أقــلام وآراء إسرائيلي (317) الثلاثاء- 16/04/2013 م
- في هــــــذا الملف
- الرئيس مرسي في حالة نكران
- بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
- الحرب القادمة في الشمال
- بقلم: ألوف بن ،عن هآرتس
- الجيش الاسرائيلي يحتاج الى ابطال
- بقلم: عاموس هرئيل،عن هآرتس
- اوضاع الفلسطينيين تزداد سوءا
- بقلم: اسحق ليئور،عن هآرتس
- سنوات التعاون بين الولايات المتحدة واسرائيل
- بقلم: دانيال ب. شبيرو سفير الولايات المتحدة في اسرائيل،عن اسرائيل اليوم
- دولة تفر من مستقبلها
- بقلم: أسرة التحريرعن هآرتس
- ‘أنا مُحب للاستطلاع كالولد حتى في سن التسعين’
- بقلم: يارون لندن ودانييلا لندن ـ ديكل،عن يديعوت
الرئيس مرسي في حالة نكران
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
نفى الرئيس المصري الاسبوع الماضي انه ‘يوجد توتر بينه وبين الجيش’. وزعيم الاخوان المسلمين السابق، مهدي عاكف، نفى أن يكون قال ان زعيم الاخوان المسلمين يقف فوق الحكومة وفوق الرئيس، كما نفى أنه اجريت معه مقابلة. والناطق بلسان الرئيس نفى أن يكون عُرض على الامين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، أن يكون رئيس الحكومة بدلا من هشام قنديل. ومحافظ البنك المركزي لمصر نفى أن يكون بعث برسالة الى مرسي يشرح فيها ان البنك لا يمكنه أن يرتب مبالغ العملة الصعبة اللازمة لاستيراد البضائع.
ولكن بالذات وابل النفي يدل على واقع بشع ومقلق. ففي يوم الخميس الماضي عقد مرسي لقاء، لم ينفِ أمره، مع وزير الدفاع وقائد الجيش الجنرال عبد الفتاح السيسي. ‘وبحث الرجلان بشؤون الامن وحماية الحدود’، كما قال الناطق بلسان الرئيس ولكن ما لم يقله هو أن الرجلين تحدثا أساسا عن منظومة العلاقات بين الاخوان المسلمين والجيش. وذلك على خلفية نشر أقوال ابو العلا ماضي، زعيم حزب الوسط (الذي انفصلت قيادته عن الاخوان المسلمين في منتصف التسعينيات)، ووفقا له فان ‘مرسي روى ان الاستخبارات العسكرية أقامت وحدات البلطجية التي تضم نحو 300 ألف رجل، منهم نحو 80 ألفا في القاهرة، لمعالجة أعمال الاخلال بالنظام’. اما الجيش، فكما هو متوقع، فلم ينفِ فقط بل ان ‘مصادره’ سربت الى وسائل الاعلام ان مرسي طلب من رئيس الاستخبارات ان يجند في صفوفه شبانا من رجال الاخوان المسلمين وتجميد المعالجة والملاحقة للحركات الاسلامية.
ونفى مكتب الرئيس بالطبع، ولكن على نحو عجيب وصلت الى صحيفة ‘الجارديان’ اللندنية أجزاء من تقرير تحقيق أجرته لجنة شكلها مرسي في شهر كانون الثاني/يناير وفيها شهادات عن التعذيب واخفاء أشخاص قام به الجيش في فترة المظاهرات. وليس غنيا عن البيان ان يضاف الى تلك المناكفة العلنية بين الجيش والرئيس في موضوع هدم الانفاق الذي يقوم به الجيش على طول الحدود مع غزة، الشائعات (التي نفيت) قبل بضعة اشهر عن نية مرسي اقالة السيسي، كي نفهم بان ستار النفي لم يعد يمكنه أن يخفي بانه يجري بين السلطتين الهامتين في مصر، الرئيس والجيش، صراع خطير على انزال الايدي.
وقد تجند الى هذا الصراع المرشد العام السابق للاخوان المسلمين، مهدي عاكف، الذي قال في مقابلة فظة مع صحيفة ‘الوطن’ المعارضة ان ‘منصب زعيم الاخوان المسلمين أهم من منصب رئيس الدولة’. وهذا هو ذات المرشد العام الذي في عهد مبارك اشتهر بتعبير ‘الى الجحيم بمصر وبابو مصر’. ونفى عاكف ان يكون قال ذلك لـ ‘الوطن’ وادعى بانه لم تجر المقابلة على الاطلاق. اما الصحيفة من جهتها فقد دعت القراء الى الاستماع الى الاشرطة التي توجد لديها.
القلق من ‘أخونة الاجهزة’ (فرض الاخوان المسلمين عليها) يوجد في جبهة المواجهة بين المعارضة والرئيس. والطلب المطلق من قادتها هو اقالة هشام قنديل من رئاسة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط تقود الدولة حتى الانتخابات للبرلمان. وحسب شهادة د. نبيل العربي، الذي شغل منصب وزير الخارجية ويتبوأ الان منصب الامين العام للجامعة العربية، فقد توجهوا اليه كي يدرس امكانية أن يترأس الحكومة ولكنه ‘رفض حتى التفكير في ذلك’. كما أن د. كمال الجنزوري، الذي كان رئيس الحكومة الانتقالية بتكليف من الجيش، روى بانهم توجهوا اليه بطلب مشابه ولكنه ‘لا يزال يفكر بالاقتراح ولديه شروط للاستجابة له’.
يبدو أن مرسي يعترف بأنه اذا لم يستجب على الاقل لجزء من مطالب المعارضة فانه سيقف أمام مطلب يتعاظم باجراء انتخابات مبكرة للرئاسة قد يفقد فيها الاخوان المسلمون الانجاز الاهم الذي كان لهم في تاريخهم. فتغيير رئيس الوزراء وتعيين حكومة جديدة سيكونان من ناحيته أهون الشرور.
وطلب المعارضة تغيير الدستور وصياغة قانون انتخابات جديد من شأنهما أن يكلفا الاخوان ثمنا أغلى بكثير وذلك لان معنييهما تأخير الانتخابات لاشهر طويلة، في اثنائها سيجد مرسي صعوبة في ادارة الدولة وتحقيق تطلعه لاخونتها. وغني عن الاشارة ان كل الاتصالات لتغيير رئيس الوزراء نفاها الناطق بلسان الرئيس لا اساس لها من الصحة، كله من اختراع الصحافة التي هدفها ‘التشهير بصورة الدولة والمس بمؤسسة الرئاسة’. ومشوق أن نرى أنه بين هذه الصحف توجد أيضا صحف حكومية عين محرريها مرسي في السنة الماضية وتبين له فجأة بانه ليس له سيطرة عليها ايضا. فالانتقاد الذي تنشره عن أداء الحكومة وعن الخصومة بين الجيش والرئيس ليس أقل من ذاك الذي تنشره الصحافة الخاصة.
مرت تسعة اشهر منذ انتخب مرسي (باغلبية طفيفة) للرئاسة. ومصر لا تزال تجد صعوبة في الاقتناع بانه يقف على رأسها رئيس يديرها. سياستها العربية تمليها السعودية وقطر اللتان هما الراعيتان الاقتصاديتان لها. اما السياسة الداخلية فغير موجودة، وصراعات القوى مع المعارضة تجري في الشارع او في اللقاءات العامة. وبلا برلمان فان التشريع فيها مصادفة وبالاساس يتعرض للانتقاد ويخيل أن جهاز القضاء وحده ينجح في ابقاء رأس مصر فوق الماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الحرب القادمة في الشمال
بقلم: ألوف بن ،عن هآرتس
‘إن مجموعة مُهددات اسرائيل أكبر مما كانت في الماضي’، حذر أمس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وأسرع يُهدئ جأشنا بقوله: ‘إن الجيش الاسرائيلي وأذرعنا الامنية أقوى مما كانت في الماضي’. ينشر نتنياهو تحذيرا اسبوعيا من الخطر النووي الايراني ويُكثر الحديث عنه في حضرة ساسة اجانب، ووعد في مساء يوم المحرقة بألا تُسلم اسرائيل مصيرها لآخرين حتى ولا لأفضل اصدقائها.
إن ذكرى المحرقة تشغل رئيس هيئة الاركان بني غانتس بقدر لا يقل عن نتنياهو، لكن الامور في القيادة العليا للجيش الاسرائيلي تبدو مختلفة شيئا ما عما هي عليه في ديوان رئيس الوزراء. فايران البعيدة تشكل مشكلة لـ ‘المجتمع الدولي’، أي للولايات المتحدة، وتبدو الأخطار وراء الحدود أكثر محسوسية وتكاد تنفجر في وجوهنا.
إن الخطر الرئيس يُطبخ في سوريا حيث بلغت النهاية هناك فـ 40 سنة من الهدوء الذي ساد بعد انتهاء حرب يوم الغفران، ما زال بشار الاسد في قصره لكن العصر الذي يليه قد بدأ لأن الجيش قد تدهور وضعه الى وضع عصابة مسلحة متقدمة بين شتى القوى التي تتحارب على مستقبل سوريا. ولا يعلم أحد هل تبقى دولة واحدة أو تنتقض فتصبح جيوبا قبلية. ولا يعلم أحد كم من الوقت ستستمر الفترة الانتقالية والصراع الداخلي.
إن السيناريو المقلق في الشمال هو أن تُهاجم اسرائيل بعد انصراف الاسد، وان يصبح الجولان السوري مشابها لقطاع غزة وجنوب لبنان وقاعدة لاطلاق القذائف والصواريخ وهذا ما يقلق قيادة الجيش العليا. إن سيطرة الاسد على الجولان أخذت تتلاشى عندما دخلت قواته في معارك الحسم حول دمشق وقاتلت من اجل السيطرة على مطارها الدولي. إن أحداث اطلاق النار في الاسابيع الاخيرة هي فقط مُنذرة بالسيناريو المهدد.
ماذا تستطيع اسرائيل ان تفعل؟ تستطيع أولا ان تدرك ان خط الفصل بين القوات في الجولان لم يعد هو الحد الهادئ الذي عرفناه في العقود الاربعة الاخيرة، وما زالت هذه المعرفة لم تتغلغل الى وعي الجمهور. تمت في السنة الاخيرة تقوية الاستعداد العسكري على طول الخط وحلت القوة النظامية محل الاحتياط وتم تطوير وسائل المراقبة والحواجز بمساعدة الدروس من بناء الجدران على حدود لبنان وفي الضفة الغربية وفي النقب. وحينما سيُجند الشباب من بني براك وموديعين العليا وإلعاد بروح ‘التساوي في عبء الخدمة العسكرية’ فانهم يرشحونهم لمهمات الأمن الجاري على الحدود. الحريديون على الجدران.
والمستوى الثاني سياسي، فقد قوت اسرائيل الحلف مع الاردن وحدودها مع الجولان السوري أطول بكثير وتيار اللاجئين من الشمال يقلق قادتها. ويصف الملك عبد الله الذي هاجم نتنياهو في الماضي بشدة، يصفه الآن بأنه يُسهم في الاستقرار. وتتم اللقاءات بين الملك ورئيس الوزراء في هذه الاثناء سرا، يعللها الاردنيون بالجمود السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين. واعتذرت اسرائيل لتركيا عن قضية ‘مرمرة’ وعللت الدولتان تحسين العلاقات بينهما بخوفهما المشترك من الوضع في سوريا، لكن الاعتذار لم يُترجم بعد الى خطوات عملية للتعاون الأمني.
تم الاجراء الأكثر جرأة، انشاء صلة بفريق من المتمردين بغرض ضمان ان يوجد من يُتحدث معه في سوريا بعد سقوط الاسد لمضاءلة خطر تورط عسكري. وتنكر جهات اسرائيلية الدعاوى التي نشرت في وسائل الاعلام العربية أن اسرائيل سلحت المتمردين.
لكن اذا لم تكن هذه الاجراءات كافية فقد تجد اسرائيل نفسها في المشكلة المعروفة على حدود غزة ولبنان وهي كيف يتم احراز هدوء وردع من غير اجتياح واحتلال اراض وراء الحدود أو تدهور الوضع الى مواجهة عسكرية واسعة. فليس عند الجيش الاسرائيلي شهوة كبيرة الى انشاء ‘شريط أمني’ في الجولان السوري. وهم يفضلون ان يجدوا قوة محلية تُغلب الهدوء على الارض وتحبط اطلاق الصواريخ والقذائف الصاروخية على اسرائيل. ويمكن ان نُقدر أن هذه القضية تقوم في مركز المحادثات الثلاثية الاسرائيلية الامريكية الاردنية. ومن الواضح أنها ستحتل مكانا مركزيا في مباحثات المجلس الوزاري المصغر الجديد لنتنياهو.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الجيش الاسرائيلي يحتاج الى ابطال
بقلم: عاموس هرئيل،عن هآرتس
إن حرب لبنان الثانية في 2006 هي المعركة العسكرية المهمة الاخيرة التي شاركت فيها اسرائيل (يوجد بالطبع من يخالفون هذا التشخيص ويقولون انه ليس الحديث عن حرب حقيقية بل عن معركة بين فرقة أو اثنتين شبه مطبوختين). كانت تلك الحرب مصحوبة بتضخم درجات المدح. ففي مراسيم توزيع أوسمة الشجاعة بعد أكثر من سنة من انتهاء الحرب تم توزيع ما لا يقل عن 38 وسام شجاعة من رئيس هيئة الاركان و104 أوسمة اخرى من قادة المناطق وقادة الفرق.
تقول المواضعة العسكرية القديمة انه في المكان الذي يفشل فيه الجنرالات يُمنح الضباط الصغار والمحاربون العاديون بعد ذلك أوسمة أكثر لأنه حينما يسير الأكثرون على حسب الخطة لا يُحتاج على نحو عام الى ظواهر بطولية غير عادية توجب أوسمة شجاعة بعد ذلك. ويشتمل هذا التشخيص على زعم آخر وهو ان وسام الشجاعة هو في الحقيقة تغطية للمؤخرة يحمي به الجهاز العسكري مؤخرته بعد ان تتعقد الامور، وليس هذا صحيحا دائما لكن لا شك في ان هيئة الضباط العليا يطيب لها ان تلوذ في ظل غبار النجوم الذي يثيره المقاتلون الشجعان ذوو أوسمة الشجاعة.
انتبه رون بن يشاي، المحلل العسكري لـ ‘واي نت’ قرب موعد مراسيم أوسمة الشجاعة من لبنان الى ظاهرة تثير العناية. فقد كتب بن يشاي يقول ان أكثر المتميزين في الحرب حظوا بأوسمة شجاعة بسبب ظواهر بطولية كانت تتصل بتخليص جرحى تحت نار العدو، ورأى المحلل القديم في ذلك شهادة حاسمة على صورة سير الحرب في 2006 فقد كانت معارك تقدم مبلبلة وقفت في كل مرة أظهر فيها حزب الله مقاومة تستحق هذا الاسم، وأصبحت دفعة واحدة جهدا لانقاذ الجرحى. وإن الافتراض السائد الذي يقول ان الجنود حتى رتبة قائد الكتيبة قد حاربوا مثل أسود وهزموا حزب الله في حين فشلت الرتب التي هي أعلى وأفشلت، كما كتب بن يشاي، هو ‘أسطورة جميلة فيها قليل من العزاء لكبريائنا والعلاج لثقتنا بأنفسنا، لكن هذه ليست الحقيقة’. فقد زعم أنك لا تصنع الحرب بالندب.
أُضيفت الى انتقاد بن يشاي مزاعم أثارتها لجنة تابعة لهيئة القيادة العامة برئاسة الجنرالين يورام يئير واليعيزر شتيرن فحصت عن ‘قيم الجيش الاسرائيلي في الحرب’. وزعم يئير بعد ذلك ان السبب الرئيس لاخفاقات الجيش الاسرائيلي في الحرب كان ‘السلوك القيمي للقادة من رئيس هيئة الاركان الى رتبة قادة الكتائب’ وان الجيش قد نسي أهم قيمة وهي التمسك بالمهمة والسعي الى النصر.
قيلت أقوال المحلل والجنرال في فترة كانت الحرب ما زالت تُرى فيها وبحق فشلا عسكريا. ومرت منذ ذلك الحين سبع سنوات هدوء على حدود لبنان. ونبعت هذه السنوات في الأساس من الفرق الأساسي في القدرات بين الجيش الاسرائيلي وحزب الله الذي ظهر في الحرب ايضا، فما زالت الضربة التي تلقتها المنظمة اللبنانية تردعها عن محاولة تصعيد آخر مع اسرائيل. لكن الهدوء خدم اولئك الذين أرادوا اجراء ما يشبه حركة تصحيح تاريخية في وصف الحرب وعرضها على أنها نصر سياسي وعسكري تُحسن نتائجه الرأي في صورة ادارة المعركة. ومن حسن الحظ أن مرت بضع سنوات قبل ان يسمح الجيش الاسرائيلي لنفسه بأن يصبح أسير سحر هذه الأكذوبة. إن غابي اشكنازي، رئيس هيئة الاركان الذي عُين بعد الحرب بذل جهدا كبيرا في اعادة أهمية القيم القديمة وانعاش العلم العسكري الفني الذي نُسي في سنوات الانتفاضة الثانية.
عاد الجيش حقا للحديث بالمصطلحات التي كانت ذات مرة، لكن التغيير المبارك هذا لا يغير الاطار الذي تتم فيه المعارك العسكرية الاسرائيلية وهو ما وصفه الباحث البروفيسور ادوارد لوتفيك بأنها ‘حروب ما بعد البطولة’. في حروب كهذه يوجد لديمقراطيات غربية (واسرائيل منها) هدفان رئيسان: منع الخسائر من جانبنا والامتناع عن مس مبالغ فيه بمواطني العدو. انها حروب لا تقترن في الأكثر بتهديد وجودي للدولة التي تختار ان تستغل تفوقها التقني كي تقوم على نحو عام بمعركة من بعيد تُمكّن من الحفاظ على فاعلية عملياتية ومعايير اخلاقية معقولة من غير ان تزعزع الشرعية الداخلية بل على قدر من الشرعية الدولية لعملياتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اوضاع الفلسطينيين تزداد سوءا
بقلم: اسحق ليئور،عن هآرتس
حينما عُلم في يوم الاربعاء الماضي بعد الظهر بحادث السير المخيف في نيشر بدأت محطات الاذاعة تستعمل موجة مفتوحة في تأثر كبير. وأصروا على وقوع عملية تخريبية. وكان واضحا بحسب التأثر ان السائق عربي وعُلم حتى المساء ان ضحايا الحادثة عرب ايضا.
وهدأ البلد وتحولت الهستيريا الى حداد بعيد. وأُبلغ ايضا عن عدد مخالفات السير للسائق ونية اتهامه بالقتل. ولم يُبلغ كم من سائقي الشاحنات عامة هم عرب ولماذا يعملون هم خاصة بهذا العمل المرهق ومن الذي يرسلهم ومن الذي يراقب ساعات النوبات ومقدار الوظيفة المسموح به، كل ذلك غير مهم. فالشاحنات ليهود على نحو عام وكذلك الأرباح ايضا. وتقسيم العمل في الجهاز الاقتصادي يدل على ذلك ايضا.
إن القطارات السريعة التي يخطط لها الوزير اسرائيل كاتس في أنحاء الجليل لا يفترض ان تقف البتة في القرى العربية الكبيرة وفي البلدات المزدحمة. فكاتس عنصري قديم وليس هو وحده. فمن اجل يهود الجليل وهذه سياسة عنصرية ظاهرة لا يرفع أحد صوته احتجاجا عليها تشق الشوارع السريعة في ما كان ذات مرة قرى لا يجوز ذكرها باعتبارها شواهد على النكبة. فالشارع 70 والشارع 85 يدوسان من اربعة اتجاهات البروة التي هي قرية محمود درويش الخربة مثلا.
ومن جهة اخرى يفترض ان يسير الباقون من النكبة وهم مواطنو الدولة اليهودية والديمقراطية في الشوارع عن طريق منعطفات لبلدات يهودية. وليس للطيبة والطيرة وهما مدينة وبلدة كبيرة عن جانبي الشارع 6، منعطفات. ويوجد منعطف لبلدات صغيرة مثل كوخاف يئير وتسور نتان. هذا هو المضمون الحقيقي لدولة اسرائيل في كل المجالات ومنها الاكاديمي، وليس المحاضرون هناك فظين كالناس في الناصرة العليا لكنهم يتلذذون بابقاء الكعكة لأنفسهم وهذه ملذات يحسن السكوت عنها في السياق الليبرالي.
هذه ‘دولة يهودية’، ولهذا فان الاولاد العرب يستحقون التعليم بقدر أقل، ولهذا فان وفيات الاطفال الرضع أكبر. ولهذا أخذت القرى تصبح أكثر ازدحاما ولهذا يزيد الفقر نفسه ضعفين أو ثلاثة.
يسهل على الاسرائيليين ان يخدعوا أنفسهم بشأن المناطق المحتلة، فلا يوجد للحكم الاستبدادي العسكري المظلم هناك أي رادع لكنه ‘مؤقت’ الى ان يوجد الحل، ولما كانوا ‘لا يريدون حلا’، فـ ‘نحن على حق’، وهذه لذة سامية ولغوية.
ويحيا المواطنون العرب في اسرائيل في المقابل تحت تمييز عنصري لا يغطي عليه أي خداع للنفس. هل توجد دولة اخرى في الغرب لا تظهر أسماء 20 في المائة من مواطنيها بين مراسلي التلفاز والصحف وفي العلوم والاكاديميات وفي ديوان الموظفين في المدن الكبيرة لا بنسبة 2 10 بل ولا بنسبة 1 10؟ ويزداد التمييز شدة على الدوام.
وتبلغ نسبة العاملين العرب من مجموع عمال الدولة نحو 7 في المائة، وكانت الأجرة الحقيقية عن الساعة للعرب في 2009 أقل بنحو 40 في المائة من أجرة اليهود ويتدهور الوضع. وليس يوجد فقط عدد أكبر من الفقراء بين العرب بل إنهم أفقر ايضا من الفقراء اليهود، ويزيد فقرهم على مر الزمن.
يعد الوزير كاتس سكان بيت شان بقرب أكبر الى المركز. وستزيد قيمة بيوتهم حينما تُربط بلدتهم بسكة الحديد الى المركز. وماذا بشأن الفقر العربي في اسرائيل؟ ينبغي ان نبدأ بالعقارات: فليس للبيوت في القرى والبلدات قيمة اقتصادية وكلما زاد عدد السكان ومُنعوا أن يبنوا لأنفسهم بيوتا خارج الغيتو (المحبس) الذي خُصص لهم في 1948، كلما اتسع البيت نفسه ليشتمل على شقق ملحقة لعائلات موسعة. وليس للشقة قيمة بيع وشراء ولا يمكن تأجيرها من اجل العمل في المدينة، فالارتباط بمكان السكن والبطالة، كل ذلك جزء من السجن في المحبس، وهذا لفخر دولة اسرائيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
سنوات التعاون بين الولايات المتحدة واسرائيل
بقلم: دانيال ب. شبيرو سفير الولايات المتحدة في اسرائيل،عن اسرائيل اليوم
أُهنئ دولة اسرائيل التي تحتفل باستقلالها الـ 65 (!) وقد احتفل الرئيس اوباما اثناء زيارته لاسرائيل في الشهر الماضي بمرور 65 سنة صداقة بين اسرائيل والولايات المتحدة وأكد ان الحلف بين الدولتين يقوم على القيم المشتركة، وعلى المُثل الديمقراطية، وعلى الايمان بأنه يجب علينا ان نمنح مواطنينا فرصا وحرية لانشاء مجتمعات أكثر عدلا. وأريد بمناسبة يوم استقلال دولة اسرائيل ان أعاود تأكيد رسالة الرئيس اوباما: إن مستقبل العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة واضح اليوم كما كان دائما وأنا على ثقة بأن دولتينا ستستمران في الاقتراب بعضهما من بعض في المستقبل. ولا تزال العلاقات بيننا تتطور وقد تكون الطاقة الكامنة الكبرى للنمو في العلاقات الاقتصادية بيننا.
حصر الرئيس اوباما عنايته في خطبته في القدس بالتعاون بين الاسرائيليين والامريكيين على احراز تقدم في المجالات الثلاثة التي تُعرف عصرنا وهي الأمن والسلام والنماء. وأكد الرئيس العلاقات الامنية بين الولايات المتحدة واسرائيل التي لم تكن قط أوثق مما هي الآن والتزام امريكا الذي لا يتزعزع بأمن اسرائيل.
وكانت رسالة الرئيس اوباما واضحة وهي أنه ما بقيت الولايات المتحدة فلن تكون اسرائيل وحيدة. وتحدث الرئيس اوباما ايضا عن التزام مجدد بجهود إحلال السلام والتفاوض التي ستفضي الى دولتين للشعبين دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة اسرائيل الآمنة والديمقراطية واليهودية.
إننا على علم بالصعاب التي تصاحب هذه المهمة لكن احرازها مسؤوليتنا عن الأجيال التالية.
وكان المجال الثالث الذي تناوله الرئيس اوباما هو النماء، أي العلاقات الاقتصادية والتجارية القوية بين الدولتين. يكون احيانا ميل الى نسيان البعد الاقتصادي بازاء عناوين صحفية تتناول الأمن والسلام، لكنه مهم بنفس القدر بالضبط وهو يُمثل من جوانب كثيرة مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل. إن هذه العلاقات لا تنشئ النماء واماكن العمل فقط بل تُمكّن دولتينا من ان تواجها معا تحديات القرن الواحد والعشرين سواء كان الحديث عن تلبية الطلب العالمي المتزايد للطاقة أو حماية البيئة والموارد الطبيعية أو حماية البنية التحتية الرقمية من الارهاب والجريمة السبرنتيكية.
منذ ان نشأت دولة اسرائيل نمت العلاقات الاقتصادية في الولايات المتحدة على الدوام، وأصبحت الولايات المتحدة اليوم أكبر شريكة تجارية لاسرائيل، فالتجارة بينهما تقف على أكثر من 40 مليار دولار كل سنة، وتبلغ استثمارات الولايات المتحدة المباشرة في اسرائيل والاستثمارات الاسرائيلية في الولايات المتحدة أكثر من 20 مليار دولار.
وتترجم هذه المعطيات ذات الأهمية الى اماكن عمل، إن شركات امريكية ومندوبيها يستعملون على نحو مباشر نحوا من 60 ألف اسرائيلي وهم عدد لا يقل عن 2 في المائة من القوة العاملة في اسرائيل. وتنشئ شركات اسرائيلية ايضا عشرات آلاف الوظائف في الولايات المتحدة. وإن انشاء هذه الوظائف في الدولتين من أكثر التعبيرات وضوحا ومحسوسية عن التأثير المعلوم للحلف بين الولايات المتحدة واسرائيل في حياة مواطنينا اليومية.
برغم ان الشركة الاقتصادية بيننا حظيت بنجاحات كبيرة في العقود السابقة ما زالت توجد طاقة كامنة هائلة للنمو. إننا نستطيع ويجب علينا أن نخطو خطوات جديدة لتقوية التجارة وتحسين التعاون في قضايا مهمة كالطاقة والبيئة والتعاون العلمي والامن السبرنتيكي، ستتيح للجيل التالي التحديث والنمو الاقتصادي. على سبيل المثال ان الكشف عن احتياطي كبير من الغاز الطبيعي في عرض البحر وهي موارد يتم تطويرها الآن بشراكة بين شركات امريكية واسرائيلية يغير تغييرا حادا مشهد الطاقة في اسرائيل. فقد تضمن هذه الموارد اذا أُديرت ادارة صحيحة لاسرائيل استقلالا في مجالي الطاقة والأمن.
وفي مجال الطاقات المتجددة، ينشئ قادة من مجال البيئة في الولايات المتحدة واسرائيل شراكات عامة خاصة بين حكومتينا وبين اعمال خاصة ومبادرين وعلماء وهي شراكات تشكل نموذجا لصورة عمل الامريكيين والاسرائيليين معا على حل مشكلات في مجال البيئة وإحداث فرص عمل جديدة.
إن الأمن السبرنتيكي هو مجال جديد حاسم للتعاون بين الدولتين، وقد حاول في الاشهر الاخيرة ارهابيون ومخالفون للقانون الاضرار بأمريكا واسرائيل معا بهجمات موجهة، لكن لا توجد دولتان في العالم كالولايات المتحدة التي هي بوتقة شركات التقنية المتقدمة في العالم، واسرائيل مع مواطنيها المجددين الذين جعلوها ‘أمة ستارت أب’ في موقع أفضل لقيادة العالم في مكافحته لهذه التهديدات. وأنا أتوقع تعزيز تبادل المعلومات بين خبرائنا في مجال السبرنتيكا كي نستطيع ان نحمي بصورة أفضل قاعدة معلوماتنا الحاسمة.
واليوم واسرائيل تحتفل بسنة استقلال اخرى آمل ان أظل أرى الامريكيين والاسرائيليين يُحسنون ويبنون العلاقات التجارية بيننا التي هي قوية أصلا. واذا نظرت الى الوراء، الى سنوات التعاون الـ 65، فلا شك عندي بأن الدولتين تنتظرهما نجاحات ونماء كبيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
دولة تفر من مستقبلها
بقلم: أسرة التحريرعن هآرتس
دولة اسرائيل هي قصة نجاح. لا يمكن لاي علة على الطريق أو في النتيجة أن تقلل من انجاز الصهيونية.
هذا انجاز زعماء اسرائيل الذين تمكنوا من أن يقرروا رؤيا صهيونية لدولة يهودية وديمقراطية وبلوروا اهدافا يمكن التوجه اليها في واقع متغير. كما أنهم ارتكبوا أخطاء جسيمة، وليس قليلا من الشهداء الذين نذكرهم ونحد عليهم اليوم سقطوا بسبب تلك الاخطاء. ولكن السلام مع مصر والاردن كان ذخرا استراتيجيا حيويا واتفاق اوسلو اعترف مرة اخرى بانه من دون تفاهم مع الفلسطينيين لن تحقق اسرائيل غايتها، واخلاء قطاع غزة أوضح ان الرؤيا الصهيونية لدولة يهودية وديمقراطية تستوجب فك الارتباط.
غير أنه يلقي على مستقبل اسرائيل بظلاله مشروع الاستيطان المناهض للصهيونية، الذي يستند الى تجاهل وجود سكان فلسطينيين باعداد هائلة لا يمكن لاسرائيل ان تحكمهم، وخطوات مناهضة للصهيونية تهدد بتحويل اسرائيل الى دولة غير ديمقراطية تسود فيها ديانة ظلامية. ليس هناك من ضرر أكبر باليهودية من هذا الميل الذي لا يقبل به معظم الشعب اليهودي وهو يتعارض مع إرثه. فمنع التعليم العام، اقصاء النساء، معارضة الخدمة العسكرية واقامة وحدات عسكرية ذات طابع خاص للاصوليين الذين يخدمون، التمييز في الجيش بين اليهود وغير اليهود، الدعوة الى عدم تأجير شقق للعرب، والقرار بعدم فتح مدرسة لهم في الناصرة العليا كل هذه تضر باليهودية وبالدولة. لا أمل في أن تحقق اسرائيل غايتها كوطن قومي للشعب اليهودي، اذا ما تضررت المبادئ الديمقراطية التي هي اساس الصهيونية.
منع السلاح النووي عن ايران هو هدف هام، ولكن اسرائيل لن تحقق الرؤيا الصهيونية اذا لم تعمل بتصميم على تطبيق الاستراتيجية التي تقررت في اتفاق اوسلو وتبناها بنيامين نتنياهو في خطاب بار ايلان وفي تصريحاته في اثناء زيارة الرئيس باسراك اوباما. فالتغييرات التي طرأت على العالم العربي تستدعي السير في طريق يعزز صورة اسرائيل في نظر الشعوب المستيقظة. غير أن اعمال رئيس الوزراء، في خلاف مع أقواله، تثير الخوف من أن ليس له نية كهذه.
كما أنه لا أمل في أن تحقق اسرائيل الرؤيا الصهيونية اذا لم تدافع بكل قوتها عن مبادىء الديمقراطية. فالانغلاق المناهض للديمقراطية يمس بالمواطنين العرب ويبعد أغلبية يهود العالم عن اسرائيل. اذا ما استمر، فانه سيدفع أيضا الى اعادة النظر بالتزام العديد من الاسرائيليين، الشباب والمثقفين، ببلادهم.
ان مستقبل اسرائيل يكمن في السلام مع الفلسطينيين ومع جيرانها وبالالتزام الحقيقي بالديمقراطية. عشية يوم الاستقلال، اختبار الحكومة الجديدة هو في القيادة المصممة لتحقيق هذا المستقبل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
‘أنا مُحب للاستطلاع كالولد حتى في سن التسعين’
بقلم: يارون لندن ودانييلا لندن ـ ديكل،عن يديعوت
شخص شيخ يسكن المنزل وحده. وهو محاط بعائلة من المساعدات المخلصات اللاتي يحفظنه مثل عمل فني نادر هش. فهو رمز. وما الذي يرمز اليه؟ إن كل انسان يصب فيه مضمونه الخاص. وأنا أكتفي بمعرفة أن جموع الناس يحبونه لأنه يغمرهم بالحب. فهذا جوهر عمله وهذه المهمة يؤديها الانسان شمعون بيرس بنجاح كبير وما عدا ذلك أقل أهمية.
حينما عرض ترشحه منافسا لموشيه قصاب علمت أنه يفوق خصمه في جميع صفاته، لكنني اعتقدت وكتبت أن سيرة حياة قصاب قد تُسهم في المصالحة بين العلمانيين والمحافظين وبين الاشكنازيين والشرقيين وبين طبقة النبلاء القديمة وأولاد الآتين من المساكن المؤقتة ومدن التطوير، وحينما رشح نفسه للانتخاب مرة ثانية كتبت مقالة قاسية وعصبية طلبت فيها منه ان يبتعد عن الحياة العامة وقلت حسبُك. فقد حان الوقت ليسكن منزل الرئيس انسان شاب سريع الخطوات مربوط بالانترنت والشبكات الاجتماعية ويتحدث لغة عبرية طرية نقية من الاستعمالات الفصيحة. ولم يحاسبني الرئيس على ذلك للطفه وأدبه.
ويبدو أنني اخطأت لأن مزاياه تغلب على نقائصه. أما العالم فيحترمه احتراما أكبر من الاحترام للدولة الاشكالية التي يمثلها، وأما المواطنون فقد نسوا صورته باعتباره أكبر المتآمرين السياسيين وكأنه لم يخطئ قط بسياسة مُسفة.
وقد زرته مع الرسامة دانييلا لندن ديكل التي أعرفها جيدا. وكان ذلك في التاسعة والنصف في الصباح في قاعة في مقدمتها طاولة قهوة صغيرة وعلى جدرانها صور لا ذوق فيها وعلى طولها مقاعد كما في بيت واحد من أعيان العرب. وانتبهت الى أن الرئيس انكمش منذ رأيته آخر مرة وضعف صوته لكنه جلس مدة ساعتين ونصف الساعة لا أقل من ذلك منتصبا في كرسيه في حين اضطررت أنا وأنا أصغر منه بـ 17 سنة الى أن أمط بين الفينة والاخرى جسمي الذي انزلق نحو البلاط.
.لندن: ستكون هذه مقابلة مع رسوم يا سيدي الرئيس.
..بيرس (الى دانييلا): ‘هل ترسمين ايضا؟’
.دانييلا: هذا ما أفعله في الأساس. وسألتقط صورا من آن لآخر اذا أذنت.
..بيرس: ‘ماذا نفعل؟ سنتحمل هذا. هل تكتبين وترسمين ايضا؟’
.دانييلا: كنت لسنوات كثيرة رسامة كاريكاتور سياسية وقد رسمتك مرات كثيرة.
..بيرس: ‘يا ويلاه’.
.لندن: هل استيقظت كعادتك في الثالثة والنصف أو في الرابعة؟
..بيرس: ‘اجل. انظر توجد اشياء كثيرة علي أن أفعلها، والذي يوجب علي عملا دؤوبا على نحو خاص هو كتابة خطب. فأنا أحرص على التفصيلات وهذا يستهلك وقتا طويلا. وقد كتبت في الـ 24 ساعة الاخيرة ثلاثة خطب وكان ذلك مثل قطع بحر القُلزُم. وكتبت بعد ذلك مقدمة لكتاب أُصدره ومقالة لصحيفة ‘نيويورك تايمز′. هذه حالي كل صباح من الرابعة الى السابعة’.
.لندن: لم يكن ذلك قبل أن أديت خمسين تمرين رياضة؟
..بيرس: ‘لم أعد أفعل هذا فأنا الآن أخطو ربع ساعة على جهاز عدو في السابعة بالضبط وأعود للعمل بعد ذلك’.
.لندن: وحينما تستيقظ قُبيل الفجر هل يكون هذا المكان خاليا من الناس؟
..بيرس: ‘أنا أسكن الشقة وحدي’.
.لندن: هذا مخيف كثيرا.
..بيرس: ‘قد يكون مخيفا شيئا ما لكنه نافع ايضا لأنه يوجد هدوء تام ولا يشوش علي أحد’.
.لندن: هل ننتقل الى السياسة؟ هل فاجأتك نتائج الانتخابات الاخيرة؟
..بيرس: ‘اجل. فقد دخلت قوى جديدة لم أعرفها ولم أُقدر مبلغ تصميمها ولم أستطع أن أُخمن كيف سيرد الجمهور. خُذ مثلا حالة يئير لبيد الذي أعطته استطلاعات الرأي ذات مرة تسعة نواب وفي مرة اخرى 19 نائبا’.
.لندن: ما الذي حدث في المجتمع الاسرائيلي وأفضى الى الزعزعة السياسية؟ أو ربما كانت العلامات قد لاحت ولم تلاحظها؟
..بيرس: ‘علت قوى جديدة لأنها ظهرت مشكلات جديدة. حينما كنا شبابا كانت البلاد جائعة لكن لم يكن فيها جياع لأننا تقاسمنا القليل الذي كان موجودا وأصبح يوجد فجأة 900 ألف ولد جائع في بلد غني جدا. إن اتساع الفرق ظاهرة عالمية مخيفة. وهذه أول مرة في تاريخ الدولة تغلب فيها المسألة الاجتماعية المسألة الأمنية’.
.لندن: وهل تظن أن هذه هي المشكلة المركزية؟
..بيرس: ‘انها مهمة جدا لكن مسألة السلام والأمن ما زالت في المركز′.
.لندن: إن أفقر وسطين هما الحريديون والعرب الذين يبلغون نحوا من ثلث السكان. فلو أنك حذفت من المعطيات الاحصائية هذين الوسطين لوجدت ان المجتمع الاسرائيلي وفيه ما يسمى على لسان لبيد الطبقة الوسطى ليس فقيرا كثيرا. إن الحزبين اللذين نجحا في الانتخابات مهتمان بانتاجية الحريديين أما أنت فضممت الحريديين الى جميع الحكومات التي شاركت فيها وذهبت لتكريم قادتهم الحاخامين ولم تربط المشكلة الاقتصادية بالحريدية وفعل لبيد وبينيت هذا.
..بيرس: ‘اجل، وأثار هذا حماسة الناخبين الشباب. عرف يئير وشيلي وبينيت كيف يُحدثونهم بلغتهم لكن توجد اشياء أعمق فقد تغيرت الخريطة السياسية لأن العالم تغير. وتحدث ثورة عالمية تلاحظ علاماتها عندنا ايضا، وخسرت الحكومات القومية من قوتها لأن الاقتصاد العالمي سلبها السيطرة على الاقتصاد الوطني وسلبها الارهاب السيطرة على الأمن القومي. لا يوجد خطر حقيقي من غزو الجيوش ولا يحتاج الارهابيون الى جيوش كبيرة. ويؤثر قلة ممن لا ضمير لهم في مصير العالم. ونشأت الى جانب الدولة الحاكمة ادارة موازية هي ادارة الشركات العولمية الضخمة ولها ميزة عظيمة لأنها لا تحكم بالقوة بل بقوة الآذان. فهي تصغي الى المستهلكين وتُسرع الى اجابة رغباتهم وهي لا تحتاج الى جيش والى شرطة والى بيروقراطية ولهذا تنال أرباحا عظيمة’.
.لندن: لم أفهم هل تتحدث عنها في حقد أو في تسليم أو في حماسة؟
..بيرس: ‘لقد فعلت عدة امور مدهشة. فأنت مثلا لا تستطيع ان تكون عولميا وعنصريا وقوميا ايضا، ولا تستطيع ان تكون عولميا من غير ان تُجل الانسان الفرد الذي بقي هو نفسه برغم كل شيء. والاقتصاد العولمي مرغم على الاصغاء اليه’.
.لندن: هل أنت مخلص لتصورك أن الاقتصاد في عصرنا أهم من الايديولوجيا؟
..بيرس: ‘ما تقوله تبسيطي’.
.لندن: أستطيع أن أُطيل. لقد صككت مصطلح ‘شرق اوسط جديد’ يتصل بالتصور المادي في أساسه. وافترضت أننا اذا بنينا تعاونا اقتصاديا وثيقا بين الدول في الشرق الاوسط فسنرفع مستوى عيش السكان ونتوصل الى هدوء لكن الدين والشعور القومي قد انتصرا.
..بيرس: ‘أرى الامر بصورة مختلفة. أعتقد أننا لو قبلنا اتفاق لندن الذي صغته مع المرحوم الملك حسين لأنشأنا شرق اوسط جديدا. وقد حظينا برغم اضاعة الفرصة تلك بميزة عظيمة لأن الطموح الى السلام منح اسرائيل منزلة بين الشعوب ولم يتم تصويرنا على أننا قوة احتلال فقط’.
.لندن: لا ينقض هذا زعمي بان الافكار الأصولية قد هزمت الشهوة للنمو في العالم العربي والاسلامي على الأقل.
..بيرس: ‘صحيح ان التاريخ عندهم يمشي على عكاز لا على رجلين، وربما ما اعتقدت انه سيستغرق خمس سنوات سيستغرق عشرين سنة. فليكن ذلك. ان الشرق الاوسط الآن عاصف لكن الاحزاب التي تولت الحكم غير قادرة على الحكم فلا أجوبة عندها عن اسئلة الجيل الشاب الذي حياته صعبة وهو ثائر. إن المشكلة هي أن ثورتهم تتم بلا يد موجهة لكن هذا سيحدث ايضا لأنه ليس عند من تولى الحكم أجوبة. إن احتياطي مصر يكفي لشهر ونصف فماذا سيحدث بعد ذلك؟’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
