-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 397
اقلام واراء عربي 397
13/5/2013
في هذا الملــــف:
اسرائيل: حجة لنا أم علينا؟
بقلم: حداد بلال عن القدس العربي
مشروع التحرير واستنهاض الأمة
بقلم: محمد دياب عن القدس العربي
عيون وآذان (فلسطين أولوية تركية)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
جواز القرضاوي الفلسطيني !
بقلم: رجا طلب عن الرأي الأردنية
يرضى العرب ولا ترضى “إسرائيل”
بقلم: إلياس سحاب عن الخليج الاماراتية
الأقصى على وشك التهويد
بقلم: محمود الريماوي عن الخليج الاماراتية
إسرائيل في سوريا
بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية
الذي يحدث في سوريا والمخطط الكبير
بقلم: فوزية رشيد عن أخبار الخليج البحرينية
اسرائيل: حجة لنا أم علينا؟
بقلم: حداد بلال عن القدس العربي
يبدو ان ضلوع اسرائيل في الشرق الاوسط اصبح امرا لا يستهان به، خصوصا بعدما جعل العصبة العربية تنفك الى اجزاء متناثرة متصارعة في ما بينها، تتبادل التهم في مجال التطبيع مع هذه الاخيرة، لكونها نقطة قوة في المنطقة على حساب دولة فلسطين، التي احتلتها من دون ان تجد في ذلك قوة تردعها او تناقسها في المنطقة، ما يفسر بذلك حرص اسرائيل على ابقاء الدول العربية تابعة لها في كل الامور التي تخص الاراضي الفلسطينية الطاهرة، فهل ستكون بعد كل هذا اسرائيل حجة لنا ام علينا؟
ومن هذا المنطلق قد تكون اسرائيل حجة لنا في كثير من المواقف المجحفة في حقنا، والمتسببة في تخلفنا وبقائنا على هذه الحالة، وبسببها اختلقت انظمتنا اعذارا تتحجج بها، وهي اعذار اقبح من ذنب خيراتنا وثرواتنا تذهب سدى امام اعيننا، من دون ان نتمتع بها.
وفي جانب اخر قد تكون اسرائيل حجة علينا بانغماسنا التطبيعي العميق مع اسرائيل، تاركين بذلك فلسطين لوحدها، تواجه اسرائيل ومعها امريكا وحلفاؤها، وليس هذا فحسب انما ايضا كل مبادرة عربية باسم فلسطين وشعبها تستغل من اجل الحفاظ على امننا المهدد من التحريض الاسرائيلي مقابل تقلص وامتصاص اراضي فلسطين يوما بعد يوم.
فاذن هي تساؤلات قد تتبادر الى اذهاننا لا ندري في اي صف نضعها، اما في صف نتحجج به او صف هو الذي سيتحجج علينا في اسئلة قد تكون منها: لماذا استغرقت القضية الفلسطينية كل هذا الوقت؟ وهل سبب ذلك هو تعاملنا معها بسذاجة وكأنها لا تعنينا، ام ان اسرائيل اصحبت قوة لا تقهر اكثر مما كانت عليه في السابق، لاننا تركنا لها ذلك؟ وهل عدم تقدمنا هو بسبب اطراف اجنبية؟ وهل نحن بصدد تحقيق الاكتفاء الذاتي من طاقاتنا ومواردنا الطبيعية، حتى كدنا نقدمها بالمجان لمن هو اكثر منا امتلاء للبطن بسبب واحد فقط يعود الى التفوق الصناعي؟.. ومن ذاك القبيل هل ستكون لاسرائيل حجة نحتج بها لانفسنا ام ستكون حجة ضدنا؟
التأكد من هذا ومن غيره من التساؤلات المطروحة في هذا العصر، ستكون اسرائيل حجة علينا اكثير بكثير من ان تكون حجة لنا، لانه سيأتي يوم تقول فيه اسرائيل لنا ‘لا تلوموني ولوموا انفسكم على اتباعكم ملتي’ التي جعلتكم هكذا، ما يتوجب علينا هو اعادة ترتيب امورنا قبل فوات الاوان تجاه القضية الفلسطينية، خصوصا المبادرات العربية، في سبيل ايجاد حل سريع للازمة بما فيها انهاء التطبيع مع اسرائيل، قبل ان تحكم علينا بالكماشة عن اخرنا ولا نجد ما نتحجج به بعدها.
مشروع التحرير واستنهاض الأمة
بقلم: محمد دياب عن القدس العربي
إن تحرير المسجد الأقصى ليس حكرا على سكان الأرض المقدسة، فلسطين، ومن الظلم للقضية ولسكان هذه الارض حصر تحرير بيت المقدس فيهم دون غيرهم، فلا نحن وحدنا قادرون على التحرير، وليست المدينة المقدسة لنا وحدنا حتى نتحمل وحدنا تبعة التحرير، وإن كان من الشرف لنا بلا شكٍ أن نتبوأ رأس الحربة في مشروع التحرير الكبير. ومن خلال التجوال بين المعتمرين في أرض الحرم المكي تحديدا، وفتح المجال أمامهم واسعا للحديث عن القدس والأقصى، ومع أنني كنت ألبس شعارا يوحي بأنني من فلسطين، مطبوعا عليه صورة القدس ومكتوبا عليه عبارة لا تحتمل الخطأ ‘القدس لنا’، ومع هذا غير أن الذين كانوا ينتبهون لهذا قليل من الناس. مع أننا بمجرد ما نلتقي ببعض أصحاب المصائب من البلدان العربية أو الإسلامية ننشد لهم بشكل كبير جدًا، بل ونشعرهم بذلك ونحس بأن مصابهم هو مصابنا، وقضيتهم قضيتنا، وأن ما أصابهم يصيبنا وما يفرحهم يفرحنا ويسعدنا، فيا ترى ما السبب؟ ولماذا نجد أنفسنا منشدين نحو كل أبناء أمتنا بخلاف غيرنا من أبناء الأمة؟ ألأننا مشتركون في المصيبة وهي التي تجمعنا…
فإِن يَكُ الجنسُ يا ابنَ الطَّلْحِ فرّقنا … فَإِنّ المصائبَ يجمعْنَ المُصابينا
ولستُ أمدحُ شعبَنا – وإن كان يستحق المدح والإطراء والثناء- ولكني هنا أتكلم عن هَمٍّ جديد يضاف للدعاة والمثقفين من أبناء الأمة بشكل عام، وللدعاة والمثقفين من أبناء الشعب الفلسطيني بشكل خاص، وللدعاة والمثقفين من أبناء الحركة الإسلامية بشكل أخص. مشروع التحرير مما يجب أن يتفق عليه كلُّ أبناء الأمة ـ ويجب أن نسعى لتحقيق ذلك – أن تكون القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين هي القضية المركزية في حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ولقد بات واضحا أن مشروع تحرير فلسطين التاريخية من أيدي الصهاينة الظالمين، بحاجة إلا استنفار كل طاقات الأمة، عربا ومسلمين، ذلك لأن فلسطين ليست ملكا لسكانها فقط، بل هي ملك للمسلمين جميعا، وعلى مدار التاريخ لم يكن تحرير المسجد الأقصى على يد سكان هذه الأرض وحدهم، وهذا من بداية مشاريع التحرير الأولى، فالفتح الإسلامي الأول كان على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- وهو من المدينة المنورة. والفتح الثاني كان على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي – رحمه الله- وهو كردي قدم من بلاد الترك.
استنهاض الأمة، وهذا يلزمنا جميعا أن نقوم لله مثنى وفرادى، ثم ننطلق بين أبناء الأمة موضحين أبعاد القضية، موضحين المخاطر المحدقة بالمدينة المقدسة، محملين المسلمين المسؤولية الكاملة أمام الله وأمام الناس، وهذه المسؤولية تقع على كل من ملَّكه الله ملكةَ البيان، وحسنَ الكلام، ومعرفةَ الدخول للناس من حيث يرغبون، فالأمة اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى لتقوم بالعبء المناط بها، من وجوب العمل على تحرير المسجد الأقصى، قبل أن تقع الكارثة بهدم المسجد الأقصى ولا نملك ساعتها إلا البكاء، مع الفرح بخروج شيء من المسيرات الجماهيرية. ولأتكلم بشكلٍ صريحٍ أكثر، إنَّ قيادةَ حركة المقاومة الإسلامية حماس، مدعوة أكثر من أي وقت مضى، أن تبعث رسلَها إلى الأمصار الإسلامية كلها، ليبثوا الوعي بين أبناء الأمة، وليأخذوا بأيديهم نحو الوعي الكامل بالقضية والواجب الكامل تجاه تحرير المدينة المقدسة، ذلك لما حباهم الله من مكانةٍ عظيمة في قلوب الناس عربا ومسلمين. فبلدُ الإسلام العظيم ‘إندونيسيا’ أكبرُ بلدٍ إسلامي يتجاوزُ تعداد سكانه 250 مليونا، كم يحتاج من الدعاة والمنظرين والمثقفين والمفكرين المجيدين للحديث بطريقة لبقة ممتازة، يستوعب الحاضرين ويأخذ بعقول السامعين، كم واحد من هؤلاء يحتاجه هذا البلد الإسلامي الكبير، هذا من دون أن نبخس العاملين لنهضة الأمة شيئا في هذا البلد أو ذاك، ولكنَّا هنا نعني بكلامنا المتحركين دعويا من أبناء فلسطين، ومن أبناء العمل الإسلامي خاصةً، فإنهم أصحاب القضية، وأهل الحمية، وهم الذين ورثوا هَمَّ التحرير جيلا عن جيلٍ . والعالم العربي والإسلامي اليوم بات والحمد لله مفتوحا، وهذا يستدعي أن يُبث دعاة فلسطين من أبناء الحركة الإسلامية -لأنهم الأقدر- في الأقطار كلها مستنهضين أبناء الأمة، مجهزينهم للفتح الأكبر، متخذين في ذلك كل السبل المتاحة قانونيا، بعد التنسيق المباشر والكامل مع أصحاب القرار في هذه الدولة أو تلك، لنسعى جميعا لحشد كل طاقات الشباب المسلم الغيور، تلبية لصرخة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية حين دعا الأمة للنفير العام والاشتراك في جيش القدس بإذن الله تعالى…والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل، وعسى النصر أن يكون قريبا بإذن الله.
عيون وآذان (فلسطين أولوية تركية)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
القضية الفلسطينية هي أهم قضايا السياسة الخارجية التركية.
كنت ضمن مجموعة من الصحافيين العرب والباحثين زارت أنقرة وإسطنبول، والأولوية القصوى للقضية هي ما سمعنا من أركان الحكومة وأعضاء البرلمان والعاملين في مراكز الفكر والأبحاث جميعاً.
وكما فعلت أمس في عرض الموقف التركي من سورية، أختار اليوم مقتطفات مما سمعت عن فلسطين وإسرائيل لأن المادة كثيرة:
- أهم ملف للسياسة الخارجية التركية هو الاحتلال الإسرائيلي، والعلاقات التركية مع إسرائيل لن تتحسن ما بقي، ولا نتوقع أن تعود إلى سابق عهدها قريباً.
- لا اتفاقات سلاح جديدة مع إسرائيل. ربما كان هناك تنفيذ ما بقي من اتفاقات قديمة كانت تُعقد مع العسكر وسياسيين انتهى دورهم، فهم إما تقاعدوا أو في السجن.
- خلال الحرب الباردة كانت العلاقات مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة ما منع تطوير العلاقات مع الدول العربية. نهاية الحرب الباردة جعلت السياسة الخارجية التركية أكثر حرية في التعامل مع دول الجوار.
- قبل ثمانية أسابيع قدم بنيامين نتانياهو اعتذاراً عن الهجوم في المياه الدولية على باخرة السلام مرمرة في 31/5/2010. حادث مؤلم جداً. سفينة تحمل مئات من النشطاء طلاب السلام هاجمتهم إسرائيل في عملية قرصنة دولية وسقط قتلى وجرحى.
- تركيا خفضت تمثيلها الديبلوماسي في إسرائيل بعد العملية وسحبت سفيرها، وكذلك فعلت إسرائيل.
- كان موقفنا واضحاً من البداية، فقد قلنا: أولاً يجب أن تعتذر إسرائيل، وهي فعلت للمرة الأولى في تاريخها، وثانياً يجب أن تدفع تعويضات، والاجتماع الأول حول التعويضات لم يُسفر عن أي نتيجة، وهناك اجتماع قادم ربما في أواخر هذا الشهر، وثالثاً أن ترفع الحصار المفروض على قطاع غزة الذي يعاني من نقص في المواد الغذائية والأدوية. (سمعت أن إسرائيل عرضت مئة ألف دولار عن كل شهيد وتركيا تطالب بمليون دولار عن كل واحد منهم).
- وزير الخارجية الأميركي جون كيري طالب بأن يعدل أردوغان عن زيارته المقررة لقطاع غزة ورفضنا. نصرّ على شرطنا الثالث، أي رفع الحصار عن قطاع غزة، ولن نرسل سفيراً إلى إسرائيل قبل ذلك.
- لا يمكن أن ندخل في أي مشروع مع إسرائيل، أو أن نعقد أي اتفاق معهم، من دون عِلم العرب والاتفاق معهم قبل ذلك. نعمل لتشجيع المستثمرين على الذهاب إلى الأراضي الفلسطينية.
- بالنسبة إلى إسرائيل وسياستها إزاء الفلسطينيين والدول العربية والإسلامية، هي تهدم الجسور، ونحن نبنيها.
- بأوضح عبارة ممكنة، العلاقات التركية مع إسرائيل لن تتحسن ما بقي الاحتلال.
- نقدم مساعدات إلى الدول الحديثة الاستقلال في وسط آسيا، ولنا فروع للمساعدة في 31 دولة ومشاريع في 110 دول، ونهتم كثيراً بمساعدة الفلسطينيين مثل بناء مستشفى في غزة يضم 200 سرير، ومستشفى مماثل في طوباس، وأيضاً مساعدة مستشفى في الخليل.
- موقفنا أننا نريد دولة فلسطينية في حدود 1967 عاصمتها القدس. وسنساعدها، كما سنساعد 1.5 مليون فلسطيني في وطنهم الأصلي تحت حكم إسرائيل.
أريد أن أختتم بملاحظات سريعة من عندي فالإسلاميون الذين جاؤوا إلى الحكم في تركيا سنة 2002 مفتوحو العيون، قادرون على التنفيذ، والإسلاميون في بلدان الربيع العربي قادرون على الحكي فهذا كل ما يفعلون. تأييد الفلسطينيين بخطابات لا يتبعها عمل لا يفيد، بل يؤذي. ورجائي أن يتعلم العميان من جماعتنا درساً من الإسلاميين الأتراك الذين جعلوا بلادهم في عشر سنوات الدولة العظمى الوحيدة في الشرق الأوسط.
جواز القرضاوي الفلسطيني !
بقلم: رجا طلب عن الرأي الأردنية
يستطيع الشيخ القرضاوي أن يفخر بأنه أصبح جزءا من الإشكالية الفلسطينية الداخلية، وعاملا جديدا من عوامل استمرار تعثر المصالحة الفلسطينية المستمر منذ عام 2008 والى ألان وربما لسنوات قادمة.
كان الشيخ القرضاوي يعلم مسبقا أن زيارته لقطاع غزة وفي ضيافة حكومة حماس ستزيد من حالة الاحتقان والتوتر بين طرفي المعادلة الفلسطينية فتح وحماس، وسوف تساهم في زيادة الانقسام بين الفصليين اللدودين، ولذلك فان إصراره على الزيارة يعني وبدون أدنى شك انه غير مكترث بالنتائج التي ستتركها زيارته على الحالة الخلافية المستعصية بين « الأخوة الأعداء «.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يتصرف القرضاوي على هذا النحو وهو الذي يفترض منه كونه رجل دين ان يكون حريصا تماما على لم الشمل، وتوحيد كلمة المسلمين وتعظيم القواسم المشتركة التى تجمعهم، وان يحاصر الخلافات السياسية والدينية والمذهبية الموجودة بينهم ؟!؟
في الحقيقة إن الشيخ القرضاوي ليس رجل دين محايد بل هو رجل دين ذو لون سياسي فاقع، فهو منحاز تماما لحركة الاخوان المسلمين وتفرعاتها في العالم ومنها طبعا حركة حماس، ويرى الحالة الفلسطينية بعيون حماس ومصالحها، وكلنا يذكر كيف انبرى للدفاع عن حماس عندما أقدمت على سلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية وعن السلطة الفلسطينية، فالقرضاوي « يسيس» الدين ويوظفه لخدمة معتقداته وارتباطاته السياسية المعروفة وتحديدا بدولة قطر وربما كان تصريحه الذي أطلقه قبل أسبوعين والذي يدعو فيه أميركا لضرب نظام الأسد هو من أكثر المواقف السياسية والدينية غرابة.
كان يمكن للشيخ القرضاوي لو أراد أن يقود مبادرة من اجل المصالحة الفلسطينية، لكنه ولكونه في قرارة نفسه يشعر بأنه طرف في الاشكال وليس حالة محايدة او حالة موضوعية يمكن ان تلعب دورا ايجابيا، اختار الطريق المعاكس من اجل دعم حلفائه من حماس.
لا انتقد موقف القرضاوي من اجل عيون السلطة الفلسطينية، فهذه السلطة هي الأخرى تتحمل الكثير مما وصلت اليه الاوضاع الفلسطينية من تدهور وتشرذم، واستمرار رئيسها متمسكا في كرسي الرئاسة رغم انتهاء ولايته القانونية منذ 2009 الى الان وتعطيل الحياة الديمقراطية وتعطيل عمل المؤسسات من أسباب الأزمة، ولكن القرضاوي ومعه حماس اختارا توتير الأجواء في ظل ظرف يتطلب توحيد الجهود بعد أن أصبح المخطط الإسرائيلي بتهويد الأقصى والقدس يسير بوتيرة متسارعة وبدون مواربة أو خوف من أي جهة كانت، والمصيبة الأكبر أن حماس ورئيس حكومتها في غزة إسماعيل هنية اختارا أيضا الجواز الفلسطيني أي الهوية الوطنية الفلسطينية التي يجب أن تُعامل بقدسية والتى تعتبر رمزا لوحدة الشعب الفلسطيني بعد ان تم تمزيق الجغرافيا الفلسطينية، اختير هذا الجواز ليصبح سلعة سياسية في المناكفة واستثمار الخلاف وتأجيجه، وفي الحقيقة لا أدرى ان كان السيد هنية قد عدم الوسيلة لتكريم القرضاوي فاختار هذا الرمز لتدميره، أم أنها نوايا مبيتة من اجل مراكمة الخلاف وزيادة أعبائه على الشعب الفلسطيني وتحويله الى ما يشبه القدر لحسابات غير فلسطينية اصلا ؟
يرضى العرب ولا ترضى “إسرائيل”
بقلم: إلياس سحاب عن الخليج الاماراتية
يمكن تلخيص الوضع في اللحظة التاريخية الراهنة بين العرب (بمن فيهم الفلسطينييون) من جهة، و”إسرائيل” من جهة ثانية ببيت الشعر العربي الشهير القائل: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل .
وهذا الوضع ليس بالتأكيد التعبير الدقيق الذي ولد في هذه اللحظة التاريخية فقط، وإنما هو تتويج لمسيرة تمتد سنوات طويلة إلى الوراء، توجتها في الأيام الأخيرة رحلة وفد الجامعة العربية إلى العاصمة الأمريكية، حيث قدم ل”إسرائيل”، عبر وزارة الخارجية الأمريكية، هدية سياسية لا تقدر بثمن، هي التنازل عن فلسطين التاريخية، بالقسم الذي وقع عليه الاحتلال في العام ،1948 وأجزاء رئيسية من القسم الذي احتل في العام ،1967 هي الأجزاء الذي نجحت “إسرائيل” في استعمارها بالاستيطان فيها، في القدس، وفي شتى أرجاء الضفة الغربية، إضافة إلى أراضي القرى العربية التي استولى عليها جدار الفصل العنصري، الذي يقضم، وما زال، منذ سنوات طويلة، أخصب الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، كل ذلك في مقابل ثمن بخس هو مجرد منح الفلسطينيين أراضي بديلة عن تلك التي سيتم التنازل عنها من الأراضي التي احتلت في العام ،1967 من دون أي تشدد في مساحة أو نوعية تلك الأراضي البديلة .
من المؤكد أن وفد الجامعة العربية الذي حمل هذا العرض السخي إلى العاصمة الأمريكية، دون ربطه بأي ثمن عربي أو فلسطيني ذي قيمة تاريخية، مثل قبول “إسرائيل” بأن تكون هذه التنازلات مقابل إقرار حق عودة جميع الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها منذ العام 1948 حتى اليوم، فوجئ وفد الجامعة العربية بأن عرض التنازل هذا ليس له أي مثيل طوال مدة الصراع العربي “الإسرائيلي”، قد ووجه بالرفض، بل بالسخرية، من جانب “إسرائيل”، أي من جانب الحركة الصهيونية . في استذكار دقيق للبيت القائل: “يرضى القتيل وليس يرضى القاتل” .
لكننا إذا تركنا العواطف جانباً، وتحولنا للعمق السياسي لهذه اللحظة التاريخية المريرة، فإن باستطاعتنا أن نعثر ل”إسرائيل”، على كل الأسباب الموجبة لرفضها هذا، لأنها بكل بساطة ترى وتلمس أن بوسعها، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه منذ أواخر عقد السبعينات، أن تصل إلى تصفية تاريخية لقضية فلسطين، أكثر صراحة وحسماً من العرض العربي، على كل ما فيه من سخاء في التنازل .
ففي أواخر السبعينات، أعلن البلد العربي الأكبر، وهو مصر، برغم ما اعتبر نصراً عسكرياً عربياً في العام ،1973 أنه مستعد لدفع كامل ثمن هزيمة ،1967 بالانسحاب الكامل من قضية فلسطين، مقابل استرداد أرض سيناء، حتى لو منزوعة السيادة العسكرية، أي السيادة الوطنية عليها .
بعد هذا التراجع التاريخي الكبير، فتحت منظمة التحرير الفلسطينية باب التنازلات التاريخية المتتالية، وصولاً إلى تعديل جذري في الميثاق الوطني الفلسطيني، وصل إلى حد التنازل نهائياً عن كل أرض فلسطين التي احتلتها الصهيونية في العام ،1948 والقبول بدويلة تكتفي بالأراضي الفلسطينية التي استكمل احتلالها في العام 1967 .
لكن ذلك كله لم يكن كافياً لإرضاء الطمع الصهيوني الكبير بابتلاع كامل لفلسطين التاريخية، عبر تسويات شكلية تؤمن لها ذلك، مع منح ما تبقى من شعب فلسطين على أرض وطنه، أوضاعاً تجعله كامل التبعية الأمنية والاقتصادية للكيان الصهيوني في أرض فلسطين .
والحقيقة أن المرحلة ما بين تسعينات القرن المنصرم، واللحظة التاريخية الراهنة، قد جاءت تؤكد ل”إسرائيل” أن أطماعها قابلة للتحقق بكاملها، بمجرد انتظار وصول تدهور الأوضاع الفلسطينية والأوضاع العربية، إلى حدود التسليم الكامل بالمطامع الصهيونية.
والفارق بين هذه المطامع وبين عرض التنازل العربي الأخير جلي واضح . ف”إسرائيل” تنظر إلى ابتلاع كامل للضفة الغربية حتى حدود دولة الأردن، من خلال المضي قدماً بحركة الاستيطان سنوات طويلة أخرى، والسيطرة الكاملة في النهاية على حدود الضفة الغربية مع الأردن، بخضوع منطقة الأغوار تماماً للسيطرة العسكرية الأمريكية . يضاف إلى هذا استكمال ابتلاع القدس، بقسميها الغربي والشرقي، وتحويل القدس إلى عاصمة موحدة ل “إسرائيل”، مع وصولها إلى أن تفرض على العرب جميعاً، الاعتراف بيهودية دولة “إسرائيل”، أي بشطب كامل لأي احتمال لإثارة مسألة حق العودة .
إن نجاح “إسرائيل” في تحقيق أطماعها، وعدم ظهور أي رد فعل جاد، عربياً أو فلسطينياً، بل ظهور مزيد من علامات تقرب الدول العربية من خطب ود “إسرائيل”، كما هي، بكل أطماعها وخططها، يغريها بألا تقع في فخ قبول أي تنازل عربي تاريخي إذا لم يكن محققاً لكامل أطماعها في فلسطين وجوارها العربي .
الأقصى على وشك التهويد
بقلم: محمود الريماوي عن الخليج الاماراتية
تتسارع الأحداث في قلب القدس الشرقية المحتلة باتجاه تطويق المسجد الأقصى وانتزاع مكانته الدينية لدى المسلمين بوضعه تحت سيطرة مباشرة للاحتلال والدفع نحو تهويد المسجد بمنح يهود فرصة استباحته وتقنين هذه الاستباحة بتقسيم المسجد وتحديد أيام لدخول المسلمين إليه وأيام أخرى لدخول اليهود، تحت زعم أن البناء الأموي مقام على أنقاض هيكل سليمان .
يعرف الاحتلال المكانة الروحية للمسجد الأقصى لدى المسلمين باعتباره ثاني القبلتين بعد الحرم المكي الشريف، وتجنح به هذه المعرفة إلى توجيه أقصى درجات الاستفزاز التي اتخذت منحى تصاعدياً ثابتاً ومتدرجاً، بهدف فك الارتباط الروحي والوطني بين الفلسطينيين ومعهم أكثر من مليار مسلم في القارات الست، وبين هذا المركز الروحي الذي يعتبر روح بيت المقدس وجوهرتها، بما يمكن العدو من تهويد هذا الصرح على غرار ما فعل في الحرم الإبراهيمي، فتغدو القدس تبعاً لهذه المخططات يهودية خالصة مع أماكن عبادة متفرقة للمسيحيين والمسلمين فيها . هذا المخطط اللئيم والماضي قدماً يضفي على الصراع القومي والسياسي والقانوني طابعاً دينياً صارخاً، وفي حسبان الاحتلال وتقديره أن الظرف الحالي مناسب للمضي في هذا المخطط باستثمار أجواء فوبيا الإسلام في الغرب، واستغلال الحديث هنا وهناك عن موجات أصولية وسلفية وعن صراعات طائفية بين المسلمين أنفسهم، فيغدو الاعتراض الإسلامي على المخططات الصهيونية ضد القدس والأقصى وكأنه ضرب من ضروب التزمت الديني الذي يضرب أطنابه في المنطقة، بينما ترفل الدولة العبرية في ثوب التعددية الدينية والتسامح بين الأديان .
من الواضح أن التصعيد الصهيوني الذي تجاوز كل خط أحمر، يمثل تحدياً للأردن التي تقوم بدور الوصاية على الأماكن الإسلامية المقدسة منذ وقوع الاحتلال عام ،1967 وقد تم تجديد هذه الوصاية في اتفاق جرى توقيعه في عمان نهاية مارس/ آذار الماضي بين السلطة الوطنية والحكومة الأردنية . ويرى الأردن أن حماية الأماكن الإسلامية في القدس مناطة به منذ عام 1924 في عهد الشريف الحسين بن علي، وقد واظب الأردن على دفع رواتب موظفي الأقصى واحتسابهم تابعين لوزارة الأوقاف الأردنية . وقد تم إيداع الاتفاق لدى الجامعة العربية .
على أن التصعيد الصهيوني المتمادي باستهداف الأماكن المقدسة من شأنه - إن لم ينشط الأردن ويبادر لتحرك موصول - أن يجعل اتفاق الحماية حبراً على ورق . ليس بوسع الأردن بطبيعة الحال التصدي منفرداً لهذا التغول، غير أنه يملك ورقة شديدة الأهمية، هي علاقته الدبلوماسية مع تل أبيب . وهو ما تنبه له نواب أردنيون طالبوا بطرد السفير الصهيوني وذهب بعضهم إلى المطالبة بإلغاء اتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1996 .
نعم تجديد اتفاق الحماية والوصاية يرتب مسؤوليات على الأردن، تضاف إلى مسؤوليته السابقة كون الضفة الغربية وفي القلب منها القدس قد وقعت بأيدي الاحتلال، في ظل وحدة الضفتين اللتين كانت تتشكل منهما المملكة الأردنية الهاشمية . دعوة الأردن الجامعة العربية لعقد اجتماع طارىء لمواجهة التحدي يتعين أن تكون مجرد خطوة أولى، فالاحتلال لن يعبأ بأية بيانات تصدر عن الجامعة أو عن منظمة المؤتمر الإسلامي، أو أية هيئة أخرى، فقد تحدى من قبل قراراً لمحكمة العدل الدولية بوقف بناء جدار الضم والتوسع، وواصل البناء . ما يعني الاحتلال ببساطة هو استمرار علاقاته الدبلوماسية مع القاهرة وعمّان . واستمرار العلاقات على حالها حتى لو طرأ عليها فتور وبرود، يعني أن هذه العلاقات لا تتأثر بأي شيء بما في ذلك تهويد الأقصى، والسيطرة على الأماكن الإسلامية .
والمسؤولية مناطة أيضاً بالسلطة الفلسطينية إذ إن الاتفاق مع الأردن لا يعفي الجانب الفلسطيني من النهوض بمسؤوليته، (الاتفاق ينص على أن الأرض التي تقع عليها الأماكن الإسلامية المقدسة هي جزء من السيادة الفلسطينية)، والمسألة قبل هذا وبعده تتعلق بالقدس الشرقية بكل مشمولاتها بما يشمل ويتعدى الأماكن الدينية، إسلامية ومسيحية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الضفة الغربية المحتلة، والانشغال بهذه القضية الوطنية هو أدعى للاهتمام من جواز السفر الذي منحه إسماعيل هنية للشيخ يوسف القرضاوي في غزة .
من الواضح أن الاحتلال يستغل إلى الحد الأقصى الظروف الإقليمية ممثلة بالأزمة السورية وانعكاساتها على لبنان والأردن، ثم تصدرها للأجندات الدولية، كي يمعن في تغيير معالم الأرض المحتلة، فيما تركن السلطة الفلسطينية إلى رفض استئناف التفاوض وكأن هذا الإجراء “السلبي” يكفي وحده ومن تلقائه لوقف التغول الصهيوني، وشحن الرازحين تحت الاحتلال بالأمل . إن الأمر يتطلب بكلمات استعادة منطق الصراع، منطق التحرر الوطني، بدلاً من الانهماك الكلي بشؤون الكيان الإداري القائم، المهدد على الدوام بالسيطرة الصهيونية على الحدود والاقتصاد والمياه والزحف الاستيطاني .
في أعقاب توقيع تجديد اتفاقية الوصاية والحماية سرت في الصحافة الأردنية أحاديث حول خلفية سياسية للاتفاق، منها على الخصوص خطة للتسوية يضعها بعيداً عن الأضواء وزير الخارجية الأمريكية كيري، ولا يعدو الأمر أن يكون إدماناً على الأوهام، فالعدو الصهيوني لن يتراجع لمصلحة أحد، لا الأردن ولا سواه، فحتى اتفاقية أوسلو ضرب بها عرض الحائط، ولسان حاله: نحن هنا في القدس، والأردنيون في عمّان، والتراجعات لن تتم إلا لمصلحة المستوطنين والتيارات الدينية الأشد تطرفاً .
إقامة الدولة الفلسطينية وضرورات معرفة أسباب ضياعها أولا!
بقلم: مرسي عطااللّه عن الوطن القطرية
مع التسليم بأن التواطؤ الدولي والعجز العربي كانا من بين أهم الأسباب التي ساعدت الحركة الصهيونية على تحقيق هدفها الاستراتيجي في اغتصاب فلسطين وإقامة الدولة العبرية فإننا لابد أن نكون صرحاء مع أنفسنا، وأن نقر بأن ما تحقق كان وراءه في المقام الأول عوامل ذاتية تتمثل في قوة تنظيم الحركة الصهيونية ومؤسساتها المختلفة.
وأيضا لابد أن نعترف بأنه إلى جانب أهمية عنصر العامل الذاتي لدى اليهود، أنهم نجحوا أيضا في استشعار حالة الاهتراء والضعف العربي في أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، ولم يركنوا- فقط -إلى ذلك الاستشعار، وإنما عززوه بدرجة عالية من الالتزام والتنفيذ الدقيق، لجميع المهام المحددة بواسطة قيادة الحركة الصهيونية، التي حالفها التوفيق في القدرة على تغيير تحالفاتها مع القوى الكبرى في تلك الفترة، بما يخدم رغباتها في تحقيق أهدافها، مقابل قدرتها على عرض جميع أنواع الخدمات لكل قوة استعمارية لها وجود في منطقتنا.. وهكذا بدأت لعبة التحالفات مع بريطانيا لتسهيل الحصول على وعد بلفور، كما استثمرت هذا التحالف في توظيف إمكانات الانتداب البريطاني على فلسطين لخدمة هدف الإسراع بتنفيذ مخططاتها، ولاسيما ما يتعلق بالهجرة اليهودية، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية قامت الحركة الصهيونية بتقسيم الأدوار بحيث أصبح هناك ارتباط مزدوج مع دول المحور، بقيادة ألمانيا من ناحية، ومع الحلفاء بقيادة أميركا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، من ناحية أخرى، تحسبا لاحتمال انتصار هذا الطرف أو ذاك !
ثم إنه بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وتراجع دور بريطانيا على المسرح العالمي بسبب بروز الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى، اتجهت الحركة الصهيونية نحو هذه القوة الجديدة، وانتقلت مؤتمرات الحركة من أوروبا إلى أميركا، وبدأت أوسع وأكثف عملية تحرك يهودي لإقناع الإدارة الأميركية، وزعماء الكونجرس بأن إقامة دولة يهودية في فلسطين ستكون بمثابة نجاح استراتيجي لأميركا، لأن مثل هذه الدولة اليهودية ستحقق الأهداف والمقاصد الأميركية في المنطقة بأكثر مما يحققها وجود الأسطول السادس الأميركي في مياه البحر الأبيض المتوسط، وأن مثل هذه الدولة سوف تكون امتدادا للديمقراطية والثقافة الغربية، وأنها ستكون حائط الصد ضد التغلغل الشيوعي في الشرق الأوسط، وقاعدة الانطلاق لحماية وضمان استمرار تدفق البترول العربي إلى الغرب .
ومن يدقق في مذكرات رواد الحركة الصهيونية المؤسسين الأوائل لفكرة الدولة العبرية يجد أنه في الوقت الذي كانت فيه الحركة الصهيونية تعمل بجد وتعاون ومثابرة، على جميع محاور العمل اللازمة لإنجاح منهج الاغتصاب للأرض الفلسطينية، كان العالم العربي كله في حالة سبات سياسي، وتمزق اجتماعي، وتوهان فكري وصل إلى حد العجز عن استثمار قرارات الشرعية الدولية في كسب الرأي العام العالمي الذي ظل لسنوات طويلة حتى مجيء نتانياهو إلى الحكم أكثر تعاطفا مع إسرائيل رغم كل جرائهما وتجاوزاتها ضد الشرعية الدولية، وضد حقوق الإنسان.
وفي حين كان المفكرون والأدباء والساسة اليهود - قبل مائة عام - مشغولين بالحوار والنقاش حول سبل تحقيق منهج الاغتصاب لكي يتوافق في ظاهره مع مقولة هرتزل وطن قومي لليهود يضمنه القانون العام كان المفكرون والأدباء والساسة العرب مشغولين بقضايا هامشية تثير الشقاق بدلا من أن تصنع التوحد من نوع قضية الإصلاح الديني وقضية أسس المشاركة بين العرب والأتراك، في ظل الدولة العثمانية، وهل نحن بحاجة إلى العروبة أم أن مصلحتنا مع حركة التتريك التي كانت قد طفت على السطح- آنذاك - كحركة تدعو إلى الأخذ بالمنهج التركي في كل شيء للتعبير عن وحدة العالم الإسلامي والعربي تحت مظلة الحكم العثماني.
ومعنى ذلك أن الحركة الصهيونية نجحت في أن تقدم نفسها لأميركا ولسائر القوى الدولية الكبرى كحليف مطيع يملك إمكانات الذود عن مصالح هذه القوى في المنطقة بأقل التكاليف.. وأظن أن مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق لم يكن صادقا مع نفسه يوما بمثل صدقه عندما قال مقولته الشهيرة إن أميركا لا تحب إسرائيل من أجل سواد عيونها بل لكونها أكبر حاملة طائرات أميركية في العالم.
والحقيقة أن تيودور هرتزل الذي تشير جميع المراجع إلى أنه مؤسس الحركة الصهيونية لم يكن هو صاحب تعبير الوطن القومي اليهودي وإنما سبقه إليه المفكر اليهودي ماكس تورادو والتقط منه هرتزل الخيط وأضاف إليه عبارة تكتيكية مهمة لكي يصبح في النهاية الوطن القومي اليهودي الذي يضمنه القانون العام حتى يزيل أي مخاوف عالمية بشأن المخطط اليهودي المنتظر خصوصا لدى الدول الأوروبية التي كانت تؤوي أغلبية اليهود في ذلك الوقت وتتوجس من مخاطر الولاء المزدوج لهم ! وفي الحقيقة أيضا فإن ماكس تورادو كان أول مفكر يهودي يجري تشخيصا لوضع اليهود في العالم قرب نهاية القرن التاسع عشر في كتيب موجز قيل عنه وقتها إنه لم يكن فقط مجرد تشخيص للمأزق اليهودي وإنما كان تشريحا بغير مخدر حيث إن في ثنايا هذا الكتيب تبدو أول إشارة واضحة إلى بدء نشوء منهج الاغتصاب في الفكر اليهودي من خلال التصوير المأساوي لوضع الشتات وفيه يقول ماكس تورادو بالحرف الواحد :إنه حيثما عاش اليهود بأعداد كبيرة نسبيا بين الأمم ساد البؤس حياتهم ولم يكن هذا مجرد بؤس عادي كذلك الذي تعارفت عليه البشرية وإنما كان بؤسا خاصا لا يعانيه اليهود باعتبارهم بشرا وإنما لكونهم يهودا !
ويمضي ماكس تورادو قائلا : إن للبؤس اليهودي شكلين.. بؤسا ماديا وآخر معنويا وأنه في أوروبا الشرقية يمكن فهم بؤس اليهود، أنه الألم الجسدي اليومي والقلق الذي لا ينقطع والكفاح المضني من أجل البقاء.. أما في أوروبا الغربية فإن الكفاح من أجل البقاء كان أخف حدة على اليهود حيث إن توفير الغذاء والمأوى والأمان. ثم تبقى ملاحظة ضرورية ينبغي التوقف أمامها بكل اهتمام وجوهر هذه الملاحظة أن من يراجع الكتب والمراجع والمذكرات التي صدرت عن القادة الإسرائيليين سواء كانوا سياسيين أو عسكريين خلال الأعوام الـ 70 الماضية يكتشف على الفور أن الجيوش العربية لم تكن تمثل هاجسا مقلقا لإسرائيل بقدر هاجس القلق من فكرة القومية العربية التي تعالى زخمها في حقبتي الخمسينيات والستينيات. ولعل مبعث هذا القلق الإسرائيلي راجع إلى استشعار صحيح بأن بعث القومية العربية هو أكبر خطر يهدد المشروع الصهيوني لأنه يمثل بداية التحرك العربي على طريق منهج الاستعادة كرد على الحركة الصهيونية التي أنجزت منهج الاغتصاب ببراعة !
ولعل هذا هو سر استمرار تجدد الجدل داخل إسرائيل حول الضروريات والمحظورات المتعلقة ببعث الحركة الصهيونية من جديد أو الاكتفاء بوجود الدولة الإسرائيلية التي تجسد العقيدة والمشروع اليهودي فقط حيث انتصر نتانياهو لفكرة يهودية الدولة العبرية واعتبار الاعتراف العربي والفلسطيني بها شرطا للسير على طريق التسوية وليس على طريق السلام.
ومن هنا يمكن القول صراحة إن من الخطأ الفادح - عربيا - أن يتصور أحد أن سياسات بسط الوجود والسيطرة والتحكم وما تعكسه فعليا عن نوايا التوسع والهيمنة الإسرائيلية أنها مجرد آليات للضغط التفاوضي فقط ولكنها مرتكز رئيسي في صراع الإرادة.. وعلى من يتوق إلى تغليب إرادته أن يتحلى بأكبر قدر ممكن من النفس الطويل وقوة الاحتمال.. والذي نحن بصدده ليس صراعا على الأرض لاقتسامها ولا هو صراع على النفوذ في المنطقة وإنما هو صراع إرادات في المقام الأول!
إسرائيل في سوريا
بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية
ليس التدخّل الإسرائيلي في سوريا مستجدّاً أو فريداً، إذ إنّ الدولة العدو تتدخّل في كل صراع داخلي وكل حرب أهليّة في الوطن العربي (وخارجه) منذ إنشاء الدولة في عام 1948. تدخّلت في صراع اليمن وفي مجازر أيلول وفي حرب ظفار وفي الحرب الأهليّة في السودان وفي الصحراء الغربيّة وفي الحرب الأهليّة في لبنان وفي تحرّك الأكراد شمال العراق، وفي الحرب العربيّة الباردة في صفّ آل سعود. (حتى في نيجيريا، افتضح أخيراً دور لشركة إسرائيليّة متعاقدة مع الحكومة للتجسّس على الشعب النيجيري). هذا هو التاريخ الحقيقي لدور الدولة العدوّ في شؤون العالم العربي. وعلى عكس ما يرد في إعلام النفظ والغاز (وإعلام تدوين الغاز القطري مُنتشر في زمن الثورة السوريّة المسخ)، فإن العرب لم يفرطوا في تحميل إسرائيل أوزار الكثير من مصائبهم. على العكس، قلّلنا من تأثير العدوّ الإسرائيلي في شؤوننا، وساعد البعض على إخفاء هذا التدخّل عبر إسقاط نظريات عنصرية واستشراقية عن مسؤولية تخلّف العرب عما يحلّ بهم من مصائب (هل هذا هو سبب احتفاء الاستشراق الإسرائيلي بكتاب صادق جلال العظم الاستشراقي المُبتذل، «النقد الذاتي بعد الهزيمة»؟). العدو يتدخّل في كل شأن في العالم العربي، وفي التفاصيل، ويعطي المشورة لحكّام العرب حول التعاطي القمعي والدموي مع شعوبهم المقهورة.
إسرائيل موجودة في الصراع السوري قبل أن يبدأ. ننسى أن العدو أنشأ شبكات تجسسية إسرائيلية في سوريا (وكانت تضمّ لبنانيين ومصريين لأن اللبناني _ يقبر أمه _ رائد في خدمة العدو الإسرائيلي) منذ الستينيات، كما كشفت التحقيقات في قضية إيلي كوهين (الذي بالغ الإعلام الغربي _ وجريدة «النهار» _ في تصوير «منجزاته» التجسسية). وهذه الشبكات تتوالى في كل الدول العربية. إن قدرة حزب الله (كفانا كلاماً عن قدرات استخبارات الجيش وجهاز المعلومات الذي توقف فجأة، وحرداً عن إصدار بيانات توقيف عملاء العدو) على كشف شبكات التجسّس والإرهاب الإسرائيلي أظهرت الامتداد والانتشار الواسع للاستخبارات الإسرائيليّة على أنواعها، وعلى تغلغلها في الدولة والمجتمع في لبنان.
يريد إعلام النفط والغاز المُتحالف جهاراً مع العدو الصهيوني (والـ«صنداي تايمز» نشرت مقالة عن استعداد آل سعود وآل نهيان وآل الصهاينة الهاشميّين في الأردن لعقد اتفاق أمني _ عسكري مع إسرائيل وبرعاية أميركا) أن يتجاهل الدور الإسرائيلي في سوريا. وعندما تكون الدولة العدوّ غارقة حتى ما فوق الأذن في صراع عربي ما، فإنها تتعمّد الصمت إزاء ذلك الصراع مع بعض الاستثناءات. كما أن أميركا _ الحريصة حتى الشغف على مصلحة إسرائيل _ تجهد كي لا تتكلّم إسرائيل كثيراً في صراع عربي هي متورّطة فيه. في أيّار 2005، طلبت الإدارة الأميركية رسمياً من الحكومة الإسرائيلية التزام الصمت حول الدور الإسرائيلي في صنع القرار 1559 وفي الصراع الداخلي الذي أعقب اغتيال (السيّئ الذكر) رفيق الحريري في لبنان. وفي سوريا، كانت الإشارات إلى الدور الإسرائيلي عارضة في التغطية الصحافيّة الغربيّة: بضع مقالات تحدثت عن عناصر من الـ«موساد» تسرّبت إلى سوريا بضيافة «الجيش السوري الحرّ» _ وهذا الجيش مضياف لإسرائيل كما هو مضياف لحكومات النفط والغاز التي تلهمه ديموقراطياً _ لأسباب لا تتعلّق بنشر الديموقراطيّة، وخصوصاً أن مبرّر وجود دولة إسرائيل يعتمد على بنيان مرصوص يحوط بها من أنظمة الطغيان. كما أن الصحافيّين الإسرائيليّين تسرّبوا تحت جنح النهار إلى المناطق «المُحرّرة» من سوريا لنصرة «النصرة» وأخواتها.
لكن هناك ما هو أخطر من ذلك. ما فتئ الإعلام الغربي يتحدّث وبصراحة عن خطة إسرائيلية لإنشاء جيش على غرار جيش لبنان الجنوبي في لبنان، وذلك من أجل حماية الحدود مع فلسطين المحتلّة من سوريا. وعندما سُئل نتانياهو عن الموضوع قبل أيّام على محطة «بي.بي.سي» رفض الاستفاضة أو النفي أو التأكيد. ولا يحتاج المُحلّل إلى التكهّن لمعرفة طبيعة ذلك الجيش الرديف لجيش الاحتلال: هي مهمّة أخرى لـ«الجيش السوري الحرّ»، وخصوصاً أن ألويته _ مثل عشائر العراق وأفغانستان _ مرشحة للإيجار بسعر مُحترم.
وللمرّة الثالثة في غضون السنة الحاليّة، قامت إسرائيل بشن غارات قصف على مواقف داخل سوريا. إسرائيل أعلنت بذلك وبقوّة دخولها الحرب رسمياً إلى جانب القوى المسلّحة المعارضة، التي تتلقّى الرعاية والتمويل والتسليح من الدول العربيّة المُتحالفة مع إسرائيل. حاول إعلام النفط والغاز إخفاء ارتباكه: كيف يخفي دخول الجيش الإسرائيلي الحرب في سوريا إلى جانبه؟ «العربية» قرّرت أن تتجاهل الخبر وأن تركّز _ على عادتها _ على التدخّل الإيراني والشيعي الخارجي الذي لا ترى سواه. وعند الإعلام النفطي وبعض مثقّفيه، فإن لواء أبو فضل العبّاس وحزب الله هما الفريقان الوحيدان اللذان ينغّصان على الشعب السوري هناء الحرب الأهليّة المحضة، التي لا يعكّر صفوها أي تدخّل خارجي آخر، إلا من يتدخّل إلى جانب النظام. نشرة الأخبار في محطة صهر الملك فهد، «العربية»، تبدأ بالحديث العرضي عن القصف الإسرائيلي ثم تسارع إلى التركيز على تدخّل الدولة الصفوية (في الحديث عن «الصفوية» في الإعلام النفطي والطائفي يظهر جهل عميق بالتاريخ).
لكن بعض الصحافة السعودية كانت أصرح من محطة صهر الملك فهد. الناطق الأمين باسم آل سعود، عبد الرحمن الراشد، الذي عمل لسنوات في مضرب الأمير سلمان، «الشرق الأوسط»، قبل أن ينتقل إلى إدارة «العربية» لم يخف «سروره» بالتدخّل العسكري الإسرائيلي. المجاهرة بالصهيونية سائدة هذه الأيام. «الجزيرة» تغطّي القصف الإسرائيلي ثم تغيّر الموضوع لتتحدّث عن مجزرة كفر قاسم في محاولة مصطنعة لتمييز نفسها عن إعلام النفط السعودي، وكي تكسب ثقة الجمهور العربي الذي هجرها، كما أظهر أكثر من استطلاع (حتى لا نتحدّث عن استطلاعات داخلية في داخل مؤسّسة «الجزيرة»).
أما مثقّفو النفط والغاز من الذين يتصنّعون عداء لإسرائيل فأصيبوا _ هم وأهل المعارضة السورية في المنفى، بالارتباك الشديد. لعلّ ذلك يفسّر التلاعب الذي حدث في تدوينات أحمد معاذ الخطيب (عدوّ الـ«فايسبوك» و«العادة السرية» حسب كتاباته التي سبقت تعيينه من قبل هيلاري كلينتون في قيادة دكّان جديد للمعارضة بعد إفلاس الدكّان السابق له) وبرهان غليون. غليون أزال تعليقاً طويلاً كتبه على صفحته على «فايسبوك»، وأبدله بتعليق قصير وموجز. في التعليق الأوّل، استنكر غليون بكلام عام الاعتداء، وعتب على العدوّ لأنه لم «ينسّق» مع المعارضة المسلّحة (سؤال برسم غليون: هل يظنّ غليون أن أي كلمة يكتبها عن الديموقراطية ستتمتّع بصدقية بعدما حوّل نفسه إلى أداة بيد الحكومة القطرية؟ إن وقفة غليون في الدكّان المُسمّى «المجلس الوطني السوري» مَحَت كل كتاباته في مديح الديموقراطية). أما معاذ الخطيب، فإنه كان قد اعترض على العلاقة بين بعض الفرق المسلّحة وإسرائيل، لكنه قرّر أن يزيل ما كتبه لرصّ الصفوف وتنفيذاً _ على الأرجح _ لأوامر خارجية عليا. أما العصابات المسلّحة، فلم تستطع أن تخفي بهجتها واحتفلت على طريقتها بالتكبير والهتاف على مدار زمن القصف الإسرائيلي. هو زمن الإسلام الجهادي الصهيوني الذي شرح معنى جهاد الإخوان والسلفيّين في مصر، حيث تقوم الحكومة المصرية بفرض حصار على غزة أقصى من حصار حكم حسني مبارك. أسوأ من ذلك، استعان قادة معارضة المنفى (الإخوانجية والعلمانية على حدّ سواء) بخطاب بشير الجميّل وأبيه عن التحالف مع إسرائيل فأطنبوا بضرورة قبول المساعدة من «الشيطان» لتحرير الوطن _ و«الشيطان» في الخطاب الصهيوني العربي هو إشارة ودّ إلى العدوّ. الجيش السوري الحرّ كعادته يقول الشيء وعكسه: ناطق يثني على العدوّ، فيصدر نفي لكلامه مع أن الناطق الرسمي المعتمد، لؤي المقداد، كاد أن يدعو إلى تقديم الشاي والبرازق إلى جيش العدو.
لكن لم يُصب بالارتباك كل صف مثقّفي النفط والغاز: كتّاب سلالة الحريري لم يخفوا ابتهاجهم. كاد فارس خشّان أن يصيح مرّة أخرى (كما صاح من قبل في عام 2008 أثناء العدوان على غزة): «كلّنا إسرائيليّون». ومديرة أخبار في تلفزيون الحريري (وهي تكتب أيضاً في جريدة الأمير سلمان _ أهلية بمحلية) عاتبت وانتقدت من يُطالب المعارضة السورية بإدانة عدوان إسرائيل. استنكرت إدانة عدوان إسرائيل. لكن ماذا تتوقّع من هؤلاء الذين واللواتي صفّقوا للعدو في عدوان تمّوز؟ فضحتهم وفضحتهن «ويكيليكس».
أما نظام الممانعة، فلم تبد عليه علائم الممانعة. خطاب الممانعة لم يقع على جواب واحد لتفسير وتسويغ غياب الردّ على عدوان العدو: واحد يقول إن النظام كان قد ردّ في السابق على إسرائيل، لكن أحداً لم يعلم بذلك. أي إن الردّ كان فائق السرية، يا محسنين ومحسنات. آخر يقول إن النظام ردّ على العدو عبر التمنّع عن الرد، أي إن عدم الرد كفيل بتحرير الأرض أيضاً. لو أن المقاومة في لبنان علمت بذلك، لاكتفت بعدم الرد حرصاً على حياة المئات من مقاتليها. آخر يقول إن النظام لا يزال _ كعادته منذ 1974 _ يسعى لتحديد زمان المعركة ومكانها _ أو الرد. يبدو أن عملية التحديد عويصة وتحتاج إلى عقود طويلة كي تثمر. الصبر (غير) جميل. لكن دعاية الممانعة اكشتفت حسنات في إعلام الأنظمة في حرب 1967: لاحظت سقوط طائرات العدو، الواحدة تلو الأخرى، فوق سوريا من دون أن تكون قد أُطلقت طلقة واحدة عليها، لكنّ مسؤولاً عسكرياً سورياً تصنّع العنفوان وجزم لجريدة «الأخبار» بأن القصف الإسرائيلي لم يكن عبر طائرات عبرت الأجواء السورية. وماذا يعني لو عبرت أو لم تعبر إذا كانت قد نجحت في قصف مواقع في سوريا؟ وهذه الأجواء خُرقت من قبل العدو نفسه. هل الممانعة هي في ممانعة تقبّل الحقائق حتى لو حلّت واضحة أمام ناظريك؟
لكن إعلام الممانعة لا يزال غارقاً في أوهام دول الـ«بريكس»، ومحلّلو إعلام الممانعة يهلّلون لما يرونه من صعود لتكتّل سياسي لا دور له «بنوب» على الساحة الدولية. وبشّار الأسد يرسل مبعوثة عنه لحثّ دول الـ«بريكس» على التدخّل في سوريا، موازنة لتدخّل الحلف الأميركي، غير أن دول الـ«بريكس» تحتفظ بعلاقات أكثر من وديّة مع الدولة اليهودية. ونتنياهو أمر بقصف سوريا وغادر إلى الصين التي استقبلته استقبال الفاتحين، كما أنه تهاتف «ودياً» مع بوتين بعد قصفه لسوريا. لكن سوء قراءة خريطة العلاقات الدولية تقليد بعثي قديم.
إن دخول إسرائيل العمل الحربي العلني والمباشر (لأن إسرائيل مثلها مثل أميركا موجودة على الأرض وغير بعيدة عن عمليّات اغتيال جرت وعن عمليّات تدمير ممنهجة للبنية التحتية السورية) كان قراراً أميركياً. وقد تسارعت الأحداث في الأسبوع الماضي لسبب بسيط: لقد حقّقت قوات النظام السوري تقدّماً ميدانياً ملحوظاً على أكثر من «جبهة»، وقد اضطرّت قوّات المعارضة إلى الانكفاء في أكثر من منطقة. وفي الأسبوع نفسه، جمع مسؤول عسكري رهطاً من الصحافيين الغربيين وأعلمهم أنه متأكّد من أن النظام السوري استعمل الأسلحة الكيمائية. أضاف أنه لا يستطيع أن يكشف مصدره (مُلّمحاً إلى كون المعارضة المسلّحة أمدّت إسرائيل بنماذج عن التربة) وقال إنه رأى في فيديو على الإنترنت سورياً يرغي من فمه (استعمال السلاح الكيميائي لا يتأكّد إلا بعد فحص مخبري لعيّنة من التربة). وفي اليوم التالي لذلك التصريح الإسرائيلي، قرّرت إدارة أوباما فجأة أن النظام السوري استعمل السلاح الكيميائي. وفي رسالة رسميّة إلى الكونغرس، قال أوباما إن وكالات الاستخبارت الأميركية (وعددها بلغ نحو خمس عشرة وكالة) توصّلت بناء على «درجات متفاوتة من اليقين» إلى اقتناع بأن قوات النظام السوري استعملت أسلحة كيمائية، لكن الإدراة عادت وأوضحت أن الفحوص مستمرّة (على طريقة عنوان الفيلم العربي «ولا يزال التحقيق مستمرّاً») وأن الاستعمال كان محدوداً وعلى نطاق ضيّق، لكن هذا النوع من السلاح لا معنى له إلا إذا كان على نطاق واسع وغير محدود. لماذا يلجأ أي كان إلى قتل شخص بالسلاح الكيميائي إذا كان الرصاص متوافرا،ً إلا إذا أصرّ المرء على الوقوع في دائرة الحظر الأميركي. (هذا من دون تبرئة أي نظام عربي، بما فيه النظام السوري، لإفراطهم في احتقار حياة مواطنيهم ومواطناتهم).
إن الغارات الإسرائيلية كانت إيذاناً بدخول أوباما الحرب في سوريا، لإنقاذ العصابات المسلّحة من الهزيمة، أو من الانكفاء الدراماتيكي. وأوباما، ضعيف سياسياً، ولا يقوى على الدخول في حرب، أو حتى على المبادرة بعمل عسكري غير مباشر، خارج نطاق التسليح والتمويل، وحثّ الأنظمة المُطيعة في الخليج. عوّل عرب كثيرون على أوباما، إذ غرّهم اسمه الثلاثي، متناسين أنه أهمله في حملته الانتخابية عام 2008، لكن هل هناك رئيس أميركي لم يعوّل العرب الكثير عليه، وخصوصاً في ولايته الثانية عندما يحلم العرب بأنه سيطيح اللوبي الصهيوني من أساسه؟ قرّر أوباما أنّ إسرائيل تستطيع أن تتعامل مع الواقع السوري كما تشاء، وأن تقصف في العالم العربي متى تشاء وأنّى تشاء، لكن أبو مازن يعوّل على «عملية السلام»، وهو تعهّد عدم مقاضاة إسرائيل دوليّاً على جرائمها كما أنه تعهّد السماح للعدوّ بالحفاظ على ما يريده من 22% من فلسطين، إضافة إلى كل الـ78% من فلسطين.
الأنظمة الخليجيّة ظهرت على حقيقتها: هناك حلف أميركي _ إسرائيلي في المنطقة العربية، وهو يقود الثورة العربية المضادة، فيما يُطلب من دول الخليج التصفيق والتمويل والتسليح فقط. والأمير القطري والملك الأردني حظيا بلقاء وجيز في البيت الأبيض: هذا أكثر ما يطمح إليه طغاة العرب.
دخلت إسرائيل الحرب وبقوّة، فيما يجهد الليبراليّون وحتى بعض اليساريّين في تعداد كل قتيل يسقط لحزب الله على مدار الساعة. هناك من يرى تدخّل حزب الله وحتى لواء أبو فضل العبّاس ولا يرى تدخّل إسرائيل وأميركا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا ودولة الإمارات والأردن وقطر والبحرين والكويت إلى جانب المعارضة الُمسلّحة. يستطيع إعلام النفط والغاز، وخصوصاً مواقع النفط والغاز التي تستقطب اليساريين السابقين الساعين إلى تلقّي دعوة لمهرجان الجنادريّة المُقبل، أن ينسى الغارات الإسرائيليّة في اليوم التالي، لكن واقع الحرب الإقليمية _ الدولية في سوريا يتناقض مع سرديّة الصراع الداخلي المحض. إن أميركا وإسرائيل تديران الحرب في سوريا من جانب واحد، وإيران وحزب الله وروسيا تدير الجانب الآخر، على الأرجح. طريف جدّاً أن محطات النفط والغاز لم تكلّ: في كل يوم جمعة تحاول إقناع المشاهد بأن التظاهرات الشعبية السلمية لا تزال تعمّ المدن السورية، وأن «الإخوان» والسلفيّة لا علاقة لهما بما يحدث في البلد.لم تعد القضية _ كما بدأت _ في يد الشعب السوري المُحتجّ، الذي يكتسب احتجاجه كلّ الشرعية. خرجت الأمور عن السيطرة. في «الثورة الأميركية» (وهي لم تكن «ثورة» لكن الأميركيّين لا يحبّون الثورات الحقيقيّة، لذا أطلقو كلمة «ثورة» على حربهم _ الماليّة _ ضد الاستعمار البريطاني) كان الشعب الأميركي ينقسم ثلاثة أقسام: «الموالون» وهم الذين حافظوا على ولائهم للعرش البريطاني، و«الوطنيّون» الذين حاربوا الاستعمار، والقسم الأكبر من الشعب الأميركي، على الأقل وفق المؤرّخ الأميركي ناثانيل فيلبريك في كتابه الجديد عن «الثورة الأميركية»، وقف على الحياد، ينتظر جلاء الموقف، أو صعود منتصر. قد ينطبق هذا التصنيف على الواقع الحالي للشعب السوري.
دخلت إسرائيل رسمياً وعلنياً في الصراع السوري. المقاومة مُطالبة بالردّ (ولتذهب كل احتجاجات حركة 14 آذار، أو اللوبي الإسرائيلي في لبنان، إلى الجحيم). أما الممانعة: فهي غير مُطالبة بشيء لأن أقصى ما يمكن أن تفعله هو تشكيل لجنة من أجل... تحديد زمان المعركة ومكانها. لا تحبسوا أنفاسكم وأنفاسكنّ.
الذي يحدث في سوريا والمخطط الكبير
بقلم: فوزية رشيد عن أخبار الخليج البحرينية
} ما يحدث في سوريا يفوق كل تصور، ويفضح كل المتناقضات، ويعري القوى الطائفية في المنطقة بشكل ليس له مثيل، ويكشف الدور الإيراني ودور فروخها من الأحزاب الطائفية، بدءا من «حزب الله» اللبناني، إلى حزب الدعوة في العراق، وتفرعاته في البحرين ودول خليجية أخرى كما لم ينكشف هذا الدور قط.
حين يتم تطهير المناطق في «بانياس والبيضا والقصير» وغيرها من القرى السورية على أساس طائفي، لا يستثني الأطفال والشيوخ والنساء والعجائز، فذلك أبشع ما يمكن الوصول إليه في أحداث سوريا، وقبلها ومعها في أحداث العراق وحملات الإبادة الجماعية ضد أهل السنة حين احتدام المواقف، فحتى أولئك الذين يدعون نُصرة سوريا «بعضهم» مجرد طابور خامس!
} هذا الوجه الايراني المستفز الذي ظهر على أيدي الحرس الثوري وحزب الله، يوضّح المبالغ التي يمكن أن يبلغها هذا الفكر الطائفي المتطرف، الذي كشف في فورته واختناقه حقيقة النظام السوري نفسه تجاه شعبه. حين تصل الأمور إلى الإبادة وإلى القتل الجماعي وإلى هدم البيوت على رؤوس أصحابها، وعلى استخدام السلاح الجوي والصواريخ والغازات السامة، للإبقاء على الجبهة الإيرانية التي توظف أذرعا عسكرية في المنطقة لتخدم هيمنتها ومشروعها الاستعماري والتوسعي الصفوي تحت مسمى انكشف خداعه مثل المقاومة والممانعة، فذلك يعني أن الطابور الخامس العربي سواء التابع لإيران أو لأمريكا، يعمل اليوم بكل آليات التفرقة والتمزيق وضياع هذه الأمة، التي كانت خير أمة أخرجت للأرض، فالحقد المقدس ضد العرب والإسلام الحقيقي يجمع الأطراف الحاقدة.
} الذي نراه على أرض الواقع هو ثمار «الحلف الغادر» بين أمريكا وإيران وإسرائيل، ولغة التهديدات المتبادلة لا تتجاوز مفاعيلها الحناجر التي تطلقها، فيما الحقيقة تدور في مكان آخر. وحتى العدوان الاسرائيلي (المرفوض) على سوريا مؤخرا، قال عنه محلل اسرائيلي (إنه يصب في خدمة النظام السوري) وسواء من حيث التوقيت أو من حيث الماهية، فإن القصة تذكّرنا كثيرا بشركتي (البيبسي كولا والكوكا كولا) اللتين تتصارعان وتتنافسان أمام المستهلكين في العالم، فيما المالك لكلتا الشركتين هي «جهة واحدة!» فهل كل العالم يعرف مثل هذه الحقيقة مثلا؟! ويفهم لعبة الصراع الظاهري من خلالها؟!
على ذات المنوال يأتي الصراع الصهيوني/الصفوي، مبالغا في لفظياته وحروبه الكلامية، فيما الأمور في الخفاء تناقض كل ذلك، فمنذ متى تهدد إسرائيل إيران، وتهدد إيران إسرائيل بالزوال، وتدخل أمريكا على الخط الساخن؟!
هل حدث شيء كبير أو مؤثر أو فاعل بين الإخوة - الأعداء؟!
لا شيء على الإطلاق، ولن نتحدث عن الحصار فهو أخف شيء بالإمكان القيام به أمام العالم، حتى لا تنفضح أمامه المؤامرة الكبرى على المنطقة العربية التي هي الهدف الحقيقي من كل ما يحدث اليوم.
} الذي رأيناه أنه لولا إيران لما تمكّن الأمريكان من احتلال العراق وأفغانستان، وهي قصة معروفة يرددها المسؤولون الإيرانيون أنفسهم. ولولا الحلف الغادر «لما سلمت أمريكا العراق لإيران على طبق من ذهب، وصمتت عن اللعبة الإيرانية في لبنان واليوم ببشاعة منقطعة النظير في سوريا، وبشكل موارب في مصر وتونس ودول عربية أخرى ودول إفريقية وآسيوية وفي أمريكا اللاتينية، يتم اختراقها جميعا بالتشيع الصفوي، وإسرائيل تعلم وأمريكا تعلم والكل يعلم بذلك علم اليقين، ولذلك فالموقف الأمريكي والغربي من سوريا، هو موقف الفُرجة حتى يتم تدمير سوريا تماما كما دمروا العراق، ورهنوا لبنان، وإسرائيل كما قال مسؤولها: «يريدون الحالة السورية أن تستمر فذلك ما كانوا لا يحلمون بإحداثه على أيديهم قط».
} خلاصة اللعبة أن المنطقة العربية، تعيش اليوم مفاعيل مخطط، هو من أقذر المخططات على مر التاريخ، يتم التلاعب من خلاله بمصائر البلدان العربية واحدا بعد الآخر، والنتيجة سقوط العراق وسقوط لبنان وسقوط سوريا ومحاولة تدجين الموقف المصري، واختراق بقية الدول العربية.
والحلف الصهيوني/الصفوي تتضح معالمه كل يوم، واللعبة الأخطر بعد سوريا ستكون ساحتها الكبرى دول الخليج العربي وما يحدث الآن هو البداية. البحرين أولا أو الكويت أو الشرقية في السعودية، لا يهم، المهم هو سقوط كل الدول العربية بالتوالي تحت براثن هذا «الحلف الغادر»، وما يحدث في سوريا واتضاح نتيجة اللعبة القذرة فيها، سيحدد المراحل القادمة وحجمها وحجم كارثيتها.
} هذا هو الشرق الأوسط الجديد، الذي كنا نعتقده أمريكيا بحتا فإذا به أمريكي/إسرائيلي/ إيراني بتعاون دول غربية أخرى، تدعي جميعها عداءها لإيران، (فيما تجسيد ذلك العداء وتطبيقه على الدول العربية واحدة تلو الأخرى، وفيما العداء اللفظي فقط هو لإيران مع بعض البهارات مثل ما يسمى بالحصار).
مَن يتذاكى على مَن؟! تسلسل الأحداث ستكشف كل شيء، فالدول العربية وحدها وبالتوالي تسقط في مستنقع المخطط الكبير، ولا تهم التفاصيل هنا، فالنتيجة هي الأهم، فهل الوعي العربي حاضر بحجم المخطط الكبير هذا؟!
سوريا في مرمى مدافع الحلف الغادر اليوم، ولذلك فحسم الموقف فيها، أيا كان، هو كارثي مثل كارثية أحداثه اليومية وحمامات الدم المراقة، وتدمير الانسان والشواهد الحضارية... فلماذا الكل شرقا وغربا يتفرج على حرب الإبادة ضد العرب والدول العربية التي تتساقط واحدة بعد الأخرى، بمن فيهم العرب أنفسهم، من أجل سيطرة أمريكا وتمكين إيران وأتباعها من العبث بكل شيء لاقتطاف ثمار الحلف الغادر، وكما رأينا في العراق كأبرز شاهد؟!