-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 345
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]
- في هذا الملــــف:
- رأي القدس: بيريز وحرصه على الدم السوري
- بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
- رحلة أوباما: من الحلم الجميل إلى الكابوس الثقيل!
- بقلم: عبدالله أبو مازن عن القدس العربي
- المشروع الانتحاري
- بقلم: خالد غزال (كاتب لبناني) عن الحياة اللندنية
- «أبارتايد» إسرائيلي
- بقلم: عثمان ميرغني عن الشرق الأوسط
- كيف تشتغل الماكينة الإسرائيلية؟ نموذج جولة بيريز في أوروبا
- بقلم: نهلة الشهال عن السفير البيروتية
- “الإخوان” والثمن السياسي
- بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
- لا خير يرتجى من زيارة أوباما
- بقلم: عليان عليان عن السبيل الأردنية
- الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية
- بقلم: عاطف الغمري عن الخليج الاماراتية
- حكم الإخوان يغتال الثورة ولا يبنى مصر
- بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
رأي القدس: بيريز وحرصه على الدم السوري
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
يلجأ شمعون بيريز رئيس الدولة الاسرائيلية الى تقديم نفسه كزعيم معتدل يتطلع الى السلام، ويستخدم معسول الكلام لكي يقنع مستمعيه خاصة في العالم الغربي.
بيريز الذي زار اكثر من عاصمة عربية ليس معتدلا على الاطلاق وتاريخه حافل بالحروب ويكفي الاشارة الى انه ارتكب مجزرة قانا الثانية اثناء العدوان الاسرائيلي على جنوب لبنان التي راح ضحيتها اكثر من مئة شهيد، معظمهم من النساء والاطفال لجأوا الى مقر للامم المتحدة طلبا للنجاة من صواريخ الطائرات الاسرائيلية المغيرة.
بالامس، واثناء خطابه في البرلمان الاوروبي وقف الرئيس الاسرائيلي محاضرا حول كيفية حقن الدماء في سورية، ووضع حد للمجازر التي ترتكبها قوات النظام وطائراته في مختلف انحاء البلاد.
بيريز دعا الى تدخل قوة تابعة لجامعة الدول العربية لوقف المجزرة التي تجري حاليا في سورية، وافتى بضرورة تشكيل حكومة سورية مؤقتة تضم شخصيات من المعارضة، وقال 'لا يمكننا ان نقف مكتوفي الايدي فيما الرئيس بشار الاسد يقتل شعبه واطفاله'.
لو صدر هذا الكلام عن رئيس سويدي او فنلندي او برازيلي او عربي، فاننا يمكن ان نفهمه ونتفهمه، فحقن دماء الشعب السوري ووقف اعمال القتل التي يتعرض لها مهمة انسانية واخلاقية، لكن ان يصدر عن رئيس دولة تمارس القتل كعقيدة، وتجتاح اراضي جيرانها، وتلجأ الى ارتكاب المجازر لارهاب البسطاء، وتتفنن في ممارسة التطهير العرقي لاقامة كيان غاصب على اراضي الغير فهذه قمة المأساة.
بيريز ليس الشخص الذي يجب ان يعلمنا كيف نتعاطى مع الاوضاع في بلداننا، واذا كان فعلا حريصا على الشعب السوري، فلينسحب من هضبة الجولان التي تحتلها قوات حكومته، وتنهب ثرواتها، وتصدر قانونا بضمها.
في زمن رئاسة بيريز دمرت الطائرات الاسرائيلية مفاعل الكبر السوري قرب دير الزور شمال شرق سورية، واغارت على عين الصاحب قرب دمشق بحجة تدمير قاعدة للجبهة الشعبية القيادة العامة، واغتالت الشهيد عماد مغنية قائد الذراع العسكرية للمقاومة الاسلامية اللبنانية.
وعندما كان بيريز رئيسا للوزراء ارسل طائراته لقصف القرى اللبنانية الآمنة في جنوب لبنان، وارتكبت مجزرة 'قانا 2' في موقع يرفع علم الامم المتحدة الازرق مثلما ذكرنا سابقا، وهي مجزرة وصفها الكاتب البريطاني الشهير روبرت فيسك في برنامج تلفزيوني بانها من ابشع المجازر في تاريخ المنطقة.
لا نجادل مطلقا في ارتكاب النظام السوري مجازر، لكن ما نجادل فيه ونرفضه ان يقدم شخص مثل بيريز، يداه ملطختان بالدماء مثل معظم المسؤولين الاسرائيليين، سياسيين كانوا او عسكريين، على انه حمل وديع يحاضر على العالم في السلام ووقف المجازر.
بيريز الذي يتحدث نيابة عن الجامعة العربية، ويعلن تأييده لارسال قوات تابعة لها الى سورية، ربما نجده يقف يوما على منبرها في ميدان التحرير مخاطبا وزراء الخارجية، وربما الزعماء العرب باعتباره واحدا من اهل البيت تماما مثلما خاطب القمة الاقتصادية في المغرب قبل عقد ونصف العقد من الزمن.
رحلة أوباما: من الحلم الجميل إلى الكابوس الثقيل!
بقلم: عبدالله أبو مازن عن القدس العربي
في الطائرة التي ستقله من الغرب إلى الشرق (قاطعة مساحة واسعة من كرتنا الأرضية، ومارة فوق الجبال والمياه والبشر والشجر والحجر)، سيحلم الرئيس أوباما بشرق المتوسط الجديد.
في الطائرة يمر شريط تكريمه للبطلة روزا باركس (التي رفضت في العام 1955، النهوض من مقعدها في الحافلة ليجلس مكانها راكب أسود) ؛ حيث أشعلت روزا شرارة حريق القوانين العنصرية، وأعتبر بداية ونقلة نوعية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية وتعاظم قوتها .
إن المثل العليا والقوانين والتشريعات التقدمية؛ من شأنها بناء الأمم والدول. والتطور الإيجابي للمثل يعني قيادة الأمة للأمام، والعكس أيضا صحيح، في حالة تشريعات وقوانين سلبية (من ضمنها التوجهات العنصرية) سيؤدي حتما إلى تشظي الأمة (أو الدولة أو حتى المجموعة) ومن ثم زوالها .
لسنا بصدد إستعراض حالات عالمية كبرى من شرق الأرض إلى غربها، تدلل على أهمية وأساس ما تصوغه تلك الأمم من تعليمات وقرارات وقوانين ومراسيم وتشريعات.
إذن أمريكا وصلت القمة! وإنتهى االفصل العنصري الأسود '، وها هو زعيم ا أسود ا يحكم لولايتين متتاليتين، أكبر قوة عالمية حتى اللحظة وتواصل تقدمها ـ بغض النظر عن الإختلاف أو الإتفاق مع سياسة هذه الدولة عالميا وفي منطقتنا وقضيتنا .
في الجهة المقابلة هناك الدولة التي ستطأ قدماه أرضا مرصوفة بقوانين وتشريعات عنصرية (جدار الفصل العنصري، شوارع مخصصة لغير الفلسطينيين، مستوطنات منعزلة على قمم الجبال وتعزل أصحاب الأرض... )، وأخيرا وليس آخرا وقبل أن يستيقظ الرئيس من حلمه الجميل، وهو في أعالي السماء حيث يتلوى جدار الفصل العنصري كثعبان، وقبل دقائق من هبوط طائرة الرئيس، أفسد حلمه كابوس ثقيل: اباصات للفلسطينيين فقط .'
لقد أدان العالم بما فيه أطراف إسرائيلية، هذا الإجراء الجديد من كتاب الفصل العنصري . ضرب الرئيس على رأسه ليفيق تماما من االحلم الأمريكي الأوبامويب الجميل بتكريمه روزا، وكابوس ثقيل بفصل عنصري جديد (بعد عدة عقود من إنتهائه في بلده وغيره من بلدان)... هل يستطيع الرئيس صاحب الولايتين تفسير أحلامه أم سيترك ذلك لشخص آخر، ربما منجم أو رئيس قادم؟
المشروع الانتحاري
بقلم: خالد غزال (كاتب لبناني) عن الحياة اللندنية
لم يكن عبثاً التحصن بسوء الظن من التيارات الإسلامية، وخصوصاً منها الإخوان المسلمين، في انها تتوسل الديموقراطية سبيلاً للوصول الى السلطة، ثم بعدها تنكّل بمسارها وتتنكر لكل الادعاءات في اعتماد هذه الديموقراطية ومعها التعددية في السلطة المقبلة. هكذا، لم يطل الزمن في تونس ومصر لينكشف زيف شعارات هذه التيارات، ولتعلن صراحة عن أهدافها في احتكار السلطة وإلغاء الآخرين وإقامة ديكتاتورية، متوسلة الدين قاعدة للهيمنة والسيطرة. هذه «التقية» سبق وعاشتها ايران زمن الثورة عام 1979 حيث بالغ الخميني كثيراً في ادعاءات الديموقراطية قبل ان يصل الى الحكم، وعندما انهار حكم الشاه، عبر التيارات الاسلامية والليبرالية واليسارية التي لعبت دوراً مهماً في الثورة، انقضّ الخميني على القوى السياسية غير المنتمية الى تياره وأبادها، بمن فيها أعداد غير قليلة من آيات الله الذين لم يكونوا يجارونه في كل ما يقول. على الخطى نفسها يسير الإخوان المسلمون الآن في مصر، عبر تشريع هذه الديكتاتورية من خلال الدستور المقترح.
يجري تساؤل واسع عن السبب الذي جعل الإخوان المسلمين يسرعون في الهيمنة على السلطة ومؤسسات الدولة وقوننة هذه الهيمنة، في وقت يتمتعون فيه بالمواقع الرئيسة في الدولة. كان من المتوقع ان تمر بضع سنوات قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، فلماذا هذا الاستعجال؟ في منطق الإخوان، ان ما قاموا به هو العمل الصحيح، خصوصاً انهم بدأوا يكتشفون عجزهم عن تقديم ما وعدوا به في برنامجهم، بل الأخطر ان الاخوان كانوا يراقبون بدقة تآكل شعبيتهم بعدما زالت «التقية» في طرحهم. هذا التراجع في الموقع الشعبي، والإحساس بأن الانتخابات المقبلة ستقلص كثيراً من أعداد ممثليهم، دفع بقيادة الاخوان الهروب الى الأمام نحو تنفيذ الانقلاب الجاري راهناً.
لم يكن الإخوان، بالتأكيد، يتوقعون رد الفعل السياسي والشعبي ضد انقلابهم، كان هناك تصور لديهم بأن الأسلوب الايراني الذي سار عليه الخميني يمكن إسقاطه على مصر، من دون الأخذ في الاعتبار طبيعة المجتمعين وحجم الاحتقان السياسي والشعبي في مصر. يعبّر الاستقطاب الراهن عن وعي مصري بخطورة المسار الذي يسير فيه الإخوان، ورفض العودة الى ديكتاتورية وفاشية اسوأ مما كان عليه نظام حسني مبارك. لم يكن الإخوان في طليعة القوى التي دعت الى إسقاط مبارك، التحقت حركتهم بالانتفاضة وكان لها دورها بالتأكيد، وأفادت من حسن تنظيمها الحزبي ومواقعها الموروثة في قطف ثمار الانتفاضة، بالتواطؤ مع المجلس العسكري وبتشجيع من الولايات المتحدة الاميركية. لكن شهوة السلطة لدى الإخوان تؤدي اليوم الى تجدد هذه الانتفاضة ضد حكمهم بالذات، والى استعادة الانتفاضة من الذين سرقوها. وما الشعارات المرفوعة سوى عينة من الاحتقان والرفض لوجهة الإخوان، وهو المشهد نفسه الذي عاشته مصر قبل عامين ضد نظام مبارك ورجاله.
وضع الإخوان مصر امام مفترق خطير من خلال إصرارهم على الاستفتاء على مشروع الدستور الذي رفضته القوى الليبرالية والديموقراطية والدينية من الأقباط، وانسحب ممثلوهم من الجمعية التأسيسية، فأصر الإخوان على إنجازه بأسرع وقت ودفعه الى الاستفتاء، وهو ما رفضته جميع قوى المعارضة. يطرح الاستقطاب الحاد بين الإخوان والمعارضة سؤالاً عن التوقعات المستقبلية، خصوصاً ان العنف بدأ يسلك طريقه من جانب الإخوان سعياً لضرب المعارضة وتمرير الدستور. تبدو مصر وكأنها على شفا اندلاع حرب أهلية بين مكوناتها السياسية، في ظل انسداد آفاق التسوية مع إصرار الاخوان المسلمين على حسم موضوع السلطة في شكل سريع.
هل يمكن ان تسلك مصر طريق التسوية بما يؤدي الى إلغاء مشروع الدستور المقدم من الجمعية التأسيسية، ثم الاتفاق على دستور توافقي يلبي طموحات الشعب المصري وتطلعاته في اقامة دولة ديموقراطية؟ ان الخطاب الإخواني المتصاعد على لسان قادة الإخوان، مقروناً بالتعبئة الشعبية لشارعهم واستخدام أساليب البلطجة في مواجهة الجماهير المعارضة، لا توحي بإمكان تدارك مخاطر التعنّت الإخواني. انتقل الإخوان الى خطاب فاشي سمته الأساسية «الاصطفائية» من خلال تقديم أنفسهم بشراً غير الشعب المصري، أناساً اصطفاهم الله ليحققوا قيام الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة، وهو منطق يؤدي بالضرورة الى اقصاء القوى غير المتوافقة مع هذا التوجه، والى استئصال القوى المعارضة لسياسة الإخوان. لعل اكثر ما يدعو الى الخطر ان قيادة الإخوان بدأت تصنف قيادات المعارضة في خانة «الخيانة العظمى» وتدعو الى محاكمتهم بل وإعدامهم، كما باتت تصنف سائر الجماهير الشعبية في خانة المجرمين والفاسدين والمارقين بل والزناديق.
ان ما يفعله الإخوان هو عبارة عن تنفيذ مشروع انتحاري، وهو أمر عرفته الفاشيات والديكتاتوريات المستندة الى أيديولوجيات اقصائية ورافضة للآخر. ينظر الإخوان الى التسوية بوصفها هزيمة لمشروعهم، ولأنّ الفاشيات لا تستطيع تحمل الهزائم، فإن المسار الذي قد يدفعون مصر الى سلوكه هو مسار انتحاري عبر إدخال البلاد في حرب أهلية، بما يهدد النسيج الاجتماعي لمصر، ويدخلها في صراع تخرج منه مصر مثخنة الجراح ومفتتة. ان ما تشهده بعض الاقطار العربية من احتراب أهلي ليست مصر بعيدة منه اذا ما رفض الإخوان التنازل عن مشروعهم في الهيمنة والتسلط.
يتطلع كثيرون الى إمكان عودة الخيار العسكري وسيلة وحيدة لإعادة الاستقرار الى مصر ومنع انحدارها في حرب أهلية. لا يصبّ هذا الخيار في دعم المسار الديموقراطي، ولكنه قد يصبح مطلباً جماهيرياً عندما يمعن الإخوان في قيادة مصر الى الهاوية.
«أبارتايد» إسرائيلي
بقلم: عثمان ميرغني عن الشرق الأوسط
«عربي قذر.. تريد دولة؟ هل هذا ما تريده؟».. بعدها انهال الضرب على العامل الفلسطيني الذي روى للصحافة كيفية تعرضه لاعتداء على أيدي نحو عشرين من الشبان اليهود بينما كان يقوم بعمله في تل أبيب. بعد ذلك بأيام تعرض فلسطيني آخر لاعتداء من ثمانية شبان يهود بينما كان يتنزه مع زوجته، وعندما اعتقلت الشرطة أربعة من المشتبه فيهم تبين أن اثنين منهم كانا من المشاركين أيضا في الاعتداء على العامل الأول بتل أبيب.
الصحافة الإسرائيلية اهتمت بالقصتين لا لأنهما حادثتان فريدتان، بل لأنهما جاءتا في وقت تتزايد فيه الاعتداءات الجسدية واللفظية على الفلسطينيين من قبل مجموعات من اليهود المتزمتين، كما تتزايد محاولات الفصل العنصري الموجهة ضدهم مثل محاولات منعهم من ركوب حافلات عامة في بعض الخطوط بعدما شكا مستوطنون يهود من أن وجود فلسطينيين معهم في هذه الحافلات يشكل خطرا أمنيا. وكانت السلطات الإسرائيلية قد امتثلت لرغبة هؤلاء المستوطنين وبدأت الأسبوع الماضي تسيير حافلات مخصصة للعمال الفلسطينيين الذين يسافرون من الضفة الغربية إلى إسرائيل للعمل، في خطوة قوبلت بترحاب من عدد من سكان المستوطنات الإسرائيلية لكنها أثارت جدلا واسعا وانتقدها عدد من الكتاب والمعلقين في الإعلام الإسرائيلي باعتبارها خطوة عنصرية على غرار ممارسات نظام الأبارتايد أيام حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا.
الأمر المثير للسخرية أن وزارة المواصلات الإسرائيلية زعمت أن تخصيص حافلات للفلسطينيين على خطوط منفصلة يهدف إلى حل أزمة تنقلهم على أساس أنهم يواجهون معاناة كبيرة في السفر على الخطوط التي تنقل اليهود من سكان مستوطنات الضفة الغربية، ويضطرون إلى الانتظار على الطريق السريع لأنهم ممنوعون من دخول المستوطنات. هذه المحاولة المفضوحة للتغطية على خطوة عنصرية الطابع لم تقنع منظمة «بتسليم» الإسرائيلية المدافعة عن حقوق الإنسان فوصفتها «بالتمييز المثير للاشمئزاز»، مشيرة إلى أن العمال الفلسطينيين المعنيين بالأمر يملكون في الواقع تراخيص أمنية تخول لهم العمل في إسرائيل، «وبالتالي فإن محاولة التذرع بالأمن أو براحتهم ليست إلا تغطية لعنصرية واضحة»، على حد قول المتحدثة باسم المنظمة.
كذلك كتبت صحيفة «هآرتس» افتتاحية فندت فيها ادعاء وزارة المواصلات الإسرائيلية ووصفت الإجراء بأنه عمليا «جزء من نظام يقوم على أساس الفصل (العنصري) والتمييز»، بل مضت الصحيفة لتؤكد أن تخصيص حافلات خاصة لنقل العمال الفلسطينيين «هو جزء من فصل مبدئي أكثر بين السكان، وجد تعبيره تقريبا في كل مجال محتمل. في فرز مناطق السكن، في منظومات القوانين المختلفة، في التوزيع غير المتساوي للمصادر، وفي نظام الحركة التمييزي»، لتنتهي في خاتمة افتتاحيتها إلى مطالبة نتنياهو بأن يأمر فورا بوقف هذا الفصل العنصري.
هذه التعليقات، التي هاجمها بالطبع اليهود المتطرفون واعتبروها حملة من اليسار الإسرائيلي، تعكس جانبا من الجدل حول أجواء التوتر بسبب تصاعد الهجمات والإجراءات ذات الطابع العنصري الموجهة ضد الفلسطينيين بمن في ذلك عرب 48 أو عرب إسرائيل كما يسمون. فالإعلام الفلسطيني والإسرائيلي، وأحيانا العربي والدولي، ظل ينقل في الآونة الأخيرة الكثير من القصص عن إجراءات أو اعتداءات تستهدف الفلسطينيين في وقت يتزايد فيه نفوذ اليمين المتطرف، ويتمدد نفوذ المستوطنين الذين باتوا يشكلون ما يوصف بأنه أقوى مجموعة ضغط في إسرائيل. وضمن هذه القصص التي تداولها الكثير من مواقع الإنترنت ووسائل الإعلام أخيرا قصة مرفقة بمجموعة من الصور لاعتداء تعرضت له سيدة فلسطينية في القدس على أيدي مجموعة من الشابات اليهوديات قمن بضربها ونزع حجابها، وعندما حاولت المقاومة قالت لها إحداهن: «إياك أن ترفعي يدك على يهودية»، حسب رواية شهود. وفي ظرف أيام معدودات كانت وسائل الإعلام تنقل الكثير من القصص المشابهة عن اعتداءات على فلسطينيين، رجالا ونساء، تعرضوا إما للضرب وإما الرمي بالحجارة وإما البصق عليهم مع هتافات عنصرية تطالبهم بالرحيل، كما نشرت صور أو مقاطع لتسجيلات فيديو توثق رفض سائقي حافلات لركاب فلسطينيين ومطالبتهم بالنزول.
ما يلفت الانتباه في بيانات وتعليقات الشرطة الإسرائيلية، توصيفها لهذه الاعتداءات بأنها ذات «دوافع وطنية» أو قد تكون الترجمة الأدق أنها لدوافع «قومية»، وهو تعبير يحاول الابتعاد عن دمغها بالتوصيف الصحيح باعتبارها اعتداءات عنصرية تعكس مشاعر العداء المتنامية وأجواء الشحن المستمر، وهي وإن كانت غير جديدة لكنها تتنامى مع صعود تيار اليمين المتطرف وتعالي أصوات ونفوذ المستوطنين والمتدينين المتعصبين. ومهما حاول البعض طمس الحقائق فإنه من الصعب إنكار أن إسرائيل بهذه الممارسات تبني جدارا عازلا آخر مع الفلسطينيين بعد الجدار الخرساني الذي أنفقت عليه الملايين، وعكفت على بنائه لسنوات ولا تزال تعمل على مده مساحات إضافية لتعمق الفصل العضوي والنفسي بينها وبين الفلسطينيين، وبهذا تذهب أبعد مما ذهب إليه نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا.
في مثل هذه الأجواء ليس مستغربا أن يتزايد الحديث عن احتمال انفجار الأمور في الأراضي الفلسطينية واندلاع انتفاضة ثالثة قد تكون أقوى وأشرس لأن الأوضاع أسوأ، والإحباط أشد، وأفق السلام تبدو مسدودة تماما. والفلسطينيون قد يجدون دفعا من وحي مناظر المظاهرات والاشتباكات التي تسيطر على شاشات التلفزيونات يوميا منذ انطلاق «الربيع العربي»، كما أنهم قد يجدون دعما من الشباب المشحون والمحبط والمتحفز في دول هذا الربيع. إضافة إلى ذلك فإن الأوضاع بالمنطقة أشبه بالرمال المتحركة مع انتشار السلاح في أيدي جماعات كثيرة، ووجود أطراف قد ترى في اشتعال انتفاضة فلسطينية فرصة للهروب من أزماتها الداخلية.
أوباما القادم إلى المنطقة الأسبوع المقبل لإجراء محادثات في إسرائيل ورام الله قد لا يكون جاء مستمعا مثلما كان الحال مع وزير خارجيته الجديد جون كيري، وفي الوقت ذاته قد لا يكون حاملا جديدا يحرك جهود السلام المتوقفة، لكنه لو أبقى عينيه مفتوحتين سيرى على أرض الواقع معاناة الفلسطينيين، فيدرك مخاطر تجاهل هذا الواقع أمنيا وسياسيا.. وأخلاقيا.
كيف تشتغل الماكينة الإسرائيلية؟ نموذج جولة بيريز في أوروبا
بقلم: نهلة الشهال عن السفير البيروتية
قد يكون التمرين نافلاً. فكل ما يمكن أن يُلاحَظ بمناسبة الزيارة الحالية لشمعون بيريز إلى بلجيكا وفرنسا، وخطابه أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، معلوم. المفاجأة الوحيدة، لو صحت التسمية، تتعلق تحديداً بالقدرة المذهلة على استعادة الرواية نفسها وتكرارها، كشكل للمساهمة الممكنة في إبقائها حية وتجديد صناعتها.
اختار الرئيس الإسرائيلي موعداً لزيارته في تاريخ الفعلة البشعة التي ارتكبها العام الفائت محمد مراح، وصارت تعرف بـ«جريمة تولوز»، وذهب ضحيتها معلم في مدرسة يهودية وثلاثة تلامذة، فتحولت إلى قميص عثمان إسرائيلي، يُخرَج ويُلوَّح به كلما دعت الحاجة، كعلامة على الاضطهاد المستمر لليهود. ما زالت الرواية الفعلية للحادثة من الأسرار التي ربما يماط عنها اللثام يوماً ما، عندما تفتح وثائق الاستخبارات. فهل هي الصدفة وحدها التي حملت الشاب المختل على فعلته المدوية، التي سبقها بأيام قليلة بإطلاق النار على جنود فرنسيين، فقتل واحداً بداية وبعده بأيام اثنين، وأعطب رابعاً (وهم جميعهم من المظليين، والقتلى ثلاثتهم من أصول إسلامية)، من دون أن تحصل الضجة نفسها عندما تعلق الأمر بالمدرسة اليهودية. وهذا ربما كان «طبيعياً» لاعتبارات عديدة. ولكن الأهم، من دون أن يتم كشف مراح وإيقافه، مع أنه معروف من الأجهزة. وقتها كان موسم انتخابات، وهو ما هَمَّ الرئيس السابق ساركوزي، وكلود غيَّان، وزير داخليته الذي انتمى في شبابه إلى تنظيمات اليمين المتطرف شبه الفاشية، ثم أصبح أحد رموز تلك الشريحة التي أحاطت بساركوزي، مراوِحة ما بين الأمن والسياسة.
تمَّ فرنسياً استغلال تصفية مراح في عملية استعراضية، ولكن الإخراج كان رديئاً فلم يؤد الغرض، وكان الرئيس الفرنسي على كل حال قد استنفد رصيده، ولم تعد تنفعه مثل هذه الحركات. الاستغلال الحقيقي جرى إسرائيلياً، فمهارة الابتزاز هنا مصقولة جيداً. ورغم ذلك، فللأشياء حدودها، وقد طوى الوقت بعد حين حفلة التطبيل الصهيونية، وها بيريز لا يفوت المناسبة. وهذا أيضاً طبيعي!
ولكن لجولة بيريز أهدافاً أخرى، تتجاوز العناية الشديدة التي يوليها الإسرائيليون لرواية تفاصيل التاريخ وفق رؤيتهم. فهو يحرِّض على إيران بالطبع، وقد تلقى أجوبة متحفظة، وإن بأدب، ولكن ذلك لا يمنع. وهو يسعى إلى إقناع أوروبا بوضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب. لن يحقق ذلك، فالدول الـ27 «منقسمة حول الشأن» كما يقولون بتهذيب غامض، وفي نهاية المطاف، لا ترغب أي واحدة من الأساسيين من بينها بذلك. يمكن لبيريز، بسنيه الـ89، وبنوبل للسلام التي يحملها، أن يسعى قدر ما يشاء إلى نفض الغبار عن نفسه واستعادة بعض البريق واعتبار خطابه أمام البرلمان الأوروبي «تاريخياً». هذا شأنه.
جولة الرجل هي قبل أي شيء نموذج، بمعنى العينة. تتمكن الآلة الدعاوية الصهيونية من تحويل احتجاجات تنظيمات بلجيكية وفرنسية متضامنة مع نضال الشعب الفلسطيني، ومناهضة للسياسة الإسرائيلية، من تحويلها إلى «رفض للحوار»، والى معاداة للسامية. هل بينها تنظيمات يهودية؟ لا يهم. فهؤلاء لهم تسمية في العرف الصهيوني: «كارهو الذات». نوع من المرض النفسي كالمازوخية. ولا يجاب بالطبع على: أي حوار هو المقصود، وحول ماذا؟ وإلا أصبحت الأمور تندرج في لياقات صالونات الشاي التي تحبها السيدات البورجوازيات المتقدمات في السن، والمتبطلات والضجرات. يمعن بيريز في الإبهام، فيقول بنفسه هذه المرة، في المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وكأنه يذيع سراً ثميناً، إن زيارة أوباما المرتقبة في 20 آذار إلى إسرائيل، ستكون «فرصة جيدة لإعادة إطلاق عملية السلام»! مع أن الرئيس الأميركي قال بوضوح إنه لا ينوي التقدم بأي مبادرة سلمية خلال زيارته تلك. فمن منهما كاذب؟ وأي عملية سلام بعدما دَفنت إسرائيل، وما زالت تفعل بشغف بلا توقف، كل احتمال لإيجاد عناصر «تسوية تاريخية» (هذا ما قيل في توصيف اتفاقيات أوسلو)، هي شبه مستحيلة أصلاً حتى لو صدقت النوايا، بسبب معطيات تتعلق بالمنطق الذي شيِّدت عليه إسرائيل، ما يجعل أي تعديل فيه ينسف «المشروع» من أصله؟
ولكن لماذا يكذب بيريز؟ لأن تسويق احتمال الوقوع على تسوية تاريخية عبر مفاوضات سلمية، هو جزء من عملية توفير تغليف أو تمويه للإجراءات الاستيطانية المتعاظمة، وآخرها وليس أخيرها توسيع المستوطنات حول القدس، وافتتاح خط الترام المقدسي، أو قطار «الابرتهايد» كما يسمى الخ... وهو من جهة ثانية، وفي الوجهة نفسها، وسيلة لامتلاك خطاب أصلاً: قول عكس ما يُفعل، والأمل بأن العملية التضليلية يمكن أن تنجح، وذلك بفضل سطوة خصائص معينة على تسويق الأفكار والمحاجات، منها ما يتعلق بقوة القصف الإعلامي المستمر الذي يكرر مقولات بعينها حتى تصبح حقائق، في زمن اللحظوية، حيث لا وقت للتوقف أمام أي شيء. والإعلام ليس محايداً كما نعرف، وننسى، بل هو جزء من شبكات اشتغال النظام المهيمن، والقوى السياسية والاقتصادية المرتبطة به. وهذه يمكنها تجاهل الوقائع، وآخرها، الذي سبق وصول بيريز إلى أوروبا، هو تقرير «اليونيسيف» الصادر في 6 آذار، الذي يقول إن إسرائيل تعتقل كل عام، وتسيء معاملة 700 طفل فلسطيني تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً بتهمة إلقاء الحجارة على دورياتها. غيض من فيض.
في بلجيكا، احتفل بيريز بالمحرقة، واكتشف 22 مواطناً بلجيكياً سلّمهم أو سلم ذويهم ميداليات، علامة على تسجيلهم كـ«عادلون» لأنهم أنقذوا حياة يهود خلال الحرب العالمية الثانية، معرضين حياتهم هم للخطر. وهذه أيضاً طريقة مدهشة للإبقاء على شعلة الاستثناء قوية، لأن اليهود الذي أنقذوا بفضل حماية آخرين لهم، يبلغ عددهم في بلجيكا وحدها أكثر من سبعين ألفاً. ولمزيد من الشرح في هذا الصدد الرجاء مراجعة كتب باحثين مثل نورمان فنكلشتين صاحب «صناعة المحرقة»، أو شلومو ساند صاحب «كيف اختُرع الشعب اليهودي»، من بين سواهما.
وأخيراً استقبل بيريز خلال زيارته الفرنسية إمام جامع «درانسي» في ضاحية باريس، حسن الشلغومي، ومعه أئمة، جمعهم الرجل وصنع منهم جمعية أسماها «منتدى أئمة فرنسا». والزيارة لا صلة لها البتة بالتسامح، بل لها وظيفة سياسية جلية. الشلغومي كان قد زار إسرائيل بمناسبة جريمة تولوز تلك، ليقول هناك كما قال منذ أيام في باريس إنه يكافح الأصولية والتطرف الإسلاميين. لدرانسي تلك خصوصية، فهي واحدة من محطات تجميع وتسفير اليهود الفرنسيين خلال المحرقة. والواقع في فرنسا اليوم، التداخل في ضواحي المدن الكبرى، وبالأخص في باريس، لأبناء الهجرة وهم بمعظمهم مغاربيون ويهود. والشلغومي وجد لنفسه مهمة تميزه عن آلاف الأئمة الصغار، حيث هناك خمسة ملايين مسلم في فرنسا على الأقل، يزدهر الى جانبهم آلاف المشايخ من كل صنف. والرجل يرتضي حماية بوليسية فرنسية مستمرة، بسبب «تميز» مواقفه.
ها قد وجد الصهاينة مبتغاهم: «ضحية» من المسلمين للمسلمين الوحوش، الذين لا يتفهمون لماذا يمكن لشيخ ينطق باسم الدين أن يكون سميكاً إلى هذا الحد تجاه معاناتهم، ووقائع الاستعمار (والرجل نصف جزائري) ووقائع اضطهاد الفلسطينيين المستمرة، ولا يكون حساساً رقيقاً إلا تجاه مأساة اليهود التاريخية التي لا يريد الصهاينة وضعها في إطار زمني وسياسي، أي تأريخها، بل يحبون جعلها ليس استثناء في الجرائم ضد الإنسانية فحسب، لا شبيه لها، (ومن يقول عكس ذلك يصبح معادياً للسامية، بل جعلها أيضاً مستمرة حتى اللحظة.
هذا كله: الكذب وتسويق الأوهام وتجارة المحرقة وقلب المواقف والابتزاز... ما جاء بيريز لخدمته. ليس لأنها علامات انحراف في العقل اليهودي، كما يُظن بسذاجة، بل لأنها شرط بقاء إسرائيل، المخالف للطبيعة.
“الإخوان” والثمن السياسي
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
بعد العدوان “الإسرائيلي” الواسع الأخير على غزة، أتيح لرئيس حركة “حماس” خالد مشعل أن يدخل إلى غزة من معبر رفح بالتزامن مع احتفالات “حماس” بذكرى تأسيسها . ليس مجدياً الدخول في جدل حول سبب سماح “إسرائيل” لمشعل الذي سبق لها أن حاولت اغتياله عام 1997 في عمّان، ورفضها السماح لرئيس حركة الجهاد الإسلامي رمضان شلّح ونجل أمين عام الجبهة الشعبية - القيادة العامة بالدخول إلى غزة، فدائماً للكيانات الاستعمارية حساباتها .
لا داعي أيضاً للتركيز على الأجواء الاحتفالية التي أحيطت بها زيارة مشعل لغزة، ذلك أن حركته خرجت منتشية من الحرب التي صمدت فيها المقاومة وعلى رأسها “حماس”، وكان ذلك ملائماً للحركة أن تصوّر زيارة رئيسها لغزة بمثابة “دخول الفاتحين”، وقال البعض حينها إن من حق الحركة ذلك لكن العبرة في الخواتيم .
الفلسطينيون المنتشون بانتصار الصمود كان انتشاؤهم أكبر بالأجواء التصالحية التي رافقت احتفالات “حماس” التي غلّفت خطابات قادتها التي أنعشت آمال الفلسطينيين والمتعاطفين معهم بقرب إنجاز الاستحقاق الأهم، وليس هناك ما هو أهم من المصالحة الفلسطينية .
بالعودة إلى الوراء، ما أن تراجع وهج الحرب على غزة، حتى “عادت حليمة لعادتها القديمة” . عاد مسؤولو “حماس” و”فتح” لمناكفاتهم إياها، وأثبتوا أنهم أكثر ولاء للانقسام منه للمصالحة، لكن ما ظهر أكثر وضوحاً أن “حماس” حاولت توظيف نتائج الحرب لفرض شروط جديدة، في إشارة إلى نتائج حرب غزة، وكذلك التغيير الذي حصل في مصر بتسلّم الإخوان المسلمين، الحركة الأم ل “حماس” السلطة في الجارة الكبرى لغزة .
في هذه الأيام نكاد القول إننا عدنا إلى المربّع الأول، فحتى حديث المصالحة تبخّر وترك مكانه أسطوانة الاتهامات المتبادلة، وآخرها الحديث عن مفاوضات سرية بين “حماس” ومسؤولين أمريكيين وأوروبيين تحت عنوان شطب الحركة من قائمة “الإرهاب” .
ولعل تصريحات بعض قيادات الحركة حول قرب إخراج الحركة من القائمة تعطي نوعاً من المصداقية لهذه الأحاديث . وفي هذا الصدد ينبغي القول إن وصف حركات المقاومة ب “الإرهاب” من جانب إرهابيين وداعمين حقيقيين للإرهاب أمر فيه واحدة من مفارقات عصر الإرهاب المعولم . كما أن من نافل القول إن شطب “حماس” من قائمة الوصف المجحف أمر إيجابي وإنجاز مهم، لكن من حق أي منا أن يسأل عن ثمن هذا التغيّر في الموقف الأمريكي الأوروبي إن حصل، لأن أحداً لا يمكنه أن يكون مقنعاً إذا ذهب للقول إن هكذا قرار سيكون بلا ثمن سياسي . أحد قيادات “حماس” يقول إنه من غير المعقول أن يدعم الغرب إسلاميي مصر وتونس، ويبقى على موقفه من امتدادهم الفلسطيني . هذا كلام صحيح، لكن السؤال المشروع يطل برأسه مجدداً: هل دعم الغرب لصعود الإسلاميين في مصر وتونس وغيرهما، بلا ثمن سياسي؟ الجواب يعبّر عنه تأكيد النظام “الجديد” في مصر “احترامه” لاتفاقيات “كامب ديفيد” وحملته غير المسبوقة على الأنفاق التي تمثّل شريان الحياة لأهل غزة في ظل بقاء معبر رفح مغلقاً، وكذلك في الإشارات التطبيعية الواردة في أكثر من مناسبة على لسان قادة “النهضة” في تونس، وهرولة “ثوار” آخرين على الإعلام “الإسرائيلي” مع وعود بزيادة عدد سفارات الكيان في “بلاد العرب أوطاني” .
لا خير يرتجى من زيارة أوباما
بقلم: عليان عليان عن السبيل الأردنية
بدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في فترة رئاسته الثانية آمال الجانبين الفلسطيني، والعربي الرسمي، بأنه سيطرح مبادرة جديدة لإحياء ما يسمى عملية السلام في زيارته الأولى المنطقة أو أنه سيكون، أكثر صلابةً في مواجهة الموقف الإسرائيلي المتغطرس حيال الاستيطان، حيث جاءت تصريحاته عشية الزيارة بأنه لا يملك أية أفكار بشأن «عملية السلام» لتشكل صدمة لكل المراهنين على هذه الزيارة.
وكان الجانبان الفلسطيني والعربي الرسمي، قد بنينا رهانهم ارتباطاً بعدة توقعات منها:
أولاً: أن أوباما في فترة رئاسته الثانية سيكون متحرراً من الاستحقاقات السابقة، ممثلة بالسعي لكسب اللوبي اليهودي وأصوات اليهود في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التالية.
ثانياً: التوقعات البائسة في أن الرئيس أوباما سيثأر لنفسه من نتنياهو، ومن اللوبي اليهودي الذي اصطف في الانتخابات الرئاسية إلى جانب مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني، ومارس دوراً تحريضياً ضد أوباما.
ناهيك عن أن العرب بنوا آمالاً على استياء أوباما من تدخلات نتنياهو واللوبي اليهودي في تعيين أوباما بعض الوزراء، وخاصة تعيين وزير الدفاع تشاك هاجل بزعم أنه معاد «إسرائيل».
لكن هذه التوقعات ذهبت هباءً، ولم تستند إلى القراءة الموضوعية لموقف الحزبين الجمهوري والديمقراطي من «إسرائيل»، وأن الموقف من دعمها في المجالات كافة، ثابت من ثوابت السياسة الأمريكية حتى لو تمردت «إسرائيل» في هذه الجزئية أو تلك على مقتضيات الاستراتيجية الأمريكية، وما يتفرع عنها من تكتيكات حيال التسوية مع الفلسطينيين، أو بشأن قضية البرنامج النووي الإيراني.
كما أن هذه التوقعات والآمال لم تستفد من تجربة الفترة الرئاسية الأولى للرئيس أوباما، الذي بدأ عهده آنذاك بخطابيه الشهيرين في جامعة القاهرة وأسطنبول، والذي ركز فيهما بشكل كبير على وقف الاستيطان بشكل أغرى فيه الجانب الفلسطيني، على تبني شرط وقف الاستيطان للعودة للمفاوضات.
لكن أوباما، وأمام صلف وغطرسة حكومة نتنياهو بدأ في حينه يتراجع عن مطالبه بوقف الاستيطان، وبات يتوسل نتنياهو في نهاية عام 2010 تجميد الاستيطان لثلاثة أشهر فقط مقابل امتيازات مالية ودعم عسكري غير محدود لـ»إسرائيل»، لكن نتنياهو أدار الظهر له، وأصبح أوباما محل تندر الصحافة الإسرائيلية على نحو «أوباما ينضج بالتدريج في قدر –طنجرة- نتنياهو».
ولم يكتف أوباما في حينه بالتراجع المذل أمام نتنياهو، بل راح يضغط على الجانب الفلسطيني بالعودة للمفاوضات دون قيد أو شرط، متجاهلاً حقيقة أن وقف الاستيطان، استحقاق منصوص عليه في خارطة الطريق، و»أنابوليس» وغيرهما من مسميات الخداع التسووية.
لقد شكلت زيارة أوباما حتى قبل أن تبدأ مكاسب أولية صافية للجانب الإسرائيلي، دون أن تحقق أية مكاسب حقيقية للجانب الفلسطيني، وبهذا الصدد نشير إلى ما يلي:
أولاً: إعلانه أن سيزور في أثناء جولته المسجد الأقصى، وهذا يعني في المحصلة اعترافه بسياسة الأمر الواقع الاحتلالية في القدس، وأن القدس الشرقية كجزء من القدس الكبرى عاصمة لدولة الكيان الصهيوني.
فأوباما سيزور القدس الشرقية، والمسجد الأقصى تحت حراسة قوات الاحتلال ليس بوصفه سائحاً، يريد أن يكحل عينيه برؤية الأماكن المقدسة، بل بوصفه رئيس الولايات المتحدة؛ وبالتالي فإن مثل هذه الزيارة تنطوي على مغزى سياسي كبير.
ثانياً: تصريحاته في أثناء لقائه مع 25 شخصية يهودية في واشنطن أنه سيؤكد في أثناء زيارته المنطقة، دعمه القوي «إسرائيل» الديمقراطية الحديثة! وسيعرب عن إعجابه بتاريخ اليهود وإنجازاتهم، وأنه سيطمئنهم من خلال هذا الدعم الذي سيشمل موقفاً قويا ضد البرنامج النووي الإيراني، وتجديد الالتزام، بالوقوف إلى جانب «إسرائيل» في مواجهة إيران.
ثالثا: تصريحاته في أثناء اجتماعه مع عشر شخصيات عربية أمريكية، تنتمي إلى فريق العمل الأمريكي من أجل فلسطين واللجنة الأمريكية العربية لمحاربة التمييز، والمؤسسة العربية الأمريكية، بأنه لا يحمل في زيارته المنطقة أي مبادرة جديدة، وأنه لا ينوي التقدم بأي أفكار محددة لإحياء المفاوضات وأنها مجرد زيارة استكشافية.
وهكذا فإن دعم «إسرائيل» هو الهدف الحقيقي من زيارته المنطقة، أما الشق الفلسطيني من الزيارة فهو يحتاج إلى استكشاف، وكأنه لا يعرف تفاصيل ما جرى ويجري بشأن موقف كل من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حيال ملفات القدس، والحدود، والاستيطان التي خبرها جيداً على امتداد فترته الرئاسية الأولى.
ما يعني أن زيارته «إسرائيل» تحمل أجندة محددة على صعيد الدعم المادي والعسكري، وعلى صعيد تنسيق الموقف من إيران، وأن زيارته رام الله لا تعدو كونها مجرد زيارة علاقات عامة وليس أكثر، وتنطوي على ترضية عبر تقديم 500 مليون دولار كانت مخصصة للسلطة الفلسطينية، وعلقت في السنة الماضية من قبل الكونغرس؛ احتجاجاً على بعض مواقف السلطة الفلسطينية.
الخط الساخن بين “الإخوان” والإدارة الأمريكية
بقلم: عاطف الغمري عن الخليج الاماراتية
هل كان هناك خط ساخن قديم، بين الإدارة الأمريكية والإخوان المسلمين؟
خلال فترة عملي لسنوات بالولايات المتحدة، مديراً لمكتب “الأهرام”، ومن خلال متابعة ما يقترب من شؤوننا في المشهد السياسي هناك، لاحظنا اتصالات تجري مع شخصيات من الأمريكيين الإخوان . . ومنعاً لسوء الفهم، هم مصريون هاجروا إلى الولايات المتحدة، وكانوا أصلاً منتمين جماعة الإخوان، وتجنسوا بالجنسية الأمريكية .
كانت الرسالة التي اهتموا بنقلها إلى الأمريكيين الذين اهتموا هم أيضاً بسماعها منهم، طمأنتهم، إلى أن الإخوان، لو حدث أن وصلوا إلى الحكم، فلن يقفوا في وجه المصالح الأمريكية في المنطقة، ومن المعروف أن عدداً من الإخوان المهاجرين إلى أمريكا، لهم أنشطة ومنظمات واستثمارات .
هنا نستعيد ما ذكرته هيلاري كلينتون في يونيو/ حزيران ،2011 من أن الولايات المتحدة، سوف تستأنف اتصالاتها Contacts التي كانت قائمة في السنوات الأخيرة مع الإخوان المسلمين .
وهو ما فسرته مصادر بوزارة الخارجية في واشنطن، بأن هذه الاتصالات، كانت قد تمت، خارج القنوات الرسمية للسياسة الخارجية، بدعوة من البعض بالمخابرات المركزية، ووزارة الخارجية، الذين دعوا إلى اتباع سياسة “ارتباط”، بالإخوان المسلمين .
هذه الاتصالات الاستطلاعية، اتخذت منحى جديداً وجدياً، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 بعد أن انتاب القلق صناع السياسة الخارجية، نتيجة ظهور ترحيب في دول عربية، بما يفعله بن لادن، وهو ما أزعج دوائر صنع السياسة الخارجية . عندئذٍ بدأ يظهر مفهوم، مضمونه السعي إلى التعامل مع نموذج بديل للإسلام المعتدل، لموازنة التوجهات التي تميل إلى تقبل العنف .
وتحدث عن هذا المفهوم بشكل صريح، بول وولفويتز نائب وزير الدفاع في حكومة جورج بوش الابن، وأحد المفكرين البارزين لحركة المحافظين الجدد الذي اعتبر أن تركيا هي النموذج الأمثل للإسلام المعتدل .
وتقليدياً، كانت النظرة الأمريكية للتطورات السياسية في العالم، تقاس بقدرة أمريكا، على إبقاء هذه التطورات تحت السيطرة، بحيث لا تصبح نتائجها سلوكاً مستقلاً بذاته .
ويتفق ذلك مع طبيعة النظام السياسي الأمريكي الذي تتصدره مدرستان رئيستان للسياسة الخارجية، إحداهما تعرف بالمدرسة المثالية التي ينادي أصحابها بالهيمنة على العالم، ولو بالقوة، ويعد المحافظون الجدد، جزءاً من هذه المدرسة، وأغلبهم من الجمهوريين، ومنهم جورج بوش (الابن) . أما الثانية، فهي المدرسة الواقعية التي يرى أنصارها، بالسيادة النسبية لأمريكا، وبمشاركة آخرين، وبالوصول إلى ذلك من خلال ترتيبات، وتفاهمات، وعلاقات متبادلة مع دول أخرى .
ويتوزع أنصار هذه المدرسة على الحزبين، فمنهم من الجمهوريين جورج بوش (الأب)، وجيمس بيكر، وبرنت سكوكروفت، ومن الديمقراطيين بيل كلينتون وأوباما .
والمدرستان تختلفان على الوسيلة، لكنهما تتفقان على الهدف النهائي، وكيفية الوصول إليه .
لكن ذلك لا يمنع من أن تتوقف الولايات المتحدة، عن محاولة فرض الهيمنة، حين تجد أن ميزان القوى، يعمل لمصلحة الطرف الآخر، نتيجة امتلاكه القدرة على بناء بنيان اقتصادي متين في الداخل، ولديه استراتيجية أمن قومي للسياسة الخارجية، وهي أدوات من شأنها أن تعيق قدرة أمريكا على فرض إرادتها على الطرف الآخر .
وحين قامت ثورة مصر في 25 يناير، فإنها أوجدت أمام أمريكا حالة من عدم اليقين، فقد ظلت لا تعرف إلى أين سينتهي مسار الثورة، وهل ستجني مصر بعدها ثمار هذه المقومات؟ أو أن الأمر سينتهي إلى حالة من التشوش السياسي الداخلي؟
ومن أجل أن تستقر الولايات المتحدة على فهم ما يجري، فقد توافدت على مصر شخصيات عامة، ومسؤولة، ولوحظ بشكل خاص زيارات لهم إلى مقار الإخوان المسلمين، وعقد جلسات مع قادتهم، حتى ممن هم خارج الدائرة الرسمية للسلطة .
ولم تكن هذه اللقاءات مقطوعة الصلة، بما سبق، بل هي استمرار للاتصالات Contacts القديمة، للتأكد من الالتزام بما سبق أن وعدوا به . هنا، نتوقف أمام ما كتبه في أول فبراير/ شباط ،2011 بروس رايدل، رجل المخابرات الأمريكية المعروف باهتماماته بمنطقة الشرق الأوسط الذي عمل أيضاً مساعداً لوزير الدفاع في ولاية كلينتون الأولى، ثم بعد ذلك أحد مستشاري أوباما، للشرق الأوسط . فقد كتب مقالاً بعنوان: “لا تخشوا الإخوان المسلمين في مصر” . وقال إن الإخوان يمكن أن يكونوا البديل الأكثر مسؤولية في مصر . وهو مقال أثار جدلاً كبيراً في حينه، ورد عليه كتاب أمريكيون، معددين تاريخ الإخوان من بداياته .
إن ما كتبه رايدل، وما صرحت به هيلاري كلينتون، ثم ما ذكره جون كيري في يونيو/ حزيران ،2012 عقب لقائه الرئيس محمد مرسي، حين قال: “أثناء حديثي معه، وجدت أنه يفهم أهمية علاقة مصر بعد الثورة مع أمريكا و”إسرائيل”” . كل هذا يلقي الضوء على رخاوة الموقف الرسمي الأمريكي، إزاء ممارسات النظام في مصر، وتوالي أعمال العنف ضد المتظاهرين، وهو ما ظهر في تسجيلات فيديو مسجلة بالصوت والصورة، عرضت على شاشات قنوات فضائية .
إن أمريكا كانت قد وجدت نفسها في حالة من الارتباك الشديد، عقب ثورة 25 يناير، واتسم موقفها المبدئي، منذ 25 يناير وحتى 11 فبراير، بالميل إلى تأييد انتقال سلس للسلطة، إلى أحد رجال مبارك . وهو ما أفصح عنه بوضوح، نائب الرئيس جو بايدن . ثم تغير الموقف، إلى ترحيب بالثورة، بعد إطاحة مبارك، والتي قامت من أجل الديمقراطية، وهو ما كانت أمريكا تدعو إليه .
والآن هناك عنصران يحكمان موقف إدارة أوباما، الأول: أنها مع الديمقراطية، مادامت لا تتعارض مع المصالح الأمريكية .
والثاني: أنها وضعت في حساباتها، احتمالات، اضطرارها، إلى إعادة صياغة العلاقة المتبادلة مع مصر، على أسس جديدة في حالة إذا ما تطورت الأوضاع السياسية في مصر، بقيام نظام لديه رؤية استراتيجية، وخطة تنمية اقتصادية واضحة، تسمح للدولة خلال فترة قصيرة بأن تقفز إلى مرحلة الإمساك بزمام مصيرها، وامتلاك إرادتها، في علاقاتها الخارجية .
لكن انتظارها طال، نتيجة تفكك المشهد السياسي الداخلي، وغياب أي رؤية سياسية، واقتصادية، لإعادة بناء الدولة . ولما كانت القاعدة الأساسية، في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، هي أن أمريكا تضع يدها في يد من بيده السلطة، فقد كان تآلفها مع الإخوان، الطرف الثاني في الاتصالات القديمة والمتجددة، هو الأفضل لها، ولو مرحلياً .
حكم الإخوان يغتال الثورة ولا يبنى مصر
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
تتهاوى الآمال العراض التى أطلقتها ثورة الشعب المصرى العظيمة فى 25 يناير 2011 والإنجاز التاريخى «لشباب الميدان» الذين قدموا نموذجا فذا للجيل الجديد من الفتية الذين آمنوا ببلادهم وهبوا لإسقاط نظامها بشيخوخته وعجزه وضعفه أمام العدو واستقوائه على أهل مصر إلى حد تجويعهم ودفعهم إلى الهجرة، بكفاءاتهم، وبيع قدراتهم لمن يقدم لهم أسباب الحياة.
وها إن القلق على مصر والخوف على الثورة ــ الأمل والغضب والنقمة على السلطة الإخوانية التى أوصلتها المصادفات وارتباك الميدان وافتقاده القيادة الموحدة، يسود مصر جميعا، ويتخطاها إلى الشعوب العربية التى رأت فى ثورة مصر مدخلا للعودة إلى التاريخ، بعدما أخرجتها أنظمة العنف والعجز منه وكادت تخرج البلاد من الجغرافيا، موحدة على الأقل(نموذج السودان، العراق، سوريا، ليبيا..).
بل إن كلمات وتعابير مثل «الحرب الأهلية» و«الانفجار الواسع»و «الفتنة» باتت رائجة ومتداولة مترافقة مع أمثلة حسية عن تهاوى «الدولة» و«فقدان السيطرة» واللجوء إلى الجيش لحفظ الأمن فى أكثر من منطقة وجهة فى أرض المحروسة.. وبقدر ما يقلق هذا الواقع المر المصريين فإنه يحبط الآمال بالتغيير نحو الأفضل فى البلاد العربية جميعا، استنادا إلى أحقية مصر فى دور القائد وإلى نصاعة الشعارات التى رفعت والشجاعة المميزة التى طبعت تصرفات شباب الميدان فقدروا أن اللحظة التاريخية التى انتظروها طويلا لكى تعود القاهرة عاصمة الغد العربى وقاطرة التقدم وقيادة التغيير نحو الأفضل فى أربع رياح الأرض العربية، قد دقت ساعتها.
ولم يعد كافيا أن يقال: إن تجربة الإخوان المسلمين فى الحكم قد فشلت!. فهذا ليس حلا للازمة الخانقة التى تشل قدرات مصر وتزرع الفتنة فى صفوف شعبها الذى ظل موحدا طيلة تاريخه، والذى عاد فأكد صلابة هذه الوحدة فى «الميدان».
صار السؤال المقلق: كيف ومتى وبمن يمكن إخراج مصر من هذا المأزق المصيرى الذى يكاد يعيد الاعتبار إلى عصر الطغيان الذى يتبدى مع ما هو واقع الآن كاريكاتوريا، خصوصا وأنه يهدد فى هذه اللحظة دولتها جميعا ووحدة شعبها، فضلا عن انه يلغى دورها القيادى، بل الريادى فى أمتها ومنطقتها والعالم الإسلامى ومعسكر عدم الانحياز.
اللافت أن العالم كله، والعرب بالدرجة الأولى، وأهل مصر أساسا يُشغلهم القلق على أوضاع مصر فى يومها وفى غدها أكثر مما تظهر تصرفات الحكم بقيادته الإخوانية فى مواجهة موجة الاضطراب الواسع التى تكاد تذهب بهيبة الدولة وتضعف دور مؤسساتها العريقة، وتنذر بمخاطر غير محدودة على الغد.
ويبدو الفارق جليا بين التجربة الإخوانية فى السلطة فى تونس وتجربة الإخوان فى مصر.. إذ كان إخوان تونس «أذكى» وأكثر حكمة، (حتى الآن على الأقل) من رفاقهم المصريين وحاولوا امتصاص حالة الغضب الواسعة التى كانت جاهزة للتفجر، اعتراضا على هيمنة الإخوان على مراكز القرار وعجزهم عن حل أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية.. فلما وقعت جريمة اغتيال المناضل شكرى بلعيد سارعوا إلى تعديل فى واجهة حكمهم قد لا تكون العلاج لمأزق جنوحهم إلى الهيمنة ولكنها قد تعطى شعبهم فرصة للتنفس والتسليم مؤقتا بهذا الحكم الائتلافى بالقيادة الإخوانية الذى لم ينجح فى حل الأزمات الاجتماعية ــ الاقتصادية التى تختنق فى ظلها تونس.. ولا تنفع فى التخفيف منها تعهدات القائد الإخوانى راشد الغنوشى الذى فضحته بسالة «رفيقه» المناضل الذى لبط كرسى رئاسة الحكومة واستقال حمادى الجبالى.
إن أبسط استنتاج يمكن الخلوص إليه أن الأخوان المسلمين فى مصر يكررون أخطاء تنظيمات الأحزاب السياسية ذات التوجه القومى فى المشرق العربى، البعث وحركة القوميين العرب واليساريين عموما (حتى لا ننسى تجربة اليمن الجنوبي) فى محاولة الهيمنة المطلقة على السلطة واستبعاد الآخرين عن طريق الطعن بوطنيتهم أو بكفاءتهم وقدرتهم على خدمة بلادهم.
بل إن الإخوان الذين يصلون الآن، متأخرين جدا عن زمان بلادهم والعالم، لا ينتبهون إلى أن الشعوب قد عاشت تجارب مع كل القوى التى استولت على السلطة ــ بصورة أو بأخرى ــ ثم احتكرت الوطنية والقومية والتقدمية، والدين جميعا فى بعض الأحيان (حتى لا ننسى صدام حسين وفرضه كتابة «الله أكبر» على علم العراق مع انطلاق حربه على إيران..)... قبل أن تقرر أنها المرجعية العليا فى التعليم وفى التطبيب، فى الاقتصاد وفى التصميم، فى الشئون الخارجية والعلاقات العربية، فى التحالفات والمخاصمات، بل وفى العادات الشعبية وأصول الحديث والضيافة، وصولا إلى رسم إطار للآداب، شعرا ونثرا، رواية وقصة (ولقد كتب صدام، أيضا، روايات وفرض تدريسها باعتبارها فتحا فى تاريخ الأدب العربى وفن السيرة.. وكذلك فعل القذافي!).
لعله الشبق إلى السلطة بعد طول حرمان منها، برغم ادعاء الإخوان الدائم بأنهم الأولىَ بها لأنهم الأعلم والأثقف والأكفأ فضلا عن أنهم الأطهر والأنظف بشهادة «السجادة» و«الزبيبة» وأداء الصلاة فى المكتب، وسط استعجال أصحاب الحاجات.
لعله الإحساس بضيق الوقت والرغبة المتلهفة إلى اقتناص الفرصة: تهيمن الآن أو تخسر فرصتك إلى الأبد!.
أو لعلها بعض الإيحاءات والإشارات المشجعة التى صدرت وتصدر عن الجهات النافذة دوليا: لقد هبت رياحكم، بعدما أثبتم براءتكم من اعتماد سياسة الإرهاب ضدنا، فاغتنموها، وإلا ضاعت فرصتكم!.
لقد تبدت صورة الإخوان الذين اختطفوا السلطة فى مصر بمصادفة قدرية، وأساسا بسبب كونهم التنظيم الوحيد الذى تتسع قاعدته الشعبية باتساع البلاد بعاصمتها ومدنها وجهاتها جميعا وصولا إلى الصعيد وشبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية وكأنهم يتمتعون ــ منفردين ــ بالأهلية والقدرة على حكم مصر.
ولقد تقدموا إلى مركز القرار وهم ممتلئون بأنفسهم: بينهم أصحاب كفاءات واختصاصات فى مختلف المجالات. هم المهندسون والأطباء، الخبراء فى مجال المال والأعمال والربح الحلال عبر تثمير المدخرات، ثم أنهم المدرسون المميزون، وهم العارفون بالدنيا وقد جالوا، كدارسين أو كمنفيين أو كمبتعثين، دول الغرب والشرق جميعا. هم العارفون بالدنيا، والذين اكتسبوا ثقة أصحاب القرار فى مراكز القرار وأثبتوا أهليتهم لمواجهة الخطر النووى الإيرانى ومعه «التشييع» الأشد فتكا وتدميرا.. وهنا تجلت أخطر كفاءاتهم: ليس مهما ما سوف ينجزه حكمهم فى خدمة شعبهم، بل المهم صد الخطر الإيرانى الزاحف على بلاد العرب والمسلمين، والذى يهدد المصالح الغربية وأعظمها إسرائيل.
أى أن الصورة التى قدموها عن أنفسهم تتلخص فى كل ما يطلبه الغرب الامريكى: أنهم إسلاميون ولكنهم ليسوا من «القاعدة» وليسوا فيها، بل أنهم «عدوها الأول»، فهم شرقيو الدين غربى الهوى السياسى.. كذلك فهم ليسوا متطرفين وليسوا معادين للغرب فى أى حال، وبالتالى فعلاقتهم مع الكيان الذى ألغى فلسطين مبررة انطلاقا من أن «أهله» الإسرائيليين هم أهل الدين.
كان المهم تقديم شهادة حسن سلوك إلى الخارج والحصول على التزكية المطلوبة، أما الداخل فغير مهم. شهادة إسرائيل هى الأهم.
ثم، ولأنهم إسلاميون وغربيو الهوى، فقد افترضوا أنهم يستطيعون الحصول على تزكية من أهل النفط والغاز فى الجزيرة والخليج.. ولكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين ــ مرة أخرى ــ إلى تحديد هويتهم الإسلامية أكثر فأكثر، فالإسلام الإيرانى مرفوض، والإسلام المستنير مرفوض، والإسلام السلفى إلى حدود القاعدة مرفوض، والإسلام المعادى للغرب وإسرائيل مرفوض، والإسلام العربى بما هو دعوة إلى الجهاد من أجل التحرر والتحرير مرفوض.
إذن، ليس من حل إلا فى إشراك قوى الثورة فى السلطة، والتنازل عن بعض المواقع الحاكمة، وإقامة حكم على قاعدة جبهة وطنية تتمثل فيها القوى الحية فى المجتمع، وهذا بالضبط مقتل السلطة الإخوانية.
يكفى والحالة هذه تقريب بعض التنظيمات ذات الوجود الرمزى، إذ لا قاعدة لها ولا برنامج، ورأسمالها أسماء بعض وجاهات المال والسياسة ممن كانوا مع نظام مبارك ولا مانع من أن يزين بهم نظام الإخوان شبابيك سلطته.
.. وهذه أقصر الطرق لسقوط حكم الإخوان. لكن الكارثة هنا أن هذا السقوط قد يكلف تدمير مصر.
وها هى المقدمات تنذر بالنتيجة المحزنة: الثورة المجيدة تتوارى خلف سلطان لم يعرف كيف يسوس الحكم، فضلا عن أن ذلك ليس من حقه، فباشر خلعه ولكن بكلفة باهظة جدا.