أقــلام وآراء إسرائيلي (294) الثلاثاء- 19/03/2013 م
- في هــــــذا الملف
- وباء عنصرية.. هؤلاء سيفقدون غدا حريتهم
- بقلم: سامي ميخائيل،عن يديعوت
- المستوطنات والاحتلال غير اخلاقيين
- بقلم: الوف بن،عن هآرتس
- من يريد السلام يا اخي؟
- بقلم: اسحق ليئور،عن هآرتس
- كابوس امريكي
- بقلم: حاييم اسا،عن معاريف
- عمليات الحجارة
- بقلم: اوري اليتسور،عن معاريف
- لعنة احادية الجانب
- بقلم: يونتان ماندل ،عن هآرتس
- وباء عنصرية.. هؤلاء سيفقدون غدا حريتهم
- بقلم: سامي ميخائيل،عن يديعوت
دأبت أمنا الطبيعة منذ الأزل على تنمية وسائل بقاء. إن جهاز تغيير اللون عند الحرباء واحد من الامثلة الواضحة على ذلك لأن لون جلدها يتغير بحسب المحيط والضوء ودرجة الحرارة والخطر المقترب وهكذا يمنحها احتمال البقاء. إن الاستخفاء جهاز يُمكّن مملكة الأحياء من استمرار البقاء في محيط معادٍ. فعلى سبيل المثال إن الوجه الناصع لانسان في قلب الغابة المظلمة هو هدف سهل لكل مهاجم في مقابل وجه اسود يلائم المحيط. وكذلك فان لون الجلد الأسمر يمنح ابن الصحراء امكانية التمازج مع الرمل، ويكاد الجسم الابيض لا يُرى في بلدان الثلج وتساقط الاوراق.
إن استغلال جهاز البقاء الرائع هذا لتسويغ التمييز والاقصاء والكراهية والعنصرية عمل بغيض يخالف نهج الطبيعة. سيُسجل القرن السابق في التاريخ باعتباره قرنا هاج فيه وباء العنصرية الأوسع في تاريخ الانسان الذي جبى عشرات الملايين من الضحايا. والامر الفظيع في هذا الوباء هو ان مصدره لم يكن المناطق المتخلفة للاستيطان البشري بل نشأ في قلب اوروبا وهي القارة الأكثر تنورا على وجه البسيطة. وهناك عامل مُخزٍ أكثر لهذا الوباء هو العدد الضخم كوباء الجراد من المثقفين والعلماء ولا سيما المؤرخين الذين أسهموا في خدمة نظرية العِرق اللعينة.
كنا نحن اليهود طوال التاريخ واحدا من الأهداف المركزية لأسهم هذا الوباء. وفي القرن الماضي دفعنا أفظع ثمن حينما قُتل ثلث عددنا أو سُمموا وأُحرقوا بلا مُخلص ومُدافع عنهم. ورأيت إذ كنت فتى يهوديا في بغداد في ثلاثينيات واربعينيات القرن الماضي، بصورة أخافتني، أنه حتى الدول الديمقراطية والعالم المستنير والليبرالي في ظاهر الامر تملأ أفواهها بالماء. إن الكراهية العنصرية سيطرت على الموضة من أقصى العالم الى أقصاه. وأغرق الايمان بالتصنيف بحسب العِرق والأصل ولون الجلد والجنس والثقافة المخالفة والتراث المختلف العقل البشري بلا عائق.
إن الشيء المقلق جدا في هذه الظاهرة هو انه نشأ بين ضحايا التصنيف العنصري النازي، كالعرب واليهود ايضا، اصوات دنسة تؤيد هذه النظرية المرفوضة. وفوق ذلك طلبت ان تُطبقها بين شعبها. أتذكر الكتابات الجدارية على الجدران في الطريق الى المدرسة في بغداد: 'هتلر يقضي على الجراثيم'. وكم كان مؤلما ان نعلم ان أيدي عدد من العرب الذين ذُكروا في كتاب 'كفاحي' على أنها أيدٍ لناس متدنين، تبنت هي ايضا النظرية اللعينة.
لا أنجح في أن أفهم كيف يمكن ان يصبح ضحايا العنصرية هم أنفسهم عنصريين. وكيف ينشئ ثلثا الباقين من وباء العنصرية الفتاك دولة تنال فيها العنصرية موطئ قدم يثير القشعريرة بدءا بملاعب كرة القدم ومرورا بعالم السياسة وانتهاءا الى ميدان الثقافة على اختلاف صوره.
كانت الولايات المتحدة آخر قوة غربية من القوى العظمى حظرت التجارة بالعبيد السود. وان المانيا النازية لم تترك حتى بعد هزيمتها سياستها العنصرية الموجهة على السود. في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان يجب القيام بنضال بطولي من اجل منح السود الحق في الجلوس مع البيض في الحافلات نفسها والدراسة معا في المدارس نفسها. فكيف حدث انه بعد مرور نصف قرن انتخبت دولة عُلق على ظهرها كيس أوبئة عنصرية، كيف اختارت رئيسا أسود ذا تأييد.
من المؤسف ان نذكر انه حدث في اسرائيل على مر السنين مسار يخالف ما حدث في الولايات المتحدة. فقد أخذ يلاحظ عند الجزء المستنير في اسرائيل وفي قلاع الثقافة والسلطة خاصة ميل عنيد الى الاستمرار في التمسك بالتوجه العنصري. وما زال يلاحظ في قيادة الاحزاب السياسية وفي الكنيست وبين وزراء الحكومة وفي قاعات المسارح وفي المحاكم، من جهة القوة البشرية ومن جهة المضامين، تمثيل متدنٍ بارز لمواطنين اسرائيليين مختلفين من النساء والشرقيين والمهاجرين والعرب.
لو أنه مُد جدار فصل في ساحة مدرسة لمنع الاتصال بين الطلاب على أساس اللون والمنشأ في مكان آخر بعيد عن اسرائيل، لصرخنا بيقين صراخا يصل السماء ولأقمنا الدنيا ولم نُقعدها لو ان طلابا يهودا في لندن أو باريس حُشروا وراء جدار فصل، لكن هذا حدث عندنا في دولة اسرائيل في الألفية الثالثة.
تحول اللون الاسود الى لون أحمر في نظر الثور العنصري الاسرائيلي. وبسبب التوجه الفاسد في جهاز التربية وفي حقل الثقافة والفن خاصة أصبح ضحايا العنصرية عنصريين متطرفين نحو طبقات أدنى في المجتمع الاسرائيلي، فعضو المجلس البلدي في تل ابيب من شاس يطلب الفصل بين اولاد اسرائيليين واولاد لاجئين وعمال اجانب في المدارس ورياض الاطفال. وطلب ذلك العضو نفسه الى وزير النقل العام ان يخصص حافلات خاصة، أي مستقلة، للعمال الاجانب واللاجئين. وقد دوّى نفس الطلب المعيب في جنوب الولايات المتحدة وأثار غضب نشطاء حقوق انسان شجعان ومنهم سود ويهود الى أن لقوا حتفهم في نضالهم للفصل العنصري في المدارس ووسائل النقل العام وغير ذلك.
لا يُضمن الى اليوم في اسرائيل لانسان ذي بشرة قاتمة ولا سيما اذا كان اسود ان يدخل نادي ليلي للاستمتاع فيه. ويتلقى لاعب كرة قدم مسلم الشتم وصيحات التشهير حتى حينما يسجل هدفا لصالح فريقه اليهودي الطاهر في ظاهر الامر.
إن العنصرية الموجهة على اليهود من البلدان العربية والمسلمة، وعلى المهاجرين من اثيوبيا وروسيا، وعلى اللاجئين ومهاجري العمل، وعلى جماعة المثليين، وما زالت القائمة طويلة هي فصل سهل نسبيا من الداء العنصري العام. وتزداد أبعاد العنصرية الموجهة على العرب من جهة نطاقها ومن جهة تعبيرها العنيف. إن صيحات 'الموت للعرب' و'العرب الى الخارج' آثمة.
'ماذا أريد؟'، قال أديب اسرائيلي عظيم الشأن عن العرب، 'ألا أرى وجوههم'. في اسرائيل اليوم يسافر فلسطينيون في حافلات مستقلة على حسب توجه انه ينبغي فصل المختلف عنا وإبعاده عنا وإخفاؤه عنا قدر المستطاع. أما العرب الذين كانوا يسيرون غافلين في الفضاء العام فهوجموا جسميا بالحجارة والاسلحة الحادة وبالأيدي وبالصرخات العنصرية، بل إن قائد شرطة حذّر من هذه الجريمة البغيضة.
وفي ملعب كرة القدم المركزي في القدس التي تدعي الطهارة غير بعيد عن الكنيست ودار الحكومة والمحكمة العليا ترتفع لافتة بغيضة كتب فيها 'بيتار طاهر الى الأبد'. ليس المجرم الرئيس هو الذي يرفع اللافتة العنصرية ولا الذي يركل العرب ولا الذي يرشقهم بالحجارة ولا الذي ينكل بهم. إن التربية آثمة لأنهم يُضيقون دراسة التاريخ العالمي لتصبح 20 في المائة ولأن وزارة التربية تجمع من الحوانيت نسخ كتاب تدريس للتاريخ من اصدار مركز زلمان شازار كي لا تُمكّن الطلاب من الاطلاع على وجهة نظر 'الآخر'، ولأنه حينما يشارك طلاب مدرسة من عرعرة في مسيرة حقوق انسان ويرفعون لافتات تؤيد المساواة وتعارض العنصرية، توبخ وزارة المعارف المدرسة بحجة ان ذلك يعارض مرسوم المدير العام.
والتربية آثمة لأنها لم تعمل بقدر أكبر على نقل رسالة أننا جميعا ننتمي الى العِرق الرائع نفسه وهو عِرق الانسان، فلا يوجد عرق أعلى ولا عرق أدنى، ولا يوجد عرق طاهر ولا عرق دنس. والاحزاب مع ممثليها الذين يثيرون الغرائز آثمون، والحاخامون الذين يدعون الى الكراهية والعنصرية آثمون.
أشعر بالخزي الكبير من توقيع 300 حاخام على فتوى تحظر بيع غير اليهود الشقق وايجارها. فلم تكن الديانة اليهودية قط مُحقرة مسمومة كما تبدو اليوم ولا سيما في المناطق المحتلة وفي القدس وفي صفد 'المقدستين'. ويسلك هؤلاء الحاخامون وكأن الله غير موجود، واسوأ من ذلك أنهم يسلكون كأنهم أصبحوا هم الله. وحاشا لله ان يُنسب ذلك التشويه اليه.
يمكن ان نقيس مقدار العنصرية بطرق اخرى بالفحص مثلا عن نظام الانكار. لقد صرخنا صراخا عاليا حينما استقرت آراؤهم في الامم المتحدة على ان الصهيونية عقيدة عنصرية. فلماذا يخرس اولئك الصارخون اليوم؟ في 1966 وقعت اسرائيل على الميثاق الدولي للقضاء على التمييز العنصري، لكننا لم نفِ بواجبنا للنساء والمهاجرين والعرب وغيرهم.
من كان يتبنى نظام الانكار فليتطوع من فضله وليتنكر بلباس فلسطيني ليوم واحد في المناطق المحتلة أو عربي في القدس أو في صفد أو أسود يطرق باب نادي ليلي. في الجو العنصري لا يكون الداعي الى العنصرية وحده مسؤولا عن بذرة الشغب، فالمسؤول ايضا هو من يُنكر وجود الظلم العنصري والمسؤول ايضا من لا يشارك في الظلم العنصري لكنه لا يفعل شيئا ويملأ فمه بالماء إما خوفا وإما عدم اكتراث. وكل هؤلاء قد يصبحون في الغد ضحايا سلطة عنصرية، وكل هؤلاء قد يفقدون في الغد حريتهم ونهج حياتهم الليبرالي. حدث هذا من وقت غير بعيد في اوروبا المستنيرة الانسانية، فاذا لم ننتبه ونتجرد من الوباء العنصري فسيحدث ذلك عندنا غدا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المستوطنات والاحتلال غير اخلاقيين
بقلم: الوف بن،عن هآرتس
لليسار الاسرائيلي فانتازيا يظهر فيها الفارس على الحصان الابيض في صورة رئيس الولايات المتحدة الذي جاء لانقاذ اسرائيل من نفسها واخراجها من المناطق. 'أبعدوا المستوطنين وعودوا الى الخط الاخضر وسلموا الضفة الى الفلسطينيين'، سيقول الفارس بلغة انكليزية بليغة، وسيند عن التنين المخيف لمجلس 'يشع' والمؤتمرين بأمره في الحكومة نخير ويطوي ذيله ويستكين وينتهي الامر.
يُحدث اليسار نفسه بهذه الحكاية المتخيلة منذ 46 سنة، بتمسك يُذكر باعتقاد ناس حباد في عودة الحاخام ميلوفوفيتش مسيحا مُخلصا، أو توقع عودة يسوع والفيس بريسلي. ويعلم مؤمنوه الذين شبعوا خيبات أمل أن ذلك لن يتحقق ويستمرون في التأميل مع كل ذلك.
سيأتي الى القدس هذا الاسبوع الفارس المناوب باراك اوباما الذي أثار آمالا أكثر من أسلافه في تحقيق الفانتازيا اليسارية.
إن سيرته ومواقفه الليبرالية أغرت المؤمنين بأن يأملوا ان يكون المسيح المخلص قد جاء وانه سيُنهي الاحتلال والمستوطنات، لكن اوباما في ساعة الامتحان سلك سلوك كل أسلافه منذ 1967 واكتفى بضريبة كلامية معلنة وفي قذف بنيامين نتنياهو 'في احاديث مغلقة' بكلام شديد لأنه يضر باسرائيل بتوسيع المستوطنات.
يؤمن اوباما بأن الاحتلال والمستوطنات غير اخلاقيين ويضران باسرائيل ويضران بقدرة امريكا على تحبيب نفسها للعرب والمسلمين. لكن مواقفه لا تقرر وحدها سياسة امريكا الخارجية بل تسبقها مصالح القوة العظمى، وللولايات المتحدة مشكلات أهم كثيرا من إسكان ناس في بضع شقق في ايتمار أو موديعين العليا أو من الضم الهاديء للمنطقة (ج) في الضفة.
يجب على اوباما في خطبته في القدس ان يُخبر اليسار الاسرائيلي بالحقيقة وهو ان التغيير يجب ان يأتي من الداخل، من التأثير في الرأي العام ومواقف الناخبين. وبدل الضلال بأمل متوهم بضغط من الخارج، تعلموا من المستوطنين كيف تستطيع مجموعة صغيرة ذات تصميم ربط نفسها بالتيار الرئيس وحرف مواقفه لصالحها. وانظروا كيف يحتضن يئير لبيد وشيلي يحيموفيتش قائدي حزبي الوسط اليسار المستوطنات ويُثنيان عليها.
إن دعاوى اليسار متآكلة ويصعب عليها ان تدخل آذان الجمهور أو أنها تحرز نتيجة عكسية. إن 'التهديد السكاني' بأن تصبح اسرائيل دولة عربية ذات أقلية يهودية حينما يحرز الفلسطينيون أكثرية عددية 'بين النهر والبحر' ويطلبون حقا مساويا في التصويت، غير مقنع. فالفلسطينيون في الضفة والقطاع محصورون بين أسوار وجدران فصل وغير موجودين في الفضاء العام الاسرائيلي. واحتمال ان تريد حماس الخروج من غزة والمنافسة في انتخابات الكنيست لتغيير طبيعة اسرائيل من الداخل، صفر. إن التلويح بـ 'المشكلة السكانية'، وكأن تكاثر العرب يُعرض اسرائيل للخطر، يقوي فقط القومية والعنصرية نحو الداخل.
أما الزعم التالي وهو ان 'الاتفاق في متناول اليد'، فلا يبدو موثوقا به بعد ان رفض الفلسطينيون اقتراحات سلام اهود باراك واهود اولمرت، ويصعب اقناع الجمهور بأن اقتراحات اسرائيل لم تكن سخية بقدر كاف. وأصعب من ذلك الاقناع بأن الاراضي التي ستُخلى في الضفة لن تُستعمل كما هي الحال في غزة قواعد اطلاق صواريخ على تل ابيب. والذين يتحفظون من المستوطنات ايضا لا يريدون ان يعيشوا في ظل صافرات الانذار والتفجيرات.
بقيت دعوى ان 'الاحتلال يُفسد ويتغلغل الى داخل الخط الاخضر'. وهذا صحيح لكنه يقوي فقط من يتمتعون بحقوق زائدة ويريدون الحفاظ عليها وتحصينها بشعار 'المساواة في عبء الخدمة'. لأننا اذا كنا نحن الأسياد والآخرون العبيد فما السيئ في ذلك؟.
اذا أراد اليسار ان يُحدث تحولا فعليه ان يُنعش الرسالة وان يجد زعيما يربطه بالتيار الرئيس. كما وجد المستوطنون نفتالي بينيت وأوصل متظاهرو روتشيلد لبيد الى المجد. هكذا يعمل ذلك في الديمقراطية لا بتوقعات باطلة لفارس امريكي على حصان ابيض يطوق الرأي العام. واذا كان اوباما يريد ان يُقوي أنصاره في اسرائيل فهذا ما يجب ان يقوله لهم في 'خطبة مباني الأمة'.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
من يريد السلام يا اخي؟
بقلم: اسحق ليئور،عن هآرتس
لا يتحدث الباباوات في زياراتهم النادرة لنا مع الحكام برغم ان وزير المالية الداخل كان سيُفرحه ان تُلتقط له صورة مع كاهن غير ذي لحية، هو ممثل رفيع الشأن لحضارة الغرب.
ومن جهة اخرى يترك رؤساء امريكيون وراءهم صور فيديو للاستعمال مرات كثيرة في معاركنا الانتخابية. ولهذه الزيارات صفة مفرحة اخرى لأننا نقف على الباب وننتظر في توق هدايا يأتي بها العم. قد تكون يونتان بولارد وقد تكون الموافقة على حرب ايران. ومن يعلم؟.
أما اليسار الاسرائيلي فهو يشبه المعلقة التي مرت عليها 46 سنة في توقع باطل لتسوية مفروضة وما زالت تنتظر رئيسا كشرطي يضرب عنصريينا ومستوطنينا على رؤوسهم ويضع السلام في ارضنا باسم القيم الامريكية كما في العراق وليبيا وافغانستان وفي اماكن لا يذكرها اليسار الاسرائيلي الموجه.
أفشل الامريكيون دائما دونما أية صلة بمواقف القيادة الفلسطينية، الاستقلال الفلسطيني لأنه لم يكن للفلسطينيين قط قوة كان يمكنها ان تمنح الامبراطورية مزايا ما في المنطقة المهمة لها كثيرا. وحينما وُجد للولايات المتحدة إثر الحرب في 1973 أزعر اقليمي جديد هو مصر يضاف الى الأزعر الاسرائيلي الضعيف، سُحب الجيش الاسرائيلي سريعا من سيناء كلها. أما سوريا فلم تعِد خلافا لمصر التي فُتحت للاستثمارات الغربية، بأية سلعة مقابل اخلاء الجولان ولهذا لم تحصل على شيء. ولا توجد دولة اخلاق المافيا غريبة عليها.
إن اسرائيل في سائر الجبهات تُستعمل سوطا امريكيا يزداد قوة، إما تطوعا وإما بالتنسيق. وهي تمنح الميزانيات الضخمة التي لا تأتي الى هنا بل تمر من الجيب الفيدرالي الى جيوب اتحادات السلاح التي تصبح من جهتها ذات مصلحة في 'أمن اسرائيل'، تمنحها سِمة مُحببة هي 'المساعدة'. وتقدم اسرائيل ايضا مختبرات تجريب لسلاح حديث في الوقت المناسب. وقد سمعنا مدة عقود من قادة معسكرنا المعتدل من أن الخلاص الامريكي سيأتي حتما. ولماذا؟ لأن الدولة الفلسطينية مفتاح لاستقرار المنطقة. وفي اثناء ذلك نمت قوة الولايات المتحدة المحتكرة في المنطقة بفضل عدم استقرارها. لأنه ما الذي سيفيدها بالضبط استقرار المنطقة؟.
الامور الى هنا مؤلمة وواضحة، وكل الدعوات الانفعالية لبراك اوباما باسم المساواة والأخوة تسقط في سلة الشعار المهتريء نفسه وهو انه يوجد للامريكيين رئيس ليبرالي وأسود وهو تحقيق حلم. لكن الرئيس امريكي وهو يأتي مثلا الى دولة تسجن اللاجئين الافارقة في معسكر تجميع في الصحراء ولا احتمال ألبتة لأن يقول حتى كلمة انتقاد واحدة في السجن، وفيما يتعلق بالمناطق سيردد مرة اخرى قوله إن 'المستوطنات عائق أمام السلام'، وسيبتسم قادتنا ويقولون 'من يريد السلام أصلا يا أخي؟'.
لاسرائيل حكومة جديدة وضعيفة. والى اليوم خرجت كل حكوماتنا الضعيفة في 'عمليات' من اجل تعزيز الثقة الامريكية بها ايضا. وللحكومات الضعيفة جيش قوي. فماذا عند معسكر السلام؟ يوجد عنده الى الآن من جهة عضوات كنيست يتشحن بأوشحة الصلاة عند حائط المبكى ويقلن في نفاق 'الحائط لنا جميعا'، ومن جهة اخرى، ومع الفرق 'يسار متطرف' يُدون مدونات في الشبكة الاجتماعية هي احيانا بديل عما كانوا يفعلونه ذات مرة على حيطان المراحيض العامة. وقد هتفت واحدة هي نوعا شايدلنغر حينما قُتل طياران في حادثة مروحية وفسرت بقولها: 'سأهتم بسخافات مثل 'صورة الانسان' عندي بعد ذلك حينما ينتهي النضال بنجاح'. ليس النص البهيمي هو المهم بل 'الثورية' التي تعبر عنها انبثاقات ذاتية على هذا النحو. ما هو 'النجاح' في هذا النص؟ وأين 'النضال' في الأساس؟.
بدل ان نحث اوباما على المجيء الى الميدان كي يرى مدينتنا المتقدمة، مع الليالي البيضاء، ومسيرات الفخر والماراثونات والحانات، ينبغي ان نفكر في الميدان باعتباره مكانا جيدا لاستمرار النضال الذي خفت في شوارعنا منذ زمن. يستطيع معسكر حمائمي واسع نشيط ان يضعضع سلطة المستوطنين وان يدخل في حسابات الأرباب في واشنطن. إن اوباما لن 'ينقذ اسرائيل من نفسها'، وهو لسبب ما قد حصل على جائزة نوبل للسلام مسبقا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
كابوس امريكي
بقلم: حاييم اسا،عن معاريف
بينما تتسلى اسرائيل بالسياسة الجديدة المزعومة لديها، فان المحيط الاستراتيجي لاسرائيل يتغير ويهدد وجودها، حين لا يكون في اسرائيل حتى ولا اطلالة في هذا السياق. من ينقذ اسرائيل كل عشرين سنة هي الادارة الامريكية. وهي تأتي مرة اخرى لتنقذها من نفسها، من عماها، من عدم قدرتها على التحرر، من حفلتها المجنونة التي تغرق فيها.
كان يمكن ان نشعر بذلك في مقابلة باراك اوباما مع السيدة يونيت ليفي. فقد كان وديا، متصالحا، ولكن الاهم ـ فقد غير الاتجاه. حيث شرح لاول مرة لماذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تحتمل امكانية ايران نووية. والسبب: الفوضى المتعاظمة في الشرق الاوسط. بمعنى ان الخيار العسكري الامريكي كان على الطاولة بشكل بارز وملموس، في ما يشبه الاعلان. ولكن ليس أقل من ذلك، شرح الرئيس بـ 'ود' لماذا مهم للولايات المتحدة جدا أن تستقر المنطقة وقبل كل شيء العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين.
هاتان المهمتان ترتبطان الواحدة بالاخرى من حيث المصالح الاستراتيجية الامريكية: كلتاهما يفترض ان توقفا الفوضى من جهة وقيادة هذه الفوضى من قبل دولة اسلامية لديها قدرة نووية. ومعناه احتمال كبير لامكانية فقدان السيطرة وامكانية الرقابة على تسلل قدرات نووية الى محافل الارهاب. كل امكانية كهذه يجب أن يقطعها الامريكيون بالسكين حتى بثمن حرب مضرجة بالدماء. الامر الذي يفسر لماذا يأتي الى هنا بهذه السرعة النسبية بعد يوم من انتخابه وبعد دقيقتين من قيام حكومة جديدة في اسرائيل.
الامريكيون الذي رأوا حتى زمن قريب مضى في اسرائيل وعلاقاتها مع محيطها عاملا مستقرا في المنطقة لم يعودوا يرون ذلك بعد اليوم. والاسوأ من ذلك، ففي نظرهم اسرائيل تصب الزيت على حريق الفوضى الذي ينشب في المنطقة في أنها تجمد المسيرة السياسية. ولهذا فان الامريكيين ملزمون باصلاح امرين: محظور عليهم أن يسمحوا لايران بان تكون نووية ومحظور ان يبقى النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في مستوى لهيبه الحالي. والامريكيون ملزمون بان يتصدوا لهذين العنصرين، وبسرعة، من أجل أنفسهم، وبهذه المناسبة الاحتفالية من أجل اسرائيل ايضا. ثمة بحر من الاقوال التي تؤيد هذا الاحتفال: 'لم يسبق ابدا ان كان وضعنا الاستراتيجي أفضل في اعقاب الوضع في سوريا' (عاموس يدلين): أحقا، هل هناك حاجة الى قدرة تحليل خاصة لنفهم بان الفوضى نفسها بادارة ايران (نووية) تندفع الى كل الشرق الاوسط هي التي تعرض اسرائيل للخطر وليس عدد بطاريات الصواريخ التي بقيت لسوريا؟
سوريا تتفكك الى عناصر تحكمها منظمات اسلامية كهذه وتلك. وحتى العنصر الذي تحت سيطرة الاسد هو عنصر ذو صلة يسيطر عليه الايرانيون ويحتمل أن يبقى في منطقة قد تكون اصغر، مع عدد قليل من السكان. لا يهم اذا كان الاسد نفسه سينجو أم لا، فان العنصر الايراني سينجو. حزب الله كجسد سينجو، والفوضى ستتعاظم.
هذه الفوضى ستتسرب الى الاردن، مع عناصر جزئية بسيطرة ايران أو القاعدة. جوقة فوضى في الشرق الاوسط بادارة ايران نووية، هي كابوس بالنسبة للولايات المتحدة.
هذه الفكرة تبدو لي مثل الزيارة نفسها: محاولة لايقاظ الجمهور الاسرائيلي من أبخرة السكرة التي ينغرس فيها، ولكن برقة، بود، خشية أن يفزع ويرد بشكل مختلف عما هو مرغوب في، كعادته في هيكل سخافته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
عمليات الحجارة
بقلم: اوري اليتسور،عن معاريف
نقلت الصحف يوم الجمعة بابراز أنباء عن الحالة الخطيرة والقاسية التي حصلت لبنات عائلة بيتون على الطريق من اريئيل. بعض الصحف (بما فيها 'هآرتس') أعطت لهذا الحدث، وعن حق، عنوان 'العملية'. فأحد ما بنية مبيتة رشق حجارة على سيارة اسرائيلية كي يمس بركابها، وكانت النتيجة حادث طرق شديد اصيبت فيها بجراح خطيرة أم وابنتاها. واحدة منهما، شبه رضيعة، مصابة بجراح ميؤوس منها والخطر يحدق بحياتها.
واضح أنه عندما يعمل أحد ما عن قصد بعنف انطلاقا من النية للمس بالمواطنين بلا تمييز، فان هذه هي عملية. ولكن لا يمكن تعريف العملية بأثر رجعي حسب النتيجة. الحدث على طريق اريئيل لم يكن حالة رشق حجارة وحيدة ومنقطعة عن السياق. فمنذ عدة اسابيع تجري موجة رشق حجارة على سيارات اسرائيلية في طريق يهودا والسامرة بما فيها طريق رئيسة كثيفة الحركة مثل عابر السامرة وطريق 443 من موديعين الى القدس. وقد وقع منذ الان ضرر كبير للاشخاص وللاملاك على حد سواء. وسائل الاعلام لا تتجاهل تماما، وهنا وهناك تظهر أنباء صغيرة عن سيارة اخرى اصيبت ومسافر آخر اصيب ونقل لتلقي العلاج. ولكن التعريف الصحيح 'عملية'، والمعالجة الحكومية الشرطية (والاعلامية ايضا) المناسبة للعملية لا تظهر الا بعد أن تقع مصيبة.
عندما تقع 'موجة' كهذه فجأة، بعد سنوات من الهدوء النسبي، تحصل بالتوازي في السامرة وفي جبال القدس، في الخليل وفي بنيامين، فان هذا لا يكون انفجارا عفويا للغضب ولا شغبا للرعاع. أحد ما ينظم هذا من فوق. توجد قيادة تطلق التعليمات ويوجد جنود في الميدان ينفذون. في عهد الانتفاضة الاولى، في نهاية الثمانينيات، كان السكان اليهود والعرب متداخلين بعضهم ببعض. وكانت قوات الجيش الاسرائيلي ترابط داخل المدن العربية، ولم تكن السلطة الفلسطينية قد نشأت بعد، والطرق التي سافر فيها السكان اليهود كانت تمر في داخل القرى العربية وفي أزقة المدن العربية. وحتى الانتفاضة اياها كانت منظمة بلجان محلية ومراتبية قيادية معينة، ومع ذلك كان فيها أساس عفوي واسع جدا. والاحتكاك كان يوميا، وكل مجموعة من الفتيان مصابة بالملل بعد المدرسة كانت خلية محتملة للاشتباكات ورشق الحجارة والحجارة متوفرة بما يكفي في كل شارع.
اما اليوم فالوضع مختلف تماما. فالطرق لا تمر داخل البلدات العربية، وجنود الجيش الاسرائيلي لم يعودوا يرابطون داخل المدن والقصبات. اما اليوم، فمن أجل ضرب سيارات الجيش أو المدنيين الاسرائيليين فينبغي المبادرة الى الخروج وفي ظلمة الليل الى مكان بعيد بما يكفي عن القرية أو البلدة، ونصب كمين على الطريق، تنفيذ عملية والفرار عائدا. هذه ليست عملا عسكريا مرتبا ولكنه بالتأكيد عمل عسكري، عمل تخريبي منظم، مخطط ومبادر اليه.
ويدور الحديث عن عملية بكل معنى الكلمة. الحجارة يمكنها أن تقتل وراشقوها يقصدون القتل. لم تكن حاجة للانتظار الى أن حصل ما حصل على طريق اريئيل من اجل اعطاء التعريف السليم، ولكن على الاقل الان، بعد أن حصل هذا، يتعين على قوات الامن واجهزة القضاء (والاعلام ايضا) ان تعالج العملية مثلما تعالج العمليات. ثمة من يعطي التعليمات، وتجربة الحرب ضد الارهاب تقول انه عندما تستثمر المقدرات اللازمة فانه يمكن أيجاده. يوجد مخربون يخرجون للقيام بالعمليات، وعندما تريد قوات الامن فانها تعرف كيف تعتقلهم. عالجوا العملية مثلما تعالج العمليات. لا تنتظروا المصيبة التالية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لعنة احادية الجانب
بقلم: يونتان ماندل ،عن هآرتس
عندما سيهبط رئيس الولايات المتحدة في اسرائيل سيرغب في أن يفهم ما الذي بحق الجحيم يحصل هنا. وسيسأل لماذا لا يتحدثون مع الفلسطينيين، ولماذا تواصل اسرائيل بناء المستوطنات وما هي هذه القصة مع E1 او مع ضم الضفة. الرد الاسرائيلي لن يتأخر في المجيء والرئيس الامريكي سيتعرض عندها لاخر صرخة في مجال عروض الباور بوينت، مع جملة خرائط تحل محلها آخر المعطيات، كي يتذكر بانه يزور قوة عظمى من التكنولوجيا العليا. المناطق المحتلة، كما سيتبين له، ليست محتلة حقا، والفلسطينيون يتمتعون بحكم ذاتي حقيقي، وتوسيع المستوطنات ليس ما كان يظنه، اذ أن الحديث يدور عن مناطق هي في كل الاحوال كانت تعود لنا، وهي الان مؤقتا للفلسطينيين، ولم نتحدث بعد عن الكتل الاستيطانية وعن تبادل الاراضي، والى هنا وهناك من أكوام الرمل التي ستنثر في عيني الرئيس، والتي سبق أن أعمت نحن عيوننا عن الرؤية.
واذا أصر الرئيس، فسيسحب الاسرائيليون جوكرهم المحبب، 'احادية الجانب'. وسيشرح السياسيون الاسرائيليون بكياسة للرئيس بان 'الفلسطينيين ملزمون بان يفهموا بانهم محظور عليهم العمل بشكل احادي الجانب'، وسيحرصون على استخدام تعبير 'يونيلاترل آكشن'، والتي تمكنوا من استخدامها بالضبط لمثل هذه المناسبات. 'لو كان الفلسطينيون فقط مستعدين للحديث معنا'، سيقولون، 'لو أنهم لم يتوجهوا بشكل احادي الجانب الى الامم المتحدة'، 'لو أنهم يقررون عدم التوجه بشكل احادي الجانب الى المحكمة الدولي في لاهاي'، وبالطبع 'لو أنهم يستوعبون بان كل عمل احادي الجانب من طرفهم يثبت بان وجهتهم ليست السلام'.
ولن يتحرك اي ساكن في وجوههم عندما سيفعلون ذلك، وهذا ليس لانهم كذابون جيدون على نحو خاص، بل لانه بالضبط برج ايفل هو المكان الوحيد الذي لا يمكن أن يُرى البرج منه، هكذا فان المكان الوحيد في الشرق الاوسط الذي لا يمكن أن ترى منه احادية الجانب الاسرائيلية هو منزل رئيس الوزراء في القدس.
في 65 سنة من وجود دولة اسرائيل، اصبحت هذه دولة احادية الجانب بحكم الامر الواقع. ربما لا ترى هذا، ولكن هذا على ما يبدو بسب الشكل احادي الجانب الذي تتصرف به في الشرق الاسط. 'لا يهم ما يقوله الاغيار، يهم ما يفعله اليهود'، قال رئيس الوزراء الاول، دافيد بن غوريون، واحادية الجانب اصبحت ورما خبيثا يملي السلوك الدبلوماسي والسياسي لاسرائيل.
قرار إفراغ القرى الفلسطينية من سكانها في 1948، اتخذته الديمقراطية الاسرائيلية بشكل احادي الجانب. وهكذا ايضا قرار احتلال الجليل الغربي، الذي حسب مشروع التقسيم ما كان يفترض أن يكون ضمن أراضيها. قرار ضم شرقي القدس، وكذا قرار ضم هضبة الجولان، اتخذته خلافا لموقف الولايات المتحدة، الامم المتحدة، الدول الاوروبية والقانون الدولي، وفعلت ذلك، كيف لا، بشكل احادي الجانب. وكذا قرار دفع مشروع 'تهويد النقب والجليل'، اقامة كرميئيل ونتسيرت عيليت بحيث تسدان توسع سخنين، مجد الكروم، البعنة والرامة، اتخذته الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط بشكل احادي الجانب.
وعلى مدى 65 سنة، هكذا على الاقل يفهم من تقرير قاضي المحكمة العليا ثيودور أور، اتخذت اسرائيل سياسة داخلية غير متساوية على نحو ظاهر، وأدت بشكل احادي الجانب الى أن يكون 'مواطني الدولة العرب يعيشون في واقع يميز فيه ضدهم كعرب'.
الفلسطينيون يعرفون جيدا، على جلدتهم وعلى أراضيهم، بان اسرائيل هي الدولة الاخيرة في العالم التي يحق لها ان تحاسبهم على 'احادية الجانب' التي اتخذوها. منذ 2002 يرى الفلسطينيون كيف يبنى سور الفصل من الاسمنت على أرض غالبيتها الساحقة ليست في أراضي دولة اسرائيل خطوة احادية الجانب تشكل خرقا فظا للقانون الدولي. فمع من بالضبط تشاورت اسرائيل حين قررت احتلال الضفة، اسكان مئات الالاف من مواطنيها فيها وتطويرها من أجل المستوطنين اليهود فقط؟ مع اي جهة فلسطينية بالضبط تنسق قراراتها بشأن هدم المنازل ومصادرة الاراضي في الضفة؟ ما الذي ليس احادي الجانب في السيطرة الاسرائيلية على صنبور مياه الضفة (الخزان الجوفي للجبل)، وفي قرار نقل معظم قطرات المياه هذه من الضفة الى دولة اسرائيل؟
تصوروا وضعا كان فيه جيراننا يتصرفون مع اسرائيل مثلما تتصرف اسرائيل معهم. تصوروا وضعا كانت فيه طائرات سلاح الجو السوري تخرج في 'طلعة عملياتية' فوق الكنيست، وتطلق ضجيجا فوق صوتي كي تستعرض حضورا وتردع. تصوروا الكوماندو البحري للجيش اللبناني النظامي ينفذ اجتياحا بقوارب مطاطية على شواطيء أخزيف، ويسير ليلا في البيارات التي تؤدي الى جسر هزيف. حاولوا أن تشخصوا وضعا يجتاز فيه الامن الوقائي الفلسطيني الخط الاخضر الى نطاق اسرائيل ويجري، لنقل في منطقة مكابيم رعوت، 'نشاطا اعتياديا لاعتقال مطلوبين'. فكروا ماذا كان سيحصل لو أن وكلاء مكلفين من الحكومة الاردنية يحاولون التصفية في قلب تل أبيب، في ظل رش السم الفتاك، لزعيم سياسي. أو اذا كانت الطائرات العراقية تقصف المفاعل في ديمونا أو اذا كانت الطائرات السورية تقصف مركز البحوث النووية في شوريك او قوارب حرس الشواطىء الغزي تستجوب صيادين اسرائيليين يخرجون من المدى المسموح لهم بشكل احادي الجانب. كل واحد من السيناريوهات هذه سيكون سببا لحرب، ومشكوك أن تكون اسرائيل تصمد في وجه الاغراء.
اسرائيل هي بيقين الدولة الاكثر تزمتا في المنطقة في كل ما يتعلق بالتسلل الى مياهها الاقليمية، حدودها البرية ومجالها الجوي، وفخورة جدا بالطريقة احادية الجانب التي تفرض بها ذلك. وينبع الغرور السياسي الاسرائيلي ضمن امور اخرى من الاحساس بانه يوجد فارق بنيوي بينها وبين جيرانها، بين ما تحتاجه هي وبين ما يحتاجه الفلسطينيون، بين ما تسمح به لنفسها عمله ('تثبيت حقائق على الارض') وبين ما تطلبه من الاخرين ('عدم العمل بشكل احادي الجانب'). هذا الفارق يسمح لزعماء اسرائيل بان يتوقعوا من الفلسطينيين ان يتصرفوا بشكل معاكس لما تصرف وتتصرف به تجاههم. ولا يتبقى الان سوى الانتظار لرؤية اذا كان الرئيس الامريكي الحالي، في ولايته الثانية والهامة سيقرر بانه يحاول انقاذ اسرائيل من نفسها. بشكل احادي الجانب بالطبع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
