-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 403
اقلام واراء محلي 403
في هذا الملـــــف:
- غزة تئن تحت حصار الانقلاب
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
بقلم: نصر نوفل - الحياة
- ضربة أخرى لـ «جهود السلام»
بقلم: حديث القدس – القدس
بقلم: يوسف جمال - القدس
- المستوطنون... تطور نوعي في الدور
بقلم: علي جرادات – القدس
- مساعي بكين لحل القضية الفلسطينية... لماذا؟
بقلم: د. عبد الله المدني – القدس
بقلم: حسن البطل - الايام
بقلم: طلال عوكل - الايام
- في مصر يخلطون بين " حماس " وفلسطين
بقلم: غسان زقطان – الايام
- الأروع في صفقات التبادل .. !!
بقلم: عبد الناصر فروانة - معا
غزة تئن تحت حصار الانقلاب
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
تواجه المحافظات الجنوبية حصارا جديدا منذ يوم الخميس الماضي بعد اختطاف مجموعة ذات صلة بالمجموعات الجهادية التكفيرية العاملة في قطاع غزة عددا من الجنود المصريين في شبه جزيرة سيناء، الأمر الذي دفع زملاءهم وذويهم الى اغلاق معبر رفح البري، الرئة الوحيدة لأبناء الشعب الفلسطيني في القطاع للخارج طيلة الايام الماضية.
من المؤكد ان الغالبية الساحقة من المواطنين الفلسطينيين ليس لهم علاقة لا بحركة حماس ولا بالجماعات المتطرفة، التي ترعرت تحت ظلال الانقلاب الحمساوي، ولكنها دفعت الثمن غاليا طيلة السنوات الست الماضية نتيجة الانقلاب وسياساته وارهابه المجتمعي والسياسي والثقافي والقانوني، وما زالت تدفع الثمن يوما تلو الآخر.
وما يجري من إغلاق لمعبر رفح البري الواصل بين فلسطين ومصر، يشكل إضافة نوعية للحصار المفروض على ابناء الشعب الفلسطيني في القطاع. ولم يكفِ تلك الجماهير حصار الانقلاب الحمساوي، ومتاجرة قياداته بالحصار الاسرائيلي الظالم. ويضاعف من ثقل الوضع الضاغط على الجماهير الفلسطينية، ويحرمها شيوخا ونساء وطلابا ومرضى وتجارا من حرية السفر ذهابا وايابا من والى الوطن. وكل ذنب تلك الجماهير انها تخضع لسلطة الانقلاب الحمساوي، التي أوت الجماعات الارهابية، وقدمت الدعم لها، وساندتها، واتبعت معها ذات التكتيك الاخواني القائم على التناقض معها في العلن، والتواطؤ معها في السر والخفاء، طالما لا تؤثر على مكانتها كقوة مسيطرة على مقاليد الامور في محافظات القطاع.
الحصار او الاغلاق الجديد من قبل الاشقاء في مصر من قبل ذوي ورفاق الجنود المختطفين، الذين رفعوا شعارات واضحة ضد الانقلاب وقيادته الحمساوية، التي استباحت سيناء، وجعلتها قاعدة خلفية لارهابها وتجارتها، تجارة الاسلحة والمخدرات ومختلف السلع عبر الانفاق، لا يتحملون المسؤولية عما آلت اليه الامور من نتائج سلبية مست مصالح المواطنين الفلسطينيين، لأن المسؤولية تقع على عاتق قيادة حركة حماس والسلطة الجديدة في مصر، التي يقودها مكتب الارشاد الاخواني من المقطم. لماذا ؟ لأن قيادة حماس سمحت للجماعات الارهابية بالتمدد والانتشار ما بين غزة وسيناء، وبالتالي العبث بالساحة المصرية. ولأن الاخوان المسلمين ساندوا وما زالوا يساندون تلك الجماعات. وما حصل مع الجنود المختطفين جاء تكريسا لما تم تنفيذه من قبل تلك الجماعات في رمضان الماضي، عندما قامت باغتيال وقتل ستة عشر ضابطا وجنديا ساعة إطلاق الاذان للافطار في رفح، وتغطية النظام الاخواني على القتلة، ليس هذا فحسب، بل ان النظام استخدم تلك الجريمة الارهابية لتصفية الحساب مع المشير حسين طنطاوي ورئيس الاركان سامي عنان ووزير المخابرات مراد موافي ورئيس الحرس الجمهوري.
لهذا فان زيادة انتشار تلك المجموعات ليس منفصلا عن سياسة النظام ومكتب الارشاد وقيادة الانقلاب في غزة. بل هناك تكامل وتعاون بما يخدم السياسات العبثية لجماعة الاخوان المسلمين. مما جعل سيناء مرتعا وملجأ لكل من هب ودب من الجماعات الارهابية، والتي شاءت أم أبت تخدم السياسات والرؤى الاسرائيلية- الاميركية، وتهز مكانة السيادة المصرية، وتفقدها قدرة السيطرة على محافظة شمال سيناء برمتها، وتمهد عمليا لانفصالها عن الدولة المركزية، كمقدمة لانفصال اقليم السويس وغيرها من الاراضي المصرية، وفي ذات السياق تدعم خيار الانقلابيين الحمساويين بتأبيد الامارة، لا سيما وان كل الاجراءات والقوانين التي تعتمدها القيادة المتنفذة في الانقلاب تصب عمليا في خيار الانفصال، وتبديد اي بارقة امل للمصالحة الوطنية.
رغم كل ما تقدم, لا يجوز لذوي ورفاق الجنود المختطفين إغلاق المعبر لأن الشعب الفلسطيني ليس حماس، والمليون وستمائة الف مواطن كما اكدت التطورات في غالبيتهم الساحقة ضد الانقلاب وقيادته وسياساته. وان كان ولا بد من اتخاذ إجراءات فلتكن حصريا ضد قيادة وجماعة حماس المغادرين للمعبر او العائدين، كما يفترض ان تكون الحملة ضد سياسات جماعة الاخوان المسلمين ومقر مكتب الارشاد في المقطم وانصارهم في النظام الذين ما زالوا يتواطأون مع الذين قتلوا الضباط والجنود المصريين في رمضان الماضي، ومطالبتهم بكشف المستور من خفايا تلك الجريمة. وفي ذات الوقت حماية العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين، التي تعمدت بالدم والكفاح المشترك في الجبهات المختلفة.
لذا على الاخوة الذين يغلقون المعبر المبادرة لفتحه فورا، والعمل على محاصرة المعنيين بالجريمة الجديدة والقديمة على حد سواء.
للقدس سلام
بقلم: نصر نوفل - الحياة
عندما وطئت قدمي الارض المباركة في شهر رمضان من العام المنصرم بعد طول انتظار انتظرنا اذنا من قبل مجندة بالزي الاخضر (الفوتيك) تجلس خلف شباك زجاجي تراقب من خلاله شاشة امامها تلك الاجسام.. وبلغتها العربية المكسرة والعبرية غير المفهومة تصدر أوامرها التي ينتهي كل منها بسخرية وضحكات تجرح المشاعر وتفطر الفؤاد: ادخل.. ارجع للبيت.. أنت ممنوع.. كمل خمسين سنة وتعال... ولأنني من شريحة الخمسينيين دخلت رحاب القدس. لم اصدق أنني احتضن روحي, ولم اقو على حبس الدموع التي ذرفت ساخنة بفعل حرارة الشوق لرؤية الاقصى الاسير (في عرينه) وهنا تزاحمت الاسئلة- التساؤلات اهي دموع الفرح والعشق للتبرك والتطهر من قبلتنا الاولى.. لنمحو بذرفها الاثام! ام دموع الحزن والالم لما اصاب تلك الروح من الم وحزن لوجود ذلك النجس الاستيطاني الذي هتك الوطن والهوية! ام هي مزيج بين الدمعتين!
ولجت من باب العامود وكعادته كان مزدحما تعانقت الارواح وتلاصقت الاجساد لا بل انصهرت مع ارتفاع حرارة الزحف لندرك غايتنا. الانوف الزكمى تفتحت من رائحة البخور والتوابل.. والاذان الصماء اشرأبت لسماع الاناشيد والمدائح النبوية ممزوجة باصوات مكبرات الصوت لسماع ايات من الذكر الحكيم.
تذكرت حديث ميمونة حين قالت: (يا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" افتنا ببيت المقدس).
قال: (ارض المحشر والمنشر).
لم تفارقني جلجلة حوافر الخيل المسومة وقعقعة صليل السيوف. فاستحضرت صلاح الدين بعظمته وعزته لم يبتسم قط.. مسح ما تبقى من قطرات الدمع العالقة بين الرموش الذابلة من شدة القهر, وهمس باذني: انا قادم.. قادم.. عذرا امير المؤمنين يا ابن الخطاب ايها المتسامح الوفي العادل.. سلمت عليك عندما انعطفت لليمين علني اجد آثار سجادتك وعهدتك معلقة على مدخل كنيسة القيامة.
عذرا ايها القوم اريد ان اكحل عيني بثرى اطهر بقعة على هذه الارض, واقبل كل حبة رمل وتراب في فناء اقصانا مسجدنا صخرتنا.. معراجنا الذي استقبل اطهر بني البشر النبي القرشي الامي محمد صلى الله عليه وسلم, وكرم بامامته اخوانه الانبياء والرسل.. هذه الامامة ارادة رمزية لريادة هذه الامة وقيادتها ومن ثم عرج الى السماء العلى.. فسبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله.
بصعوبة بالغة شققت ممرا ضيقا من بين الزحام وتحب الحراب حتى وصلت لباب طوله 3 امتار وعرضه 4 امتار وبه فتحة جانبية بطول متر ونصف المتر وعرض متر واحد انه باب الحديد... جنود متحفزون يشوهون المكان.. توقفت عن التنفس لان الهوية بين ايديهم فقدر الله وما شاء فعل, فدخلت باحات الاقصى وفي الحال كبرت واديت ركعتين تحية المسجد اطلت بهما السجود, هذه هي القدس ورغم تكالب الاعداء الغزاة المحتلين ستبقى عربية اسلامية, ويكفينا فخرا انها قبلة المسلمين الاولى.. هي بوابة السماء وتحظى برعاية خالق الخلق جل شأنه, قاهر الغزاة والطواغيت.
انها مدينة السلام بلد التسامح والمحبة والاخوة, لسنا بحاجة لاثبات حقنا بها, فكل شيء فيها ينطق بالحق.. ويحكي قصة التاريخ العربي الاسلامي ومهما استخدم المحتل من قوته المفرطة فلن يقدر على محو اي اثر عربي او اسلامي محفور في صخورها الصماء العصية على التزوير, وستبقى محاولته في تزييف الحقائق والعبث بالتاريخ وممارسته العنصرية الحاقدة مجرد نيران تحرق اصحابها.
ولم تنته القصة بعد ففي سماء المكان تمتزج صور والوان.. اصوات لتنجب ترانيم حزينة.. في كل منها قصة تنتهي بعودة الحق الى اهله مهما بغى الظالمون, وفي كل منها صرخة غضب وكبرياء قادمة من بغداد الرشيد وقاهرة المعز, وفجأة تظهر لك بيروت بقدها الجميل ليعلو صوتها الهادئ الثائر المتحدي لتكون: يا درب من مروا الى السماء عيوننا اليك ترحل كل يوم, الغضب الساطع آت وانا كلي ايمان.. سأدق على الابواب وستفتح الابواب فتهتز الساحات وتتمايل على اصدائها ازقة المدينة الحزينة وطرقاتها العتيقة: وجميعها تردد عاشت القدس العاصمة الابدية لفلسطين (شاء من شاء وابى من ابى) وتحط بي الاشجان مزدحمة الى ذاك المكان واسترسل في لملمة الصور.
ضربة أخرى لـ «جهود السلام»
بقلم: حديث القدس – القدس
ما كشفته صحيفة هآرتس الاسرائيلية أمس من أن الولايات المتحدة الاميركية طلبت من الاتحاد الاوروبي تأجيل وضع علامات على منتجات المستوطنات وأن الاتحاد الاوروبي استجاب لهذا الطلب وقرر التأجيل حتى نهاية حزيران القادم بعد ان كان مقررا اعتماد قرار بهذ الشأن هذا الأسبوع ، يثير العديد من التساؤلات حول المواقف الحقيقية للولايات المتحدة الاميركية إزاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ويقدم دليلا آخر على عدم مصداقية ونزاهة الدور الاميركي فيما يسمى جهود السلام . كما انه يثير تساؤلات حول استقلال اوروبا وقرارها السياسي ومدى جديتها في مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي خاصة فيما يتعلق بالاستيطان.
كما أن ما كشفته الصحيفة من أن هذا الموقف الاميركي جاء استجابة لطلب اسرائيلي وأن جون كيري وزير الخارجية الاميركي الذي يفترض ان يقوم بجولة جديدة في المنطقة لحث "جهود السلام" تبنى هذا الطلب الاسرائيلي وقدمه الى كاثرين اشتون وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، يعني ايضا ان كيري الذي يفترض به التزام اقصى درجات الموضوعية والحيادية اذا كان معنيا بوساطة نزيهة وبتقدم جهود السلام يقف شخصيا الى جانب اسرائيل بل الى جانب الاستيطان غير المشروع ليحمي هذا الاستيطان ويدافع عنه في المحافل الدولية وهو ما يشكل صفعة مدوية للجانب الفلسطيني او لكل من اعتقد ولا زال يعتقد ان كيري قد يقدم من المواقف ما يمكن ان يسهم في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا .
ان ما يجب ان يقال هنا ان من المؤسف ان نرى الولايات المتحدة الاميركية تدافع عن الاستيطان غير المشروع وتتبنى مواقف الاحتلال الاسرائيلي وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وبالشرعية الدولية وتتجاهل الجانب الفلسطيني وتضر بمصالحه وحقوقه في الوقت الذي تدعي فيه انها ملتزمة بتحقيق السلام ورؤية الدولتين.
ومن الواضح ان هذا الموقف الاميركي الذي يتناقض مع ما ترفعه الولايات المتحدة من شعارات حول الحرية والعدالة وحقوق الانسان يضاف الى السجل الكامل للانحياز الاميركي للاحتلال الاسرسرائيلي وللاستيطان غير المشروع وهو ما يجب ان يشعل ضوءا أحمر لدى الجانب الفلسطيني أولا ولدى الأمة العربية وإعادة النظر في حقيقة الدور الاميركي ومطالبة واشنطن بالتراجع عن مثل هذه المواقف وتوضيح موقفها من الاحتلال والاستيطان ، خاصة وان من غير المعقول ان تواصل واشنطن التفرد في قيادة ما يسمى جهود السلام وفي الوقت ذاته تنحاز بهذا الشكل السافر للاحتلال والاستيطان الى درجة ممارسة الضغوط على اوروبا وغيرها من الدول التي تحاول اتخاذ مواقف في مواجهة هذا الاستهتار الاسرائيلي بالشرعية الدولية وبالقانون الدولي .
والسؤال الذي يطرح هنا أيضا هو : كيف سيثق المواطن الفلسطيني والعربي بمصداقية وجدية جهود السلام اذا كانت مثل هذه الجهود تشكل فعلا ستارا لحماية الاستيطان والأطماع التوسعية الاسرائيلية بدل ان تقوم الولايات المتحدة بإزالة العقبات التي تعترض جهود السلام وفي مقدمتها التوسع الاستيطاني .
وفي المحصلة فإن المطلوب إزاء هذا الانحياز الاميركي السافر للاستيطان والاحتلال موقف فلسطيني - عربي موحد ينقل رسالة واضحة لواشنطن مفادها ان جهود السلام لا يمكن ان تتقدم على هذا النحو وان هذا الانحياز الاميركي للاحتلال والاستيطان يوجه ضربة قاضية لأي دور أميركي في عملية السلام ، فمن غير المعقول ولا المقبول ان يكون الفلسطينيون او العرب طرفا في جهود سلام عبثية ومفاوضات عبثية يتضح يوما بعد آخر انها تشكل ستارا للاستيطلان والاحتلال ، وان من الأجدر بواشنطن إلزام حليفها اسرائيل بوقف انتهاكاتها الجسيمة والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى يمكن تحقيق السلام وحتى يمكن ان تستعيد واشنطن مصداقية دورها في عملية السلام.
درس في مفردات الوطن ....
بقلم: يوسف جمال - القدس
الدرس الاول :- يا بني – الوطن لا يباع ولا يشترى ..
يا بني طفت في كل بلاد العرب والعجم ..... وبلاد جزر القمر ... وبلاد الشمس التي لا تغيب فلم أجد بائعا عارضا وطنه للبيع .... يا ولدي تستطيع أن تبيع قلبك ... كليتك .... روحك ..... ذمتك .... ضميرك ..... تستطيع ان تبيعها للشيطان .... لمصاصي الدماء ..... ولكنك لا تستطيع ان تبيع الوطن لانه , اهدي إليك بلا ثمن , ولكنه غاليا لدرجة ان لا يوجد على هذه الأرض من يستطيع أن يدفع ثمنه ..... حتى لو ثمن شبر منه .... او قبضه من ترابه ...
والوطن اذا بيع حقيقة , تحول الى حلم .... والحلم اغلى من الحقيقة .... وإذا حاول احدا ان يبيع الحلم , فانه يكبر ويكبر حتى تعجز قدراتنا , على احتمال ثقله فينزل الى تراب الوطن مقاتلا , فأما الموت , او الرجوع الى حقيقته الأولى ......
يا ولدي الوطن لا يبدل .....
جدك سليمة بن مثقال العبقري , بدل فرسه الشهباء الذي ذاع صيتها في البلاد , بباروده انجليزيه , فأصاب الباروده الخراب ... وفازت الشهباء بكل السباقات .. , فمات تقتله الحسرات ,تستطيع ان تبدل جلدك , حسب طلب أهل الذمة, ومزاج أصحاب كنوز الأرض .... تستطيع ان تبدل دمك , اذا ما اصابه الهوان , واذا أردت ان تبدل لونه بالازرق او الاحمر الجنجي , ولكنك لا تستطيع - يا ولدي – ان تبدل الوطن ..... فانك مثلا ان اردت ان تكتب اتفاقية التبديل , فانك تحتاج الى رقعه من الورق تساوي مساحة الوطن , ومدادا يساوي ماء نهر الاردن , منذ ان بدا جريانه , حتى يأخذه ويأخذنا خالقنا وخالقه الى جواره ..
والوطن – يا ولدي- لا تستطيع ان ترميه من داخلك ....
فان لم تسكنه , فانه يسكنك , تستطيع ان تغادره ,ولا تستطيع ان تجبره على مغادرتك . قد تعيش في بلاد الواق الواق,او سجن جوانتانمو , او جزر الاباما , ولكن ستأخذه معك ..... قد تلعن اليوم الذي سكنت فيه , او سكن فيك .... قد تكره ناسه , سهوله , جباله , ووديانه , ولكن سيبقى قابعا ملتصقا في اعماقك , في قلبك , في عقلك , في احساسك , يجري في دمك ...
اذا نكبت فيه ونفيت منه الى ديار المنافي والشتات , والضياع , فسيبقى هو البوصله التي تدلك على وجودك في نقطه محدده , على وجه الارض .... تعرف انك من هناك بدأت , ودائما تقف وترسم خطا مستقيما يربط رؤيتك به ...
والوطن – يا ولدي – انت لا تملكه ......
فهو ملك لمحصلة :الجهد , والماضي , وامل الامه ..... فهو لا يجزأ , كي تأخذ حصتك منه , فهو غير قابل للقسمه , ولا تنطبق عليه قوانين الحساب , فهو غير قابل للطرح , او الجمع , او الضرب ....
هو ميراث شعب , ولكن مستحيل ان يعمل في مجمله حصر ارث ..... وذلك لاسباب كثيره اهمها : ان كل واحد في هذه الامه , يملك جزء من جبل الكرمل , وهضاب الروحه , وجبال الجليل والسهل الساحلي , والنقب , والسامره , ونهر الاردن , ونبعة اللجون , ونسيم بحر عكا , وعنفوان جبل الجرمق .... ولا يمكن تقسيم الذاكره التي كتيتها الاجيال على سفح جباله , وصفحات بحيرة طبريا , واسوار القدس , واجراسها ... ولا تستطيع ان تفصل حلمك على الحلم الجماعي للامه , ففي أي مكان تريد ان تبني هذه الاحلام , فانها ستكون اما على جباله او على صفحات بحره , او سمائه .....
والوطن غير قابل للتفاوض .....
والتفاوض يا ولدي تعني , انه في نهايته سيكون تنازل من قبل احد الطرفين , او اثنيهما على بضاعه او ملك ما .... أي ان هذا الملك , قابل : للتقسيم , والتجزئه , والتسويه , والتنازل .... ولكنك تعرف- يا ولدي- ان هذا لا ينطبق على الوطن , فهو غير قابل : للتقسيم , او التجزئه , او التسويه , او التنازل ..
وانت تعرف – يا ولدي - ان المفاوض يحب ان يكون مالكا للملك , الذي يفاوض عليه .... او ان يكون قد اوكل من قبل مالكه , كي يفاوض عنه .
والوطن كما تعرف – يا بني - لا يملكه احد بمفرده , وانك لا تستطيع , لا من الناحيه العمليه , ولا من الناحيه النظريه , جمع جميع مالكيه على طاولة المفاوضات , ولا يمكن جمعهم على رأي واحد , ولا ان تأخذ وكالتهم , في التصرف بهذا الوطن .. فأنك لا تستطيع , ان تتنازل او تفاوض على حلم واحد منهم .... فمثلا لا تستطيع ان تتنازل عن حلم شاب من الكفرين , يحلم بان يعود اليها , ويزرع فيها زيتونه في ارضه , ولا امرأه في الغيبات , بأن تحلم بأنها ستعود الى بلدها , وتملا جرتها من ماء نبعتها .... ولا تستطيع ان تتنازل عن حلم طفل من عسقلان , يريد ان يعود ليقرأ الفاتحه على قبر جده المقبور قي مقبرتها ..... والامثله كثيره , كعدد اوراق زيتون الوطن , وحبات قمحه , وقطرات مياه ينابيعه , وحجاره السنابل , المرسومه على سفوح جباله .... وقطرات الدم التي جبلت ترابه ...
ولذلك يا ولدي .... ارفع صوتك عاليا .... كهدير امواج بحر عكا ... وتكبيرات مآذن القدس , واجراس كنائس الناصره .....
وقل للبائعين والمشترين ,ان يرفعوا ايديهم والسنتهم, ونواياهم, ويأسهم عن الوطن .....
المستوطنون... تطور نوعي في الدور
بقلم: علي جرادات – القدس
ليس في عداد المُستغرب أو المفاجئ ما يرتكبه مستوطنو الضفة والقدس من اعتداءات على المواطنين الفلسطينيين تهدد حياتهم وتخرب ممتلكاتهم وحقولهم وتتلف مزروعاتهم وتستهدف مقدساتهم، وصولاً إلى ارتكاب المجازر بحقهم .
فهذا النوع من الاعتداءات لم ينقطع يوماً منذ احتلال الضفة وغزة والقدس وبدء عمليات الاستيطان والتهويد فيها .
ومن قبيل التدليل لا الحصر يكفي التذكير بمحاولة هؤلاء المستوطنين اغتيال ثلاثة من رؤساء البلديات الفلسطينيين المنتخبين: بسام الشكعة، (نابلس)، وكريم خلف، (رام الله)، وإبراهيم الطويل، (البيرة)، العام 1980 والهجوم على طلبة جامعة الخليل العام 1984 ومحاولة تسميم خزانات مياه المدارس في محافظة جنين العام 1984 ومرابطة حاخام مستوطنة كريات أربع، موشي ليفنغر، قبالة مخيم الدهيشة مدة عامين، وارتكاب المستوطن باروخ غولدشتاين مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل العام 1993 .
علماً أن هذا كله، وغيره أكثر، كان حصيلة عمل منظم عبر عن نفسه تدريجياً من خلال منظمات الاستيلاء على الأرض مثل “عصبة غوش إيمونيم”، وتطور إلى تشكيل الجماعات السرية لبث الرعب في نفوس المواطنين مثل منظمة “إرهاب ضد إرهاب” .
لكن الجديد أن اعتداءات هؤلاء المستوطنين بدأت تأخذ شكلاً أكثر اتساعاً وعلانية مستندة إلى تبنٍ سياسي رسمي من الحكومة بقيادة نتنياهو. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاعتداءات لم يعد مجالها مقتصراً على سكان الأراضي المحتلة العام 1967 بل امتد ليشمل المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948 وكانت البداية في ارتكاب مجزرة شفا عمرو عام 2008 وصولاً إلى الاعتداء على قرية أم القطف الوادعة في المثلث الشمالي قبل عدة أيام، ما يدل على أن هذه الاعتداءات ليست رد فعلٍ، إنما هي جزء من مخطط استيطاني قديم جديد يلعب المستوطنون فيه دوراً بارزاً، مستغلين فرصة تغلغلهم في المؤسستين السياسية والعسكرية للعب دور أكبر..
فإذا كانت حركة “الكيبوتسات” والحركات الشبابية “الطليعية” التي لبست لبوس اليسارية، هي مَن أسس القاعدة التحتية لاسرائيل قبل قيامها وبعده، فإن الحركات الاستيطانية اليوم تشكل التعبير الأوضح عن طموح تجديد شباب المشروع الاسرائيلي كمشروع استعماري استيطاني إقصائي قام -منذ البدء- على العدوان والتوسع . ما يعني أن الاستيطان في تراكمه على مدار 45 عاماً في الضفة والقدس تحول إلى حالة كيفية أشد خطورة من السابق . حالة صار لها قسماتها وخصائصها المتواشجة مع حالة من التطرف السياسي والأيديولوجي اليميني المتطرف داخل المجتمع والفكر والسياسة والأمن في إسرائيل.
لعل ما تقدم يفسر حدوث هذا التطور النوعي في إرهاب المستوطنين اليهود الذي بلغ أقصاه في تكثيف الهجمة على القدس والمسجد الأقصى المراد تقسيمه على غرار ما حصل للحرم الإبراهيمي في الخليل . فحين يجرؤ المستوطنون على تجنيد 60 ألفاً ويزيد لاستباحة باحات الأقصى، فإن ذلك يدل، بلا لبس أو إبهام، على مدى القوة والنفوذ اللذين بات يتمتع بهما مستوطنو الضفة والقدس داخل المجتمع الاسرائيلي عموماً . فالجانب الاسرائيلي يشهد -منذ سنوات- جملة تحولات بنيوية تدفع نحو المزيد من التطرف والتشدد .
ومن بين أشد هذه التحولات خطورة هو انتقال مستوطني الضفة والقدس إلى مركز صناعة القرار في السياسة والجيش . إذ ثمة لهؤلاء المستوطنين، ولتيارهم الصهيوني الديني بالذات، أكثرية داخل مكتب نتنياهو، بما في ذلك مستشاره للأمن القومي اللواء احتياط يعقوب عميدور، وسكرتير حكومته اللواء احتياط أفيجاي مندلبليت .
ولهم في حكومة إسرائيل الحالية ستة وزراء ونواب وزراء يسكنون في مستوطنات، وهم: وزير الدفاع موشي يعالون، ويسكن في مستوطنة “مكابيم-ريعوت”، ووزير التربية والتعليم، شاي بيرون، ويسكن في مستوطنة “أورانيت”، ووزير الإسكان، أوري أرئيل، ويسكن في مستوطنة “كفار أدوميم”، والوزير أوري أورباخ، ويسكن في مستوطنة “موديعين”، ونائب الوزير إيلي بن دهان، ويسكن في مستوطنة “هار حوماه” في جبل أبو غنيم، ونائب وزير الخارجية، زئيف ألكين، ويسكن في مستوطنة “كفار ألداد” . ولهم في الكنيست الحالية 16 نائباً يسكنون في مستوطنات وينتمون إلى أكثر من حزب .
هذا علاوة على أن ثلث الرتب العسكرية المتوسطة في الجيش الإسرائيلي يشغلها اليوم مستوطنون ينتمون إلى التيار الديني، فضلاً عن أن عدداً من هؤلاء المستوطنين بات يشغل مناصب عسكرية وأمنية رفيعة، وكل ذلك وفقاً لكتاب صدر مؤخراً للباحث الإسرائيلي ياغيل ليفي بعنوان: (بين القلنسوة والبيريه-الدين والسياسة والجيش في إسرائيل) .
يحيل ما تقدم إلى أن “الاستيطان جوهر المشروع الاسرائيلي”، كما كشف ذلك شامير، أحد أكثر قادة إسرائيل تطرفاً وتشدداً . فالمشروع قام -منذ نشأته- على استهداف الأرض والبشر الفاعلين عليها، ما جعل الدفاع عن الأرض وحمايتها محور كفاح الشعب الفلسطيني . لكن هذا الكفاح المتواصل عبر قرن من الزمان لم ينجح في الحفاظ على هوية الأرض بمنطق السيادة السياسية وحتى الوجود الجغرافي، حيث لم يبق بيد الفلسطينيين من أرضهم سوى 15%، وفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني . لكن في الحالات كافة، فإن تمادي المستوطنين لم يكن ليكون أو لم يكن ليكون بهذه الحدة لولا ما يشهده راهن النخب السياسية الفلسطينية -بتركيبتها وصراعاتها وانقساماتها- من عجز عن بناء استراتيجية وطنية واحدة للدفاع عن الأرض وحمايتها وتعزيز صمود أهلها عليها .
فاليوم لم يعد مبالغة القول: إنه بمقدار ما إن المشروع الاسرائيلي واضح في أهدافه تجاه الأرض واستيطانها وتهويدها، فإن المشروع الوطني الفلسطيني ملتبس ومشوش ومبلبل، بل وتسود أطره القيادية حالة من الارتجالية والتنابذ القائم على مصالح نخبوية وفئوية ضيقة لا علاقة لها بالأرض والشعب، وما يتعرضان له على يد المستوطنين من استباحة شاملة ومخططة، استباحة بالمقدور الرد عليها سياسياً وميدانياً .
إذ، ألم يترك جزء كبير من هؤلاء المستوطنين بيوتهم يوم كان الصف الوطني الفلسطيني موحداً وفاعلاً في فترة الانتفاضة الشعبية الأولى، (1987-1993)، وفي فترة الانتفاضة المسلحة الثانية، (2000-2004)؟ ثم أليس من شأن التقدم بشكوى فلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية أن يجبر حكومة نتنياهو على لجم هؤلاء المستوطنين ومنعهم من التمادي في ارتكاب المزيد من انتهاكاتهم التي فاقت كل تصور؟
مساعي بكين لحل القضية الفلسطينية... لماذا؟
بقلم: د. عبد الله المدني – القدس
حل مؤخراً في بكين الرئيس الفلسطيني في أول زيارة له إلى الصين كرئيس للسلطة الفلسطينية، وكأول زعيم عربي يزورها منذ انتخاب رئيسها الجديد «شي جينبينج». وفي وقت متزامن تقريباً بدأ رئيس الحكومة الإسرائيلية زيارة مماثلة للصين. تفاجأ مراقبون كثيرون بالحدثين، فراحوا يتساءلون عما إذا كان ذلك قد تم بمحض الصدفة، أو أن القيادة الصينية قد رتبت له عمداً؟
الاحتمال الثاني هو الأقرب بالطبع، فالصينيون غير المؤيدين جماهيرياً في العالم العربي بسبب موقفهم المؤيد لنظام الأسد في سوريا، ثم مساعداتهم السرية المستمرة لطهران لإنقاذها من العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، ناهيك عن مواقفهم من ثورة الشعب الليبي ضد نظام العقيد، يحاولون اليوم تغيير صورتهم عبر اتخاذ زمام المبادرة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، بعدما تقاعسوا عن ذلك طويلاً. ويأتي هذا التوجه الصيني في وقت يتراجع فيه اهتمام الأميركيين بمنطقة الشرق الأوسط وقضاياها لصالح الاهتمام بمنطقة الشرق الأقصى، بحسب السياسات الخارجية المعلنة لإدارة أوباما.
وتظل هذه هي الحقيقة، مهما ادعت بكين أن ما دفعها للتحرك من أجل إخراج عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين من حالة الجمود التي تعيشها منذ أربعة أعوام هو مسؤوليتها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ومهما زعمت أن تحركها جاء تطبيقاً لسياسة خارجية جديدة رسمها الرئيس «جينبينج» للعب دور أكبر في الشأن الدولي.
أما الأمر الآخر الذي يغفل عنه الكثيرون في سياق الأسباب التي دعت الصينيين للتحرك فهو المخاوف التي تساورهم من الحالة الزئبقية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط اليوم، والتي قد تفقدهم كل مصالحهم فيها. وبعبارة أخرى فطالما أن إيران محاصرة بعقوبات اقتصادية ولا يمكن التعامل معها إلا سراً خوفاً من تعرض المصالح الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي للخطر، وأن عراق ما بعد صدام في حالة من عدم الاستقرار والتفسخ، وأن التفاهم مع تركيا صعب بسبب دعمها لانفصاليي مقاطعة «تركستان الشرقية»، وسوريا تعيش حرباً مدمرة، وليبيا غير مستتبة أمنياً، ومصر لم يعد لها تأثير بسبب ثورتها التي لم تجلب لها سوى الهزال والكوارث، وطالما أنه لا مكان للصين أن تسرح وتمرح كما تشاء في منطقة الخليج كونها تقليدياً منطقة مصالح غربية، فلما لا تراهن بكين على إسرائيل مثلا؟
صحيح أن إسرائيل دولة صغيرة نسبياً، ولا تملك النفط والمعادن التي يسيل لها لعاب الصينيين، لكنها في المقابل دولة متطورة تكنولوجياً ومتقدمة اقتصادياً، وتملك مراكز ومؤسسات بحثية عالية الكفاءة، وبالتالي فإذا تمكنت الصين من إيجاد صيغة تنهي بها الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فإن ذلك سيزيد الدولة العبرية قوة ومكانة، ويجعلها ثمرة يمكن للصين أن تستفيد منها علمياً وتكنولوجياً وصناعياً وتجارياً وسياحياً.
ومن هنا لم يكن غريباً أن يطرح الرئيس «جينبينج» أثناء زيارة الرئيس عباس ونظيره الإسرائيلي نتنياهو للصين خطة سلام لحل القضية الفلسطينية مكونة من خمسة مبادئ: إقامة دولة فلسطينية مستقلة، والمفاوضات هي الطريق الوحيد نحو تحقيق سلام دائم وشامل، والأرض مقابل السلام، وضمانات دولية لدعم عملية السلام، وحق إسرائيل في الوجود وضمان أمنها.
وبكين تعول في قبول الفلسطينيين لخطتها هذه على تاريخ طويل من العلاقات الصينية الفلسطينية، التي يرجع تدشينها إلى اذار1965، حينما قام رئيس منظمة التحرير الأسبق أحمد الشقيري بزيارة إلى بكين، التقى خلالها «ماو» ورئيس حكومته «تشو إن لاي».
وعلى الرغم من أن بكين كانت قد سبقت هذه الزيارة بسنوات طويلة تبني حقوق الشعب الفلسطيني ضمن سياساتها الخارجية المبنية (وقتذاك)، على دعم قضايا التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار والرجعية، وبالرغم من أن بكين كانت قد استقبلت في اذار 1964 ياسر عرفات، وخليل الوزير، بصفتهما من قادة حركة «فتح»، وذلك في الزيارة غير الرسمية التي يقال إن عبدالناصر توسط لإتمامها، كي يتعرف فيها قادة الصين الشيوعية على قادة الكفاح الفلسطيني المسلح، فإن زيارة الشقيري هي التي وضعت حجر الأساس في العلاقات الفلسطينية- الصينية، حيث أعقب الزيارة بيان اعترفت فيه بكين رسمياً بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، لتصبح أول دولة غير عربية تقـدم على ذلك. بعد ذلك توالت زيارات القادة الفلسطينيين واجتماعاتهم مع كبار المسؤولين الصينيين بدءاً من أول زيارة لأبي عمار كزعيم لمنظمة التحرير إلى بكين في آذار 1970. كما توالى قدوم أعداد كبيرة من كوادر المنظمة وحركة «فتح» إلى الصين لتلقي التدريبات العسكرية وغير العسكرية، وزارت وفود صينية كثيرة القواعد الفدائية الفلسطينية مع تزويد كوادرها بالأسلحة.
وبعد قيام السلطة الفلسطينية دخل الطرفان في اتفاقيات من نوع مختلف. فكانت هناك اتفاقيات اقتصادية في مجالات التجارة والصناعة والزراعة وتربية المواشي والاستثمار المشترك والمشاريع الكهرومائية ومشاريع تطوير البنية التحتية الفلسطينية، واتفاقيات ثقافية وتربوية لتشجيع التبادل والتعاون في مجال التعليم وتبادل وتدريب الطلبة والأكاديميين، واتفاقيات عسكرية لتزويد السلطة بأعتدة وذخائر حربية وغير حربية من أجل تعزيز قدرة وكفاءة قواتها وشرطتها.
أما فيما يتعلق بكيفية استمالة الإسرائيليين لخطة السلام الصينية، فإن تعويل الصين هو على ما يربطها بالدولة العبرية من مصالح تجارية واقتصادية وتكنولوجية متشعبة. صحيح أن الصين لم ترد إيجاباً على اعتراف إسرائيل بها في يناير 1950 ، والذي سبق اعتراف أول قطر عربي وهو مصر بها بست سنوات، ولم تؤسس لعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل إلا في عام 1992 أي بعد مؤتمر مدريد للسلام، إلا أن السنوات الماضية مذاك شهدت تطورات صاروخية في التبادل التجاري (الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا، وثالث أكبر شريك لها في العالم)، وفي مجال الاستثمار المشترك والتصنيع والتكنولوجيات المعقدة وعلوم الفضاء والاتصال والدواء.
لذا لم يكن مستغرباً أن يبدأ نتنياهو زيارته الأخيرة من شنغهاي (قلعة الصين الاقتصادية)، ويعلن فيها أن إسرائيل قد تصبح «مختبراً للبحث والتطوير بالنسبة للصين بفضل تكنولوجياتنا المتطورة»، وأنه «بتزاوج التكنولوجيا الإسرائيلية والصناعة الصينية والسوق العالمية يمكننا تقديم التوليفة المربحة». هذا طبعاً قبل أن يصل إلى بكين ويطالب مضيفيه بمساعدة إسرائيل في بناء خط حديدي يربط تل أبيب بإيلات أي ربط البحرين الأحمر والأبيض لتجنب المرور في قناة السويس المهددة أمنياً.
فلسطين "حيوان اقتصادي"؟
بقلم: حسن البطل - الايام
راقب مشيتك تفهم بناء الدول. أنت حيوان ثديي عاقل ومنتصب، تدب على قدمين.. لكن، الحيوانات الثديية الدنيا تدب على أربعة، فإذا كانت ذراعاك حرتين، فإنك تحرك الذراع اليمنى مع حركة الساق اليسرى.. وبالعكس.
يمكنك، أيها الإنسان المنتصب، أن تضع يديك في جيوب سروالك، أو تحمل الجريدة، أو البلفون في يد يسرى أو يمنى، لكنك ستحرّك ذراعك الحرّة وفق حركة ساقيك.
الإنسان العاقل، المنتصب (هومو سابين) حيوان اقتصادي، والدولة كذلك، والاقتصاد محرك السياسات قبل أن يقول كلينتون: "إنه الاقتصاد.. يا غبي".. وماذا يقول ماركس؟!
سيأتي السيد كيري، أولاً إلى الأردن، ثم إسرائيل وفلسطين ليدفع بحل يعتمد ثلاثة مسارات: اقتصادية، أمنية، وسياسية. المساران الأوّلان هما بمثابة جناحي الطائر ـ الطائرة، والمسار السياسي هو بدن الطائرة ـ الطائر. هكذا يقول كيري.. وهكذا يقال.. وهكذا تُبنى الدول.
وهكذا بنت أميركا ألمانيا وأوروبا بمشروع مارشال، وبنت اليابان التي بنت كوريا الجنوبية!
ما هو الفرق بين مشروع وزير الخارجية جورج شولتز، قبل الانتفاضة الأولى "لتحسين شروط الحياة" وبين مشروع جون كيري ذي المسارات الثلاثة؟
كانت منظمة التحرير الفلسطينية P.L.O، وصارت السلطة الفلسطينية P.A فإلى P.S .. وأخيراً نطقت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان رسمي باسم فلسطين Palestine، وعلى هذا المنوال جاراها موقع Google من P.A إلى P.S إلى Palestine. قبل P.L.O كنا شعباً في نظر أنفسنا، وفي نظر العالم كنا "اللاجئين الفلسطينيين"!
على ماذا يرتكز المسار الاقتصادي في خطة كيري ذات المسارات الثلاثة؟ على نجاحات خطة سلام فياض ثلاثية السنوات لبناء مؤسسات فلسطينية قادرة مناكبها على حمل الدولة الفلسطينية، لا لتكون "دولة فاشلة" بل دولة قابلة للحياة، وقادرة عليها.
إن احتلالاً إسرائيلياً طال 45 عاماً، جعل الاقتصاد الفلسطيني تابعاً للاقتصاد الإسرائيلي وعالة عليه، أو جعل الاقتصادين مثل توأمين سياميين، واحد منهما عليل هو الاقتصاد الفلسطيني.
منذ إقامة السلطة الفلسطينية كانت الدول المانحة تضخّ "مصلاً" في الاقتصاد الفلسطيني.. والآن، جاء دور بناء العضلات، وتنمية الشرايين (الطرق).
ماذا يعني أن تشمل جولات كيري الأردن؟ لأنه من إسرائيل وفلسطين والأردن يبدأ بناء شرق أوسط: اقتصادي، أمني، وسياسي، أي من البحر إلى بادية الشام، بدلاً من النهر إلى الجدار (دولة فلسطين) أو من النهر إلى البحر (أرض فلسطين ـ إسرائيل).
إسرائيل تقول إن أمنها الاستراتيجي يمتد من البحر إلى النهر، لكن الشق الاقتصادي ـ ثم الشق الأمني فالسياسي في المشروع الأميركي يُعنى بتنمية مشتركة للأغوار، بدءاً من مشروع ياباني لـ "رواق السلام" في الأغوار، والأغوار الفلسطينية هي حياة الدولة الفلسطينية ومستقبلها.
مشروع تنمية منطقة عين الفشخة على الشاطئ الفلسطيني من البحر الميت، ثم مشروع بناء "مدينة القمر" قرب قرية النويعمة، ومشروع إحياء البحر الميت
نعم، إن الدول الثلاث مستفيدة بتفاوت من المسار الاقتصادي، لأن السوق الفلسطينية هي المستورد الثاني للبضائع الإسرائيلية، والسوق الإسرائيلية هي المستورد الأكبر للبضائع الفلسطينية.
هذا المسار قد ينطلق أو يتعثر بناء على المسار الأمني، أي جواب إسرائيل على سؤال كيري لترسيم حدودها، أي حدود فلسطين، ليس من جانب واحد، بل نتيجة التفاوض.
إسرائيل نصف موافقة (انتقائياً) على المسار الاقتصادي (تجميد مشروع مدينة القمر)، ونصف معترضة على المسار الأمني، ومعترضة على المسار السياسي الذي سوف يفضي إلى "الحل بدولتين". لماذا؟ لأن اعتراف إسرائيل بفلسطين دولة يعني أنه تستعيد فلسطين إلى سيادتها ما يدعى بـ أرض دولة" ورثها الاحتلال عن الأردن، وهذا عن بريطانيا، وهذه عن الإمبراطورية العثمانية..!
أميركا رمّمت الاقتصاد الألماني، فصار أقوى اقتصاد في أوروبا، ورمّمت الاقتصاد الياباني فصار الأقوى في آسيا، واليابان بنت اقتصاد كوريا الجنوبية، ومن شأن حل شامل ذي ثلاثة مسارات أن يبني اقتصاد الأردن وفلسطين وإسرائيل، أيضاً، فتصبح فلسطين "جاذبة" وليس "طاردة" للأيدي العاملة.
ما الذي يعنينا؟ الفلسطينيون في إسرائيل والأردن.. وفلسطين بالطبع، وفي هذه الدول الثلاث يشكلون معظم الشعب الفلسطيني، وبوصلة كيري تشير إلى كونفدرالية أردنية ـ فلسطينية ـ إسرائيلية. إنه الاقتصاد.. يا ذكي. أميركا ذكية.. فهل إسرائيل ذكية، أم ذات ذكاء شرير؟
خيارات "حماس"
بقلم: طلال عوكل - الايام
ليس معروفاً عن رئيس الوزراء التركي رجب طيّب أردوغان أنه من النوع الذي يُكثر من التصريحات التي لا معنى لها، أو ممّن يتلاعبون بالألفاظ والكلمات فهو باني تركيا الحديثة الذي استطاع مواجهة العلمانية الأتاتوركية دون أن يضفي على بلاده الهُويّة الإسلامية. هو الرجل الذي نهض بالاقتصاد التركي حتى أصبحت بلاده تحتل مكانة متقدمة بين دول العالم، ويحاول أن يحقق التوازن في مصالح تركيا بين الشرق والغرب. أردوغان من واشنطن أطلق تصريحاً مقتضباً مفاده أن السلام في الشرق الأوسط مرهون بالمصالحة الفلسطينية. هذا التصريح المقتضب ينطوي على أبعاد سياسية مهمة، فمن ناحية يعتقد أردوغان، بأن ثمة مجالا لتحقيق السلام، وأن الجهد الأميركي نحو استئناف المفاوضات يتسم بالجديّة، وأنه لا سبيل أمام الفلسطينيين إلاّ الاستجابة. غير أن التصريح، أيضاً، يشير إلى ضرورة إنجاز المصالحة الفلسطينية، التي تعدّ شرطاً أساسياً لتحقيق السلام ذلك أن الطرف الفلسطيني المفاوض لا يستطيع المضيّ قدماً نحو استئناف المفاوضات في ظل انقسام خطير ومعارضة قوية من قبل "حماس" أساساً وفصائل أخرى. ويحمل التصريح، ايضاً، معنى أن خوض المفاوضات كممر إجباري يحتاج إلى وحدة الموقف الفلسطيني، أو الحدّ الأدنى من هذه الوحدة والسؤال هنا موجّه لحركة "حماس" بالدرجة الأساسية.
السيد أردوغان اتخذ مواقف جريئة، في مواجهة العدوانات الإسرائيلية وحصارها على غزة، وفي مواجهة الجريمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق سفينة "مرمرة" وركابها من الأتراك والمتضامنين الأجانب. وفوق هذا فإن حزب العدالة والتنمية التركي، ينتمي إلى الهُويّة الإسلامية وتحسبه التيارات السياسية الدينية العربية ومنها حركة "حماس" على أنه ينتمي إلى عائلة الإسلام السياسي. وبالتالي فإنه يحظى بالثقة.
أردوغان الذي رفض طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري وهو كان طلباً علنياً، بأن لا يذهب إلى قطاع غزة، ولتحقيق التوازن واستدراك التحفظات التي تبديها القيادة الفلسطينية، قرر أن يقوم بزيارة إلى غزة والضفة الغربية، خصوصاً، وأن تركيا لا تزال تحافظ على علاقاتها الرسمية مع منظمة التحرير، ودولة فلسطين.
من هذا الموقع تتطلع الولايات المتحدة، إلى أن ينجح السيد أردوغان في الانضمام لكل من قطر ومصر، لإقناع حركة "حماس" بإبداء مرونة سياسية كافية فيما يتعلق بالجهود الرامية لتحقيق السلام. بمعنى آخر فإن هذه المحاولات تتم لاستيعاب حركة "حماس" في إطار الوجهة السياسية الرسمية الفلسطينية. حين نتحدث عن هذه المحاولات علينا أن نتذكر تصريحاً متميزاً للقيادي في "حماس" الدكتور محمود الزهار الذي حذر بعضاً من قيادات الحركة إزاء التعامل مع الثوابت الفلسطينية.
الزهار يعلم ما يجري تحت الطاولة، ويدرك أن ثمة اتجاهاً في قيادة الحركة مستعد للتكيُّف، خصوصاً وأن تصريحات خالد مشعل التي نفاها عزت الرشق، قد أحدثت جدلاً وبدت وكأنها تندرج في سياق التحول السياسي عن مواقف الحركة المعروفة والمعلنة.
التباين في سياسات "حماس" تتمظهر في شكل إجراءات عملية عدا التصريحات السياسية، ففي حين ينفي البعض نية الحركة أسلمة قطاع غزة، وإقامة إمارة إسلامية فيه، فإن كتلة الإصلاح والتغيير في المجلس التشريعي تواصل مناقشة قوانين تعكس رؤية إسلاموية آخرها قانون التربية والتعليم الذي يدعو إلى التأنيث والفصل بين الجنسين، وقانون العقوبات الذي يقيم الحدّ ويفرض عقوبات تنتمي إلى الشريعة الإسلامية حسب فهم بكيفية تطبيقها.
علينا أن نؤمن ونقتنع بأن الولايات المتحدة جادّة في مساعيها لتذليل العقبات التي تعترض إمكانية استئناف المفاوضات، وبغض النظر عمّا إذا كانت هذه المفاوضات ستنتج اتفاق سلام مقبولا أم لا، فات السيد أردوغان أن يصرح بحقيقة أن إسرائيل هي المسؤولة سابقاً والآن عن تعطيل المفاوضات، وإفشال عملية السلام.
حركة "حماس" إذاً أمام خيارات صعبة، فهي لا تستطيع مواجهة وصد النصائح والضغوط التي تأتي من أطراف صديقة وحليفة مثل قطر ومصر وتركيا، ولا تستطيع، أيضاً، المغامرة بإجراء تحول سياسي من تبني برنامج المقاومة، ورفض نهج المفاوضات، إلى الانخراط في هذا النهج أو السكوت عليه.
أي خيار من هذين الخيارين سيكون مكلفاً جداً للحركة وتجربتها، ولذلك فإن الخيار الوحيد، الذي تتيحه الظروف الحالية، هو خيار المصالحة الفلسطينية، من حيث كونه مخرجاً مناسباً، والخيار الأقل تكلفة، في ضوء المصالحة، وفي إطار النظام السياسي الفلسطيني تستطيع حركة "حماس" أن تتقمّص دور حركة "فتح"، التي تقول إنها لم تغير برنامجها ولم يكن مطلوباً منها أن تعترف بإسرائيل أو أن تلبي شروط "الرباعية" الدولية. هنا قد تواجه حركة "حماس" تناقضاً داخلياً بين أهل السياسة وأهل الدعوة، وبين متطلبات الحفاظ على المكتسبات التي حققتها على الأرض في قطاع غزة، وبين متطلبات التكيف وتقديم أثمان على طاولة المصالحة. لذلك علينا أن نصدق ونؤمن هذه المرة أن اللقاء الأخير الذي وقع في القاهرة بين وفدي "حماس" و"فتح"، يشكل بداية الطريق نحو تنفيذ اتفاقات المصالحة، وان الأشهر الثلاثة التي سيتم خلالها تشكيل حكومة الوفاق، هي، أيضاً، فرصة متاحة لتكيف الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مع متطلبات استئناف المفاوضات.
في مصر يخلطون بين " حماس " وفلسطين
بقلم: غسان زقطان - الايام
هناك خلط واضح في وسائل الإعلام، المصرية على وجه الخصوص، بين " فلسطين " و " حماس "، بين فلسطين بمرجعياتها التاريخية وصورتها في المخيلة العربية والمصرية تحديدا، وبين التعبيرات السياسية التي تنشأ في سياق مسيرة المشروع الوطني الفلسطيني وعلى أطرافه أو في مواجهته، حماس على سبيل المثال.
وهو خلط، وان بدا، عفويا وطارئا ومؤقتا في ظاهره، الا انه في مستواه الأعمق يؤشر على انحدار الأداء السياسي والثقافي الذي تعاني منه النخب الثقافية في فلسطين ومصر، على حد سواء ، ويعكس الارتباك الذي يحيط بالنخب العربية في مواجهة التحولات والظروف الجديدة التي تدخلها المنطقة العربية.
لقد تشكلت خلال العقد الأخير شبكة جديدة من التحالفات لعل أهمها بداية ترابط حلقات الإخوان المسلمين في المنطقة المحيطة بفلسطين، وتجسير البنى التنظيمية للجماعة وتوزيع العمل فيما بينها، وهذا يشمل بطبيعة الحال العلاقات الوثيقة بين فرعي الجماعة في مصر وفلسطين، غزة على نحو خاص الخاضعة لحكم حماس .
سأضيف الى ذلك الأداء الاستفزازي الذي يفتقر الى الحكمة لبعض رموز " حماس " ودعمهم المطلق والمعلن لحكم الإخوان في مصر الذي وصل حد تنظيم احتفالات النصر في شوارع القطاع لمناسبة فوز " محمد مرسي "، بما يعنيه هذا من استعداء غير مبرر ومجاني للشارع المصري المعارض لحكم الإخوان، وهو ما لا يعكس بأي نسبة رأي الشارع الفلسطيني ويقترب من تزوير الواقع الشعبي الفلسطيني.
يرى " الإخوان " الفلسطينيون أن وصول "أخوان " مصر الى سدة الحكم في مصر هو استكمال لسيطرتهم على قطاع غزة، وامتداد طبيعي لقوتهم، ما يمنحهم حرية التصرف والحركة، منطلقين من عدم إيمانهم بالدولة الوطنية المدنية، وهي وجهة نظر تصطدم الآن بمؤسسات الدولة المصرية الراسخة، وهي أزمة قيادة الإخوان في مصر أيضا، التي تواجه مؤسسة القضاء بينما تصطدم حماس بصلابة المؤسسة العسكرية التي يبدو انها لن تتهاون في موضوعة الأمن القومي المصري.
ما يحدث هو استثمار هذه الأخطاء، التي تصل حد الحماقة، واستثمار تحالف حماس مع اخوان مصر لزج فلسطين في الشأن المصري الداخلي وتحريض الشارع المصري الغاضب، بوعي وبدون وعي، واطلاق اسم " حماس" على كل فلسطين. كل هذا في غياب أي دور او جهد من منظمة التحرير أو من " النخب" الفلسطينية والمصرية لمواجهة الظاهرة التي أخذت ابعادا مثيرة للقلق.
هذه النخب التي استرخت تماما خلال العقود الأربعة الأخيرة وهرمت في سياق الشروط التي اوجدتها انظمة الحكم والمآلات التي وصلت اليها الدولة الوطنية العربية، والاتكاء على تقسيم العمل السياسي وتوزيع قطع الديكور على المشهد، دون ان تنتبه، في عزلتها ورضاها المطلق عن نفسها، للذي يجري على الأرض وفي الشوارع والساحات، التي توقفوا عن النظر باتجاهها أو تذكرها أو المشي فيها بسبب الكسل وأمراض الشيخوخة.
الأروع في صفقات التبادل .. !!
بقلم: عبد الناصر فروانة - معا
العشرون من مايو / آيار من عام ألف وتسعمائة وخمسة وثمانين ، يومٌ ليس ككل الأيام في مسيرة الشعب الفلسطيني والأسرى عامة ، يوم سيبقى محفوراً في الذاكرة الفلسطينية ، وساطعا في سجلات التاريخ الفلسطيني ، ومحطة أساسية ( لا ) يمكن محوها أو تجاهلها أو القفز عنها .
انه اليوم الذي نفذت فيه أروع وأعظم صفقات تبادل الأسرى وأكثرها زخماً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي ، والتي تُعرف بـ " عملية الجليل " قبل ثمانية وعشرين عاماً ، حيث أجبرت " إسرائيل " بموجبها على إطلاق سراح ( 1155 ) أسيراً كانوا محتجزين في سجونها ومعتقلاتها المتعددة ، مقابل ثلاثة جنود إسرائيليين كانوا مأسورين لدى الجبهة الشعبية – القيادة العامة .
لم تكن عملية التبادل هذه ، هي الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة ، كما لم تكن الأخيرة أيضاً ، حيث سبقها وتلاها العديد من صفقات التبادل ، مما يؤكد على أن ثقافة خطف وأسر الإسرائيليين بهدف تحرير الأسرى الفلسطينيين والعرب ، هي ثقافة متجذرة لدى فصائل الثورة الفلسطينية على اختلاف مسمياتهم وتوجهاتهم ، و هي جزء أساسي من أدبياتها وفلسفتها ، ونشاطاتها منذ العام 1967 ، وان تاريخ الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية حافل بالعديد من محاولات أسر وخطف الجنود الإسرائيليين ، والتي بعضها كتب لها النجاح وتوجت بصفقات تبادل وبعضها الآخر لم تكلل بالنجاح لأسباب موضوعية وذاتية عديدة ، وفي مرات عديدة هاجمت قوات الاحتلال المكان المحتجز فيه مواطنيها وجنودها مما أدى إلى مقتل واصابة العديد منهم .
و للتاريخ حكاية ، ومن حق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تفخر بأنها أول من خطت فصول وبدايات الحكاية لتُسجل وبنجاح أول صفقات التبادل في الثالث والعشرين من يوليو / تموز عام 1968 ، ثم تلتها حركة فتح مرات عدة وتعتبر صفقة التبادل التي أنجزتها في الثالث والعشرين من نوفمبر عام 1983 هي الأضخم والأكبر في تاريخ صفقات التبادل حيث أجبرت " إسرائيل " على إطلاق سراح جميع معتقلي معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم ( 4700 ) معتقل فلسطيني ولبناني ، و( 65 ) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين كانوا محتجزين لدى حركة " فتح " .
التاريخ الفلسطيني عامة وتاريخ الحركة الوطنية الأسيرة خاصة حافل بالمآثر والبطولات ، و مخطئ من يظن أن بإمكان فرد أو جماعة ومهما امتلك ، أو امتلكوا من قوة وإمكانيات أن يمسحوا جزء من الماضي من سجلات ذاك التاريخ ، أو أن يقفزوا عن بعض مراحله وعناوينه ومحطاته الأساسية بغض النظر عن المتغيرات واختلاف المواقف وتعارضها وربما تناقضها مع هذا الشخص أو تلك الجماعة صانعة الحدث .
وفي الثامن عشر من تشرين أول / أكتوبر من عام 2011 نجحت حركة " حماس " من إتمام آخر صفقات التبادل ، وهي صفقة " شاليط " أو ما يُطلق عليها الفلسطينيون بـ " وفاء الأحرار " التي أطلق بموجبها سراح ( 1027 ) أسيراً وأسيرة مقابل إطلاق سراح " شاليط " الذي كانت تحتجزه ثلاثة فصائل فلسطينية هي ( حركة حماس وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين ) في قطاع غزة منذ يونيو / حزيران 2006 .
ونسجل هنا اعتزازنا بمجمل صفقات التبادل باعتبارها انتصارات تسجل لصالح الفصائل الفلسطينية ، إلا أن " عملية الجليل " التي تمت في مثل هذا اليوم من عام 1985 كانت الأروع والأكثر زخما من بين تلك " الصفقات " وبغض النظر عن طبيعة مواقفنا وعلاقاتنا اليوم بالجبهة الشعبية - القيادة العامة التي نفذت تلك " الصفقة " .
ليس لأن والدي تحرر في اطارها ، وانما لأنه لم يسبقها أو يليها " صفقة تبادل " بنفس الشروط والمعطيات والنتائج ، فهي الأكثر ألما للاحتلال الإسرائيلي وحكوماته وأجهزته المختلفة ، وهي الأكثر تميزاً وزخماً في تاريخ صفقات التبادل .
" عملية الجليل " كما أطلق عليها تمت وفقا للشروط الفلسطينية وتميزت باكتسابها بُعداً فلسطينياً وقومياً وأممياً ، فشملت أسرى أجانب وعرب ، أسرى من فلسطينيي 48 والقدس ، بالإضافة إلى أسرى من الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولم يُستَثنَ أحدٌ ، كما لم يتم إبعاد أي أسير قسراً ، حيث خُير كل أسير ودون قيود أو اشتراطات أمنية في تحديد الجهة التي يرغب التوجه إليها والإقامة فيها بعد تحرره من السجن .
فشكلت صفعة قوية للاحتلال حيث ضخامة العدد ، ونوعيتهم ، فالغالبية العظمى منهم شاركوا بشكل فعلي في عمليات أوقعت خسائر بشرية في صفوف الإسرائيليين ، وغالبيتهم العظمى صدرت بحقهم أحكاماً جائرة أدناها عشرات السنين وأقساها السجن المؤبد ( مدى الحياة ) لمرة أو لمرات عدة .
" عملية الجليل " أو " صفقة التبادل عام 1985 " شكلّت حدثاً نوعياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني يجب التوقف أمامه ، و سابقة ثورية في كافة نتائجها كان من الواجب دراستها والاستفادة منها ، و انتصاراً تاريخياً يستوجب الاعتزاز به .
صفقة التبادل عام 1985 أو عملية الجليل شكّلت رافعة قوية لمعنويات الجماهير العربية والفلسطينية والحركة الأسيرة ، وأن من تحرروا في إطارها شكّلوا رافداً مهماً للنضال الوطني الفلسطيني و القومي وللثورة الفلسطينية على اختلاف فصائلها .
وأن من تحرروا في إطارها لعبوا دوراً مميزاً بين صفوف شعبهم وداخل قراهم وتنظيماتهم وفي عمليات التأطير والتنظيم والتعبئة الجماهيرية والانخراط من جديد في عمليات المقاومة ضد الاحتلال ، وكان لهم تأثير قوي على المواطنين ، مما عكس نفسه ايجاباً على اتساع دائرة المقاومة والمد الجماهيري المقاوم للاحتلال ، ولعبوا دوراً أساسياً في التحضير للانتفاضة الشعبية الأولى ، كما لعبوا دوراً قيادياً فيها وفي تأجيجها واتساعها وديمومتها .
واليوم وبعد ثمانية وعشرين عاماً نناشد الجهات المعنية بضرورة إنصاف أبطالها وكل من تحرر في إطارها بما يكفل لهم ولذويهم حياة كريمة وفاءً لتضحياتهم وتقديرا لصمودهم في سجون الاحتلال الإسرائيلي .