-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 425
اقلام واراء عربي 425
16/6/2013
في هذا الملف
محمد خليفة- الخليج الإماراتية
هاشم عبدالعزيز-الخليج الإماراتية
- نكبة فلسطينية جديدة في «منطقة» النقب؟
د. اسعد عبد الرحمن- الرأي الأردنية
- طيّب.. ماذا عن «الجهاد» في فلسطين ؟
محمد خروب-الرأي الأردنية
- من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013
خالد الحروب- كاتب وأكاديمي فلسطيني - الحياة اللندنية
- العريفى والإخوان لتقسيم سوريا
سعيد الشحات- اليوم السابع
- لا لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية دفعة واحدة!
فيصل القاسم- الشرق القطرية
المسجد الأقصى يستغيث
محمد خليفة- الخليج الإماراتية
أعلنت “إسرائيل” أنها ستبني ألف وحدة استيطانية في القدس المحتلة، وقال مدير مرصد “تراستريال جيروزاليم”، الأسبوع الماضي، إنه تم توقيع عقود لبناء 300 وحدة استيطانية في مستوطنة “راموت” و797 في مستوطنة “جيلو”، وتقع هاتان المستوطنتان في القدس . وفي تقرير بالغ الأهمية ل “المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة” (الإيسيسكو)، كانت هناك إشارة واضحة لما يحدث من ربط بين الآثار وحركات الاستيطان من خلال محاور الحفريات “الإسرائيلية” في القدس، أولها محور الحرم الشريف والمنطقة المحيطة به، وعلى مساحة واسعة نتيجة تدمير حارة المغاربة .
وحفريات القدس تتوازى مع التمدد الاستيطاني ومحاولات السيطرة على العقارات في البلدة القديمة، وخاصة في منطقة الخليل . وبالنسبة للحفريات داخل البلدة القديمة فهي ترتكز في تلة باب المغاربة وتهدف إلى إزالة معوقات الآثار أمام إدارة حائط المبكى لتوسيع الساحة التي تقع أمام حائط البراق، وهي أكثر الحفريات تأثيراً في الهوية الثقافية العربية للقدس، ورغم أن البلدة القديمة توجد على لائحة التراث العالمي للمواقع التاريخية التي يصبح بموجبها ممنوعاً منعاً باتاً البناء فيها بالأشكال كافة .
وقد ناشد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي السابق إحسان أوغلي الدول الإسلامية الأعضاء بالمنظمة إلى عقد مؤتمر مانحين خاص بمدينة القدس الشريف؛ على أساس الخطة الاستراتيجية لتنمية القطاعات الحيوية، من خلال تشكيل شبكة أمان مالية إسلامية لتعزيز الوجود العربي الفلسطيني في مدينة القدس . وكانت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث أيضاً قد حذّرت من ممارسات الاحتلال المتصاعدة بحق المسجد الأقصى المبارك، والتي يحاول المحتل “الإسرائيلي” من خلالها فرض أمر واقع، داعية الأمة الإسلامية إلى أخذ زمام المبادرة وتحمل مسؤوليتها تجاه اولى القبلتين في الدفاع والحفاظ على حرمة الأقصى .
ومع كل يوم يمر تقترب “إسرائيل” من تحقيق حلمها التوراتي المتمثل بهدم المسجد الأقصى، وإقامة ما يسمى هيكل سليمان مكانه . وطبعاً لن تقوم “إسرائيل” بقصفه بالقنابل الذكية، بل تعمل على تحقيق هذا الهدف بخبث ومكر؛ عن طريق حفر الأنفاق، وتفريغ الأرض تحت المسجد حتى يسقط من تلقاء نفسه . وعند ذلك تمنع الفلسطينيين من بنائه من جديد، وتقوم هي ببناء الهيكل المزعوم مكانه . وهذا المشروع “الإسرائيلي” ليس سراً، بل مازال الفلسطينيون المهتمون بشؤون الأقصى يحذرون منه ليلاً ونهاراً، وسط سمع وبصر العرب والمسلمين، المشغولين بهموهم الداخلية، متناسين قولتهم الشهيرة (إن القدس-وليس فلسطين- هي قضية العرب الأولى) . لقد كان حرياً بمؤتمرات التعاون الإسلامي أن تتخذ قرارات قوية بشأن الانتهاكات “الإسرائيلية” المتكررة في القدس والأقصى الشريف، هذه الانتهاكات المتكررة لم تُقابل حتى بالشجب أو التنديد، لا على المستوى العربي والإسلامي، ناهيك عن المستوى الأممي .
لقد نسي المسلمون-أو تناسوا- أن قمة التعاون الإسلامي قد أُنشئت عام 1969 خِصّيصاً للذود عن حياض الأقصى الشريف والقدس وفلسطين، فإذا لم تكن مؤتمرات منظمة التعاون الإسلامي غير مهتمة بشأن هذه المقدسات، فمن إذاً سيهتم بها؟ هل ستقوم دول الغرب- الحليف القوي- التي تدعم “إسرائيل” قولاً وفعلاً بمنعها من تدمير المسجد الأقصى؟ ليت الأمر اقتصر على هذا- غياب الدعم العربي والإسلامي- لعددناه هيّناً-وهو غير ذلك-؛ بل إن أًصحاب القضية -الشعب الفلسطيني- قد تفرقوا أيدي سبأ، ومن الصعب -وأتمنى ألا يحدث- أن يجمعهم جامع . فكل فريق منهم منشغل بكيل التهم الفارغة إلى الفريق الآخر، فالشعب ممزق بين حكومة غزة وحكومة الضفة، والحكومتان ليس لهما من السلطة إلا الاسم؛ أما الحقيقة فهي أن “إسرائيل” تمسك بزمام الشعب كله، المحتل والمحاصر . ففي الضفة الغربية هناك احتلال “إسرائيلي” مباشر وقطاع غزة محاصر من “إسرائيل” المحيطة به أيضاً، فإذا قطعت عنه الكهرباء أظلم، وإذا قطعت عنه الوقود تعطلت الحركة فيه . وأما المنظمات الفلسطينية الأخرى في الشتات فهي لا تملك من أمرها شيئاً، ولا تستطيع سوى الكلام من بعيد . وبين ذهول المسلمين وضياع العرب وتشتت الفلسطينيين، تضيع القدس التي لم يكن فيها صهيوني واحد قبل عام ،1967 أما اليوم فإن أكثر من ستين في المئة من سكانها يهود، أما الفلسطينيون فهم أقل من تسعة وثلاثين في المئة، واليهود في تزايد مستمر، والهجرات مازالت متوالية، والفلسطينيون في تناقص مستمر بسبب التضييق عليهم، ومنعهم من بناء المنازل، أو تجديد بناء ما تهدم منها .
إن مما يزيد القلب حزناً وألماً أن الأمة العربية اليوم باتت مشغولة بتكفير بعضها بعضاً، وقتال بعضها بعضاً، فقد انقسمت فرقاً وأحزاباً وجماعات؛ سنة وشيعة، أكراداً وعرباً وأمازيغَ، إسلاميين وعلمانيين، ويساريين وقوميين . حتى داخل التيار الواحد؛ هناك اتجاهات، فتيار الإسلام السياسي منهم سلفيون وإخوان، ووسطيون . وهكذا قُسم المُقسّم، وتشتت المشُتت . بينما اليهود -أغلبهم للإنصاف- مشغولون بأرض الميعاد، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل خدمة دولة “إسرائيل” أيا كان موقعهم، ومهما كانت مشاغلهم . أما المسلمون فقد نسوا أن لهم قضية هي فلسطين، ونسوا أن لهم قبلة أولى هي المسجد الأقصى، ومشوا خلف قوى الظلام العالمية التي لا يهمها من كل البشر سوى الصهيونية، ولا يهمها إن بقِيَ المسجد الأقصى، أم لم يبقَ، أو ظلت القدس العربية أم تغيرت معالمها .
إن أمة الإسلام أصبحت اليوم على شفير الهاوية، ونجاتها بيدها عن طريق الأخذ بسبل الحكمة والعقل، وتغليب الحق على الباطل، والسعي بكل قوة لنصرة الشعب الفلسطيني المظلوم، ونصرة الأقصى . فهل يترك المسلمون الأقصى لمصيره؟ أم أن خير هذه الأمة لم يزل فيها، وأن اشتداد الظلمة دليل على قرب انبلاج الفجر؟ .
"أوسلو" ثانية
هاشم عبدالعزيز- الخليج الإماراتية
إذا لم تحدث مفاجآت، يصل إلى منطقة الشرق الأوسط هذا الأسبوع وزير الخارجية الأمريكية جون كيري في جولة هي الخامسة له منذ توليه أركان الدبلوماسية الأمريكية، ولكنها قد تعد الأولى بعد أن كانت جولاته السابقة جرت في سياق استطلاع الأمور وإجراء اللقاءات والمشاورات، وهي بحسب التقديرات الأمريكية، أفضت إلى دعوة الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” إلى العودة إلى المفاوضات .
في النظرة إلى الوتيرة الدبلوماسية الأمريكية الرئاسية والوزارية العالية، لا تبدو الإدارة الأمريكية “حريصة” على كسر الجمود الذي أصاب هذه العملية التي تجري برعايتها منذ سنوات عديدة وحسب، بل لديها الرغبة في إحراز “إنجاز” .
شيء ما يثير العديد من التساؤلات ومن ذلك:
هل لدى كيري ما هو جديد؟ وما الدوافع الحقيقية لهذه ال”يقظة” الأمريكية الناشطة بهذا القدر من التحركات؟ خلال جولاته الأربع إلى المنطقة لم يقدم جون كيري أي جديد أمريكي يمكن البناء عليه في شأن الأزمة بقضاياها، ولا في شأن المفاوضات بموضوعاتها ومرجعيتها وسقفها الزمني وضمان الالتزام بتنفيذ نتائجها .
واللافت أن الإدارة الأمريكية تندفع بتحركها راهناً في شأن العودة إلى المفاوضات لا من تقدمها في شأن هذه العملية بل من تراجعها، وهذا ما يمكن لمسه بتراجع الرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته في جولة رئاسته الأولى، عن شروط الإيقاف “الإسرائيلي” الكامل والشامل للاستيطان، وهذا لم يكن تجاوباً أمريكياً مع المطالب الفلسطينية والعربية قدر ما كان الأمريكيون يقدرون الأمور من دورهم الذي عاد إلى طبيعته، وهو ناطق بلسان أمريكي بالعودة إلى المفاوضات بلا شروط في نطق صريح باللغة العبرية .
ما يجري الآن أن أمريكا أقرب إلى إعادة إنتاج “أوسلو”، فمسؤولوها ينظرون إلى أنهم تمكنوا من حماية اتفاق “كامب ديفيد” المصري- “الإسرائيلي” واتفاق وادي عربة الأردني- “الإسرائيلي”، لكن اتفاق “أوسلو” الذي مضى عليه 20 عاماً فشل في الإيحاء إلى أن الاتفاقات التي ترعاها تبقى صامدة .
المعلوم أن اتفاق “أوسلو” فاجأ جهات أمريكية، لكن فشله لا يعود إلى غياب الرعاية الأمريكية، بل إلى طبيعة الاتفاق الذي لم يحسم قضايا أساسية وإلى السياسة الصهيونية المدعومة أمريكياً، وهذا جرى في ظل الاستفراد الأمريكي لا بشأن هذه الأزمة بل وشؤون هذه المنطقة .
كانت بداية انهيار “أوسلو” بالالتفاف على الاتفاقات الفلسطينية- “الإسرائيلية” التي دخلت دوامة توليد اتفاقات على الاتفاقات بدلاً من المضي في تنفيذها، وترافق هذا مع موجة عدوانية للاحتلال متصاعدة ومتوسعة في حرب مفتوحة على الفلسطينيين لتحطيم إرادتهم حيث استعاد الاحتلال ممارساته التنكيلية في الأراضي التي قيل إنها تحت مسؤولية السلطة الفلسطينية، وعلى مدى سنين متواصلة كان الفلسطينيون في استهداف لوجودهم وليس بحرمانهم من أبسط متطلبات الحياة فقط، وكانت عربدة الاحتلال في مطاردة واعتقال واغتيال خيرة أبناء هذا الشعب ممن كرسوا حياتهم لاستعادة الحقوق المسلوبة، والموجات العسكرية التدميرية المتلاحقة، وبخاصة على غزة بما خلفت من ضحايا ودمار في جرائم حرب ضد الإنسانية، وبات الوضع الفلسطيني بعد “أوسلو” أسوأ بمرات عدة عما كان قبله، وحصار عرفات واستهدافه من شواهد هذا الوضع المأساوي .
سنوات “أوسلو” كانت حافلة بالجرائم الصهيونية وهي ستبقي على سياسة النهب والسلب لأراضي الفلسطينيين وتهجيرهم وتشريدهم في محاولة لاقتلاع وجودهم، وترافق هذا مع الموجة الكاسحة للاستيطان التي تضاعفت خلال هذه السنوات مرات عدة وصارت مدينة القدس هدفاً بذاتها استيطاناً وتهويداً وتشريداً لأبنائها .
السؤال هو: ماذا كان الموقف الأمريكي من كل ما جرى من قبل الاحتلال الصهيوني خلال هذه السنوات التي تدعي الولايات المتحدة أنها ترعى التسوية؟
للولايات المتحدة موقف ثابت يقوم على حماية “إسرائيل”، والحماية ليس من عدوان عليها، لأن أحداً لا يعتدي على معتد، بالأساس هي تحمي “إسرائيل” بجرائمها أمام الرأي العام الدولي والإنساني، والأهم من هذا لولا المساعدات الأمريكية ما كانت “إسرائيل” في هذا النهم والشراهة من الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والتوسع والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني .
لقد أدى الموقف الأمريكي المزدوج إلى تحويل المفاوضات إلى حالة عبثية . كان الفلسطينيون يواجهون الضغوط الأمريكية والابتزاز الصهيوني وجرى ذلك في ظل وضع عربي أغلب بيوضه في السلة الأمريكية، والنتيجة لم تكن قاصرة على فشل “أوسلو” . وإذا كان شراء التنازلات غير الطبيعية الذي يجري الآن بوتيرة عالية، بمقدوره إنجاز “أوسلو” في طبعة ثانية، فهو غير قادر على إلغاء الحقائق الثابتة والقائمة وفي الأبرز بعد 65 عاماً من النكبة وليس خلال 20 عاماً من لعبة “أوسلو” . هنا القضية التي يتجاهلها الأمريكيون وهم يمارسون ازدواج تسويتهم بين مكافأة المجرم وبين الإمعان في النيل من الضحية، ومن هذا يجري الآن إعادة إنتاج “أوسلو ثانية” بصناعة أمريكية وتنازلات عربية ولكن بمعايير “إسرائيلية” .
نكبة فلسطينية جديدة في «منطقة» النقب؟
د. اسعد عبد الرحمن- الرأي الأردنية
حسنا فعلت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في فلسطن 1948 حين دعت يوم الثلاثاء المنصرم 11/6 إلى توفير أكبر مشاركة جماهيرية لإنجاح الإضراب العام الذي سيعم منطقة النقب. ففي الوقت الذي يسلط فيه الاعلام العربي والفلسطيني الضوء على تهويد مدينة القدس ومدن الضفة الغربية المحتلة والأغوار ومنطقة الجليل في شمال فلسطين الواقعة ضمن ما يسمى «الخط الأخضر»، قلما يسلط الضوء على منطقة النقب على الرغم من حيوية هذه المنطقة وأهميتها ضمن المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي، والتي تبلغ مساحتها حوالي 13 مليون دونم, أي أكثر بقليل من نصف مساحة فلسطين التاريخية.
فور الإعلان عن نتائج انتخابات الكنيست التاسعة عشرة, وفشل حزبي «الليكود» و»إسرائيل بيتنا» في تحقيق الفوز بأغلبية مريحة تمكنهما من تشكيل حكومة وفقا لشروطهما, خشي رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) أن تعوق التركيبة المرتقبة للحكومة إقرار أخطر مخطط ترانسفيري كولونيالي اقتلاعي يستهدف تهجير أهالي النقب، لذلك سارعت حكومته الانتقالية بإقرار توصيات الوزير (بيني بيجن) على مخطط «برافر الاستيطاني», الذي صادقت عليه الحكومة في 11/ 9/ 2011، بحيث تصادر الحكومة الاسرائيلية حوالي 800 ألف دونم وتسجلها باسم دائرة أراضي إسرائيل, من خلال ترحيل العرب البدو من القرى غير المعترف بها (45 قرية), ويعيش فيها قرابة 100 ألف شخص, وجميعها تفتقد لمستلزمات الحياة الضرورية أصلا, وتعد أسوأ حالا من القرى السبع المعترف بها, حيث يعيش بها أيضا ما يقارب العدد السابق, وذلك من خلال تجميعهم على أقل من مئة ألف دونم في منطقة السياج الممتدة من رهط شمالا حتي ديمونا جنوبا، بهدف إقامة 11 تجمعا سكانيا يهوديا على أنقاض البلدات العربية.
لقد اعتبر النائب العربي السابق في «الكنيست» ورئيس لجنة التوجيه العليا لفلسطينيي النقب (طلب الصانع) أن «المصادقة على مسودة قانون «برافر» وتقديمه للكنيست للتصويت عليه، هو بداية التأكيد على نكبة جديدة لعرب النقب. وأنه المخطط الأخطر الذي يواجه فلسطينيي 48 منذ احتلال أرضهم قبل 65 عاما، لأنه في حقيقته مخطط تهجير جديد وعملية ترحيل جديدة، ومصادرات جديدة لأراضي عرب النقب. فتنفيذ هذا المخطط يعني مصادرة 90% مما تبقى من أراضي بأيدي عرب النقب، أي حوالي 860 ألف دونم، وهذا يشمل كل الأراضي العربية في منطقتي النقب الغربي والجنوبي، وتهجير عشرات القرى العربية وهدم آلاف البيوت». وختم (الصانع): «الجديد في مخطط «برافر»، أنه يتم بقوة القانون، أي أننا نتحدث عن عملية تطهير عرقي بقوة القانون وترانسفير من قبل حكومة إسرائيلية عنصرية ضد مواطنين يحملون هويتها».
مخطط «برافر» يسعى، كغيره من المخططات السابقة, إلى إحداث تغييرات جغرافية وديمغرافية لصالح خطط التهويد, بمنع التواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة, وذلك من خلال بناء مستعمرات/ «مستوطنات»، فضلا عن بناء مراكز عسكرية واستخباراتية. كما أن الدولة الصهيونية ترى أن بقاء عرب النقب على أراضيهم يساهم مع الأيام في التواصل الجغرافي مع غزة، ما يهدد الصبغة اليهودية التي تسعى لها الدولة الصهيونية. من جانبها، ذكرت صحيفة «معاريف» على لسان البروفيسور الإسرائيلي (يرمياهو برنوير): «أنه من المتوقع أن يتم توطين حوالي (250) ألف مهاجر يهودي جديد في منطقة النقب، في الوقت الذي خطط فيه شارون، أيام حكومته، لتوطين مليون يهودي».
منطقة النقب تتعرض بشكل مستمر ومبرمج إلى تغيرات جغرافية وديمغرافية وسلب وتهويد للأراضي بغية تهويدها بصورة لا تقل فداحة عما يجري من استيلاء وتغيير للحضارة العربية والإسلامية في القدس المحتلة. ووفق صحيفة «هآرتس» في مقال افتتاحي في 19/5/2013، «أن ما يجري إنما هو جزء من صراع عنيد تديره الحكومات الإسرائيلية على صياغة الوعي التاريخي، في محاولة لطي التاريخ الذي لا يريحها في النسيان، ونفي مسؤوليتها عن عمليات التطهير العرقي ونشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين».
إن تطبيق مخطط «برافر» في النقب، يضيف مأساة جديدة إلى مآسي الفلسطينيين داخل ما يسمى «الخط الأخضر» بحيث لا تكفي للرد عليه بيانات الشجب من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وإن كنا نحن «بعيدين»، ولا يحق لنا إملاء ما على فلسطينيي 48 عمله، إلا أن المطلوب هو عمليات مساندة من كافة مدن فلسطين 48 للنقب، للوقوف بحزم في وجه هذا المخطط من خلال رفع سقف الاحتجاج ومؤازرة أهالي النقب في دفاعهم عن أرضهم. ذلك أن عملية تهجير عرب النقب باتت من أهم مشاريع التهويد وأخطرها التي وضعت ونفذت على نطاق واسع، حيث تعتبر هذه المنطقة - من وجهة النظر الإسرائيلية - موقعاً طبيعياً لتطوير الصناعة والسياحة والزراعة، ومن ثم استيعاب مئات الآلاف من الغزاة اليهود القادمين من شتى أنحاء العالم.
طيّب.. ماذا عن «الجهاد» في فلسطين ؟
محمد خروب-الرأي الأردنية
«فجأة» اكتشفت تيارات الاسلام السياسي، ان ما يجري في ارض الشام هي حرب معلنة على «الاسلام والمسلمين عامة»!!.. لكنهم هؤلاء تحديدا الذين التقوا تحت راية السلفيين ممثلين بـ»المجلس التنسيقي الاسلامي العام» ولكم ان تتخيلوا كيف تُخْتَرع هذه الأسماء ويجري تضخيمها والنفخ فيها على نحو يصبح العضو فيها قادرا على اصدار فتاوى القتل والتكفير والجهاد محتكراً الاسلام والحقيقة ومهدرا دم كل من يعارضه الرأي بعد ان يكون قد اتهمه بالإلحاد والعمالة والافتراء على الدين الذي هو وحده «وصي عليه». نقول: هؤلاء تحديدا هم الذين صمتوا ستة عقود على احتلال فلسطين وتشريد شعبها وهم في معظمهم صناعة الانظمة وأجهزتها وهم اصحاب الخطاب الذي يجتزئ النص القرآني ليشكل مظلة لانظمة الفساد والإفساد والطغيان «.. وأولي الأمر منكم» والمنابر والمنصات والحناجر جاهزة ومعروفة وموصوفة.
ما يجري في بلاد الشام (فقط منذ عامين ونيف) هو حرب مُعلنة على الاسلام والمسلمين والذين يشنونها ليسوا اليهود ولا النصارى، بل هم كفرة حتى لو شهدوا الشهادتين وحجّوا بيت الله وأتوا الزكاة وصاموا رمضان وحرصوا على اداء الصلاة بما هي عماد الدين، بل هم اشد كفرا من الذين قال المولى عز وجل «لن ترضى عنك اليهود» اما تهويد القدس وإعلانها عاصمة أبدية لاسرائيل ورفع نجمة داود على المسجد الأقصى والحفريات التي لا تتوقف تحت المسجد الأقصى الذي تكفي هزة أرضية بدرجة نصف من واحد صحيح من مقياس ريختر لتقويضه، ناهيك عن العبث بمقبرة مأمن الله واقامة كنيس يهودي ومرآب للسيارات وتدنيس ما تبقى من قبور لأولياء صالحين وصحابة فاتحين، فهذا كله لا يستدعي اعلان الجهاد او حتى الادانة في البيان «العرمرم» الذي صدر عن «العلماء» في القاهرة حيث يحكم الاخوان المسلمون ويتحكمون، والذي تفوح منه رائحة التحريض والشحن الطائفي والمذهبي والمراد به ايقاع الفتنة بين المسلمين وتحويل انظارهم عن مشروع «التمكين» الذي وافقت عليه واشنطن لمنح جماعات الاخوان المسلمين «فرصة» الحكم وايهام الشعوب العربية ان ليس امامها سوى نبذ الارهاب والتخلي عن الاسلام الفاشي (هل تذكرون كلمات جورج بوش الابن؟) واعتماد الاعتدال والتصالح مع اسرائيل والطمس على أي خطاب عروبي وحدوي نهضوي، يعيد للشعوب العربية حريتها ويطيح انظمة الفساد والافساد وترك من عاثوا بالارض فساداً ونهبوا الثروات الوطنية وارتهنوا سيادتها، يتعفنون في السجون ويتكللون بالعار..
هل قلنا التصالح مع اسرائيل؟
نعم.. سلفيو مصر الذين نظموا مؤتمر التحريض الأخير واصدروا «هم ورهط العلماء» البيان الفتنوي الداعي للجهاد في سوريا وتحويل الصراع مع العدو الصهيواميركي الى صراع سني شيعي، هم الذين قالوا في شهر ايار الماضي على لسان مساعد رئيس الجمهورية في مصر ورئيس حزب «الوطن» ان لا مشكلة لدينا في السلام مع اسرائيل.. هكذا وبالحرف الواحد، قال عماد عبدالغفور، الذي ساعد اخوان مصر في انشقاقه عن حزب النور، الذي كان اسهم في تأسيسه بعد ثورة 25 يناير، ذلك الحزب ايضاً (النور) سار على الدرب ذاته، ولكن عبر البوابة الاوروبية لتأهيل وتسويق نفسه، بديلاً عن جماعة الاخوان المسلمين، التي رسا عليها العطاء الاميركي لاختطاف ثورة 25 يناير وصرفها عن مسارها وادخال الشعب المصري في اتون فتنة افقية وعامودية يقف على رأسها تفتيت عنصري الامة (المسلمون والاقباط)..وتقديم الضمانات لاسرائيل التي يرأسها صديق مرسي العزيز، شمعون بيريس.
نحن اذاً امام جدول اعمال جديد قرره للمنطقة من اسموا انفسهم «علماء الامة» الذين اطاحوا كل منجزات وتراث الجامع الازهر والحوار بين المذاهب الاسلامية، وجعله وسيلة وحيدة لحل الخلاف بين اتباع الاله الواحد وكتابه الكريم وسنة رسوله خاتم الانبياء، بل إن هؤلاء «العلماء» طالبوا حكومات الغرب والمسلمين بالوقوف «الموقف الحاسم ضد النظام السوري المجرم وسرعة دعم الثوار السوريين»، أي انهم يتوسلون مساعدة الغرب الاستعماري المتصهين الذي يضع امن وحماية وتفوق اسرائيل النوعي والكمي على رأس اولوياته، فهل هي مصادفة هذه المطالب العلمائية؟ ام مجرد استعانة بالشيطان «المتصهين» لهزيمة الشيطان الاكبر الذي غدا في نظر هؤلاء رهط الكفرة الشيعة ومَنْ حالفهم؟
تدرك الشعوب العربية والاسلامية جيداً طبيعة ومغزى حملات موسمية مبرمجة كهذه، وهي انْ نَسِيَتْ فلن تنسى ان هؤلاء «العلماء» لم يحركوا ساكناً ولو بأضعف الايمان، ضد عتو اسرائيل وظلمها للشعب الفلسطيني واحتلالها لأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فضلاً عن تلك الحملات «المقدسة» التي جرّدوها ضد الملحد السوفياتي، الذي شن عدواناً سافراً (الكلمات المعسولة ذاتها) على الاسلام والمسلمين في افغانستان، فيما واصلت اسرائيل تهويدها وتعميق احتلالها لكامل فلسطين ولم نسمع عنهم وكل تيارات الاسلام السياسي أي دعوة الجهاد او حتى تمنيات بالصلاة في المسجد الاقصى، مقارنة بمن تمنوا ان يُصلّوا قريباً في ... المسجد الأموي!!.
من مؤتمر باريس العربي 1913 إلى «عرب آيدول» 2013
خالد الحروب- كاتب وأكاديمي فلسطيني - الحياة اللندنية
قبل مئة عام تماماً، اي في حزيران (يونيو) 1913، عقد «المؤتمر العربي» في «الجمعية الجغرافية» في سان جيرمان باريس، مدفوعا بأحلام التحرر من قبضة الاستبداد التركي واستعار حملة التتريك التي رافقت انهيار العثمانية، ولمجابهة الاحتلال الكولونيالي الذي كان يقف على الحدود منتظراً لحظة الانهيار الاخير لدولة الآستانة وليرث اراضيها والبلدان التي سيطرت عليها. وللتأمل في القرن الطويل الذي انقضى على تلك المناسبة المفصلية في تشكل الفكر القومي العربي اجتمع في مطلع هذا الشهر نحو اربعين مثقفاً ومثقفة في مدينة باريس نفسها، وفي قاعات المعهد العربي عند التقاء شارعها الاشهر السان جيرمان مع نهر السين، تحت عنوان «مئة عام على القومية العربية: رؤى نقدية وآفاق مستقبلية».
في الاسبوع نفسه ومقابل هؤلاء الاربعين مثقفاً كان هناك نحو اربعين مليون مشاهد يتابعون برنامج «عرب آيدول» الاستعراضي والذي يكشف عن مواهب غنائية شابة من العالم العربي. في الاسبوع نفسه ايضاً، عقد في القاهرة «المؤتمر القومي العربي» الذي يعد الواجهة الرسمية للقوميين العرب والناطق باسمهم. المحطات الثلاث: الفكرية والفنية والسياسية تستدعي المُقارنة، وتشير إلى مفارقات كبرى في ما يتعلق بالإخفاق المريع لـ «العروبة السياسية» مقابل الاستدامة المُدهشة لـ «العروبة الثقافية».
«مؤتمر باريس» الذي عقد قبل قرن كامل في مناخ سياسي اتسم بالاضطراب الامبراطوري الهائل، وصراع القوى الكبرى على ارض العرب، حضره 23 مندوباً كانوا اساساً من بلدان المشرق، سورية والعراق ولبنان وفلسطين، ومراقبون من مصر وأقاليم اخرى.
ويُشار دوماً إلى الخمسة الذين كانوا المنظمين الفعليين للمؤتمر وأصحاب فكرته وقادته وهم في جلّهم شباب في مطلع حياتهم المهنية والسياسية وكانوا من الطلبة العرب في فرنسا، وهم: عبدالغني العريسي ومحمد المحمصاني وتوفيق الفايد من بيروت، وعوني عبدالهادي من نابلس، وجميل مردم بيك من دمشق. كان اولئك الرياديون مهجوسين بصعود تيار الاتحاديين القومي التركي في اسطنبول الذي تبنى خط التتريك ودأب على احتقار العرب، وتغوّل في البطش في نخبتهم كما فعل جمال باشا الجزار الذي ساق عشرات من مثقفيهم ومفكريهم ونشطائهم الى مقاصل الإعدام ومنهم عدد من الذين شاركوا وقادوا مؤتمر باريس. وضع المؤتمر اربع قضايا رئيسة على اجندته رآها المجتمعون الاكثر خطراً وإلحاحاً على واقع العرب ومستقبلهم آنذاك هي: الاحتلال الاجنبي والنضال الوطني، حقوق العرب في الامبراطورية العثمانية، ضرورة الاصلاح والحكم الذاتي، والهجرة من وإلى سورية (الكبرى).
القراءة الاسترجاعية المتأنية لـ «مؤتمر باريس» تعيد تأكيد فكرة اساسية حول تبلور فكرة القومية العربية والوحدة العربية في سياق تطور النزعات التحررية العربية من السيطرة العثمانية التركية في المرحلة الاولى، ثم من السيطرة الكولونيالية اللاحقة في المرحلة الثانية. وفي قلب اللحظة «التحررية» المديدة والطويلة تطورت فكرة «الوحدة العربية» بكونها المشروع البديل للسيطرتين التركية والغربية، فلعبت تلك الفكرة دور الحلم الذي جمع القوى العربية المعارضة للسيطرة الاجنبية. معنى ذلك ان تلك الفكرة كانت نضالية وذات طابع تحشيدي وحالمة منذ البداية، ولم يتم اختبار عمليتها على ارض الواقع إلا في مراحل لاحقة. وكما هو الحال في كل حالة مقاومة او ثورة (مثلا لحظة ميدان التحرير في مصر في الانتفاض على حكم حسني مبارك) تتوحد القوى العريضة وراء فكرة متعالية عن بشاعة الواقع، وغالباً ما تكون حالمة وغائية، لكنها تمتلك طاقة توحيدية هائلة وإن كانت موقتة. وتعمل على إزاحة الخلافات البينية جانباً من ناحية، وعلى تقريب المسافة النظرية والتخيلية بين غائية الحلم وبشاعة الواقع. اي ان الشعور الوحدوي او التوحيدي عند شرائح النخب العربية كان ضد العثمانيين ومُستفزاً بوجودهم وسياساتهم، بيد انه لم يكن شعوراً مسنوداً بوقائع تاريخية، او حقائق صلدة على الارض، بعيداً من الوجدان والمشاعر والعواطف.
مؤتمر القوميين العرب في القاهرة في مطلع هذا الشهر عكس رثاثة سياسية وفكرية فادحة مقارنة بالأحلام الكبرى التي ارادها الرواد الاوائل. اختلف القوميون اختلافاً حاداً على مصير «قلعة العروبة والقومية»، سورية، وكثير منهم ما زال لا يرى فيها سوى النظام الباطش القائم.
وتغاضى قوميون كثر عن تغوّل النفوذ الايراني في المنطقة العربية وتهديده لـ «القومية العربية» ذاتها! في المقابل، واصل برنامج «عرب آيدول» الذي تبثه قناة «أم بي سي» من دبي تجاوزه لكل الخلافات السياسية والمذهبية والطائفية والجهوية التي تعصف بالعالم العربي من خلال بناء وحدات وطنية على مستوى كل بلد، ووحدة ثقافية ومزاجية وفنية على مستوى الوطن العربي.
في هذا البرنامج يلتقي مواطنو كل بلد عربي ويساندون مرشحهم بالمؤازرة والتصويت – يتوحدون في شكل وحدة وطنية يفتقدونها في بلدانهم التي تعاني من الاستقطاب والتعصب الذي جاء به تسييس الدين وتوظيفه والتمترس خلف التفسيرات المتطرفة التي تقضي على التعايش.
ففي هذا البرنامج يتوحد الفلسطينيون وراء الشاب محمد عساف الذي جمع في احدى الحلقات خمسة ملايين صوت، اي اكثر من مجموع المصوتين لحركتي «فتح» و «حماس» مجتمعتين في انتخابات 2006! وعلى المنوال نفسه، حصد المرشح المصري اصواتاً تجاوزت من انتخبوا محمد مرسي، كما انتزعت شابة كردية واعدة اصوات العراقيين بغض النظر عن خلفياتهم وإثنياتهم وطوائفهم! في معظم البلدان العربية اليوم يبدو المشهد الثقافي-السوسيولوجي-الديني بالغ البؤس حيث التطرف ينهش اللحم الحي فيها، ويقضي على مساحات الحياة المشتركة. ويُحاصَر الناسُ بموجات تديين كل ما له علاقة بالحياة العامة والفردية، وحيث تتدخل جحافل مفتي التلفزيونات في كل طرائق تنفس الناس ونومهم. وفي الرد على هذا الاختناق المتزايد، والتصحير المخيف للحياة، يدير عشرات الملايين من الناس ظهورهم لكل ذلك ويعلنون رفضهم لكل من يريد التحكم في رقابهم، ويتمسكون بمنطقة التعايش الوسطى ويدافعون عنها، ويمارسون «وحدة وطنية» داخلياً و «عروبة ثقافية» خارجياً على نحو عفوي غير مصطنع ولا مفروض.
منذ «مؤتمر باريس» وحتى هذه اللحظة يمكن الآن التمييز بين نوعين من القومية العربية، او لنقل بين نوعين من العروبة: العروبة السياسية (السيادية)، والعروبة الثقافية. الاولى مهجوسة بالغاية النهائية والهدف وهو الوحدة العربية، وعملية اختلاق وفرض الآليات لتحقيق ذلك الهدف، والثانية عفوية و «طبيعية» تعكس تفاعل أبناء المنطقة مع بعضهم بعضاً لغوياً وثقافياً وتجارياً، وإحساسهم بوجدان مشترك وتخليقهم لفضاءات موحدة بحكم الواقع وحركة الأشياء (في الاعلام والثقافة والفن والغناء)، وهي فضاءات تتداخل مع طموحات سياسية غير واضحة الملامح، لكنها تعيد تأكيد خاصية التأثر والتأثير المُتبادل بين الجماعات والشعوب العربية كما توضح في ثورات «الربيع العربي» التي أثرت في بعضها بعضاً.
في قلب هذا كله يعود الفن والغناء ليثبتا ما هو مثبت لجهة الطاقة التوحيدية الهائلة العابرة للاستقطابات. وإن اردنا التأمل في ذلك عربياً، لنا ان نذكر ان ام كلثوم كانت احد اهم عناوين العروبة الثقافية على رغم كل الحروب العربية السياسية الباردة منها والساخنة... وأن فيروز هي التي رسمت صورة لبنان الجميل المُوحد والعابر للطوائف والتي يطرب لها كل اللبنانيين بغض النظر عن خلفياتهم.
وأن الشاب خالد، ومعه فن الراب والراي، ربط كل جزائريي المهجر والداخل ايضاً بهوية وطنية ثقافية تتجاوز كل انقسامات الحرب الاهلية، ونداءات التشظي العربي/الامازيغي. وأن محمد عبده في السعودية يدندن لـ «اماكنه المشتاقة» من حجازيي ونجديي وشرقيي المملكة، ويديرون ظهورهم للتعصب.
في «عرب آيدول» يتحدث العرب الى العرب من مشرقه الى مغربه على ارضية الفن ويغنون معاً ويطربون للأغنيات ذاتها. بعيداً من ارض الفن هذه، لا نجد سوى الانقسامات والطائفية والاتهامات والاستقطابات. في برامج الفن والادب والغناء هناك لغة عربية وسيطة تقرّب بين اللهجات، ترقي منها من ناحية، وتبتعد من ناحية اخرى عن تقعر لغة الأخبار ولغة الخطابات الدينية المتعالية المنفصلة عن الناس.
يقدم لنا «عرب آيدول» وبقية برامج الفن والادب والغناء تحدياً وأطروحة بالغة العمق وبحاجة الى تأمل كبير وسط التشظي المرعب الذي نعيشه وهو الآتي: هل اصبح الفن والغناء هما خط الدفاع الاخير عن الوحدة الوطنية في كل بلد عربي؟ وهل اصبح الفن والغناء هما خط الدفاع الاخير عن العروبة الثقافية.
العريفى والإخوان لتقسيم سوريا
سعيد الشحات- اليوم السابع
دبت الحرارة فى صف جماعة الإخوان وإخوانهم لنصرة ما أسموه بـ«الثورة السورية»، استدعوا الداعية السعودى محمد العريفى ليدعو المصريين إلى الجهاد فى سوريا، قال كلاما يطفح بالطائفية، قاله فى مصر التى يسعى الطائفيون إلى تمزيقها، لماذا لم يلف ويدور هذا الشيخ فى بلده ليدعو قومه إلى الجهاد فى سوريا مثلما فعل فى مصر؟
يتباهى صفوت حجازى بأنه يقدم السلاح منذ عام إلى المعارضة السورية، فى أثناء الدعاية الانتخابية للرئيس مرسى، كان يهلل غناء وهتافا: «على القدس رايحين»، وفى حضور مرشد الجماعة، ومحمد مرسى يردد وراءه الحاضرون: «على القدس رايحين»، لماذا لم يذهب صفوت حجازى إلى القدس؟، لماذا لم يرسل لها السلاح؟، لماذا لم يحتشد الإخوان وإخوانهم لهذا الهدف؟، لماذا لم يبذلوا الجهد من أجل وحدة الصف الفلسطينى؟، لماذا يعجبهم بقاء الحال الفلسطينى على ما هو عليه، غزة تحت سيطرة حركة حماس، والضفة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية؟
إذا كان ظن جماعة الإخوان وإخوانهم أن تحرير القدس يأتى من تحرير سوريا، وسيطرتهم عليها، فهم واهمون. الحرب الأهلية فى سوريا، وتقسيم أراضيها يعنى ضياع وطن آخر، يعنى ضياعا كاملا للقدس، يعنى بقاء المسجد الأقصى تحت سيطرة إسرائيل، يعنى تنفيذا كاملا لكل الأجندة الصهيونية فى المنطقة، يستحق الشعب السورى حكما أفضل من بشار الأسد واستبداده، لكن الشعب السورى وحده هو الذى يقول كلمته فى ذلك، هو الذى يقرر ثورته، هو الذى يقودها، هو الذى يعزل بشار أو يبقيه. الشعوب الحرة لا تحتاج إلى من يخوض ثورتها بالوكالة، لا تحتاج إلى عصابات ليلية تحول نبل الثورة، ومقصدها الديمقراطى الصحيح إلى حمامات دم، واستنزاف مقدرات بلد يتمزق تحت شعارات بالية، مثل عودة دولة الخلافة.
فى نهاية السبعينيات من القرن الماضى، هبت المساجد فى مصر من أجل نصرة أفغانستان من الاحتلال السوفيتى، وجعلها الرئيس الراحل أنور السادات قضيته الرئيسية، كانت الجامعات تنظم المؤتمرات من أجل نصرة أفغانستان، وقاد السادات الدعوة إلى السفر إليها، وفتح التليفزيون إرساله لحديث المعجزات فى الجهاد الأفغانى، واستمعنا إلى خزعبلات من قبيل أن حجرا واحدا فجّر دبابة روسية، لأن من قذفها كان مؤمنا، أما الدبابة فكان يقودها ملحد، ولما انتهت الحرب عاد المتطوعون، ليواصلوا فى مصر ما بدأوه فى أفغانستان، فسقط الآلاف من أبناء الشعب المصرى بنار الإرهاب. وقتئذ لم يكن هناك ذكر للقضية الفلسطينية، وبدلا من أن تكون القدس هى قبلة الجهاد أصبحت كابول هى المقصد، كانت أمريكا وإسرائيل هما الفائزتين. اليوم نشهد نفس المأساة، يصطف الإخوان وإخوانهم ليس من أجل إسقاط بشار لتحقيق الديمقراطية فى سوريا، ولكن من أجل تقسيم أرض هذا البلد بين طوائفه.
دب الحماس وعادت الحرارة إلى الإخوان وإخوانهم من أجل سوريا، فى نفس الوقت الذى أعلن فيه الرئيس الأمريكى تسليح المعارضة السورية، وهو ما يعنى أن هؤلاء لا ينصرون سوريا لوجه الله، وإنما لأنهم حصلوا على الإشارة من الصديق الأمريكى، مثلما حدث من قبل فى أفغانستان. هروب الإخوان وإخوانهم من فشل الداخل فى مصر إلى ما يحدث فى سوريا سيكون عنوانا آخر لفشل جديد.
لا لإسقاط الأنظمة الديكتاتورية دفعة واحدة!
فيصل القاسم- الشرق القطرية
ليس هناك إنسان بكامل عقله طبعاً يمكن أن يعارض إسقاط الأنظمة الديكتاتورية وحكامها من طواغيت ومستبدين سافلين، فذلك النوع من الأنظمة أصبح وصمة عار في جبين البشرية، ولم يعد موجوداً حتى في مجاهل إفريقيا، لكنه، ولشديد الأسف، مازال موجودا بدرجات متفاوتة في هذا الجزء التعيس من العالم، ألا وهو العالم العربي، لأن القوى الكبرى لا تمانع في وجوده، لأنه يخدم الثابتين الرئيسيين في استراتيجياتها، ألا وهما النفط وإسرائيل.
لهذا السبب سقط هذا الصنف القميء من الأنظمة في أوروبا الشرقية وحتى في الاتحاد السوفيتي الذي كان الداعم الأول للديكتاتوريات في العالم، وظل قائماً في البلدان العربية التي كانت مرتبطة به. ومن سخرية الزمن، أن روسيا ناضلت وتخلصت من الطغيان، لكنها، مع ذلك ظلت تدعم محمياتها الديكتاتورية القديمة مثل كوريا الشمالية، وكوبا وليبيا وسوريا وغيرها، رغم انتفاض الشعوب عليها.
لا أحد أبداً يمكن أن يجادل في ضرورة أن تلحق المحميات السوفيتية القديمة بالاتحاد السوفيتي البائد، لكن المسألة ليست بالبساطة التي يتصورها بعض الثوار. ولا يتعلق الأمر فقط بأن تلك المحميات جندت كل طاقات بلادها على مدى عقود لتثبيت حكمها بالدرجة الأولى بالحديد والنار وإهمال التنمية وحقوق الشعوب، وبالتالي ليس من السهولة إسقاطها بثورات سلمية كما في سوريا، بل يتعلق الأمر في أن سقوط مثل تلك الأنظمة عن طريق ثورات شعبية سيجلب على الشعوب أهوالاً مرعبة، لو تم دفعة واحدة. فالاتحاد السوفيتي نفسه الذي كان قوة سياسية وعسكرية واقتصادية عالمية سقط في أتون الفوضى والتفكك والانهيار لفترة ليست قصيرة بعد سقوط نظامه الشيوعي الاستبدادي، فما بالك بمحمياته المتخلفة سياسياً ومؤسساتياً واقتصادياً. لقد لاحظنا كيف حكمت عصابات المافيا روسيا لسنوات بعد سقوط النظام، مع العلم أن الشعب الروسي، بالمقارنة مع شعوب المحميات السوفيتية السابقة في الشرق الأوسط، شعب متقدم ثقافياً واجتماعياً، مع ذلك تعرض لهزة كبيرة، وعانى كثيراً بعد انهيار الشيوعية، وأمضى وقتاً ليس قصيراً حتى بنى نظامه الجديد. فكيف إذاً ببعض البلدان العربية التي تعاني تخلفاً على معظم الأصعدة؟ لا شك أنها ستعاني أكثر، ولفترة أطول، خاصة أنها، أيضاً على عكس الاتحاد السوفيتي، لا تمتلك أي مؤسسات حقيقية يمكن أن تعتمد عليها لإدارة الدولة بعد سقوط النظام.
لماذا تنهار الدولة الديكتاتورية العربية عندما يسقط الطاغية، خاصة في الجمهوريات العسكرية الأمنية؟ لأن المؤسستين الوحيدتين الفاعلتين في الديكتاتورية هما المؤسسة الأمنية والمؤسسة العسكرية، وباقي مؤسسات الدولة معطلة، أو بلا حول ولا قوة، ناهيك عن أن كل المؤسسات، الفاعل منها والمعطل، مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديكتاتور. لهذا عندما يسقط الطاغية تسقط الدولة. ولا عجب، فهو كان على الدوام يرفع شعار: أنا الدولة والدولة أنا. فلو كان هناك مؤسسات لما تأثرت الدولة، جاء من جاء وذهب من ذهب. أما في دولة الديكتاتور، فإن كل شيء مرتبط به، فما أن يسقط الرأس حتى يتداعى الجسم.
وكما لاحظنا، كلما كانت الدولة أقرب إلى دولة المؤسسات، كان مقدار الفوضى بعد نفوق الطاغية أقل. لاحظوا الفرق بين مصر وليبيا مثلاً، ففي مصر تضررت الدولة بسقوط الديكتاتور، لكنها لم تنهر تماماً، لأن هناك بقايا مؤسسات. أما في ليبيا، فقد أوشكت الدولة على السقوط، لأن القذافي ربط حتى مصلحة الصرف الصحي التي قضى أخيراً في أحد بواليعها، ربطها بشخصه أثناء فترة حكمه كي يحتكر كل السلطات في يده، فما بالك بالمؤسسات الحيوية، لهذا تعاني ليبيا الآن من الفوضى العارمة والفلتان، لأن كل شيء سقط مع الطاغية، ولا بد من بناء هياكل مؤسساتية من جديد. وكم كان بعض الليبيين محقون عندما رفعوا شعارات تقول: الشعب يريد بناء النظام.
من الخطأ الفادح حتى إسقاط المؤسستين الأمنية والعسكرية في الديكتاتوريات. فقد شاهدنا كيف انهار العراق بعد تفكيك الجيش العراقي، ولم يعد إلى وضعه الطبيعي بعد عشر سنوات على الغزو. لهذا لابد من فحص مؤسسات الدولة الديكتاتورية جيداً قبل الشروع بإسقاط النظام، لأن الطاغية بنى نظامه على أن يكون وبالاً على الشعب أثناء فترة حكمه وبعد نفوقه. قد يفرح الكثيرون بسقوط نظام الطاغية، لكن مرحلة ما بعد السقوط ستكون وخيمة بسبب انتشار الفوضى. هل عاد الصومال إلى وضعه بعد سقوط الديكتاتورية رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على اقتلاع سياد بري؟ بالطبع لا.
من المفضل أن يفكر الثوار بتدعيم بعض المؤسسات التي يمكن أن تحمي البلاد من الفوضى والانهيار قبل اقتلاع أي نظام. ومن الخطأ الفادح تفكيك الجيش وقوى الأمن حتى لو كانت مجرد عتلة في يد الطاغية. الأفضل إصلاحها فوراً وتطهيرها من القتلة والمجرمين الذين كانوا يساعدون الطواغيت. لكن لا لتفكيكها لإرضاء انتقام مرحلي. في الديمقراطيات، يذهب الزعيم دون أن يحدث أي اضطراب في الدولة، لأن الزعيم مجرد عتلة صغيرة، بينما السلطة الحقيقية للمؤسسات. أما في الديكتاتوريات ينفق الديكتاتور، فتنفق دولته. لهذا من المفضل في الديكتاتوريات، حتى لو كان صعباً، أن يتأنوا حتى في إسقاط الطاغية قبل أن يضمنوا آليات تحفظ الدولة من الانهيار كي لا تذهب البلاد "في ستين ألف داهية" بعد سقوط الديكتاتور.