-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 401
اقلام واراء محلي 401
في هذا الملـــــف:
حركة "فتح" بلا قيادة وبلا رؤية اجتماعية واضحة
بقلم: : جهاد حرب - معا
تغريدة الصباح - الساق على الساق: حكايات بلا رواة
بقلم: عدلي صادق - الحياة
إمارة الشعر الفلسطيني
بقلم: يوسف أبو عواد - الحياة
هنا القدس هنا اختبار الأمة
بقلم: يحيى رباح - الحياة
أهمية مقاطعة مؤتمر بيريس
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
أحفاد النكبة.. صورة قلمية
بقلم: موفق مطر - الحياة
اسرائيل تحول جهود السلام الى مهزلة !!
بقلم: حديث القدس – القدس
د. سلام فياض وحرية الصحافة
بقلم: المحامي راجح ابو عصب - القدس
عقدة شمشون الإسرائيلية وعقيدة رفض السلام
بقلم: جوناثان كوك - القدس
ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!
بقلم: المحامي جواد بولس - القدس
.. ولولا الخلاف على روايات النكبة؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل - الايام
النكبة ومذياع عكا
بقلم: عبد الناصر النجار - الايام
النكبة: جدل العلاقة بين المكان والزمان
بقلم: حسين حجازي - الايام
فرح لا بديل
بقلم: وليد ابو بكر - الايام
رفقا بنا من قاعدة "الشعب متهم وعليه إثبات براءته"
بقلم : صلاح هنية - الايام
غزة بين الجلد والقطع
بقلم: رامي مهداوي - الايام
حركة "فتح" بلا قيادة وبلا رؤية اجتماعية واضحة
بقلم: : جهاد حرب - معا
يقال "عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ" ويقال "العتب على قدر المحبة". شكلت، وما زالت تمثل، حركة "فتح" التنظيم الجماهيري الأوسع الذي قاد العمل الوطني في الثورة المعاصرة للشعب الفلسطيني، وكذلك الحكم في السلطة الفلسطينية على مدار التسعة عشر سنة الماضية، مما يعني أن شؤونها وأوضاعها الداخلية وسلوكها واهتماماتها وما يصدر عنها أو عن قيادتها وناطقيها محل اهتمام شعبي لا يقتصر على اعضائها ومناصريها بل المجتمع الفلسطيني بأطيافه المختلفة.
(1) لجنة مركزية بلا مفكرين ومنظرين
يبدو ان عصر المفكرين في حركة فقد انتهى بوفاة خالد الحسن وقبله ماجد ابو شرار، كما انتهى عصر القادة المنظرين كصلاح خلف والموحدين كخليل الوزير. هذا ليس حبا وحنينا للماضي بل الأمر يأتي في اطار المقارنة بغية اعادة النظر في الخيارات القاعدية أو اعضاء المؤتمرات الحركية عند اختيار قيادتهم والتأسيس لقواعد عقلية ناظمة للاختيارات ومحدداتها.
أغلب اعضاء اللجنة المركزية جاؤوا، في انتخابات المؤتمر السادس، من خلفية سلطوية إما من أجهزة أمنية أو مدنية في السلطة الفلسطينية، ولم يكونوا من المنخرطين في العمل الجماهيري أو الفكري الحركي أو الثقافي العام، وهم بطبعتيهم السلطوية لا يرغبون في القراءة المتعمقة؛ هنا لا نتحدث عن قراءة الصحف والإطلاع على البرامج التلفزية أحيانا أو التقارير التي تأخذ الطابعي الوصفي أو ألاستخباري، التي تأخذ بعين الاعتبار الاستشراف من ناحية وتتطلب إعمال العقل وتحتاج الى التحليل وإعادة التركيب. وهم أيضا يفضلون مستشارين من الدرجة الثالثة أو أدنى في مهنهم، ولا يرغبون أو يخافون من منتجي المعرفة أو أصحاب الرأي الحر والمنطق السليم الذي لا يضع في اعتباره ما يحب ويرضى رئيسه أو "سيد نعمته" كما يعتقد البعض.
هذا ناهيك عن اقرار أعضاء في اللجنة المركزية في تصريحات لهم؛ كعباس زكي بأن "القيادة الحالية لحركة "فتح" ليست مؤهلة على أي نحو أو على أي صعيد أن تجسد طموح الشعب الفلسطيني بالنصر، وان الوضع التنظيمي لفتح والوضع الفلسطيني بشكل عام أثبت أنه بحاجة إلى قيادة ذات حضور فاقع ومتألق تشغل العالم بقضية فلسطين كما كانت القيادة التاريخية السابقة"، فيما جبريل الرجوب يقول في احد مقابلاته أن اعضاء اللجنة المركزية حتى الان لم يستوعبوا أنهم في "الاطار القيادي الأول" للشعب الفلسطيني.
لا تأتي هذه التصريحات في اطار النقد اللاذع لطرائق عمل قيادة حركة فتح فقط وفشلها في لم شمل أبناء الحركة، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بل في فشلها باختراق أو مواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني سواء في انهاء حالة الانقسام أو في قيادة النضال الشعبي أو في معركة المفاوضات باعتبارها اسلوبا نضاليا لإنهاء الاحتلال، أو حتى اتخاذ قرار في المواجهة السياسية والدبلوماسية على صعيد المؤسسات الدولية بعد ترفيع مكانة فلسطين الى دولة غير عضو في هيئة الامم المتحدة بالانضمام الى المواثيق الدولية والمؤسسات الدولية بحيث بات ينطبق المثل الشعبي "كأنك يا أبو زيد ما غزيت" فما الفائدة من المواجهة دون تحقيق انتصارات حقيقية.
(2) حركة فتح بلا هوية اجتماعية
بعد تسعة عشر عاما على الحكم في السلطة الفلسطينية، ما زالت حركة فتح لم تحسم أمرها في القضايا الاجتماعية المطروحة في المجتمع الفلسطيني. قد يكون صائبا في مرحلة التحرير انها لم تتبنَ موقفا من القضايا الاجتماعية باعتبارها حركة وطنية تريد صب جميع الطاقات الوطنية في بوتقة النضال الوطني، لكنها في دستورها الفكري والتنظيمي كانت منحازة لبناء مجتمع تقدمي ودولة ديمقراطية "تحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على اساس العدل والمساواة"، حينها في اطار دفع "الثمن" لم يكن أحدا من النساء والرجال يبحث في القضايا الاجتماعية انما في تحقيق الهدف السياسي.
وبما أن حركة فتح بما فيها جنتها المركزية قررت، في العام 1993، خوض معركتين متوازيتين وليست متتابعتين؛ الأولى مقارعة الاحتلال وإنهائه بطرق نضالية مختلفة ومتعددة تعدد الاجنحة والاطرحات الداخلية في حركة فتح، والثانية بناء الدولة الديمقراطية والمجتمع التقدمي وفقا للهدفين الثاني والثالث المرسومان في نظامها الاساسي، كان ينبغي عليها ان تُجيب على مجمل الاسئلة المطروحة في القضايا الاجتماعية خاصة تلك المتعلقة بالمساواة والحريات العامة خاصة في ظل منافس قوي يطرح نظاما وسلوكا اجتماعيا محددا وكذلك تخبط فتحاوي في الطرح الاجتماعي ونظرتهم للمجتمع بما فيه مؤسسات المجتمع المدني "NGOs" وديناميكيات التطور المجتمعي وتفعيل قواه الحية.
فقط خلال الاسبوع الماضي طرح الزميل جمال نزال موقفا من قضية تعديل قانون الاحوال الاجتماعية فيما طرح الصديق عيسى قراقع موقفا من قضايا القتل على خلفية الشرف المزعوم يتناقضان في المنطلقات الفكرية والاجتماعية؛ الأول يريد تطبيق الشريعة و"يُدين" المطالبة في تقاسم الثروة بعد الزواج باعتباره بدعة "انجوزية"، فيما يرى الثاني أن عمليات القتل هذه تهدر دماء النساء دون سبب في انتهاك صارخ ليس فقط لحق الدولة في السيادة بل بالأساس للحق في الحياة التي حبانا اياه رب العالمين.
جبن "كتلة" فتح في تمرير قانون العقوبات "معقول ومقبول" في لعام 2003 ابقى سريان قوانين للعقوبات بالية ولا تراعي تطور الحياة وعصريتها ولا مبادئ حركة فتح ذاتها. لذا اصبح طرح الموضوعات الرئيسية في القضايا الاجتماعية أمرا ضروريا للخروج من "نظرية القبيلة" الممارسة في القضايا الاجتماعية الى تبني مواقف تقدمية منفتحة لا تأخذ بعين الحسبان قوى الدفع الخلفي، رغم ادراكي لغياب قائد ملهم في القضايا الاجتماعية كالحبيب بو رقيبة ومفكر ناضج كطاهر حداد لإنتاج قانون أحوال الشخصية، وترسيخ المساواة ما بين الرجل والمرأة بشكل عملي ليس فقط في المشاركة السياسية والحياة العامة بل في الميراث ومشاركة الزوج في الثروة طبعا بعد الزواج وفي الزواج المدني وفي الحرية الشخصية وتحديد اختياراتها؛ فالمؤتمر السادس فشل في انتخاب امرأة واحدة على الاقل في اللجنة المركزية فيما لم تدرك أو تتدارك اللجنة المركزية "الجديدة" ذلك باستكمال اعضاء اللجنة المعنيين من النساء بل جاؤوا بامرأة على خلفية طرد عضو فيها والعيب هنا ليس فقط في القيادات الوسطى لحركة فتح بل أيضا في قيادتها المركزية وفي تقديراتهم لمعرفتهم بسيادة افكار الذكورية للقبيلة.
كما بات مطلوبا تحديد موقف واضح في مسألة الحريات العامة والحريات الفردية وفي مقدمتها حرية التعبير حيث لم تتخذ اللجنة المركزية، بعيدا عن سجال الانقسام، موقفا صريحا حول حرية التعبير والخروقات التي مورست بحق الصحفيين والكتاب خلال السنتين الاخيرتين.
فمن غير المعقول أو المقبول ان تبقى حركة شعبية كبيرة بحجم فتح "ذات فكر تقدمي" لا تحدد خياراتها الاجتماعية، ام أن حالة التندر الشائعة بأن حركة فتح المختلفة سياسيا مع حركة حماس لا تختلفان في القضايا الاجتماعية عند التصويت عليها في المجلس التشريعي تصيب كبد الحقيقة. وهل سنرى فصل النساء عن الرجال في الاجتماعات والاحتفالات القادمة لحركة فتح على غرار النمط الشيعي أو بعض الاحزاب الفلسطينية خوفا من الاختلاط.
تغريدة الصباح - الساق على الساق: حكايات بلا رواة
بقلم: عدلي صادق - الحياة
اقتربت الرواية العربية، من الذكرى المئوية لانطلاقتها. حين نتأمل نقطة الانطلاق تلك، في العام 1914 ويمثلها ظهور الكتابة العربية السردية الأولى، بالمواصفات الفنية للرواية؛ نلاحظ أن محمد حسين هيكل، العائد من فرنسا، بدرجة الدكتوراة في الحقوق، قد تأثر بأعمال أدبية فرنسية، فأراد إدخال هذا النوع الأدبي، الى الثقافة العربية، بعد أن غدا شائعاً وغنياً ومزدهراً عند الآخرين. ففي فرنسا وحدها، ظهرت أعظم الأعمال في القرن التاسع عشر. كتب هيكل "زينب" كبداية متواضعة، لعلها تفتتح فضاءً جديداً لنمط تعبيري، ستغتني به ثقافتنا ومن ثم الفنون. ومثلما زاوج أعظم الأدباء الفرنسيين، بين الصحافة والقَصْ، ارتحل محمد حسين هيكل من المحاماة الى مهنة المتاعب، التي تأخذ ممتهنها الى كل تفصيلات المشهد الاجتماعي في بلاده. فقد كان أغزر الروائيين في فرنسا هو الصحفي "أونوريه دي بلزاك" مؤسس المنحى الواقعي في الأدب العالمي. عاش ذلك الأديب حياة قصيرة، كان فيها يعاجل الموت بغزارة انتاجه. أما "فيكتور هيجو" صاحب "البؤساء" وكان الأحدث عهداً بالنسبة لصاحب "زينب" فقد تركت سيرته لمن يرغب في اقتقاء أثره؛ ومضات عزم ومناقبية وانحياز للجماهير. على ذلك الدرب، كان مفتتح الرواية العربية، صحفيا وبرلمانياً مشاكساً في وصف المستبدين، منبهاً ومحذراً حسب التوصيف الموضوعي لدوره السياسي والاجتماعي. فبالنسبة لـ "هوغو" أدرك ناموس حركة المجتمع، ووصفه في صيغة تحذيرية، ينبه بها عمنا السلطان:"إذا أعَقْتَ مجرى الدم في شريان؛ ستكون الجلطة هي النتيجة. وإذا أعَقْتَ مجرى الماء في نهر، فالنتيجة هي الفيضان. وإذا أعَقْتَ الطريق الى المستقبل؛ فإن الثورة هي النتيجة"!
كان "غوستاف بلوبير" بالنسبة لصاحب "زينب" مثالاً مهماً إن لم يكن مثالاً أعلى. جمع الأول بين الواقعية والرومنطقية التي تجوس في ثنايا النفس الإنسانية، وعواطفها، وطبائعها، وأشواقها وتناقضاتها، لا سيما في "روايته" الملحمية العاطفية "مدام بوفاري" حيثما كانت القرية وعزلتها وطموحات فتياتها، نقطة انطلاق "بلوبير" للسرد الشيّق!
* * *
الرواية العربية تستكمل قرنها الأول. في الآونة الأخيرة، ظهر ارتفاع على وتيرة الإنتاج. ومرت سنوات كسولة على هذا الصعيد. لكن الغريب والصادم، هو انحسار الأعمال الروائية، في مواضع الآلام الوطنية، الى درجة الشُح. ففي فلسطين، مر علينا نحو عقدين، شهدنا فيهما صدمة "أوسلو" ثم وقائع انهيارها، دون أن نشهد، بالنسبة للأولى، توغلاً للمخيلات الأدبية في ثنايا المجتمع وثقافته وصيرورات أو تداعيات تلك "الصدمة" على أمنياته القصوى، المتعلقة بوطننا فلسطين. أما بالنسبة لانهيار عملية التسوية، وما غشي أوقاتنا، خلال هذا الانهيار، من انقضاضات بالنيران، على المجتمع الفلسطيني، أوقعت موتاً وجراحات ومآسي وهدماً للمنازل؛ فلم تنعكس هذه الوقائع، في أعمال أدبية. ذلك علماً، بأن مواكبة الألم الفلسطيني بالكتابة عنه، لم يكن يتطلب الخارق والبارع من الخيال الأدبي. كان يكفي أن يغمس الروائي قلمه في وقائع ماثلة، تحكيها الأمهات بلغة بسيطة، ويرويها هو ببعدها الإنساني مع حبكة نمطيّة!
في فلسطين، ظلت الحكايات بلا رواة. بينما الأمم، تنتج أدبها من مآسيها ومن أحزانها وشقائها. وهنا ننوه بامتنان، الى كاميرا التلفزة والصحافة عموماً، التي وفرت بعض التعويض في الشُح الروائي. لكن المحزن، أن التلفزة عندما تستنطق واحدة من الأمهات، استباح المحتلون أرضها، واقتلعوا زرعها وسرقوا ماشيتها وخرّبوا محراثها، تنطق السيدة بكلمات بريئة فتقول إنهم فعلوا وفعلوا وفعلوا ثم تردف بتلقائية وبساطة "مش حرام عليهم؟!". وكأن العدو يعرف الحرام من الحلال. ويغيب الروائي الذي يرسم صورة المحتل بكل قسماتها التي تزداد قبحاً في كل يوم!
قبل ظهور الرواية الحديثة، كانت هناك محاولات ليس لها مواصفات القص كنوع أدبي. فقد أصدر اللبناني أحمد فارس الشدياق، وهو صحفي أيضاً، عاصر "هوغو" و"غوستاف بلوبير" و"أونوريه دي بلزاك"؛ محاولته الأدبية، على شكل خليط من أجناس أدبية عدة، وثرثرات وتلميحات، في كتاب بعنوان "الساق على الساق فيما هو الفارياق". كانت للشدياق تجربة الترحال الشبيهة بالترحال الفلسطيني، ثم جعله الألم يكتب ويلمّح بالقدر الذي يسمح بالنشر. وُلد مارونياً، وانتقل من مذهب مسيحي الى آخر، ثم دفعه الحزن على شقيق له بطشت به الكنيسة وسجنته؛ الى اعتناق الإسلام، ليبدأ صراعاً مع التخلف والجمود في المجتمع، ويخترع مصطلح "الاشتراكية" للمرة الأولى في لغتنا!
كان حبس الفتى، في الكنيسة، سبباً في ظهور "الساق على الساق..". لكن نحو أربعة آلاف أسير، وفق المعدل الدائم لعدد أسرى الحرية الفلسطينيين، لم يُفض الى حركة روائية بحجم آلام أسرة واحدة، علماً بأن أن وراء كل أسير حكاية ملحمية. إن المئوية تقترب، والزخم الأدبي من حولنا في ازدياد، بينما "الحركة" الأدبية الفلسطينية بلا حراك، إذ يضع معظم أدبائنا "الساق على الساق" ولا يقدمون لمجتمعهم ترياقاً شافياً!
إمارة الشعر الفلسطيني
بقلم: يوسف أبو عواد - الحياة
ليس لأني شاعرٌ سأُمجد الشعرَ والشعراء، لكنها الحقيقة التي يعرفها الأدباءُ والمهتمون بأن الشعر هو كما ذكر العقاد فن اللغة العربية الأول، فالشعر له سيطرة عجيبة على النفوس فبالشعر ترتفع الهمم وتعلو العزائم وتشمخ النفوس.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول لحسان بن ثابت: "اهج قريشاً فإنه { يعني الشعر} أشد عليهم من الرشق بالنبل"، والشعراء شغلوا الناس والدنيا أمواتا بمثل ما شغلوهم أحياء.. ومهما اختلف الناس في نظرتهم للشعراء فهم ملوكُ الكلمة وأمراءُ القوافي وربانُ البحور.
وبالمناسبة الاهتمام بالشعر موجود لدى كل الشعوب، وليس فقط لدى العرب، الذين يعتبرون الشعر ديوانهم. فهذه الشاعرة الأميركية مارجريت راندال تقول إن الشعر هو كافيار الأدب. والشعراء الملتزمون بقضايا أمتهم الحاضنون لقيمها وحراس مثلها بقلب كل منهم ألف متنبي ومتنبي فالدكتورة سعاد الصباح تقول: أنا بالشعر أمشي ورأسي في السماء وأحمد شوقي يقول: جاذبتني ثوبي العصي وقالت أنتم الناس أيها الشعراء.
وديوان العرب حقيقة يزخر بمئات بل آلاف القصائد والمعلقات التي تفجر الطاقات الوطنية وتلهب الحماس الشعبي وتستنهض الهمم لقضيتنا التي هي قضية كافة العرب والمسلمين وساحتنا الفلسطينية فيها الكثير من الشعراء الذين أثروا ساحات النضال ببهاء وعمق وقوة أشعارهم التي تميس وتهيج بسماعها الرجال الرجال ويطرب لها الجسورون الأبطال وأنا أقولها بكل صراحة وبما عودتنا عليه قيادتنا الفلسطينية من شفافية ومفاتحة وأخص بالذكر الرئيس أبو مازن الذي يتسع للصراحة والنقد الغيور الهادف البناء صدرُهُ.
إنني وكثيرين غيري من الشعراء الفلسطينيين لا يعجبنا ولا يروق لنا أن يتمَّ التركيزُ في فضائنا الثقافي الفلسطيني وفي خيمة شعرنا على شاعر واحد بعينه، كما هو حاصل الآن بكل أسف..... فقليل وقلة من الجيل الجديد من شبابنا الصاعد يذكرون أو يتذكرون الشاعر إبراهيم طوقان، وأخته أم الشعر الفلسطيني كما لقبها الراحل الشاعر محمود درويش، الشاعرة فدوى طوقان التي كان لي الشرف أن استضافتني بلقاء صحفي في منزلها بمدينة نابلس بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
وقلة أيضا يذكرون أو يتذكروا الشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، والشاعر توفيق زيّاد والشاعر سليم الزعنون أبو الأديب، وشاعر التضحية والفداء ابن عنبتا الشاعر عبد الرحيم محمود صاحب القصيدة الشعرية المشهورة في العالم العربي والاسلامي والتي مطلعها: سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يُغيظ العدى، ونفس الشريف لها غاياتان ورود المنايا ونيل المنى، والشاعر أبو هشام صاحب طالع لك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع، وصاحب أنا صامد صامد، وصاحب هذا هو دربي، وغيرها كثير، ولو لم يقل أبو هشام سوى كلمات النشيد الوطني الفلسطيني ( فدائي) لكفاه فخراً.
وبالتالي فإننا نأمل من قيادتنا الحكيمة ومن إعلامنا الواعي والملتزم أن يتعاطى مع هذه الجزئية بحذر شديد وأن يسددوا ويقاربوا ويوازنوا الأمور لأننا وبكل صراحة نرفض فكرة القطب الواحد في هذا الميدان، وليعلم من يعلم ومن لا يعلم أن إمارة الشعر في فلسطين يتربع على منصتها أكثرُ من أمير.
هنا القدس هنا اختبار الأمة
بقلم: يحيى رباح - الحياة
لا يوجد عربي ولا مسلم، إلا ويعلم أن القدس تعيش هذه الأيام ذروة الاشتباك، الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي بكل مفاعيله من المستوطنين، وجماعات دينية أكثر تطرفاً من التطرف نفسه، وتكتيكات سياسية تقوم بها الحكومة الإسرائيلية مباشرة عبر إداراتها وقوانينها وأجهزتها العسكرية والأمنية، بهدف أقله قطع الطريق على محاولات إحياء عملية السلام، أي قطع الطريق على إمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف، القدس الشرقية، في الحدود التي أقرتها قرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار الجمعية العامة في نهاية شهر نوفمبر الماضي، أي حدود الرابع من حزيران عام 1967.
و الاشتباك الذي تخوضه مدينة القدس في ذروته، يواجه أنماطاً من السلوك السياسي الإسرائيلي أصبح راسخاً منذ الأيام الأولى لانطلاق الحركة الصهيونية، أي أن الحركة الصهيونية سابقاً، وإسرائيل حالياً، توافق ظاهرياً على شيء بينما هي في حقيقة الأمر تعمل على تقويضه تماماً، وجعله مستحيل التنفيذ على أرض الواقع، مستعينة بذلك باختراقات في جسد الأمة نفسها، أو طموحات غير مشروعة عند بعض الأطراف العربية والإسلامية، أو الجهل المطبق بالضرورات عند الطرف الأخر، مثلما يحدث الآن في الحالة العربية الإسلامية الراهنة، حيث الثقافة السائدة هي ثقافة المجرد، ثقافة الغيب التي تعتمد على خطابية الشعار دون أدنى معرفة باحتياجات هذا الشعار على أرض الواقع، فمثلاً، كل الرأي العربي والإسلامي يريد صمود القدس، بل ويصل إلى السماء السابعة في نحت الشعارات التي تحض على هذا الصمود مثل القول بأن القدس وفلسطين عموماً هي وقف عربي، ووقف إسلامي.
و لكن حين تسأل هؤلاء، ما هي احتياجات هذا الصمود؟ ما هي عناصر هذا الصمود؟
يرد الجواب على هذا السؤال، يرجع الصدى كأنه النشيج، يرجع الصدى عاجزاً، وبائساً، وبلا معنى، وبلا حضور، ذلك أن الصمود ليس مجرد كلمات، وليس مجرد تضرع إلى السماء، وليس تكراراً غبياً للحتميات التاريخية المزعومة، بل الصمود هو تفاصيل، ملايين التفاصيل، وهو أفعال، سيل متدفق من الأفعال اليومية، وهو خطط قابلة للتنفيذ، ونسق من السلوك في حياة يومية!!!
و أنا شخصياً أظل أصرخ في الندوات والمناظرات التلفزيونية في وجه أصحاب الشعارات الجوفاء، يا أيها الخطباء، إذا سألتم يهودياً في أطراف قبائل الفلاشا في الحبشة، ما الذي يلزم إقامة الهيكل الثالث المزعوم، الذي لا يوجد فوق الأرض ولا في باطن الأرض دليل واحد عليه، فإن ذلك اليهودي سوف يذكر لك كل التفاصيل لتحويل الوهم المزعوم إلى حقيقة.
بينما إذا سألنا الآلاف من الخطباء، وأصحاب الشعارات الجوفاء في أمتنا العربية والإسلامية، ماذا يلزم للحفاظ على الأقصى القائم أمامنا حقيقة واقعة، فإن الألسنة تتلعثم، والنظرات تزوغ، لأنه لا يوجد ثقافة جادة، ثقافة مسؤولة، ثقافة مقاتلة، بل هي ثقافة المقولات الفارغة المحفوظة عن ظهر قلب ليس إلا!!!
القدس في ذروة الاشتباك بكل ما تملك، رجالها نساؤها وأطفالها يشتبكون وبيوتها التي لا تجد من يرممها تشتبك وتواصل الصمود، مآذنها التي تدعو إلى الصلاة، ومساجدها، وأزقتها القديمة، وحجارتها، وخريطة الإسراء والمعراج من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى.
القدس تشتبك كمدينة، كإرث حضاري، كجزء من العقيدة، كبوابة لفهم ما يجري من حولنا.
بل إن القدس لا تشتبك فقط مع أعدائها الصهاينة بل مع بعض العرب والمسلمين الذين احتلت عقولهم الإسرائيليات، فأصبحوا ينطقون بها، ويجاهرون بها، ويصدرون بشأنها الفتاوى، مثلما أفتى الشيخ القرضاوي بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، مقولة إسرائيلية مئة في المئة توضع في فم شيخ ينصبونه على رأس ما يسمى بشيخ العلماء المسلمين.
هل يمكن أن تتغير هذه الثقافة المنافقة؟
هل يمكن أن تتعرض إلى صدمة لكي ينكشف ويسقط كل ما فيها من زيف؟
هناك أمل كبير، ولعل المقدسيين في صمودهم، وفي قدرتهم على البقاء، وفي تفاصيل حياتهم اليومية في قلب الميدان هم الذين يغيرون هذه الثقافة السائدة، ثقافة النفاق، ثقافة تطبيق الإسرائيليات تحت عناوين إسلامية، ثقافة الضجيج بلا فعل، والجعجعة بلا طحين، والأناشيد التي تقاتل نيابة عن أصحابها.
يا سيدتي القدس، يا ملكة الاشتباك في الماضي والحاضر، المأمورة من ربك بتجلي المعجزة، المزهوة بجراحك إلى حد القداسة، أعرف كم تتألمين وأنت وحيدة، وحولك ثغاء كثغاء السيل، زبد يذهب سدى، أما أنت يا سيدة الحضور الخارق، فلك المجد من ربك الأعلى، بأنك تصمدين وتنتصرين وتصنعين القيامة.
أهمية مقاطعة مؤتمر بيريس
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
دولة التطهير العرقي الاسرائيلية ما زالت كالبيضة الخداج رغم مرور خمسة وستين عاما على قيامها على انقاض الشعب الفلسطيني، لا تحتمل أي موقف متناقض مع توجهاتها وسياساتها، لانها تعتبر ذلك شكلا من أشكال الطعن في شرعيتها، وفي روايتها القائمة على التزوير والتضليل، وتمس بمكانتها الدولية، وتعمق حالة التخلخل في الوعي الجمعي اليهودي الصهيوني، المصاب اصلا بالشيزوفرينيا (ازدواجية الشخصية والهوية) وتضاعف من حدة أسئلة مشروعية المشروع الصهيوني برمته.
وتتضاعف انعكاسات وآثار تلك المواقف عندما تأتي من شخصيات يهودية عامة، وذات رصيد دولي، وتدفع قطاعا من كتاب واعلاميي المنابر الاسرائيلية لشن حملة عدوانية على الشخصيات والمؤسسات والدول، التي ترفض التجاوب مع الدعوات الاسرائيلية الرسمية. وما حدث أخيرا حين وجه شمعون بيريس، رئيس دولة اسرائيل الدعوة للعديد من الشخصيات الاقليمية والعالمية للمشاركة في «مؤتمر القدس» الذي سيعقد في حزيران المقبل، ومنها دعوة لعالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، وهو من اتباع الديانة اليهودية، غير انه اعلن رفضه الدعوة، ومقاطعته للمؤتمر بسبب الاجراءات والانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعب العربي الفلسطيني. ما آثار ردود فعل غاضبة في الاوساط الاسرائيلية السياسية والاعلامية، حتى ان بعض الكتاب، طالبوا هوكينغ باعادة جهاز الكمبيوتر، الذي أهدته اليه، احدى المؤسسات الاسرائيلية، كما طالبوه باعادة جائزة كانت منحت له فيما مضى.
الحملة الاسرائيلية المسعورة على هوكينغ تضاعفت عندما تنادى لمسامع القيادات الاسرائيلية ذات الصلة بالمؤتمر ومكانة دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، ان الباحث اللغوي اليهودي نوعام تشومسكي المعارض للاحتلال كان أحد الشخصيات المركزية، التي اقنعت الفيزيائي البريطاني ستيفن هوكينغ بمقاطعة اسرائيل، وعدم المشاركة في المؤتمر المذكور. لا سيما وان صحيفة «معاريف» الاسرائيلية، نشرت الاحد الماضي، إن (20) اكاديميا من أكبر الجامعات في بريطانيا زاروا هوكينغ، واقنعوه بعدم المشاركة في مؤتمر شمعون بيريس التضليلي. وهذا زاد من غضب وتوتر اولئك الصهاينة المرعوبين من فكرة حصار ومضاعفة عزلة دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية في الاوساط العالمية وخاصة الاكاديمية والثقافية والفنية. لانه يترك بصمات قوية على مكانة اسرائيل ومصداقية روايتها في الاوساط والقطاعات الاسرائيلية المختلفة، ويعمق من علامة السؤال حول أهلية المشروع الصهيوني.
واهمية مقاطعة عالم الفيزياء البريطاني تكمن في تحفيز قوى ومؤسسات أخرى بعدم المشاركة في المؤتمر المذكور، ويوسع من دائرة المقاطعة للدولة الاسرائيلية. وهو ما حصل فعلا، حيث اعلنت مجموعة من الشخصيات والمؤسسات مقاطعتها للمؤتمر وللدولة العبرية نتيجة رفضها للاحتلال والسياسات العدوانية تجاه الفلسطينيين، كما أوردت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية.
وهناك محاولات اسرائيلية للتصدي لمجابهة مقترحات جديدة تطرح في جامعات العالم لفرض الحرمان الاكاديمي عليها، كان آخرها جامعة شيفليد البريطانية.
ويزداد الطين بلة مع ما اصدرته مؤخرا كنيسة أسكتلندية، شككت في تقرير اصدرته قبل عشرة أيام بـ«الوعد الالهي بشأن ارض اسرائيل..» وقال تقريرها «ليس من المفروض ان تستخدم التوراة لتسوية نزاعات بشأن السيطرة على أراضي الغير». ومن المفترض ان يناقش التقرير في الاجتماع العام للكنيسة الشهر المقبل. والتصويت عليه من قبل (723) عضوا، والذي سيعقد في ادنبرة، ويناقش «خطوات اقتصادية وسياسية ضد اسرائيل، بضمنها المقاطعة وفرض عقوبات والغاء استثمارات، وذلك على خلفية الاستيطان غير الشرعي في الأراضي الفلسطينية المحتلة».
هذه وغيرها من خطوات المقاطعة للسياسات الاجرامية الاسرائيلية، والمتضامنة مع الحقوق الفلسطينية والسلام، تؤكد مرة تلو الاخرى على أن الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية لا يجلب سوى العار لدولة التطهير العرقي، ويضع الف علامة سؤال على مشروعية الدولة الاسرائيلية، ويعزز التحولات الايجابية في اوساط الرأي العام العالمي لمقاطعة اسرائيل على الصعد المختلفة.
أحفاد النكبة.. صورة قلمية
بقلم: موفق مطر - الحياة
ما بين تل الزعتر.. وصبرا وشاتيلا و جباليا المعسكر.. مجازر وإنسان يتحدى الغزاة على أرضه بالذاكرة، بالإرادة، بالصبر والبصيرة والبصر.
النكبة هي النكبة.. والمأساة صور بصرية وقلمية تذوب الصقيع، تحرر الضمائر الانسانية من التجمد والتوحد.
لم اعش ايام النكبة لكني عشت اياما من مأساة ونزيف عروق أحفادها ,, وهذه صورة
أم.... تهرول باكية.. تمسك بغطاء رأسها... تتفادى رصاص الغزاة المنفجر على جدران بيوت واكواخ يكاد صفيح سقوفها لا يقوى على التصدي لحبات المطر !!.
تتقدم بخطى متعثرة بأثقال الحزن والرعب الممهور بخاتم الغزاة المرعبين الباطشين بإنسان..إذا سئل ما ذنبك ؟ قال: “ أنا فلسطيني “ !.
كهل قابض على ساعد طفله بيمينه، ويساعد حفيدة “ بنت النكبة “ على تخطي أكوام الركام مما تبقى من روضة تل الزعتر، دموعها تسبق رغبتها في التعبير عن مصابها.. فقد شوه الغزاة محيا صباها بالألم الذي زرعوه حزنا ورعبا في قلبها ومحياها.
تأخذ نفسا عميقا, يتقاطع صوتها المتهدج مع أزيز الرصاص الخارق لسكون تل الزعتر وآمال ومستقبل الصبية المفجوعين.. هي لم تصرخ ولا نفشت شعرها.. ولا مزقت ثوبها, وانما لها صبر وألم عميق يمزق جلاميد الصخور.
بتماسك روت مصابها : قتلوا أبوي.. كان يطل من البلكونة، فطخوه برأسه.. ايش ذنبه أبوي!؟ ما عملهم شي.. الله يرحمك يابا.. حسبنا الله ونعم الوكيل.. أبوي أصم ما بيحكي وما بيسمع.!! عرفتو الحقيقة يا ناس؟.
لا تدرك ابنة الشهيد أن الغزاة أطلقوا النار على صورة القابضين على سدة النظام في حكومات ناطقة بالضاد.
كان والد “ حفيدة النكبة “ يعرف ويدرك أن الغزاة يشنون الحرب على أهله وبني شعبه فرفض أن يبقى أصم فأراد أن يتحدى ولو بالبصر..بالنظر إلى أرضه وبيوت احبائه ومن حل حولها وما حل فيها.. ليشهد كيف جعل المحتلون الغزاة عاليها أسفلها، فقتلوه لأنهم لا يريدون رؤية فلسطيني يحن إلى أرضه ويخاف عليها كما أبنائه!!.
شاهد العالم دموع ابنة الشهيد تحكي رواية الإنسان المبتلى بالشر المندفع عبر الحدود إلى قلب بيوتنا، أوطاننا الصغيرة وصدورها الآمنة.
صغار حفاة.. بقطعتين من اللباس، وبطون جائعة.. يتهافتون على قارورة الماء.. فالجيرة تقضي ان نعيد النبض الطبيعي لشرايين الأطفال المرتعبين، فقع وجوههم اصفرار الخوف الهاجم عليهم كزخات رصاص المحتلين.
بيد تشد رضيعها إلى صدرها تدير ظهرها إلى مصدر الرصاص. والثانية، والثالثة تحمل كل منهما طفلين.. تلاحقهما طلقات الجنود المهووسين.. تحتمي النساء وأطفالهن بجدار.. يغامرن بالمرور من درب مكشوف.. أم الرضيع المرتجف عبرت به درب الموت المسلط عليها وعلى ذريتها.. فكم موسى في اساطيرنا يا ترى ؟! يتعالى صراخ المتجمعين، يشيرون للرجل وعائلته الى ممر الأمان...
كالحملان الصغيرة يتراكضون الواحد تلو الآخر يدفعهم الفزع.. يحنون ظهورهم، يتلفتون بحذر تكاد عيونهم تسبقهم إلى حيث يتجمع أهلهم الهاربون من وحش مرعب متعدد الرؤوس والسبطانات .
ثلاثة أطفال.. يتبعهم اثنان أما أبوهم فيحمل اصغر اثنين والأم تضم رضيعا تحميه بجسدها القوي المشبع من خير الأرض المثمرة زيتونا وبرتقالا وعسلا من مناحلهم وبيضا من مزارع دواجنهم الحديثة..
جرف الغزاة المحتلون بيارات وشجر نخيل سيزرعها عندما يعود الغزاة عن جبروتهم واستكبارهم ويدركون أن الشعب الفلسطيني موجود واللاجئ الذي سيعود، شعب محب للسلام.
تزيدهم المحنة حكمة ولا تلوي المصائب أعناقهم. ولا تنكسر لهم إرادة. هكذا قال ابو الأولاد : الحل ليس عسكريا الحل نراه سياسيا، لقد أبدينا استعدادنا للسلام.
تنتصب في شوارع المخيم بيوت الشرف، فهنا يبغضون نعت الاستشهاد بالموت، فحرب الأيام الخمسة في معسكر جباليا وتل الزعتر قد نشرت في سماء الوطن رياحين الزهور البرية العطرية التواقة للحرية أبدا.
أطفال.. فتيان أجبرهم العدوان على مغادرة مقاعد الدراسة ولو مؤقتا.. فيتعلمون بمنهج قسري فرض عليهم دروس الحرب.. فملأوا أكياس الطحين الفارغة الموشومة برسم الاونروا والعلم الامريكي بالرمل وحولوها إلى متاريس في الأزقة الضيقة !!!
ربما يتمتع بعضهم اللامبالي بلعبة الحرب على خلفية الرصاص والانفجارات البعيدة، فيحول احدهم قطعة خشبية أطول من جسده الصغير المشبع بصور الجريمة وإرهاب الدولة وجيش الاحتلال ينبشون في أكوام الركام ويعبثون، يعطشون فيهرعون إلى أنبوب مكسور يتدفق منه الماء الحلال فيروون عروقهم ويرشون على شجرة برتقال صغيرة واحدة بقيت وحيدة من مئات في ببارة دمرها الغزاة وطحنوا جذوعها. وهشمه الركام.
تحمل الفلسطينية قوتا للأفواه الجائعة.. وترمي طفلة الفضلات في حاوية تنذر بالاسم المكتوب.
عليها وما حولها من أوساخ بوباء، يتسبب بفيروسه أولئك الغزاة دعاة النظافة، فإذ أيديهم القاتلة وحربهم الدقيقة تطال كل حي!!.
اسرائيل تحول جهود السلام الى مهزلة !!
بقلم: حديث القدس – القدس
مع اعلان السلطات الاسرائيلية عن نيتها تحويل اربعة مواقع استيطانية عشوائية في الضفة الغربية الى مستوطنات ووسط استمرار الاستيطان في مختلف انحاء الضفة الغربية وخاصة القدس العربية المحتلة، وما تمارسه اسرائيل ومتطرفوها من انتهاكات جسيمة في الاقصى المبارك ووسط هذا الكم الهائل من الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان الفلسطيني وللقانون الدولي، فان اسرائيل تكون بذلك قد حولت ما يسمى بجهود السلام الى مهزلة ويكون الحديث عن السلام في ظل هذه الواقع نوع من خداع النفس طالما ان الطرف الآخر يعلن الرفض ويمارس على الارض ما ينسف ابسط القواعد والاسس اللازمة لاطلاق عملية سلام جادة وحقيقية.
يأتي كل ذلك بعد ايام من اعلان وزير الخارجية الاميركية جون كيري لاستئناف جهود السلام، وهو يثير تساؤلات عدة ليس فقط حول عدم صدق نوايا الحكومة الاسرائيلية بل وايضا حول جدية الجهود الاميركية في الوقت الذي لم نسمع فيه من واشنطن مواقف واضحة ازاء هذه الانتهاكات الاسرائيلية ولم نلمس تحركات جديا لوقفها.
والأغرب ان تعلن بعض الدول الاوروبية دعمها لهذه الجهود الاميركية دون ان تتحرك ايضا لوقف اسرائيل ومنعها من مواصلة سد الطريق امام السلام وفرضها وقائع يومية غير مشروعة في الاراضي المحتلة.
ان ما يجب ان يقال هنا مجددا ان السلام لا يمكن ان يصنع وسط كل هذا الظلم والقهر ووسط كل هذه الانتهاكات وحتى يمكن لجهود السلام ان تثمر فلا بد ان يلمس الشعب الفلسطيني تغييرا واضحا في سياسة الحكومة الاسرائيلية ونوايا جادة لا ان تنتهك مقدساته يوميا وتسلب اراضيه وتقام المستوطنات غير الشرعية عليها وتهود عاصمته ويحاصر احد جناحي الوطن الفلسطيني ...الخ من الممارسات الاسرائيلية. ولهذا يشعر كل فلسطيني اليوم ان جهود السلام ما هي الا ذر للرماد في العيون، وتشجيع للاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في تنفيذ مخططاته طالما ان المجتمع الدولي يسكت وطالما ان الضحية هو المطالب دوما بتقديم التنازلات.
كما ان ما يجب ان يقال هنا ان التساؤل الذي يطرح هنا ايضا هو: ما الذي نفعله كفلسطينيين وعرب ومسلمين ازاء هذه الصورة القاتمة وازاء هذه التحديات السافرة التي يفرضها الاحتلال الاسرائيلي والخذلان الدولي ؟! فالانقساميون لازلوا متمترسين في خنادقهم يمعنون في الاساءة لفلسطين وشعبها وتضحياتها، ويرسخو هذا الانقسام المأساوي غير عابئين لا بارادة الشعب ولا بتحديات الاحتلال، والامة العربية والاسلامية ابعد ما تكون عن موقف جاد لنصرة فلسطين وقضيتها او لاتخاذ القدس ومقدساتها، ولكن هل نتوقع من النظام العربي ومن هذه الأمة موقفا جادا ونحن على هذا الحال من الانقسام وغياب رؤية واضحة ومواقف فاعلة في مواجهة ما يجري ؟!
ومن المحصلة، فاناي تغيير لابد وان يبدأ من فلسطين شعبا وقيادة وفصائل، ولذلك يتحمل مسؤولية استمرار هذا التراجع واستمرار عدم الاهتمام العربي والدولي بما يجري كل من يصر على مواصلة الانقسام وكل من يصر على حرمان شعبنا من قول كلمته ويضرب عرض الحائط بهذه الارادة الشعبية، وكل من يمنع استعادة وحدة الموقف والعمل في مواجهة التحديات الجسام ويكتفي ببيانات الشجب والاستنكار والادانة متجاهلا ان شعبنا يستحق ما هو افضل من ذلك وان هذا الشعب الصابر المرابط اوعى من كل هذا التضليل الاعلامي والدعائي، وهو نفس الشعب القادر على النهوض مجددا من تحت الركام وقلب الموازين رأسا على عقب.
د. سلام فياض وحرية الصحافة
بقلم: المحامي راجح ابو عصب - القدس
شدد الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء على اهمية تعزيز وتكريس حرية الصحافة باعتبارها مكونا اساسيا من منظومة القيم السامية التي ستقوم عليها دولة فلسطين المستقلة , وقد جاء ذلك في الكلمة التي القاها في الاحتفال الذي أقامته وزارة الاعلام ولجنة فلسطين للتصوير الفوتوغرافي بالتعاون مع نقابة الصحفيين الفلسطينيين تكريما لابداعات المصورين وتحديدا الفلسطينيين وتمكينا للصورة الفلسطينية على اوسع نطاق .
ولا شك ان حرص الدكتور فياض على رعاية هذا الاحتفال يعكس اهتمامه الكبير بصاحبة الجلالة – الصحافة – التي تعتبر السلطة الرابعة , والتي لها دور كبير وبالغ الاهمية في تكوين الرأي العام وتوجيهه الوجهة الصحيحة لما فيه مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية . كما تلعب الصحافة دورا بارزا في اظهار عدالة القضية الفلسطينية , وحرص الشعب الفلسطيني على تحقيق آماله المشروعة في التحرر والاستقلال واقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 .
والذي لا شك فيه ان السلطة الفلسطينية قيادة وحكومة أتاحت حرية واسعة للصحفيين وللصحافة في التعبير عن الاراء وفي تناول القضايا المحلية والعربية والدولية دون قيود ودون خطوط حمراء , الا قيود الوحدة الوطنية واحترام الثوابت والمبادئ والاخلاق والمثل الفلسطينية , التي هي في ذات الوقت محل اجماع الشعب الفلسطيني بكافة توجهاته وانتماءاته ومذاهبه .
وحرية الصحافة الفلسطينية هذه مما تحسب للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس , وكذا للحكومة الفلسطينية التي يرأسها د. سلام فياض . حيث ان صحافتنا الفلسطينية تتمتع بهوامش واسعة من الحرية لا مثيل لها في أية دولة عربية اذا استثنينا الدولة اللبنانية , ولذا ليس من المستغرب ان نرى بين كتاب الرأي في صحافتنا من لا يوفر من الانتقاد احدا من كبار المسؤولين, بما فيهم الرئيس محمود عباس شخصيا وكذا رئيس الوزراء , والوزراء وأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الثوري لحركة فتح .
حيث ان الرئيس عباس يعلن باستمرار ان لا أحد فوق النقد بمن فيهم سيادته .
ولا يستطيع احد ان يماري او يجادل في ان الديمقراطية وحرية التعبير والشفافية سمة اساسية من سمات الحكم في فلسطين , ومن مظاهر تلك الديمقراطية حرية الاعلام والصحافة , والرئيس عباس ديمقراطي بطبيعته, يتحدث بصراحة ومكاشفة خلال لقاءاته المختلفة مع المسؤولين ومع أعضاء منظمة التحرير والمجلس الثوري لفتح , وكذا خلال لقاءاته مع الوفود الشعبية , وهو لا يتكلم بلغتين , انما يتكلم بلغة واحدة داخل الصالونات والغرف المغلقة وكذا في الاجتماعات المفتوحة .
وقد أكد د. فياض في كلمته في الإحتفال خلال الاسبوع الماضي , على ان حماية حرية الرأي والتعبير واحدة من أهم أولويات عمل حكومته . وهذا ما يلمسه على أرض الواقع العاملون في الصحافة الفلسطينية الصادرة في القدس ورام الله , حيث ان هذه الصحف تتمتع بهامش واسع من الحرية وتتيح للكتاب سواء كتاب الافتتاحيات فيها او كتاب صفحات الرأي ان يتناولوا ما شاءوا من مواضيع ودون تدخل ودون اعتراض . ولذا ترى في هذه الصحف الاراء المتنوعة والمختلفة , كل يعبر عن رأيه وقناعاته بما يتيح للقارىء الفلسطيني ان يطلع على الاراء المتنوعة في كافة المشاكل المحلية والعربية والدولية.
وكذلك فان حرية الصحافة الفلسطينية تلمسها حتى في الرسوم الكاريكاتورية التي في احيان كثيرة لا توفر في الانتقاد حتى كبار المسؤولين . حيث ان رسامي الكاريكاتير في هذه الصحف على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم يطرقون في رسومهم المواضيع التي يرونها تهم المواطن الفلسطيني . ومن حرية الصحافة في فلسطين انك ترى ان الصحف اليومية في احيان كثيرة تخلو من صور الرئيس محمود عباس وكذا من صور رئيس الوزراء , بينما ترى الصحافة العربية في العديد من الدول العربية , وحتى الصحف المهاجرة في بريطانيا لا تخلو يوميا من صورة ذلك الزعيم او ذاك الملك او القائد او الامير , وعلى صفحتها الاولى , وحتى لو كان الخبر الذي يشرح الصورة ليس من الاهمية بمكان . بل هو مجرد خبر عارض عن استقبال او زيارة تفقدية لمؤسسة محلية .
ولا تقتصر حرية الاعلام في فلسطين عن الصحافة غير الرسمية , بل ان ذلك ينطبق على الاعلام الرسمي , وهذا ما يلحظه المشاهدون لتلفزيون فلسطين , الذي يستضيف باستمرار العديد من الشخصيات المعارضة , ومن قادة فصائل من غير حركة فتح , الذين يناقشون المواضيع الساخنة بكل حرية , وقد لا يوفرون احدا من انتقاداتهم , وكذا في البرامج الحوارية الحية التي يبثها تلفزيون فلسطين على الهواء مباشرة , حيث يتاح للمواطنين ان يعبروا عن ارائهم بصراحة وحرية ودون قيود في المسائل التي تهم المواطنين .
ولا شك ان د. فياض رجل دولة متنور وذو ثقافة واسعة ورجل سياسة من الطراز الاول يعي دور الصحافة بصورة خاصة والاعلام بصورة عامة , بعد ثورة الاتصالات الاخيرة التي جعلت من العالم قرية صغيرة , لا يستطيع اي حاكم مهما كان ديكتاتوريا وفاشيا ان يحجب انتهاكاته لحقوق شعبه في الحرية والاستقلال والحق في ابداء الرأي في كل امور الحياة : السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها . ولذا فان د. فياض كان اكثر المسؤولين الفلسطينيين تعرضا للنقد والهجوم من على صفحات الصحف من خلال كتاب الرأي , ومع ذلك لم يضق ذرعا بذلك ولم يغضب , وانما كان يترك لأعماله ان ترد على منتقديه , وهذا شأن رجل الدولة المسؤول الواثق من نفسه ومن ادائه ومن كفاءته ومن نزاهته ومن عفته ومن نظافة يده .
ولأن د. فياض يقدر للعاملين في كافة المجالات , ما يقومون به , فانه بكلمته في الاحتفال اشاد بالجهود العظيمة , التي يقوم بها الصحفيون الفلسطينيون عامة والمصورون منهم خاصة في نقل رسالة المواطنين الى المسؤولين , وفي مساندة ودعم القضية الوطنية الفلسطينية ولا شك ان الصورة ابلغ مئة مرة في التعبير عن القضايا الملحة من المقالات والكلمات , فرب صورة لصحفي ماهر غيرت مجرى الاحداث مئة وثمانين درجة , وكمثال على ذلك الصورة التي التقطها مصور صحفي اميركي لفتاة فيتنامية تشتعل فيها النيران بعد ان اصابتها قنبلة "نابالم " حارقة القتها طائرة اميركية في سبعينيات القرن الماضي , ما قلب الرأي العام الاميركي آنذاك على تلك الحرب , وخرجت مظاهرات صاخبة تندد بالحرب وتطالب الرئيس الاميركي آنذاك ريتشارد نيكسون بوقف الحرب وسحب الجنود الاميركيين , فما كان منه الا ان خضع لتلك الضغوط وأوقف تلك الحرب اللعينة .
وفي كلمته في احتفال تكريم الاعلاميين، أضاف د. فياض قائلا : ان منظومة الحكم لا يمكن ان تستقيم اطلاقا اذا تم اغفال الدور المهم للسلطة الرابعة – الصحافة – ودورها في تقويم المسار وتصويبه .
وقد أصابت هذه العبارة للدكتور فياض كبد الحقيقة , اذ ان دور الصحافة الأهم هو تقويم مسار اداء السلطة التنفيذية التي تمثلها القيادة الفلسطينية ورئاسة الوزراء , وكذا تصويب مسار السلطة التشربعية التي يمثلها المجلس التشريعي , ذلك ان الصحافة هي العين الساهرة الناقدة التي تراقب وتنتقد وتصوب عند الخطأ وتشيد عند الحسن وتدعو للمزيد من الاحسان , ومن هنا نرى المكانة الباسقة التي تتبوؤها الصحافة في الدول المتقدمة خاصة في الولايات المتحدة الاميركية ودول اوروبا الغربية.
وقال فياض ايضا :" ان الموجه لعمل الحكومة يتمثل في اطلاق المزيد من حرية الصحافة على اوسع نطاق وشدد على ان ما نطمع اليه هو جعل قضية حرية الرأي والتعبير قضية حسن وذوق عام لدى المجتمع , لا تحاصرها قوانين , بل تكرس كثقافة عامة تغرس في الضمير المجتمعي . ومن هذه العبارة لا بد ان نشيد بالقيادة الحكيمة للرئيس محمود عباس وللدكتور سلام فياض وحرصهما الشديد على اتاحة حرية الرأي للجميع , بما لا يعكر صفو امن المجتمع الفلسطيني ولا يهدد وحدته ولا نسيجه الاجتماعي ولا مستقبل ابنائه . كما لا بد من الاشادة بالدور الكبير الذي يقوم به الصحفيون عامة والمصورون الصحفيون خاصة في خدمة شعبنا وقضيته الوطنية , ومن هنا استحقوا هذا التكريم الرائع الذي حظيوا به . والله الموفق .
عقدة شمشون الإسرائيلية وعقيدة رفض السلام
بقلم: جوناثان كوك - القدس
تلوثت بشدة سمعة واشنطن "كوسيط نزيه" في الصراع العربي الإسرائيلي الآن، بعد أربعة أعوام من احتمال تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وتمس حاجة إدارة الرئيس أوباما بشدة إلى إعادة إحياء عملية سلام معقولة.
وبينما يجد نفسه في مواجهة الجمود الدبلوماسي السائد بين إسرائيل وسلطة محمود عباس الفلسطينية، انتهز وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الفرصة مؤخراً وحصل من جامعة الدول العربية على موافقة على نفض الغبار عن خطة إقليمية عمرها عقد: مبادرة السلام العربية، وأعلن أن هذه المسألة هي "خطوة كبيرة جداً إلى الامام".
وتتعهد الخطة التي كانت أطلقتها المملكة العربية السعودية في العام 2002 لإسرائيل بإقامة علاقات طبيعية مع كامل العالم العربي في مقابل قبولها بقيام دولة فلسطينية استنادا إلى حدود ما قبل العام 1967، أو على مساحة 22 في المائة من فلسطين التاريخية.
لكن الإيماءة العربية الجديدة، مثل سابقتها، أثارت بالكاد نزراً يسيراً من اهتمام إسرائيل. ولم تفوت تسيبي ليفني، حليف واشنطن الوحيد في مجلس وزراء نتنياهو، أي وقت لامتداح الخطة والثناء عليها، لكن رئيس الوزراء نفسه تجنب ذكر المبادرة العربية الجديدة بإصرار، تاركاً لمستشاريه أمر رفض المبادرة ووصفها بأنها "خدعة" تستهدف جر إسرائيل إلى الوقوع في شرك مباحثات سلام مؤذية.
ويقدم رده المنحرف تذكيراً بواحدة من أكثر أساطير الصراع ديمومة. فقد كانت إسرائيل، حتى قبل احتلالها الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في العام 1967، تعرض نفسها على أنها تواقة إلى الحصول على القبول من جانب الدول العربية. وتستند هذه الرواية التي تستمر في تشكيل المفاهيم الغربية، إلى عمودين.
الأول يفترض وجود حماسة إسرائيلية للانخراط دبلوماسياً مع العالم العربي. أو كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه موشي ديان لهيئة الاذاعة البريطانية بعد أيام من انتهاء حرب الأيام الستة: "اننا ننتظر مكالمة العرب الهاتفية".
والعمود الثاني، الذي أعلنه أوضح ما يكون أبا إيبان، عندما كان وزيراً للخارجية الإسرائيلية في أوائل السبعينيات، ينتقد العرب بقسوة لأنهم "لا يفوتون فرصة لتفويت الفرصة" لصنع سلام مع إسرائيل.
ومع ذلك، فإن السجل التاريخي يشي بالعكس تماماً. فبعد إذلالها في العام 1967، تنازلت الدول العربية بسرعة –في الغرف الخلفية على الأقل- عندما قالت إن إسرائيل وجدت لتبقى، وشرعت في دراسة السبل لاستيعابها.
وكما لاحظ شلومو بن عامي، المؤرخ الإسرائيلي الذي كان وزيراً للخارجية خلال مفاوضات السلام في كامب ديفيد في العام 2000: "عندما اتصلت الدول العربية، كان خط إسرائيل مشغولاً، أو أنه لم يكن هناك أحد ليلتقط الهاتف على الجانب الإسرائيلي".
وقد تأكد هذا العناد من خلال كشف موقع ويكيليكس في الشهر الماضي لبرقيات دبلوماسية أميركية سرية من تلك الفترة. ففي أواخر العام 1973 ، وبعد أسابيع قليلة من انتهاء حرب يوم الغفران، عرضت جامعة الدول العربية بهدوء على إسرائيل إبرام اتفاقية سلام إقليمية تعترف بحدودها لما قبل العام 1967، لكن مبادرة الدول العربية ووجهت بالرض.
ووفق برقية تعود لشهر كانون الثاني من العام 1975، فقد خلص الدبلوماسيون الأميركيون في الشرق الاوسط إلى استنتاج مؤداه أن قادة إسرائيل أظهروا "افتقاراً استثنائياً لتفهم" نوايا العرب، مفضلين بدلاً من ذلك تهيئة أنفسهم استعداداً للحروب الإسرائيلية العربية الخامسة والسادسة والسابعة. وتصف البرقيات إسرائيل بأنها مصممة على تدمير نفسها التي تعاني، وفق كلمات المسؤولين الأميركيين، من "عقدة مسعدة -أو شمشون".
ويجب أن يبقى هذا السياق ماثلاً في البال، نظراً لأن معارضة إسرائيل الحالية لمفاوضات السلام تعزى فقط إلى صقرية حكومة نتنياهو وحدها. لكن ذلك في الحقيقة نمط سلوكي دأبت عليه إسرائيل طيلة عدة عقود، أو ما وصفه رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض مؤخراً بأنه "جينات الاحتلال".
وكان قد تم الإعلان عن مبادرة السلام السعودية في وقت مبكر من الانتفاضة الفلسطينية الثانية، عندما أصاب الرعب الإسرائيليين بسبب موجة من التفجيرات الانتحارية، وعندما بدا الاقتصاد الإسرائيلي قريباً من حافة الانهيار. وبالرغم من ذلك، قال رئيس الأركان الإسرائيلي في حينه -ووزير الدفاع اليوم- موشي يعالون إن أولوية إسرائيل العليا ليست المفاوضات، وإنما شن حملة عسكرية "لغرس الهزيمة عميقاً في الوعي الفلسطيني".
لكن مبادرة السلام العربية التي تم إحياؤها أخيراً تتمتع على الأقل بميزة أنها تحظى -على عكس سابقتها- بالدعم الحماسي من البيت الأبيض.
وهناك أيضاً فارق آخر، يعود بلا شك إلى الضغط الذي مارسه كيري، والذي يتمثل في تنازل قدمته الدول العربية ويفيد بأن الموافقة على الدولة الفلسطينية لن تتطلب من إسرائيل العودة إلى خطوط العام 1967. ويجلب قرار الموافقة على مبادلات "صغيرة" و "متناسبة" في الأراضي الجامعة العربية إلى الانسجام مع خط المواقف الدبلوماسية لمحمود عباس والرئيس الأميركي باراك أوباما والعديد من رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين –ظاهرياً على الأقل.
لكن نتنياهو يبدو مع ذلك رافضاً حتى لاختبار جدية المبادرة العربية. أما مكمن اعتراضه الرئيس الكامن وراء معاداته العامة لأي اقتراح يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية -كما يُقال- فهو أن المبادلات "الصغيرة" في الأراضي لن تكون سخية بما يكفي لضمان احتفاظ إسرائيل بكامل مستوطناتها.
ويتم التأكيد على تزمت نتنياهو حتى وهو يصر على ضرورة عدم وجود أي شروط مسبقة للمفاوضات، وينذر بأن إسرائيل ستواجه، من دون التوصل إلى اتفاقية سلام، مستقبل دولة ثنائية القومية.
ومن جهته، عرض كيري تحذيره الخاص: هناك موعد نهائي مدته سنتان لإيجاد حل للصراع. وعندها ستبدأ فترة "البطة العرجاء" لإدارة أوباما. وقد ترك ما يتبع ذلك من دون إعلان. لكنه يفترض أنه متى ما تخلت الولايات المتحدة رسمياً عن عملية السلام، فإن ذلك سيرسخ الوضع الراهن: دولة واحدة تحكمها إسرائيل على طريقة الفصل العنصري، مع وجود سلطة فلسطينية غير ذات صلة أو واقعة في ثقب النسيان.
مهما تكن مواطن احتجاجه، فإن أياً من ذلك لا يبدو أنه يقلق نتنياهو كثيراً. فبعد كل شيء، فهذه حكومة وجدت أرضيات في الفترة الأخيرة للشكوى من قرار شركة "غوغل" وضع اسم "فلسطين" على محرك البحث لديها (بدلاً من المناطق الفلسطينية).
الحقيقة هي أن جولة أخرى من المحاولات الفاشلة لصنع سلام سوف توقع المزيد من الضرر على الفلسطينيين وعلى سمعة واشنطن أكثر مما ستوقعه على إسرائيل التي لم تقصد أبداً التقاط سماعة الهاتف في المقام الأول.
*كاتب وصحفي فائز بجائزة مارثا غيلهورن الخاصة للصحافة. آخر كتبه هي "إسرائيل وصدام الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الاوسط"، و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس الانساني"
ألّلهمّ أبعد عنّا الفتنة!
بقلم: المحامي جواد بولس - القدس
«كان ياما كان» على الأرض إنسان. قبل ما قاله الدكتور رائد فتحي في حق طائفة المعروفيين بدأت الرواية، "الروّاد" سبقوا و"الفتح" كان. الأمور بخواتيمها .... وهاكم فصلاً من فصولها.
في القدس، في فلسطين، درجت قوات الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ عمليات اغتيال ضد من قرّرت كلّية القوة والبطش أنّ ساعة ملاقاة ربِّه شهيدًا قد ازفت. قانون البارود، بقايا إرث معتق من أيام ما نزلت هناك على جبل ضائع، شريعة على "موسى" وصار الحجر لوحًا عليه نقشت وصايا الرب.
في ذات مساء وادع انطلق قنّاصة الاحتلال وأمطروا شابين مقدسين بدفعة من حقد وزخة من رصاص، أهدت فلسطين شهيدين استقبلتهما بالزغاريد. في زاوية جانبية،هكذا أخبرني قلبي، بكت أمّان من حب ولوعة.
أقيم للشهيدين بيت عزاء مشترك في إحدى ضواحي القدس. أمام البيت ساحة أعدّت لاستقبال وفود المعزين الذين تقاطروا من كل الجهات. المصاب مدوٍّ وأليم والجريمة نفذت في وضح النهار وببشاعة. أحاط سور بساحة البيت، توسطته بوابة واسعة، أمامها يمر شارع ضيق. في الجانب الآخر بيت من حجر تتقدمه ساحة تشبه الأولى، امتلأت بصفوف كراسٍ ستستوعب من لن يلقى كرسيًا في الساحة المقابلة.
في منتصف القنطرة التي تزنر باب البيت الرئيسي ألصق حجر كبير وعليه نحت لصورة الخضر،"مار-جريس"، يضرب برمحه حلق التنين. الحجر، بما عليه، يعلن أن صاحب البيت مسيحيّ قدّم بيته للعزاء، كعادات الجيران أهل البلاد، بيت المسيحي وبيت الشهيد صارا بيتًا واحدًا يستقبل المعزّين والوجع.
مع مجموعة من أصدقائي، وجهاء ومشايخ، توجهت لبيت العزاء. استُقبلنا كما يليق بالمقام والحدث. أجلسنا في صف أمامي، بعد أن حُيينا وحيَّينا الموجودين. بجانبي نصبت سماعة لتكون تحت تصرف من يريد أن يجاهر بتعزيته أو يفيد الناس بحكمة ودرس. بعد دقائق توجه صوبها "شيخ" يافع. تنحنح فسكت الحاضرون بعضهم كان يهمس. تحدث "الشيخ" عن الشهادة والموت. خطبة نارية ، ألقاها وهو شبه متكئ على كتفي. أنهى كلامه بسلسلة من الأدعية، مسكها: "أللهم أنصرنا على بني إسرائيل، أللهم انصرنا على اليهود" بعدها رفع يديه، صار أقرب إلى السماء وبصوت متهدج ترجّى: "أللهم أنصرنا على الكافرين والنصارى"، أعادها ثلاثًا وقفل.
أحسست بيد صديقي، شيخ ومناضل، تضغط على ركبتي. فهمت أّنه محرج، ويطلب مني ضبط مشاعري والسكوت. بعض الحرج بدا على بعض الموجودين خاصة من كانت عيناه تحدقان بذلك الحجر والتنين ومن أحس بخوفي من أن تنهال يد ذلك الشيخ على رأسي ويستجاب الدعاء. في الغد زارني وفد من الأصدقاء، بعضهم كانوا شيوخًا. قدّموا اعتذارهم عما حدث. عتبت عليهم لسكوتهم هناك. التصدي لمثل هذا المخلِف واجب. الصمت موافقة خرساء وتربيت على كتف هؤلاء، هكذا قلت لهم.
فلسطين الحديثة، كانت بعيدة عن حروب الملل ولا تعيش هواجس الفرق. فضاؤها الثقافي والحضاري استوعب، بشكل عقلاني، وجود أتباع للديانات الموحدة الثلاث. لم يغب الدين عن حياة مجتمعاتها لكنه كان،على الغالب، عنصرًا مهذبًا للعلائق البشرية ووسيلة تواصل بين العبد وربه. عبر التاريخ، حاولت عناصر كثيرة تأجيج الصراعات الدينية. كانت نجاحاتها محدودة، لم تؤدّ إلى شروخات عميقة، ولم تخلف معسكرات متناحرة كما يجيد الدين المسيّس فعله. في تلك السنوات بدأت أعراض الآفة تظهر على الجسد الفلسطيني.
خطابات التمترس الديني بدأت تسود، لغة التكفير تهدد وصكوك غفران محّدثة تنذر بما شهدته عصور الفتن الكبرى والاستبداد. مرّت على تلك الحادثة سنوات طوال، الساحات بدأ يملأها أمثال ذلك الداعي على الكفار والمسيحيين بالموت. الصمت تمادى فأصبح شريكًا وأصيبت فلسطين بداء النحر والتناحر.
حضرتني هذه القصة وأنا أقرأ ما قاله الدكتور رائد فتحي بحق أبناء الطائفة المعروفية. خفت علينا نحن من بقي في قلب نكبة.
بعيدًا عن دوافع المصرّح وعن مبرّرات ما قاله من حيث الزمان والمكان وبمعزل عن أي تسويغ فقهي لمضمون ما قيل يبقى وقع ما حدث كوقع سكين تهوي على جسد يتساقط مثخنًا بجراح. من المستفيد اليوم من هذه التصريحات ومطلقها ذو مكانة واحترام وتأثير بين فئات عريضة من الناس هنا في الوطن وخارجه؟
باستثناء بعض ردود جاءت من أبناء الطائفة المهاجَمة غابت المسؤولية والموضوعية؛ السياسيون تناسوا! المثقفون تشاطروا! المسيحيون استتروا. المسلمون، باستثناء قلّة كريمة من وجهاء وقادة استنكروا وشجبوا، غابت أكثريتهم غيبة لا تطمئن.
التسلّح بادعاءات التروّي الضروري والنضوج الحكيم، ذرائع لن تشفع لكل من "تقمّع" على رصيف العجز والمهادنة. القصة، كما كتبنا في الماضي، أنّ هذا الصمت سراب في البدايات، لكنّه الضياع والتيه الأكيد.
الحادثة ليست يتيمة ولا هي فريدة. في مجتمعنا يتشكّل مناخ تسوده منظومة قيم يسهل بموجبها إلغاء الآخر. أخطر هذه المظاهر ما تغذيه طائفية مقيتة قاتلة. أقوال الدكتور رائد فتحي سببت ضررًا فادحًا وعكٌرت أجواء مجتمعنا السقيم. صمت المؤثرين يشكل له دعمًا، صمت رفاقه يفسّر على أنه موافقة ومشاركة.
"ارحم من وافق الحق ومن خالفه رحمة له، فإن ذلك قسمةٌ. فإن الكافر إذا رحم المؤمن خفّف الله عنه، وإذا رحم المؤمن الكافر وفّى الله له. الكلُّ خلقُ الله ومضافٌ إليه. فتعظيم خلقه تعظيمه. فطوبى لمن رحم خلقه"، هكذا أوصى ابن عربي ولم يكن وحيدًا.
.. ولولا الخلاف على روايات النكبة؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل - الايام
هل نظرتم صورة أمي مريم، في الصفحة ٢٧ من "الأيام"، يوم الاثنين ١٣ أيار عشية النكبة؟ لماذا صورتها وليس حكايتها عن "خروج الطيرة" على صفحة كاملة؟
لأن مريم أمي تذكّر بمريم ام يسوع. وشاحها الابيض كوشاح ام المسيح، وليس كحجاب المسلمات المحجبات الآن، ولأن الثالوث المسيحي المقدس (باسم الأب والابن والروح القدُس) هو الثالوث الثاني الفلسطيني بعد النكبة: "باسم الجدة والابنة والحفيدة)!
حكاية أمي مع النكبة سجلتها ابنتي ضياء، ونشرها موقع "الطيرة نت" وأرشفها "مركز المعلومات -وفا" ونشرتها "الايام" في سنوية النكبة الـ ٦٥.
ولأن طيرة - حيفا (طيرة الكرمل - طيرة اللوز) آخر موقع سقط حرباً على الساحل الفلسطيني بعد شهرين من اقامة اسرائيل .. ولأن محمود درويش قال: "تاريخنا - تاريخهم"؛ تاريخهم - تاريخنا .. لولا الخلاف على مواعيد القيامة" .. وأضيف: .. ولولا الخلاف على روايات النكبة!
يقوم الفلسطينيون بتوثيق التاريخ الشفوي للنكبة، لسدّ ثغرات في الرواية الفلسطينية للتاريخ المكتوب لها. أمي مريم روت تفصيلاً من الحكاية الشفوية (أمي تروي لحفيدتها، وابنها ينشر روايتها في "الايام" كما نشر، في يوبيل النكبة ١٩٩٨ رواية شقيقي عبد الرحمن المحارب في حصار الطيرة "باسم الأب، والابن، والروح القدس" وباسم الجد والابن والحفيد".
* * *
بدأ المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس حقبة مؤرخي "ما بعد - الصهيونية" (بوست - زيونيزم) اعتماداً على ارشيف الدولة لحرب ١٩٤٨" ولما ارتدّ، تابع تلميذه ايلان بابيه طريقه.
قبل مؤرخي "ما بعد - الصهيونية" دخلت روايتهم للنكبة في روايات قصصية - تاريخية، اقدمها "خربة خزغة" ليزهار سيملانسكي عن تطهير القرية الفلسطينية في جنوب البلاد.
نظر الجندي سيملانسكي في عيون ولد فلسطيني في العاشرة، فرأى وقيداً سوف يشتعل حريقاً عام ١٩٦٥. وكان عمر أبو جهاد عشر سنوات وقت خروجه من الرملة.
* * *
"لم يخرجوا من قراهم طواعية .. بل نحن طردناهم".
"هل كانت مجزرة في القرية؟". "أنا من ارتكبها (..) كانوا فقراء بلا سلاح، وبعضهم سلاحه عثماني (..) كانوا قرويين هادئين يعيشون في ارضهم كما عاشوا منذ ٥٠٠٠ سنة".
.. الى ان يصل الجندي - الجزار النادم في شهادته الى الحقيقة : قالوا لنا ان البلاد فارغة بلا سكان .. هذا ما قالوه. هذا ليس صحيحاً.
هذه شهادة مصورة للجندي العجوز عن احتلال وتطهير قرى جنوب فلسطين المجاورة لأسدود (أشدود الآن).
بين ادعاء بعودتهم بعد ٢٠٠٠ سنة، وبين وجود الفلسطينيين في بلادهم منذ ٥٠٠٠ سنة لا اقل من ٣٠٠٠ سنة .. برهة في عينيك يا رب!
* * *
أيام قبل السنوية الـ ٦٥ للنكبة قرأت شهادة أمام مجلس العموم البريطاني ألقاها ابن الجنرال - المستعرب - المسالم متتياهو بيلد. نسيت اسم الابن، واما اسم الأب فلا أنساه، لماذا؟
التقيت الجنرال بيلد في نيقوسيا عام ١٩٩٢ على هامش مؤتمر دولي. يجيد العربية الفصحى (ترجم رواية "فقهاء الظلام" لسليم بركات) والعربية الفلسطينية .. وساهم في احتلال سيناء ١٩٦٧ وقال يومها: "إن كانت هناك فرصة .. فستكون صنع سلام مع الشعب الفلسطيني".
علمت خلال القلاء في نيقوسيا أن بيلد حارب ضد دفاعات شباب الطيرة، بوصفه من سكان مستوطنة "كريات موتسكين" شمال حيفا.
ماتت أمي، وقبلها مات أخي الفدائي وقبله مات أبي، ثم مات اخي حسين المحارب .. ومات الجنرال بيلد بالسرطان .. وقال ابن بيلد لمجلس العموم : لا حق لاسرائيل في الوجود على ارض الفلسطينيين.
* * *
في رواية أخي المحارب الطيراوي عبد الرحمن في السنوية الخمسين للنكبة هذه الحكاية الصغيرة: جندي بريطاني اسمه جون انشق عن قوات الانتداب، وانضم الى شباب الطيرة في حرب الحصار، وسقط قتيلاً.
تذكرت صديقي فارس غلوب، ابن الجنرال غلوب باشا، وكيف حمل السلاح في حصار بيروت مع الفلسطينيين .. ثم مات في حادث دراجة هوائية في دولة خليجية .. بعد أن تزوج من فلسطينية.
* * *
انضم رئيس السلطة ابو مازن الى صراع الروايات وحكى، باختصار، رواية الخروج من صفد.. وكيف اختار الخروج بالحذاء القديم، عسى ان يعود لارتداء الحذاء الجديد؟!
اميركا تصالحت مع تاريخها (الهنود الحمر) واستراليا تصالحت مع تاريخها (السكان الاصليين) .. واما اسرائيل فلا تتصالح مع "النكبة"؟! ألمان نكبوا يهوداً، ويهود نكبوا فلسطينيين؟!
النكبة ومذياع عكا
بقلم: عبد الناصر النجار - الايام
مرّت خمسة وستون عاماً على مذياع "أبو سمير" وهو ما زال مفتوحاً يقصّ نشرات الأخبار لجدران البيت، وللورود المزروعة في أصص الفخّار على شرفة المنزل.
قصة أبو سمير اللاجئ من عكا هي قصة "المذياع" الصحافية التي كتبها الزميل أنس أبو رحمة، وفازت بمسابقة "حق العودة" لمركز بديل، قبل سنوات، وكنت محكّماً فيها.
القصة تروي لجوء أبو سمير مع عائلته في العام 1948 إلى إحدى مخيّمات رام الله.
يومها وكغيرها من اللاجئين، خرجت عائلة "أبو سمير" على عَجَل؛ خوفاً على حياتها من العصابات الصهيونية المسلحة من دول العالم الديمقراطي؛ لتُحِلّ شعباً لا يملك محل شعب له الأرض والتاريخ.
في طريقه القسري يسأل "أبو سمير" زوجته عن المذياع، فتردّ عليه بأنها نسيت المذياع مفتوحاً.. حينها يردّ الزوج مستنكراً: إن "بطّاريّات" المذياع ستفرغ، لأننا بحاجة على الأقلّ إلى يومين أو ثلاثة أيام حتى نتمكّن من العودة.. وفي هذه الأيام سيظلّ المذياع يقصّ أخباره إلى أثاث المنزل؟!
كان أبو سمير يعتقد أن جيوش الإنقاذ العربية، ستصل إلى فلسطين لإعادة التحرير وتخليصها من أيدي العصابات الصهيونية.
مرّت 65 عاماً لم تتمكن فيها جيوش الإنقاذ العربية من الوصول... والتي يبدو أنها لن تصل مطلقاً، فلم تعد القضية الفلسطينية هي الأولوية لا للجيوش ولا حتى للأنظمة أو للجماهير.. فهذه السنوات الطويلة غيّرت الوجه العربي، والفكر العربي، والمفهوم العربي، بحيث أصبح مفهوم التحرير مصطلحاً من الماضي.
ربما لم تفرغ شحنات البطاريّات، ولكن ربما ارتفع صوت المذياع مستنكراً المرّة تلو الأخرى: لماذا خرجتم؟.. كنتم تخافون على العرض؟.. فما حصل لعرضكم في كثير من الدول التي هُجّرتم إليها؟.. خفتم على الحياة فماذا حصل لمئات الآلاف من أبنائكم وأحفادكم في مذابح فردية وجماعية على مدار هذه السنوات..؟!.
أنا، أيضاً، لاجئ من الفالوجة التي سطّر فيها الجيش المصري بقيادة الزعيم الراحل عبد الناصر مفخرةً رغم فساد العتاد وقلته.
في مثل هذه الأيام قبل 65 عاماً شُرِّدت العائلة إلى عدة دول ومناطق، منها من استقرّ في الضفة الغربية، وبعضها في قطاع غزة وآخرون ذهبوا إلى معظم الدول العربية التي أينما ذهبت تجد أبناء العائلة فيها، ومنهم من قرّر أن يبتعد عن كل الأنظمة العربية التي شعر بخيانتها.
النكبة فرّقت حتى قبورنا فلا جدّ أو جدّة أو أباً أو خالاً أو عمّاً دفنوا في مكان واحد.. فلا ترحُّم على موتانا أمام قبورهم، ولا حتى إمكانية لتذكّرهم جميعاً لأنهم مشتّتون حتى في موتهم.
في الفالوجة لنا تاريخ ولنا أرض ولنا هُويّة لا يمكن للزمن المار أن يمحوها، ولا لكلّ آليات الطمس أن تمحو الجغرافيا والتاريخ والرُّوح المغروسة هناك.
توفي جدّي ثم والدي.. رحمهما الله، ولكن ما زالت قصصهم عن الفالوجة مسجّلة في الذاكرة وعلى أقراص مدمجة، لأننا سنحفظ كل شيء يرسّخ الذكرى حتى العودة.
ولا شكّ في أن أحداً يوماً سيصل إلى مذياع أبو سمير وربما هو الذي سيقرأ على المذياع نشرات أخبار مرّت عليها عقود أطول بكثير مما نتوقّع.. حينها سنزرع شتلة "جاردينا" في شرفة المنزل بدل تلك التي تعبت كثيراً وهي تنتظر العودة؟!.
النكبة: جدل العلاقة بين المكان والزمان
بقلم: حسين حجازي - الايام
خرجنا صباحاً تلاميذ الصفوف الابتدائية، صفاً صفاً تسبقنا فرق الكشافة "إلى الأمام سر" على وقع الطبول العسكرية، بانتظام سيراً على الأقدام تماماً كما لو أننا نحن الجنود القادمون. لنا الغد نحن الجيل الصاعد كما تردد الأغنية، إلى الأمام في الطريق الذي يسمى شارع النصر، ومن هناك إلى ساحة الجندي المجهول، نهتف أمام تمثال هذا الجندي الجميل الذي لا يزال في عمر الشباب مصوباً ببندقية باليد نحو الشرق حيث الوطن السليب، وباليد الأخرى بأصبع السبابة. نردد وسط الزحام ونحن بالكاد نرى وجه الخطيب، نحن تلاميذ الصفوف الابتدائية وقد توزعنا في الزحام حتى تبعثرت صفوفنا، نفس الهتاف عن الوحدة العربية، "شعب واحد لا شعبين من مراكش للبحرين"، وللزعيم الخالد جمال عبد الناصر محطم الاستعمار والرجعية والذي يسحق تحت أقدامه بن غوريون وديان. قبل أن نعود عصراً إلى ساحة ملعب اليرموك نشهد عروض كشافة القرب الموسيقية العسكرية، وتمرين فتوة مدارس الثانوية وهي تنفذ مناورة بالذخيرة غير الحية اقتحام الحدود، وتدمير معسكر العدو وحرق العلم الاسرائيلي.
كان ذلك زمناً من حلم وورد وأغنيات زمناً على صورتنا نحن تلاميذ الصفوف الابتدائية في عمر الورود. وعلى صورة الزعيم القائد المحبوب بقامته الطويلة وابتسامته التي تأسر القلوب، حيث بدت النكبة كما لو أنها خطأ عابر وسخيف مر أو حدث في غفلة من الزمن حيث لم نكن نحن هناك، وإنها مسألة وقت لا اكثر ليس ببعيد، سوف يتم تصحيح هذا الخطأ الغبي، ليس من قبلنا نحن الصغار حين نكبر، لا ليس بعد هذا الوقت حيث لم يتبين لنا بعد متى سنكبر وهذا سوف يستغرق وقتاً طويلاً، وليس ثمة بعد وقت للصبر. فيما كانت الصدور تغلي بالحماس للثأر (والزحف المقدس)، والعواطف ملأى بالأحلام والوعود. قريباً قريباً ولكن ليس ببعيد، وقد أكد ذلك لنا الأستاذ احمد عبد الغني الذي كان يعلمنا في الصف الأول الابتدائي كل الدروس حين قال لنا بصوت لا يعتريه الشك إن اسرائيل هذه ليست قوية وهي تخاف من القط. كان ذالك بعد اثنى عشر عاماً من النكبة وحيث كان مدخل المدرسة تتصدره لوحة عظيمة بالألوان الزيتية تصور جندياً آخر مجهولاً ولكن بثياب عسكرية مرقطة، بوجه تشع منه عينان متقدتان للثأر، يسير قدماً نحو الهدف تحرير فلسطين، وتحت اللوحة كتبت عبارة واحدة (الزحف المقدس) وإننا لعائدون.
في السابعة والخمسين أنا تلميذ الصفوف الابتدائية أوائل عقد الستين الذي طالما حاولت الإشارة له على سبيل الحنين إلى الزمن الجميل، أو الفردوس المفقود أو جنة عدن، لعلني وجيلي أكثر ميلاً للتفكير أو التأمل في الزمن والظروف التي سيكون عليها الحال حين تكبر حفيدتي، وقد أصبحت جداً منذ سنة وتصبح هيا في عمر الصبا والشباب، حبيبتي هدول أو هدلا أو هديل وكلها تنويعات على إيقاع اسمها المشتق من سير الحمامة، طفلتي التي لا تعرف كما لا يعرف كل الأطفال الفلسطينيين ماذا ينتظرهم؟ فهل ثمانون أو مئة سنة أخرى على النكبة أو هي حرب الألف عام؟ وحيث ما استطاع لا جيل الآباء في عمر طفولتي آنذاك ولا جيلي أنا تلميذ الصفوف الابتدائية أن يصحح الخطأ الغبي وظل الخطأ التاريخي يحرقنا كما حطب الموقد جيلاً وراء جيل والنار لا تنام في حضن الموقد كما تردد فيروز في الأغنية.
في الذكرى الخامسة والستين جداً هذه المرة لعلنا نكتسب قدراً من الحكمة والهدوء والواقعية أكثر في مقاربة المسألة. لم نستطع أن نصحح الخطأ لكن العدو لم يستطع أيضاً بعد كل هذا الوقت أن يلغينا، لم يستطيع شطبنا ولم نمت وعلى أرضنا أرض فلسطين نفسها نحن الذين بقينا جيلاً وراء جيل ونحن الذين نملك اليقين لا الشك في قرارة أعماقنا، الروح الباطنية أو العقل الباطني، المحرك الأكبر للتاريخ، بأننا نحن الباقون هنا إلى يوم الدين. وهل اسرائيل تخاف القط يا أستاذ احمد عبد الغني ولم نعد في الصف الأول الابتدائي الآن؟ لا ولكن قد كان هذا جميلاً منك في حينه، ولكن الحقيقة أيها المربي الفاضل وليرحمك الله أن اسرائيل هي التي تخافنا وتخشانا اليوم لا نحن من نخافها أو نخشاها. ولم نقر يوماً يا أستاذي الذي علمني القراءة والكتابة بأننا هزمنا لا أمس ولا اليوم ولا هذا الجيل الصاعد في عمر الشباب إصبع السبابة، سبابة الجندي المجهول، الذي يؤشر بها إلى الهدف بأن اسرائيل لم تستطع هزيمتهم.
في السنة الخامسة والستين لم لا نفهم أن السبابة التي تحولت إلى صاروخ وصل إلى تل أبيب، ولما لا نرى إلى حقائق الصراع اليوم بأن الصراع لا يدور حقاً كما لاحظ صحيحاً بنيامين نتنياهو حول الأرض وإنما حول هوية الأرض؟ ولذا شيء واحد أقوله لك أيها الرئيس أبو مازن وأنت جداً لا تحتاج إلى من ينصحك، فاوض هؤلاء الكذابين المراوغين المخادعين، على الأرض مئة عام ليس ثمة مشكلة ولكن حذار التسليم أو التفاوض على هوية الأرض. فما دمنا هنا لن يستطيعوا اقتلاعنا من الأرض، ما دمنا هنا على أي جزء من الأرض بل على أي شبر حتى من هذه الأرض، لا خوف علينا لأن العصور والأزمان هي في حركة دائمة وتغير دائم، وقد كانت بالحق غفلة من الزمن والتاريخ، خطأ أو حدث عابر مثلما اسمهم في التاريخ العابرون أو المارون بين الكلمات العابرة، وقد كان شاعرنا الذي قال هذا الكلام طفلاً قبل عام النكبة. وآنذاك لعلنا لم نبلغ من الشعر والأدب كما نحن اليوم شأواً ولا كانت (الميديا) الإعلامية العالمية كما هي اليوم في زمننا كساحة مفتوحة، وحيث أعظم عالم فيزياء في وقتنا بعد اينشتاين يقاطعهم.
سلاماً على بقائنا على الأرض إلى يومنا هذا في السنة الخامسة والستين. ثلاثة أجيال نحن من عمر النكبة والجيل الرابع على الأبواب، كدقات القدر على الباب، باب التاريخ ولا نكل أو نتعب ولا لانت عريكتنا. لا رفعنا راية موتنا اندحارنا أو هزيمتنا وإنما راية واحدة وضاءة نسلمها جيلاً خلف جيل للجيل الذي سيأتي وفلسطين ولادة. حروب من على الأسوار حروب من الداخل وحروبنا لا تنتهي، حرب وراء حرب تلد حرباً على مدى الزمن، وحيث الكبار يموتون والأولاد تلاميذ الصفوف الابتدائية لا ينسون. والاستيطان على الأرض لا يفعل أخيراً سوى توسيع مجال الاشتباك على مدى الأرض والمكان. وحيث من يستطيع البقاء في المكان يبقى ويتقدم ويتمدد في الزمان.
فرح لا بديل
بقلم: وليد ابو بكر - الايام
وسط الحزن العام، الذي يجتاح كلّ الناس في بلادنا، ولا يفلت منه إلا من يرى في هذه البلاد مناسبة للكسب المؤقت، دون أن يهمّه مصيرها خارج ذاته، يحتاج الناس إلى لحظة فرح، بين حين وآخر، وإلى إحساس صحيح بأن في البلاد شيئاً ما، لم يفقد أصالته، ولا قدرته على الحياة، وأن بإمكانه أن يشحن النفس بما يساعدها على البلاء الذي يحيط بها من كلّ جانب، بدءاً من الاحتلال، وانتهاء بمن يتصرّفون وكأن الاحتلال غير موجود، وأن البلاد تنعم بالحرية والعدالة والخير الذي لا يفرّق بين أحد من الناس.
قد يجد الناس ـ من أمثالنا ـ لحظة الفرح هذه لدى انتصار في مباراة كرة قدم، لا يقدّم ولا يؤخر في حالنا، حتى على هذا المستوى؛ وقد يجدونه في تميز طالب صغير أو كبير، في موضوع ما، دون أن يخطر بالبال مصير هذا الطالب، إذا كان في بلاده التي لا تعنيها المواهب، فتضيع، أو كان في بلاد أخرى تعرف قيمة ما يملك، فتقوم باستثمار موهبته، لكن لغير بلاده بكلّ تأكيد.
لا يكون غريبا إذن أن يسعد الناس بما يحققه أي واحد منهم من نجاح، على أي مستوى، وأن يتابعوا هذا النجاح، وأن يدعموه، معنويا وماديا، بقدر ما يستطيعون، وأن يشعروا بالفخر "الوطنيّ" الخالص، لأن واحدا منهم استطاع أن يثبت أن الحياة، رغم كل ما يعوق مسيرتها، تستطيع أن تقدّم شيئا من البهجة.
حين ننظر إلى متابعة المتسابق الفلسطينيّ محمد عساف في برنامج مسابقات للأصوات (قواعده غير فنيّة في كثير منها، لأنه برنامج تجاريّ في أساسه، يكسب من حجم الاتصالات التي تثار بشكل تعصّب إقليمي في الغالب)، نستطيع أن نفهم هذه الحماسة الشعبية الواضحة للمتابعة، وأن ندرك أنها تنطلق من حاجة ماسة إلى ما يفرح قلب الإنسان، أو يرفع من معنوياته الهابطة على الأقل، ولو لساعة من الزمن، خلال قلق المشاهدة.
هذا كله صحيح وإنسانيّ تماما، ولكنه لا يشكّل بديلا لأيّ شيء أساسيّ في الحياة تحت الاحتلال، وفي ضرورة مقاومتها بسبل شتى. إن الادّعاء بأن نجاح صوت ما، في تجاوز أصوات أخرى، داخل مسابقة محدودة، لا يمكن أن يكون انتصارا للوطن ضدّ الاحتلال، ولا دليلا على قوة الوطن؛ فحتى مع الفرح بالصوت الذي يمثل الوطن، ويغنّي له أيضا، وربما يقدّم صورة عن ظروفه تحت الاحتلال، وغير الاحتلال، سوف يبقى هذا النجاح فرديا، لأنه يستند إلى موهبة تخصّ صاحبه، وولدت معه، لا نتيجة فعل اجتماعي يخصّ المجتمع كلّه.
يسير ذلك ـ دون شكّ ـ وراء ادعاءات كثيرة تبرّر تحوّل الفعل الثقافي إلى مجرّد مظاهر، لا تستمرّ لحظة واحدة بعد أن تنهي فعاليتها، مهما زعم أصحابها من أنهم يناضلون بطريقتهم، ويؤكدون حياة هذا الشعب وحيويته ـ بالرقص مثلا ـ في غياب الأساسيات الأخرى التي تشكّل دروعا حقيقية لمقاومة الاحتلال، لا تدخل الرتوش الترفيهية ـ بالمعنى الدقيق ـ في صميمها، حتى وإن كانت لها أهميتها التي لا تنكر في الحياة. إنها باختصار شديد، ليست بديلا للمواجهة الحقيقية، لأن هذه المواجهة هي التي تصنع بيئة ينتعش فيها الفن ـ كجزء من ثقافة حقيقية منتعشة ـ وغيابها لا يسمح لأية موهبة بأن تصل مداها الذي تستحقه.
لقد سبق أن ولدت حماسة مماثلة لبعض المتسابقين من قبل، في برامج مشابهة، وعمّ الفرح كلّ المدى الزمنيّ للحظات المشاهدة، وارتسمت على الشفاه ابتسامات حقيقية مع خطوات النجاح، وشهقات حزن عندما كانت تنحسر. لكن الذي يتابع سير النجاحات الفنية في الوطن العربيّ، سوف يكتشف أن بعض الذين كانوا أدنى موهبة، ممن يوجدون في بيئات أخرى، تمهد لهم نجاحا أوسع، تفوّقوا في المحصلة على من بزّهم في البرنامج، ولم تفده الحماسة، ولا دموع الفرح أو الأسى في شيء، بعد انتهاء الحلقات التجارية، القادرة على جذب انتباه الناس، وتحريك مشاعرهم.
صوت محمد عساف قويّ بالقدر الذي يؤهله أن يكون أفضل ممن يحكمون عليه في البرنامج، وهو يستحقّ التشجيع على كلّ مستوى، كما يستحقّ ذلك أيّ فنّ راق، ينتسب إلى ثقافة راقية. لكن مثل هذا التشجيع لا يثمر إلا إذا استثمر داخل بيئة ثقافية متكاملة، لا تكتفي بأن تتحمس ـ وحسب ـ لموهبة فردية في زمن طارئ، وإنما تضيف إلى ذلك أن تعمل على تأسيس ما يمكّن المواهب جميعا من أن تنمو، في ظروف طبيعية، لا تحكمها مسابقة، ولا حماسة وطنية مؤقتة.
رفقا بنا من قاعدة "الشعب متهم وعليه إثبات براءته"
بقلم : صلاح هنية - الايام
القاعدة في الوطن أن تكون متهما والاستثناء أن تكون بريئا ...
القاعدة لها استحقاقاتها التي تنسحب على كل مناحي الحياة في الوطن وتصبح مقياسا يقاس به، ومن هنا نصبح نلاطش في حالنا لأننا لم نحسن صنعا ولن نحسن صنعا حتما.
حتى لا اخل في مدخل قد يبدو فلسفياً وكأنني انتقل إلى مربع من يكتب لنفسه وخمسة حوله من مريديه، ولن أكون كذلك على الأقل سأجتهد لكي لا أكون كذلك وقد أقع في شر أعمالي في نظر الآخرين.
لست خبير تشريعات ولست جزءاً من المنظومة التشريعية في دولة فلسطين ولكنني استطيع القول بكل تواضع أن جهدا بذل بقيادة ديوان الموظفين العام، وبالشراكة مع بقية الوزارات في دولة فلسطين، على إعداد قانون الخدمة المدنية الجديد، وتم تعميمه على المواقع الإلكترونية في حلقات نقاش متخصصة لنقاشه، ونشر على موقع رئاسة الوزراء الإلكتروني لإبداء الرأي بخصوصه.
جرياً على القاعدة، بات الديوان والشركاء متهمين ويجب أن يثبتوا براءتهم دون وجود مقياس واضح يقاس به مدى نجاعة هذا القانون، وقد يكون هناك وجاهة في الاعتراض أو طلب التعديل، أما الإلغاء الكامل والتوقف عن نقاشه فأمر فيه من الوضوح ما يكفي لجعل القاعدة أن تكون متهما في الوطن.
في الوطن، اذا نلت وظيفة في أي مؤسسة من مؤسساته على اختلاف انواعها فانت متهم بانك صاحب واسطة ومحسوبية، وبالتالي فإن منافسيك الذين تقدموا للامتحان ولم يستدعوا للمقابلة ولم ينالوا الوظيفة فهم من الكفاءات الذين يستثنون لأنهم لا يمتلكون واسطة ومحسوبية، سبحان الله.
في الوطن اذا بادرت لأي نشاط وحشدت له جمهوراً ومتحدثين من العيار الثقيل وميسري جلسات فاعلين فأنت متهم بأنك بعت نفسك بثمن بخس دراهم قليلة لمن يرعى هذا النشاط ولمن مول هذا النشاط، بينما من ينتقد ويتهم بدون دليل وبدون خلفية بيضاء فهو بريء حتى لو خاض تجربة نشاط وحضر نشاطه عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة يظل في نظر نفسه بريئاً، ومن يبادر وينجح فهو متهم.
ولقد تجلى هذا الأمر في كيل الاتهام لكل من بادر وشارك وهتف وتظاهر ورفع علماً إحياء لذكرى النكبة حتى لا تتكرر النكبة، أما من غادر مكان عمله أو مؤسسته الأهلية أو مكانه الذي هو منتدب اليه من وظيفته الأصلية وذهب صوب المقهى لتدخين الأرجيلة أو صوب بيته أو صوب شلته فهؤلاء هم الأبرياء بعينهم والحريصون على المصلحة الوطنية العليا ومرجعياتها وثوابتها وعدم تكرار النكبة، ويتهمون من أحيا الذكرى واتعظ ويتهمون من تظاهروا إحياء للذكرى.
وبات الأبرياء المفترضون يعتبرون ان إحياء النكبة حالة احتفالية راقصة تتساوق مع مهرجان عروض الأزياء والعياذ بالله، وبات من أحيا الذكرى متهماً وعليه أن يثبت براءته وصدق نواياه.
ترى ما هي المقاييس لجودة الأمور كلها رغم أن كل شيء بالإمكان قياسه والحكم على المقياس نفسه يتفاوت من رؤية إلى أخرى ولكننا نمتلك مسطرة للقياس بها، باستثناء الرأي القابل للأخذ والرد والقبول والرفض فلا يقاس بذات المسطرة.
من هنا تبرز أهمية الريادة والرواد والمبادرة والمبادرين، لأننا في هذا الواقع قد نجد خوفا من أن تطالهم قاعدة الاتهام حتى تثبت براءتهم بعد عمر طويل.
نعم يتراجع المبادرون في مناحي الحياة كافة حرصاً على الابتعاد عن سهام التشهير والتجريح، ويصبح التساوق مع النمطية السائدة هي الأسهل وليسلم رأسي، والخلاص الفردي والنجاة أفضل من المبادرة والريادة ولتوزع جوائز الريادة والمبادرة على من يريدون، ودعونا ننجو برأسنا ولا نبات متهمين. أما الكسالى والقاعدون والمستنكفون هم الأبطال ظنا منهم أن التاريخ سيكتب أسماءهم بماء الذهب.
من الطبيعي أن ترى حالات من الهذيان والتخبط تسمى عملاً مجتمعياً أو مؤسسياً وتجد من يلتف حوله من باب الحفاظ على السلامة التامة والخلاص الشخصي وابتعادا عن التهم الجاهزة لكل مقاس.
بالتالي يصبح الاتجار بالأغذية الفاسدة وساما يوضع على صدر البعض وقد يبادر هذا البعض ذاته إلى المطالبة بمحاكمة متهمين آخرين بذات تهمته على أساس انه يقوم بخدمة مجتمعية يتستر بها ولا يجوز مساءلته، واللي استحوا ماتوا.
الى اين ذاهبون؟؟؟
دعونا نقفز عن التوصيف الجاهز للإجابة إلى ( نكبة جديدة، كارثة، انتحار جماعي ).
ونقول أن البوصلة موجودة .. ومقاييس جودة الأداء الذي يقود الى مستقبل أفضل قائمة ... وحكمة محمود درويش قائمة ( البيت اجمل من طريق البيت) ... والمأسسة معايرها واضحة ... والمساءلة والنزاهة وحرية التعبير والنقد الموضوعي معاييره واضحة ...
يبقى أن نختار طريقنا على أساس معايير الجودة لنصل الى الأفضل ... وأما على معايير سوء الاستخدام وعدم الأهلية فنحصل على شيء لا علاقة له بمستقبل بل تكرار للحالة السلبية القاتمة.
غزة بين الجلد والقطع
بقلم: رامي مهداوي - الايام
عزيزي القارئ... عزيزتي القارئة، من يوم وطالع في قوانين جديدة لقراء مقالي خرم إبرة، أي حدا راح يخالف القوانين يجهز حاله لأني راح أعاقبه بالعقوبات التالية: الإعدام، السجن المؤبد، السجن المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس عشرة سنة، الجلد فيما يجاوز أربعين جلدة. يا جماعة بطلعلي أعمل قانون عقوبات، ليه "حماس" تعمل قانون عقوبات على كيفها في غزة... وكأنه غزة ولاية في عالم الإخوان المسلمين!!
حصل ويكيليكس خرم إبرة فرع غزة على مسودة قانون العقوبات المزمع إقراره، مسودة قانون عقوبات جديد يتضمن "تطبيق إقامة الحدود". وعلى الرغم بأنه هناك جدلاً غير حامي الوطيس وغير حامي لدرجة الغليان بين قيادات حركة حماس، إلا إنه (كتلة التغيير والإصلاح) البرلمانية التابعة للحركة عرضت مشروع قانون عقوبات بإكسسوارات خاصة بها جديدة مختلف عن عام 2001، تمهيداً لإقراره. بعد قراءتك لمسودة القانون ستكتشف بأنه جاءت هذه المسودة في مضمونها لتخدم أجندة وسياسية ورؤية فكرية وثقافية اسمها "حماس"، وهذه السياسة والثقافة أنا متأكد بأنه مش راح تلاقي إجماع مجتمعي ووطني، فهذا القانون يعمل فقط على تفسيخ بقايا وحدة النسيج الاجتماعي، وبقايا المصلحة الوطنية، وتدمير حقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة والديمقراطية وضياع المرأة الفلسطينية، ومش بس ضياع لكن تعمل المسودة على جعل المرأة متهمة في جميع الحالات، والله المسيحي الغزاوي لينبسط على هذا القانون يا مساكين وسلملي على الأقليات، ومش بس هيك!! بل تم توسيع دائرة تطبيق عقوبة الإعدام لتشمل كثيراً من الجرائم!! على شو استندوا الشباب ما بنعرف؟!! شو تعريفنا للجرائم ما بنعرف!!
يعني مع غياب دور المجلس التشريعي كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي في غزة بتستغل الانقسام بإصدار قوانين تخدم حماااااااااااااااااس فقط لا غير، وما بتخدم بناء المجتمع الفلسطيني ولا قضيتنا ولا وحدتنا ولا مصالحتنا بل تخدم مصالحهم وتعزز تكريس الانقسام بين الشعب الفلسطيني، على أسس سياسية وجغرافية ما بين قطاع غزة والضفة الغربية وسلموا على ما يسمى دولة فلسطين، وضمن تحضير هذا المقال تبين لي أن أعضاء كتلة التغيير والإصلاح_يعطيهم العافية_ أصدروا سلسلة من القوانين مستندين بذلك إلى ما يعرف بـ (نظام التوكيلات) الذي لا تحكمه المسوغات القانونية المعتبرة لأنه نظام غير دستوري.
تسمحولي أقتبس مواد من مسودة القانون، وما تزعلوش مني، بس هذا يعتبر أمثلة توضيحية مثل كتب العلوم وإحنا في المدارس: تنص المادة 289 من الباب الثالث على أنه "يعد مرتكباً جريمة السرقة الحدية من يأخذ خفية بقصد التملك مالاً منقولاً متقوماً للغير شريطة أن يؤخذ المال من حرزه ولا تقل قيمته عن النصاب". وعرف القانون النصاب بأنه "دينار من الذهب يزن 4.25 غراماً أو قيمته من النقود"، كما ينص البند الأول من المادة 290 على أن "من يرتكب جريمة السرقة الحدية، يعاقب بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف"، فيما ينص الثاني على أنه "اذا أُدين الجاني مرة اخرى، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات"، وينص المشروع على عقوبة الجلد في كثير من الجرائم والجنايات، من بينها شرب الخمر ولعب القمار والشتم، ويحظر تزويج الفتاة في حال قل عمرها عن 15 سنة يعني 16 مسمووووووووووووووووح، ويُعتبر طفلاً من يقل عن عشرة، مش 18 سنة كما تعتبره المواثيق والأعراف الدولية.
وتعرف المادة رقم 15 في مسودة القانون الذي جاء 342 مادة عقوبة الجلد بأنها "الضرب بسوط معتدل، ليس رطباً، ولا شديد اليبوسة، ولا خفيفاً لا يؤلم، ولا غليظاً يجرح، ولا يرفع الضارب يده فوق رأسه، ويتقي المقاتل، ويفرق الجلدات على ظهره واليتيه ورجليه"، وتنص المادة رقم 260 في فقرتها الأولى ضمن مسودة القانون "من يرتكب جريمة السرقة الحدية، يعاقب بقطع اليد اليمنى من مفصل الكف".
رصد خرم إبرة بتاريخ 7-5-2013 ما قالته النائب عن حماس هدى نعيم لـصحيفة "الحياة اللندنية"( أن من حق حزب الغالبية "حماس" (74 مقعداً في المجلس من أصل 132) أن تصبغ القوانين بأيدولوجيتها، لافتة الى رغبة الحركة في الوصول الى توافق مفاده ألا تفرض العلمنة عليّ وأنا لا أستطيع أن أفرض الحدود)، جزاك الله يا أخت هدى كل الخير.
أعتقد أن "حماس" دخلت مرحلة جديدة اسمها مأسسة إمارة غزة الإسلامية، وقانون العقوبات هو أهم قانون للسيطرة على الحياة المجتمعية برؤيا حمساوية، سلامات للمصالحة... سلامات للقضية، يا جماعة أنا مني وعلي راح أطبق قانون العقوبات الخاص بخرم إبرة من هذه اللحظة، واللي مش عاجبه المقال راح أقص لسانه.