-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 400
اقلام واراء عربي 400
16/5/2013
في هذا الملــــف:
رأي القدس: واقع فلسطيني مزر
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
النكبة في ذكراها الـ65
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
فلسطين…لن تكون أندلس أخرى
بقلم: اسماعيل سعدي العزة عن القدس العربي
دولة الاخوان المزعومة
بقلم: مجدى جورج عن القدس العربي
يهودية دولة إسرائيل وحلّ الدولتين
بقلم: محمد بركة عن الحياة اللندنية
الثورة الفاشلة ضد الدولة الفاشلة
بقلم: عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
٦٥عاماً... سنرجع يوماً... ويبقى الحق ما بقيت ذكراه
بقلم: مالك سمارة عن الأخبار البيروتية
المصالحة الفلسطينية وتبادل الأراضي
بقلم: ماجد أبو دياك عن السبيل الأردنية
هوان القدس
بقلم: أحمد يوسف أحمد عن الشروق المصرية
في غزة شعب يستحق الحياة
بقلم: أنور صالح الخطيب عن الراية القطرية
سايكس- بيكو جديدة
بقلم: سهيل رستم عن الوطن السورية
رأي القدس: واقع فلسطيني مزر
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
كنا نتمنى ان تكون الذكرى الخامسة والستون لنكبة فلسطين التي تصادف اليوم مختلفة عن سابقاتها، لسبب بسيط هو تزامنها مع ثورات الربيع العربي، وسقوط او تغيير، انظمة ديكتاتورية واستبدالها في معظم البلدان بانظمة اسلامية.
ربما من المبكر، او بالاحرى من المجحف، اصدار احكام متسرعة على هذه الانظمة بسبب سلم اولوياتها الحافل بالقضايا والازمات الداخلية، مثل الاقتصاد والامن والبطالة والمؤامرات الخارجية، ولكن هناك قضايا، وعلى رأسها قضية القدس المحتلة، لا يمكن نسيانها او القفز فوقها خاصة عندما تتعاظم عمليات التهويد والاستيطان والاقتحامات.
يوم غد الخميس يستعد مئات المستوطنين لاقتحام المسجد الاقصى ربما للمرة العاشرة هذا العام، والهدف هو تعويد الرأي العام العربي على هذه الاقتحامات تمهيدا لتقسيم المسجد مثلما حصل بالحرم الابراهيمي في مدينة الخليل.
لا نستطيع ان نلوم الدول العربية وعدم اكتراثها بقضية فلسطين، وتنازل بعضها عن العديد من الثوابت الفلسطينية في الوقت الذي تسود فيه الانقسامات الصف الفلسطيني، ويتحول دور السلطة الى استجداء رواتب موظفيها، ولهاثها خلف سراب سلام مغشوش او مسموم على وجه الخصوص.
من المؤسف ان يكشف السيد ياسر عبدربه امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن اجرائه مفاوضات سرية مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي ومستشاره القانوني اسحق مولوخو، وذلك في حديث لصحيفة اسرائيلية وهي المفاوضات التي قال انها باءت بالفشل مثل سابقاتها.
ومن المؤسف اكثر ان يعلن الرئيس محمود عباس عن تنازله عن حق العودة الى مدينته صفد من اجل طمأنة الاسرائيليين وحكومتهم الى نواياه في حصر القضية الفلسطينية في جيب محدود في الضفة الغربية فقط.
الوضع الفلسطيني الراهن مزر بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فالاهتمام العربي، الرسمي منه والشعبي، بالقضية الفلسطينية يتراجع، والانقسام الفلسطيني بات يتوسع يوما بعد يوم ويتحول الى امر واقع، واحاديث المصالحة ولقاءاتها باتت نكتة سمجة.
المقاومة الفلسطينية بالصورة التي نعرفها باتت من الماضي، وصيغة غير حضارية في زمن التفاوض، والمقاومة السلمية المدنية باتت في حدودها الدنيا، فحكومة حماس في قطاع غزة مشغولة في تكريس حكمها، والسلطة في رام الله تنتظر بلهفة استئناف المفاوضات، وتعهد الرئيس عباس علنا، واكثر من مرة، انه لن يسمح باشتعال فتيل انتفاضة ثالثة.
نقطة الضوء في نهاية هذا النفق المظلم تتمثل في مقاومة الامعاء الجائعة التي اطلقها الاسرى في سجون الاحتلال، وقدم بعضهم حياته قربانا لقضية شعبه العادلة من امثال عرفات جرادات، وميسرة ابو حمدية، واحتلوا مكانة بارزة في قوائم الشهداء المشرفة.
الشعب الفلسطيني لن يفرط بحقوقه العادلة في استعادة اراضيه المغتصبة في كل فلسطين، وفترة الجمود الحالية قطعا لن تدوم، وهي مجرد ازمة عادلة، الم يمر هذا الشعب بفترة مماثلة استمرت عشرين عاما تقريبا (1947 ـ 1967) قبل ان يشمر عن ساعديه وينتفض انتفاضات كرامة وعزة نفس ويطلق مقاومة اثارت اعجاب العالم باسره؟
الغرور الاسرائيلي لن يعمر طويلا، والاحتلال الاسرائيلي للارض الفلسطينية سينتهي مثلما انتهت كل الاحتلالات الاخرى على مر العصور وما اكثرها.
الاسرائيليون اضاعوا فرص السلام بسبب اعتقادهم بان غطرسة القوة وانكار حقوق الآخر يمكن ان تحقق لهم الامن والاستقرار والاحتفاظ بما اغتصبوه من ارض، ولا ابالغ اذا قلت انهم سيدفعون ثمنـا باهظـا بسبب هـذه المواقف والسياسات العنصرية قصيرة النظر.
النكبة في ذكراها الـ65
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
أمس صادفت ذكرى النكبة الـ65، هذه التي نحييها في 15 حزيران/يونيو من كل عام، يوم استولت الحركة الصهيونية على أغلب مناطق فلسطين، وبمساعدة بريطانيا أقامت دولتهاعلى أرضنا. ما بين الامس واليوم سنوات طويلة، لم تزدد فيها اسرائيل الا عدوانية وصلفا، عنجهية وعربدة، عنصرية وحقدا، غطرسة وتعنتا في رفض حقوق شعبنا الوطنية. لقد قامت اسرائيل بسن قوانين جديدة، تمنع أهلنا في منطقة عام 1948 من احياء ذكرى النكبة تحت طائلة المسؤولية والسجن سنوات طويلة. لكن شعبنا رغم أنف الصهاينة يحيي هذه الذكرى الأليمة في كل مواقعه، بما في ذلك في فلسطين المحتلة عام 48.
ما الذي تطور في اسرائيل بمضي 65 عاما على انشائها؟ سؤال برسم الاجابة عليه من كل فلسطيني وعربي . نتحدى أن يكون التطور بغير المظاهر تلك التي عددناها في السطور السابقة.
بعد مضي كل هذه السنوات يمكن القول وبراحة ضمير، أن المتغيرات الاسرائيلية خلال هذه العقود تتمظهر في جملة من الحقائق الإسرائيلية، على صعيد السياستين الداخلية والخارجية المستندة إلى خلفية أيديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا استراتيجية وتكتيكا سياسيين جديدين متوائمين مع هذه الحقائق من حيث مجابهتها وليس التعامل معها كأمر واقع، ولعل من أبرزالمتغيرات يتلخص في ما يلي:
ان المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل وإن غاب في أذهان الساسة (حاليا) باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان المتطرفين الإسرائيليين المرشحين لازدياد قاعدة وهرم تأثيرهم في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ان التحولات الجارية في داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قالت أبحاث أجرتها جامعة حيفا ومعاهد متخصصة ونشرت نتائجها التي تقول في غالبيتها انه وفي العام 2030 فإن نسبة المتدينين اليهود سترتفع الى 62 – 65% من الشارع الاسرائيلي. هذا ما رأينا بعضا منه في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتلك التي سبقتها قبل بضعة أعوام. هذا سيؤثر على الحياة المدنية الإسرائيلية، ليس من حيث التداعيات في الحياة الاجتماعية، ولكن بالضرورة أيضاً على الانعكاسات على السياستين الداخلية والخارجية، وتحديداً الصراع الفلسطيني العربي- الصهيوني. إذا ما بقيت إسرائيل حتى ذلك الزمن فسنواجه إسرائيل جديدة. هذا لا يعني على الإطلاق الاستهانة بالسياسات الاسرائيلية السابقة والحالية، ولكن المقصود القول اننا سنشهد تشدداً إسرائيلياً أضعاف أضعاف التشدد السابق والحالي.
ان المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة بما معناه، أدلجة السياسة الخارجية بقوانين في ما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبقاء هيمنة يهودية في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ حصول ذلك في العام 2025). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكان العامان 2012 و2013 مميزين في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم…الخ) إضافة إلى خلق واقع اقتصادي- اجتماعي يصبح استمرار العربي في العيش في بلده مستحيلاً، وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
الغريب أن إسرائيل ورغم قوننتها للعنصرية (على شاكلة النظام العنصري الأبيض السابق في جنوب أفريقيا) تبقى في عرف الدول الغربية والكثيرين الآخرين (دولة ديمقراطية) ففي الوقت الذي أدان فيه العالم عنصرية جنوب أفريقيا وروديسيا يقف صامتاً أمام العنصرية الإسرائيلية!.
لقد سبق لدول عديدة أن اعترفت بـــ(يهودية دولة إسرائيل) ووفقاً لما ورد على لسان نتنياهو والقادة الاسرائيليين الآخرين اصبح هذا شرطا على الفلسطينيين والعرب مقابل التطبيع الاسرائيلي للعلاقات معهم ولانجاز حتى التسوية المذلة (لهم) معهم. جاء وعد بلفور في عام 1917 ليؤكد هذا الهدف (يهودية الدولة)، وكذلك نص قرار التقسيم للأمم المتحدة في عام 1948 على إنشاء هذه الدولة. إسرائيل في بداية تكوينها لم تركز على تحقيق هذا الشعار لاعتبارات تكتيكية ليس إلاّ، عنوانها ترسيخ دعائم دولتها أولاً ومن ثم وحين تتحسن الظروف تطرح الشعار للاعتراف به دولياً، وذلك للتغطية على أية خطوات عنصرية مستقبلية تقوم بها تجاه حرمان العرب فيها (في منطقة 48) من كل حقوقهم وصولاً إلى اجراء الترانسفير بحقهم وإيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لأخراجهم من وطنهم، اما عن طريق تبادل الأراضي أو بطرق أخرى.
ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى في وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة (على شاكلة الدول كافة) نقيضاً لوجودها. من جانب آخر فإن تحقيق شعار يهودية الدولة يقطع الطريق على كافة الحلول المطروحة الأخرى الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية القومية، وحتى حل الدولة لكل مواطنيها.
كثيرة هي المتغيرات في اسرائيل مع مضي كل هذه السنوات على انشائها، ومن أبرزها أيضا زيادة تأثيرات الجناح الديني على الحياة في اسرائيل ان بالمعاني السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية، وهذا ما سيدفع ايضا الدولة نحو سياسات أكثر تطرفا وعدوانية على الفلسطينيين والعرب خلال السنوات القريبة القادمة. ومنها ايضا المزيد من الاستناد في السياسة الى الأسس التوراتية والتلمودية التي جعلت منها الحركة الصهيونية أيديولوجيا معتنقة متطورة باستمرار. تدعيم أواصر التحالف الاستراتيجي والارتباط الوثيق مع الامبريالية وأشكال الاستعمار الجديد والعنصرية.
في الذكرى 65 للنكبة يمكن القول إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها، وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية المشبعة بالتعاليم التوراتية فرضاً! هذه أبرز المتغيرات التي تحتم على الفلسطينيين والعرب اتباع نهج استراتيجي وسياسي تكتيكي جديدين في التعامل مع دولة الكيان.
فلسطين…لن تكون أندلس أخرى
بقلم: اسماعيل سعدي العزة عن القدس العربي
بمناسبة الذكرى الخامسة والستين على نكبة فلسطين التي تصادف اليوم الاربعاء 15/5/2013
احد وثلاثون عاما هي عمري وأنا لاجئ في الشتات، أعيش بين إخوتي اللاجئين أيضا، في كنف والدي الذي شرد من أرضه مشيا على الأقدام، وأمي التي كانت تبكي بين ذراعَي أمها وهي تهرول مسرعة خوفا من فتك عصابات اليهود.
أبي ودع الكرم والخيل والبيت منذ خمسة وستين عاما، وهو يسمع نداءات تصدح ‘اخرجوا الان حتى نستطيع إعادتكم لاحقا بسلام، هي مجرد أيام فلا تقلقوا وأسرعوا باطمئنان ‘، وما زلت أنا أيضا بعد خمسة وستين عاما أسمع تلك النداءات، مع قليل من التغييرات لتواكب عصر العولمة والحداثة وثورة التقنيات.
أذكر في مرحلة الطفولة كيف كنا نتحلق أمام من هم أصغر منا، نهلل لهم عند نطق حروفهم الأولى ومحاولاتهم البريئة لنطق كلمة بابا وماما، وكيف كنا نتسابق الى تعليمهم قسرا نطق أسمائنا، لكن أكثر ما كان يترك أثرا في نفسي أننا وبالتوازي مع حبنا لسماع الأحرف الأولى وأسمائنا كنا نتحد جميعا، وفي لحظة لا إرادية غير متفق عليها، نحاول جميعا تعليمهم اسم فلسطين، فلسطين بكامل حروفها وأجزائها، لم أرَ أبي يقول ضفة غربية أو أسمع أمي تقول قطاع غزة، لم يرسم لنا أحد خطا أخضر لا داخل ولا خارج، هي فلسطين وكفى.
عشر سنوات من عمري قضيتها على مقاعد الدراسة في مدارس وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين، السمة المشتركة بين كل من فيها أنهم لاجئون فلسطينيون يحملون بطاقة بيضاء بالية تثبت جنسيتهم الفلسطينية وحقهم في العودة إلى أراضيهم وقراهم، هناك عرفت معنى اللجوء بحق ومعنى أن تستيقظ دونما وطن، تنظر إلى رواد المدارس الأخرى كيف يرفعون العلم صباحا ويرددون بصوت وقلب واحد النشيد الوطني، وأنت تقف صباحا لترى علما أزرق اللون مهترئا لا يمثل لك أي شيء غير أنه يذكرك بلجوئك وعذاباتك وخذلان الأمم من حولك، حينها علمت معنى الوطن وأن تكون في الوطن، واحترفت البكاء صباحا من أجل الوطن، كبرت وكبرت معي أحلامي بتقبيل تراب فلسطين، بافتراش أرضها والتلحف بسمائها، تفجر العشق في داخلي وأصبحت فلسطين حوريتي وأدركت أن العشق لا يموت بل يقدس ترابك حين تموت.
خمسة وستون عاما ونحن ننتظر، ونرى فلسطين وحدة واحدة، تسلمت الراية من أبي وسأسلمها لولدي وأوصيه أن يسلمها من بعده لولده وهكذا، فمعركتنا معركة أجيال، سنبقى نقاوم ونقاوم حتى تعود فلسطين كاملة، لن نستكين وننسى كما نسينا الأندلس، ففلسطين لن تكون أندلس أخرى.
خمسة وستون عاما ونحن ننتظر، ونرى فلسطين من النهر إلى البحر، من رأس الناقورة إلى أم الرشراش، من الفاء إلى النون، وهم يرونها غير ذلك، لا أظن أنهم حتى يرونها فهي تتقلص يوما عن يوم في نظرهم، حتى أنهم اختلفوا على من يقلص أكثر ويبتكر ويبتدع مسميات أكثر، فتسمع تارة قدسا شرقية وتارة مقاطعة رام الله الأبية، ولا ننسى إمارة غزة الإسلامية، كأنهم امتلكوا فلسطين تركة ورثوها يتسابقون فيمن يفرط أكثر، أما الآن وقد وصلوا قمة الإبداع أصبحوا كبلفور وتفوقوا عليه، يعطون أرضا هي حقنا مقابل أرض هي أيضا حقنا لمن لا يستحقها أصلا ليشرعوا الاحتلال ونتفاوض على الفتات .
يا سادتي تعلمت شيئا حتى أنني رضعته مع حب فلسطين تعلمت وأيقنت انه لا حاجة لي بالقدس اذ ما عادت قريتي لأنه من يفرط بحبة رمل تهون عليه الأرض كلها.
دولة الاخوان المزعومة
بقلم: مجدى جورج عن القدس العربي
حلم الاخوان منذ تأسيسهم في عشرينات القرن الماضي بتأسيس دولتهم غير المماثلة ولا المشابهة لاي دولة موجودة بالمعمورة، فدولتهم ليست دولة بالمعنى المتعارف عليه، لها حدود معترف بها ولها شعب واحد تحاول تحقيق آماله وأحلامه، ولكنها دولة أممية لا تعترف بحدود، فحدودها مفتوحة تضم مبدئيا كل الدول العربية والإسلامية في المرحلة الاولى، مع محاولة إقامة هذه الدولة كي تشمل دول العالم اجمع وشعوب الدنيا جميعها، في المرحلة الثانية بعد الانتقال الى مرحلة التمكين والتغلب على الجميع .
هكذا كانت دولة الإخوان في مخيلة مؤسسيها، وقد تأخر قيام دولة الاخوان هذه كثيرا وحاولوا اقامتها أيام التقية والاستضعاف، ان لم يكن بأيديهم فبايدي وسواعد غيرهم، فهم تارة حلفاء أحزاب الأقلية قبل الثورة، وتارة يزينون للملك الشاب فاروق ان يكون خليفة للمسلمين فقد اقنعوه بفكرة حلف اليمين امام شيخ الازهر بالقلعة، لولا رفض النحاس باشا والوفد لهذه الفكرة لمخالفتها للدستور. وحينما قامت ثورة يوليو حاولوا القفز عليها وتوجيهها لصالحهم ولصالح دولتهم المزعومة، ولكن عبد الناصر المتيقظ لم يمكنهم من ذلك فاختلفوا معه وحاولوا اغتياله في المنشية، وباءت محاولتهم بالفشل فدخلوا في حالة كمون واستضعاف وتقية، حتى اخرجهم السادات منها في السبعينات، ولكنهم لم يصونوا العهد معه فقام فريق منهم بقيادة خالد الاسلامبولي باغتيال السادات في حادثة المنصة الشهيرة، حيث كان مقدرا وقتها لتيار الإسلام السياسي ان يحكم ويتحكم في مصر وفي مقاديرها بعد هذه الحادثة التي وقعت في ايلول/سبتمبر 1981.
وقد كانت الظروف الي حد ما مواتية أيامها لاقامة دولة الاخوان، خصوصا بعد النجاح الساحق للثورة الإسلامية في ايران بقيادة خميني، التي ازاحت نظام الشاه محمد رضا بهلوي، فقد كان هدف التيار الإسلامي بمصر ان يقوم بثورة شبيهة بالثورة الإسلامية بإيران، وقد كان هذا التيار يتصور انه باغتيال رأس الدولة فان الجماهير ستخرج متظاهرة ومطالبة بإقامة الحكم الإسلامي بمصر كما تم في ايران.’
طبعا لم تنجح خطة التيار الإسلامي في إقامة دولته منذ ثلاثين عاما باغتيال رأس الدولة في حادثة المنصة، ليس لان الشعب والشارع لم يكن مهيأ بما فيه الكفايه لتقبل هذا المشروع كما ظن أصحاب هذه الافكار، ولكنه فشل وقتها لأسباب ثلاثة هي :
أولا: ان الشعب المصري شعب متدين ووسطي ومعتدل ومسالم يكره العنف، فلم يقبل هكذا تغيير بدأت بوادره بالاغتيال وإراقة الدماء.
ثانيا: ان هناك مؤسسة قوية هائلة الإمكانيات وقفت وراء انتقال سلمي وسلس للسلطة الى نائب الرئيس وقتها حسني مبارك، وهذه المؤسسة هي القوات المسلحة.
ثالثا: وجود نائب لرئيس الجمهورية قادم أيضاً من هذه المؤسسة العسكرية جعل الشعب والجيش يلتفان حوله من اجل العبور بمصر من هذه الفترة العصيبة.
ولكن هذا الفشل لم يثني الاخوان ولم يردهم عن فكرة دولة الخلافة هذه، خصوصا ان مبارك ومنذ بداية عهده وعلى عكس ما أشاعوا عنه أعطاهم الفرصة كاملة من دون ان يدري ولمدة ثلاثين عاما لتهيئة الشعب وإعداده لتقبل فكرة دولة الإخوان (التي صوروا للناس أنها دولة ملائكة، لا ظلم ولاعدوان ولا فقر فيها)..
دولة التيار الإسلامي او دولة الإخوان كان يمكن ان تقوم منذ ثلاثين عاما، ولكنها تأخرت الى أيامنا هذه لأسباب عديدة ساعدد منها اربعة هي:
أولا: حسني مبارك ترك لهم مهمة تهيئة الشعب لمدة ثلاثين عاما فلا تصدقوا حكاية انه كان يضيق الخناق عليهم فهناك آلاف المساجد التي سيطروا عليها ومعاهد الدعاة التي افتتحوها وشارع سيطروا عليه بالمعونات وغذوه بالأحلام عن دولة اليوتبيا الملائكية التي يزعمون أقامتها وذلك في ظل غياب تام للدولة.
ثانيا: الصدام الخفي بين المؤسسة العسكرية والرئاسة بسبب رغبة مبارك او بعض أفراد أسرته وبعض أركان حكمه في توريث السلطة لابنه جمال مبارك.
ثالثا: عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية يتم من خلاله التغيير بسلاسة، كما تم في المرتين السابقتين من ناصر للسادات ومن السادات لمبارك (فالثورة في اليمن رغم شدتها إلا ان وجود نائب للرئيس صالح جعل التغيير يتم داخل النظام ولم يكن تغييرا دراماتيكيا كالذي حدث في مصر وتونس وادى الى سيطرة التيارات الظلامية فيهما).’
رابعا: ان ما فشل فيه الاخوان من سطو على الثورة في يوليو 1952 نتيجة يقظة عبد الناصر ورفاقه نجحوا فيه بعد ثورة يناير 2011 نتيجة تفرق الثوار وتراخي ولا مبالاة المجلس العسكري السابق وتشتت القوى المدنية.
والآن بعد ان قامت دولة الإخوان فان كل المواشرات تدل على أنها لن تستمر سريعا وانهم لن يستطيعوا ان يكرروا تجربة الثورة الإسلامية في ايران ويرسخوا اوضاعهم لان الممانعة من قوى مدنية وقوى ثورية لا زالت حية رغم ضعفها وتشتتها، ولان قوى اخرى وعلى رأسها الجيش والقضاء لازالت تقاوم سيطرة الإخوان يساعد في ذلك ان عصرنا هو عصر العولمة والإنترنت وهو مختلف تماماً عن عصر الكاسيت الذي نجحت فيه الثورة الإسلامية بإيران.
يضاف الى كل هذا ان الإخوان فصيل استئصالي اقصائي يريد استبعاد الجميع من قوى ثورية الى قوى ليبرالية الى يسارية الى الاقباط وحتى المرأة، التي تعتبر وقودهم في معاركهم الانتخابية يحاولون اقصاءها وأبعادها عن المشهد وجعلها تلزم بيتها بحجة الحفاظ عليها وهذا كله يخلق لهم عداء مع الجميع.
وقد أثبتت التجربة أنهم ليسوا رجال دولة ولا يملكون لا الكفاءة ولا الخبرة لإدارة أمور دولة بحجم مصر، وهم في نفس الوقت لا يريدون الاستعانة بالكفاءات الموجودة بل جل اهتمامهم واعتمادهم يقع على أهل الثقة من اتباعهم وهذا ما سيعجل بسقوطهم وسقوط دولتهم.
يهودية دولة إسرائيل وحلّ الدولتين
بقلم: محمد بركة عن الحياة اللندنية
طُرح شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل لأول مرة في إطار المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في مؤتمر انابوليس في 27/ 11/ 2007 من قبل حكومة أيهود اولمرت وبمباركة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش.
وفي خطابه باللغة العبرية، أمام البرلمان التركي، في 13 / 11 / 2007، قال الرئيس الإسرائيلي، شيمون بيريز، «إن هدفنا هو إقامة دولتين لشعبينا، دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني، ودولة يهودية للشعب اليهودي».
بينما ذهبت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني في حينه، إلى أبعد من ذلك، على مسمع وزير خارجية فرنسا، الذي كان ضيفها، عندما أكدت أن الدولة اليهودية هي الحل القومي لكل اليهود، والدولة الفلسطينية هي الحل القومي لكل الفلسطينيين، بمن فيهم الفلسطينيون المواطنون في دولة إسرائيل، واللاجئين الذين هُجروا من بيوتهم خلال نكبة الشعب الفلسطيني.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتانياهو فقد تجاوز تعبير «يهودية الدولة» إلى اشتراط «الإقرار الفلسطيني العلني والملزم والصادق بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي» كما جاء في خطابه المشهور في جامعة بار أيلان في 14/ 6 /2009، بمعنى الاعتراف الفلسطيني بجوهر الأيديولوجية الصهيونية العملي وهو جمع «الشتات» اليهودي من كل أنحاء العالم وفي نفس الوقت يطالب نتانياهو الفلسطينيين «بالموافقة على أن تجد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حلاً لها خارج حدود دولة إسرائيل» ( الخطاب نفسه).
أما الرئيس الأميركي باراك أوباما فقد أفرط في خطابه الأخير (21/ 3 / 2013) بالتزلف للصهيونية عموماً وليهودية إسرائيل على طريق سلفه بوش.
بالمقابل يتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن حل الدولتين وكأن دولة إسرائيل لم تقم بعد، وكأن اللاجئين لم يقذفوا خارج وطنهم، وكأن موجات الهجرة اليهودية لم تكن أصلاً، وكأن إسرائيل لم تقم في 1948 على مساحة تجاوزت قرار التقسيم ثم استكملت الاستيلاء على ما تبقى من فلسطين في العام 1967.
لقد جرى اعتماد قرار التقسيم في الأمم المتحدة لإنهاء الانتداب البريطاني، في ظل استحالة إقامة دولة واحدة ديموقراطية ومشتركة لجميع سكان فلسطين بسبب مخططات الحركة الصهيونية ودعم الاستعمار البريطاني لها، وتواطؤ الرجعية العربية.
وجرت صياغته في ظل الإلحاح على الضمير الغربي بعد جرائم النازية الفظيعة التي ارتكبت بحق اليهود والسعي «لحل المسألة اليهودية»، ليس في إطار المجتمعات التي عاشوا فيها.
إن قرار التقسيم هو قرار مجحف بحق الفلسطينيين- أهل البلاد الأصليين وغالبية سكانها الساحقة- ولكنه جاء لضمان إمكانيات الحياة لأهل البلاد.
صحيح أن القرار 181 تحدث عن إقامة دولتين: دولة يهودية ودولة عربية، ولكن القرار لم يكن هكذا سطراً واحداً، فحدود «الدولة اليهودية» تشمل 56 في المئة من مساحة فلسطين، وتشكل صحراء النقب غالبية مساحتها، ويشكل الفلسطينيون الذين كان من المفترض أن يعيشوا فيها 43 في المئة من مجموع السكان.
إن الدولة اليهودية في قرار التقسيم هي ليست دولة إسرائيل في 15 أيار (مايو) 1948، وليست إسرائيل في 11 حزيران (يونيو) 1967، وليست دولة إسرائيل التي أرادها مؤسسوها «نظيفة من العرب».
بينما «الدولة العربية» في قرار التقسيم ليست دولة اللاجئين وليست دولة على أقل من 22 في المئة من مساحة فلسطين، وليست دولة الاستيطان وليست دولة الجدار.
لذلك فإن استعارة المسؤولين الإسرائيليين لمصطلحات قرار التقسيم لاستعمالها في واقع اليوم، لا تمت إلى قرار التقسيم بأي صلة. ليس هذا فحسب، فقرار التقسيم رقم 181 تضمن بنوداً واضحة، تكفل الحريات والحقوق الأساسية والثقافية والدينية للأقلية في كل من الدولتين، وبالأخص في الفصلين الثاني والثالث.
تضمن القرار 181 حرية المرور المطلقة بين الدولتين، وتضمن البند الثامن من الفصل الثاني عدم جواز نزع ملكية الأرض من أي مواطن، وتضمن تثبيت مواطنة كل مواطن في الدولة التي يعيش فيها.
لقد تضمن القرار 181 - قرار التقسيم - إقامة مجلس اقتصادي مشترك يدير اقتصاداً مشتركاً وموحداً للدولتين. أما البند الحادي عشر من الفصل الأول، فقد تحدث بصراحة عن أن شروط إقامة الدولتين هي شروط صارمة، لأنه «يجب إقرارها في الدولتين في إطار قانون أساسي»، أي أن الشروط هي مكوّن دستوري من مكونات كلتا الدولتين.
وهذا يعني أن قرار الجمعية العامة 181 المعروف بقرار التقسيم لم يقر على الإطلاق بإنشاء دولة عرقية أو على أساس ديني ولم يقر على الإطلاق تهجير غالبية الشعب الفلسطيني، ولم يقر جواز ضم أراضي الدولة الفلسطينية (العربية) إلى الدولة «اليهودية» (إسرائيل لاحقاً).
في مقدمة إعلان إقامة دولة إسرائيل (وثيقة الاستقلال 14 / 5 / 1948)، جاء أن من ضمن الأسس التي قامت عليها إسرائيل هو قرار الجمعية العامة 181، وعندما تقدمت إسرائيل لعضوية الأمم المتحدة في العام 1949 تعهدت بتنفيذ قرار التقسيم رقم 181، كشرط لقبولها، ولذلك فإن الشرعية الدولية لقيام إسرائيل وحتى شرعية انضمامها إلى العائلة الدولية، ضمن ما تعهدت هي به، تظل منقوصة وحتى لاغية بالمفهوم القانوني طالما لم تقم الدولة العربية الفلسطينية التي تشكل مركباً عضوياً لقرار التقسيم.
من السهل الوقوع - في سياق تبرير الرفض الطبيعي لهذا الاشتراط غير المسبوق - في مطبّ مفاده بأن تعريف إسرائيل هو شأن داخلي إسرائيلي...
لكن كيف يمكن الاعتراف بيهودية إسرائيل فلسطينياً ودولياً بينما قامت إسرائيل على مساحة أكبر من المساحة المعدة لها في القرار 181، وكيف يمكن الاعتراف بيهودية إسرائيل طالما «اكتسبت» يهوديتها من تهجير غالبية الشعب الفلسطيني، وإخلاء بلاده منه؟
طالما لم تقم الدولة المستقلة، ولم تحل قضية اللاجئين فإن تعريف إسرائيل ليس شأناً داخلياً، إنما هو متعلق بتطبيق الشرعية الدولية، وبخاصة القرار 181 بشأن الدولة الفلسطينية، والقرار 194 بشأن قضية اللاجئين.
ويسأل السؤال: ما الهدف الإسرائيلي من طرح مسألة يهودية الدولة؟ هل هي فعلاً بحاجة إلى اعتراف المفاوض الفلسطيني بطابع دولة إسرائيل؟
إن الحفاظ على الطابع اليهودي وعلى الأغلبية اليهودية ومطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بها كدولة يهودية يأتيان للأهداف التالية:
1- تبرير مبدأ الصهيونية الأساسي وهو ما يسمى جمع الشتات وأن إسرائيل هي الحل القومي لكل من يدين باليهودية في أي مكان في العالم.
2- تبرير ضم الكتل الاستيطانية - وضم غالبية القدس العربية بحكم وجود 200 ألف مستوطن في محيطها- والاعتراف بالجدار الذي أقيم على أساس العزل العنصري كحدود سياسية لأطماع إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة.
3- تكريس وضع المواطنين العرب الفلسطينيين في دولة إسرائيل كمواطنين من الدرجة الثالثة ومواصلة التمييز والعنصرية ضدهم.
4- التلويح بسيف تطبيق مخططات «الترانسفير» والتبادل السكاني علماً أن «الترانسفير» لم يَعُدْ هذياناً في هامش السياسة الإسرائيلية إنما جزء من التيار المركزي الحاكم في إسرائيل، وما «مشروع برافر» الذي أقرّته حكومة نتانياهو السابقة في جلستها الأولى بعد الانتخابات الأخيرة، لمصادرة أكثر من 600 ألف دونم من أراضي المواطنين العرب في النقب وتهجير اكثر من 30 ألفاً منهم إلا تعبير فظ وصارخ عن هذه العقلية الاقتلاعية.
من جهة أخرى سيعمل الائتلاف الحالي برئاسة نتانياهو وفق بنود الاتفاق الائتلافي على إقرار قانون أساسي في الكنيست تحت عنوان «إسرائيل دولة الشعب اليهودي» لتثبيت سياسة التمييز العنصري التي تمارس ضد المواطنين الفلسطينيين فيه وفي البدء إلغاء مكانة اللغة العربية كلغة رسمية.
5- إغلاق الباب كلياً أمام حق العودة وأمام حل قضية اللاجئين.
بناء عليه فإن دولة إسرائيل تريد اعترافاً فلسطينياً ودولياً بها كدولة يهودية، وبفعل ذلك يجري إسقاط كل قضايا مفاوضات الحل الدائم (القدس واللاجئين والحدود والاستيطان) حتى قبل بدء التفاوض.
جاء في وثيقة إعلان استقلال فلسطين الصادرة في 15 / 11 /1988، ما يلي: «ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير، إثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1948، الذي قسّم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، فإن هذا القرار ما زال يوفر شروطاً للشرعية الدولية تضمن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.
إن احتلال القوات الإسرائيلية للأرض الفلسطينية وأجزاء من الأراضي العربية واقتلاع غالبية الفلسطينيين وتشريدهم عن ديارهم، بقوة الإرهاب المنظم، وإخضاع الباقين منهم للاحتلال والاضطهاد ولعمليات تدمير معالم حياتهم الوطنية، هو انتهاك صارخ لمبادئ الشرعية ولميثاق الأمم المتحدة ولقراراتها، التي تعترف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير والاستقلال والسيادة على أرضه ووطنه».
إن الإلحاح الإنساني والدولي يجب أن يكون منصباً الآن ليس على إعادة صياغة الكيان الإسرائيلي، وإنما على توفير أسس الحياة والكرامة والاستقلال للشعب الفلسطيني.
القضية ليست إقامة إسرائيل من جديد وتعريفها، بل إن القضية الأساس هي إقامة فلسطين التي غُيّبت عن التاريخ و الجغرافيا والحياة، لذلك يجب عدم الوقوع في الشرك الإسرائيلي لإسقاط شعار الدولتين للشعبين، لأن تنفيذ هذا القرار يعني اليوم والآن، بشكل واضح ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
إن لعبة الوقت والمماطلة الإسرائيلية تتطلب توحيد وتصعيد الجهود الدولية والإقليمية للتوصل إلى سلام وإلى حل القضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية كمرجعية أساس.
إن الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة يعتبر إنجازاً مهماً للحقوق الفلسطينية لأنه يدفع في اتجاه إجراء المفاوضات على سبل تنفيذ الانسحاب من أراضي دولة عضو في الأمم المتحدة وليس التفاوض على مستقبل أراض «متنازع عليها».
إن القبول الفلسطيني بحل الدولتين وقبولنا نحن الفلسطينيين في إسرائيل بحل الدولتين لا يعني بأي شكل من الأشكال الموافقة على ضرب الحقوق القومية والمدنية للفلسطينيين في إسرائيل، فحن لسنا طارئين ولا مهاجرين ولا مستوطنين.
في هذا السياق على العالم الغربي أن يتحمل مسؤولياته وبخاصة عدم تحميل الفلسطينيين عموماً وفي داخل إسرائيل خصوصاً وزر دعم الغرب للمشروع الصهيوني «لتطهير» ضميره جراء الجرائم التي ارتكبها ضد اليهود بتحميل الفلسطينيين ثمن تلك الجرائم.
الثورة الفاشلة ضد الدولة الفاشلة
بقلم: عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
يدخل العالم العربي بنهاية هذا العام مرحلة جديدة وهي مرحلة الثورة الفاشلة!
جاء مشروع الدولة المستقلة في الخمسينات للاستقلال عن قوى الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. وظهرت وقتها الأفكار القومية والثورية، وكان أبرزها المشروع الناصري والمشروع البعثي، وانتهيا إلى هزيمة 1967 وسقوط القدس وسيناء والجولان والضفة، ثم قيام صدام بغزو الكويت وتهديد كل دول المنطقة!
وبدأنا نعيش مشروعات فاشلة لأحلام نهضة لم تكتمل، حتى حكم الاستبداد وساد الفساد، وبدأ الشقيق يخطط لاحتلال الشقيق تحت اسم ومسمى الوحدة العربية الإجبارية.
سقط المشروع القومي بسقوط القدس وباحتلال الشقيق لشقيقه وبسقوط آلاف الشهداء برصاص عربي على يد جيش عربي.
ووصلنا إلى نتيجة مخيفة وهي أن ضحايا الرصاص العربي من العرب أضعاف أضعاف ضحايا الرصاص الإسرائيلي من العرب!
إنها حقيقة مؤلمة ومخيفة لا نجرؤ على مواجهة النفس بها!
نحن أعداء أنفسنا أكثر من خصومنا وأعدائنا التقليديين!
نحن القاتل والقتيل والرصاصة في آن واحد!
الآن مشروعات الانقلاب على القديم فشلت ومشروعات الحفاظ عليه أيضا سقطت.
الآن مشروعات الثورة على المعتاد والتقليدي أسفرت عن ظهور أنظمة أسوأ مما ثرنا عليه وقمنا من أجل تغييره.
الدولة الفاشلة التي تنهار فيها كل أركان الدولة المتعارف عليها هي الخطر الأكبر الذي ظل يتهددنا لسنوات طويلة.
الآن نحن نعيش مرحلة الثورة الفاشلة التي جاءت ضد الدولة الفاشلة في ظل حلم فاشل بإسقاط نظام فاشل أدى بنا إلى عمل فاشل فشل في تحقيق الحلم... فشلنا في بناء الحلم وقمنا بثورة لإقامة نظام بديل، ثبت لنا أن القديم والجديد كلاهما في النار!
ماذا نفعل في فشلنا القديم، وماذا نفعل في فشلنا الجديد؟ فشلنا في إسقاط القديم، وفشلنا في بناء الجديد، والآن نفشل في الخروج من مأزق البحث عن حل!
٦٥عاماً... سنرجع يوماً... ويبقى الحق ما بقيت ذكراه
بقلم: مالك سمارة عن الأخبار البيروتية
يصف كثيرون حق العودة بأنّه «مفتاح القضية» الفلسطينية. وهو يعني أن يعود حوالى 5 ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات إلى أراضيهم، عدا عن اللاجئين داخل حدود فلسطين، وذلك يعني أيضاً أن تصبح الأغلبية الفلسطينية هي التي تسكن فلسطين التاريخية.
ظهر مفهوم «حق العودة» بعد نكبة عام 1948. وتم تبنّيه رسمياً من قبل الأمم المتحدة في القرار رقم 194، الصادر بعد حوالى خمسة أشهر من النكبة وتهجير ما يقارب نصف الشعب الفلسطيني، بموافقة 35 دولة، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية، التي عادت وتراجعت عن موقفها بعد توقيع اتفاق أوسلو.
القرار الذي يحتوي على 15 بنداً، لم ينصّ على عودة اللاجئين فحسب؛ ففي بنوده الأولى، يسهب في الحديث عن وصول إلى «تسوية»، تقوم عليها «لجنة توفيق»، ثم يتحدث عن وضع القدس المحتلة، وضرورة فرض سيطرة الأمم المتحدة عليها بصفتها مدينة مقسمة، قبل أن يأتي على ذكر حق العودة في البند الحادي عشر، حيث ينص على «وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن الممتلكات للذين يقرّرون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر».
ومن هذا المنطلق، يرى البعض أن القرار يرمي إلى ربط قضية العودة بتسوية شاملة تُشرف عليها الأمم المتحدة، وهكذا يتعامل مع موضوع «حق العودة» وكأنّه جزء من حلّ نهائي، وليس قضية ملحّة، ومستقلة بحدّ ذاتها. الأهم من ذلك، أنّه يسعى إلى تسوية مع من تسبب بمأساة هؤلاء اللاجئين، وأوقع بهم ظلماً تاريخياً يستوجب المحاكمة والعقاب، مساوياً بذلك بين الضحية والجلاد.
لم تنفذ إسرائيل القرار، رغم أن الأمم المتحدة أكّدت على القرار 139 مرة بعد عام 1948. وأصدرت لاحقاً القرار 3236، الذي خصت به الفلسطينيين في حق تقرير مصيرهم، وأعادت فيه التأكيد على «حق العودة». لكن إسرائيل ظلت تتجاهل الأمر، حتى أصبح القرار الآن في سجلات الأمم المتحدة القديمة، ولم يعد يُسمع له صدىً في أروقتها.
مع ذلك، يرى آخرون أن «حق العودة» حق ممكن، وملزم، وقانوني. فيما يذهب البعض الآخر إلى وصفه بأنه «مكسب تاريخي» للقضية الفلسطينية؛ فالنصوص التفسيرية للقرار تقضي بعودة كل من كان يحيا حياة طبيعية في أرضه قبل عام 1948. ويشمل أيضاً ذرية العائلة مهما بلغ عددها، واختلفت أماكن وجودها. كما ينطبق على من لم يتملك أراضيَ في وطنه قبل ذلك العام. ويؤكّد على عودة اللاجئ إلى المكان الذي طُرد منه، ولو كان لا يبعد عنه مسافة كبيرة.
وبغض النظر عن قرار الأمم المتحدة رقم 181 حول التقسيم، يُعتبر «حق العودة» قانونيّاً استناداً إلى المواثيق والاتفاقيات الدولية، حيث نصت الفقرة الثانية، من المادة الثالثة عشرة في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، على أنّه: «لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده». وهو حقٌ لا يسقط بالتقادم، أي ينقضي مع مرور الزمن. ولا يحق لأي جهة رسمية التنازل عنه باسم الشعب؛ فالمادة الثانية من معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949، نصّت على أنّ «أي اتفاق بين القوة المحتلة والشعب المحتل أو ممثليه باطل قانوناً، إذا أسقطت حقوقه».
كان حق العودة حاضراً بقوة في الخطاب السياسي والشعبي الفلسطيني على امتداد سنوات الصراع، لكن بعد توقيع اتفاقية أوسلو، تراجع ذلك الحضور بشكل لافت، ولا سيما أنّ الاتفاق لم يأت على ذكره سوى في الفقرة الثالثة في المادة الخامسة، حيث وُضع على أجندة قضايا الحل النهائي، إلى جانب الحدود، والمياه، والقدس. وتعزّزت تلك المخاوف بعودة حوالى 130 ألف لاجئ من الشتات إلى الضفة الغربية وغزة مع عودة السلطة الفلسطينية.
وتزامن ذلك مع الإعلانات الإسرائيلية المتكرّرة بأنّ أي حل لقضية اللاجئين ينبغي أن يكون خارج حدود فلسطين المغتصبة، في إشارة إلى الضفة وغزّة. إضافة إلى ذلك، كانت قضية «حق العودة» مغيبة عن محاضر القمم والاجتماعات العربية، حتى لم يعد يُسمع لها صوت ولا صدى. ولم يكن الاجتماع الأخير للجنة المبادرة العربية في واشنطن إلا تجسيداً صارخاً على ذلك، حيث أغفلت الحديث عن «حق العودة»، رغم أن المبادرة تتضمن القرار 194.
في المقابل، قامت لجنة المبادرة العربية بتقديم تنازل مباشر لإسرائيل معلنة موافقتها على مبدأ «تبادل الأراضي». تنازلات كثيرة قدمها العرب على مدار السنوات الماضية، دفعت إسرائيل نحو مزيد من التعنت، ووضعت قضية اللاجئين على الهامش، حتى إنّ رأس الهرم في منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، قدّم تنازلاً على الهواء الإسرائيلي مباشرة عن حقه في العودة إلى مدينته، صفد، التي عاش فيها سني حياته الأولى، وعايش بشكل مباشر آلام النكبة واللجوء.
وفي لغة الأرقام والإحصاءات لمفهوم النكبة، فقد جرى تطهير 531 قرية ومدينة فلسطينية عرقياً، ودُمّرت بالكامل. وبلغ عدد سكانها المهجرين منها عام 1948 حوالى 805,067 لاجئاً. وفي آخر تقرير له، يقول جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني إنّ عدد الفلسطينيين عام 1948 بلغ 1.37 مليون نسمة، في حين قدر عدد الفلسطينيين في العالم نهاية العام 2012 بحوالى 11.6 مليون نسمة، وهذا يعني أن عدد الفلسطينيين تضاعف 8.5 مرات منذ أحداث نكبة 1948.
وفي ما يتعلق بعدد الفلسطينيين المقيمين حالياً في فلسطين، قالت مؤشرات جهاز الإحصاء إن عددهم بلغ في نهاية عام 2012 حوالى 5.8 ملايين نسمة. ومن المتوقع أن يبلغ عددهم نحو 7.2 ملايين، وذلك بحلول نهاية عام 2020، وذلك فيما لو بقيت معدلات النمو السائدة حالياً.
وبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية 2.7 مليون، وفي قطاع غزة 1.7 مليون نسمة وذلك في نهاية العام 2012. وقدّر الجهاز عدد الفلسطينيين الذين لم يغادروا وطنهم عام 1948 بحوالى 154 ألف فلسطيني، في حين يقدر عددهم في الذكرى 65 للنكبة بحوالى 1.4 مليون نسمة مع نهاية العام 2012. وأكد أن البيانات الموثقة تشير الى أن الاحتلال الإسرائيلي سيطر خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قام بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية. كما اقترفت قوات الاحتلال أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، وأدت إلى مقتل ما يزيد على 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
المصالحة الفلسطينية وتبادل الأراضي
بقلم: ماجد أبو دياك عن السبيل الأردنية
بالتوازي مع محادثات المصالحة الفلسطينية في القاهرة والتي انتهت بتفعيل هذه المصالحة خلال ثلاثة أشهر، انعقدت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في رام الله لتخرج علينا ببيان خطير يؤكد استعدادها لمبادلة الأراضي الفلسطيني، ولكن بعد الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وفي إطار حل شامل يضمن قيام دولة فلسطين فوق جميع أراضيها المحتلة وعاصمتها القدس!
لم تنتظر قيادة المنظمة التي لا تتمتع بشرعية شعبية حقيقية حتى إتمام المصالحة وتشكيل قيادة جديدة ومجلس وطني جديد، لتأخذ مثل هذا القرار المصيري، ولم تأخذ حتى موافقة المجلس التشريعي الذي جمدت عمله تحت حجة ما تسميه الانقلاب في غزة.
لهذه القضية دلالتان: الأولى أن قيادة السلطة التي تقود المنظمة لا تضع بحسبانها قضية المصالحة والدور الوحدوي الذي يفترض أن تسفر عنه وما يترتب عليه من مسار سياسي ينضبط بالثوابت بحدها الأدنى.
والثانية: أن هذه السلطة مستمرة بتقديم التنازلات للعدو وهي التي قبلت من قبل قضية التبادل من خلال اتفاقها مع حكومة أولمرت، وبالتالي قبولها لهذه الصفقة في حال اتفقت مع حكومة نتنياهو، وهذا ما أعطى للجامعة العربية مبرر إدماج هذا التنازل الجديد في المبادرة العربية التي أقرت عام 2002.
في الدلالة الأولى يتضح أن المصالحة المزعومة ليست إلا جسرا تتخذه السلطة للعبور نحو تفعيل المفاوضات وتقديم التنازلات للعدو، هذا إن قبل هذا الأخير بالمصالحة وبالتنازلات أصلا.
ونعود هنا لنكرر ما سبق وقلناه بأنه لا فائدة من مصالحة بدون برنامج سياسي موحد، وأن هذه المصالحة ستنهار مع أول اختبار سياسي لها. فإذا تجاوزت عتبة الفيتو الإسرائيلي فإنها لن تجتاز العقبة السياسية قطعا.
وفي الدلالة الثانية، فإن السلطة قبلت أصلا التعديلات على الحدود وشطبت برنامج الحد الأدنى (الانسحاب لحدود 67 بما في ذلك القدس وعودة اللاجئين) ولا تزال تحاول ترتيب العودة للمفاوضات مع حكومة نتنياهو كما كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، الذي قال قبل يومين إن مفاوضات سرية جمعته برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ومستشاره اسحق مولخو نهاية عام 2010 وبداية عام 2012 دون أن يسفر ذلك عن نتيجة.
ويبدو أن السلطة الفلسطينية حصلت على غطاء عربي لتنازلاتها الجديدة في ضوء مساومة الجامعة العربية موقف الإدارة الأمريكية في سوريا مقابل موقفها من فلسطين، وهو مسعى أيضا لم يكتب له النجاح أيضا، وذلك ببساطة أن إدارة بوش وضعت الموقف الإسرائيلي من سوريا كضابط لموقفها من الثورة السورية وتزويدها بالسلاح أو مساعدتها لها لإسقاط نظام بشار الأسد. هذا فضلا عن الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي في الملف الفلسطيني.
ولأن أي غطاء فلسطيني او عربي للتنازل عن أي جزء من فلسطيني باطل وغير قائم، فإن على قوى المقاومة ألا تنزلق عبر المصالحة لتسهيل تقديم السلطة الفلسطينية لأي تنازلات قد تضر بحق الأجيال في أرضها ووطنها، وأن تقوم المصالحة على أساس برنامج سياسي يمنع تقديم التنازلات للعدو.
هوان القدس
بقلم: أحمد يوسف أحمد عن الشروق المصرية
لم يجد «الإخوان المسلمين» خاصة ومعظم القوى الإسلامية عامة للرد على انتهاكات الصهاينة للقدس والمسجد الأقصى سوى تنظيم «مليونية» فى الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة الماضية. منذ قيام ثورة يناير فى مصر وبخاصة فى ساعاتها الأولى أصبح ما يسمى «بالمليونيات» أداة للحركة السياسية، ولم يعد يهم لاحقا عدد المشاركين فيها، فقد تراجعت أعدادهم إلى آلاف ثم مئات وعشرات، ولم تكن «مليونية الإخوان» أحسن حالا نسبيا، إذ لم يشارك منهم ومن أنصارهم سوى قرابة ألفين، وهو رقم بالغ الضآلة بالنسبة لتنظيم عُرف أساسا بالقدرة على الحشد، وبعد أن كان «الإخوان» يحاربون فى فلسطين بالفعل أصبحوا الآن يكتفون بالشعارات، مع أنهم فى 1948 كانوا فصيلا لا يملك سلطة أو قرارا، بينما هم الآن أصحاب الحكم وأهل السلطة.
تنوعت الشعارات التى رددتها المظاهرة، لكنه ذلك التنوع الذى يؤكد التشابه مع مظاهرات أخرى ليس من الضرورى أن تكون عن الصراع العربى ـ الإسرائيلى. رفعت المظاهرة الشعار الشهير: «عالقدس رايحين شهداء بالملايين»، وأضافت إليه شعارات أخرى مثل: «النهاردة يوم الأرض يا صهيونى يا منحط»، و«يا أقصانا لا تهتم هنخليها دم بدم»، و«الصهيونى عدو الله والأمريكى كمان وياه»، و«أمة إسلامية واحدة ضد السلطة اللى بتدبحنا»، وطالب المحتجون السلطات الرسمية فى مصر باتخاذ موقف حازم ضد إسرائيل كسحب السفير المصرى من تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلى فى القاهرة. ومن ناحية أخرى، شارك فى المظاهرة الدكتور محمد البلتاجى عضو المكتب التنفيذى لحزب «الحرية والعدالة»، وألقى كلمة جاء فيها: «إنهم يراهنون على أننا مشغولون بالثورة المصرية، لكننا نؤكد أننا أمة واحدة، فإخواننا فى سوريا والقدس وبورما وبنجلاديش كالجسد الواحد»، وشدد على أن المعركة الحقيقية هى تحرير فلسطين والقدس من أيدى الصهاينة، وأضاف ما هو أخطر وهو السعى لاستكمال السيادة على سيناء بشكل كامل على غير النحو الذى أرادوه لنا فى كامب ديفيد، ولذلك سنعمل على تحرير القدس والجولان والضفة الغربية، وطالب الرئيس محمد مرسى بتجهيز القوى اللازمة لمحاربة الكيان الصهيونى.
وإذا ناقشنا كل ما سبق بجدية ـ وهذا هو المطلوب أو لنصمت ـ لابد من الإشارة أولا إلى ملاحظتين مهمتين، أولاهما: أن ثمة انقساما داخل الصف الإسلامى، فعلى الجانب الأول شارك فى المظاهرة «الإخوان المسلمىن» ومعهم معظم الأحزاب الإسلامية الصغيرة، لكن السلفيين ـ وفى مقدمتهم «حزب النور» ـ لم يشاركوا، وإذا كنا لا نستطيع أن نوحد الصف الإسلامى وراء قضية كهذه فماذا نحن فاعلون إزاء قضايا ذات أولوية ثانية؟ والملاحظة الثانية: أنه إذا كان الموضوع الأساسى لهذه المظاهرة هو القدس والأقصى، فإن ثمة مشاركين غنى كل منهم على ليلاه، سواء كانت سوريا أو مسلمى ميانمار أو غير ذلك، وهذا على الرغم من أهميته يشتت الهدف ويبدد الجهد السياسى. ثم نأتى إلى الملايين التى ستذهب لتحرير القدس، والسؤال هنا إذا كان الحشد السياسى لم يقدر إلا على ألفى مشارك، فكيف يا ترى سنوفر الملايين للنضال والاستشهاد؟ ثم إن هذه الملايين لن تهرول إلى القدس، لكنها تحتاج إعدادا وتجهيزا، فأين تلك الاقتصادات العربية (القوية وليست الغنية) القادرة على مساندة هذه المهمة؟ أما بالنسبة لحديث الدكتور البلتاجى عن استكمال تحرير سيناء فهو حديث بالغ الخطورة والأهمية، وحسنا فعل أنه وجهه لرئيس الجمهورية، فهو القادر على ترجمته إلى فعل، لكن التنبيه واجب إلى أن هذه المطالب المشروعة لابد وأن تتضمن مواجهة على أخطر مستوى مع إسرائيل حتى ولو كانت فى حدها الأدنى، كتعديل المعاهدة معها، وبذلك هى تحتاج وضعا اقتصاديا قويا وتأمينا كاملا لشبه جزيرة سيناء، وكلاهما إما غائب أو غير مكتمل حتى الآن، ولذلك فإثارة هذه القضايا من باب «الشعار» مطلوبة بل ومرغوبة، لكنها بالتأكيد تنطوى على محاذير فى الفعل.
إن هذه المظاهرات يفترض أن تحمل رسائل للخصم بأن الصبر بدأ ينفد، غير أن ضآلة الأعداد المشاركة فيها ولا شك سوف تشيع مناخا من الارتياح والاطمئنان داخل صفوف العدو الذى لن تجد مثل هذه التظاهرات الهزيلة طريقها إلى تقارير مخابراته اللهم إلا إذا كان من باب إمساك الحجج على الجانب العربى وإظهار عدوانيته وعنصريته. ومع ذلك وجد أحد أعضاء اللجنة الإعلامية لحزب البناء والتنمية الجُرأة فى نفسه كى يقول إن «المليونية» تبعث رسالتين أساسيتين، أولاهما: لإسرائيل لتبصيرها بطبيعة الوضع العربى الجديد، وأن الوضع فى المنطقة لم يعد كما كان فى السابق، والثانية: للحكام العرب كى يتحركوا ويكونوا معبرين عن نبض شعوبهم لا عن إرادة الأمريكان، ويثبتوا لشعوبهم أنهم ليسوا نسخا مكررة لمبارك وبشار والقذافى وبن على، ومع ذلك فالغريب أنه مع وجود تقصير واضح من قبل النظم ـ كما يكشف عنه جوهر المظاهرة ـ فإنه حينما حمَّل أحد المصلين داخل الأزهر الأنظمة والحكام العرب والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى مسئولية ما يحدث تم التشويش عليه من شباب «الإخوان»، وكان واضحا على هذا النحو أننا إزاء مظاهرة «ثورية» و«رسمية» فى آن واحد.
إن كل ما سبق يعكس طريقتنا المألوفة فى مواجهة المخاطر ـ بما فى ذلك الجسيمة ـ بالمظاهرات والشعارات، وإذا كنا نريد لهذه التحركات الجماهيرية أن تحدث أثرا ما فلتكن «مليونيات» حقيقية تصل رسالتها إلى إسرائيل. وعلينا أن ندرك أن الخطر على القدس والأقصى ليس مصدره الكيان الصهيونى فقط، بل إنه قد لا يكون المصدر الرئيسى للخطر، لأننا شركاء أصليون فى هذا، فخطة الصهيونية فى فلسطين معروفة لنا منذ أكثر من قرن، ومع ذلك قابلناها بالسكوت أو العجز، أو على أحسن تقدير ببعض ردود الأفعال الهزيلة التى لا تغنى ولا تسمن من جوع، وليست هذه دعوة للإحباط وإنما للعمل الجاد والفعال، فمواجهة المخطط الصهيونى فى فلسطين عامة وفى القدس والأقصى خاصة تحتاج مقاومة، وقد كان لدى الفلسطينيين فى وقت من الأوقات مشروعات للمقاومة أهمها ما حملته «فتح» و«حماس»، وأطلقت «فتح» أولى رصاصاتها تجاه العدو فى 1/1/1965، وحققت مقاومتها للعدو إنجازات حقيقية إلى أن استُدرجت إلى نفق أوسلو، وتم التوصل إلى عدد من الاتفاقات مع العدو كان أهمها من منظور المقاومة أنها حولت القوة الضاربة «لفتح» إلى قوة شرطة مهمتها الحراسة وليس استكمال مهمتها التاريخية لتحرير الأرض. أما «حماس» فكان لها منذ النصف الثانى من ثمانينيات القرن الماضى مشروعها المقاوم الذى حققت فيه بدورها إنجازات يعتد بها، لكنها وضعت بيدها نهاية هذا المشروع بدخولها الانتخابات التشريعية فى 2006 وفوزها بها وتشكيلها حكومة السلطة الفلسطينية، ثم طردت «حماس» قوات «فتح» من غزة بعد صدام دموى فى 2007، وأصبح من واجباتها أن تدافع عن مؤسسات «دولة القطاع».
وعلينا لمواجهة الخطر الصهيونى على القدس والأقصى أن نستعيد روح المقاومة التى ضيعتها «فتح» و«حماس» على التوالى، وهو مطلب لا يريح المعتدلين الذين يفضلون مناخ الاستقرار ولو على حساب مقدساتنا، علما بأن المقاومة ليس من الضرورى أن تكون مسلحة، فهناك المقاومة المدنية بشتى صورها وأشكالها، فإن لم نفعل سيأتى علينا يوم نقول فيه إن آباءنا ضيعوا فلسطين، وأننا أضعنا القدس والأقصى.
في غزة شعب يستحق الحياة
بقلم: أنور صالح الخطيب عن الراية القطرية
تركت الزيارة التي قام بها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على رأس وفد من العلماء من عدد من الدول العربية والإسلامية إلى قطاع غزة أثرا جميلا وكبيرا في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الذين احتفوا بالشيخ وانتظروه على جوانب الطريق من مدينة رفح حتى مدينة غزة ليحيوه وليؤكدوا محبتهم له.
وبين لهفة أهل غزة على رؤية الشيخ والسلام عليه ولهفة وفد العلماء المسلمين لرؤية غزة ومصافحة أهلها وتقبيل رؤوسهم مضت الزيارة التي استغرقت أقل من 48 ساعة كلحظة واحدة فساعتها ودقائقها مرت كلمح البصر.
تطالعك في غزة الكرامة والعنفوان وتطالعك الوجوه الباسمة المرحبة بك والتي تستغرب استغرابك على قدرتها على صنع المستحيل رغم قلة الإمكانات والحصار المفروض على القطاع منذ سنوات فالمقاومة في غزة تفصيل يومي يقوم به شجعان غزة مثل أية ممارسة حياتية أخرى والمقاومة بالنسبة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة ليست في حمل السلاح فحسب بل في ممارسة الحياة بكل شغفها وجنونها وطقوسها .
في كل زاوية ومنحنى وشارع بل لا أبالغ إذا قلت انه في كل بيت في غزة هناك قصة تستحق أن تروى وأن يسمعها العالم قصص تختلط بها الدموع بالأحلام بالدماء بالمستحيل وبالممكن قصص تلخص مسيرة الشعب الذي يحييّ هذه الأيام الذكرى الخامسة والستين لنكبته وتشرده بعد أن تآمرت عليه دول العالم ومنحت أرضه وتاريخه وجغرافيته للعصابات والأفاقين .
بينما كانت الأكف الصغيرة لمئات الأطفال الفلسطينيين الذين اصطفوا على جوانب الطرق في غزة تلوح للقادمين مرحبة، مرت على ذاكرتي صور الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم الطائرات الإسرائيلية في حروبها المتكررة على قطاع غزة والتي كان آخرها حرب الأيام الثمانية. كان يمكن لهؤلاء الأطفال أن يكونوا على جانب الطريق أيضا يلوحون بأكفهم ويصنعون لغزة فرحها بالقادمين إليها،لولا أن يد الاحتلال سلبتهم حياتهم وطفولتهم.
في غزة التي يتجاوز سكانها الآن المليون ونصف المليون فلسطيني ثمة طعم مختلف للحنين للبيت والأرض وللجذور خاصة إذا كانت هذه الجذور تلوح من خلف الأفق فأكثر من ثلثي الفلسطينيين القاطنين في قطاع غزة هم من مدن فلسطين المحتلة عام 1948 من يافا ومن حيفا ومن الرملة ومن عسقلان ومن المجدل والقائمة طويلة ... وهم مازالوا حتى الآن يتوارثون حلم العودة إلى الجذور الذي لا ينطفئ والذي تتوارثه الأجيال..
أصعب ما على الفلسطينيين في قطاع غزة أن أضواء مدن المجدل وعسقلان مدن الجذور تطل عليهم كل مساء .. تذكرهم بالماضي الجميل الذي كان وربما تمنحهم الصبر والعزيمة وبعض السلوى هم يراقبونها بصمت فهم لا يستطيعون العودة إليها فدونها الحراس والمتاريس والاحتلال.
أنبل ما في أهل غزة ذلك الإصرار على العودة إلى الجذور مهما غلى الثمن فلكل فلسطيني كبيركان أم صغير دور يؤديه في معركة البقاء والصمود وفي الاستعداد لمعركة التحرير التي يرونها قريبة وقادمة.
في غزة... لا تنتهي الحياة بالشهادة بل تبدأ بها والشهداء حاضرون أبدا في شوارعها وفي منازلها وفي منتدياتها صورهم تنتشر في كل مكان خالدون في ذاكرة الناس الذين يتحدثون عنهم بلغة الحاضر والمستقبل لا لغة الماضي فثمة من يواصل المهمة وبنفس الإيمان والهمة بقداسة القضية التي يتصدى لها.
الحكايات في غزة وعن غزة لا تنتهي فهي علمت الدنيا معنى الصبر والصمود وبعزيمة أهلها انتصرت على المستحيل وعلى العدو المدجج بالسلاح معلنة أنها عصية على الأشرار.
الشعب الفلسطيني في غزة يعرف أن المعركة مع الاحتلال لم تنتهه بل هي بدأت ويعرف أن الطريق مازال طويلا لاستكمال الحلم وتحرير الأرض والعودة إلى الجذور لكنه رغم مشقة الطريق وصعوبته لا ييأس ولا يستسلم والانتصارات التي تحققت توطئة للانتصار الكبير والنهائي في تحرير الوطن والعودة إليه.
في غزة شعب اختار المقاومة طريقة للحياة وهو مؤمن أن هذا الطريق سيوصله في نهاية الأمر إلى استعادة أرضه وبلاده مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات... في غزة شعب يستحق الحياة..!!
سايكس- بيكو جديدة
بقلم: سهيل رستم عن الوطن السورية
يبدو أن أحلام بعض قادة فرنسا وبريطانيا مازالت تراودهم في العودة إلى سورية الطبيعية بعد أن اتفقوا على تقسيمها في الماضي فيما عرف باتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 ونفذتها الدولتان بعد أن كلفتا بالانتداب على سورية، إضافة إلى تفرد بريطانيا بوعدها إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. عام 1917، ويبدو أيضاً أن حصول الكيانات السورية على استقلالها (عدا فلسطين) لم يكن نتاج قناعة الدولتين، بل كان نتيجة الظروف الدولية بعد الحرب العالمية الثانية التي رسمت معالم جديدة للعالم، إضافة إلى ما واجه الانتداب من ثورات شعبية ومن حراك سياسي. لكن الاستقلال لم يرافقه عمل يعيد سورية إلى وحدتها الجغرافية ضمن حدودها الطبيعية التي كان قد طالب بها المؤتمر السوري بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وبقيت الكيانات مستقلة عن بعضها ودون تنسيق بينها لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا عسكرياً، بل على العكس حصلت خلافات ونزاعات بينها، وخاصة بين الشام ولبنان اللذين كانت تجمع بينهما المصالح المشتركة، كمصلحة الجمارك، والخط الحديدي، والوضع المصرفي.. وغيرها، والتي بقيت حتى إعلان القطيعة بينهما عام 1950، وعلى الرغم من ذلك بقيت مدينة طرابلس تطالب بالالتحاق بالشام واستمرت في ذلك حتى أوائل ستينيات القرن الماضي، والنتيجة أن الكيانات لم يكتب لها أن تلتقي على مشروع وحدوي على الرغم من وجود أحزاب كانت تدعو للوحدة وأبرزها الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي مازال مستمراً حتى الآن، وحزب الشعب الذي انتهى كتنظيم مع إعلان الوحدة بين مصر والشام، إضافة إلى الدعوة لمشروع سورية الكبرى الذي تبناه الملك عبد اللـه ملك الأردن، ومشروع الهلال الخصيب الذي تبناه العراق بقيادة نوري السعيد. وجميع هذه المشاريع لاقت مقاومة من القوى السياسية الأخرى بذريعة أنها مشاريع استعمارية، متجاهلة أن الأنظمة الاستعمارية هي التي قسمت البلاد. ومع ذلك طرحت مشاريع وحدوية ثنائية مطلع الستينيات بين الشام والعراق، ومطلع السبعينيات بين الشام والأردن، ولكن لم يكتب لها الاستمرار، وكذلك مطلع التسعينيات بإعلان الشام ولبنان عن تشكيل (المجلس الأعلى السوري اللبناني) الذي أحدث لتنسيق العلاقات بين الكيانين، والذي يلاقي مقاومة من بعض القوى السياسية في لبنان، لكنه ما زال مستمراً في عمله.
إذاً، اتفاقية سايكس- بيكو المستمرة حتى الآن يبدو أنها لم تعد كافية لساسة بريطانيا وفرنسا، بل يريدون إعادة تقسيم المنطقة من جديد واقتسام النفوذ بينهما فيها، ويتوافقون في ذلك مع أردوغان وحلمه بنصيب من شمال الشام كما حصل في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي عندما تخلت فرنسا المنتدبة على الشام عن المنطقة الشمالية لتركيا التي تبلغ مساحتها نحو (180) ألف كيلو متر مربع، ولم أعرف حتى الآن ما مصالح السعودية وقطر في ذلك.
ولن أتعرض الآن بالتفصيل لما يطرح عن مشروع سايكس- بيكو الجديد الذي يردده المحللون السياسيون ويبدون تخوّفهم منه. لكن ما أريد قوله إن التوجه للوقوف في وجه هذا المشروع الذي يبدو ملحاً الآن بسبب الحرب الكونية المعلنة على الشام أولاً وعلى كيانات سورية الطبيعية ثانياً، لا يكون بالاكتفاء بإعلان التخوف من المشروع والتوقف عند ذلك. بل لا بد بعد انتهاء الأزمة من العمل الجاد لإلغاء مفاعيل سايكس- بيكو القديمة، إذ إن كل الأحداث التي جرت والتي تجري منذ تنفيذ تلك الاتفاقية وحتى الآن تثبت أن هذه المنطقة وحدة جغرافية إستراتيجية، وإن ما يتعرض له أي كيان منها ينعكس مباشرة على الكيانات الأخرى، وإن الحرب الأخيرة على الشام والحرب التي شنت على العراق هما دليل قاطع على ذلك.
إن إلغاء مفاعيل معاهدة سايكس- بيكو لا يقصد منه إقامة وحدات قسرية، بل يعني ترسيخ ثقافة الوحدة التي تؤدي إلى وعي الشعب في الكيانات لأهميتها وليقررها هو بقناعته، أو ليتجه على الأقل إلى إيجاد تنسيق بين الكيانات في المصالح الأساسية ومنها الاقتصادية والدفاعية والتربوية والإعلامية، التي تهيّئ فيما بعد إلى الوحدة التامة التي يكون لها وزنها في مجرى السياسة الدولية، بحيث تتمكن من الوقوف أمام المشاريع الدولية الطامعة في تقسيمها والهيمنة عليها. ولا يعني هذا ابتعادها عن كيانات العالم العربي، بل يعني تمكنها من المساهمة في تصحيح مسار السياسة فيه والتوافق على رؤية توحّد اتجاهه في التصدي لما يرسم له من مشاريع الهيمنة عليه.
مما سبق، أريد القول إنه آن الأوان أن ننتقل من مرحلة طرح الشعارات إلى مرحلة العمل الجاد المدروس والمنظم للوصول إلى ما يحقق مصالحنا الداخلية ومصلحة استمرار وجودنا المهدد من القوى التي مازالت تنزع إلى الهيمنة والسيطرة على غيرها، والتي مازالت تحكمها نزعة الحرب والتنازع على المصالح بدل نزعة التفاعل بين المجتمعات والتفاهم على المصالح والإقلاع عن الحروب المهلكة لكل الشعوب، وإذا ما أردنا مواجهة ما يرسم لنا فإن العمل للوحدة هو الضامن الأساسي لذلك، كما أن الضامن الأساسي لتقدم البلاد وارتقائها.