارا تتخلله جثث فلسطينيين باستخدام إسمنت ممزوج بالدم. وأشار إليه البعض باعتباره يذكر بالمذابح التي ارتكبت ضد اليهود.. غير أن كبير الحاخامات أشار إلى أن خطر نشر هذا النوع من الرسوم الكاريكاتيرية في يوم ذكرى مذبحة الهولوكوست في صحيفة قومية مرموقة هو أن مثل تلك الصور «ترسخ لصورة تشويهية لليهود في وقتنا الراهن وهي أن اليهود، ضحايا مذبحة الهولوكوست، يعتبرون الآن مذنبين بجريمة مماثلة».
في هذا المقال، أود التركيز على آخر جملة للورد ساكس. أولا، أعتقد أن علينا التمييز بين اليهودية والساسة اليهود أمثال نتنياهو وشارون، تماما مثلما نرفض مزاعم أعضاء تنظيم القاعدة بأنهم يمثلون الإسلام الحقيقي ونفصلهم عن الإسلام الحق. ثانيا، يجب أن نفرق بين الدولة والكنيسة، بين المعبد اليهودي والمسجد.
دعوني أعرض لكم مثالا آخر، نحن نعلم جميعا أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، لقد قيل إن إسرائيل لديها أكثر من 400 رأس حربي نووي.
هل صنعت تلك الرؤوس الحربية اعتمادا على اليهودية؟ هل إذا وجه شخص ما انتقادات لإسرائيل على قدراتها النووية يعني هذا أنه معاد للسامية؟
قبل عامين، عندما نشر غونتر غراس (الحائز جائزة نوبل) قصيدته، اتهم بأنه شخصية نازية ومعادية للسامية. ما الذي قاله في قصيدته وجعله يتعرض لكل هذا الاتهام؟ انتقد فقط الصمت الهائل في ما يتعلق بالأسلحة النووية الإسرائيلية.
الآن، لنعد إلى رؤية لورد ساكس، فهو يحذر رسام الكاريكاتير والصحيفة، بقوله إن تلك الصور «ترسخ صورة تشويهية لليهود في وقتنا الراهن».
يقول لورد ساكس، الذي يشرح آراءه بذكاء في روايته «الثلاثية الليلية»: «معاناة البشرية في أي مكان تقلق الرجال والنساء في كل مكان».
ولهذا، تشكل معاناة الفلسطينيين أهمية بالنسبة له. في روايته، يوجد فصل بارع يروي حكاية ضابط إسرائيلي أمر بقتل فلسطيني ألقى الإسرائيليون القبض عليه.
كان الضابط ضحية لمخيم جماعي في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية. يتمحور حوار الضابط مع ذاته حول ما إذا كان عليه أن يقتل نفسه أم لا. يصف الفصل تغيير الهوية ويبعث برسالة قوية جدا مفادها أن كل ضحية لديها القدرة على أن تتخذ شخصية قاتل ومنفذ عمليات تعذيب.
لا يمكننا إنكار الوعي الطبيعي للبشر. من الواضح أنه بناء على خطة إسرائيل، لا توجد مساحة للفلسطينيين للعيش في فلسطين. لقد أصبح إلقاء القبض عليهم وحبسهم لفترة طويلة ومشاهدتهم تدمير منازلهم وحقولهم حقيقة أساسية في حياتهم.
ثمة تساؤل غاية في الأهمية يطرح نفسه هنا، ألا وهو: أين وطن الفلسطينيين في أرضهم؟ بغض النظر عن يوم ذكرى الهولوكوست، فمع نشر هذا الرسم الكاريكاتيري في صحيفة «صنداي تايمز»، أعتقد أنه ستتعزز استراتيجية نتنياهو - احتلال الإسرائيليين الوطن بأكمله - من قبل الأحزاب الجديدة في إسرائيل. وهذه هي المشكلة المحورية، وليس نشر رسم سكارف الكاريكاتيري في صحيفة! وتتمثل النقطة الثانية المهمة التي يجب أن نضعها في الحسبان في أن علينا التمييز بين اليهودية ودولة إسرائيل، تماما كما نميز منطقيا بين تنظيم القاعدة والقيم الإسلامية.
إسرائيل فوق القانون
بقلم: أنس زاهد عن المدينة السعودية
في خطوة غير مستغربة بل ومتسقة تماما مع تاريخها في التعامل مع الهيئات الدولية المختلفة، قاطعت دولة الكيان الصهيوني الاجتماع الأخير الذي دعا لانعقاده مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهددت بالانسحاب من المجلس نهائياً ما لم تتوقف هيئة الأمم عن ( الانحياز ) الذي تمارسه ضد إسرائيل!
الأزمة تفجرت بين الطرفين، مجلس حقوق الإنسان من جهة والكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، عندما قرر المجلس إجراء تحقيقات حول المستوطنات الإسرائيلية التي يمثل وجودها تحدياً خطيراً لقرارات الأمم المتحدة ولمبادئ القانون الدولي.
التصرف الصهيوني الأخير لم يكن إلا امتداداً لتاريخ طويل من الصلف والخروج على الشرعية والمواثيق الدولية الذي تميزت به سياسات هذه الدولة العنصرية التي ما زال بعض الكتاب من بني جلدتنا، يعمل بدأب على تلميع صورتها، من خلال مقارنة ممارساتها بممارسات بعض الأنظمة القمعية في الوطن العربي.
إن دولة إسرائيل القائمة على العنصرية والاستيطان، هي في حقيقتها مجرد كيان خارج على القانون مكون من اللصوص والقتلة وقطاع الطرق. وكيان بهذه المواصفات لا يمكن أن يحترم قيم العدالة أو مقررات القانون طالما أنه يحظى بحماية تصل حد الحصانة، من قبل أكبر وأقوى وأغنى دول العالم.
القضية هنا ليست قضية نظام سياسي يمشي عكس التيار ولا يلتزم بالكتابة فوق السطر.. القضية هي قضية كيان مصطنع قائم على شرعية القوة وحدها، معتمداً في ذلك على دعم لا محدود من قبل الدولة التي تشهر سيف حقوق الإنسان في وجه الدول التي لا تروق لها، في حين تسمح لخادمتها المخلصة إسرائيل، بخرق كل ما له علاقة بالقانون الدولي والمقررات والمواثيق الأممية ومبادئ حقوق الإنسان.
هذه الحالة من الازدواجية والنفاق، حيث يتم تصنيف المقاومين للاحتلال ضمن خانة الإرهاب، في حين يتم السكوت عن انسحاب الحليف الأكبر والابنة المدللة لقائدة ما يسمى بالمجتمع الدولي من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دون أن يقابل ذلك ولو بإدانة شفهية.. هذه الحالة هي التي توفر الأرضية والمناخ الملائمين لظهور التطرف والكراهية والإرهاب... لن تنصلح أحوال العالم طالما بقيت إسرائيل جزءا منه.
فيلم أيالون
بقلم: جواد البشيتي عن العرب اليوم الأردنية
وزارة الخارجية الإسرائيلية أنتجت فيلماً، فيه تَظْهَر قبة الصخرة وهي تختفي، ويبرز الهيكل في مكانها، مع عودة التاريخ إلى ما قبل الميلاد، تأكيداً للصِّلة اليهودية القديمة بالقدس؛ وكان نجم هذا الفيلم نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني أيالون.
ومن قبل، برز نتنياهو، أو أبرز نفسه، في هيئة "رجل الحقيقة"، السادن لها، والمتحدِّث باسمها، إذ وصف الصراع الذي تخوضه إسرائيل من أجل تهويد القدس الشرقية بأنَّه "صراع من أجل الحقيقة"، أي من أجل إظهارها، وانتصاراً لها. ولقد ذكَّرني تعصُّب نتنياهو، وغيره من ممثِّلي "التلمودية السياسية"، لـ "الحقيقة" بكيسينجر الذي قال إنَّ ما "يبدو أنَّه حقيقة"، وليس "الحقيقة"، هو ما يستأثر باهتمامه! وإنصافاً للحقيقة أقول إنَّ الإسرائيليين واليهود على وجه العموم يؤمنون بأنَّ "حقيقة" القدس موجودة في "التوراة"، التي، على ما أحسب وأعتقد، موجودة فحسب في خارج عالم الحقيقة.
إنَّهم، من ثمَّ، لا يكترثون لـ "الحقيقة"، وإنَّما لِمَا يبدو لهم أنَّه حقيقة؛ وليس يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؛ وإنَّ الإنسان الذي استبدت به الأوهام التلمودية هو من جنس أولئك الذين يجادلون، طالبين دليلاً على وجود النهار!
اسْألْ كل يهودي ضيِّق الأُفق، ومؤلِّف كتاب "مكان تحت الشمس"، أي نتنياهو، "لِمَنْ القدس؟"، فيجيبكَ على البديهة قائلاً "إنَّها للشعب اليهودي؛ وإنَّها له، عاصمةً، منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة"؛ ثمَّ اسْألْهُ عن الدليل والبرهان، فيأخذكَ إلى "العهد القديم"، الذي فيه ذُكِر "صهيون"، أي الاسم العبري للقدس، بحسب زعمه، 850 مرَّة؛ وكفى الله ممثِّلي أوهام "العهد القديم" شرَّ التاريخ، عِلْماً وحقائق، وشرَّ العقل والمنطق، فإنَّ هؤلاء الذين لا يستطيعون العيش في أيِّ مكان تحت الشمس يتَّخِذون مِمَّا هو في حاجة إلى إثبات (أي مزاعم "التوراة") دليل إثبات! ما الفرق النوعي بين "مخلوقات الوهم" و"رجال الحقيقة"؟
"مخلوقات الوهم"، كمثل "الشعب التلمودي"، يسعون دائماً في تزوير حقائق الواقع والتاريخ حتى تبدو متوافقة مع أوهامهم الفكرية والدينية، وكأنَّ "الحقيقة" هي كل ما يقيم الدليل على صدق ما تضمَّنه "العهد القديم"؛ أمَّا "رجال الحقيقة" فيحرصون كل الحرص على تطوير أفكارهم ومعتقداتهم بما يجعلها أكثر توافقاً مع الواقع وحقائقه.
القدس (أو التي يسمُّونها "صهيون") لهم؛ لأنَّ فلسطين لهم؛ وفلسطين لهم؛ لأنَّها "أرض الميعاد"؛ ولكن ما هي هذه التي يسمُّونها "أرض الميعاد"؟ إنَّها في منزلة "أرومة شجرة أوهامهم الدينية"، فالرَّب، الذي اخترعوه على مثال اليهودي القديم، خاطب زعيمهم القبلي، قائلاً: "لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصريم (نهر مصر، أي النيل) إلى نهر فرت (نهر الفرات)". أيُّها الإنسان، الْغِ عقلكَ حتى يسهل عليك أن تُصدِّق أنَّ أرضاً بهذا الاتِّساع (من النيل إلى الفرات) تُعْطى لِجَمْعٍ من عشائر، يمكن أن تستوعبهم قرية واحدة!
أعطاهم أرضاً؛ وكأنَّه يوزِّع الأراضي والأوطان؛ وأعطاهم إيَّاها وهي التي، بشهادة التاريخ، كانت تخصُّ غيرهم، ولم تكن، من ثمَّ، موطناً لهم من قبل هذا "الوعد الرَّباني" الخرافي!
ومن هذه الخرافة، التي لا يؤمِن بها على أنَّها حقيقة إلاَّ إنسان القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد، استمدُّوا شرعيةً لجعل فلسطين (التي كانت أرضاً تخصُّ العرب) دولةً قومية لجماعة بشرية، تنتمي بالدين فحسب إلى جماعة بشرية بادت عِرْقاً منذ آلاف السنين، وكأنَّ الحقوق القومية تبقى ولو باد أصحابها من الشعوب!
إنَّ الشجرة تنحني فروعها إذا ما كانت مليئة بالثمار؛ وتلك هي كانت حال شجرة حضارة مصر القديمة، التي جعلت بني إسرائيل يدخلون التاريخ بصفة كونهم حُسَّاداً لها.
وهؤلاء كانت شجرتهم (وظلَّت) بفروع لا ثمار تتدلَّى منها، فلبسوا الغرور، وهل للصفر (حضارياً) من لبوس يلبسه غير الغرور؟!
كانوا قوماً رُحَّل، لا يملكون إلاَّ الخيام والمواشي، يجوبون الأرض (أرض أمم الحضارات القديمة) بحثاً عن العشب والكلأ، فكيف لهم أن يبتنوا معبداً كالكرنك، أو يصنعوا تمثالاً كتمثال رمسيس؟! عن اضطِّرار، وليس في الاضطِّرار فضيلة، حادوا عن وثنية المصريين والإغريق، متوفِّرين على جَمْع أساطير كثيرة، أبدعها غيرهم، في كتاب واحد، هو "التناخ"، الذي صوَّروه على أنَّه "المأثرة الكبرى" التي جاءوا بها إلى العالم، والتي، نسبةً إليها، تَصْغُر حجماً، وتتضاءل وزناً، أهرام خوفو وخفرع ومنقرع!
وها هو ممثِّل الأوهام التلمودية يخاطب بشر القرن الحادي والعشرين بعد الميلاد قائلاً: "إنَّنا موجودون في القدس منذ ما يزيد عن ثلاثة آلاف سنة؛ فهذه هي الحقيقة البسيطة"!
لقد قنط نتنياهو من الجهود المضنية التي بذلها علماء الآثار الإسرائيليون (منذ احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية) لإثبات أنَّ لـ "الشعب اليهودي" حقَّاً دينياً وتاريخياً في أرض فلسطين، وفي "العاصمة الموحَّدة الأبدية" على وجه الخصوص. ولا شكَّ في أنَّ "النتائج" قد ذهبت بأوهامه التلمودية إذ أكَّد علماء آثار يهود، بعد البحث والحفر والتنقيب في "مدينة داود" في حيِّ سلوان في القدس الشرقية، أنْ لا شيء هناك يدلُّ على أنَّ داود كان له قصر، حيث بحثوا وحفروا ونقَّبوا، أو أنَّ ذلك المكان عَرَف داود، أو عرفه داود.
وأخصُّ بالذِّكْر من هؤلاء المحاضِر في جامعة تل أبيب رافاييل جرينبرج، الذي قال "لم نعثر على شيء"، وعالم الآثار في الجامعة نفسها البرفيسور إسرائيل فنكلشتاين الذي قال "هؤلاء يخلطون الدين بالعلم.. المنظَّمات اليهودية اليمينية المتطرفة (كجمعية "إيلعاد") لم تعثر على قطعة أثرية واحدة من قصر النبي داود"، وعالم الآثار المستقل البروفيسور يوني مزراحي الذي قال لم نعثر على لافتة مكتوب عليها "مرحباً بكم في قصر داود"!
التاريخ، الذي لم يتركوا لهم أثراً فيه؛ لأنَّهم عاشوا دائماً في خارجه، يقول لهم "القدس ليست لكم"، فيَرُدُّ له الدجَّال نتنياهو الصاع صاعين، قائلاً له "بلى، إنَّها لنا، فالتوراة قالت إنَّها لنا"، فكيف لهذا أن يجنح للسلام مع الفلسطينيين وهو الذي يأبى أن يجنح للسلام مع العقل؟! إنَّ البشر ضيِّقي الأفق (بسبب مصالحهم الفئوية الضيقة) لا رادع يردعهم عن إنكار بديهية هندسية إنْ تعارضت مع مصالحهم؛ ولقد أنكر أبناء الأوهام التلمودية ما يشبه تلك البديهية إذ رفضوا تصديق ما أتاهم به علم التاريخ، وعلم الآثار، من أدلة مفحمة على أنَّ الحرم الإبراهيمي في الخليل لا يضم رفات "إبرام العبراني"، الذي، في زعمهم، وعده الرَّب قائلاً: "لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصريم (النيل) إلى نهر فرات (الفرات)".
وأحسب أنَّ الرَّب، الذي حرَّم على موسى وأخيه هارون دخول "أرض كنعان"؛ لأنَّهما لم يمجِّداه أمام جماعة بني إسرائيل في برية صين، عند ماء مريبة، لا يمكن أن يحلِّل للصهاينة ما حرَّمه على كليمه .
الانتخابات الإسرائيلية والذاكرة العربية المثقوبة
بقلم: عبد المنعم علي عيسى عن الوطن السورية
منذ تمايزت القوى السياسية في إسرائيل (والتي لم يحتج تمايزها فترة طويلة بعد قيام إسرائيل في عام 1948 بحكم تعهد الانتداب البريطاني الذي كان قائماً في فلسطين بإنضاج وتمايز تلك القوى بدءاً من اليوم التالي لوعد بلفور 1917) إلى يمين ويسار (ووسط متذبذب في حركته بين الاثنين تبعاً للظروف) فإن الخلاف بين التيارين كان استراتيجياً ويمس جوهر (الفكرة) الإسرائيلية ورسوخها في الأرض التي قامت عليها. كان من الصعب إيجاد نقاط تلاق بين دفتي اليمين واليسار على مر المراحل وخاصة في الموضوع الأهم الذي يمثل القضية المحورية التي تشكل تلك التيارات حواملها الاجتماعية. يرى اليمين الإسرائيلي أن بقاء إسرائيل قوية أمر يرتبط محورياً وعضوياً ببقاء الدول العربية على حالها الذي هي عليه الآن من تخلف وتفكك وفقر، الأمر الذي يسهل –حسب رؤيا اليمين- السيطرة عليها (على الدول العربية) من القوة (السوبر) الوحيدة في المنطقة إسرائيل.
تطور إسرائيل
وتطور المنطقة العربية
على حين يرى اليسار الإسرائيلي أن تطور إسرائيل أمر مرهون بتطور المنطقة العربية معها بشكل مواز، ومن الصعب –حسب رؤية اليسار الإسرائيلي- لدولة ثرية متفوقة علمياً أن تعيش في بحر من الدول الفقيرة المتخلفة علمياً، في محيط جغرافي واحد حيث سيكون على تلك الدول أن تدفع ضريبة ذلك التقدم –والثراء- بالصورة الأشد قساوة وهي فقدانها للأمن والاستقرار.
تمثل حادثة اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين في العام 1996 نموذجاً صارخاً لوصول الصدام بين الرؤيتين السابقتين إلى طريق مسدود، وفي حالة كهذه فإن فشل محاولات الإلغاء السياسي تحتم اعتماد الإلغاء الجسدي بالمعنى الحرفي للكلمة، مثل رابين في التسعينيات من القرن الماضي صورة اليسار الساعي للوصول إلى حلول مع دول الجوار تنتهي باتفاقات سلام حسب المفهوم الإسرائيلي له.
أوصلت سياسة رابين يومها إلى ما اصطلح على تسميته (وديعة رابين) التي تضمنت آلية للاتفاق مع سورية حول الأراضي المتنازع عليها والتي كانت عندها (في العام 1996) تمثل الطرف الأخير الذي لم يعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل، وعندما لم يستطع اليمين المتطرف إسقاط رابين سياسياً لجأ ذلك اليمين إلى إسقاطه جسدياً باغتياله في عام 1996.
قامت الحكومة الإسرائيلية الحالية سياسياً على تحالف الوسط (الليكود) بزعامة بنيامين نتنياهو مع اليمين المتطرف بزعامة أفيغدور ليبرمان اللذين تلاقيا على برنامج عمل ظهر في بيان الحكومة الذي حمل على عاتقه تحقيق أمرين اثنين:
الأول- المحافظة على سيادة إسرائيل الإقليمية، ويندرج في هذا الإطار منع وصول إيران إلى التكنولوجيا النووية وبتعبير أدق إلى السلاح النووي الذي تدعي إسرائيل أن إيران سائرة في طريق الوصول إليه.
الثاني- منع قيام الدولة الفلسطينية ككيان مستقل، أو المماطلة بذلك ريثما تستجد أمور أخرى في المنقطة تفرض معطيات جديدة تحتم تناول الأمر بطريقة أخرى.
عندما اهتز التحالف القائم في تشرين الأول 2012 على خلفية السياسات الاقتصادية وانعكاساتها على الواقع السياسي الإسرائيلي لم يكن هناك من حل سوى الرمي بقفاز التحدي والإعلان عن انتخابات مبكرة تحددت فترة إجرائها في نهاية الشهر الأول من عام 2013، وبمجرد ذلك الإعلان سعى نتنياهو إلى توثيق عرا تحالفه مع ليبرمان بدرجة أكبر من التي كان عليها في السابق وهو ما ظهر في التوصل إلى الوثيقة التي تم الإعلان عنها في 23/10/2012 والتي أنتجت تحالفاً جديداً بين الاثنين أطلق عليه لاحقاً اسم (الليكود بيتنا).
كان الإغراء الذي قدمه نتنياهو لحليفه ليبرمان يتجلى في اعتماد مشروع قرار يصدر عن الكنيست يشرع الاستيطان في الضفة الغربية (17/10/2012) الذي كان بمنزلة المسمار الأخير في نعش مشروع حل الدولتين الذين انطلق نظرياً مع اتفاق أوسلو 1993، والذي رآه وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ -ولو متأخراً- في 22/1/2013 على أنه يمثل رصاصة الرحمة على مشروع حل الدولتين عندما قال: (إن احتمال نجاح حل الدولتين بات أمراً معدوماً بسبب سياسات الاستيطان الإسرائيلية».
مستجدات أدَّت
إلى صعود اليمين
كانت المستجدات التي أدت إلى صعود اليمين الإسرائيلي مؤخراً متعددة وكثيرة لعل أهمها وصول ضربات المقاومة الفلسطينية إلى تل أبيب للمرة الأولى (15/11/2012) والإعلان عن نزول رئيس الوزراء الإسرائيلي (للمرة الأولى أيضاً) إلى الملجأ الخاص برئاسة الأركان الإسرائيلية 14/11/2012، والحدثان السابقان كانا نتاج عملية «عمود السحاب» التسمية التي أطلقتها إسرائيل على عدوانها الأخير على غزة الذي بدأته في 5/11/2012.
في سابقة غير مفهومة (وبتعبير آخر غير واضحة المعالم فهي فعلاً تعبر عن قصور فكري لا يدرك رسم الواقع ولا يحسن قراءة الأشياء) أصدرت جامعة الدول العربية بياناً سبق الانتخابات الإسرائيلية التي جرت مؤخراً في 22/1/2013 بأيام قليلة دعت فيه عرب الـ48 إلى مشاركة فعالة في الانتخابات وذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير بأن دعت إلى التصويت لمصلحة اليسار الإسرائيلي.. «خوفاً من إقدام اليمين الإسرائيلي المتطرف على شن حروب أخرى على غرار ما قام به في غزة (2009-2012) وفي الجنوب اللبناني 2006.
كأني بالذاكرة المثقوبة لجامعة الدول العربية نسيت أن اليسار الإسرائيلي كان شريك النصف في صناعة الحروب الإسرائيلية، فعندما يتعلق الأمر بالأمن القومي الإسرائيلي أو بالمصير فلا أهمية عندها لتقسيمات مثل اليسار أو اليمين التي تنصهر وقتها في بوتقة واحدة تتحد فيها لتذيب كل من يقف بوجه «أحلام إسرائيل الكبرى».
لابد هنا من الإشارة إلى ظاهرة تسبق جميع الحالات التي فكرت فيها إسرائيل بشن حرب أو قيام عدوان، حيث تمهد لذلك بقيام حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية حفاظاً على وحدة الشارع الإسرائيلي في مواجهة الخارج، وهي الحالة التي بات العرب يدركون جيداً ملامحها وغالباً ما كانوا يطلقون على تلك الحكومات: حكومات الحرب الإسرائيلية.
تقاسم الكنيست
انتهت الانتخابات الإسرائيلية وجاءت النتائج بتقاسم اليمن مع اليسار للكنيست مناصفة.
أهم ما يمكن ملاحظته في نتائج تلك الانتخابات أمور أربعة:
1- على الرغم من أن الوسط الذي تعيش فيه إسرائيل حالياً أشبه ببحر متلاطم الأمواج يشهد صعوداً متنامياً للحركات المتطرفة، فإن الهاجس الأمني تراجع لصعود هاجس التنمية وتحسين مستوى المعيشة وهو أمر يجب أن يؤخذ بالحسبان في أي سياسات توضع للتصدي على المديين الطويل والقصير.
2- الفوز الخجول لبنيامين نتنياهو لن يؤدي إلى قيام حكومة استقرار طويلة بل على العكس فإن الحكومة الناتجة عن تلك الانتخابات سوف تكون حكومة قلقة مرشحة لأن ينفرط عقدها في أول اختبار حقيقي يمكن أن تحمله الشهور اللاحقة.
3- إيحاءات التقارب وعبارات الغزل الصريح التي أطلقها نتنياهو مخاطباً زعيم حركة «هناك مستقبل» إثر فوز حركته بـ19 مقعداً تدل على محاولة في السعي لتخفيف نكهة «التطرف» التي يمكن أن تتمتع بها الحكومة المقبلة بناء على تلقي إشارات متعددة المصادر غربية وأمريكية بضرورة أن يكون ذلك من أولويات نتنياهو في تشكيله لحكومته المقبلة.
يذكر أن نتنياهو خاطب يئير لابيد زعيم حركة «هناك مستقبل» بعيد ظهور النتائج الأولى للانتخابات بالقول «أعتقد أن هناك فرصة كبيرة لأن نقوم بعمل جيد معاً» على الرغم من أن حركة «هناك مستقبل» تنتمي إلى اليمين أيضاً لكن بدرجة أخف من التطرف التي يمثلها حزب ليبرمان.
4- كانت الانتخابات السابقة التي حملت الرقم /19/ في تاريخ انتخابات الكنيست الإسرائيلي منذ قيامه في عام 1948 إلى اليوم 2013، وبجردة حساب بسيطة نرى أن الفترة الممتدة بين التاريخين تصل إلى 65 سنة جرت فيها 19 انتخاباً بمعدل ثلاث سنين وأربعة أشهر وسطياً لكل عملية تغيير في التوازنات القائمة ضمن ذلك الكنيست، وهي تمثل دلالة على استقرار سياسي نسبي تعيشه إسرائيل على الرغم من الجو العاصف المحيط بها.
حرب التحرير في الطريق
إلى التوازن الاستراتيجي
في الصراع لمقاومة السرطان الصهيوني في المنطقة كانت هناك شعارات عديدة تختلف باختلاف المتغيرات والظروف، فنجدها تارة تدعو إلى الوحدة في مواجهة الخطر الإسرائيلي ثم تنقلب أحياناً أخرى إلى ضرورة اعتماد حرب التحرير الشعبية طريقاً وحيداً مناسباً للصراع مع إسرائيل، لتتغير في ظروف أخرى إلى ضرورة تحقيق التوازن الاستراتيجي كشرط مسبق لا بديل منه قبل خوض أي حرب، إلا أن السلوك الذي أطلقه القطريون مؤخراً والمتمثل بمساعدة تيار ضد آخر في الداخل الإسرائيلي كطريقة لتجنب الخطر والحكم بمسار الأمور يعتبر فتحاً جديداً غير مسبوق في طريقة التعاطي مع الأخطار الخارجية والتهديدات التي تمثلها إسرائيل الفكرة.
يجب أن نمعن- ونزيد في التمعن- في تصريح زعيمة حزب كاديما تسيبي ليفني «22/1/2013» التي قالت فيه: «إن القطريين قدموا لحملة بنيامين نتنياهو الانتخابية ثلاثة ملايين دولار ومليونين ونصف المليون لحليفه أفيغدور ليبرمان.
في انتظار ما لا يجيء.. المحور إياه والعدوان الإسرائيلي!
بقلم: السيد زهره عن أخبار الخليج البحرينية
عرض التلفزيون السوري لقطات لما أسماه «آثار» العدوان الاسرائيلي الاخير على سوريا, حيث قامت طائرات اسرائيلية بشن عدوان دمرت فيه مواقع ومنشآت في عمق الاراضي السورية, وفي دمشق العاصمة بالذات.
التلفزيون عرض هذه اللقطات ربما ليؤكد وقوع العدوان فعلا. ولم يعد هناك على أي حال حاجة الى هذا التأكيد بعد ان اكد العدو الاسرائيلي بنفسه شن هذا العدوان, وهدد بتكراره.
بداية, هذا العدوان الاسرائيلي هو جريمة ارهابية اسرائيلية بكل معنى الكلمة. ومن العار ان يصمت العرب والمجتمع الدولي عنها, ولا علاقة لذلك بالموقف من النظام السوري وما يفعله بالشعب بالسوري. هذا عدوان على سيادة واستقلال بلد عربي وجريمة ارهابية لا بد ان يتعامل معها العرب والعالم على هذا الاساس.
لكن الأمر المثير هنا هو ان نتأمل موقف ما يسمى بـ«محور الممانعة والمقاومة» من العدوان الاسرائيلي, وخصوصا موقف ايران التي نصبت نفسها «زعيما وقائدا» لهذا المحور.
قبل ايام, اعلنت ايران بشكل رسمي ان «أي عدوان على سوريا سيكون عدوانا مباشرا على ايران», وبررت ذلك بالقول إن سوريا هي ركن اساسي فيما اسماه مسئول ايراني كبير «المحور الذهبي للممانعة والمقاومة».
وحتى بعيدا عن هذا العدوان, نعرف ان تبرير وجود هذا المحور اصلا يستند الى القول بانه هو الذي يردع العدو الاسرائيلي ويقف حائط صد في مواجهة عدوانه. وبناء على هذا التبرير بالذات, تقاتل ايران واتباعها من هذا المحور بشراسة مع النظام السوري في حربه ضد الشعب السوري وكي لا يسقط نظام بشار الاسد.
الآن, بعد هذا العدوان الاسرائيلي، ماذا كان موقف ايران بالذات زعيمة هذا المحور, وخصوصا بعد الإعلان الصريح أن أي عدوان على سوريا هو عدوان على ايران؟
رد فعل ايران واتباعها في المحور اياه, جاء في الحقيقة مثيرا للسخرية بكل معنى الكلمة, وان كان كما سنرى غير مستغرب على الاطلاق.
المسئولون الايرانيون واتباعهم اعتبروا بداية ان هذا العدوان يكشف الطبيعة الهمجية الوحشية للكيان الاسرائيلي. هذا امر معروف على اي حال وليس بحاجة الى عدوان كهذا لاثباته.
والمسئولون الايرانيون واتباعهم اعتبروا ان العدوان يثبت «المؤامرة» على سوريا وكيف ان ما يجري في سوريا هو لخدمة اسرائيل.. لا بأس في هذا.
لكن الذي كان ينتظره الكثيرون ليس هذا. كانوا ينتظرون اجابة عن السؤال: كيف سترد ايران ومحورها على هذا العدوان الذي هو عدوان على ايران؟
لنتأمل ما قاله المسئولون الايرانيون بهذا الشأن.
قائد الحرس الثوري الايراني ادلى بتصريحات امس اعرب فيها عن «أمله في ان تصمد دمشق في وجه العدوان عبر ابداء الرد المناسب فحسب».
قبله, قال مساعد رئيس هيئة الأركان الايرانية ان «رد سوريا على العدوان الاخير سيدخل الكيان الصهيوني في حالة الإغماء». واكد ان «الاخبار الواردة» اليه «تؤكد ان المهاجرين اليهود يعدون اللحظات لمغادرة فلسطين» خوفا من الرد السوري.
لنلاحظ هنا ان هؤلاء المسئولين الايرانيين لم يتحدثواعلى الاطلاق ولم يشيروا لا من قريب او بعيد عن أي رد ايراني على العدوان, رغم انهم سبق أن اعتبروا سلفا انه عدوان عليهم وعلى المحور اياه.
حقيقة الأمر ان هذا الموقف جاء ليكشف في جانب اساسي منه حقيقة «محور الممانعة والمقاومة» هذا وطبيعة دوره في المنطقة.
الذين ينتظرون ردا من هذا المحور على العدوان الاسرائيلي ينتظرون ما لا يجيء. والسبب ان ايران واتباعها في محورها متفرغون الآن تماما لمهمة اكبر, هي مهمة ذبح الشعب السوري, ويجندون كل امكانياتهم وقدراتهم من اجل الحيلولة دون سقوط النظام السوري مهما كان الثمن, حتى لو كان الثمن مقتل نصف الشعب او اكثر، وابادة كل مدن سوريا.
هم يفعلون هذا ويقومون بهذه المهمة ليس من اجل مقاومة العدو الاسرائلي اليوم او غدا, وانما من اجل هدف آخر اسمى بالنسبة اليهم.
الهدف هو حماية المشروع الايراني الطائفي الفارسي العنصري التوسعي في المنطقة, والحيلولة دون سقوطه.
في سبيل هذا الهدف, هذا المحور مستعد ليس فقط لابادة الشعب السوري, وانما لاثارة الفتن الطائفية في كل مكان, والقيام باي عمليات تخريب في أي بلد عربي. وهذا هو ما يقوم به بالفعل. ما علينا سوى ان نتأمل ما يفعلوه في البحرين واليمن وكل دول الخليج العربية.
ولو ان تحقيق هذا الهدف يتطلب التحالف مع العدو الاسرائيلي والشيطان الأكبر الامريكي, فلن تتردد ايران ومحورها لحظة في عقد هذا التحالف.
لم يعد هذا محورا للمقاومة باي شكل. اصبح محورا للطائفية والفتنة والتخريب وتقويض الاستقرار في المنطقة... هذا المحور اصبح خطرا داهما يهدد المنطقة وعروبتها.
الانزلاق نحو العصر الصهيوني
بقلم: عبد الاله بلقزيز عن دار الخليج الإماراتية
سيتغذى الصلف والغطرسة الصهيونيان، تجاه مطالب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، من جملة من المصادر والعوامل المترابطة . بعضها قديم تكرر وأعاد إنتاج نفسه، وبعضها حديث تولد من ظاهرة الربيع الإسلامي . نملك أن نحصي، في هذا المعرض، خمسة من تلك المصادر والعوامل تضافرت في ممارسة التأثير، وإن على تفاوت بينها في درجاته، وأفضت إلى حال من الانسداد في حل قضايا الصراع العربي - الصهيوني، وفي قلبها قضية فلسطين .
ثمة عوامل ثلاثة قديمة، وإن تفاوتت في القدم، تراكمت مؤثراتها السلبية المتعاقبة فأنتجت شروط إعاقة مستمرة لأي أفق ممكن يمكن أن يفتح أمام تلك الحقوق والمطالب (الوطنية الفلسطينية)، فيما يفرض عاملان حديثان نفسهما لينضافا إلى عوامل الإعاقة تلك، بل وليضعا في حوزة الكيان الصهيوني موارد جديدة - لم تكن متوقعة - لسياسة البغي والقهر والإنكار في مواجهة حقوق شعب فلسطين .
أول العوامل الثلاثة التأييد والتغطية السياسيان اللامشروطان لهذا الكيان، ولسياساته الانكارية والعدوانية والاستيطانية، من قبل الولايات المتحدة وأخواتها في معسكر الغرب . لقد بلعت إدارة أوباما كل احتجاجاتها على حكومة نتنياهو وسياساتها الاستيطانية، منذ سنوات، ورضخت لابتزازاتها إلى الحد الذي سخّرت فيه إمكاناتها الدولية في مجلس الأمن لخدمة سياسات “ليكود”، والدفاع عنها في وجه الاعتراض العالمي، بل إلى الحد الذي ازدردت فيه إهانات “إسرائيل” وتدخلاتها السافرة في الشأن الانتخابي الأمريكي لمصلحة المرشح المنافس لأوباما . وإذا كان نتنياهو، وأركان نظامه الإهاربي، على اقتناع بأن غضب رئيس أمريكا زوبعة في فنجان، وأن الدولة الصهيونية تحظى بالرعاية والتأييد في الإدارة، والكونجرس، والبنتاغون، والأمن القومي، والمخابرات، والإعلام، والرأي العام . . الخ، فما الذي يجبرهم على الرضوخ لأي ضغط أمريكي أو دولي والتنازل للفلسطينيين ولو على الحق في انتقاد “إسرائيل” .
وثانيها التقاعس العربي المديد في حمل قضية فلسطين على محمل الواجب القومي، بل الإعراض الكلي عن الاحتفاظ لها بمركزيتها في سياسات النظام العربي ومواقفه، والتصرف حيال محنة شعب فلسطين وصرخاته وكأنها عبء مفروض على العرب يمنعهم من “التفرغ للتنمية”، وتحقيق أهداف الشعوب الاجتماعية والاقتصادية، وإذا ما أضيف إلى هذا أن النظام الرسمي العربي اختار، منذ زمن، إسقاط خيار المواجهة وجنح لسلم لم تجنح له “إسرائيل”، واكتملت أسباب طمأنة الكيان الصهيوني على أمنه، وإطلاق يده في البقية الباقية من فلسطين وقضيتها، وتماديه في الجهر بإنكار حقوق الشعب الفلسطيني .
وثالثها الانقسام الفلسطيني، المتزايد احتداداً، منذ انفراط وحدة السلطة وتوزعها بين شريكين سابقين يتصارعان على حصتهما من كعكتها، ويتكايدان بأشكال من التكايد تبلغ - أحياناً - توسيل الضغط الخارجي (الدولي أو العربي) لحشر الخصم والتضييق عليه . وكما شل انقسام السلطة ذاك الحياة السياسية الوطنية الفلسطينية، ونقل الصراع في الضفة والقطاع من صراع فلسطيني مع الاحتلال الصهيوني إلى صراع فلسطيني داخلي، بين القبيلتين السياسيتين المتحكمتين في الاجتماع السياسي الفلسطيني، فقد شل المجتمع ومؤسساته، وأتى على أوضاعه واحتياجاته بأوخم النتائج، حتى بات جل حلم “المواطن” الفلسطيني توفير لقمة عيش لامقاومة الاحتلال الرابض على الأرض وعلى المصير الوطني .
هذه أسباب ثلاثة قديمة، ومتجددة، لتنمية الصلف والغطرسة الصهيونيين، وللتمادي في سياسات إنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية وإسقاطها من الأساس . غير أن سببين جديدين، تولدا حديثاً من الربيع الإسلامي، يضيفان إلى العنجهية الصهيونية وقوداً جديداً، ويقودانها نحو تجاهل مطالب شعب تحت الاحتلال، وعدم الالتفاف إليها حتى بالرفض، على نحو ما تكشف عن ذلك الحملة الانتخابية لليمين الصهيوني وتكتل “ليكود - بيتنا”، في انتخابات الكنيست الأخيرة، والسببان اللذان استجدا هما: انشغال العرب ببعضهم البعض، منذ عامين من “الثورة”، والتكريس الرسمي لحال الهدنة العسكرية على الجبهة الفلسطينية .
فأما انشغال العرب ببعضهم البعض فأمر تعرف “إسرائيل” فوائده الجزيلة على أمن كيانها، فإلى أنه يغير من أولوياتهم السياسية والأمنية، فيصرفهم عن الخطر الصهيوني - كخطر قديم في عقيدتهم السياسية - ويصطنع لهم أخطاراً بديلة، منهم هم أنفسهم، فهو يأخذهم - في الوقت عينه - إلى ما يشبه الحروب الأهلية الداخلية بين دولة ودولة، كما في الحالة السورية مثلاً، وداخل الدولة الواحدة بين قواها المختلفة المتنازعة على السلطة باللسان واليد والسنان، والحق أنه لم تحلم “إسرائيل” يوماً بوضع عربي ممزق مثلما هو عليه اليوم في سوريا ومصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وسواها من البلاد: حيث تتقاتل دول العرب على حصتها من النظام السياسي في غيرها من بلدان “الثورة”، وحيث تتقاتل المليشيات والأحزاب على السلطة وتنشر في مجتمعاتها الخراب، وحيث نظم سياسية تخرج من صناديق الاقتراع بعد أن تقدم الضمانات باحترامها أمن “إسرائيل” والاتفاقات المبرمة معها .
وأما التكريس الرسمي لحال الهدنة العسكرية، وهو التعبير المهذب لوقف المقاومة، فقد جرى بعد العدوان الصهيوني الأخير على غزة من طريق وساطة مصر، بين “حماس” و”إسرائيل”، وضمانتها اتفاق وقف إطلاق النار من جانب “حماس” . ومع أن حكومة “حماس” أوقفت عمليات المقاومة منذ أربع سنوات، على نحو وقف “فتح” لها منذ استشهاد ياسر عرفات، إلا أنها المرة الأولى التي ستقبل فيها الحركة أن يكون وقف القتال تعهداً رسمياً ومضموناً من الدولة العربية الأكبر، ولا يمكن للكيان الصهيوني أن ينتظر من “حماس” ومصر والربيع الإسلامي هدية أمنية أفضل من هذه .
لم يعد يقلق هذا الكيان سوى جبهة جنوب لبنان، وهي نقطة ضعفه القاتلة، لكنه يراهن على إسقاط حلقة التغذية التي تزودها لوجيستياً وعسكرياً وسياسياً: الحلقة السورية، وبعدها سيدخل العرب عصراً “إسرائيلياً” لا أحد يعلم متى ينتهي، وكيف ينتهي.
أوهام نتانياهو
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
تدفع سياسة إسرائيل الرافضة لاستئناف جاد للمفاوضات مع القيادة الفلسطينية في رام الله إلى إضعاف حركة فتح وتقوية حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة. هذه الحقيقة يدركها العالم كله عدا بنيامين نتانياهو الذي يتصرف بأنانية وقصر نظر، فبعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية أعرب نتانياهو عن نيته تشكيل أوسع ائتلاف ممكن للتركيز على الازدهار الاقتصادي ومشاريع الإسكان، لكنه لم يشر بحرف واحد إلى النزاع مع الفلسطينيين.
كذلك لم يتحدث نتانياهو عن الأزمة المتصاعدة بين الدولة العبرية والأسرة الدولية، ويتصرف وكأنه ليست هناك مشكلة على الإطلاق، كما يتفاخر بالقول إنه مسح القضية الفلسطينية من الأجندة السياسية المحلية.
غير أن ذلك ليس صحيحاً لأن رئيس الوزراء المكلف لا يستطيع الاستمرار في إدارة ظهره للفلسطينيين هكذا ببساطة، فمنزله يقع على بعد عشرة كيلومترات فقط عن مقر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وجميع المستوطنات التي أنشأها هو وسابقوه في الضفة الغربية متلاصقة مع المدن والقرى العربية بحيث يستحيل رسم خط فاصل بين الكتل البشرية الفلسطينية والكتل البشرية اليهودية.
وإضافة إلى ذلك فقد أعلن وزير الخارجية الأميركية الجديد جون كيري نيته زيارة إسرائيل ورام الله حتى قبل أن ينتهي نتانياهو من تشكيل حكومته، للسعي إلى إحياء عملية السلام، كما أعربت كل من بريطانيا وفرنسا عن قلقهما من الوضع في الشرق الأوسط مما يتطلب الإصرار على حل النزاع.
غير أن الأمر المهم الذي يحدث الآن يتعلق بأن سلطة عباس قد ضعفت إلى حدود غير مسبوقة نتيجة السياسة غير المنطقية أو بالأحرى الغبية والواهمة التي يتبعها نتانياهو، وذلك إلى الحد الذي جعل «أبو مازن» يقول إنه سيترك السلطة ويسلم مفاتيح «المقاطعة» إلى رئيس وزراء إسرائيل.
وكما تقول الدراسات والاستطلاعات الإسرائيلية فإن حركة حماس ستحقق فوزاً ساحقاً لو جرت انتخابات تشريعية في الضفة الغربية. وما يجب قوله إن استمرار سياسة التجاهل الإسرائيلية للقضية الفلسطينية سيفتح الباب بقوة أمام انتفاضة ثالثة وما يستتبع ذلك من رد إسرائيلي عنيف قد يستدرج هذه المرة مشاركة فعالة من منظمات كحزب الله والقاعدة في أحداث الشرق الأوسط.
الضربة الإسرائيلية في موازين الردّ وعدمه.. لبنان ارتبك إزاء انتهاكات وتداعيات تتجاوزه
بقلم: روزانا بو منصف عن النهار البيروتية
على رغم ان الضربة الجوية الاسرائيلية يوم الاربعاء الماضي ركّزت على اهداف داخل سوريا، فإن ارتباكا كبيرا اصاب لبنان واركان سلطته مع تلقيهم الانباء عن الضربة خارج لبنان، وخصوصا مع التقارير التي نقلت على ألسنة مصادر امنية لبنانية رصدت الحركة الجوية الاسرائيلية، ومن بينها الطلعات الاستطلاعية فوق الاجواء اللبنانية.
اذ بدا لبنان معنيا على نحو مباشر وان سارع كل افرقائه الى التنديد بالاعتداء الاسرائيلي على سوريا، بغض النظر عما يجري فيها، على رغم بروز مخاوف قوية من تداعيات يمكن ان تصيب لبنان نتيجة الاعتقاد ان الهجوم الاسرائيلي قد يكون وفّر لـ"حزب الله" الذي بدا معنيا بهذا الاستهداف الاسرائيلي، نظرا الى ما تردد انه قافلة صواريخ له من سوريا، الذريعة او الفرصة ليقوم بعمل عسكري اذا صح ان قافلة الصواريخ تخصه. لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تراجع على قاعدة ان رد الحزب على ضرية حصلت داخل سوريا سيثبت ان قافلة الصواريخ كانت له على نحو سيناقض الكثير من منطقه حول ضرورة وقف تهريب السلاح الى سوريا، في حين انه يقوم بنقل السلاح من سوريا الى لبنان، كما انه قد لا يناسبه التورط في مواجهة اسرائيل عبر الرد على الضربة التي وجهتها الى سوريا لاعتبارات مختلفة، من بينها وفق ما يقول كثر انه هو من يختار توقيت الرد وليس اسرائيل من تستدرجه اليه، وان خوضه حربا ضد اسرائيل لن يكون لسبب يتصل بسوريا على رغم حيوية نظامها بالنسبة اليه، بل لسبب يتصل بايران واحتمال تعرضها لاعتداء اسرائيلي او اميركي او سواه بفعل الخلاف على ملفها النووي.
وتاليا فانه لن يستنزف سلاحه الايراني المنشأ والذي بات يصعب استبداله في ظل الحرب في سوريا في غير موقعه. ومع ان مسؤولين ايرانيين كبارا نددوا بالاعتداء الاسرائيلي وهددوا بالرد عليه ومساعدة النظام السوري في هذا الاطار، فإن هذا الامر تم استبعاده في هذه المرحلة، بحيث تعتقد مصادر متابعة ان الضربة أدت غرضها وانتهت عند هذا الحد.
اذ ان ايران يمكن ان تهدد اسرائيل، وهي لا تنفك تقوم بذلك يوميا، الا ان قدرتها على خوض معركة ضد اسرائيل للرد او حتى مساعدة النظام على ذلك سيقحمها في حرب تتجنبها، وتقدم الذريعة والفرصة لتشن اعتداءات على منشآتها النووية. وعلى رغم الاعتقاد ان فتح جبهة مع اسرائيل يمكن ان يساعده النظام في تحويل الثورة ضده في الداخل واحراج معارضيه، فان هذا الخيار لم يعد متاحا كما كان قبل سنتين، ولا يعتقد ان النظام ينوي المخاطرة بسلاحه الجوي الذي يستخدمه ضد المعارضين في الداخل في اتجاه اسرائيل، خشية فقدانه بالتزامن مع تراجع سيطرته في الداخل وأرجحية عدم قدرته على استعادة حشد السوريين من حوله.
ما بدا مربكا للدولة اللبنانية والحكومة من بين جملة امور، وعلى هامش المخاوف من تداعيات اقحام لبنان في الازمة السورية قسرا بفعل وجود عوامل مشتركة عدة في هذه المسألة، هو انتهاكات قوية للقرار 1701 عجزت الحكومة عن اثارتها في الطلعات الجوية الاسرائيلية المتجددة فوق لبنان تزامنا مع الاعتداء الاسرائيلي على اهداف في سوريا، ولو ان الطائرات المهاجمة لم تعبر الاجواء اللبنانية الى سوريا على نحو مباشر، وذلك في مقابل استهداف اسرائيل قافلة صواريخ موجهة لفريق اساسي داخل الحكومة، في حال صح ذلك، فيما ينص القرار 1701 على منع وصول الاسلحة اليه. واذ حددت اسرائيل وقبلها الولايات المتحدة اهداف العملية بمنع صواريخ معينة الى "حزب الله" حماية لاسرائيل، فان امن لبنان والمخاطر على توازنه السياسي الداخلي تبدو مغيبة عن الجدل الخارجي وحتى الداخلي، على رغم وقوف لبنان على حد سيف على هذا الصعيد.
من وحي قطر!
بقلم: رشيد ولد بوسيافة عن الشروق الجزائرية
وأخيرا اكتشف خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بأن ما يجري في سوريا هو ربيع وليس مؤامرة، ذلك ما قاله في آخر تصريح صدر عنه في سياق وصفه لما يحدث في سوريا، هذا التصريح يتناقض تماما مع المواقف الثابتة لحماس منذ اندلاع الأزمة السورية، والتي كانت دائما تؤكد أن الأزمة هي داخلية بين السوريين أنفسهم، ولا يمكن لحماس أن تتدخل في أمر داخلي.
هذا الموقف المتّزن جلب لحماس الاحترام، لأنها أولا لم تتنكر للنظام السوري، والذي على مساوئه كان يحتضن المقاومة ويدعمها ويوفر الحماية لكوادرها، من بينهم خالد مشعل نفسه، وثانيا لأن حماس لم تتخذ موقفا معاديا للثورة المصرية التي اندلعت ضد النظام الدكتاتوري.
لكن مالذي تغيّر حتى تنقلب حماس على نفسها وتقرّر الوقوف إلى جانب طرف سوري على حساب الطرف الآخر، أم أن خروج قادة حماس من سوريا جعلهم يغيّرون مواقفهم كليا ويتنكّرون لمن قدّم لهم الحماية لعقود.
ثم هل يمكن وصف ما يحدث في سوريا بأنه ربيع، وقد بلغت المواجهة المسلحة بين الطرفين درجة خطيرة تهدّد بزوال سوريا كلها، حيث تحولت المدن إلى أطلال وتحول الشعب السوري إلى جموع بشرية تتسوّل الطعام والشراب في تركيا والأردن ولبنان.
لا يمكن لعاقل أن يصف هذا الوضع الكارثي بالربيع، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن مشيخات الخليج التي لا تعرف معنى الديمقراطية، أصبحت هي عرّاب الديمقراطية في سوريا، من خلال دعمها للمقاتلين بالسلاح والمال مما شجّع على ظهور جماعات منفلتة تكفر حتى بالديمقراطية التي تقاتل من أجلها.
ما يحدث في سوريا مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري، بغض النظر عن أطراف هذه المؤامرة التي من بينها النظام السوري نفسه، والذي أظهر قدرا من البشاعة والعنف في التعامل مع شعبه ما لم تظهره أعتى الأنظمة الديكتاتورية في العالم.
أما الطرف الثاني للمؤامرة فهم أولئك الذين يدفعون في اتجاه المواجهة المسلّحة، ويزودون المعارضة بالسلاح والمال ويشجعون على القتال بين السوريين، ويرفضون كل مقترح أو دعوة إلى حل سلمي تفاوضي للأزمة السورية.
مقولات فاسدة يروِّجها الحكم والإخوان
بقلم: ضياء رشوان عن المصري اليوم
فى الصراع السياسى الذى يجرى فى كل الدول الديمقراطية المستقرة على مستوى العالم تقوم الأطراف المختلفة برمى خصومها باتهامات متعددة تتعلق بقصور رؤاهم أو فشل تجاربهم فى الحكم أو عدم قدرتهم على إدارته، دون أن يتطرق الاتهام إلى النوايا أو يذهب إلى الشق الجنائى الذى يعاقب عليه القانون سوى بوجود أدلة معلنة يتم إطلاع الرأى العام عليها. أما فى بلداننا، وخصوصاً فى مراحل الفساد والاستبداد التى عاشتها لعقود طويلة قبل ثورات الربيع العربى، فقد تعودنا على سيول من الاتهامات للمعارضة السياسية من النظم الحاكمة تأخذ شكل المقولات التى يروَّج لها فى وسائل الإعلام، بحيث تتحول فى النهاية إلى حقائق ثابتة فى الوعى العام دون أن يكون هناك أى دليل ولا حتى قرينة على صحتها. وتصورنا أن تنتهى هذه المسألة بعد الثورات العربية وانتخاب شعوبنا لبرلماناتها ورؤسائها بصورة ديمقراطية، بحيث نعود إلى الصورة الطبيعية للصراع السياسى بين الفرقاء وتبادل الاتهامات بينهم بصورة موثقة تنصرف فقط إلى الرؤى والتجارب والقدرات السياسية وليس إلى النوايا ولا تكون مرسلة بلا دليل أو قرينة.
إلا أنه يبدو أن تصورنا للأوضاع بعد الثورات وخصوصاً ثورتنا المصرية كان خاطئاً، فها نحن نشهد فى مصر بعد شهور قليلة من انتخاب الدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية فى انتخابات ديمقراطية إعادة تبدو كاملة لما كان عليه الوضع قبل الثورة من توجيه النظام الحاكم سيلاً من الاتهامات للمعارضة تبدو كلها كمقولات غير موثقة ولا دليل عليها يتم الترويج لها فى وسائل الإعلام لتحقيق هدفين: الأول هو تشويه المعارضة السياسية وجعلها فى هيئة المهرول فقط نحو الحكم أو الساعى لتخريب البلاد، والثانى هو إسباغ البراءة الكاملة وحسن النية على كل تصرفات النظام الحاكم أياً كان نوعها. وفى هذا السياق يروِّج أعضاء جماعة الإخوان وأنصارها والرئاسة والحكومة والملتفون حولهما لمجموعة من الاتهامات/ المقولات التى لا أساس لها ولا دليل عليها حول مواقف المعارضة ورؤاها، لعل أبرزها:
■ إسقاط الرئيس والنظام
تعالت فى الفترة الأخيرة هذه المقولة التى يزعم النظام الحالى وأنصاره أن المعارضة تتبناها وتدعو إليها وتسعى إلى تحقيقها، ويروجون أن الهدف الحقيقى للمعارضة هو الوصول للحكم بعد أن فشلت قياداتها فيه فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، وهى بذلك لا تبحث عن مصالح البلاد واستقرارها بقدر ما تبحث عن مقاعد ومصالح خاصة بها.
والحقيقة أن هذه المقولة ليس لها أى أساس من الصحة فيما يخص المعارضة السياسية بكل أشكالها وعلى رأسها جبهة الإنقاذ الوطنى، فهى لم تذكر فى أى من بياناتها ولا مؤتمراتها ولا دعواتها للتظاهر أى دعوة لإسقاط رئيس الجمهورية ونظامه، بل هى تؤكد دوماً حقها المشروع فى الاختلاف التام مع كل توجهاته والسعى لتعريف المصريين بأخطائه وحشدهم من أجل مواجهتها وإيقافها. ولا يمكن الاعتداد فى تأكيد هذه المقولة المزيفة ببعض من شعارات أو مطالبات قطاعات من المصريين من شباب وثوار تدعو بالفعل لإسقاط الرئيس والنظام، فهم من ناحية ليسوا تحت سيطرة أى قوة سياسية معارضة وفى مقدمتها جبهة الإنقاذ، وهم من ناحية أخرى يشبهون فى تطرف طرحهم ما تطرحه بعض الفصائل الإسلامية الأكثر تشدداً لنفس المطلب ولكن بحجة أخرى وهى أن النظام الحالى ورئيسه خارجون عن الإسلام، فهل يمكن الاستناد إلى هؤلاء للقول بأن الإسلاميين جميعاً يكفِّرون نظام الحكم ورئيس البلاد؟
■ استخدام المعارضة للعنف
راحت هذه المقولة/ الاتهام تتكرر ويروَّج لها من جانب الإخوان المسلمين وأنصار الحكم والرئيس بصورة مكثفة خلال الفترة التى تلت الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس فى 22 نوفمبر الماضى وصولاً إلى أحداث العنف الأخيرة بجوار قصر الاتحادية. والحقيقة أن هذا الترويج يخالف حقائق تبدو ثابتة لمن يريد أن يراها. وأولى هذه الحقائق هى أن أول من بادر باستخدام العنف بعد نجاح الرئيس مرسى كان بعض القوى الإسلامية التى حاصر بعضها المحكمة الدستورية العليا وبعضها الآخر مدينة الإنتاج الإعلامى، وتوالت بعدها حوادث العنف من قطاعات شبيهة بها على الجانب الآخر قامت بالاعتداء على بعض مقار الإخوان وحزب الحرية والعدالة. والحقيقة الثانية أن بداية العنف فى الأزمة الأخيرة تعود إلى الإخوان وحزبهم بعد أن دعتهم قياداتهم لفض اعتصام بعض شباب المعارضة السلمى أمام قصر الاتحادية باستخدام القوة يوم 5 ديسمبر ما أدى لسقوط عشرة شهداء فى تلك الليلة.
وثالثة الحقائق هى أنه لم يثبت قضائياً، ولا سياسياً، أن هناك دعوات أو مشاركات من جانب قوى المعارضة السياسية وعلى رأسها جبهة الإنقاذ فى أى أعمال عنف طوال الشهور الماضية، بل العكس التام كان هو السائد، حيث دعت المعارضة دوماً إلى سلمية الاحتجاج والتظاهر وأدانت دوماً كل ممارسات ودعوات العنف أياً كان مصدرها. ورابعة الحقائق تخص الأزمة الحالية التى رافقت وتلت الذكرى الثانية للثورة، فالقول بتبنى المعارضة للعنف يتعارض تماماً مع أرقام ضحاياه، التى تؤكد أنه من بين نحو سبعين شهيداً قُتلوا وجرحى تعدوا الألف وخمسمائة، كان هناك فقط ثلاثة شهداء من رجال الشرطة وبضع مئات من الجرحى، بينما كانت الأغلبية الباقية من المحتجين والمتظاهرين وشباب الثورة، فألا تشير هذه الأرقام إلى الجهة الحقيقية التى يأتى منها العنف؟
■ صندوق الانتخاب هو شرعية الحكم
تأتى هذه المقولة فى صورة بسيطة تبدو مقنعة، فالرئيس تم انتخابه ديمقراطياً وقد اكتسب شرعيته من صندوق الانتخاب، فلا تجب معارضته أو محاسبته على ما يفعل حتى يأتى موعد صندوق الانتخاب القادم بعد أربع سنوات. والحقيقة أن هذه المقولة الخطيرة هى أسوأ ما يمكن عمله من أجل خلق حالة استبداد فى الحكم وتركه ليفعل ما يشاء دون حساب أو مراقبة، وهى تعكس خلطاً خطيراً متعمداً بين شرعية الانتخاب وشرعية الحكم. فلاشك أن الرئيس منتخب بصورة شرعية، إلا أن ممارسته للحكم يجب أن تكون أيضاً شرعية ضمن القواعد الدستورية والقانونية والسياسية المستقرة فى البلاد، ولا يمكن أن تغنى شرعية الانتخاب عن شرعية الحكم. فإذا خرج الرئيس عن أحكام الدستور والقانون، وقد فعلها فى أكثر من مناسبة بإصدار إعلانات دستورية باطلة أو قرارات غير دستورية مثل إعادة مجلس الشعب أو بإهدار استقلال القضاء بتحصين قراراته وتعيين النائب العام، فهذا يعطى حقاً بل واجباً كاملاً لكل حريص على شرعية الحكم لكى يرفض هذه القرارات والتصرفات ويدعو ويناضل من أجل إلغائها حفاظاً على الشرعية الدستورية والقانونية للدولة وللحكم، وهو عين ما يقوم به معارضو الرئيس طوال الوقت.
هذه الاتهامات/ المقولات الثلاث هى فقط نموذج لما يروِّج له الإخوان المسلمون والرئاسة والحكومة وأنصارهم خلال الفترة الأخيرة لتشويه المعارضين لهم وإعطاء أبناء الشعب المصرى الذين تراكمت معاناتهم وطال شوقهم للاستقرار وتحقيق أهداف الثورة الرئيسية من حرية وعدل اجتماعى وكرامة إنسانية- الانطباع بأن المعارضة تسعى ضد مصالحهم ومصالح البلاد، وأنه لا هدف لها سوى المناصب والمقاعد وإلا فالفوضى هى البديل الذى تتبناه. والحقيقة أن تعثر الثورة وشيوع الفوضى وضياع مصالح البلاد والعباد تبدو كلها رهناً ونتيجة مباشرة لتصرفات الحكم ومن يقفون وراءه ومعه بعد أن أعطاهم الشعب الثقة فلم يكونوا على قدرها وراحوا يستخدمون نفس وسائل النظام السابق الساقط فى ترويج مقولات واتهامات باطلة فاسدة لتشويه معارضيهم، وكأنهم لم يعوا أبداً دروس التاريخ وآخرها درس ثورة يناير العظيمة.
الليبراليون ... والصدام مع اختيار الشعوب
بقلم: محمد عبدالله المطر عن الراي الكويتية
منذ بداية القرن الماضي ومع بداية انتشار وقوة التيارات والافكار الاسلامية بتنوعها والصراع بينها وبين القوى العلمانية والليبرالية بتنوعها شديد وكبير في كثير من قضايا الفكر والرأي، وتمثل قضية الحريات والديموقراطية واحترام قرار الشعوب وعدم اجبارهم وارهابهم بأي امر هو المأخذ الكبير الذي يأخذه العلمانيون والليبراليون على التيارات الاسلامية.
لقد عاش العلمانيون والليبراليون زمناً طويلاً في تسويق الحريات واحترام قرار الشعوب والديموقراطية والتنظير لذلك في كتبهم ومحافلهم الثقافية وتواجدهم الاعلامي في اللقاءات والمناظرات وحملاتهم الانتخابية وغير ذلك، والتيارات الاسلامية بجميع ألوانها المتشدده او المنفتحة او بينهما لها قناعاتها في التعامل مع هذه الامور من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، إلا ان النظرة العامة من الليبراليين والعلمانيين دائماً سوداء تجاه الاخر، وأنه يرفض الدولة المدنية والحريات ونتائج اختيارات الشعوب والصناديق، وقد شاء الله سبحانه ان يبين حقيقة هؤلاء بعد سنين عندما جاء (الربيع العربي) وقبله في بعض الاماكن، وكان إختيار الشعوب ونتائج الصناديق وضع التيارات الاسلامية في المراكز الاولى وبالغالبية في انتخابات نزيهة وحرة، قالت الشعوب كلمتها دون تهديد ووعيد ورشوة أو تزوير وشكليات خالية من المصداقية وبعد سنين من الحرب على الاسلام والحرب على الاسلاميين في كثير منها واقتلاع جذورهم وتصفيتهم وقمعهم وتعذيبهم وارهاب الشعوب منهم فتحطمت جميع الدروس والمعاني التي افنى العلمانيون والليبراليون اعمارهم في نشرها وتسويقها بين الناس والتي اشتهرت شخصياتهم وبرزت بذلك وكل ذلك بسبب ان الاختيار كان للتيارات الاسلامية!!
وفجأة يبدأ فصل جديد من تاريخ العلمانيين والليبراليين بالنزاع والصدام مع خيار الشعوب وعدم الرضا فيه والموافقه على اي طريقة في الانقلاب ولو كان بالعنف والفوضى وتشويه هذا الامر وعدم الصبر على اي خطأ وزلل من الانظمة والبرلمانات بعد ان كان الاختيار اسلامياً.
ان ما يحدث في مصر تحديداً يمثل وبشكل صارخ هذا النموذج الذي نتحدث عنه، فقد صدمنا بمواقف وتصرفات وكلام هؤلاء العلمانيين سواء في مصر او غيرها بتحريضهم على الانقلاب والتشويه للانظمة وبرلماناتها ودساتيرها بعد ان قال الشعب كلمته واحيانا بالغالبية الساحقة، اما الكارثة التي تجعل العاقل يصاب بالجنون ان يطالب الفلول ومخلفات النظام السابق الذين قضوا عشرات السنين في الظلم والتزوير والاستبداد في الحريات والديموقراطية!! وتقوم الدعوات على عدم الصبر والثورة والانقلاب على اختيارات ليس لها من العمر إلا اشهر معدودة! لإصلاح هذه التراكمات التي عاشت عشرات السنين في اجواء محاربة اقليمية ودولية.
يبدو ان مصطلحات الحرية والديموقراطية واختيار الشعوب واحترام صناديق الاقتراع تتكسر عندما يأتي الاختيار اسلامياً او ليس على هوى الليبراليين والعلمانيين، هناك نماذج واضحة وجيدة من الليبراليين وكانت صادقة باصطفافها مع المبدأ، ولكنها قليلة جداً للاسف ولكل بيان الحقيقة مهم جداً في كشف الخدعة الكبيرة وهي متى لا يؤمن البعض باختيار الغالبية.