-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 400
اقلام واراء محلي 400
في هذا الملـــــف:
في ذكرى النكبة : متمسكون بحقوقنا رغم الأقوال الكثيرة والأفعال القليلة
حديث جريدة القدس
على اسرائيل أن تعترف بمسؤوليتها عن النكبة ...
د. نبيل شعث- مفوض العلاقات الخارجية في حركة "فتح"/جريدة القدس
في ذكرى النكبة...
محمد السودي/جريدة القدس
استراتيجية التوازن؟!
عبد المنعم سعيد/جريدة القدس
مفاوضات الدولة الفلسطينية!
الدكتور ناجي صادق شراب/جريدة القدس
النكبة.. من الخيمة إلى الدولة
حسن البطل/الأيام
هذه الثقافة الكيدية...!
ليانة بدر/الأيام
حتّى لا تتحوّل ذكرى النكبة إلى مناسبة روتينية
طلال عوكل/الأيام
الرد على النكبة بالمساواة والاستقلال والعودة
حمادة فراعنة/الأيام
النكبة المتجدّدة
د. عبد المجيد سويلم/الأيام
حياتنا - حيونة
حافظ البرغوثي/الحياة الجديدة
زمن جديد ومعايير جديدة !!!
يحيى رباح/الحياة الجديدة
النكبة
بهاء رحال/الحياة الجديدة
هدوء الى حين...ربما
محمود ابو الهيجاء/الحياة الجديدة
ثلاثة أشهر وأزمنة متشابهة
عدلي صادق/الحياة الجديدة
مشكلة فتح مع فتح
د. سفيان ابو زايدة/وكالة معا،وكالة سما
لوْ لم تحْدُث النكْبَة
مجد إسماعيل أبو سلامة/وكالة معا
حماس وفتح ..سجالات الماضي والحاضر
حمزة إسماعيل أبوشنب/وكالة معا
أنا المطّلع ادناه... لا تدعوا القلق يفقدكم صوابكم!!
نبيل دويكات/وكالة معا
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
د/إبراهيم أبراش/وكالة معا
النكبة: ذاكرة مدن تنام على الشواطئ..! ...
أكرم عطا الله/وكالة سما
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا ..
د.إبراهيم أبراش/وكالة سما
ما هو سر " الثلاثة أشهر " المتكررة ؟ ...
م. عماد عبد الحميد الفالوجي/وكالة سما
رعشة المأساة الفلسطينية
علي بدوان/pnn
الذكرى الـ 26 للهروب الجماعي من سجن غزة المركزي .. !!
عبد الناصر فروانة/pnn
الرد على النكبة بالمساواة والاستقلال والعودة
حماده فراعنه/أمد
فلسطين بين المقاومة والمفاوضات
ابراهيم الشيخ/أمد
في ذكرى النكبة : متمسكون بحقوقنا رغم الأقوال الكثيرة والأفعال القليلة
حديث جريدة القدس
أحيا شعبنا الفلسطيني أمس، وفي أماكن تواجده كافة ، ذكرى مرور ٦٥ عاما على يوم النكبة او ذكرى قيام اسرائيل الذي يمثل يوم النكبة لنا. وفي هذه المناسبة أقيمت المهرجانات والتظاهرات والمؤتمرات، وتسابق الخطباء للتأكيد على الحقوق الوطنية وفي مقدمتها حق العودة وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ودوت الصافرات للوقوف ٦٥ ثانية، كما وقعت اشتباكات بين الشبان وقوات الجيش الاسرائيلي في اكثر من موقع وأصيب عدد منهم.
ان هذه الفعاليات مهمة في جانب واحد من الصورة ، وهو ترسيخ وتدعيم وتعبئة المشاعر للأجيال كلها جيلا بعد جيل، بالنكبة التي لحقت بنا وبالتمسك بالحقوق وعدم الاستسلام مهما تكن التحديات، وتأكيد بطلان نظرية مئير التي قالت بعد النكبة ان الكبار سيموتون والصغار سوف ينسون، والغريب في نظريتها هذه انهم يؤكدون ما يسمونه «حقاً في وطنهم» بعد آلاف السنين ، ويتوقعون ان ننسى بعد عشرات السنين، وهذه الفعاليات والمهرجانات تؤكد ان شعبنا لا ينسى ولن ينسى حقوقه أبداً طال الزمان او قصر وأن المستقبل لنا ولأجيالنا القادمة من بعدنا.
لكن هذه النشاطات تظل في إطار الأقوال ونحن في هذه المرحلة تحديداً بأشد الحاجة الى الأفعال على المستويات الفلسطينية والعربية والاسلامية أساساً. ففي اليوم الذي كنا نحيي فيه ذكرى النكبة ونؤكد تمسكنا بحقوقنا كان عشرات المستوطنين يقتحمون الحرم القدسي المرة تلو المرة ، وتزداد المطالبات الرسمية والحزبية في اسرائيل،بتقسيم المسجد الأقصى بالزمان والجغرافيا وإقامة هيكل هناك.
وصار الخطر الذي يتهدد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد(صلى الله عليه وسلم ) خطرا جديا وحقيقيا وقريبا. هذا بالاضافة الى كل الممارسات المعروفة من استيطان ومصادرة اراض وهدم بيوت وتهجير للمواطنين، بما يهدد فعلا كل احتمالات إقامة الدولة على حدود ١٩٦٧ كما يهدد القدس بالتهويد القوي.
وفي اليوم الذي كنا نحيي فيه ذكرى النكبة أيضا، وجدها البعض مناسبة لكيل الاتهامات للبعض الآخر، رغم ما سمعناه عن مشروع اتفاق لتشكيل حكومة توافق وإجراء انتخابات والاحتكام لرأي الشعب، وهذه أيضا صورة أخرى من صور النكبة بهذا الانقسام الذي يدمر ويمزق العمل الفلسطيني ويقدم الدعم المجاني للاحتلال وممارساته.
ان نكبة شعبنا لم تتوقف منذ عام النكبة ، وهي مستمرة بصور وأشكال مختلفة سواء داخل الوطن المحتل او داخل الخط الأخضر او في كل أماكن المهاجر والغربة في سوريا ولبنان وكل أنحاء العالم، لكن شعبنا في هذا اليوم وهذه الذكرى يؤكد أنه أقوى من كل الصعاب وأن إيمانه بحقوقه وأرضه ثابت لا يتزعزع وسيظل الأمل عنوانا لنا رغم كل التحديات والأخطار.
على اسرائيل أن تعترف بمسؤوليتها عن النكبة ...
د. نبيل شعث- مفوض العلاقات الخارجية في حركة "فتح"/جريدة القدس
إن نكبة فلسطين التي ألمت بأهلها عام 1948 ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا. فقبل 65 عاما، تم قتل الالاف من الفلسطينيين الآمنين في بيوتهم وتم تدمير المئات من القرى الفلسطينية، وارتكبت العديد من المجازر وتم تشريد الغالبية العظمى من الأمة إلى منافي الشتات لتأسيس دولة إسرائيل على أنقاض دولة فلسطين. وحتى الآن، لم نشهد أي اعتراف اسرائيلي بمسؤوليتها عما جرى ولم يتم مساءلة اسرائيل عن هذه الجريمة البشعة.
ما تزال النكبة مستمرة من خلال الممارسات الاسرائيلية غير الشرعية على الأرض والتي تطال شعبنا الفلسطيني أينما وجد في دولة فلسطين المحتلة. فإسرائيل تمعن في مواصلة سياسات التهجير والطرد القسري ضد أبناء شعبنا في القدس وغور الأردن وجنوب الخليل. كمالا يزال أكثر من 1.5 مليون فلسطيني ممن يقطنون بإسرائيل يواجهون سياسات التمييز الممنهجة في حين أن 1.7 مليون فلسطيني في غزة ما زالوا يقبعون تحت الحصار غير الانساني اضافة الى حرمان الملايين من اللاجئين من حقهم بالعودة الى ديارهم.
لم يخبرني أحد بالنكبة بل هو واقع عشته. فقد ولدت في شمال مدينة صفد ، ابن المربي الفلسطيني وحفيد رئيس بلدية بير السبع. لقد ترعرعت في مدينة يافا، تلك المدينة الرائعة التي يمتاز أهلها بروح التسامح وحسن الضيافة للأجانب بمن فيهم اليهود والأرمن، كانت يافا عروس فلسطين. لقد كنت أسكن بالقرب من مدرسة العامرية، القريبة جدا من مستشفى الدجاني، وكنت أذهب مع عائلتي الى مسرح الحمرا حيث كانت تقام الحفلات لأشهر المطربين والممثلين المصريين . وما زلت أذكر تلك اللحظات الجميلة في طفولتي عندما كنت أذهب مع أخواتي للعب على شاطئ العجمي بيافا واللهو في ساحة ميدان الساعة التاريخي.
ولكن طفولتي السعيدة سرعان ما توقفت ، وسرعان ما تبددت ذكرياتي" بعروس البحر" عندما أجبرت عائلتي على الرحيل اثر الهجمات التي شنتها العصابات اليهودية . في ذلك الوقت طرد الآلاف من أهل يافا بإتجاه البحر. وقد لجأ والدي الى مصر مثله مثل الآلاف من أهل المدينة الذين تدفقوا نحو ساحل الاسكندرية هربا من العدوان وقد قدموا في قوارب صغيرة . لقد تم احتلال بيتنا في يافا من قبل آخرين، وتوقفت ساعة اللهو والمرح في ميدان الساعة.
وخلال عام 1948، صرح الكونت بيرناردوت ممثل عصبة الأمم آنذاك في إطار تعليقه على الأحداث الدامية: "سترتكب جريمة بحق العدالة الانسانية في حال حرم هؤلاء الضحايا الأبرياء من العودة الى ديارهم والسماح للمهاجرين اليهود بالتدفق الى فلسطين" . ان هذا التصريح الذي ترجم لاحقا الى القرار الأممي رقم 194 والذي دعم بشدة عودة اللاجئين الفلسطينيين ، قد كلف الكونت برناردوت حياته.
ان " الضحايا الأبرياء " الذين أشار اليهم الكونت برناردوت ليسوا " مجموعة من البدو المجردين من الهوية الوطنية" ، كما يروج اليهود في كثير من الأحيان، ولكنهم كانوا فلسطينيون لهم حياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية الخاصة. لقد أدت النكبة الى طمس واحدة من أكثر المجتمعات ديناميكية في منطقة الشرق الأوسط . لقد كان مجتمعا حيويا ونشطا خلال النصف الأول من القرن العشرين ، يقوم بإصدار 161 جريدة ومجلة، ويخرج العديد من طلاب الجامعات الفلسطينية المنتشرين حول العالم، والمثقفين مثل جورج أنطونيوس، خليل السكاكيني، ماتيال مغنم وخليل بيدس . وفي القدس وحدها كان لدى الفلسطينيين 30 فرقة مسرحية و 24 مكتبة في عام 1948.
وعلى الرغم من تلك الادلة التاريخية، تواصل اسرائيل انكار النكبة. لماذا؟ لأن الرواية الاسرائيلية السائدة تقوم على أسطورة: أن المهاجرين اليهود أتوا الى " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وأصبح المجتمع الفلسطيني ضحية تخاذل القوى العالمية التي أخذت تتعامل مع اسرائيل كدولة فوق القانون منذ نشأتها. ومثلما فشل العالم في وضع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة موضع التنفيذ فيما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين ، فإنه ما يزال يفشل في منع التوسع الاسرائيلي الاستيطاني غير القانوني في فلسطين، والذي يعد جريمة حرب وفقا للقانون الدولي. واستغل القادة الاسرائيليون هذا الفشل لمواصلة انتهاكاتهم ضد الفلسطينيين .
رغم كل شيء، لقد قدم الفلسطينيون تنازلا تاريخيا مؤلما عام 1988 بالاعتراف بإسرائيل على 78% من فلسطين التاريخية. ان القبول بدولتين تعيشان جنبا الى جنب في سلام وأمن لا يجب أن يؤثر على الحقوق الفلسطينية المعترف بها دوليا. يجب على المجتمع الدولي أن يتخذ موقف جادا والضغط بإتجاه الوصول الى دولتين ديمقراطيتين ذات سيادتين وحقوق متساوية لجميع مواطنيها.
لقد اعترفنا بإسرائيل كدولة منذ 25 عاما. ومن خلال المطالبة بالاعتراف بإسرائيل " كدولة يهودية" ، تسعى الحكومة الاسرائيلية الى الحصول على موافقة رسمية لسياسات التمييز الممنهجة التي تنفذها ضد الفلسطينين في اسرائيل وقبولا لاستمرار رفض حق العودة. ان كل من يؤمن بضرورة تحقيق السلام العادل والشامل بين الاسرائيليين والفلسطينيين لا يجب عليه قبول هذه الصيغة التي تم ابتداعها من قبل أولئك الذين اختاروا الاستيطان والفصل العنصري على العدالة والسلام.
ان التغلب على الظلم التاريخي الذي وقع على الفلسطينيين يبدأ بإعتراف اسرائيل بمسؤوليتها عن النكبة كخطوة أولية نحو الوصول الى المساءلة وفي نهاية المطاف الى السلام. مما يحتم على اسرائيل الاعتذار عن النكبة و عن 65 عاما من التهجير القسري ، وعن سياساتها العنصرية ضد جميع الفلسطينيين في اسرائيل وفلسطين وفي الشتات. ان التقدم نحو تحقيق العدالة التاريخية لن يؤذي أحدا. بل على العكس من ذلك ، فمن شأنه أن يشكل أساسا قويا لتحقيق المصالحة بين فلسطين و اسرائيل.
في ذكرى النكبة...
محمد السودي/جريدة القدس
في ذكرى النكبة المستمرة منذ خمسة وستين عاما تستحضر الذاكرة الجمعية واقع التراجيديا الفلسطينية الاكثر إيلاما ووجعا عبر فصول ومحطات لا تنتهي بل تشتد وطأتها عاما بعد آخر جراء تشريد شعب اصيل عن وطنه وقع ضحية قوى الهيمنة والنفوذ الاستعماري لأكبر مؤامرة عالمية عرفها التاريخ المعاصر، حين اختلت موازين العدل وانهارت مفاهيم القيم الأخلاقية والانسانية اذ منحت ارض فلسطين التاريخية مهد الرسالات السماوية الى من لا يستحق لإقامة دولة اسرائيل.
وفي المقابل قامت الجماعات اليهودية المدعومة من حكومة الانتداب البريطاني بترويع السكان الآمنين واقدمت على ارتكاب المجازر لترحيلهم عن بيوتهم كتعبير صارخ عن سياسة التهجير الممنهجة.
وقال المؤرخون البارزون لتلك الحقبة الزمنية ان النظام الرسمي العربي كان لديه اتفاقيات غير معلنة مع الحكومة البريطانية بأن لا يتجاوز اي تحرك عسكري حدود قرار التقسيم الدولي رقم "١٨١" اضافة الى عدم تبلور الحماسة لدى بعض العرب لفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وكذلك كان الامر تجاه حكومة عموم فلسطين ولم يتم الاعتراف بها على المستوى العربي او الدولي..
بعبارة اخرى ابقاء الوصاية العربية على قضية الشعب الفلسطيني ومصادرة قراره الوطني المستقل، بينما ساهمت عوامل هامة ايضا في مقدمتها ضعف وتردد وتبعية القيادة الوطنية الفلسطينية آنذاك وعدم إلمامها الكافي بمجريات الامور وادراك مخاطر ما كانت تخططه الحركة الصهيونية ما جعلها غير مؤهلة لقيادة الحركة الوطنية بشكل مستقل وفق استراتيجية واضحة المعالم، وهذا ما حدث بالفعل بعد اقل من عام على الكارثة خلال توقيع العرب فرادى اتفاقيات رودس والهدنة مع الجانب الاسرائيلي..
لقد تنامى الوعي الوطني الفلسطيني باتجاه التصدي لمهمات تحرير الارض الفلسطينية بسواعد ابنائها، مع تعاظم دور الاحزاب والحركات القومية العربية الناشئة في خمسينيات القرن الماضي التي اجمعت برامجها على اعتبار قضية فلسطين هي القضية المركزية الاولى للأمة العربية ومسألة تحريرها من براثن الاحتلال واجب ملزم على كل عربي لاستعادة مكانتها وإعادة الاعتبار اليها الى جانب سعيها لضرورات الوحدة العربية ورؤيتها للخلاص من التبعية السياسية والاقتصادية للدول الاستعمارية.
وبالتالي تشكلت عشرات الاحزاب والحركات والجمعيات ذات البعد القومي التحرري قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة منتصف الستينيات التي باشرت عملها العسكري على نطاق واسع بعد نكسة حزيران القاسية التي منيت بها الانظمة العربية وخسرت فيها اراضي على الجبهات السورية والاردنية والمصرية كان لها تداعيات كارثية ادت الى نزوح كبير اضاف عبئا ثقيلا واعاد انشاء مخيمات جديدة لاهالي الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان، حيث اجبرت على غض الطرف عن انطلاقة مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني لامتصاص غضب الشارع العربي الناقم على تخاذل الانظمة المهزومة، ولكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً بعد ان شعرت هذه الانظمة مخاطر حالة الاصطفاف الشعبي العارم التواق للحرية والانعتاق من مخلفات الماضي السحيق، ما يعني عدم قدرتها على ضبط الايقاع وفق ما كانت تريد الامر الذي جعلها تتحرك بسرعة لكبح جماح المقاومة الفلسطينية المتصاعد من خلال استهدافها مباشرة وحرفها عن مسارها باتجاهات متعددة ادت الى خوض صراعات وحروب جانبية.
للنكبة ارهاصات ومفردات لا تقتصر على الجانب السياسي حسب، انما طالت أسس وركائز المجتمع الفلسطيني الذي لجأ ثم نزح نحو دول الجوار العربي على امل العودة للديار بأقصى ما يمكن من وقت، وقلة هاجرت الى الخارج وكذا الامر للفئة اللاجئة داخل الاراضي الفلسطينية آوتها الخيام أسوة بأقرانها خارج الاراضي المحتلة وباتت الأسر الفلسطينية موزعة على اكثر من مكان لا يجمعها سوى خيام الذل والهوان وسوء المعاملة والحرمان من ابسط مقومات الحياة الآدمية وظلم ذوي القربى تحت ذرائع وحجج واهية . وبالتالي يحرم الفلسطيني من المسكن وحرية العمل والتملك والتنقل واصدروا له وثائق خاصة تميز اللاجىء عن غيره ولا تؤهله الدخول لبعض الدول التي تمنحه هذه الوثائق.
اما الجزء الاصيل من شعبنا الذي آثر البقاء على ارض الآباء والاجداد بالرغم من سياسات المحتلين فلا زال يخوض النضال الدؤوب للحصول على حقوقه كاملة في مواجهة القوانين العنصرية والتهويد وتغيير الملامح الجغرافية والديمغرافية ومحاولات الغاء الذاكرة الفلسطينية من قاموس النكبة.
أمام كل ذلك استطاعات الثورة الفلسطينية إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية على الخريطة الدولية وتراكم الانجازات بمكان آخرها اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب خطوة على طريق الاعتراف الكامل الذي ينبغي استثمار مزاياه بالانضمام الى الوكالات الدولية خاصة محاكم انتهاكات الحرب وتقديم المسؤولين اليها.
وتمكنت من استعادة التمثيل الفلسطيني بقيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني باعتبارها الكيان المعنوي والسياسي الجامع ولا زالت تخوض غمار الصراع مع الاحتلال الذي يسعى الى تقويض أسس الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني ، لكن الكفاح الوطني سيستمر جيلاً بعد جيل حتى تحرير الارض وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس فعودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم وديارهم التي شردوا منها يشكل جوهر المشروع الوطني.
ان ذكرى النكبة التي تتفرع عنها اليوم نكبات وكوارث عديدة بحق مخيمات شعبنا في الشتات وزجهم في دائرة الدم المستباح التي تأكل نيرانها شبابنا وأسرنا وتهيم بهم في اللامكان دون ذنب ارتكبوه، تحتم على جميع القوى الفلسطينية النهوض بواقع المشروع الوطني الفلسطيني وتحمل مسؤولياتهم التاريخية بما يتناسب وحجم التحديات الكبيرة التي تواجهه..
لذلك ينبغي الخروج من دوامة المراوحة في المكان وتنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية على قاعدة ما تم الاتفاق بشأنه دون إبطاء او تسويف وتوظيف كافة الطاقات الكامنة لدى شعبنا وتوفير الامكانيات في مواجهة الاحتلال وإلا ستبقى آثار النكبة تطارد الفلسطيني اينما وجد..
استراتيجية التوازن؟!
عبد المنعم سعيد/جريدة القدس
في دروس الصف الأول في مدرسة العلاقات الدولية يقال إن الدول في سياستها الخارجية تتبع واحدة من ثلاث استراتيجيات عظمى: أولاها الاعتماد على الذات، فهي لا تحتاج لدول أخرى فيما يختص بالدفاع عن أمنها أو حاجاتها الأساسية، فهي تنتج سلاحها بنفسها، ولديها قدرة على الحركة باتساع الكون، ولديها من القدرة الإنتاجية ما يجعلها لا تحتاج لطرف أو أطراف أخرى، وإذا احتاجت لأسباب ما فإن لديها من المال والوسائل الاقتصادية لكي تحصل على ما تريد أو تنتزعه انتزاعا.
وثانيتها السعي لخلق حالة من التوازن الإقليمي أو الدولي بحيث تلغي القوى القادرة الواحدة الأخرى، بل إنها سوف تتنافس لجذب القوى الأصغر إلى جانبها لكي يكون التوازن في صالحها مما يعطي لهذه القوى الصغرى بعضا من عناصر القوة لا توفرها بنفسها وإنما تأتي إليها نتيجة ظروف المنافسة السائدة. وثالثتها اللحاق بالقوة أو القوى الأقوى والأكثر تأثيرا في العالم والحصول على مزايا توفير الأمن بتكلفة أقل، والفوائد الاقتصادية العالية مقابل خدمات معقولة.
وكانت فكرة القومية العربية والوحدة العربية في جوهرها محاولة لاتباع الاستراتيجية الأولى على أساس أن الدول العربية مجتمعة يمكنها أن تحقق قوة دولية لديها من الموارد ما يسمح لها بالاعتماد على الذات. ولكن عندما ظهر أن هذا الهدف صعب التحقيق لأسباب ليس هنا مكان ذكرها فإن الاستراتيجيتين الثانية والثالثة صارتا هما المفضلتين لتشكيل السياسة الخارجية للدول العربية. وكانت الحرب الباردة - 1947 إلى 1989 - هي فترة الازدهار لاستراتيجية التوازن بين العملاقين السوفياتي والأميركي والتحالفات الملتفة حولهما.
ووجد الكثير من الدول العربية الرئيسة أن اتباع سياسات من نوعية «الحياد الإيجابي» و«عدم الانحياز» وتنويع مصادر السلاح والاقتصاد وسيلة فعالة للحصول على مكانة دولية وتعظيم المصالح الخاصة بكل دولة. ولعب الصراع العربي الإسرائيلي دورا في هذه الاستراتيجية حيث كان التحالف الأميركي الغربي مع إسرائيل سببا في اللجوء إلى الاتحاد السوفياتي وكتلته الاشتراكية لطلب السلاح والمصانع. وكان ذلك على العكس تماما من الاستراتيجيات التي اتبعتها دول مثل باكستان وكوريا الجنوبية وتركيا وكوبا وغيرها التي لم تلعب على حبال التوازن بين المعسكرين، وإنما اختارت اللحاق بأحد المعسكرين لكي تحقق مصالحها.
في الواقع العملي بالطبع فإن الدول لا تأخذ بأي من هذه الاستراتيجيات بصورة نقية وفي كل الأوقات، والمرجح أنها تستخدم خليطا منها تتراوح فيها الخلطة بين لحظة زمنية وأخرى. ولكن الدول العربية في العموم كانت تميل إلى عالم يكون فيه أكثر من كتلة، وأكثر من توازن، ويكون الانزعاج على آخره عندما تنفرد قوة واحدة بقيادة العالم كما جرى للولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي. وفي وقت من الأوقات جرت تمنيات كثيرة أن يقوم عالم خماسي الأضلاع يضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي واليابان والصين.
عمليا لم يكن ذلك ممكنا وأوروبا واليابان جزء من التحالف الغربي الكبير في السلاح والاقتصاد والقيم الديمقراطية، وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي لم تعد روسيا ندا يذكر؛ أما الصين فلم تكن المسألة فقط أنها تعد نفسها من العالم الثالث، وإنما أيضا أنه لم يكن لديها سياسة كونية من نوع أو آخر. على أي الأحوال تعايش العرب مع الانفراد الأميركي بالعالم خاصة أن إعلانه جاء في عملية تحرير الكويت عام 1991، وبعدها في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، وما تلا ذلك من الحرب العالمية ضد الإرهاب التي استهدفت دولا عربية بقدر ما استهدف الدول الغربية أيضا.
ولكن عقدي اللحاق بالولايات المتحدة والغرب لم يكونا سببا للراحة العربية، وظل البحث جاريا عن عناصر للتوازن في الساحة العالمية، وعندما تغيرت الأحوال في دول عربية كثيرة في يناير 2011 أصبح البحث حثيثا عن طرف آخر في العلاقات الدولية يمكنه أن يشكل كتلة موازنة للتكتل الغربي. ويبدو أن كتلة «البريك» التي تضم البرازيل وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والصين توافرت فيها مجموعة من المواصفات التي تجعلها تلائم الاستراتيجية المطلوبة، وتجعل الغرب ليس مطلق اليد في الساحة الدولية.
وربما كانت مصر التي نأت عن الأحلاف العسكرية أثناء الحرب الباردة، وكانت طرفا في سياسات الحياد الإيجابي متلهفة بعد تغييرات يناير للبحث عن هذا الطريق الجديد، ومن ثم كانت زيارات رئيس الجمهورية المصري د. محمد مرسي للصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا ومؤخرا البرازيل رسالة لمن يهمه الأمر أن مصر لم تعد أسيرة العلاقة مع معسكر واحد، بل إن هناك طرفا دوليا جديدا وقويا يعطيها قدرا غير قليل من حرية الحركة ومرونتها، كما أن لديه الكثير من الدروس التي يمكن الانتفاع بها خاصة في التنمية الاقتصادية.
وعلى الرغم من أنه لا يزال مبكرا تقييم هذا التوجه من حيث تحقيق الأهداف المصرية، فإن هناك بعضا من الحدود الموضوعية التي لا بد من الإشارة إليها. أولها أن تكتل «البريك» ليس تحالفا عسكريا متجانسا في النظم السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية التي تميز التحالف الغربي. فالديمقراطية في البرازيل وجنوب أفريقيا لا تزال حديثة، وفي الهند عريقة، وفي روسيا تختلط بحكم دولة المخابرات القديمة والمافيا السياسية الحديثة، وهي غائبة في الصين التي يحكمها حزب شيوعي.
ومن الناحية الاقتصادية البحتة، فرغم أن هذه الدول فيما عدا روسيا تعيش في ظل معدلات عالية من النمو، فإنها في الجانب المقابل يوجد بها معدلات عالية من الفقر. والصين فيها قرابة 700 مليون نسمة يعيشون دون حد الفقر، وهناك عدد قريب من هذا في الهند، أما في جنوب أفريقيا فأمامها طريق طويل حتى تقترب الثروة من السود كما اقتربت السلطة. وعلى الرغم من أن البرازيل حققت قفزات واسعة من حيث التنمية الاقتصادية فإنها تعد من أسوأ دول العالم توزيعا للثروة. ومن المدهش أنه وفق المعيار الخاص بتوزيع الثروة فإن الحال في مصر أفضل مما هي عليه من كل دول «البريك» خاصة البرازيل، فضلا عن أن متوسط دخل الإنسان المصري مقوما بالدولار هو أفضل من الصين والهند ونصف ذلك المتوافر في البرازيل.
الأهم من ذلك كله أن هذه الدول فيما عدا روسيا ليس لديها سياسة شرق أوسطية نشطة، وهي حريصة على علاقاتها مع الولايات المتحدة أكثر بكثير مما يظن كثرة من العرب.
مفاوضات الدولة الفلسطينية!
الدكتور ناجي صادق شراب/جريدة القدس
المشكلة لا تكمن في السلام أو في المفاوضات ، أو في تعديل المبادرة العربية، أو حتى القبول بمبدأ تبادل الاراضي، فالمبادرة العربية واضحة ولا تحتاج إلى تأويل وتفسير كل السلام مع إسرائيل مقابل فقط قيام دولة فلسطينية، وإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي تحتلها، ودون إلتزام بأي قضايا أخرى بما فيها قضية اللاجئين الفلسطينيين. وبعدها يمكن تصور وقيام علاقات مع إسرائيل كدولة يهودية أو غير ذلك. بإختصار الذي يهم العرب فقط هو إلتزام إسرائيل بهذا الإنسحاب وهو ما يشكل الحد الأدنى للمطالب العربية ، ومقابل تقديم أعلى درجات التنازل .
ومع التسليم بإستحالة الوصول إلى صيغة سلام نهائية لأن البيئة السياسية بكل مستوياتها ومعطياتها ومتغيراتها على مستوى كل ألأطراف الرئيسة في هذا الصراع كما سنرى ليست على إستعداد أو ليست لديها القدرة على إتخاذ قرارا بالسلام ينهي الجذور التاريخية للصراع العربي الإسرائيلي.
ومع التسليم ايضا بعدم جدوى المفاوضات في ضوء تجربة تفاوض تزيد عن خمسة عشر عاما كان يمكن خلالها الوصول إلى تسوية سياسية قد تقود لعملية سلام على المدى البعيد ، رغم كل ذلك هل توافق إسرائيل على ما تعرضه المبادرة العربية من سلام وعلاقات وإعتراف يصل إلى درجة الإعتراف بيهوديتها، فمجرد التصريح بحق إسرائيل أن تصف نفسها كما تشاء يعني التسليم بهذه الصفة ، ولتوضيح الأمر أكثر ماذا لو تصورنا قبول إسرائيل بالمبادرة العربية ، وقيام دولة فلسطينية ، بعدها سيتم الإعتراف، وبعد ذلك ماذا لو أعادت إسرائيل تسمية نفسها بدولة يهودية هل يتم سحب إعتراف العرب وحتى الفلسطينيين بإسرائيل كدولة ؟ هذا الإحتمال غير وارد.
أعود إلى القول أنه في ضوء كل هذه التحولات فلا يبدو أن إسرائيل مستعدة للذهاب أبعد من موقفها من المبادرة ومن قيام الدولة الفلسطينية. والذي لا يشجع على إحياء عملية السلام إن كل الأطراف غير مهيأة ، الطرفان الرئيسان، الفلسطينيون من ناحيتهم منقسمون على أنفسهم وأولوية الحكم تسبق حتى أولوية قيام الدولة الفلسطينية وأولوية المفاوضات وعندهم إستعداد للتعايش والتكيف مع هذا السيناريو القائم لأنه لا يلزمهم بتقديم تنازلات سياسية قد تفقدهم مصداقيتهم السياسية، وهذا ينطبق على الجميع .
والاسرائيليون تحكمهم حكومة متشددة تتبنى الإستيطان، وفكر الدولة الفلسطينية يتعارض مع الفكر الليكودي، ومع فكر هذه الحكومة وخصوصا حزب البيت اليهودي، ولو أضطرت للذهاب للمفاوضات فستضع شروطا ومطالب ستكون خارج إرادة الفلسطينيين على القبول بها وخصوصا شرط الدولة اليهودية .
وأما الأطراف الأخرى العربية منها لم تعد القضية الفلسطينية بالنسبة لها قضية أمن عربي، ولم تعد قضية أولوية سياسية للدول العربية، فكلها بما فيها دول التحول العربي منشغلة بقضاياها الداخلية ، وبتهديد تفتيت كياناتها السياسية، وهي لن تعارض اي تسوية سياسية يقبل بها الفلسطينيون ، وأما الولايات المتحدة ورغم أنها ما زالت تفرض نفسها الراعي الأول لأي عملية سياسية ,ولأي مفاوضات فاولوياتها لم تعد كقوة عظمى تنحصر في التوغل في هذا الصراع ، وقد تفضل سيناريو فرض الأمر الواقع وخصوصا على الجانب الفلسطيني الذي قد لا يرى مخرجا إلا بالذهاب للمفاوضات والقبول بمفاوضات الدولة الفلسطينية فقط؟
الأولويات باتت غير القضية الفلسطينية ، أولوية الملف النووي الإيراني والسوري، وأولوية ملف تحولات الربيع العربي وتداعياته، ولا ننسى أولويات القضايا الداخلية التي تمس وجود الولايات المتحدة كدولة أحادية مهيمنة على بنية القرار الدولي.
تبقى لهذه الدولة ثوابتها والتي أهمها الحفاظ على بقاء أمن وبقاء إسرائيل، ولذلك لا مانع لديها من قيام دولة فلسطينية تقبل بأمن إسرائيل ومنها إلى الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية من قبل بقية الدول العربية الذي قد يدفع للعودة لخيار التفاوض هو الإدراك الأمريكي والعربي والفلسطيني والإسرائيلي أن هناك فرصة تاريخية يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة في السنوات المتبقية للرئيس الأمريكي الذي ليس في حاجة تاريخية كبرى لإضافة إنجاز تاريخي جديد له في تاريخ سجل الرؤساء الأمريكيين العظام الذين قدموا لأمريكا للحفاظ على قوتها ، ومع ذلك لا ضرر من إنجاز جديد على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي، وهنا لا ضرر من الدفع في إتجاه المفاوضات، ودفع كل الأطراف لتسوية سياسية قد تتحقق بفعل العوامل والمعطيات الجديدة ، وهي رغم انها ليست معطيات سلام حقيقي إلا أنها معطيات سلام إسرائيلي .
في هذه السياق يأتي التحرك الأمريكي، الذي قد حدد الرئيس الأمريكي أوباما خيوطه في زيارته الأخيرة لفلسطين وإسرائيل عندما طالب بقبول دولة فلسطينية ، مقابل امن وبقاء إسرائيل. والشرط الأخير يتطلب الكثير من الفلسطينيين والعرب أن يقدموه لإسرائيل. والسؤال هل الطرفان مستعدان لذلك؟
النكبة.. من الخيمة إلى الدولة
حسن البطل/الأيام
لا أرى كبير مبرّر لتحقير السلطة (مقابل الثورة والانتفاضة)، أو الاستخفاف بالدولة (مقابل العودة والتحرير) وكل هذا الغثاء والرثاء والبكاء والإنشاء "الفيسبوكي" في السنوية الـ 65 للنكبة، يبهت أمام هذا القول الأجنبي: "الضربة التي لا تقتلني تُقوِّيني"، أو الفلسطيني "ادفنوا قتلاكم وانهضوا".
قبل حقبة السلطة كان الفلسطينيون يعتمدون إحصائيات "الأونروا" عن عدد اللاجئين المنكوبين، ومخيماتهم، وتوزيعهم في بلاد اللجوء.
أما بعد السلطة، فقد صار الفلسطينيون يعتمدون إحصائيات "الجهاز المركزي للإحصاء" الفلسطيني، شاملاً المنكوبين ـ اللاجئين، والصامدين ـ الباقين في إسرائيل، والمقيمين في نطاق السلطة.. والشهداء والأسرى.. وأيضاً 49% من سكان فلسطين و15% من مساحة أراضيها.
هاكم موجز قراءتي لآخر إحصاء فلسطيني في النكبة الفلسطينية الـ 65:
- تضاعف عديد الفلسطينيين 8,5 مرة.
- عديد الفلسطينيين في إسرائيل، الآن، يُقارب مجموع عديدهم في فلسطين الكاملة ـ الشاملة. عدّ "الغنمات" يتقارب، وعدّ "الدونمات" يتباعد؟!
- نسبة اللاجئين في الشتات إلى مجموع الشعب الفلسطيني هي، تقريباً كنسبة اليهود في إسرائيل من اليهود في العالم نعم، الديمغرافيا الفلسطينية في خير، ولكن الجغرافيا الفلسطينية ليست في خير، لا بنسبة مساحة الضفة الغربية إلى مساحة فلسطين، ولا بالنسبة لمساحة الحيازة الفلسطينية للأرض لا في إسرائيل، ولا نسبة السيادة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية.
***
لا مقارنة بين "الهولوكوست" اليهودي و"النكبة" الفلسطينية. الإسرائيليون يرفضون لأسبابهم المقارنة، ونحن نرفض، أيضاً، لأسبابنا. لماذا؟ "الهولوكوست" بالأجنبية هي "المحرقة" بالعربية وهي "شوآه" بالعبرية.. لكن للنكبة اسم واحد في كل اللغات، كما "الانتفاضة" كما "الفدائيون" سابقاً.
هذا، أولاً، ومن ثم، فإن "المصطلح" جزء من صراع "الرواية".. وهذه تقول إن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي هو بين "جيل الصابرا" اليهودي الذي بنى إسرائيل، وجيل اللجوء ـ النكبة، الذي يقود النهضة الفلسطينية.. من الثورة إلى المنظمة إلى السلطة إلى الدولة.. إلى "حق العودة"!
النكبة ضربت العمود الفقري للشعب الفلسطيني المزدهر نسبياً على الساحل الفلسطيني: سكانياً، واقتصادياً، وثقافياً، ولكنها لم تقصم ظهره، لأن اللاجئين ـ المنكوبين صاروا عماد كفاح الشعب ونهضته في كل مجال تقريباً.. ومن الكفاح إلى النهضة!
أهم شيء أن الصراع في فلسطين وعليها عاد إلى جذره في البدايات: صراع فلسطيني ـ إسرائيلي، لا نزاعا عربيا ـ صهيونيا، ولا صداما إسلاميا ـ يهوديا.
هذا يعني أن تقرير المصير الفلسطيني، سواء أكان في إطار كيان دولاني مستقل، أو في إطار دولة واحدة للشعبين، هو الذي يرسم مساراً جديداً لإسرائيل، والمسار الجديد والعسير لإسرائيل هو الذي يؤثّر في رسم المصير الفلسطيني.. ولهذا كتب محمود درويش آخر قصائده النثرية "سيناريو جاهز" عن اثنين ـ شعبين في حفرة!
في التقارير الصحافية الأجنبية أن صوت محمد عسّاف يُوحِّد الفلسطينيين، لكن يُوحِّدهم، أوّلاً، أن النكبة 1948 النكسة 1967 ومحاولة إنهاء الانقسام 2007.
ها نحن ـ نحن، والمشروع الفلسطيني للكينونة السياسية والدولة هو المشروع العربي والمشروع الدولي، بينما إسرائيل محتارة وتتخبّط بين مشروع توحيد الأرض الفلسطينية المحتلة ومشروع توحيد الدولة لشعبين.
سبع سنوات من الانقسام، و45 سنة من الاحتلال، و65 سنة من النكبة، و120 سنة من الصراع "إحنا وإيّاهم والزمن طويل" ـ عرفات.
ها نحن ـ نحن. كان اسمها فلسطين وعاد اسمها فلسطين.. من الخيمة إلى المخيم، ومن المخيم إلى المدينة.. ومنها إلى الدولة.. وهذه حاضنة العودة إلى أرض البلاد.
هذه الثقافة الكيدية...!
ليانة بدر/الأيام
يسود شعور عام بأنه قد يكون من الأفضل لكل من يحاول العمل أو تأسيس عمل ثقافي أو سياسي في بلادنا، وليكن ما يكون، أن يتوقف عن العمل وعن القيام بواجبه لكي يتقي الانتقادات والتخوينات وصنوف التشكيك التي سوف تتدافع لكي تجعل من أي بادرة صغيرة أو كبيرة بمثابة فعل خيانة عظمى. وتواصل هذه الثقافة الكيدية في مجتمعنا الزحف والانتشار لتصبح مثل الفطريات الشريرة التي تلِّوث كل ما حولها. وهي توالي تمددها بحيث تصير أسوأ وأشد ضرراً من بقعة نفط تلوث المحيطات والبحار، وهي تنتشر باطراد دون أن يتوقف أي كان لمناقشتها أو البحث في سبل التخلص منها.
هذا ما يجري تماماً. وعلى كل فلسطيني يحاول أن يقوم بأي عمل يظنه إيجابياً، أو يوجه تعليقه البناء على عمل آخر، أو أن يؤسس مبادرة لتشجيع أي مؤسسة أو متحف، فعليه قبلاً أن يحضر نفسه لكي تنهال عليه اللعنات والبهدلات والاتهامات. وعليه أن يعرف أنه سيبدو كأنه المسؤول شخصياً عن كل النكبات التي حاقت بالشعب الفلسطيني عبر تاريخه. ذلك، لأن الثقافة الكيدية ثقافة بائسة تميل إلى شخصنة الأمور، وتكبيرها، وإلصاقها بالشخص المراد النيل منه بمنطق أو غير منطق.
ويحضر كيف تنهال الاتهامات على شخصية وطنية ورسمية محاولة أن تلصق بها مسؤولية تدني إيرادات الاقتصاد الفلسطيني في عصر تهتز فيه دول بكاملها جراء الصعوبات الاقتصادية، وكأن الوضع الاقتصادي الفلسطيني كان بأحسن حال وأهدأ بال لولا وجود هذه الشخصية في موقع المسؤولية.
وفي هذه الثقافة الكيدية يردد البعض الكذبة حتى يصدقها جمع أكبر، وتظل التخرصات طالعة ونازلة حتى تصل إلى جمع أكبر وأكبر، وتستحيل عندها كل الأفعال والتعليقات إلى مرتبة العبث الأعظم.
وحينما تبادر أية شخصية سياسية عامة إلى الإعراب عن تأييدها للشاب محمد عساف المغني الفلسطيني في برنامج المسابقة الفنية التي يخوضها، فنحن نرى آلاف التشنيعات والاتهامات بالخيانة الوطنية، هكذا "حاف" ومن دون ذكر أنواع التخرصات والتندرات والتعليقات التي تجعل من المواطن مجرد ميكروفون يردد اتهامات اعتاد على ترديدها لكي "يفش خلقه" مهما حملت من اتهامات باطلة و"قلة أدب" أحياناً، وتجاوز لطبيعة الوقائع.
ففي مجتمع محكوم بالإحباط الذي رسمه احتلال عدو لا يرحم، ووسط انتصارات الجميعات غير الحكومية في إرساء أجور غير منطقية تفوق الدخل العام بدرجات، وفي ظل وجود كادر وظيفي بيروقراطي ضخم لا يقوم بمهماته المفترضة في أحيان كثيرة، يقوم الجميع بانتقاد الجميع وبث الكره العام والحساسيات المختلقة. ويساهم الوضع الصعب في غياب أفق لحلول سياسية واقتصادية في تعزيز ظاهرة "فش الخلق" والاغتياب والنميمة بديلاً عن مواجهة الواقع والتعامل معه. كما أن دور بعض الفصائل التي تعمل على بث التذمر والنقد وحدهما دون أن تقوم بأي دور فعلي أو واقعي على الأرض، خصوصاً مع الشباب، للمساهمة في إصلاح الأوضاع العامة، أو تفعيل الطاقة الإيجابية لتخفيف آثار الاحتلال والاستيطان، يزيد من توتر الأوضاع، ومن توجيه الناس لتفريغ الغضب والإحباط عبر إيذاء الغير وتشويههم كلامياً. وبهذا يتحول الكلام الكاذب إلى واسطة مزيفة لرفع ضغط الواقع الثقيل الذي يهيمن على أناس فقدوا البوصلة وظنوا أن فنون الشتم والتشويه سوف تصلح مآلهم في الحياة.
والحل؟!
كثيراً ما أتساءل وأنا أطّلع على الردح والقدح والذم إن كان أصحاب هذه الطريقة الكيدية قد فكروا يوماً في غرس شجرة أو اصطحاب أولادهم لتنظيف شوارع الحي الذي يعيشون فيه.
وأنا متأكدة من أنهم لا يوفرون طاقتهم إلا للكلام فقط، والكلام القبيح.. وحده، بعيداً عن أي عمل مثمر أو إنتاج ضروري يساعدنا على الإحساس بأن فلسطين لنا جميعاً، وأنها ليست لهؤلاء الثرثارين الذين لا يتفوقون إلا في بث الشكوك وتوجيه الاتهامات لكل ما عداهم.
حتّى لا تتحوّل ذكرى النكبة إلى مناسبة روتينية
طلال عوكل/الأيام
إن كانت الأجندة الفلسطينية طافحة بالمناسبات، أغلبها يدعو إلى الحزن والألم والتفكُّر، وأقلّها ما يستدعي الاحتفال والفرح، فإن ذكرى النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني في الخامس عشر من أيار 1948، هي أم وأساس النكبات اللاحقة.
بقدر ما أن النكبة كعنوان أساس لمعاناة الشعب الفلسطيني، فإن على الفلسطينيين أن يتذكّروا أسباب تلك النكبة، وجذورها التي تعود إلى الأطماع والمخطّطات الاستعمارية، التي سعت من ناحية للتخلُّص من اليهود، واختلاق حلٍّ لما يسمى تاريخياً بالأزمة اليهودية، وإلى أن تلك القوى الاستعمارية، أرادت، أيضاً، أن تزرع في قلب الأمة العربية جسماً غريباً، قادراً كل الوقت على مشاغلة الباحثين والعاملين من أجل التحرُّر العربي والوحدة، والنهوض والتنمية.
كان إذاً ولا يزال ضرب حركة التحرُّر العربية، واحتجاز تطور هذه الأمة، والتجاوز على مقدّراتها وثرواتها، وإضعاف أصحابها وحرّاسها كان ذلك ولا يزال الهدف الأول لإسرائيل، والهدف الذي يجعل الدول الاستعمارية مستعدة كل الوقت لدعم وتقوية الدولة العبرية، في هذا الإطار فإن المساعي الأميركية والغربية عموماً، لتحقيق تسوية تنهي الصراع، هذه المساعي سواء كانت جادّة وحقيقية، أم استهلاكية فإنها تندرج في سياق البحث عن أفضل السبل والخيارات التي تمكّن إسرائيل من البقاء، ومن الاستحواذ على القوة الكافية لإدامة مشروعها وحماية المصالح الغربية في هذه المنطقة الزاخرة بالثروات الاستراتيجية. ربما يدرك الجيل الذي فجّر الثورة الفلسطينية المعاصرة، هذه الحقيقة، لكن شمعون بيريس كان قد راهن على أن الأجيال التي عاصرت النكبة ستموت أما الصغار فإنهم سينسون، الأمر الذي يشير من ناحية مقابلة إلى أن ثمة ضرورة لإعادة صياغة وعي الأجيال الشابة، والنشء، بكل أسباب وتداعيات النكبة.
سألتني صبيّة صحافية فلسطينية، يوم أمس، وهي تغطّي فعاليات إحياء هذه الذكرى الأليمة، عمّا إذا كان من المناسب أن تتضمن بعض الفعاليات، نشاطات من نوع الدبكة الفلسطينية والأغاني الشعبية ومعارض التراث، وإن كان مناسباً أن يبدي بعض الشباب قدراً من الاحتفالية التي لا تناسب مقام ذكرى أليمة من هذا النوع. كان عليّ أن أُجيبها بأنّ صراعنا مع المحتل الإسرائيلي هو صراع شامل هو صراع تاريخي، حضاري، ثقافي، سياسي، اجتماعي، اقتصادي، فكري.. إلخ، وأن هذا المحتل يحاول كل الوقت سرقة التاريخ، والتراث، والآثار والحضارة الفلسطينية ولذلك فإن إحياء التراث في كل وقت هو واحد من أشكال المقاومة الثقافية للاحتلال.
أما عن بعض المظاهر الاحتفالية، غير المقصودة بطبيعة الحال، فإنها ناجمة عن أن إحياء هذه المناسبة يوفر مناخاً لوحدة الشعب ووحدة قواه السياسية والاجتماعية، ويوفّر، أيضاً، شعوراً عميقاً من أن الشعب الفلسطيني متمسك بقوة بحقه في العودة إلى وطنه، وأن هذا الحق، لا يغيب مع الأجيال التي عاصرت النكبة، ولا تُغيّبه أية اتفاقيات، أو تسويات، أو حلول.
بعد خمس وستين سنة على النكبة، لم يضعف تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة ولم تتراجع آمالهم بتحقيقها يوماً، كيف لا يحصل هذا وأبناء الشعب الفلسطيني يعرفون أن الصليبيين مكثوا على هذه الأرض نحو مئتي عام، ثم اضطروا لمغادرتها، وبعد مئة وثلاثين عاماً من الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، نال الشعب الجزائري حريّته واستقلاله.
في هذا المقام، يجدر بالفلسطينيين أن يُراجعوا ويُطوّروا أشكال إحياء مثل هذه المناسبة، بحيث لا تتوقف على المسيرات، والاعتصامات وإلقاء الخطب، وإصدار البيانات والتصريحات الصحافية، ولا يجدر الاكتفاء بالصلوات والدعاء وإطلاق الشعارات الرنّانة. في وقتٍ سابق قبل نحو عشر سنوات، أبدع الفلسطينيون حين قرّروا إنشاء مؤسسة لجمع التراث الشعبي، وذكريات وتفاصيل النكبة وما قبلها، ولحفظ الذاكرة الشعبية من الجيل الذي عاصر النكبة واكتوى بنارها، اليوم ثمة ما يستدعي الإقدام على أفكار إبداعية، لا تتوقف عند حدود اليوم الذي وقعت فيه النكبة. في هذا الإطار مطلوب تحصين الوعي الشعبي الجمعي للشباب الفلسطيني، ويكون ذلك من خلال صياغة المناهج التعليمية التي تُدرَّس في المدارس، وإذا كان ذلك غير ممكن على خلفية اتفاقية أوسلو، فإن بالإمكان وضع نشاطات تثقيفية لا منهاجية تستهدف تعريف التلاميذ والطلاب بتاريخ شعبهم وقضيتهم. ثمة نقص فادح في وعي الطلاب لتاريخهم الحديث، حتى لا يظل الأمر يتعلق بالحماسة التي تغلي في الصدور على أساس أخلاقي، أو تنتقل بالوراثة، كما يحصل بالنسبة لاعتناق الأديان، حيث يولد الطفل المسيحي، والمسلم واليهودي، بوراثة دين والديه. وفي مقام آخر، ينبغي أن تجري الحركة الوطنية الفلسطينية تعديلات أساسية حول برامجها، وأولوياتها، فالركض خلف هدف الدولة التي قد يتحقق وقد يتأجّل تحقُّقها، قد لا يلبّي طموحات اللاجئين. اللاجئون خارج فلسطين المحتلة، هم نصف الشعب الفلسطيني، ولكنه نصف مُعطَّل لا دور له، ولا فعل. إذا كان الفلسطينيون يؤمنون حقاً بأن قضيتهم هي قضية العرب الأولى، وهي القضية المركزية، ومحرك التاريخ العربي فإن الفلسطينيين في دول الشتات لا بدّ أن يكون لهم دور سياسي حتى لو أدى ذلك إلى تقاطع هذا الدور مع أدوار الحركات الوطنية القطرية في الدول التي تستضيفهم. لاحظوا أن ستمائة ألف فلسطيني في سورية ـ على سبيل المثال ـ يدفعون ثمن نكبتهم الجديدة، دون أن يكون لهم أي دور فيها. هكذا يمكن التفاؤل بالمستقبل، حين يخوض كل الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده معركته ضد الاحتلال.
الرد على النكبة بالمساواة والاستقلال والعودة
حمادة فراعنة/الأيام
كنا شعباً، من اللاجئين الفقراء نتوسل لقمة العيش والبحث عن فرص الحياة بالعمل والتعليم مصحوبة بفسحة من أمل، وكانت المحاولات الجادة من شعبنا في كافة أماكن تواجده، بقطاع غزة من ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف، ومن سورية أحمد جبريل وفضل شرورو وطلال ناجي، ومن الأردن جورج حبش وبهجت أبو غريبة وطلعت يعقوب، ومن لبنان شفيق الحوت وجلال كعوش، ومن الداخل الفلسطيني اميل حبيبي وتوفيق زياد وتوفيق طوبي وصبري جريس، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم احمد الشقيري ويحيى حمودة وحامد أبو ستة، وغيرهم العشرات من القادة والمتفانين والشهداء الذين لا يتسع المقال أو الذاكرة لذكرهم، حيث كان لهم الفضل الأول في تغيير الصفة لنا، لشعبنا، أمام عدونا أولاً وأمام الأصدقاء الذين تجاوبوا ثانياً، لأن نكون شعباً له عنوان، وعنواننا الأول كان النضال من اجل التحرير والعودة والذي توج عبر التضحيات لأن تكون منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا العربي الفلسطيني مجسدة حقوقه ومعبرة عن تطلعاته، على ارض الواقع، وعلى طاولة الاهتمامات الدولية ولدى الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، وكان ذلك هو الإنجاز الأول.
وكان الإنجاز الثاني عبر الانتفاضة المدنية الباسلة في مناطق 67 العام 1987 التي غيرت قواعد اللعبة وجغرافية الصراع، وانتزعت الاعتراف الإسرائيلي الأميركي العام 1993 بالعناوين الثلاثة : 1- بالشعب الفلسطيني 2- بمنظمة التحرير 3- بالحقوق السياسية المشروعة لشعبنا الفلسطيني، وعلى أرضية هذا الاعتراف تم 1- الانسحاب الاسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية 2- عودة اكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني الى الوطن 3- ولادة السلطة الوطنية باعتبارها المقدمة ومشروع الدولة على أي جزء يندحر عنه الاحتلال، على قاعدة استعادة حقوق شعبنا بشكل تدريجي متعدد المراحل وفق الحل المرحلي الذي صاغته منظمة التحرير واقره المجلس الوطني في دورته الثانية عشرة العام 1974 حتى يومنا هذا، ولا زال هذا هو الحل المنطقي شريطة عدم الإخلال بحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف او التبديد او التلاشي 4- وهذا هو المهم، تم نقل الموضوع الفلسطيني برمته من المنفى الى الوطن، ولم يعد الصراع كما كان قبل أوسلو، أردنياً فلسطينياً، وسورياً فلسطينياً، ولبنانياً فلسطينياً، بصرف النظر عمن يتحمل مسؤولية هذا الصدام العربي العربي أهي القيادة الفلسطينية أو العواصم العربية المتصادمة مع سياسات منظمة التحرير عمان ودمشق وبيروت وبغداد والقاهرة، حيث كان الصراع بين الشقيق وشقيقه داخل جبهة الصديق، ولكن بعد أوسلو انتقل العنوان والقيادة وموازين القوى الى داخل الوطن، حيث بات الصراع واضحاً مكشوفاً بين الشعب الفلسطيني من طرف وعدوه الذي لا عدو له سواه من طرف آخر، إسرائيل التي تحتل ارضنا، ونهبت حقوقنا وتدوس على كرامتنا، والصراع سجال بين إسرائيل وفلسطين حيث لها القوة والتفوق البشري والعسكري والاقتصادي والسياسي والاستخباري والتكنولوجي، ولفلسطين صمود شعبها على ارضه في مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وفي مناطق 67 في الضفة والقدس والقطاع، وعدالة قضيتها وشرعية نضالها وحكمة القيادة الائتلافية التي تقود شعبها.
اما الانحياز الثالث فهو الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة العام 2005 وإزالة قواعد جيش الاحتلال وفكفكة المستوطنات التي تمت بفعل الضربات الموجعة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية وعملياتها ضد الإسرائيليين، رغم الأخطاء المتكررة بالمس بالمدنيين الإسرائيليين التي شوهت شكل ومضمون النضال الفلسطيني أمام العالم وأفقدتنا معسكر السلام والأصدقاء داخل المجتمع الإسرائيلي الذي لا غنى عنه كشريك من اجل المستقبل المشترك للشعبين على الارض الواحدة بالدولة الديمقراطية او بالدولتين المتجاورتين، رغم هذه الخسارة التي يجب استعادتها، سيبقى ترك جيش الاحتلال ومستوطنيه لقطاع غزة عنواناً للإنجاز الفلسطيني على طريقه الطويل لاستعادة كامل حقوق شعبنا وفي طليعتها العودة، والعودة تعني إلى المدن والقرى التي طردنا منها من اللد والرملة ويافا وحيفا وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتنا فيها وعلى ارضها.
حق العودة، إلى جانب المساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، اخلت به مبادرة السلام العربية بدون تضليل وادعاء بالتمسك بالحقوق الثابتة، فقد قبلت المبادرة العربية بحل مشكلة اللاجئين بالموافقة الإسرائيلية، وهو تنازل مجاني مسبق عن حق العودة وفق القرار 194 المتضمن ثلاثة حقوق أولها عودة اللاجئين الى وطنهم في مناطق 48، وثانيها استعادة ممتلكاتهم التي نهبتها الدولة العبرية وصادرتها، وثالثها التعويض على الجرائم والانتهاكات والجوع والتشرد الذي عانى منه الشعب الفلسطيني منذ نكبته حتى اليوم، أما التنازل المجاني الثاني الذي قدمته المبادرة العربية فهو ما يسمى بالتبادلية، وهو أيضاً تنازل مسبق رد عليه نتنياهو بعدم الشكر وعدم التقدير والمطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وهذا يعني أولاً المساس بحقوق خمس سكان إسرائيل من الفلسطينيين العرب على انهم ليسوا مواطنين في وطنهم في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ويعني ثانياً عدم عودة اللاجئين الى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وبئر السبع التي طردوا منها، وما زالت كواشينهم معهم ومفاتيح بيوتهم بحوزتهم.
لتبق النكبة شعاراً رديفاً للعودة، مهما طال الوقت وتعسف الواقع، ولا زلنا في العام 65 للنكبة، وسنعود وصوت شعبنا في فلسطين يقول:
اولاً : نجوع، نعرى، نتحدى، ننشر الإشعار، ونملا الشوارع الغضاب بالمظاهرات، ونملا السجون كبرياء، ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل، انا هنا باقون، فلتشربوا البحرا، ونأكل التراب ان جعنا، ولا نرحل، هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل . لاننا هنا باقون، في اللد والرملة والجليل، هنا على صدوركم باقون كالجدار، في حلوقكم، كقطعة الزجاج، كالصبار، وفي عيونكم، زوبعة من نار.
وثانياً نقول لعدونا: اخرجوا من أرضنا، من برنا، من بحرنا، من قمحنا، من ملحنا، من جرحنا، من كل شيء، واخرجوا، من ذكريات الذاكرة.
النكبة المتجدّدة
د. عبد المجيد سويلم/الأيام
إذا أردنا الحديث عن ذكرى النكبة بطريقة تعكس الإحساس بالمسؤولية الوطنية لما جرى لشعبنا قبل أكثر من ستة عقود ونصف علينا أن نغادر المساحة التي تحولت إلى ميدان "احتفالي" نحو ميدان جديد.
إحياء ذكرى النكبة على طريقة أعياد الميلاد، وعلى طريقة احتفالات الانطلاقات والبقاء هناك وفي ذات المساحة والميدان على مدار تتالي السنوات والعقود ليس مؤشراً على حالة صحية بالضرورة.
خمسة وستون عاماً مرّت ظل شعبنا يحيي هذه الذكرى كعنوان للتمسك بحقوقه وأهدافه الوطنية وكعنوان على وحدته في صيانة الهوية الوطنية وحماية مشروعه التحرّري. أي أنه بقدر ما كان يحيي شعبنا ذكرى النكبة بالتلازم مع عمله المثابر باتجاه تطوير وحدته وباتجاه خلق أدواته الكفاحية وتوطيد وتعزيز مكانته في مواجهة المشروع الصهيوني فإنه (أي الشعب الفلسطيني) كان يزاوج في الواقع ما بين ماضيه الذي حلت خلاله النكبة وحاضره الذي هو التجسيد المعاش والمعاناة التي ترتبت عليها وما بين ما يطمح له ويصبو إليه في المستقبل.
إن معادلة الربط البطولي بين الماضي والحاضر والمستقبل هو معيار تحول إحياء الذكرى من نوستلجية إلى حالة كفاحية، وهو معيار الانتقال الفعّال من التذكّر إلى التفكّر.
إذا أمعنا النظر اليوم في الواقع الوطني فإن إحياء الذكرى الخامسة والستين للنكبة ليس بمستوى الأخطار المحدقة بالمشروع الوطني.
حالة الانقسام ليست مجرّد حادثة أليمة في التاريخ الفلسطيني المعاش. وهي ليست مجرد خلاف أو اختلاف سياسي أو غيره وهي أخطر من انشقاق أو حتى تصدع أو ثغرة في جدار الصمود الوطني.
حالة الانقسام القائمة اليوم أخطر وأبعد وأعمق من هذا كله. حالة الانقسام في أحد أهم تعريفاتها هي تلك الحالة التي حوّلت الخلاف والاختلاف الطبيعي والموضوعي في الإطار الوطني الجامع من حالة تعايشية إلى حالة تدميرية، ومن حالة صحية في بعض المظاهر والتجليات إلى حالة مرضية قاتلة، ومن حالة سياسية إلى حالة اجتماعية وثقافية، ومن حالة فصل جغرافي قسري إلى حالة انفصال جغرافي وسياسي ذاتي.
بمعنى آخر تحولت حالة الانقسام من "تمزيق" و"تشتيت" مفروض من الاحتلال ووسيلة من وسائله إلى مصالح وأهداف ذاتية وبأدوات فلسطينية وأصبح الانقسام حالة "موضوعية" في مواجهة الوحدة وفي مواجهة الهوية وفي مواجهة المشروع الوطني التحرري للشعب الفلسطيني. هذه هي المعالم الرئيسية للنكبة المتجددة وهذه هي المرحلة الفاصلة ما بين النكبة القديمة والنكبة الجديدة.
إحياء ذكرى النكبة القديمة بدون التلازم التام مع أدوات تصفية واقع الانقسام القائم اليوم تحوِّل هذا الإحياء إلى حالة انفصامية بل وربما إلى ما هو أبعد من ذلك.
حالة الانقسام اليوم تتكرس ليس فقط من خلال المراوغة والمماطلة والتسويف في اتخاذ الخطوات الجادة باتجاه إنهاء الانقسام وإنما ـ وهذا هو الأخطر والأهمّ ـ من خلال سنّ القوانين واستقبال الأمراء والرؤساء والمشايخ والعلماء، بل والتطاول على وحدة وشرعية ووحدانية التمثيل وهي تتجسّد اليوم في القرارات والسياسات والتعليمات التي تحوّل الوحدة أو إعادة الوحدة إلى نوع من المستحيل أو تحويل الوحدة أو إعادة الوحدة ليس أكثر من تكريس (متفق عليه) للانفصال التام من الناحية الواقعية.
والسؤال الذي يدور في عقل الشعب الفلسطيني اليوم ليس سؤال إنهاء الانقسام (إذ لم يعد يصدق أن إنهاء الانقسام ما زال ممكناً) وإنما سؤال الكيفية التي من خلالها يمكن أن "نحافظ" على درجة من الانسجام الوطني توازي نفس الدرجة من الانقسام الوطني.
بمعنى آخر نحن نبحث اليوم عن حلول انقسامية من حيث الجوهر لإنهاء انقسام يضرب جوهر أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني، وعن حلول تتساوق من حيث الجوهر مع المشروع الصهيوني وتتناقض بصورة جوهرية مع المصالح الوطنية الفلسطينية.
والمفارقة المفزعة والانفصام القائم هو أننا لم نعد ندرك، أو أننا لم نعد ننتبه بما يكفي من ضرورة الانتباه إلى أن النكبة الجديدة أصبحت وتحولت إلى أداة (شرعية) لتصفية الحقوق الوطنية التي ترتبت على كل تضحيات شعبنا في مواجهة تبعات النكبة القديمة.
أي أن الانقسام في الواقع القائم اليوم هو المدخل الإسرائيلي المباشر لتصفية القضية الفلسطينية وهي الوسيلة الإسرائيلية الأنجع لإنجاز الحلم الصهيوني في تحويل أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني من حقوق وأهداف وطنية جامعة وشاملة وكذلك عن هوية وطنية تحررية واحدة إلى مكاسب محلية أو مناطقية واحتياجات اقتصادية واجتماعية لتجمعات فلسطينية مختلفة ومنقسمة ومتناحرة إذا أمكن، وإلى هويات دينية أو اجتماعية أو حتى سياسية متناقضة أو متعارضة.
إن معيار الفعالية لإحياء ذكرى النكبة الأولى هو ـ في هذه المرحلة ـ درجة الضغوط التي يجب أن يقوم بها الشعب في مواجهة أخطار النكبة الثانية. وشعبنا في نهاية المطاف الذي اجترح المعجزات في مواجهة ما ترتّب على النكبة الأولى سيتمكن من تصفية ركائز النكبة الثانية وأخطارها وقبل أن يتمكن الانقساميون من هويتنا وحقوقنا وأهدافنا وقبل أن يدفنوا تضحيات شعبنا. المهم أن لا ندفع ثمناً أكبر من الثمن الذي دفعناه في النكبة الأولى لإنهاء النكبة الثانية.
حياتنا - حيونة
حافظ البرغوثي/الحياة الجديدة
في مملكة الحيوان، الخروف لا يصبح ملكا .. هذه العبارة التي وضعها مدرس مصري في فحص الترجمة بالانجليزية عرضته للمساءلة من ادارة المدرسة وكبار المسؤولين من جماعة الاخوان المسلمين بحجة ان السؤال مسيس وان أهداف المدرس سياسية وانه يقصد كذا ومذا ويطال كبير القوم مع ان هذا التفسير لم يخطر على بال المدرس المسكين. صحيح ان بعض الطلبة في مصر وغيرها ينتقدون نظام الحكم في أجوبتهم لكن لا يجوز التدقيق في كل كلمة وارجاعها الى انها سياسية ومعاقبة كاتبها، لأن من يتضايق من كلمة هو هشّ وضعيف وغير واثق من نفسه ولعل الانتقاد داخل المدارس المصرية وصل درجات قصوى في وجه عملية غسل الدماغ التي يمارسها الاخوان والمدرسون الذين يعينونهم للترويج للجماعة، حيث تم الغاء مادة عن تاريخ الاخوان الارهابي في كلية الشرطة وتجري محاولة لفرض الرواية الاخوانية عن تاريخ الاخوان في المدارس وتدريس تاريخ حسن البنا، وكما حدث في غزة فان التاريخ الفلسطيني يبدأ مع ظهور حركة حماس وما قبل ذلك هرطقة وزندقة وبندقة، وسقط النظام المصري في الفخ نفسه عندما احتفل الاخوان فقط بذكرى حرب اكتوبر في استاد رياضي وغاب عنه صانعو النصر من الضباط المصريين وحضره من قتل السادات ايضا وهذه مصيبة، كما ان المدرسين المنتمين لحماس عندنا يروجون لها في المدارس حتى في الاسئلة، ففي غزة وضع احدهم سؤالا في امتحان أقحم فيه اسماعيل هنية دون مبرر، حيث ورد في السؤال قبل سنوات اذا كانت الساعة في بغداد الواقعة على خط عرض كذا هي العاشرة صباحا عندما كان رئيس الوزراء اسماعيل هنية يتفقد مدرسة في غزة الواقعة على خط عرض وطول كذا وكذا فكم تكون الساعة في غزة؟ فما علاقة الطول والعرض في هنية وهل هو مخترع الجغرافيا والرياضيات؟.
زمن جديد ومعايير جديدة !!!
يحيى رباح/الحياة الجديدة
خطاب الرئيس ابو مازن في الذكرى الخامسة والستين من نكبة الفلسطينيين، كان خطابا شاملا وعميقا وهادئا، وقد لاحظ بحس سياسي مكثف بعض الظواهر التي لا يمكن المرور عليها دون التفات عميق، مثل مساحة الحضور الوطني، وعمق الوعي الوطني لدى شعبنا في الوطن والشتات، لدرجة يمكن معها القول ان هذا الحضور الوطني في المشهد السياسي والثقافي واليومي، يفوق بمراحل كثيرة السقوف الفصائلية، وان الشعور العالي والمكثف بالذات الوطنية يفوق بمراحل حدود الانتماء الفصائلي.
وهذا امر طبيعي جدا :
لان المشترك الوطني بين الفلسطينيين المزروعين في ارض وطنهم التاريخي فلسطين، ومهما اختلفت الصيغ القانونية التي يعيشون في ظلها في الضفة والقطاع والقدس وداخل الخط الاخضر، وكذلك الفلسطينيون في الشتات القريب والبعيد، هذا المشترك الوطني اوسع كثيرا وأعمق جذورا وثباتا من المشتركات الايدلوجية المتحركة باستمرار، والمتحولة باستمرار، والتي تهرب عادة الى العموميات الغامضة التي يحتدم الخلاف حولها مثلما تفعل حركات الاسلام السياسي الان، التي وصل بها الهروب والتحول والتناقض والانقلاب على الذات، الى حد المجاهرة بانتظار الغوث من اعدائها التاريخيين بالغرب والشرق !!! او حتى التساوق مع اسرائيل نفسها، مثلما في تجربة الانقسام الفلسطيني، او اعطاء شرعية والترحيب بقيام اسرائيل بقصف عاصمة عربية عريقة وهي دمشق قبل ايام.
علامات هذا الحضور الوطني الفلسطيني، القائم على عمق الوعي والإحساس الكثيف بالذات الوطنية، هي علامات كثيرة ومتجددة، وهي التي تملأ الفراغ وليس صراخ الشعارات البلهاء !!!وقد سجلت في اوراقي بعضا من هذه العلامات بالفترة الاخيرة، مثل الانتفاضة المدهشة التي عبرت عنها الضفة ابان حرب الايام الثمانية التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة من الرابع عشر وحتى الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي، والالتفاف الوطني الواسع النطاق حول الرئيس ابو مازن بصفته راس الشرعية الفلسطينية من خلال حضوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية نوفمبر، ثم ذلك الحضور الخارق للشعب في قطاع غزة في مهرجان غزة الفتحاوي، حيث لم يكن المهرجان الظاهرة جهدا فتحاويا فقط بل كان حالة وطنية ناهضة بامتياز !!! وهذا الوقوف الشامل المثير للاعتزاز للفلسطينيين في وطنهم وفي شتاتهم مع النجم محمد عساف وصعوده في برنامج عرب ايدول الشهير، وكثافة الفعاليات التي تنطلق هذا العام في ذكرى النكبة، وخفوت صوت الشعارات الدينية واليسارية في فلسطين تحديدا –رغم صراخها العالي نسبيا في مناطق اخرى – لان الوعي الجمعي في فلسطين ينتبه اكثر الى الانجاز الوطني المحسوس وليس للوعود المعلقة في الغيب والمثيرة للخلاف الجدي.
ويمكن ان نسجل هنا الانكشاف المريع الذي بدأت تعاني منه فصائل الاسلام السياسي في هذه الايام قد بدا اوضح ما يكون في فلسطين، وان كان هذا الانكشاف قد بدا يظهر اكثر وأكثر في مصر وسوريا وليبيا وتونس، لان الاحساس بالوطنية بدا يستعيد بعض تجلياته على انقاض الفشل والخواء الذي تعاني منه فصائل العمل الاسلامي، وخاصة ان الوعي المتزايد الان لدى الاغلبيات يرى ان الخطأ من الاعداء التقليديين يستهدف الدولة الوطنية والقومية، وان الاسلام السياسي بقفزه فوق ضرورات الدولة الوطنية والقومية انما يتساوق الى حد التآمر المقصود مع الاعداء الذين يريدون تقويض هذه الشعوب ودولها الوطنية والقومية.
هذا التحول لم يأت من فراغ، وانما جاء نتيجة تجارب قاسية، ونتيجة الوعي المتزايد بان الضرورات الوطنية قد لا تسعفها السقوف الفصائلية الضيقة وخاصة سقوط فصائل الاسلام السياسي.
ومن الطبيعي ان هذا التحول سيفرض معاييره، فإذا لم يكن المناضلون السياسيون في الفصائل قادرين على رؤية هذه المعايير الجديدة، واستيعابها والسير في ركابها واعتمادها في حياتهم، فسوف يجدون انفسهم اكثر وأكثر خارج السياقات الفاعلة والمقررة !!!
حضور وحيوية القضية في زمن الاشتباك الاصعب، لم يأت من خلال عبادة النصوص القديمة، والمحرمات الفارغة، ولا من الانظمة الداخلية التي تحكم الفصائل وقد انتهى زمانها وأصبحت كالصلوات التي تتلى في المعابد بلغات لم يعد يتحدث بها احد !!!
حضور وحيوية القضية الفلسطينية ياتي من القدرة على التعاطي ،من شجاعة المحاولة، من فلسفة خوض الغمار الخطرة وليس الوقوف على الشاطئ البعيد للنهر وتلاوة التعاويذ للرقية !!!
عندما انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، كانت المحاذير قليلة جدا ،وكانت المبادرات والمحاولات والإبداعات هي الاساس، ولذلك فان الثورة استقطبت الكل الفلسطيني، لان الكل الفلسطيني وجد نفسه فيها، ووجد انه قادر على الحصول على بطاقة حضور لفكرته، لرؤيته الابداعية !!! ولكن كل ذلك هبط وركد وتلاشى عندما اصبحت النصوص اهم من الواقع ، وعندما اصبح الخوف من المحاولة هو سيد الموقف !!!
الان وشعبنا يعي ذاته الوطنية، يشعر بها، يعتز بها، يراها شرطا لوجود هذه الامة، وشرطا لحيوية المنطقة ،فان معايير العمل السياسي يجب ان تتغير الى مزيد التفاعل الشجاع، اما قوائم المحرمات والممنوعات والمخوفات فلم تعد ذات قيمة لدى شعب يؤمن اكثر انه يستحق الحياة.
النكبة
بهاء رحال/الحياة الجديدة
خمسة وستون عاماً ولم يتوقف الوجع ولم يرحل الاحتلال ولم تستكن الدمعة في قلوبنا ولم ينتصر العالم للحق ولم ينصف الضحية يوماً، بل ظل منتصراً للجاني والقاتل والظالم وظل حاضناً للاحتلال وفكرهِ وداعماً لسياساته العنصرية والاستيطانية وممارساته التي قامت على نظرية اقتلاع شعب كامل من ارضه ووطنه، وما زال هذا العالم شريكاً بالجريمة الكبرى منذ أن أسقط هذا الكيان علينا وعلى أرضنا وارتكب أكبر جريمة في التاريخ فاقتلع شعبا بأكمله وشرده الى المنافي والشتات في هجرة هي الأكبر والأوسع في التاريخ المعاصر وما زال حتى يومنا هذا وبعد خمسة وستين عاماً يرتب للجاني مكانته ويزيد من القهر والظلم على الضحية، وما زال يسخر للاحتلال كل أدوات الدعم ويقدم له برخاء ما يشاء ويصنع له مبرراته الكاذبة في الوجود، بينما يرمينا نحن الضحية بكل أسباب الموت استمراراً منه لذات النهج الذي اتبعته تلك الدول التي كانت تتخذ من فلسطين مستعمرة لها وهو التطهير العرقي والحضاري والإنساني لشعب كامل وسرقة تاريخه وتراثه وترحيله الى مخيمات اللجوء والشتات بعد ان اغتصبت العصابات الصهيونية والانجليزية البيوت والحقول والمزارع، وبعد أن سيطرت على المدن والقرى والسواحل فاجتث شعب كامل وطرد الى غياهب اللجوء والمنفى واستوردوا قطعان المستوطنين الاغراب ليسكنوا الارض بقوة السلاح وهمجية الاحتلال وبغطاء دولي عالمي عاهر.
الخامس عشر من أيار، يوم النكبة ويوم الهجرة ويوم الترحيل ألقصري واجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، من مدنه وقراه التي دمرتها مجموعات الهاجاناة وشتيرن وغيرها من المجموعات الصهيونية النازية التي قامت بطرد السكان بقوة السلاح والقتل المباح وسفك الدماء بما امتلكوا من قوة وعتاد، وقد ارتكبوا عشرات المذابح والمجازر بحق المواطنين أصحاب الأرض التي حرقوها واستباحوها بكافة الوسائل وكان ما كان من هجرة شعب بأكمله وسط حالة من الصمت العالمي وذهول من الجيوش العربية آنذاك التي تقهقرت أمام اكبر عملية سرقة في التاريخ، أمام اكبر عملية إجرامية عرفتها البشرية ومع سبق الإصرار والترصد وبتعهدات أصدرتها الدول الغربية المستترة بغطاء الحضارة والديمقراطية والقيم السمحة، حيث وفرت لهذه المجموعات المجرمة الغطاء وسهلت عمليات الاستيطان بأرض ليست لهم وليست من حقهم ولن تكون.
خمسة وستون عاماً هي دورة الزمان الفلسطيني المنكسر على جدران النكبة والتي نقف في حضرتها بحزننا وجرحنا، نحلم ببرتقال يافا وكرمل حيفا وناصرة القيامة وبحر عكا ونحلم بذكرياتنا الحاضرة هناك وتاريخ أجدادنا الباقي شاهداً على حقنا المغتصب، حقاً أبدياً لا يسقط ولا يُنسى مع تقادم الزمن كما كانت أمنيات الاحتلال تقول وقد عبروا عنها بمقولتهم الشهيرة (الكبار يموتون والصغار ينسون).
خمسة وستون عاماً ولم ننس نسيم هوائك ألدافئ لم ننس نشيد الحياة فيك يا فلسطين، ونحن نستذكرك وأنتِ الحاضرة فينا بألم وحسرة وانكسارنا أمامك طالما بقينا بعيدين عنك حتى نعود لتعود الحياة فينا وتعود الحياة فيكِ وينصرف كل العابرين.
هدوء الى حين...ربما
محمود ابو الهيجاء/الحياة الجديدة
في كل تفاصيل اجتماعات مجلس شورى حماس ومكتبها السياسي المنشورة هنا في « الحياة الجديدة» امس الاول نقلا عن مصادر خاصة، في كل هذه التفاصيل لم اقرأ شيئا عن هموم وانشغالات حماس والاخوان المسلمين بالشريعة وقضايا الدين الدعوية، لم يكن هناك غير الحزب السياسي بانشغالاته البراغماتية وهمومه السلطوية التي اولى ضحاياها المقاومة كما اعترف بوضوح مرير « عماد العلمي « والذي اكد مجددا انه لا يمكن الجمع بين الحكم والمقاومة، برغم ان تعابير اللغة كما قال تخدم خالد مشعل في المزاوجة بينهما....!! اكثر من ذلك فان التوليفات التي خرجت بها هذه الاجتماعات لم تكن ابنة قرارات حمساوية تماما، بل اخوانية بالباع الطويل لمرشد الاخوان في مصر وقيادات اخرى اقليمية، وبصياغات قطرية للمكتب السياسي والتي كتمت خلافات هذا المكتب بتوليفة قهرية على هذا النحو او ذاك، ولغايات واهداف سياسية وسلطوية لا علاقة لها بالمقاومة لا من بعيد ولا من قريب، ولأن تجربة الاخوان المسلمين في الحكم سواء في مصر او تونس تتعرض لخطر الحتمية التاريخية التي تشير الى نهايتها الدرامية المحتلمة، فأنه من الخطورة بمكان تفجر الخلافات في اللحظة الراهنة داخل حماس، ولهذا جاءت مخرجات هذه الاجتماعات على هذا النحو الخالي من ما يمكن ان نسميه التقوى السياسية وحتى الوطنية، ولهذا يمكن ان نقرأ ايضا في تلك التفاصيل ان الهدوء الراهن للمكتب السياسي لحركة حماس هو هدوء الى حين...!! وفي ظني ان المصالحة الوطنية اذا ما نجحت بانهاء الانقسام وهذا يتطلب اولا النوايا السليمة، الحمساوية بصفة عامة، فان ذلك الهدوء يمكن ان يعيد صياغة المكتب السياسي على نحو اكثر وطنية، ولربما سيرى التيار الايراني داخل حماس عبث التلاعب بالمصالح الفلسطينية لصالح طهران، وخطورة هذا التلاعب حتى على مستقبله الشخصي، ودون هذه الرؤية فان ذلك الهدوء سيتحول الى صخب علني مكلف، لا نريده بروحنا الوطنية، لحركة حماس ابدا.
ثلاثة أشهر وأزمنة متشابهة
عدلي صادق/الحياة الجديدة
يتجدد رجاؤنا كلما أعلن المبشرون عن مصالحة وشيكة. وتختلط مع كل رجاء، مظنة الخيبة والنكوص، ذلك لأن أيامنا لن تكون إلا من نسيج دُنيانا. فلا شيء مبشراً، في هذه الأيام، لا في المواقف الفلسطينية على طرفي الخصومة، ولا في الممارسات. كان آخر السجالات يتعلق بزيارة القرضاوي الى غزة. ثم إن معالجات المتدخلين، في العالم العربي، ظلت تنحو الى حل بمنطق التعرض لمظهر الخصومة وانقسام الكيانية الفلسطينية، كنتيجة، وليس بمنطق أسبابها السياسية على الأقل. لم يُعن طرف متدخل، بقول كلمة حق في الأسباب أو الذرائع الأولى للخصومة، من حيث هي اختلاف في مناهج العمل الوطني. إن ما انتهى اليه حالنا، ينم عن انسداد أمام طرفي الخصومة أو منهجيهما. ولا فلاح دون أن يجتمع الفلسطينيون وأن يتوافقوا على صيغة للنجاة واستجماع عناصر القوة والإرادة، والقدرة على الصمود في وجه رياح عاتية. فالقائلون بـ "برنامج" المقاومة المسلحة، لا يقاومون، ولعلهم اقتنعوا بانسداد الأفق، دون أن يتبدل خطابهم أو يتواضع مؤكداً أن للنضال الوطني أشكالاً وأبواباً عدة، إن أغلق واحدٌ منها لأسباب موضوعية، كان غيره مفتوحاً. والقائلون بوجاهة التسوية، أعيتهم المحاولة لايجاد الشريك، وبات أفقهم مسدوداً، دون أن يتبدل خطابهم أو يُنقّح لكي يعكس عزماً على تصليب بُنية الكيانية الوطنية، واستعادة مرجعياتها القانونية والدستورية، واستحضار وسائل وآليات الرقابة، وفلسفة العمل العام التي تلائم ظروفنا الصعبة.
ثلاثة أشهر، هي المدى الزمني للوعد الجديد. غير أن التفصيلات الكثيرة، التي تمثل المشكلة، ما زالت عصيّة على الأمنيات. للنظام السياسي الفلسطيني الرسمي والشرعي، شروطه ومواصفاته. ولكيانية "حماس" منحاها ورجاؤها واندفاعها على خط تعميق الحال الراهنة. والحمساويون بشكل عام، متفقون على كل شيء، منقسمون حول كيفية المضي في المصالحة، وهي عندهم صيغ لأجوبة متغايرة، ذات بطون: كيف يرمون المعنى الآخر، في أحشاء العبارة الحميدة ظاهرياً، وكيف يتحايلون على الضغوط، لا سيما وأن مؤيديهم في الإقليم، يقومون على دول ذات سيادة، ولها تعاقدات، وملتزمة بسياسات موصولة بإرادات أصدقائها الكبار.
ثلاثة أشهر، ووعد بأن يهبط الحل على خيمتي الخصومة. ليس ثمة ما يُقاس به أو يُقاس عليه، لكي نعرف ماذا ينتظرنا. كيف سنتجاوز مصاعب تشكيل الحكومة؟ وإن اتفقنا كيف سنتجاوز إشكاليات ومصاعب عمل هذه الحكومة؟. هنا تُلح فكرة السياسة. ففي مثل هذه الأزمات، لن يتأسس شيء دون استراتيجية عمل سياسي ووطني واحدة، تقابل استراتيجية المحتلين الواحدة!
ما تزال أيامنا متشابهة، تؤكد على تشابهها لغتنا اليومية. نحن مقتنعون أن الكيان الفلسطيني لن يقوم بأحادية الأيديولوجيا. الكيانات، بطبيعتها، وُجدت لكي تجمع كل الاجتهادات والقوى دون غلبة لواحد منها على المجتمع والدولة. وإن كان هذا ينطبق على الدول المستقلة، فإنه بالنسبة لنا، شرط وجود وفاعلية لا محيد عنه. إن النضال الوطني الفلسطيني، هو مأثرة المجتمع صاحب مشروع الاستقلال والحرية. لسنا في نزهة، ولا تحتمل أوقاتنا ترف الآيديولوجيا ولا المزاودات. ففي ذكرى النكبة، نؤكد على أن ما يلائمنا، هو أن نخطو، في سياق طويل مضاد، للسياق الذي قطعته الحركة الصهيونية منذ العشرية الأخيرة من القرن التاسع عشر. تلك الصهيونية، في أطوارها المبكرة، لم تحرق أية مرحلة، ولم تُلق ما في بطنها، إلا كلما بدا أن الواقع يساعدها. ولعل أبلغ ما في ذكرى النكبة، هو أن فلسطين ستظل، على مر السنين، كحبة قمح وجدت في محاذاة مومياء مصرية، عندما حملها الآثاريون، الى النور والشمس والتربة الملائمة، فارقت زمنها الراكد وأنتجت سبع سنابل!
على السياسة، يقوم برنامج عملنا الوطني. وهذا درس لا يستوعبه الراغبون في حكم "إمارة" صغيرة يسمونها "ربانية". ولكي ينشأ البرنامج، لا بد من مواجهة مع تفصيلات الخصومة وممارساتها، وهذا ما لا تنبئ به أيامنا المتشابهة!
مشكلة فتح مع فتح
د. سفيان ابو زايدة/وكالة معا،وكالة سما
قبل يومين في ساعات ماقبل الفجر اقدم مسلحون على اطلاق النار على سيارة النائب في المجلس التشريعي و امين سر سابق لقيادة الساحة في قطاع غزة و احد القيادات البارزة لحركة فتح الاخ ماجد ابو شمالة. الذين اطلقوا الرصاص على السيارة و الذين ليسوا سوى منفذين للاوامر لم يبدوا من خلال سلوكهم انهم كانوا في حالة خوف او ارتباك حيث بعد ان تم افراغ اربعة عشر رصاصة في السيارة احتفل المنفذون بنجاح مهمتهم من خلال اطلاق صلية في الهواء من سلاح رشاش للتأكد من ان الجميع قد سمع صوت الرصاصات التي مزقت صمت حي الطيرة الهادئ قبل ان يعودوا الى قواعدهم بسلام.
الغريب في الامر انه و على الرغم من المكانه الاعتبارية للنائب ابو شمالة كعضو في المجلس التشريعي عن حركة فتح و على الرغم من مكانته في الحركة الا ان ردود الافعال تكاد تكون معدومة من قبل الحركة التي ينتمي لها و افنى حياته من اجلها. سوى ما اصدرته الكتل البرلمانية و كتلة فتح في المجلس التشريعي من بيان استنكار، حركة فتح و مؤسساتها بمختلف مستوياتها لم تنطق بكلمة و احدة . الاجهزة الامنية و من خلال ناطقها الرسمي او اي من متحدثيها لم ينطق بكلمة واحدة ايضا تعقيبا او تفسيرا او استنكارا لما حدث، و اسجل اعتذاري سلفا اذا قالوا شيئ و لم اراه او اسمعه.
لكم ان تتخيلوا لو ان من تعرض الى اطلاق النار ليس النائب ماجد ابو شمالة، بل قيادي او شخصية اخرى من القربين الى بلاط السلطان، كم بيان شجب و استنكار يحمل اشد العبارات التي ستتحدث عن الفلتان الامني و العصابات التي تريد ان تزرع الفوضى و تقوض الامن في البلد، اصحاب الاجندات الخارجية و عملاء الاحتلال. كم شخص سيتم اعتقاله و التحقيق معه ؟. تعرض نائب و قائد في فتح من لون ابو شمالة على ما يبدوا لا يستحق في هذا الزمن حتى التوقف عنده و لو ببيان شجب و استنكار حتى من باب تبرئة العتب.
على اية حال، كثيرون يسألونني ما الذي حدث لكي يستوجب القيام بهذا العمل الرخيص و الجبان؟ و من هي الجهة التي تقف خلف هذا السلوك الذي يعبر عن انحطاط في التفكير؟ و هل ما حدث مع النائب ماجد ابو شمالة له علاقة باحداث مشابهه حدثت في غزة ضد كوادر من حركة فتح؟ هل هذا له علاقة بدحلان و جماعته على اعتبار ان النائب ابو شمالة يعتبر من المقربين له؟ اسئلة كثيرة و جميعها مشروعه لان ما حدث يستحق التوقف عنده و محاولة فهمه و تفسيرة.
لم يحدث اي شيئ شخصي مع النائب ابو شمالة او مع اي من اصدقائة او المقربين منه. لم يطالبه احد بحق ولم يدعى عليه بشيئ. مما يعني ان ما حدث معه فقط يمكن وضعه في سياق واحد ووحيد وهو مواقفه و علاقاته ونشاطاته التنظيمية وعمله كنائب في المجلس التشريعي التي على ما يبدوا لا تروق للبعض.
ليس هناك خطر خارجي يهدد حركة فتح يمكن ان يقضي عليها. لقد خاضت الحركة اقسى المعارك و ان لم تنتصر فيها خرجت منها بسلام او على الاقل بأقل الخسائر الممكنه. لسبب بسيط و هو حرص قيادة الحركة و على رأسهم الرئيس الخالد ياسر عرفات على وحدة الحركة و تماسكها و عدم التخلي عن قانون المحبة التي كان يحكم العلاقة بين ابناءها.
الخطر الحقيقي الذي تواجهه الحركة هو في غياب هذا القانون الذي على ما يبدوا لم يعد يعني شيئ بالنسبة للبعض بعد ان تم استبداله بقانون العزل و الاقصاء. ديدن حركة فتح في لملمة ابناءها وزرع المحبة و الالفة في قلوبهم تماما مثل الام الحنون التي آخر ما تفكر به هو ان تسيطر عليهم بمنطق فرق تسد. حركة فتح لم تكن يوما من الايام حزب يعتمد على الصرامة و الالتزام الحديدي وسحق كل من يختلف معها من ابناءها. لقد عشنا و ترعرعنا في هذه الحركة في ظل وجود آراء و تيارات فكرية مختلفة.
هناك حديث كثير يتردد هذه الايام عن التجنح و المتجنحين في هذه الحركة و ضرورة اتخاذ اجراءات بحقهم. سأكون سعيد جدا اذا ما شرح لي احد من هؤلاء ماذا تعني كلمة تجنح و من هم المتجنحين و كيف تجنحوا. لماذا يبقى الحديث في الكواليس. هناك اطر حركية و لجنة مركزية و محكمة حركية بأمكان كل من يعتقد ان هناك من يمارس اي عمل يتناقض مع قوانين الحركة و انظمتها و اهدافها ان يتوجه الى المؤسسات الحركية و تقديم ما لديه من ادلة و اثباتات.
الضعيف بمنطقة و المفتري في سلوكه على الاخرين هو الذي يخشى من المواجهه و يخشى من قول كلمة الحق في العلن. الضعيف فقط هو من يستغل الظروف و الصلاحيات و المنصب للاستقواء على ابناء حركته. هذا هو التجنح بعينه.
التجنح ان يُقدم شخص بلا تاريخ في هذه الحركة و من اولئك الذين نزلوا عليها بالبرشوت بنشر صورة على الفيس بوك لعضو في المجلس التشريعي و احد القيادات البارزة في هذا الوطن بعد دبلجتها وهو يقبل يد امراءة فلسطينية في احدى المخيمات بكل محبة و تواضع و يستبدلها بصورة كوندليزا رايس بدون خجل او استحياء بهدف الاساءة و التشوية.
التجنح هو الاعتداء على كرامات اعضاء الحركة وتوجيه الاتهامات لهم و التنكيل بسمعتهم و التعدي على خصوصياتهم دون وجه حق.
ما حدث مع النائب ابو شمالة، لم يكن حدثا عابرا، كان رسالة واضحة ليس فقط له ، لكنها رسالة الضعفاء و الجبناء ، رسالة غريبة عن قيم فتح و مبادئها و اخلاقها. هذا النهج و هذا السلوك هو الذي سيدمر فتح من داخلها. من يستقوي على ابناء فتح بهذا السلوك و هذا الاسلوب على ما يبدوا لم يدفع كثيرا في رأس مال هذه الحركة و هو بالتأكيد لن يهمه كثيرا مستقبلها.
لوْ لم تحْدُث النكْبَة
مجد إسماعيل أبو سلامة/وكالة معا
لوْ لم تحْدُث النكْبَة ، لما كان لنطْق التواريخ "1,9,4,8" غصّة تَحرق أحْبالي الصوتية ويصْدر عنْها نشازًا وطنيًا
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما شعرْتُ بِالخيْبة على إخفاقاتنا وزلّاتنا الوطنية في حصّة الجُغْرافيا عندما نعرِض حُدود فلسْطين على الخريطة الصمّاء ، وما نفْع التحدّث عَن الحُدود إذا تجاوَزْناها
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما اضْطررنا لنضَع كوْماتٍ من القُطنِ الأبْيض في آذاننا لكي لا نسْمع ولو صدى خِطابات السياسيين الركِيكة
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما كنَا على موْعد من كلَّ ذكرى بالمهْرجانات الطنّانة ، وصَف الكلِمات الإنْشائية ، واسْتعراض القُوى فى فصاحَة اللغة والتعْبير
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما انْكِتب بطينِ أجْسَامنا على جَبهاتنا بالخَط الأحْمر العرِيض مصْطَلح لاجِئين" " وأصْبح كأنّه علامَة جوْدة فِلسطينية مع أنّه علامَة نكْبويّة
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما أصْبَح لرغِيف الوَطن المخْبوزِ على الطابُون مَذاق مُقدّس من أجْود أنواع خُبْز الغُرْبة
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما كان لِرائحة الزَعْتر والزيْت والزيْتُون عَبقٌ تاريخي مُتجذّر كالبصْمة فينا
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، كنْت كلّما اشتَهيْت أن أُحلّي فَمي بكنافة نابُلْسية معْتبرة أذْهب لنابْلس
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لأوْقفت بدون تردُد فى منطقة الوعي أو اللا وعِي تاكْسي من على بابِ بيتنا في غزّة وقلْت للسّائق : ع رامَ الله ؟ ، وردّ : اركَبي ، ولم يطْرأ على تفْكيره أي ّ علامات استفهام مِن طرْح السُؤال أو مِن خوْف مرْتقب بل محتّم لاعْتراض طريقِه أي حَواجز اسْرائيلية توْدي بحياته لسجْن نفْحة أو عوفر أو بتاح تِكْفا أو مَجدّو ... وغيرها من أسماء المعتقلات
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما تسَممت آذاننا بسماع أسماء مراكز التوقيف الاسرائيلية التي أسْلفْت ذِكرها
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما أُسِر أبي ، وذاقَت أمّي ويْلات العَذاب باعتقاله ، ولما شكّل أيّ جنْدي اسرائيلي لجدّتي فيلْم رُعب مبالَغ فيه ، ولما تلوّي أبي من شدّة الألم على ولادة 3 أطْفال له ولم يسْمع صرْخة حياتهم الأولى ، فقط اكْتفى بأن يبعَث الرسائل التي تتضَمن اسم المولود الجديد
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما كان لحكايات جدّتي أنْ تُوَرّث من جيل لجيل
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لو فتحْنا باب اللجُوء لكل البِلاد التي تُعاني من صِراع ، وفقْر، وعدميّة الحَياة ، في فلسطين ، ولم يحْصل العكْس
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما اعْتصرت حسْرةً على مشاهدة البلْدة القديمة فى القدس وأحْيائها وأزقتها ، مآذنها وأجْراس كنائسها وغيْرها من فلسطين المحْتلة في صور الكترونية أو ورقية فقط
لَو لمْ تحْدُث النكْبَة ، لما كتَبْت هذا ولما أعدْت تكرار كلِمة لو
حماس وفتح ..سجالات الماضي والحاضر
حمزة إسماعيل أبوشنب/وكالة معا
لقد شكلت الزيارات المتكررة للشخصيات الرسمية والاعتبارية لقطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي حالة من الاتهامات المتبادلة بين حركة حماس من جانب وبين حركة فتح وفصائل منظمة التحرير من جانب آخر, وهذه الحالة لم تكن وليدة اللحظة أو الحدث بل هي إرث تاريخي متبادل بينهم، ومرت بالعديد من المحطات التي وضعت حماس دائماً في قفص الاهتمام من قبل معارضيها، ولعل أبرز هذه المحطات التاريخية يمكن تلخيصها في المواقف التالية:
المحطة الأولى: بدأت عندما عاودت حركة الإخوان المسلمين نشاطاتها بعد عام 1967 من خلال تأسيس عدد من المؤسسات الخيرية مثل المجمع الإسلامي والجمعية الإسلامية، فاصطدمت بجدار القوى الشيوعية نتيجة لاختلاف الأيدولوجية بينهم وبين حركة فتح والتي كانت تعتبر هذه الأنشطة محاولة للالتفاف على منظمة التحرير.
المحطة الثانية: اشتد فيها الاختلاف عند الإعلان عن تأسيس حركة حماس ودخولها على خط الانتفاضة الأولى بشكل فاعل وقوي، في وقت كانت تعاني فيه منظمة التحرير وعلى رأسها حركة فتح حالة من التفرق والتشتت من الأردن ولبنان وغياب معظم القيادات التاريخية لحركة فتح، فنُظِر إلى حركة حماس على أنها صنيعة الاحتلال وهدفها ضرب المشروع الوطني بإيجاد بديل قوي له .
المحطة الثالثة: جاءت بعد موقف الراحل ياسر عرفات من غزو الكويت للعراق وقطع العلاقات بين الخليج العربي والمنظمة في الوقت الذي نجحت فيه حركة الإخوان من فتح أبواب الدعم الشعبي لها، فوسمت حماس بالحركة الوهابية الرجعية من قبل معارضيها.
المحطة الرابعة: والتي شهدت أشد الخلافات والاتهامات المتبادلة بين حماس وحركة فتح بعد توقيع اتفاق أوسلو، فكانت فتح تنظر إليه على أنه إنجاز وطني في الوقت الذي اعتبرته حماس ضياع ومقمارة بالقضية الفلسطينية، فشنت عدد من العمليات الاستشهادية لإفشال الاتفاق فاعتبرتها فتح بأنها تعمل لصالح النظام الأردني من أجل إعادة الضفة الغربية للأردن، وكان يمكث مكتبها السياسي في عمان ولم تتوقف عند هذا بل اتهمت حماس بأنها تعمل كذلك للمشروع الإيراني .
المحطة الخامسة: بعد طرد حماس من الأردن وتواجدها في دمشق والانفتاح الواسع في العلاقات مع إيران وحزب الله، فشهدت هذه العلاقة حجماً كبيراً من الاتهامات لعلها تجلت بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006 والصراع المسلح 2007 والذي انتهي بسيطرة حماس على قطاع غزة، فاعتبرت بأنها ضد الأمن القومي العربي تارة، وتارة متشيعة وأخرى تريد إقامة إمارة ظلامية وتعطيل ملف المصالحة بالمال الإيراني والارتماء في الحضن السوري والعمل تحت ولاية الفقيه .
المحطة السادسة: وهي المحطة الراهنة بعد الثورات العربية وتولي الإخوان المسلمين الحكم في العديد من البلاد العربية، وتشكيل محور جديد في المنطقة يتألف من تركيا ومصر وقطر والعلاقة المميزة مع حماس، فاشتد الصراع السياسي بين حماس و فتح وأصبحت فتح تشعر بأن التمثيل الفلسطيني والذي كان حكراً عليها في خطر، لذلك هي دائمة الهجوم على كل الزيارات إلى قطاع غزة من الشخصيات الرسمية والدينية لما تضفيه من شرعية على حركة حماس .
هذا سرد تاريخي موجز لطبيعة الصراع السياسي بين فتح وحماس والذي يظهر أشده الآن في الساحات العربية، فالقضية لا ترتبط بالتحالفات السياسية وأثرها على القضية الفلسطينية بقدر ما هي نتيجة حالة الصراع على تمثيل الشعب الفلسطيني، فلو لاحظنا عبر المحطات والسجالات السابقة نجد بأن حماس كانت تتمتع بعلاقات مع السعودية والأردن وسوريا وعند الاختلاف تنعكس الصورة مباشرة فالسلطة على علاقات مميزة بالسعودية والأردن وسوريا .
أما قوى اليسار الفلسطينية فاختلافها مع حماس اختلاف أيدلوجي لا سياسي ولا ينتهي حتى بتحرير فلسطين، فهو امتداد لما يجري على الساحة العربية منذ زمن طويل بين الإسلاميين والشيوعيين .
لا أعتقد بأن السجالات والاتهامات المتبادلة ستنتهي بين حماس والآخرين في وقت قريب، فالصراع السياسي في المنطقة على أشده والتغيرات على الساحة العربية والخارطة الإقليمية الدولية تنعكس على الساحة الفلسطينية، والصراع على التمثيل لن يتوقف في ظل غياب الإرادة الشعبية، فهي المخرج من هذه الحالة أو العودة لنموذج انتفاضة الأقصى والذي شهد حالات من الصراع في ميدان المقاومة، فلم تتوحد القوي الفلسطينية إلا خلف البندقية ومشروع المقاومة .
أنا المطّلع ادناه... لا تدعوا القلق يفقدكم صوابكم!!
نبيل دويكات/وكالة معا
لفت انتباهي مقال للدكتور جمال نزال بعنوان "أنا المديون أعلاه .محاولة سلخ الأحوال الشخصية عن الشريعة. مشروع مشبوه" والمنشور في وكالة معا الاخبارية بتاريخ 14/5/2013. لفت انتباهي العنوان في البداية، حيث كنت قد اطلعت قبل أيام على مقال الاخ عيسى قراقع بعنوان "انا المقتولة اعلاه بتهمة (جريمة شرف)". لكن حين بدأت في قراءة مقالة الدكتور جمال وجدت نفسي مشدود اكثر واكثر، وحاولت التركيز في مضمون المقالة، انسجاما مع عنوانها وتفاصيلها. ولكنني وجدت نفسي في حيرة من هدف ومضمون وتفاصيل المقالة، هل يريد الكاتب انتقاد "النسويات" ام اليسار ام "حكومة سلام فياض" ام "العادات والتقاليد" ام "المؤسسات الاهلية" ام "الغرب" وعاداته وتقاليده ام ماذا بالتحديد؟! كما احترت ايضا في طبيعة النقد الذي يريده هل هو نقد هادف وبناء ام نقد سلبي وهدام او لمجرد النقد؟ ومن منطلق اطّلاعي "المتواضع" على الامور التي تناولها ومن منطلق حرية الرأي والتعبير فإنني أجد نفسي بحاجة إلى الكتابة رداً على الكثير من المغالطات والتناقضات التي وردت في المقالة المذكورة.
وحتى لا نغرق في التفاصيل فإنني أود تركيز ملاحظاتي على القضايا التالية:
أولا: بناء الأحكام والتعميمات استناداً إلى نماذج وحالات فردية
تناسى الكاتب أو نسي خلال كتابته للمقالة كل الأسس والمبررات والمستندات التي يقوم عليها العلم والعلوم بشكل عام، وبنى مقالته على أمور وتوقعات وتكهنات وحالات ونماذج فردية ومشاهدات شخصية، وبنى استنتاجات لا يصلح القول عنها إلا أنها تناقض محتوى ومضمون ما عرضه في مقالته نفسها. وللتفصيل أكثر فإنه بنى معلوماته وتعميماته عن "الحركة النسوية"، "اليسار"، "المنظمات الاهلية"، "الفساد"، موقف حركة "فتح" وكتلتها النيابية في المجلس التشريعي.. وغيرها من الأمور على تحليلات شخصية ينقصها حتى الانسجام والتناسق المنطقي ، وسوف أعود لبعض التفاصيل لاحقا. كنت أتوقع من شخص يضع قبل اسمه لقب (د) أن يكون على الأقل ملتزماً تجاه اللقب ومستحقاته العلمية، ولكن للأسف لم أجد ذلك، وإنما وجدت ما يناقض ذلك.
ثانيا: في التعريفات والمفاهيم
- الحركة النسوية: ليست "حركة معادية للرجل والأديان" كما يقول، والمشكلة ليست هنا فهذا موضوع ينبغي أن يكون خارج النقاش والجدل العلمي، على اعتبار أن الجدل العلمي يقتضي ان نستند الى مراجع ومستندات علمية تدعم ما نقوله، وانما المشكلة هو اصرار د. جمال على تجاوز المنهاج العلمي والاعتماد على أسس غير علمية اطلاقا. وهذا الأمر تكرر ليس فقط في تعريفة للحركة النسوية، وإنما عند حديثة عن العديد من المفاهيم، وربما حتى عند حديثه عن مواقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي يدّعي أنه ناطق باسمها حيث يظهر على بعض الفضائيات. فمثلا الكثير من المفكرين والمفكرات يقدمون تعريفاً واضحاً للحركة النسوية يقوم على اعتبارها تيار فكري وسياسي أكثر منها حركة تنظيمية، وهم غالبون يرفضون فكرة أن الحركة النسوية حركة معادية للرجل أو للأديان أو غيرها، واقترح على د. جمال أن يبحث أكثر ويقرأ أكثر عن الحركة والنظريات النسوية من مصادرها ومنابعها الأساسية، تماما كما تقتضي الأصول والأسس العلمية.
- الحركة النسوية أيضا ليست حركة غربية، وهنا أيضا كتب العديد من المفكرات والمفكرين عن جذور ومنابع الفكر النسوي في ثقافتنا (واقصد العربية)، ومنذ زمن بعيد رفضوا فكرة ان بذور الفكر النسوي جاءتنا من الغرب او هي دخيلة على مجتمعاتنا. اذا لم يقرأ د. جمال كتابات قاسم أمين التي كتبها قبل أكثر من مائة عام فإنني ادعوه لقراءتها، بالطبع قراءة علمية. فلسطينيا وهنا اتوقف قليلا لاتساءل هل كانت النساء الفلسطينيات اللواتي شاركن في مسيرة النضال والثورة ضد الاستعمار والاحتلال بدءاً من الاستعمار البريطاني وحتى اليوم هن نساء ذات "هوى غربي"؟! لماذا لم يقرأ د. جمال تاريخ الثورات الفلسطينية بدءاً من ثورة البراق وثورة 36- 1939 وتاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة وصولا الى ايامنا هذه؟! وهل يعتقد د.جمال ان المناضلات طوال هذا التاريخ اللواتي وقفن جنبا الى جنب مع الرجل في كل معارك الثورة والنضال كن مدفوعات الى ذلك باغراءات او اموال او توجهات "غربية"؟! لن اطيل في الرد كثيرا لانني اقف خجلا حين اجد نفسي مضطرا للدفاع عن مناضلة شهيدة مثل دلال المغربي، وغيرها الآلاف من النساء المناضلات الفلسطينيات. ربما عدد كبير من اؤلئك الناشطات النسويات اللواتي يتهكم عليهن د. جمال عندما يتحدث عن لباسهن وحقائبهن قضين سنوات اطول من عمري او عمره في الثورة والنضال جنبا الى جنب مع الرجل، ولن يعيبهن ان يتسلق او يحاول التسلق على حركتهن ونضالهن عدد من الانتهازيين والوصوليين ذكورا واناثا.
- ال ان.جي. او وتمويلها وعلاقتها بالفساد
هناك في المقالة تهكم واتهامات وتعميم الاتهامات للمؤسسات الاهلية الفلسطينية، ومنها النسوية ايضا، بعدد من التهم منها تلقي اموال غربية وتنفيذ توجهات وسياسة غربية .. وغيرها من التهم التي وردت في المقالة وبصيغة اقرب الى صيغة "الردح"، ولا تمت للمنطق والعلم بصلة. هل تناسى او ربما لم يكلف نفسه عناء البحث العلمي عن جذور ومنابع العمل الاهلي في فلسطين، الكثير من المؤسسات الاهلية الفلسطينية تأسست خلال فترة الاحتلال الاسرائيلي وعلى اسس تنظيم الفئات المختلفة من الشعب الفلسطينيى وتأطيرها من اجل العمل على تحقيق مطالبها ومصالحها الملموسة، وربط نضالها من اجل هذه المصالح مع النضال الوطني العام للشعب الفلسطيني. صحيح ان العديد وربما الكثير من المؤسسات الاهلية تأسست في الفترة التي تلت توقيع اتفاقية اوسلو، صحيح ان هناك العديد من مظاهر الخلل وربما الفساد وغيرها من المظاهر السلبية التي نجدها في بعض الهيئات والمؤسسات الاهلية، ولكن هذا لا يعطي الحق لأي كان بتوزيع التهم واطلاق التعميمات التي لا تخدم الا مصالح شخصية في احسن الاحوال. المؤسسات الاهلية هي جزء لا يتجزأ من حركة المجتمع الفلسطيني، والمجتمع الفلسطيني يخوض حالة من النضال ضد الكثير من المظاهر السلبية ومنها الفساد. واذا كان هناك من فساد وفاسدين في المجتمع ومؤسساته المختلفة فان هناك ايضا الكثير من المناضلين ضد الفساد والفاسدين، واذا كان هناك من يسير على اجندات غير فلسطينية "غربية او شرقية او غيره" فان هناك ايضا من يناضل من اجل الاجندات الفلسطينية وفقط من اجلها. لكن هناك من يحاول خلط الحابل بالنابل لكي يذهب "الصالح بعروى الطالح"، وهنا ادعو د. جمال لكي لا يقع في هذا الفخ اذا كان حريصا على مصلحة الشعب والمجتمع.
- اليسار والمنظمات اليسارية
لم ولن افهم كيف وما هي المبررات التي تدعو د.جمال لان يخلط كل الاوراق وقلب المعادلات ومن ثم توزيع التهم والاحكام دون تدقيق او حتى تكليف نفسه بالفصح. لماذا يصر على اتهام فصائل واحزاب اليسار وربطها بـ "التوجهات والاموال الغربية" وحتى بمفاهيمه الخاطئة حول الحركة النسوية وغيرها من الامور التي وردت في مقالته؟! ربما يثير استغرابي اكثر هو كيف يستطيع شخص اختيار هذا الكم والعدد الهائل من الأمور وربطها ببعضها البعض دون مبرر او سبب منطقي او علمي. وكانسان وناشط يساري التوجهات لدي من الافكار المنسجمة والمترابطة تجاه العديد من الامور والقضايا ومنها قضايا المرأة والاولويات والقضايا المجتمعية، وربما ادّعي ان لدي افكار وتشخيص للكثير من الامور والقضايا في مجتمعنا الفلسطيني وربما مجتمعاتنا العربية، ومنها تحليل الواقع الحالي, لكن ما لاحظته في المقالة المذكورة يدعوني للاستغراب من حقيقة ان يمتلك انسان ما هذا الكم المتناقض من الافكار والتوجهات تجاه العديد من القضايا، لدرجة ان التناقض يكشف نفسه حتى خلال مقالة مثل المقالة المذكور ( وسوف اعود لبعض التفاصيل في الفقرات التالية).
ثالثا: تناقض المواقف
لا استغرب ان يصدر عن انسان ما موقف تجاه قضية معينة مختلف عن موقفه السابق منها، ربما يعود ذلك علميا لان اي انسان قابل للتغيير والتطور. لكن ان يصدر عن انسان مواقف متناقضة تجاه نفس القضية في نفس الوقت فهذا المستغرب، وهو ما حصل فعلا في المقالة المذكورة، وربما اجد علي لزاما ان اوضح جملة من التناقضات التي وردت في مقالة د.جمال ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- التناقض مع مواقف حركة فتح, التي يتحدث د.جمال باسمها احيانا، حيث يشرح لنا جملة من المواقف التي يدّعي انها تمثل موقف حركة فتح ومنها موقف الحركة من العلاقة بين الشريعة الاسلامية والقانون الاساسي او الدستور المستقبلي للدولة الفلسطينية. في اعتقادي ما يقوله لا يمثل مجمل موقف حركة فتح، ولا اقول هنا انني اعرف تفاصيل موقف حركة فتح تجاه هذا الموضوع، وانما على الاقل اعلم ان هناك اختلاف بين ما يقوله وبين موقف الحركة، وأدعوه الى الاطلاع اكثر على سلسلة مناقشات وجلسات المجلس التشريعي "الاول" حيث كانت حركة "فتح" هي كتلة الاكثرية في المجلس التشريعي منذ العام 1996 وحتى العام 2006. ولماذا لا يطّلع على مقالة الاخ عيس قراقع التي اشرت اليها اعلاه، والاخ عيسى هو وزير في الحكومة الفلسطينية وعضو منتخب في كتلة فتح البرلمانية في المجلس التشريعي واحد القيادات البارزة في حركة فتح.
- يتباكي د.جمال في مقالته من عسر حال الشباب الفلسطيني ويتحدث لنا عن بعض الشباب الذين قابلهم ومعاناتهم من بعض العادات والتقاليد. واستغرب كيف يصر على حشو كل تلك العادات والتقاليد البالية وربطها بالحركة النسوية. ارتفاع المهور وتكاليف المعيشة والزواج وعادات الزواج من مهر وحفلات وولائم العرس وغيرها ليست سوى عادات وتقاليد يعمل العديد من اصحاب الفكر والرأي والمؤسسات والهيئات على تغييرها. لكن ما نحن متأكدين منه هو ان العريس حين يدفع ثمنا البيت فانه يكون مخصصا لسكن العائلة الجديدة وليس للعروس فقط، والولائم حين تقام فان من يأكلها هم المدعوين الى العرس او الفرح وليس العروس هي التي تلتهم كل ذلك الطعام وغيرها ايضا تحدث عن اجور القاعات والحفلات وغيرها. اليس الاهل هم من يصرون على الكثير من مظاهر البذخ التي ترتبط بعادات الزواج في مجتمعنا؟ لماذا نحمل الفتاة مسؤولية كل ذلك؟ ومن ناحية ثانية اذا كانت الفتاة موظفة وتعمل جنبا الى جنب مع زوجها، الا تساهم في سداد هذه التكاليف؟ ام ان د. جمال يتصور ان كل النساء والفتيات العاملات في بلادنا يقلقهن فقط صرف رواتبهن لشراء الحقائب والمكياج والالبسة والشامبو المرتفعة الثمن؟! اذا كانت هذه الصورة التي يعرفها فانني ادعوه لزيارة بلدنا فلسطين والتعرف اكثر على مجتمعنا الفلسطيني للاطلاع اكثر على واقع النساء والفتيات الفلسطينيات ودورهن ومساهمتهن في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وبعد اطلاعه على تفاصيل الحقائق والواقع سوف نسأله اي مكان تستحق المرأة الفلسطينية في رأيه. هل تستحق قانون ينصفها ويساويها مع الرجل ويعطها حقوقها في مختلف المجالات؟ ام تستحق قانون مثل قانون الاحوال الشخصية الذي يدافع عنه د.جمال، وهو بالمناسبة القانون الاردني لسنة 1976 والذي تم تغييره في الاردن، ولكنه لا يزال مطبقا حتى اليوم في الاراضي الفلسطينية.
- ومن قال ان نصوص القوانين المقترحة فلسطينيا، ومنها المتعلق بالاحوال الشخصية، تخالف الشريعة الاسلامية؟ يبدو ايضا ان هناك نقص حاد في المعلومات لدى من يقول ذلك. انني ادعو من يقول ذلك الى الاطلاع على الواقع القانوني المتعلق بالاحوال الشخصية خاصة والمطبق في الاراضي الفلسطينية للاطلاع على حقيقة انه واقع معقد وهو خليط من انظمة وقوانين غير فلسطينية وتمتد جذورها الى مائة عام مضى، ربما حتى قبل ان تعرف النساء الفلسطينيات الشامبو والحقائب وغيرها، وحين كانت بعضهن يحملن السلاح دفاعا الشعب والوطن. ومن ناحية ثانية الاطلاع على تفاصيل عمل ودور القضاء الشرعي ومواقفه في القضايا التي تتعلق بالمرأة تتنافى مع ما وصل اليه د. جمال من تعميمات واحكام.
- التناقض الآخر يظهر ايضا في المقالة عند سرد حكاية المرأة والرجل في دائرة الطابو. هنا التناقض يظهر مزدوجا، او على الاقل يظهر ان هناك فهم سطحي للامور. ما حدث في دائرة الطابو يعكس حقيقة قائمة في مجتمعنا وهي حقيقة حرمان المرأة من الميراث، حتى الميراث الذي نصت عليه الشريعة، وبمعنى اخر فان جملة العادات والتقاليد المتبعة اجمالا في هذا المجال تخالف الشريعة، فضلا عن انها تتنافى مع ابسط الحقوق التي نصت عليها المواثيق والمعاهدات الدولية والانسانية. قانون الاحوال الشخصية الذي تدعو اليه الحركة النسوية يهدف، من جملة ما يهدف، الى معالجة مثل هذه الاشكالات ووضعها في اطار قانوني واجتماعي مناسب بعيد عن الظلم وانتهاك او الاعتداء على الحقوق. لماذا اذن يظهر لنا د. جمال رفضه للقانون من ناحية، ومن ناحية ثانية رفضه للظلم الواقع بحق النساء في هذا المجال؟! هو يدّعي المعرفة احيانا، وفي احيان اخرى يظهر ان لا يعرف الكثير من الامور. وهنا التناقض غير المفهوم. فبعد ان "يسلخ" جلد المرأة في حديثه المطول عن عادات الزواج وتكاليفه ويحملها المسؤولية، يعود الى "التعاطف" معها حيث يكون شاهدا على محاولة احتيال على القانون للاستيلاء على حقوقها، ثم يعود بعد ذلك للقول في نفس المقالة " في القانون يشلحون الرجل كل شيْ" ويخاطب النساء بالقول " عليكن مغادرة وشاح الضحية. لا يجب ان تصير خزعبلة الضحية جزء من هوية المرأة والانطلاق لتصحيحها من انفعالات الانتقام من الرجل سرا وعلنا...". والغريب الغريب انه بعد سطرين فقط يعود للقول " واما ظلم المجتمع للمرأة فله صور عدة، لا يمكن تصحيحها الا بالقانون وتحسين الاقتصاد". لم يقل لنا د.جمال ما هو القانون الذي يريده فقط اشار الى "الفزّاعة" التي يحملها دائما العديد من دعاة التخلف والفكر المظلم والسلفيين والتكفيريين وهي "مخالفة الدين او الشريعة". ولم يقل لنا ايضا شيئا عن كيفية تحسين الاقتصاد الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي، وهل يمكن لنا ان نقبل المساعدات الدولية في هذا المجال ام لا؟
هناك تناقضات اخرى لا اود الحديث عنها بالتفصيل لانني اعتبرها ثانوية كحديثه عن انه فوجىء من اصدار الكتاب الذي يتحدث عنه في الغرب وكأنه يعتبر ان الغرب نموذج مثالي لا يجب ان يصدر عنه الا كل ما هو ايجابي وجيد، في حين انه كان قبل ذلك بعدة فقرات ينتقد الحركة النسوية واليسار بانهم موالين للغرب ماليا وفكريا، وفي نفس الوقت فانه حتى عند كتابة بعض عناوين مقالته يعود الى الكتابة بنفس طريقة نمط حديث الاشخاص الذين يأخذون من الغرب القشور مثلا عند الحديث بلغة مكسرة ومخلوطة بالعربيةة والانجليزية.
خلاصة القول ان هناك فرق كبير بين المعرفة وادّعاء المعرفة، بين المعرفة السطحية و/او المشوهة وبين المعرفة الحقيقية، بين النقد البناء والنقد السلبي والهدّام، بين الانسجام والتواصل في الطرح وتشرذم الافكار بل تناقضها وعدم انسجامها، بين اصدار الاحكام وابداء وجهات النظر. هناك فرق كبير بين المنهج العلمي الذي يعتمد الوثائق والحقائق والمعلومات الموثقة ويحللها، وبين منهج يقوم على المعلومات المشوهة والسطحية والمجتزأة من سياقها. واقعنا الفلسطيني لا يحتمل كل ذلك، والاجدر بمن يريد ان يتحدث عن الواقع وتحليله وتقديم المقترحات والحلول ان يكون على قدر المسؤولية التي تقدم لنا حلولاً تساعدنا على الخروج من انفاق مظلمة تهددنا في كل لحظة، وذلك بدل ادخالنا في متاهات لا تسهم سوي بالمزيد من الظلمات التي نجاهد يوميا للخروج منها. كذكر في هذا المجتمع فانني لست قلقا ان يلقى بي ذات يوم خارج المجتمع، خاصة من الحركة النسوية لانني على ثقة بان هناك الكثير من النساء والناشطات النسويات: كما الكثير من الذكور والناشطين المجتمعيين يفهمون فهما عميقا معنى النسوية التي تعني في احدى صورها العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة، لان هذا الفكر يدرك معنى النهوض بالمجتمعات وتنميتها على قدم المساواة، فالرجال والنساء هم هدف التنمية مثلما هم ادواتها.
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
د/إبراهيم أبراش/وكالة معا
الحديث اليوم عن مبادرة أمريكية جديدة يُروِج لها وزير الخارجية جون كيري لتحريك ملف التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين غير منقطع الصلة بما يجري من حرب في وعلى سوريا والتداعيات المستقبلية لها.ففي منطقة الشرق الأوسط تتداخل القضايا وتتشابك،يتداخل الماضي مع الحاضر،الديني مع الدنيوي ،الاقتصاد مع السياسة ،الأيديولوجيا مع المصالح ،وأيضا تتداخل القضية الفلسطينية مع نفط الخليج والصراعات المذهبية ومع ما يسمى بالربيع العربي والإرهاب الخ.ولذا لا يمكن لمن يتعامل مع مشكلة الشرق الأوسط ،وخصوصا الدول الكبرى، إلا أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذا القضايا.
فمنذ التوقيع المفاجئ في عمان الشهر الماضي على اتفاقية الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس أصبح من الواضح أن شيئا ما يجري لتحريك ملف التسوية في الشرق الأوسط وتأكد ذلك من خلال جولات جون كيري المكوكية والتي توجت بطرح ما يسمى بمبادرة كيري لإحياء عملية التسوية ،ثم جاء القبول العربي بمبدأ تبادل الأراضي وتأكيد القيادة الفلسطينية موافقتها على هذا المبدأ لتصبح الصورة أكثر وضوحا.
إن كان كيري يتحدث عن مبادرات حسن نية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تساعد الطرفين على العودة لطاولة المفاوضات،كتجميد الاستيطان مؤقتا ومنح السلطة الفلسطينية مزيدا من الصلاحيات في مناطق فلسطينية مع إغراءات اقتصادية تقدمها واشنطن والجهات المانحة للسلطة لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني،مقابل عودة الفلسطينيين لطاولة المفاوضات ووقف الخطوات الفلسطينية نحو المنتظم الدولي ومؤسساته وخصوصا نحو محكمة الجنايات الدولية ،ومتشجعا بنظام رسمي عربي – جامعة الدول العربية - تقوده دولة قطر ،نظام بات أكثر طواعية للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة بل ومستعد للذهاب بعيدا في المساومة على القضية الفلسطينية ،بالرغم من ذلك فإن الخفي من الحراك الأمريكي – العربي أكبر بكثير مما هو معلن ،ذلك أن تحريك الملف الفلسطيني ليس هدفه حل القضية الفلسطينية بل توظيف تحريك ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية للتفرغ لقضايا أكثر أهمية إستراتيجية من وجهة نظر واشنطن وأنظمتها العربية .
إن ما يجري هذه الأيام يُذكرنا بما جرى قُبيل غزو العراق عام 2003، ولكن يبدو أن العرب لا يقرؤون ولا يستفيدون من التاريخ حتى المعاصر منه ، وفي ظني انه في زمن الثورة المعلوماتية وانتشار التعليم لم يعد مجالا للحديث عن تخلف وجهل القيادات والنخب العربية لأن الحديث عن جهلها وتخلفها يكون مبررا لتبرئتها من المسؤولية عما يجري،فالقيادات تُدرك ما تفعل وتعلم جيدا نتائج أفعالها ولكنها تنحاز لمصالحها ،ومصالح القيادات باتت تلتقي أو تتقاطع مع المصالح الغربية في المنطقة وأحيانا مع المصلحة الإسرائيلية ،وبالتالي فالرؤية الرسمية العربية المبنية على المصلحة ليست رؤية الشعب المعبرة عن مصالح الشعب وثوابته الوطنية ،ولم تختلف الصورة كثيرا في زمن الانكشاف العربي أو ما يسمى بالربيع العربي حيث التحالف والعلاقات الإستراتيجية بين واشنطن لا يستثني أحد من الأنظمة العربية القائمة.
قُبيل الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 كانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد وصلت لطريق مسدود وكان الوضع في فلسطين محتقن،وبعد كامب ديفد الثانية تجاهل الرئيس الأمريكي القضية الفلسطينية وكان القرار الأمريكي الإسرائيلي بالتخلص من الرئيس أبو عمار ومن سلطته.ولكن ولأن واشنطن كانت تتهيأ لغزو العراق وتقوم بتحريض العالم على نظام صدام حسين وتُلصق به كل التهم التي ثبت أنها غير صحيحة مثل امتلاك أسلحة دمار شامل والعلاقة بتنظيم القاعدة الخ ،وكانت تحشد الجيوش لغزو العراق ، ولأنها كانت تعرف أن غزو العراق لن ينجح بدون موافقة بل ومشاركة رسمية عربية ،وأن العرب سيكونون محرجين بالمشاركة في احتلال أمريكي للعراق ما دامت فلسطين محتلة وعملية السلام متوقفة ،لذا تحركت واشنطن لتهيئة الأوضاع عربيا من خلال تحريك عملية المفاوضات مجددا ،وكان ذلك على ثلاثة مسارات : -
1) ضمان تهدئة الجبهة الفلسطينية وهو ما نصت عليه خطة خارطة الطريق التي جعلت المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة هي وضع حد للعنف في مناطق السلطة وهذا ما تم من خلال تعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،وسبق ذلك قيام إسرائيل بتدمير جزءا كبيرا من مؤسسات السلطة ومقراتها الأمنية في الضفة وغزة.
2) تشجيع العرب على التقدم بمبادرة سلام وهذا ما تم مع مبادرة السلام العربية التي تم تبنيها في قمة بيروت في مارس 2002.
3) التقدم بمبادرة تسوية وهذا ما تم من خلال خطة خارطة الطريق التي تم التقدم بها للسلطة الفلسطينية في ديسمبر من نفس العام.
وسط الانشغال العربي والفلسطيني بالمبادرة العربية وبخطة خارطة الطريق حدث الغزو الأمريكي للعراق بعد أشهر – مارس 2003 -والذي لم يقف عند حد إسقاط نظام صدام حسين بل أدى لتدمير الدولة والمجتمع العراقي وخلق الفتنة المذهبية والتي ما زال العراق يعاني من تداعياتها بالإضافة إلى انتشار القواعد الأمريكية في الخليج .
اليوم يتكرر السيناريو نفسه ولكن هذه المرة مع سوريا – وقد صدق صدام حسين عندما حذر الحكام العرب الذين تآمروا عليه مع واشنطن بان مصيرهم سيكون كمصيره – فبعد أن هيأت واشنطن المناخ النفسي والإعلامي واللوجستي لتدخل عسكري ضد سوريا ملصقة بالنظام السوري كل التهم وأخرها استعماله لأسلحة كيماوية ،تريد أن تضمن سكون الجبهة الفلسطينية والعربية الشعبية وهو الأمر الذي عملت عليه من خلال ثلاثة مسارات :-
1) ضمان إخراج حركة حماس وقطاع غزة من جبهة المقاومة وضمان عدم تدخلهم في حالة حدوث أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على سوريا أو لبنان أو إيران ،وهذا ما تم من خلال اتفاقية الهدنة التي تم توقيعها برعاية مباشرة من الرئيس المصري محمد مرسي وتم الإعلان عنها في مؤتمر صحفي حضر فيه وزير الخارجية الأمريكي يوم 22-11-2012 بعد العدوان الأخير على قطاع غزة وهو عدوان جاء بعد أيام من زيارة أمير قطر للقطاع ،وأيضا من خلال سحب حركة حماس من المربع السوري الإيراني وحزب الله وربطها بمربع قطر ومصر وواشنطن، من خلال إغراءات مالية سخية من قطر ومن خلال وعود بمساعدة حركة حماس على الهيمنة على التمثيل الفلسطيني .
2) تحريك مبادرة السلام العربية بعد عشرة سنوات من الجمود مع استعداد لتنازلات جديدة من خلال الإعلان عن القبول بمبدأ تبادلية الأراضي .
3) طرح مبادرة أمريكية سياسية جديدة لتشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للعودة لطاولة المفاوضات ،وهي مبادرة جون كيري المشار إليها .
لا غرو أن واقع حال منظمة التحرير لا يؤهلها للانقلاب على نهج التسوية وإن كانت تستطيع تحسين شروطها من خلال رفض تقديم تنازلات بأي شكل كان وعدم الانخداع بخطاب التسوية الذي تروجه واشنطن لان هدف واشنطن ومن خلال مبادرة كيري ليس حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،بل إشغال الفلسطينيين والعرب بمبادرة كيري حتى تتفرغ واشنطن للتدخل العسكري من خلال تحالف دولي في سوريا .لأن واشنطن تدرك أن الحرب في سوريا وما ستتمخض أكثر خطورة من كل التحركات العربية وما أنتجت سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، فالحرب على سوريا ستكون لها تداعيات إستراتيجية كتداعيات الحرب على العراق أو أكثر،وسواء سقط نظام بشار الأسد أو تم تقسيم سوريا فإن تداعيات الحرب على سوريا ستؤثر على لبنان والأردن والعراق وإيران ,وعليه فإن التعامل مع مبادرة كيري يجب أن لا يعمينا عن رؤية الأهداف الحقيقية للمبادرة . ونتمنى من القيادة الفلسطينية الحذر من المناورات الأمريكية الإسرائيلية القطرية .إن الواقع يقول بأنه في ظل الحالة الفلسطينية الانقسامية والحالة العربية في ظل الانكشاف والتبعية المتزايدة للغرب ،لا يمكننا الآن فرض سلام عادل يحقق لنا ولو الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة .
النكبة: ذاكرة مدن تنام على الشواطئ..! ...
أكرم عطا الله/وكالة سما
يا حيفا التي تهدهد ذاكرتي كطفل استعصى عليه النسيان لتاريخ توقف الزمن عن حدودها ، يا يافا التي تحتضن شمس أيامي وأحلامي وذكريات مسروقة على أحد أطراف شوارعها فصارت جزء مني ... يا عكا التي تنام على لحن الموج المنبعث من قلاع انغرست في التاريخ عميقا لتحكي كل حكاياتي القديمة ، يا لبهاء القدس بشوارعها العتيقة والتي تحفظ خطى الأنبياء ، يا لتلك المدن التي ينغلق بعدها الأفق، ويا كل الشوارع التي تحمل بصمات قاومت كل عوامل التعرية وزلازل التشوه وبقيت شاهدة على تاريخ أهلها الذين مروا عليها وارتشفوا قهوتهم على أرصفتها ، ولم يعدو الخطى وهم يحصون حبات رملها .
يا كل المدن التي انطفأت أنوارها لتشتعل بعدها في ذاكرتي التي تحفظها عن ظهر قلب دون أن أراها .. أعشقها لأنها تحفظ ظل أجدادي وديعة لدى الفجر القادم والذي يحمل حلم سيرتنا الطويلة لنحلم بأن تنغرس أقدامنا في رمال شواطئها مرة أخرى ... ولأنها تشبه كل ما فينا من تفاصيل طبعت بصماتها علينا وصبغتنا بلون رمالها وجبالها ووديانها التي تعبنا لفرط انتظار عودتها ، كم عطشنا حد لن يروينا إلا رذاذ الملح المنثور على أسطح مدننا المختلط بهواء البحر الذي يحتضنها من الشمال إلى الجنوب .
هكذا في كل موسم نكبة يندلق الحنين ويندلق الحب ألما حين تنفتح جروح الذاكرة على مدن يحرقنا جمر الحرمان من زيارتها وهي المفتوحة لكل الكون والمغلقة في وجوه الذين شيدوا بعظمهم كل البيوت وسقوا بعرقهم كل شجرة ورصفوا بجلودهم كل الشوارع .
أنا جائع لمساء في مدن أحلامي البعيدة والتسكع في شوارعها والجري كطفل على رمل الشواطئ ، من حقي ككل البشر أن أعيش في مدينتي التي أريد والتي أعشق فما أصعب أن تمضي الحياة على رصيف انتظار محطة لقطار لن يأخذك إلى هناك لتمارس الحياة حلما في حيفا ويافا و غيرها ثم تهرب تلك الحياة مع أول افاقة .
كيف تم ذلك وكأن التاريخ يصفي حسابه معنا ، أو ندفع لوحدنا فاتورة أخطاءه الطويلة والمريرة ، وكيف يمكن أن تسرق حضارة عشرة آلاف عام مكافأة لسيف يهوشع بن نون بدل أن يدفع هو ثمن الجريمة الأولى وحرق المدينة الأولى أريحا مدينة القمر والتي أهدت للعالم تجربة المدينة .
كيف يمكن للشر أن يجتمع ليمارس شهوة القتل والطرد والتدمير والترحيل والحرق والاغتصاب لمدن لديها من فائض الطهر منذ مسرى الرسول وتعاليم عيسى التي تغلفها بالبراءة والمحبة ما أشع نورا للبشرية جميعها ؟، وكيف يمكن أن يقبل التاريخ أن ينطفئ ذلك النور الذي أضاء وجه كل المدن ؟
مدننا التي تنام على الشواطئ المفتوحة على كل الكون منذ القدم أنتجت حضارتها المشعة ، واختلطت بحضارات أوروبا لتعكس نموذج الانفتاح والتقدم والتعدد لتكون الأجمل في المطلة على البحر، كيف يمكن أن تغلق وتتحول إلى مدن الغيتو وتتغير أسماءها حد التشوه لتصبح عكا عكو ، ويافو بدل يافا، وأشكلون بدل المجدل في محاولة ليس للاعتداء على التاريخ فقط، بل للاعتداء على الذاكرة أيضا .
كنت في يافا قبل عقدين كان شلومو يسير على الطرف المقابل للرصيف مرتديا ثوب المضيف ، كان علي أن أمثل دور الضيف وألتزم بشروط الضيافة وصرامة من استولى عليها ،يا لسخرية الأقدار حين تنحرف الحياة وتتغير الأدوار في مسرحية العبث الدائم بحقنا لنصبح نحن النص الثابت في المشهد الأطوال في كل نصوص التراحيديا المؤلمة .
يزدحم بريدي الالكتروني بصور لمدن فلسطين،وتلك ترش ملحا على الجرح المفتوح باتساع المسافة بيننا وبين تلك الأماكن الأكثر سحرا بكل الفصول التي ينافس خريفها أجمل زهور الربيع في مدن العالم ، أشعر بالرغبة بنسمة صيف من هواء الجليل لتعيدني إلى الحياة ، أن أرى الكون من على جبل الشيخ ، أحلم بالنعاس على جبال الكرمل ، أحن كثيرا إلى عناق صدر حيفا وقبلة أطبعها على جبهة يافا، أن أغني طويلا على ترنيمة أجراس كنائس الناصرة أن أتنفس التاريخ عطرا من حجارة القدس العتيقة ، وأن امتص رحيق زهرة الزعتر من على تلك الهضاب البعيدة والقريبة .
في ذكرى النكبة يعود السؤال الكبير ليسقط ما تبقى من أوراق توت يحاول الضمير العالمي الغائب عن أحداث الهولوكوست الفلسطيني المتكرر منذ أكثر من ستة عقود أن يختفي خلفها في محاكمة العدالة الدائمة ، وفي كل مرة يرسب فيها ضمير العالم تنفتح أكثر شهوة القتل والاستيطان والعنصرية إلى الحد الذي يصفع يوميا كل العواصم في العالم والمشاركة في أطول مؤامرة للصمت في التاريخ الحديث .
كيف يمكن أن تستولي جماعة دينية على أرض لشعب منذ آلاف السنين وكيف لأكبر عملية سطو في التاريخ أن تستمر إلى الآن ؟ويستمر تشتت شعب نما وتشكل وطور هويته على هذه الأرض فقد صدئت مفاتيح البيوت لكن الذاكرة لا زالت تنبض حنينا كأنه انتزع لتوه وكأن العشاء لم يبرد هناك بعد .
هناك حيث كان العرس المختلط .. والصبايا يملأن جرارهن من الغدران في القرى وهناك حيث كانت المدن تعج بالأسرار والحياة ...هناك حيث بيوت الطين والقش التي ارتسمت كلوحة فنان ، هناك حيث الشواطئ تنتظر أهلها ، تسافر القلوب وتعود مراكب الحزن محملة بما تكدس من ألم الحنين ...هناك حيث المدن التي لا تنسى ستبقى صواري الحلم مشرعة حتى تعانق المنارات وإلى أن تصل سأظل أحلم بأني هناك.
واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا ..
د.إبراهيم أبراش/وكالة سما
الحديث اليوم عن مبادرة أمريكية جديدة يُروِج لها وزير الخارجية جون كيري لتحريك ملف التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين غير منقطع الصلة بما يجري من حرب في وعلى سوريا والتداعيات المستقبلية لها.ففي منطقة الشرق الأوسط تتداخل القضايا وتتشابك،يتداخل الماضي مع الحاضر،الديني مع الدنيوي ،الاقتصاد مع السياسة ،الأيديولوجيا مع المصالح ،وأيضا تتداخل القضية الفلسطينية مع نفط الخليج والصراعات المذهبية ومع ما يسمى بالربيع العربي والإرهاب الخ.ولذا لا يمكن لمن يتعامل مع مشكلة الشرق الأوسط ،وخصوصا الدول الكبرى، إلا أن يأخذ بعين الاعتبار كل هذا القضايا.
فمنذ التوقيع المفاجئ في عمان الشهر الماضي على اتفاقية الوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس أصبح من الواضح أن شيئا ما يجري لتحريك ملف التسوية في الشرق الأوسط وتأكد ذلك من خلال جولات جون كيري المكوكية والتي توجت بطرح ما يسمى بمبادرة كيري لإحياء عملية التسوية ،ثم جاء القبول العربي بمبدأ تبادل الأراضي وتأكيد القيادة الفلسطينية موافقتها على هذا المبدأ لتصبح الصورة أكثر وضوحا. إن كان كيري يتحدث عن مبادرات حسن نية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تساعد الطرفين على العودة لطاولة المفاوضات،كتجميد الاستيطان مؤقتا ومنح السلطة الفلسطينية مزيدا من الصلاحيات في مناطق فلسطينية مع إغراءات اقتصادية تقدمها واشنطن والجهات المانحة للسلطة لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني،مقابل عودة الفلسطينيين لطاولة المفاوضات ووقف الخطوات الفلسطينية نحو المنتظم الدولي ومؤسساته وخصوصا نحو محكمة الجنايات الدولية ،ومتشجعا بنظام رسمي عربي – جامعة الدول العربية - تقوده دولة قطر ،نظام بات أكثر طواعية للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة بل ومستعد للذهاب بعيدا في المساومة على القضية الفلسطينية ،بالرغم من ذلك فإن الخفي من الحراك الأمريكي – العربي أكبر بكثير مما هو معلن ،ذلك أن تحريك الملف الفلسطيني ليس هدفه حل القضية الفلسطينية بل توظيف تحريك ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية للتفرغ لقضايا أكثر أهمية إستراتيجية من وجهة نظر واشنطن وأنظمتها العربية .
إن ما يجري هذه الأيام يُذكرنا بما جرى قُبيل غزو العراق عام 2003، ولكن يبدو أن العرب لا يقرؤون ولا يستفيدون من التاريخ حتى المعاصر منه ، وفي ظني انه في زمن الثورة المعلوماتية وانتشار التعليم لم يعد مجالا للحديث عن تخلف وجهل القيادات والنخب العربية لأن الحديث عن جهلها وتخلفها يكون مبررا لتبرئتها من المسؤولية عما يجري،فالقيادات تُدرك ما تفعل وتعلم جيدا نتائج أفعالها ولكنها تنحاز لمصالحها ،ومصالح القيادات باتت تلتقي أو تتقاطع مع المصالح الغربية في المنطقة وأحيانا مع المصلحة الإسرائيلية ،وبالتالي فالرؤية الرسمية العربية المبنية على المصلحة ليست رؤية الشعب المعبرة عن مصالح الشعب وثوابته الوطنية ،ولم تختلف الصورة كثيرا في زمن الانكشاف العربي أو ما يسمى بالربيع العربي حيث التحالف والعلاقات الإستراتيجية بين واشنطن لا يستثني أحد من الأنظمة العربية القائمة.
قُبيل الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003 كانت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قد وصلت لطريق مسدود وكان الوضع في فلسطين محتقن،وبعد كامب ديفد الثانية تجاهل الرئيس الأمريكي القضية الفلسطينية وكان القرار الأمريكي الإسرائيلي بالتخلص من الرئيس أبو عمار ومن سلطته.ولكن ولأن واشنطن كانت تتهيأ لغزو العراق وتقوم بتحريض العالم على نظام صدام حسين وتُلصق به كل التهم التي ثبت أنها غير صحيحة مثل امتلاك أسلحة دمار شامل والعلاقة بتنظيم القاعدة الخ ،وكانت تحشد الجيوش لغزة العراق ، ولأنها كانت تعرف أن غزو العراق لن ينجح بدون موافقة بل ومشاركة رسمية عربية ،وأن العرب سيكونون محرجين بالمشاركة في احتلال أمريكي للعراق ما دامت فلسطين محتلة وعملية السلام متوقفة ،لذا تحركت واشنطن لتهيئة الأوضاع عربيا من خلال تحريك عملية المفاوضات مجددا ،وكان ذلك على ثلاثة مسارات : -
1) ضمان تهدئة الجبهة الفلسطينية وهو ما نصت عليه خطة خارطة الطريق التي جعلت المرحلة الأولى من تنفيذ الخطة هي وضع حدد للعنف في مناطق السلطة وهذا ما تم من خلال تعزيز التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل،وسبق ذلك قيام إسرائيل بتدمير جزءا كبيرا من مؤسسات السلطة ومقراتها الأمنية في الضفة وغزة.
2) تشجيع العرب على التقدم بمبادرة سلام وهذا ما تم مع مبادرة السلام العربية التي تم تبنيها في قمة بيروت في مارس 2002.
3) التقدم بمبادرة تسوية وهذا ما تم من خلال خطة خارطة الطريق التي تم التقدم بها للسلطة الفلسطينية في ديسمبر من نفس العام .
وسط الانشغال العربي والفلسطيني بالمبادرة العربية وبخطة خارطة الطريق حدث الغزو الأمريكي للعراق بعد أشهر – مارس 2003 -والذي لم يقف عند حد إسقاط نظام صدام حسين بل أدى لتدمير الدولة والمجتمع العراقي وخلق الفتنة المذهبية والتي ما زال العراق يعاني من تداعياتها بالإضافة إلى انتشار القواعد الأمريكية في الخليج .
اليوم يتكرر السيناريو نفسه ولكن هذه المرة مع سوريا – وقد صدق صدام حسين عندما حذر الحكام العرب الذين تآمروا عليه مع واشنطن بان مصيرهم سيكون كمصيره – فبعد أن هيأت واشنطن المناخ النفسي والإعلامي واللوجستي لتدخل عسكري ضد سوريا ملصقة بالنظام السوري كل التهم وأخرها استعماله لأسلحة كيماوية ،تريد أن تضمن سكون الجبهة الفلسطينية والعربية الشعبية وهو الأمر الذي عملت عليه من خلال ثلاثة مسارات :-
1) ضمان إخراج حركة حماس وقطاع غزة من جبهة المقاومة وضمان عدم تدخلهم في حالة حدوث أي هجوم أمريكي أو إسرائيلي على سوريا أو لبنان أو إيران ،وهذا ما تم من خلال اتفاقية الهدنة التي تم توقيعها برعاية مباشرة من الرئيس المصري محمد مرسي وتم الإعلان عنها في مؤتمر صحفي حضر فيه وزير الخارجية الأمريكي يوم 22-11-2012 بعد العدوان الأخير على قطاع غزة وهو عدوان جاء بعد أيام من زيارة أمير قطر للقطاع ،وأيضا من خلال سحب حركة حماس من المربع السوري الإيراني وحزب الله وربطها بمربع قطر ومصر وواشنطن، من خلال إغراءات مالية سخية من قطر ومن خلال وعود بمساعدة حركة حماس على الهيمنة على التمثيل الفلسطيني .
2) تحريك مبادرة السلام العربية بعد عشرة سنوات من الجمود مع استعداد لتنازلات جديدة من خلال الإعلان عن القبول بمبدأ تبادلية الأراضي .
3) طرح مبادرة أمريكية سياسية جديدة لتشجيع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للعودة لطاولة المفاوضات ،وهي مبادرة جون كيري المشار إليها .
لا غرو أن واقع حال منظمة التحرير لا يؤهلها للانقلاب على نهج التسوية وإن كانت تستطيع تحسين شروطها من خلال رفض تقديم تنازلات بأي شكل كان وعدم الانخداع بخطاب التسوية الذي تروجه واشنطن لان هدف واشنطن ومن خلال مبادرة كيري ليس حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،بل إشغال الفلسطينيين والعرب بمبادرة كيري حتى تتفرغ واشنطن للتدخل العسكري من خلال تحالف دولي في سوريا .لأن واشنطن تدرك أن الحرب في سوريا وما ستتمخض أكثر خطورة من كل التحركات العربية وما أنتجت سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، فالحرب على سوريا ستكون لها تداعيات إستراتيجية كتداعيات الحرب على العراق أو أكثر،وسواء سقط نظام بشار الأسد أو تم تقسيم سوريا فإن تداعيات الحرب على سوريا ستؤثر على لبنان والأردن والعراق وإيران ,وعليه فإن التعامل مع مبادرة كيري يجب أن لا يعمينا عن رؤية الأهداف الحقيقية للمبادرة . ونتمنى من القيادة الفلسطينية الحذر من المناورات الأمريكية الإسرائيلية القطرية .إن الواقع يقول بأنه في ظل الحالة الفلسطينية الانقسامية والحالة العربية في ظل الانكشاف والتبعية المتزايدة للغرب ،لا يمكننا الآن فرض سلام عادل يحقق لنا ولو الحد الأدنى من حقوقنا المشروعة .
ما هو سر " الثلاثة أشهر " المتكررة ؟ ...
م. عماد عبد الحميد الفالوجي/وكالة سما
لم أكن أتوقع أن أصل الى هذا السؤال الذي بقي لغزا حائرا أمامي ؟ ذات ليلة تصفحت مجموعة من دفاتري التي كنت أكتب فيها ملاحظاتي خلال وجودي في مجلس الوزراء الفلسطيني لمدة تقارب السبع سنوات كنت خلالها وزيرا للبريد والاتصالات من العام 1996 وحتى نهاية العام 2002 ، كنت خلالها أرصد أهم ما يدور من نقاشات سياسية داخل اجتماع القيادة الفلسطينية والذي كان يضم أعضاء مجلس الوزراء وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورؤساء الوفود التفاوضية ، ووضعت أمامي تلك الدفاتر السبعة حسب تسلسل تلك الأعوام السبعة وبدأت اتصفحها وافرأ واستذكر ما كان يدور داخل مجلس القيادة الفلسطينية بقيادة الشهيد الرئيس ياسر عرفات ، وفجأة لمحت شيئا ما يتكرر خلال قلب الصفحات ولمعت لي فكرة لم اتوقعها وهي أن القيادة الفلسطينية كانت دائما في حالة انتظار حدث ما وهذا الحدث سيكون خلال ثلاثة أشهر في المتوسط الزمني – احيانا قد يطول وقد يقصر – ثم يبدأ الإعداد لهذا الحدث والتحضير له والاهتمام به وفي كثير من الحالات تبرز مقولة " أن ما سيكون الوضع عليه بعد هذا الحدث ليس كما قبله " أو إطلاق مصطلح " التاريخي " أو المهم وغيرها من أوصاف المبالغة في الاهتمام ، ثم تمر الأيام ويأتي هذا الحدث المنتظر وينتهي ولا يحدث شيء يستحق الذكر ، ولكن يستمر المسلسل دون انقطاع وهذا ما لفت نظري وجعلني أقف طويلا أمام هذه الظاهرة الفريدة والغريبة .
ثم اسقطت هذا الإحساس على ما يحدث اليوم بعد مغادرتي كافة المسئوليات الرسمية وراقبت بكل دقة فوجدت أن المسلسل لازال مستمرا دون انقطاع ، فهناك حدث سيحدث بعد ثلاثة أشهر يجب أن ننتظره وبكل اهتمام وترقب ويجب أن تتوجه كل الطاقات والأفكار نحو هذا المنتظر القادم ، والعجيب أن الأطراف الدولية والإقليمية تقوم بدور بطل صانع هذا الحدث ، وكل حدث له مبرراته ودوافعه كي نسميه حدث مهم أو تارخي والكل يتصرف بقناعة تامة بأهمية الحدث المنتظر .
وصناعة تلك الأحداث الموعودة تقوم بها جهات مبدعة في معرفة تفاصيل حياتنا ومتعمقة في تفكيرنا وتعرف بدقة الحدث الذي يشد المواطن الفلسطيني في كل مرحلة وتتصرف وفق تلك المعطيات ، وبالتالي يكون الاهتمام الرسمي والشعبي بذلك الحدث ويشد الجميع إليه ، ولإن الأحداث كثيرة ومتسارعة ولكنها منسجمة مع تطورات احداث المرحلة فإن الغالبية تتأثر بالحدث المنتظر وتنسى أو تتناسى الأحداث التي سبقت وبالتالي لا يحدث في الغالب عملية الربط بين الأحداث وهكذا تستمر المعادلة دون أن ينتبه إليها أحد أو يقف من يسأل لماذا نستمر في حالة الانتظار ؟ ولو دققنا سنجد أننا بانتظار حدث مهم بعد ثلاثة أشهر .
ولعل ما استفزني ودفعني للتذكير بتلك الحقيقة التي أثارت فضولي عند مراجعتي لسنوات عمل القيادة الفلسطينية هو خبر اليوم الجديد أن مشاورات تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ينتظرها الشعب الفلسطيني لتكون عنوان بداية انتهاء الانقسام ستنتهي خلال ثلاثة أشهر وهو حدث يستحق الانتظار والمتابعة وبستحق من أجله أن نتجاهل كل ما سواه ، وستبدأ مرحلة انتظار جديدة ولو راجعنا انفسنا قبل ثلاثة أشهر لوجدنا أننا كنا أيضا بانتظار تحقق حدث مهم وهكذا .
وتستمر مرحلة الانتظار .
رعشة المأساة الفلسطينية
علي بدوان/pnn
أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) سيد وكبير النُقاد العرب على حد تعبير الأديبة الدكتورة (سلمى الخضراء الجيوسي) مديرة مؤسسة (بروتا) الأميركية في الولايات المتحدة لنشر الثقافة والأدب العربيين في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.
يوسف سامي اليوسف (1938 ـ 2013) شقيق السيناريست العربي المعروف (حسن سامي اليوسف)، هو المثقف والكاتب والناقد والمدرس والمربي الفلسطيني المعروف، وعضو اتحاد الكتاب العرب، واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، رحل دون استئذان صباح الثالث من مايو 2013 بعد أن أضنته التغريبة الفلسطينية الثالثة التي انتقل بها من مخيم اليرموك إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان.
فتغريبته الأولى كانت عام 1948 من قريته (لوبية) الواقعة على سفوح ومنحدرات الجليل الشرقي شمال فلسطين المحتلة والتابعة لقضاء مدينة طبرية في فلسطين، باتجاه مخيم (ويفل) للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة بعلبك في لبنان. وتغريبته الثانية بدأت عام 1956 عندما اختار مسار العمل الوطني الفلسطيني في إطار الكتيبة الفدائية الفلسطينية في سوريا والتي كانت تعرف بـ (الكتيبة 68) منتقلاً إلى سوريا التي أحبها وعشقها وأستقر فوق أرضها وفي مخيم اليرموك بالذات إلى حين تغريبته الأخيرة قبل أشهر خلت بخروجه من مخيم اليرموك إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان.
أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) انتقل في عمله الوطني الفلسطيني ممارساً لمهنة التعليم كمدرس لمادة اللغة الإنجليزية في مدارس وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) في سوريا في الجولان السوري قبل احتلاله وتحديداً في إعدادية طبرية الواقعة في مدينة القنيطرة السوري التابعة للوكالة حتى العام 1967 ومن ثم في مخيم اليرموك، وتحديداً لأكثر من ربع قرن مضى في إعدادية الكرمل الواقعة وسط المخيم، فتحرج من بين يديه الآلاف من أبناء مخيم اليرموك من الأجيال التي ولدت بعد سنوات قليلة من عمر النكبة الفلسطينية في منافي اللجوء على أرض سوريا، أجيالاً تَذكُر المدرس والمربي والناقد الأدبي والمثقف يوسف سامي اليوسف بكل تقدير واحترام، ولـ (خيزرانته) التي صَنَعَت وعلمت الأجيال المتتالية من أبناء فلسطين في مخيم اليرموك.
يوسف سامي اليوسف، المدرس والمربي، والمثقف الحالم الذي لم يترك موسوعة في النقد أو الأدب العربي والأداب الأجنبية إلا والتهمها، لذلك كان يتمتع بثقافة عربية انجليزية وافية شاملة للتراث والأدب والعلوم الإنسانية والفلسفة، وقد صَرَفَ جل حياته في قراءة الآخرين في الأداب الأجنبية والأدب العربي القديم، إلى حد الإسراف، بانياً لذاته حالة وقامة أدبية عربية اختصت في النقد الأدبي، حالة فريدة جمعت بين المثقف الوطني الملتزم، وصاحب رسالة في التربية والتعليم، وفي بناء مجتمع فلسطيني كاد أن يتحطم وأن يصبح أشلاء مبعثرة بعد النكبة العام 1948.
اشتغل الناقد يوسف سامي اليوسف في تشريح الأدب الجاهلي والشعر العربي القديم في كتابه الشهير (مقالات في الشعر الجاهلي) وعلى ربط النصوص والظواهر الأدبية بالواقع والسيرورة التاريخية في الجزيرة العربية وعموم المنطقة، فكان في لغته النقدية جذاباً بلغة جميلة وسلسلة وعميقة في آن واحد، وكان منها نظريته حول الشعراء العذريين في كتابه (الغزل العذري) وفي كتابه التالي المعنون بعنوان (ما الشعر العظيم).
إن آخر ما كتب في سجله النقدي الثري بحثاً نقديًّا، جاداً ورصيناً عن (ألف ليلة وليلة) بتكليف من مؤسسة (بروتا) الأميركية التي قامت بترجمته للغة الإنجليزية، فكتب هذا البحث بحصافته كاشفاً مجدداً عن رجاحة رؤياه النقدية وأصالتها ورصانتها ولمعانها النادر. كتبه باللغة العربية رغم باعه الطويل في اللغة الإنجليزية وآدابها، وقد ترجم البحث من قبل الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي إلى الإنجليزية. فآراؤه النقدية في هذا المجال، مُنعشة ومتفردة بأسلوبها وفهمها العميق للأدب واختلافها الشاسع عن كتابات الآخرين على حد تعبير الدكتورة سلوى الخضراء الجيوسي.
لقد قيض لي أن أتعرف على أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) عندما كنت طالباً بعمر الفتوة على مقاعد الدراسة في مدارس وكالة هيئة الأمم المتحدة (الأونروا) في مخيم اليرموك، لكنني عرفته عن كثب وعن قرب بعد سنوات طويلة عندما تلازمنا وأصبحنا زملاء في اتحاد الكتاب العرب وفي الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين.
وقد زاد من تلك المعرفة بعض الأصدقاء المشتركين في ميدان العمل والتواصل، الذين غادر بعضهم دنيا الوجود الفانية ومنهم الأخ والأب الكبير والأديب الفلسطيني مطر عبد الرحيم، والأديب الفلسطيني، والراحل عضو اتحاد الكتاب العرب الدكتور زهير غزاوي، والأديب والإعلامي الفلسطيني البارز في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا منذ تأسيسهما المرحوم داوود يعقوب، ومنهم من هو على قيد الحياة كالكاتب الفلسطيني محمد أبو عزة، والدكتور حسين عمر حمادة، والدكتور حسن حميد، والأديب أحمد سعيد نجم، والكاتب السياسي الفلسطيني داوود تلحمي، والأمين العام السابق للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين ووزير الثقافة الفلسطيني السابق والمقيم في رام الله يحيى يخلف، والكاتب والأديب الفلسطيني المقيم في العاصمة الأردنية عمان رشاد أبو شاور، والقاص جمال جنيد، والدكتور حسن الباش .... وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة على إيراد أسمائهم.
كان يوسف سامي اليوسف، صاحب الحضور المؤثر في جلسات كانت القيمة فيها تنبع من مضمون ما يتم طرحه من قضايا ثقافية وأدبية ونقدية ووطنية، ومن رؤى سديدة كان يوسف سامي اليوسف صاحبها الدائم، ففيها كان الجديد دوماً، ومنها كانت تندلع انقداحات وشرارات العقل والمعرفة وإعمال الدماغ. هذه خلاصة لجلسات كان أغلبها في صالون المرحوم الدكتور زهير غزاوي، فيما كان ثمرتها وزهوتها يوسف سامي اليوسف.
لم يُزحه البحث والنقد الأدبي عن الفعل السياسي والوطني العام في مجتمعه الفلسطيني داخل مخيم اليرموك وعموم دياسبورا الشتات والمنافي، فهو صاحب مقولة "لم يؤسسني أفلاطون ولا أرسطو، ولا كانط ولا هيجل، ولا الدكتور جونسن ولا (ت.س. إليوت) الناقد، ولا الآمدي ولا الجرجانيان، وإنما أسستني النكبة الفلسطينية، أو الكارثة التي حلت بفلسطين سنة 1948، وفي الصلب من يقيني أن من هو ليس مغترباً في سواء حضارة الأيدز والسفلس، حضارة النهب والعدوان، لا يسعه البتة أن يكون إنساناً، بل هو حيوان بليد وكفى" (في حوار له مع مجلة نزوى العمانية اللعد الصادر بتاريخ 14/7/2009).
إن رعشة المأساة الفلسطينية والدراما الحزينة للتغريبة الفلسطينية المتواصلة، وما يتعرض له فلسطينيو سوريا في هذا الوقت بالذات، تتجسد الآن مع رحيل الناقد والباحث والكاتب والأديب والمربي وأستاذ اللغة الإنجليزية يوسف سامي اليوسف بعد أشهرٍ قليلة من غربته الثالثة من مخيم اليرموك بدمشق باتجاه مخيم نهر البارد شمال لبنان.
رحم الله الناقد والأديب والكاتب يوسف سامي اليوسف، وأسكنه فسيح جناته، فكنزه الدنيوي كبير وثمين عند أصدقائه وأحبابه وجميع طلابه مع كل الأثر الطيب الذي تركه، وكل السيرة العطرة لرجل فلسطيني عصامي، ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته عربيًّا وفلسطينيًّا حتى نخاع العظم.
الذكرى الـ 26 للهروب الجماعي من سجن غزة المركزي .. !!
عبد الناصر فروانة/pnn
للحرية ذات الحروف القليلة مذاق آخر ، وأبعاد كثيرة ومعاني كبيرة ، وللأسرى المحرومين من الحرية أكانوا قدامى أم حديثي الاعتقال ، محكومين بالسجن لبضعة شهور أو لبضع سنوات ، أو حتى بالسجن المؤبد لمرة ومرات عديدة .... حلم يراودهم و يعيش معهم ، يكبر بداخلهم فهو غذائهم الأساسي ومصدر قوتهم وسر بقائهم على قيد الحياة .
و يبقى من حق الأسرى الفلسطينيين ، أن يحلموا بالحرية التي تعني كسر القيد كحق مكفول ومشروع ، وليس مهماً كيف يمكن أن يتحقق هذا الحلم ، بانتهاء فترة محكومياتهم ، أو ضمن صفقات تبادل الأسرى ، أو حتى من خلال " المفاوضات السياسية " ، وافراجات "حسن النية " والتي ازدادت بعد اتفاق أوسلو ، المهم أن يتحقق حلمهم دون المساس بالمبادئ والقيم والأهداف التي ناضلوا واعتقلوا من أجلها .
ولعل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ومن يقف خلفهم لم يدخرُ وسيلة إلا ولجأوا إليها لكسر قيدهم وضمان تحقيق حلمهم بما فيها عمليات الهروب الفردية أو الجماعية ، واستخدموها منذ عقود طويلة بأشكال وطرق عدة ، وفي مرات عديدة نجحوا بها ، ومن تلك العمليات كانت عملية الهروب الجماعي من سجن غزة المركزي في السابع عشر من مايو / آيار عام 1987 .
ان محاولات الهروب من السجون شائعة الحدوث في العالم قاطبة ، وأن قصص الهروب الناجحة منها كثيرة ومتعددة ، ولعل قصة الهروب التي نتحدث عنها اليوم من سجن إسرائيلي محصن هي واحدة من القصص الشهيرة في العالم ، ولعلها هي الأشهر والأبرز في السجون الإسرائيلية .
ففي السابع عشر من مايو / آيار عام 1987 وببركات شهر رمضان الفضيل ، نجح ستة من الفدائيين الفلسطينيين المأسورين في سجن إسرائيلي يقع وسط مدينة غزة ويُطلق عليه " سجن غزة المركزي " ( السرايا ) من نشر قضبان غرفة ( 7 ) في قسم ( ب ) الواقع في الطابق الثاني من السجن والهروب من عالم القيد رغم أنف السجان والإفلات من قبضة الاحتلال إلى عالم الحرية وساحة النضال الأرحب .
ستة أسرى ينتمون لـ " حركة الجهاد الإسلامي " بدأوا بنشر قضبان نافذة زنزاتهم ( الغرفة الصغيرة ) في العاشر من مايو / آيار بشكل مدروس ولمدة سبعة أيام متواصلة دون أن يلاحظ أو يشعر أحد بما يفعلون ، حيث بدأوا النشر من الجهة الخلفية للقضبان الحديدية خلال صلاة التراويح وأثناء آذان الفجر أحياناً ، وفي ساعات الفجر الأولى من يوم الجمعة الموافق السابع عشر من مايو وبعد الانتهاء من النشر وكسر القيود ، بدأ الشيخ / مصباح الصورى وتبعه الباقي بالخروج من النافذة الصغيرة والضيقة والتي تكاد تتسع لأجسامهم النحيفة .
ونزلوا إلى سقف تحت الغرفة بمسافة ثلاثة أمتار ومن ثم إلى معرش حديدي ثم الهبوط على الأرض على ماسورة من الحديد وتجولوا في السجن وفتشوا بعض السيارات التي كانت تقف بجانبهم بحثا عن سلاح .
وخشية من اكتشاف أمرهم سارعوا بتسلق شجرة كبيرة وعالية كانت تقع بجانب أسوار السجن الشاهقة ومنها قفزوا إلى خارج السجن باتجاه شارع الثلاثيني بغزة .
ويضيف فروانة في مقالته : وفي تمام الساعة السادسة من صباح اليوم التالي إكتشف ضابط (العدد) أمر هروبهم حينما تبين له أن 19 أسيراً فقط في الغرفة من أصل 25 أسيراً ، فأطلق صفارة الإنذار وأعلنت حالة الطوارئ في السجن ومبنى الحاكمية العسكرية الإسرائيلية الملاصق للسجن وسط مدينة غزة وانتشرت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود حول السجن ، وأجرت عمليات اقتحام وتفتيش واسعة لغرف وأقسام السجن ، وبعد فشل محاولاتهم بالعثور على الأبطال الستة أعلن مدير عام مصلحة السجون هزيمته وهزيمة جيشه وفشل كافة اجراءاته الأمنية أمام إرادة وعزيمة وإصرار الأسير الفلسطيني .
عملية رائعة استندت إلى خطة مدروسة ومتقنة اتسمت بالكتمان والسرية ، وتنفيذ دقيق لبنودها ومسارها وتعليمات معدها ، واعتمدت على الله ودعوات ورضا الآباء والأمهات وإرادة صلبة وعزيمة قوية وإصرار لا يتزعزع من قبل المنفذين .
لتشكل وعلى لسان بعض قادة الاحتلال فضيحة أمنية كبرى ، وصفعة قوية للمنظومة الأمنية الإسرائيلية ولادارة مصلحة السجون واجراءاتها الصارمة .
فالجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية أصيبت بالذهول ويجب أن تصاب بذلك وحتى بالانبهار للطريقة التي إستخدمها الأسرى الفلسطينيون للهروب من سجن يقع داخل مبنى الحاكمية الإسرائيلية بغزة ويحظى بحراسة كبيرة ومشددة على مدار ساعات اليوم , ومحاط بجدار شاهقة ، وأسلاك شائكة ، وأنوار ساطعة طوال ساعات الليل ، وكيف نجحوا في كتم أصوات نشر قضبان الحديد وتمكنوا من الإختباء في الساحة الداخلية للسجن بعيداً عن أعين الحراسة , ومن ثم الهروب والاختفاء خارج السجن .
ومن المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) صدق الله العظيم
مصباح الصوري ، محمد الجمل ، سامي الشيخ خليل ، صالح أبو شباب ، عماد الصفطاوي ، وخالد صالح .. هم أبطال المسلسل البطولي الناجح الذي حمل عنوان " الهروب الكبير " من سجن غزة المركزي ، ليواصلوا عطائهم ومقاومتهم للاحتلال في ساحة النضال الأرحب ، فمنهم من أعيد اعتقاله ، ومنهم من استشهد ومنهم من ينتظر .
( مصباح الصوري ) .. العقل المدبر والمخطط لعملية الهروب ، وهو أسير سابق أمضى 15 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي قبل أن يُطلق سراحه في إطار صفقة تبادل الأسرى عام 1985 ، ولديه خبرة سابقة بأساليب الحراسة ، وهو أول من قفز من النافذة الصغيرة ، ليقود إخوانه نحو الحرية والشهادة .
وبعد أكثر من أربعة شهور من المطاردة والاختفاء والمقاومة نال الشهادة في الأول من أكتوبر من عام 1987 خلال اشتباك مع وحدات كوماندوز إسرائيلية بالقرب من مخيم البريج وسط قطاع غزة.
ليلحق به ( محمد الجمل ) و ( سامي الشيخ خليل ) اللذان استشهدا أيضاً في اشتباك مسلح مع دورية إسرائيلية في حي الشجاعية شرق مدينة غزة في السادس من تشرين أول / أكتوبر عام 1987 .
فيما صالح أبو شباب ( إشتيوي ) اعتقلته سلطات الاحتلال بعد سبعة أيام من عملية الهروب وذلك في الخامس والعشرين من مايو ، وأن إحدى المحاكم العسكرية الاسرائيلية أصدرت بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة خمس سنوات بالإضافة إلى سنتين بتهمة الهروب من السجن .
بينما أفلح ( عماد الدين الصفطاوي ) وزميله ( خالد صالح ) بمغادرة قطاع غزة باتجاه مصر العروبة بعد بضعة شهور من إختفائهما بغزة بعيداً عن أعين الاحتلال ، وبعد شهرين تقريباً أبعدا إلى العراق ليستقبلا هناك أفضل استقبال من قبل المسؤولين العراقيين وبحضور مندوبين عن الأخ الشهيد أبو جهاد .
( عماد الصفطاوي ) عاد إلى غزة مع القوات الفلسطينية عقب التوقيع على اتفاق أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 ، وبعد مكوثه فيها لبضع سنوات أراد مغادرتها والسفر عبر معبر رفح جنوب القطاع والذي كانت تسيطر عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي وذلك بتاريخ 13-12-2000 لتعتقله من جديد وتعيده للسجن وتصدر بحقه حكما بالسجن الفعلي لمدة 18 سنة على تهم سبقت عملية الهروب ، وهو لا يزال يقبع في السجون الإسرائيلية وكنا نأمل أن تشمله صفقة شاليط " وفاء الأحرار " التي نفذت في أكتوبر من عام 2011 .
أما ( خالد صالح ) فبعدما وصل للعراق لم يهدأ أو يستكين فعمل بشكل مباشر مع الشهيد القائد " أبو جهاد " الذي كان يقضي معظم وقته آنذاك في العراق ، وبعد استشهاده في ابريل عام 1988 انتقل " خالد " إلى تونس للعمل هناك مع مجموعات الشهيد الخاصة ، ومن ثم تنقل للعمل في دول عربية عديدة منها لبنان ، سوريا ، ليبيا ، وأخيراً استقر به الحال في بلد المليون ونصف المليون شهيد " الجزائر الشقيقة " ويقيم مع أسرته على أرضها وفوق ترابها .
و ( لا ) أذيع سراً إن قلت بأن ( خالد صالح ) هو ذاته ( عز الدين خالد ) مسؤول ملف الأسرى في السفارة الفلسطينية هناك وأحد أبرز الإعلاميين المدافعين عن قضية الأسرى في الوطن العربي ، فهو من تبنى قضيتهم وناضل ويناضل باستماتة في الدفاع عنهم ، ويقضي ساعات طويلة من يومه من أجلهم على حساب أسرته وأطفاله وقضاياه الشخصية ، وهو من جعل قضية الأسرى دائمة الحضور وبقوة وعلى نطاق واسع في الجزائر الشقيقة ليقدم لنا نموذجاً رائعاً في الإعلام الخارجي المساند والداعم لقضية الأسرى بمساهمة بعض إخوانه من الفلسطينيين ومساعدة بعض أشقائه من الجزائريين ، فهو المسؤول الأول عن عدة ملاحق وعشرات الصفحات التي تختص بالأسرى وتصدر في العديد من الصحف الجزائرية .
السابع عشر من مايو / آيار عام 1987 سيبقى يوماً مميزاً وعلامة بارزة في تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة ، وانتصار يضاف لانتصاراتها العديدة ، ومفخرة يُسجل في سجلاتها الساطعة ، وستبقى عملية الهروب هذه محفورة في الذاكرة الفلسطينية .
الرد على النكبة بالمساواة والاستقلال والعودة
حماده فراعنه/أمد
كنا شعباً، من اللاجئين الفقراء نتوسل لقمة العيش والبحث عن فرص الحياة بالعمل والتعليم مصحوبة بفسحة من أمل، وكانت المحاولات الجادة من شعبنا في كافة أماكن تواجده، بقطاع غزة من ياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف، ومن سورية أحمد جبريل وفضل شرورو وطلال ناجي، ومن الأردن جورج حبش وبهجت أبو غريبة وطلعت يعقوب، ومن لبنان شفيق الحوت وجلال كعوش، ومن الداخل الفلسطيني اميل حبيبي وتوفيق زياد وتوفيق طوبي وصبري جريس، وفي مقدمتهم وعلى رأسهم احمد الشقيري ويحيى حمودة وحامد أبو ستة، وغيرهم العشرات من القادة والمتفانين والشهداء الذين لا يتسع المقال أو الذاكرة لذكرهم، حيث كان لهم الفضل الأول في تغيير الصفة لنا، لشعبنا، أمام عدونا أولاً وأمام الأصدقاء الذين تجاوبوا ثانياً، لأن نكون شعباً له عنوان، وعنواننا الأول كان النضال من اجل التحرير والعودة والذي توج عبر التضحيات لأن تكون منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا العربي الفلسطيني مجسدة حقوقه ومعبرة عن تطلعاته، على ارض الواقع، وعلى طاولة الاهتمامات الدولية ولدى الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة، وكان ذلك هو الإنجاز الأول.
وكان الإنجاز الثاني عبر الانتفاضة المدنية الباسلة في مناطق 67 العام 1987 التي غيرت قواعد اللعبة وجغرافية الصراع، وانتزعت الاعتراف الإسرائيلي الأميركي العام 1993 بالعناوين الثلاثة : 1- بالشعب الفلسطيني 2- بمنظمة التحرير 3- بالحقوق السياسية المشروعة لشعبنا الفلسطيني، وعلى أرضية هذا الاعتراف تم 1- الانسحاب الاسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية 2- عودة اكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني الى الوطن 3- ولادة السلطة الوطنية باعتبارها المقدمة ومشروع الدولة على أي جزء يندحر عنه الاحتلال، على قاعدة استعادة حقوق شعبنا بشكل تدريجي متعدد المراحل وفق الحل المرحلي الذي صاغته منظمة التحرير واقره المجلس الوطني في دورته الثانية عشرة العام 1974 حتى يومنا هذا، ولا زال هذا هو الحل المنطقي شريطة عدم الإخلال بحقوق شعبنا غير القابلة للتصرف او التبديد او التلاشي 4- وهذا هو المهم، تم نقل الموضوع الفلسطيني برمته من المنفى الى الوطن، ولم يعد الصراع كما كان قبل أوسلو، أردنياً فلسطينياً، وسورياً فلسطينياً، ولبنانياً فلسطينياً، بصرف النظر عمن يتحمل مسؤولية هذا الصدام العربي العربي أهي القيادة الفلسطينية أو العواصم العربية المتصادمة مع سياسات منظمة التحرير عمان ودمشق وبيروت وبغداد والقاهرة، حيث كان الصراع بين الشقيق وشقيقه داخل جبهة الصديق، ولكن بعد أوسلو انتقل العنوان والقيادة وموازين القوى الى داخل الوطن، حيث بات الصراع واضحاً مكشوفاً بين الشعب الفلسطيني من طرف وعدوه الذي لا عدو له سواه من طرف آخر، إسرائيل التي تحتل ارضنا، ونهبت حقوقنا وتدوس على كرامتنا، والصراع سجال بين إسرائيل وفلسطين حيث لها القوة والتفوق البشري والعسكري والاقتصادي والسياسي والاستخباري والتكنولوجي، ولفلسطين صمود شعبها على ارضه في مناطق 48 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، وفي مناطق 67 في الضفة والقدس والقطاع، وعدالة قضيتها وشرعية نضالها وحكمة القيادة الائتلافية التي تقود شعبها.
اما الانحياز الثالث فهو الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة العام 2005 وإزالة قواعد جيش الاحتلال وفكفكة المستوطنات التي تمت بفعل الضربات الموجعة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية وعملياتها ضد الإسرائيليين، رغم الأخطاء المتكررة بالمس بالمدنيين الإسرائيليين التي شوهت شكل ومضمون النضال الفلسطيني أمام العالم وأفقدتنا معسكر السلام والأصدقاء داخل المجتمع الإسرائيلي الذي لا غنى عنه كشريك من اجل المستقبل المشترك للشعبين على الارض الواحدة بالدولة الديمقراطية او بالدولتين المتجاورتين، رغم هذه الخسارة التي يجب استعادتها، سيبقى ترك جيش الاحتلال ومستوطنيه لقطاع غزة عنواناً للإنجاز الفلسطيني على طريقه الطويل لاستعادة كامل حقوق شعبنا وفي طليعتها العودة، والعودة تعني إلى المدن والقرى التي طردنا منها من اللد والرملة ويافا وحيفا وبئر السبع، واستعادة ممتلكاتنا فيها وعلى ارضها.
حق العودة، إلى جانب المساواة في مناطق 48، والاستقلال لمناطق 67، اخلت به مبادرة السلام العربية بدون تضليل وادعاء بالتمسك بالحقوق الثابتة، فقد قبلت المبادرة العربية بحل مشكلة اللاجئين بالموافقة الإسرائيلية، وهو تنازل مجاني مسبق عن حق العودة وفق القرار 194 المتضمن ثلاثة حقوق أولها عودة اللاجئين الى وطنهم في مناطق 48، وثانيها استعادة ممتلكاتهم التي نهبتها الدولة العبرية وصادرتها، وثالثها التعويض على الجرائم والانتهاكات والجوع والتشرد الذي عانى منه الشعب الفلسطيني منذ نكبته حتى اليوم، أما التنازل المجاني الثاني الذي قدمته المبادرة العربية فهو ما يسمى بالتبادلية، وهو أيضاً تنازل مسبق رد عليه نتنياهو بعدم الشكر وعدم التقدير والمطالبة بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وهذا يعني أولاً المساس بحقوق خمس سكان إسرائيل من الفلسطينيين العرب على انهم ليسوا مواطنين في وطنهم في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ويعني ثانياً عدم عودة اللاجئين الى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وبئر السبع التي طردوا منها، وما زالت كواشينهم معهم ومفاتيح بيوتهم بحوزتهم.
لتبق النكبة شعاراً رديفاً للعودة، مهما طال الوقت وتعسف الواقع، ولا زلنا في العام 65 للنكبة، وسنعود وصوت شعبنا في فلسطين يقول:
اولاً : نجوع، نعرى، نتحدى، ننشر الإشعار، ونملا الشوارع الغضاب بالمظاهرات، ونملا السجون كبرياء، ونصنع الأطفال جيلاً ثائراً وراء جيل، انا هنا باقون، فلتشربوا البحرا، ونأكل التراب ان جعنا، ولا نرحل، هنا لنا ماض وحاضر ومستقبل . لاننا هنا باقون، في اللد والرملة والجليل، هنا على صدوركم باقون كالجدار، في حلوقكم، كقطعة الزجاج، كالصبار، وفي عيونكم، زوبعة من نار.
وثانياً نقول لعدونا: اخرجوا من أرضنا، من برنا، من بحرنا، من قمحنا، من ملحنا، من جرحنا، من كل شيء، واخرجوا، من ذكريات الذاكرة.
فلسطين بين المقاومة والمفاوضات
ابراهيم الشيخ/أمد
يُحيي الشعب الفلسطيني في الخامس عشر من ايار من كل عام ذكرى النكبة االأليمة، ولا يزال هذا الشعب يحلم بالعودة الى بيوته وارضه التي شرد منها قسراً، وتستمر مأساة التشرد التي لا تنتهي، وكأنه كُتب لهذا الشعب العيش في العذاب والغربة.
ولكن لا يكفي احياء الذكرى في كل عام بإقامة المهرجانات والتظاهرات واللقاءات وكتابة مئات المقالات عن النكبة، ولا يكفي التغني ورفع الشعارات الرنانة، ولا يكفي ان نقول اننا لن ننسى ديارنا واراضينا التي هُجِرَ ابائنا وامهاتنا واجدادنا منها، ولكن يجب علينا مقاومة المحتل ولا نجعله يهنأ ولو للحظة واحدة باحتلاله ووجوده على ارضنا.
يجب على الشعب الفلسطيني ان يقتلع من يقف في طريقه ومنعه من تحقيق حلمه بالعودة والتحرر ونيل الحرية، وان هذا الهدف لن يتحقق عن طريق المفاوضات التي تُقزم من المطالب الفلسطينية، وبالتالي اختزال فلسطين بعدة مدن وقرى في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالمقاومة تجعل من فلسطين كبيرة، فلسطين التي تستوعب كل الشعب الفلسطيني، لان طموح المقاوم هو تحرير كل الارض الفلسطينية، اما اشكال المقاومة فهي متعددة، وعلى رأسها المقاومة المسلحة التي اصبح القادة الفلسطينيون يخجلون من ذكرها أو نطقها لخوفهم من غضب المحتل الاسرائيلي عليهم وتجريدهم من امتيازاتهم التي حصلوا عليها من دولة الاحتلال.
اما المفاوض فهو يلهث وراء اي شيء يقدمه له المحتل، لمعرفة هذا المحتل ضعف المفاوض الذي لا يرتكز على دعم جماهير شعبه ومقاومته، وانما يرتكز على تحقيق مصالح ضيقة من اجل استمرار سلطته الوهمية التي اصبح وجودها كابحا لتطلعات شعب يريد الحرية ومقاومة المحتل.
ان مقاومة المحتل حق لا يستطيع منعهأحد ، وكل القوانين تشرع هذه المقاومة، ولكن القيادات الفلسطينية التي لا يهمها سوى الحفاظ على سلطتها الوهمية نتيجة اتفاقات اوسلو المشؤومة، وهذه السلطة هي من صنع دولة الاحتلال التي ترى في هذه السلطة مصلحة اسرائيلية من اجل تأمين مصالحها، ولكن حان الوقت ليقول الشعب الفلسطيني لهذه القيادات والمنتفعين من السلطة كفى، كفى عبثا واستهتارا بمصير الشعب الفلسطيني الذي له كلمة الفصل بتقرير مصيره واستعادة حقوقه المسلوبة
خمسة وستون عاما مضت دون ان يحقق الشعب الفلسطيني حلمه بالعودة، وهذا يرجع في المقام الاول الى تعنت المحتل بعدم التنازل عن الارض التي استولى عليها بالقوة، لأنه لا يجد من يردعه ويجبره من الجانب الفلسطيني والعربي على الانسحاب والاذعان للمطالب المشروعة، ولذلك استمرت سرقة الاراضي واقامة المستعمرات عليها، ولان العرب اثبتوا ضعفهم وعدم قدرتهم على مواجهة هذه الدولة الغاصبة، ازدادت شراهة اسرائيل باحتلال باقي الارض الفلسطينية، وحتى اراض من الدول العربية المجاورة، ويساعد دولة الاحتلال في ذلك امريكا حاملة راية الحرية وحقوق الانسان، ولكن ليس الانسان الفلسطيني، ويساعد هذه الدولة المحتلة ايضا الدول الكبيرة التي تسيطر على مجلس الامن، ولا تعمل شيئا لتطبيق القرارات الدولية التي تقف الى جانب الحق الفلسطيني.
ان القيادات الفلسطينية عملت على ترويض الشعب الفلسطيني وثنيه عن محاربة العدو الصهيوني لتثبت حسن نيتها تجاه المحتل، ولكي تثبت هذه القيادات اخلاصها للجهات التي تدعمها بالمال المشروط بعدم مقاومة المحتل، وعدم الذهاب الى محكمة الجنايات الدولية، وما هذا السكوت عن جرائم المحتل سوى تواطئا معه، وتشجيعه على فعل المزيد من سرقة الاراضي وتدنيس المقدسات، واذلال وقتل ابناء الشعب الفلسطيني.
يجب ان يأخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة بتقرير مصيره بنفسه من خلال تنظيم مقاومة فعالة مستمرة ضد الاحتلال، وعدم الاكتفاء بهبات متفرقة هنا وهناك، لان هذا النوع من المقاومة الذي يحصل بالمناسبات لا يجدي نفعا، ولا يجبر العدو على التقهقر والاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
ان الشعب الفلسطيني يجب ان لا ينتظر بدء المفاوضات العبثية مرة اخرى، وان لا يأمل شيئا من دولة الاحتلال، لانها لن تقَدم شيئا لصالح الشعب الفلسطيني، فهذه المفاوضات لم تسفر عن شيء سوى عن المزيد من بناء المستعمرات، فعلى الشعب الفلسطيني بعد خمسة وستين عاما التعلم من دروس الماضي بعدم تصديق الوعود الكاذبة والعيش على الامل، وانما يجب الاعتماد على النفس والتضحية، لان فلسطين تستأهل بذل كل غالي ورخيص من اجلها.