-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 442
اقلام واراء محلي 442
7/7/2013
في هذا الملـــــف
حياتنا- الحرم الحرم
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
الهزيع الأخير من الليل
بقلم: يحيى رباح - الحياة
الأهداف الواضحة والتحريض السافر ضد الحرم القدسي
بقلم: حديث القدس – القدس
أضواء على حقيقة المهرجانات اليهودية في القدس
بقلم: ا. نيفين الزواوي - القدس
التسوية السلمية من منظور إسرائيلي!
بقلم: محمد عبيد - القدس
في ظل التطرف الاسرائيلي.. إحتلال الجنسية للهوية...!!
بقلم: إبتسام اسكافي – القدس
فيما يتعدى زيارة رسمية للبنان
بقلم: حسن البطل – الايام
اليوم القاهرة وغداً غزة
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
الخطوة القادمة وخطورتها (الاردن)
بقلم: شوقي العيسه - معا
حياتنا- الحرم الحرم
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
يقترب الاسرائيليون من خلق وقائع جديدة على الارض في الحرم القدسي الشريف بهدف تقسيمه وصولا الى تهويده وهدم المسجد الاقصى لبناء الهيكل المزعوم, بعد الرسالة التي ارسلتها المنظمات اليهودية المسماة منظمات الهيكل الى الجهات العليا الاحتلالية لفرض تقسيم الحرم كما حدث في الحرم الابراهيمي في الخليل وسيطرة الاحتلال عليه, وتزامنت الرسالة مع تصريحات لوزير الاسكان اوري اريئيل حول ضرورة بناء الهيكل مكان المسجد الاقصى وكان مثل هذا التصريح كافيا لزلزلة العالمين العربي والاسلامي قبل عقود لكنه الان لا يستحق مجرد التعليق عليه من قبل الدول والشخصيات العربية او الاسلامية المنهمكة في مخططات الفتن والحروب الاهلية المستشرية في العالم العربي خاصة, حيث تراجعت الاولويات من الهم العربي او الاسلامي العام الى الهم الحزبي او المذهبي , ولعل الظروف هذه هي العصر الذهبي لاسرائيل التي تناور على صعيد الافلات من استحقاقات التسوية السلمية واطلاق العنان للمستوطنين ليمارسوا سياسة السيطرة على المسجد الاقصى, في غفلة من العالم كله وتحت غطاء واق من الربيع العربي الذي جعل بأسنا بيننا شديدا واراح الاحتلال من اي ازعاج حتى لو كان لفظيا,فالوساوس المذهبية والفتن والتطاحن السياسي وسياسة زرع بذور العنف الداخلي والتدخلات الاجنبية والاستقواء بالاجنبي لم تترك للعالم العربي اية فرصة لكي يلتقط انفاسه بل هو يندفع نحو التدمير الذاتي , وحتى لا نلقي بمسؤولية التقصير على الاخرين علينا ان نبدأ بالنفس واعادة الاولوية الوطنية لبناء الوحدة الوطنية ونبذ النقسام لان احدا لن يهب لنجدتنا او انقاذ بيت المقدس اذا كنا نحن اول المفرطين به,فحيوية وعظمة الشعوب لا تقاس بردود افعالها بل بمبادراتها وقدرتها على العمل وتحويل نقاط ضعفها الى نقاط قوة ونحن لسنا طلاب مال او رزق بل حرية وتحرير للارض والمقدسات , وهي انبل الاهداف, فيما يحاول اعداء السلام وعشاق الاستيطان والعنف في الجانب الاسرائيلي عرقلة المساعي التي تبذل حاليا لاستئناف العملية التفاوض بتكثيف الاجراءات والاستفزازات على الارض واشاعة الظروف الملائمة لسفك الدماء والعنف, كبديل للتفاوض, لأن السلام نقيض بنيتها النفسية لأنها تستحث العنف والحروب, مثلما البعوض لا يحلق الا فوق مستنقع.
الهزيع الأخير من الليل
بقلم: يحيى رباح - الحياة
الشعب يريد، والشعب قادر على أن يصيغ ما يريد، وفي تجربتنا الفلسطينية، فإن أول شعب قام معلناً أنه يريد هو الشعب الفلسطيني، فقد قام هذا الشعب – خارج كل التوقعات – من صدمة أخطر فواجع التاريخ وهي النكبة.
وقام قيامة ثانية بإطلاق ثورة المستحيل، وقيامة ثالثة بالإنتفاضة، وهذه الوطنية الفلسطينية العميقة تجدد نفسها، وتجدد حضورها وتجلياتها، في كل وقت، برغم أن هذه الوطنية الفلسطينية تواجه سياجين في غاية الخطورة أولهما الاحتلال الإسرائيلي الذي يدخل في تفاصيل حياتنا، أما السياج الثاني فهو الحركة الوطنية – الفصائل - الهرمة بمقايس الزمن الراهن فهي ولدت في النظام الدولي السابق الذي انهار منذ عقود وانهارت معه كل هياكله وعلاقاته.
وهي أي الفصائل الفلسطينية لم تعد قادرة على التجديد وبالتالي فقد أصبحت عبء على الأجيال الجديدة!!!
وهذا الكلام برغم أنه يبدو كلاماً صادماً، ولكنه حقيقي إلى أبعد الحدود!!!
وضعف هذه الفصائل وعدم قدرتها على تجديد نفسها هو الذي سمح لكيانات أكثر هرماً وارتداداً إلى الخلف أن تسير الموقف، وأقصد بذلك مجموعات الإسلام السياسي التي ثبت من خلال الثورة المصرية أنها ليست أكثر من ذبالة سراج تقاوم الانطفاء الحتمي وهي تواجه الرياح العاصفة، وأتى مشاهد العنف التي نراه الآن من جماعة الأخوان المسلمين في مصر وسوريا أيضاً وتفريعاتها ليست سوى حالة صادمة من حالات الإنكار والانفصام عن الواقع واليأس القاتل.
وعودة إلى الفصائل الفلسطينية فإنها لم تعد أن تواجه واحدة من أكبر وأفدح وأخطر الخطايا التي ارتكبها الإسلام السياسي وهي خطيئة الانقسام، هذه الفصائل اتخذت في مجموعها مواقف زائفة، مواقف براءة ذاتية أحسنها ازاحة الاتهام باتجاه فتح وحماس، واتخذت موقفاً حيادياً بين الضحية والجلاد، بين القتيل والقاتل،
أما أسوءها فقد مارست اللعب على حبال الانقسام « والنطنطة» المهينة والمقايضة المؤسفة.
و ياليتها اكتفت بذلك، بل شكلت على نحو ما سدا منيعا أمام الأجيال الجديدة حتى لا تطور نفسها وحتى لا تخوض معركتها ضد هذا الانقسام الأسود وأدواته الفاقدة لأية شرعية.
و الدعاوى التي ساقتها لذلك كثيرة ومتعددة، ولكنها جميعاً دعاوى عاجزة ينطبق عليها المثل القائل «نرى الذيب ونبحث عن أثره».
لأن الذئب معروف، وموجود ويتعاون مع كل ما هو غير وطني حتى مع العدو الإسرائيلي نفسه تحت عنوان فقه الذرائع أو فقه الضرورة حتى لقد وصلنا إلى أكثر صيغ التفاهم الكارثية في اتفاق الهدنة الأخير، حين توسط الاخوان المسلمون المصريون في ظل حكم الرئيس المطرود محمد مرسي بين حركة حماس وإسرائيل تتعهد فيه حماس بعدم القيام بأية أعمال عدوانية ضد إسرائيل، مقابل ماذا؟
مقابل أن تظل حماس مسيطرة على قطاع غزة، دون أن تلتزم إسرائيل بشيء، لا إنهاء الحصار، ولا عودة الحزام الأمني البالغ مساحته قرابة 25 بالمئة من مساحة قطاع غزة، وعدم القبول بأي صيغة للمصالحة الفلسطينية وافتعال مشاكل بين وقت وآخر للتغطية على هذا الاتفاق العبثي.
"الشعب يريد إنهاء الانقسام شعار طلع أول ما طلع من قطاع غزة، من ضحايا الانقسام، من معاناة الانقسام، من تداعيات الانقسام، التي تحولت إلى وحش منفلت تحطم حياة الناس دون روادع، وشيء فشيئاً تم تطبيع العلاقات مع الأمر الواقع، وتم نفي كل من يمكن أن يكون فعلاً أو صوتاً ضد هذا الأمر الواقع، ورسمت الهوامش وتم التكيف مع هذه الهوامش, حيث بين فترة وأخرى تجري لقاءات تمثيلية تحت عنوان المصالحة، ويسلط الإعلام بعض الأضواء على تلك الاجتماعات فيشعر المجتمعون بالسعادة لأنهم يعودون إلى الصورة ثم لا شيء بعد ذلك".
و قد جاءت اشارات التقطها العالم كله باستثناء أصحاب اللعبة المملة من الفصائل، فإن الشعب الفلسطيني بغالبيته الساحقة لا يريد هذا الانقسام ويعتبره عملاً عدوانياً ضد كينونته، أما في قطاع غزة فقد وجه الشعب – مليون ومئتي ألف من مجموع مليون وسبعمائة ألف – أن الشعب لا يريد هذا الانقسام وأنه لا يخاف من إعلان ذلك كما حدث في مهرجان غزة الفتحاوي في الرابع من يناير الماضي.
و لم تفعل الفصائل شيئاً سوى الالتفاف على هذه الرسالة, بان استدعت مشاكلهاا الداخلية, واستدعت ادوواتها العاجزة, واستعت وتيرتها الهابطة, لتعود اللسيقات كما كانت, لقاءات بلهاء, ووعود كاذبة, ووقت محترق, وتصدير اولويات مزيفة.
ها هو الاسلام السياسي يتجرع الهزيمة المرة في ساحته الاولى الرئيسية وهي مصر, من خلال ثورة الاجيال الجديدة التي قالت وارادت فاستجاب القدر لما تريد.
ونحن في فلسطين اهل الفطنة لاننا اهل القضية, فهل نلتقط اشارة الضوء؟
وهل نسمع صوت النداء؟
وهل نفتح قلوبنا للبشارة؟
انا على يقين من حتمية ذلك لان الانكشاف الذي تعرض له الاخوان المسلمون في مصر سيجعل الحقيقة الساطعة تغشى العيون كل العيون.
الأهداف الواضحة والتحريض السافر ضد الحرم القدسي
بقلم: حديث القدس – القدس
تكررت الاقتحامات اليهودية بأشكال مختلفة لحرمات الحرم القدسي الشريف في سياسة واضحة لحمل الشعب الفلسطيني والعالم كله على الاعتياد على مثل هذه التجاوزات واعتبارها امراً عادياً.
وفي الأشهر القليلة الماضية بدأت تعلو أصوات اسرائيلية رسمية وحزبية تدعو صراحة وعلنا الى إقامة «الهيكل المزعوم» مكان الحرم القدسي، ويرافق مثل هذه التصريحات إشارات باهتة الى عدم رضا رئيس الحكومة او الحزب عن هذه المواقف، لكي لا تعتبر موقفاً رسمياً نهائياً، لكن الواقع يؤكد غير ذلك تماماً كما أكد حاخام كبير ان اقتحامات الأقصى تتم بتحريض من الشاباك وبدعم قوي منه.
بالأمس طلع علينا وزير الاسكان الاسرائيلي اوري اريئيل من حزب «البيت اليهودي» المتشدد بدعوة صريحة كهذه حيث قال في مؤتمر بمستوطنة «شيلو» قرب رام الله انه يجب بناء «الهيكل المقدس الحقيقي» في «جبل المعبد» أي في الحرم القدسي الشريف.
وهذه ليست التصريحات الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة، وهي صرخة جديدة في آذان النائمين من الأمتين العربية والاسلامية وفي عقول المشغولين بالقضايا الأخرى، لعلهم يدركون أبعاد المخاطر الحقيقية التي تتهدد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما انها صرخة قوية ايضاً الى كل الذين ما يزالون يأملون بإيجاد حل سياسي وبالمفاوضات وسيلة لتحقيق ذلك.
لم يترك الاستيطان ومصادرة الأرض وتهجير المواطنين مكانا لحل الدولتين، ولم تترك عمليات التهويد والاستيطان والحفريات والجدار وتهجير أبناء القدس وتعقيد أمور حياتهم أية فرصة للحديث عن المدينة المقدسة كعاصمة للدولة الموعودة، لأنهم يحاربون كل ما هو فلسطيني من بشر وتاريخ وواقع ويسعون الى تزوير الواقع وتشويه الماضي، وما الدعوات المتكررة لإقامة الهيكل والاقتحامات التي لا تتوقف الا المؤشر على واقع القدس وما يخططونه لها.
أضواء على حقيقة المهرجانات اليهودية في القدس
بقلم: ا. نيفين الزواوي - القدس
خلال أصعب وأخطر اللحظات وأكثرها ألماً، عندما بكى كل جزء من أجزاء القدس، حتى كدنا نسمع صراخ الرياح والحجر والشجر تألماً على تدنيس القدس بابشع الطقوس والإفتراءات، نطق البعض بالعبارات التالية: «يا له من مهرجان رائع»، «كم أعشق هذا الفن الراقي»، «أصطحبت أبنائي للاستمتاع بمهرجان نور القدس»، «التقطت وأصدقائي العديد من الصور التذكارية الرائعة في المهرجان». هذه العبارات ليست لموشيه وشلومو ويهودا بل هي كلمات خرجت من أفواه بعض أبناء شعبنا معبرة عن آرائهم تجاه مهرجان «نور القدس 2013» الذي نظمته مؤخراً ما تسمى «سلطة تطوير القدس»، وأشرفت عليه مؤسسات الاحتلال الاسرائيلي مجتمعة وعلى رأسها مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية .
لم تقتصر الدعوة للمهرجان على اليهود الذين اكتظت بهم شوارع القدس، بل تمت دعوة المقدسيين وغيرهم من الفلسطينيين للمشاركة بالمهرجان عبر نشرة باللغة العربية إستُبدلت فيها أسماء الأماكن الإسلامية المقدسة ومواقع ومعالم القدس العربية والاسلامية باسماء عبرية، فتم مثلاً اطلاق اسم "جبل الهيكل" على المسجد الأقصى، وساحة "حائط المبكى" على ساحة البراق، وباب صهيون على باب النبي داوود عليه السلام.
لا يهدف هذا المقال الى توجيه أصبع إتهام لأحد من الفلسطينيين أو غيرهم من العرب والمسلمين الذين نطقوا بعبارات إن لم تكن مؤيدة للمهرجان جاءت منبهرة به معظمة لجهود القائمين عليه. كما أنه لا يقدم علاجاَ «لعقدة الخواجة» التي ترسخت في قلوب ونفوس بعض أبناء الأمة فانقلبت موازينهم حتى باتوا يرون الإنحدار صعودا والسقوط علوا. ولكنه جاء مخاطباً لمعظم أبناء هذه الأمة وهم أصحاب النفوس الطيبة وإن التبست على بعضهم الحقائق في ظل سيطرة مؤسسات الاحتلال وانتشار أبواق الإعلام الفاسد المضلل، كاشفاً خطورة هذا المهرجان المظلم، خاصة بعد أن تبين لي أنه لم يتم حتى الآن تحليل محتوى المهرجان وبيان خطورة ما يحمله من معتقدات ورسائل ومعاني، تهدف مؤسسات الاحتلال الى ترسيخها ليس فقط في الوعي اليهودي بل في وعي الفلسطينيين والمسلمين أيضا.
لذا لن أكتفي بالقول أن المهرجان من أهم الأدوات المسخرة لتهويد القدس، بل سوف أقوم بالقاء الضوء على أهم الأهداف والرسائل والمعاني التي يحملها المهرجان من خلال تحليل بعض أجزاءه وفك رموزه.
لماذا الأنوار؟ وما هي دلالات النور في المعتقدات اليهودية وانعكاساتها على المهرجان؟
سوف أقوم بداية ببيان بعض معاني النور في عقيدة اليهود، كي يتسنى لنا بحث علاقتها بالقدس ومهرجان «الأنوار» وكيفية انعكاسها على مختلف المقاطع التي تناولها المهرجان. وكيف تم الربط بين النور وبين مسائل عقدية يهودية، لا سيما ربط النور بالسيطرة والحكمة والخلاص والقدسية والخلود، ورؤيته كمادة «خارقة» تربط بين العالم الواقعي و«فوق الطبيعي».
وبهذا المعنى تم استخدام النور وتسخيره لخدمة غايات وسياسات يهودية على أرض الواقع. اذ تم توظيفه عند حلول الظلام كعامل مقسم ومنظم وراسم للحدود، إضافة الى عملية الوصل بين المكان والمعتقد، إحياؤه ومحاولة ترسيخه [عن النور في اليهودية انظر "الرابي" شطاينزلتس: داخل اوريم ، 2005. بالعبرية].
الافتراء على الله و«أصل الحياة»
يربط اليهود، لا سيما في القبالاة، بين النور الذي يرون به المقدّس الإلهي وبين النور الحسي الذي يعمل على الربط بين الزمان والمكان والمعتقدات الدينية والروحانية، أو ما يعرف بالعالم الخارج عن المكان والزمان وفقاً لمعتقداتهم [انظر رحيل الي-أور: داخل اوريم ، 2005. بالعبرية].
لقد ظهر هذا الجانب بارزاً في فقرة «أصل الحياة»، والذي تم عرضها بواسطة بئر مضاء، وافتتحت بعبارة «لأن شعبك هو مصدر حياة، وفي نورك نرى النور» [المزامير: لو-ي]. ووفقاً لهذه الفقرة فأن الماء والنور هما أصل الحياة، يرمزان الى التوراة المكتوبة، وموجودان حسياً وروحانياً في أركان القدس، رمزاً للعلاقة والوثيقة بين جذور القدس واليهود.
نشير هنا الى أن اليهود يؤمنون أن القدس هي مركز الكون، وأن قيادة العالم والخلاص لا يقومان الا بالسيطرة اليهودية على القدس ومنها فقط تتم قيادة العالم. وقد عبر المهرجان عن ذلك بالربط بين رؤية اليهود كأصل الحياة ومركزها وبين رؤية القدس كمركز العالم كما سنبين لاحقاً في شرح فقرة «شجرة الحياة». ويحاول اليهود شرعنة هذه الافتراءات بافتراء أعظم على الله سبحانه وتعالى، حيث يدّعون أنهم أحباء الله وأنهم يقتبسون نوراً من نوره كما جاء في نشرة المهرجان. وبهذا يسوّقون للمشاهدين أن ما نظموه بواسطة الأنوار في فوضى الظلام إنما هو مستمد من نور الخالق، تعالى الله عما يصفون.
«شجرة الحياة»: القدس مركز الكون
في هذه الجزئية يعرض المهرجان القدس كمركز العالم الى جانب عرضه لليهود وكتبهم كأصل للحياة كما فصلنا، مما لا يدع مكاناً للجدل في قضية القدس، إذ يصوّر المهرجان القدس كأرض خلقت «لشعب الله» ومن أجله. ويتم ذلك بواسطة «شجرة الحياة» عند باب العامود. وقد ذًكر في برنامج المهرجان أن لهذه الشجرة معاني في حضارات العالم ترمز لنظام كوني، حيث تقع دائماً في وسط العالم، فضلاً عن وسط المدن المقدسة.
أما في اليهودية فقد ظهرت «شجرة الحياة» في «سفر التكوين» ممثلة لشجرة خلقها الله في وسط الجنة يعطي ثمرها الحياة الأبدية والخلود [سفر التكوين 2 : 9]. بينما تُصور القبالاة «شجرة الحياة» على أنها شجرة أصلها في السماء وفروعها في الأرض، تتكون من عشر طبقات ترمز الى نور الخالق الخالد الذي يقتبسون منه النور. كما ويتم الربط بين «شجرة الحياة» في القدس وبين أحداث النهاية والخلاص والجنة استناداً الى «رؤيا حزقيال» [22:2].
الإفتراء على ألنبيي داوود وسليمان عليهما السلام
بعد أن قمنا بتحليل الرموز اليهودية التي عرضت القدس كأقدس بقعة تقع بمركز الكون وترتبط بالسماء، خُلقت لليهود الذين تم تصويرهم وكتبهم المقدسة كأصل الحياة وأسيادها وكأصحاب أنوار مقتبسة من النور الالهي، سوف نتطرق هنا الى الحلقة التي تصل بين هذه الأجزاء، وهي حلقة الملك والسيادة، ومما لاشك فيه أن الحديث سيدور هنا حول أنبياء الله داود وسليمان عليهما السلام.
إفتُتح هذا الجزء من المهرجان ذاكراً أن «الملك داود هو الملك الأول الذي حوّل القدس لعاصمة لكل اسرائيل» في محاولة لترسيخ مفهوم القدس كمدينة يهودية لدولة يهودية أسسها سيدنا داوود عليه الصلاة والسلام. أما صفات هذه السيادة وهذا المُلك، فلا بد لهما أن يتماشا والمعتقدات اليهودية الجائرة الفاسدة، وتم ذلك بوصف النبيين المؤمنين الموحدين داوود وسليمان عليهما السلام بأقبح الصفات وتحويل هذه الافتراءات لنماذج يقتدى بها.
فتم إتهام سيدنا داوود عليه السلام بالقتل والزنى من خلال المهرجان، بل وتم وصف القتل والزنى ب«اللحظات الانسانية»، حيث جاء على لسانهم: « قصة داود وبات شيفع وهي من اشهر القصص في التوراة وتقع احداثها في قصر داود في القدس. العمل الفني يظهر الشخصيات التوراتية والملكية في لحظات انسانية بينها وقوع داود في حب بات شيفاع، ارسال اوريا الحثي الى الحرب وولادة سليمان ».
استندت ادعاءات هذه الفقرة القبيحة الى جملة افتراءات وردت في كتبهم المقدسة، فقد جاء في سفر صموئيل الثاني، ما نصُّه: «وأما داود فأقام في أورشليم ، وكان وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على سطح بيت الملك فرأى من على السطح امرأة تستحم ، وكانت المرأة جميلة المنظر جدّاً ، فأرسل داود وسأل عن المرأة ، فقال واحد : أليست هذه "بَثْشَبَعَ بنت أَلبِعَام" امرأة أُوريا الحثي؟ فأرسل داود رسلاً وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مُطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة ، فأرسلت وأخبرت داود وقالت : إني حبلى» [سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر: 2-5].
إذن لم يترك هؤلاء مجالاً يستطيعون فيه الدسَ والإفتراء على الله ورسله وأنبيائه إلا وحاولوا نشره. أما هذه الإفتراءات فباتت الآن قصصاً تخط وتحفر في أقدس بقاع الأرض على مرأى ومسمع من المسلمين، مشكّلة أرضاً خصبة لتحقيق أهداف وغايات اليهود في القدس وفلسطين، لا سيما أنها تحاول جاهدة قتل الإنسان بتلويث عقله ونفسه، مزيلة بذلك أهم وأعظم عائق يواجه المشروع اليهودي الصهيوني.
التسوية السلمية من منظور إسرائيلي!
بقلم: محمد عبيد - القدس
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري حزم أمتعته وغادر فلسطين المحتلة، بعد جهود وتحركات “مكوكية” على جبهة كسر جمود عملية التسوية، اصطدمت بالتعنت الإسرائيلي المعتاد، وشهدت أكثر من انتكاسة في ظرف الأيام الثلاثة التي حاول الوزير الأمريكي خلالها تحقيق اختراق، فكانت إحدى أهم الانتكاسات التي شهدتها تحركاته إقرار الحكومة الاسرائيلية بناء 930 وحدة استيطانية في جبل أبو غنيم بالقدس.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو طبقّ خطوات اللعبة الإسرائيلية المعتادة، والتزم خطها المرسوم بعناية لإغراق الفلسطينيين وغيرهم من الأطراف في التفاصيل، وتحويل الجهود التي يقوم بها الأمريكيون رغم إدراكهم مسبقاً أنها ستواجه انتكاسة في مختلف الأحوال، إلى مجرد حراثة في الماء، وضرب هذه العملية ككل بقرارات متطرفة جديدة .
الشروط ذاتها تكررت في تصريحات نتنياهو، وعلى رأسها استئناف التسوية “من دون شروط مسبقة”، قاصداً بذلك المطلب الفلسطيني تجميد الاستيطان، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل أضيف إليه قرار التوسع الاستيطاني الجديد، والحديث المفرّغ عن عرض أي اتفاقية تسوية يتم التوصل إليها على استفتاء شعبي .
رسالة نتنياهو لا تستهدف الفلسطينيين بالدرجة الأولى، فهم مستهدفون أساساً، وهم على رأس أجندة الإلغاء الإسرائيلية، المستهدف هنا كيري وإدارته والنهج الأمريكي الذي يريد الجانب الاسرائيلي إعادة ضبطه على درجة أكثر تحيزاً، وأكثر ضغطاً على الجانب الفلسطيني ليقبل بمفاوضات من دون عناوين، ومن دون التزامات، ومن دون أفق، ومن دون نتائج، وبالتأكيد من دون التفات إلى أبسط المطالب الفلسطينية .
هكذا تريد إسرائيل أيّ تسوية، أن تكون مفصّلة على المقاس الذي تريد، وبالمواصفات التي تواكب وتتبنى مخططاتها القائمة على سلب الفلسطينيين حقوقهم، وضرب مقومات أي “دولة” مستقبلية يريدون تأسيسها على ما تبقى من فتات أرض حوّلها الاحتلال وجيشه ومستوطنوه الأشد تطرفاً إلى مجرد مجموعة من المعازل «الغيتوهات»، والتي لن تجد من فلسطين التاريخية نسبة تذكر، والتي لن تكون بأي حال من الأحوال أفضل مما كان في اتفاقيات سابقة تنصّلت اسرائيل منها، وجعلتها مجرد حبر على ورق .
شروط تتبع أخرى، وانتكاسات تتتابع مثل ارتدادات زلزال مدمر، لا ينشط إلا مع كل محاولة لإعادة إحياء التسوية، والرسالة الإسرائيلية مقروءة من العنوان، فهؤلاء لا يريدون التسوية أساساً، لكنهم يسعون إلى تحويلها إلى مجرد غطاء يمضون من خلفه في مخططاتهم التهويدية والاستيطانية...
أي تسوية وأي سلام وأي جهود يرجى منها أن تثمر أو تسفر عن نتيجة، وهذه الحالة التي نشهد لا تكشف إلا إصراراً إسرائيلياً على المضي إلى الأمام في هذه السابقة التاريخية؟ وأي وهم تحاول القوى الغربية تسويقه لدى الفلسطينيين وفي المنطقة عن إمكان إعادة عجلة التسوية إلى الدوران مجدداً؟
وما المنتظر من الجانب الذي لن يسمح لمثل هذه الجهود أن تمر من دون أن يلحق بها في كل مرة انتكاسة أكبر من سابقاتها؟
في ظل التطرف الاسرائيلي.. إحتلال الجنسية للهوية...!!
بقلم: إبتسام اسكافي – القدس
مشاريع واقتراحات وقرارات نسمعها مند نعومة اظفارنا، منها مؤخراً اقتراح رئيس حزب "البيت اليهودي" وأحد وزراء الحكومة الاسرائيلية "نفتالي بينت" قبل ايام بفرض اسرائيل سيادتها على ما يسمى بمنطقة "سي" أي قرابة 60% من اراضي الضفة الغربية، وبالتالي ضم 50 الف فلسطيني ومنحهم الجنسية الاسرائيلية وهو ما قيل انه عرض مثله من قبل مناحيم بيغن سابقاً في مؤتمر كامب ديفيد.
فمنذ الاستيلاء على فلسطين في عام 1948، واسرائيل ومن يتماهى معها من قوى غربية تعمل على جعل القدس تحديداً مدينة ذات افضلية قومية يهودية من خلال بناء وانتشار الاستيطان كما الاستيلاء والهدم والملاحقة المستمرة لكل من وما له علاقة بالمدينة من بشر وحجر لذلك باتت الهوية عرضة لخطر التغيير كونها هوية وطنية فلسطينية لها خصوصية حيث ما زالت تختلف في أنموذجها عن بقية النماذج كونها هوية تقاوم جميع أشكال الظلم الداخلي والخارجي واهم اشكاله تغييرها إلى مجرد جنسية اسرائيلية اجبارية وهي الجنسية التي تعبر عن هوية مفصومة، تتنازع بين الحرية والازدهار والاحتلال والاستعمار وحقيقتها العرقية الدينية الاقصائية.
فالفرق شاسع بين مفهوم الجنسية والهوية فعلى الرغم من ان تعريف الهوية غير ثابت الا انها كما يقول برهان غليون.."ليس لهوية قيمة في ذاتها أو فيما تخلقه من شعور بالخصوصية، وإنما تنبع قيمتها مما يقدمه الإطار الذي تخلقه من فرص حقيقية للتقدم وتوسيع هامش المبادرة التاريخية للشعوب والجماعات التي تنطوي تحت شعارها".
هذا الشعار ترسخ حديثاً وظهر كمفهوم يدلل على الهوية الوطنية وتبلور بعد الثورة الفرنسية، في العام 1789، حيث انتشر هذا المفهوم في أوروبا خلال القرن التاسع عشر، وبعد ذلك في أنحاء العالم، إذ تحولت الدولة الأمة إلى وحدة سياسية داخل نظام عالمي جديد أحدثته نتائج الحرب العالمية الأولى.
"ومفهوم الهوية ظهر بداية في كتابات الفيلسوف والمؤرخ الألماني الاجتماعي "فلهلم دلتاي" (1833- 1911) وقد جعله ماكس فيبر (1864-1920) على مستويين يتعلق أولهما بما يطلق عليه دلتاي اسم الصورة الكونية التي تؤلف الكتلة الأساسية للمعتقدات والمسلمات الافتراضية عن العالم الحقيقي الواقعي، التي يمكن في ضوئها وبالإشارة إليها يمكن الوصول إلى إجابات شافية حول مغزى الكون والوجود...
ويتعلق المستوى الثاني بالسياق التصوري – الواعي- والإرادوي الذي تضع فيه الذات الجمعية نفسها ضمن تقسيمات العالم الواقعية أو المركبة من النواحي الثقافية في الأصل، لكن أيضا من النواحي الأخلاقية والاجتماعية والثقافية وفقاً لهاني نسيرة. فيما حمل مفهوم الهوية مضامين أخرى... وإن ارتبطت بمعناه الثقافي، جعلته يمتد ويؤكد على اكتشاف أمرين مهمين:
1- عناصر التميز للجماعة عن الآخرين، وهي عوامل الثبات فيها.
2- تصورات الجماعة للآخرين وعناصر الاندماج معهم، وفق موقع الذات الذي يحدده العنصر الأول، وهي فعل الثبات في التاريخ وممكناته وفقاً لنسيرة ايضاً.
فيما ظهر واستقر مفهوم الجنسية مع استقرار فكرة الدولة تقريباً 1835 لذا كان هناك تلازم وتزامن بين الجنسية و الدولة، ومعه ظهر ما اصطلح عليه موضوعات القانون الدولي الخاص والحقوق والالتزامات ما بين الفرد والدولة بعد ان كانوا يشكلون مجموعات دينية اثنية استقرت فيما بعد على شكل مجموعات اقليمية ووحدات دولية وكان الدين هو المعيار الوطني للافراد حيث وحدة الدين هي التي تجمع الافراد اما بعد دلك التاريخ بات مفهوم الجنسية مفهوما حديثاً للتعريف.
وبالانتقال من المفهوم الديني الى المفهوم السياسي طغت السياسة على الافراد وحددت صفتهم وفقاً لمصالحها تحت مسميات قانونية فاستعملت لتحديد الصفة القانونية للافراد المقيمين وطبيعة الحقوق والالتزامات داخل الدول ونظمها القانونية بشكل عام بما فيها حالتهم الشخصية خارج البلاد بعيداً عن استغلال الدين.
بالنسبة لاسرائيل فالامر مختلف عن هذا الوضع العام حيث اسرائيل تعمل على فرض جنسية يتم من خلالها استغلال مركب من الاعتبارات القانونية والسياسية والدينية وتغلب فيها الارادة الاحتلالية على ارادة الافراد الواقعين تحت الاحتلال ويستدل على ذلك من خلال جملة القوانين والقرارات والمشاريع والشروط التي تفرضها لتغيير جنسية الفلسطيني من جنسية فلسطينية تحمل طابع الهوية الاصلية للانسان بما فيها اعتبارات الدين والتاريخ والحضارة الى جنسية اقصائية تفرض هوية دينية يهودية لتصبح جنسية عبارة عن مزيج مركب من الاعتبارات السياسية و القانونية والاقصائية المعبرة عن العصبية الدينية في هويتها اليهودية التي تحاول فرضها عبر مشروع الدولة اليهودية او يهودية الدولة في تركيب احتلالي ضارباً عرض الحائط بكل اشكال الحرية الفردية والاجماع الشعبي للشعب الواقع تحت الاحتلال.
في الدولة الاسرائيلية تقع الجنسية تحت تأثير قوانين مختلفة غير نابعة من دستور على الرغم من الاعتراف باسرائيل كدولة حيث اسرائيل لا تملك دستوراً كبقية الدول التي تستطيع ان تحدد من خلاله طبيعة العلاقة بين كل الاطراف، لذا فهي علاقة غير سوية بل علاقة اقصائية تعبر عن عسكرتارية القرارات متعددة القوانين الحاكمة فيها والتي يشارك فيها عدد من الاطراف والقيادات والضباط والمؤسسات التي لا تطبع بالطابع الموضوعي بل الاحتلالي بامتياز.
وبما ان الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال وفاقد للشخصية القانونية في ظل الاحتلال فان جنسيتهم تبقى غير مستقلة وغير مستقرة بل تبقى النظرة اليهم هي نظرة المقيم في دولة احتلال هي اسرائيل التي لا تملك حق منح الجنسية لمن يقع تحت الاحتلال وما تحاول ان تفرضه ما هو الا مجموعة من الاساليب القديمة الحديثة التي تحاول من خلالها اقصاء ونفي الهوية الوطنية الفلسطينية عبر تلك المشاريع والقرارات غير الناظمة والتي يكون موقعها الاساسي او حاجتها الاساسية خارج بلد الفرد وليس داخلها اي في محيط العلاقات الخارجية وهذا ما تحاول اسرائيل اثباته اي ان الفلسطيني غريب عن تلك الارض والديار وانها تتكرم عليه بمنحه الجنسية الاسرائيلية وهذا ما تثبته تجربة مواطني الاراضي المحتلة عام 1948حيث تلك العلاقة لا تؤهلهم للحصول على الحقوق والقيام بالواجبات كما الفرد الوطني في وطنه وكذلك الامر بالنسبة للاجئين الفلسطينيين وما هي في النهائية سوى عملية تفوق للعنصر اليهودي على عنصر التفوق الوطني الفلسطيني من هذه الناحية عبر فرض ارادة الاحتلال على ارادة الشعب بعيداً عن روح الولاء السياسي والانتماء الروحي بين الفرد والدولة حتى بعيدا عن المنفعة المادية التي تبرز من خلال التمييز الذي يعاني منه الفلسطيني الحامل للجنسية الاسرائيلية.
وفي المحصلة، فإن تلك المشاريع والاقتراحات ما هي الا واحدة من العمليات الانقلابية على الحقوق الفلسطينية الى جانب العمليات الانقلابية الاخرى التي من ضمنها المشكلة السكانية والتفوق الديمغرافي الذي تحاول اسرائيل تحقيقه بكافة الوسائل لانجاح التفوق السكاني اليهودي ومن ذلك ايضاً الضغط على الفلسطينيين خاصة الشباب لدفعهم الى الهجرة خارج البلاد والامثلة كثيرة.. وهذه وغيرها لا تخرج عن كونها عملية احتلال الجنسية الاسرائيلية للهوية الفلسطينية التي لها ما يميزها عن بقية الهويات الاخرى.
الجنسية تقوم على العدل والمساواة في الحقوق والواجبات لا باعتقال ابناء الشعب الفلسطيني ولا بسحب كل امكانيات الحياة والرخاء ولا بالاستيلاء على كل مقدرات الوطن ولا بسياسة فرق تسد، والهوية تقوم بالحفاظ على الوطن والقومية والدين والثقافة والتاريخ والحرية والكرامة...لكننا ما زلنا تحت احتلال احتلال الجنسية الاسرائيلية التي جاءت بالميلاد حين ولدت في اوروبا..للهوية الفلسطينية التي جاءت عبر تاريخ حافل بالتفاصيل والتضحيات.
فيما يتعدى زيارة رسمية للبنان
بقلم: حسن البطل – الايام
لو سألتكم: ما هو البلد العربي الأهم لفلسطين؟ قد تقولون: مصر، سورية، العراق. لكن لو سئلت: ما هو البلد الأهم للفلسطينيين، فسأقول إنه لبنان.
لماذا؟ إنه "مرفأ" اللجوء الفلسطيني بعد عاصفة اضطراب متنقل من العراق إلى سورية ومصر لها تأثير على فلسطين والفلسطينيين المقيمين في بلاد "الربيع العربي" المضطرب.
الأردن، القريب والشقيق، حالة عربية وفلسطينية خاصة، والعلاقات التاريخية والراهنة والمستقبلية بين فلسطين والأردن لها خصوصيتها، جغرافياً وحتى أسرياً وسياسياً.
زيارة فلسطينية للأردن قد تبدو، بروتوكولياً، "رسمية"، لكنها أقرب إلى زيارة "أخوية"، لكن لا ضرورة لرئيس السلطة أن يلتقي أردنيين في عمّان بغير الملك ورئيس الحكومة، وحيث لا ضرورة لملك الأردن، في زيارته الرسمية لفلسطين أن يعرّج إلى إسرائيل، ولا أن يجتمع إلى قادة فصائل م.ت.ف.
هكذا أمر الزيارات الرئاسية الرسمية الفلسطينية إلى الدول العربية: علاقة أقرب الى علاقة دولة ـ دولة، لكن زيارة الأيام الثلاثة الرئاسية والرسمية الفلسطينية إلى لبنان كانت كعلاقة دولة ـ دولة، وأيضاً، علاقة الرئيس الفلسطيني الزائر برؤساء الطوائف اللبنانية، ومع الصحافيين اللبنانيين، ومع الاحترام للصحافة ووسائل الإعلام المصرية، في ربيعها بعد 25 يناير/كانون الثاني، فلا تزال بيروت عاصمة الصحافة والصحافيين العرب
لأسباب معينة، فإن لبنان هو أشبه بباروميتر تقلب الأحوال العربية، وخصوصاً الأحوال السورية الجارية. الانقسامات العربية والإقليمية، وربما الدولية، تنعكس على لبنان، وتحاول أن تجر إليها العنصر الفلسطيني والسلاح الفلسطيني دون كبير نجاح.
خرج الفلسطينيون، رسمياً، من المعادلة اللبنانية شديدة التعقيد، رغم محاولات لجرهم إليها بعد مشكلة مخيم "نهر البارد"، حيث وقف الفلسطينيون في لبنان على الحياد، ووقفت السلطة الفلسطينية الشرعية إلى جانب السلطة اللبنانية الشرعية، والمحاولة الأخرى الجديدة بعد تأثير الاضطراب السوري على لبنان كانت في صيدا، وفي هاتين المحاولتين تعرض الجيش اللبناني إلى اعتداء هو اعتداء على الشرعية اللبنانية.
رئيس الجمهورية اللبنانية، ميشال سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، والرئيس المكلف تمام سلام أثنوا جميعاً على عدم تورط الفلسطينيين وسلاح المخيمات في أحداث لبنان، وآخرها أحداث صيدا.
كانت للثورة الفلسطينية والمخيمات الفلسطينية والسلاح الفلسطيني مشاكل دامية مع جزء من الطائفة اللبنانية الشيعية إبّان "حروب المخيمات"، وكذلك مشاكل دامية مع جزء من الطائفة اللبنانية المارونية خلال الحرب الأهلية ومرحلة "لبنان الفلسطيني".
الآن، يلتقي الرئيس الفلسطيني الزائر مع الرئيس اللبناني الأسبق، والرئيس السابق لحزب "الكتائب" أمين الجميل، ومع أحد رؤساء الطائفة الشيعية نبيه بري، ولولا الظروف الأمنية الخاصة برئيس "حزب الله" لأمكن ترتيب لقاء معه، أيضاً.
عادة، يضع الرئيس الزائر لبلد ما إكليل ورود على نصب الشهداء، ورئيس المنظمة والسلطة والدولة الزائر للبنان وضع إكليلاً على نصب شهداء لبنان. في ساحة الشهداء، وآخر على نصب الشهداء الفلسطينيين في مخيم شاتيلا، وكان لافتاً أن ترتفع أعلام فلسطين من المطار إلى وسط بيروت، كما أن يلتقي رئيس دولة فلسطين بقادة الفصائل الفلسطينية، وأن يكون في استقباله بالمطار ممثلون عن "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، أيضاً.
اضطراب "الربيع العربي" وخاصة في سورية جارة لبنان اللصيقة يثير الانقسام في هذا البلد، ويهدّد سلامه الأهلي والوطني، لكن تبدو فلسطين هادئة في هذا الاضطراب كأنها في "عين العاصفة" العربية، ومشغولة تماماً بصراعها مع إسرائيل والمفاوضات معها، وكذلك في جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني.
اللافت والطريف في الأمر، أن اللبنانيين والفلسطينيين، سواء بسواء، يديرون أزماتهم الوزارية، فالحكومات في البلدين تستقيل، وتكليف الحكومة الجديدة الانتقالية ليس سهلاً.. والانتخابات في البلدين هي الحل، لكنه ليس سهلاً.
الزيارة الرئاسية الرسمية الفلسطينية للبنان تختلف عن زيارة أخرى لبلد عربي، فهي رسمية وشعبية، أيضاً، وهي نموذج للعلاقات الجديدة التي تتوخّاها فلسطين مع دول عالمها العربي.
اليوم القاهرة وغداً غزة
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
حركة الإخوان المسلمين، التي حصلت على الأغلبية التشريعية في فلسطين في كانون الثاني 2006، هي نفسها التي حققت الأغلبية البرلمانية في مصر، ونجح مرشحها محمد مرسي وتولى رئاسته يوم 30 حزيران العام 2012، وكلاهما حقق النتائج بانتخابات نزيهة واعتماداً على انحيازات الشارع الفلسطيني لحركة حماس، والمصري لمحمد مرسي، وكلاهما، من طينة واحدة، فكرية وسياسية وحزبية لمرجعية واحدة، تدين بالولاء للمرشد العام محمد بديع، ولمكتب الإرشاد المركزي (18 عضواً).
حركة المقاومة الإسلامية حماس في فلسطين، وحزب الحرية والعدالة في مصر، وجهان سياسيان لحركة الإخوان المسلمين الواحدة الموحدة، في فلسطين ومصر والأردن وسورية والخليج العربي وباقي الأقطار العربية وتنتشر في أكثر من ثمانين بلداً على مستوى العالم، لها رؤية واحدة، تدعم بعضها بعضاً، وهي روافع لجهاز سياسي واحد يقوده المرشد ومكتبه المركزي، مثلما تفعل ولاية الفقيه الإيراني مع الأحزاب والفصائل التي تتبعه، ومثلما يفعل قائد تنظيم القاعدة أيمن الظاهري مع الفصائل الجهادية التي تدين له بالولاء والارتباط.
"حماس" الفلسطينية، اعتماداً على صناديق الاقتراع تولت رئاستي المجلس التشريعي والحكومة عام 2006، وحزب الحرية والعدالة المصري تولى رئاستي مجلس الشعب والحكومة، اعتماداً على نتائج الأغلبية التي حصل عليها أيضاً عام 2011، في فلسطين لم تكتف "حماس" برئاستي الحكومة والبرلمان، فقامت بانقلابها عبر قرارها الذي أطلقت عليه "الحسم العسكري" واستولت على السلطة والإدارة والأمن والمؤسسات منفردة، تحت حجة استدراك انقلاب كانت تعد له حركة فتح، فتغدت بها قبل أن تكون وجبة عشاء لغيرها، وهي حجة قد تبدو ملفقة وقد تكون صحيحة، ولكنها في الحالتين لم تحصل، واستولت "حماس" على السلطة منفردة منذ حزيران 2007 إلى الآن بلا تغيير أو تبديل أو انتخابات لا طلابية ولا نقابية ولا بلدية وطبعاً برفض مطلق للانتخابات التشريعية والرئاسية، مع أن الرئيس المنتخب انتهت ولايته، والمجلس التشريعي المنتخب انتهت ولايته، والأمر سيان بوجود شرعية أو بفقدانها، بوجود تعددية أو بدونها، فالاحترام والتقدير لمصدر الشرعية الشعب الفلسطيني لا أحد ينظر له لا باهتمام ولا باحترام!!.
وفي مصر فازت حركة الإخوان المسلمين بالأغلبية البرلمانية 2011، وفي رئاسة الجمهورية 2012، وسعت عبر سلسلة إجراءات أحادية من لون واحد، الاستيلاء على مؤسسات صنع القرار برمتها، والاستفراد بالحكم عبر سلسلة قرارات أصدرها الرئيس مرسي وحصّن نفسه من أي مساس بسلطاته، ولكن الشعب المصري الذي أسقط مبارك بالتعاون مع الجيش ورفع الغطاء الدولي عنه، قام بنفس الحركة وبنفس الاحتجاجات وإن كانت أقوى وأشد وأكثر اتساعاً يوم 30 حزيران 2013، نظراً لما يتمتع به الرئيس مرسي من شرعية كونه منتخباً، ويستند لحركة سياسية هي الأقوى ليس فقط على الصعيد المصري، بل هي الأكثر نفوذاً على المستوى العربي، ولذلك تطلب الأمر من أجل التغيير قوى أوسع حتى يتحرك الجيش ويقبل المجتمع الدولي بهذا التحرك وبالتغيير.
سقوط الرئيس مرسي، ليس سقوطاً شخصياً له وحسب، ولكنه سقوط لحركته السياسية التي كانت صاعدة على المستوى العربي، ونجاحها في عدد من البلدان العربية عزز مكانتها خاصة بعد إعادة وصل ما انقطع بينها وبين الأميركيين، فعاد التفاهم بينهما كما كان سائداً طوال مرحلة الحرب الباردة 1950- 1990، وأثمر هذا التفاهم من الطرفين كل من موقعه على تحقيق الهزيمة للعدو المشترك: 1- الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي، و2- حصار العراق ودماره وسقوط نظامه القومي وإعدام رئيسه الراحل صدام حسين.
سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر سيعكس نفسه على اهتزاز نظام حركة حماس الإخواني في قطاع غزة لسببين:
أولهما: معنوي سياسي سيحفز أهالي قطاع غزة نحو التحرك الجماهيري الاحتجاجي السلمي المدني الديمقراطي برفض الأحادية والتسلط وهيمنة اللون الواحد والحزب الواحد على مقدرات البلد المبتلى بالحصار والجوع وغياب الديمقراطية وفقدان تعبيرات التعددية وشواهدها، فشكل ومضمون حكم حركة الإخوان المسلمين وتنظيمها حركة حماس لقطاع غزة، لا يختلف في جوهره ومضمونه وسلوكه الأحادي وتسلطه عن حزب زين العابدين بن علي في تونس، وحزب حسني مبارك في مصر، وحزب عبد الله صالح في اليمن، ولجان معمر القذافي الثورية في ليبيا، وها هو يتعزز الانطباع عنه بعد نجاحه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفشله في إدارة الدولة المصرية، وهو الفشل نفسه الذي يقود حركة حماس الإخوانية في قطاع غزة، لا نظام مقاومة يتصدى للعدو الإسرائيلي، ولا نظاماً ديمقراطياً تعددياً يتوسل تحقيق التنمية والكرامة لفلسطينيي القطاع الذين دفعوا ثمناً باهظاً من أجل التخلص من الاحتلال وطرده ورحيله، فتخلصوا من الاحتلال فوقعوا تحت براثن الأصولية والتخلف والرجعية وسلوك الإخوان المسلمين الأحادي التسلطي المنفرد.
وثانيهما: مادي حيث ستفقد "حماس ظهيرها" ورافعتها ودعمها السياسي من قبل رأس الدولة المصرية، ومن قبل حركة الإخوان المسلمين التي تحولت بفعل الفشل إلى حركة تدافع عن نفسها، بعد أن كانت هجومية في الحفاظ على ما وصلت إليه وتسعى لتطويره وتوسيعه.
ما فعله المصريون في القاهرة، سيفعله الفلسطينيون في غزة، فالعدو واحد وهو العدو الإسرائيلي الذي يعيش رحابة الهدوء بفعل كامب ديفيد المصري وبفعل "تفاهمات القاهرة" الفلسطينية التي توصل إليها الرئيس محمد مرسي مع العدو الإسرائيلي، ووقعه مساعده للشؤون الخارجية عصام الحداد عضو مكتب الإرشاد، مع إسحق مولخو مستشار نتنياهو لفرض وقف إطلاق النار يوم 21/11/2012، ووقف أي عمل مقاوم من غزة باتجاه مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، والخصم واحد في كل من القاهرة وغزة، للقطاع الأوسع من المصريين والفلسطينيين، وهو نظام حركة الإخوان المسلمين في القاهرة وفي غزة، وها هو الأول مطارد من قبل جموع المصريين في الشوارع التي شهدت أكبر احتجاجات على الرئيس الإخواني، والثاني في قطاع غزة الذي يتمتع بالهدوء والاستفراد في الحكم، وهو وضع لن يستديم له، طالما بقي منفرداً ومتسلطاً ورافضاً الاحتكام مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع.
الخطوة القادمة وخطورتها (الاردن)
بقلم: شوقي العيسه - معا
ما يميز اعداؤنا هو التخطيط الاستراتيجي الهادئ ، والقدرة الهائلة على استخدام اخطائنا الناتجة عن غياب التعامل مع السياسة كعلم، ولذلك تجدهم ينفذون خطواتهم بشكل مدروس وبما يخدم استراتيجيتهم بعيدا عن الاحتكام للعواطف واخواتها .
منذ انتهاء الحرب العالمية الاولى وتقسيم الامبراطورية العثمانية لم يتوقف الغرب عن البحث والدراسة السياسية العلمية لما يعرف بالعالم العربي ، وتطوير وتحديث هذه الدراسات باستمرار ، بل واستخدام عقول وكفاءات عربية في ذلك تساعدهم على فهم اعمق لتوجهات المجتمعات العربية ، وتميز تخطيطهم ببعد النظر وبعد المدى هو من مقومات تفوقهم ، استطاعوا بالعمل الدؤوب تقسيم الامة العربية الى دول تحكمها العائلات التقليدية غير القادرة على مواكبة التطور العلمي والاجتماعي والاقتصادي، ونجحوا في طمس نمط التفكير البرجوازي في هذه الدول لابقائها متخلفة مرحلة تاريخية كاملة عن العالم المعاصر ، وحاربوا الطبقة البرجوازية العربية رغم استعدادها للتحالف معهم ، وذلك لمعرفتهم ان هذه الطبقة وان بعد عقود ستكون قد وضعت بذور علوم سياسية واقتصادية واجتماعية خلال بحثها عن مصالحها الاقتصادية وستطالبهم بحصتها من المصالح كند محلي، وفي نفس الوقت كانوا يعرفون جيدا ان هذه السيطرة التي نجحوا في تحقيقها غير دائمة .
في خضم الصراع على النفوذ والسيطرة وتأمين المصالح بين الامبراطورية الامبريالية بكل مكوناتها والامبراطورية الاشتراكية بكل مكوناتها ، قام كل من الطرفين لاسبابه المختلفة بالعمل على اختلاق دولة اسرائيل للحركة الصهيونية في فلسطين التي تقسم العالم العربي الى نصفين آسيوي وافريقي وتمنع التواصل بينهما بمختلف اشكاله وليس الجغرافي فقط ، وكانت استطاعت الحركة الصهيونية العالمية وبشكل خلاق ايهام المعسكر الاشتراكي بانها اقرب اليه في الايديولوجيا وفي نفس الوقت ايهام المعسكر الامبريالي بانها حليف يمكن الاعتماد عليه في تأمين مصالحه في المنطقة . وحرصت الحركة الصهيونية مبكرا في ادبياتها على زرع فكرة ان سيناء من جهة والاردن (ربوت عامون) من جهة اخرى جزأ من فلسطين ، وابقت على هذه الفكرة دون استعمال سياسي كوديعة تستخدم بعد عشرات السنين وفي الوقت المناسب . واصبح العالم العربي بالنسبة لهم جميعا كامرأة ضعيفة بلا سند يتصارعون على التمتع بجسدها كل بطريقته .
كنا كمجتمع عربي خارجين من خمسمائة سنه من السيطرة العثمانية التركية ، استطاع الاتراك خلالها تدمير كل اشكال التعليم والتطور والتقدم العلمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي وذلك لتأمين استمرار هيمنتهم ، وحرص الاستعمار الغربي ومعه الحركة الصهيونية بعد ذلك اشد الحرص على نجاح سياسة هجرة العقول العربية من خلال تحريض الانظمة التقليدية على ان وجود هذه العقول لديهم يشكل خطرا على حكمهم ، ومن خلال الاغراءات والحياة الرغيدة لهذه العقول في الخارج .
ومن خلال دراساتهم فهموا تماما مدى تأثير الدين الاسلامي في وجدان العرب ومدى تأثير الروحانيات والمعتقدات الدينية ان استغلت بشكل سياسي ذكي على تقوية المجتمع والدولة وعلى تأمين قوة للقيادة السياسية في خلق دولة قوية ذات طموحات . وفهموا تماما انه رغم تجذر الدين بهذا الشكل الا ان الدولة العربية (الاسلامية) منذ اول خليفة من الخلافاء الراشدين وحتى العباسيين والامويين كان يحكمها ويسير امورها القادة السياسيين وليس رجال الدين الذين اقتصر دورهم على دعم القيادة السياسية ، ودرسوا جيدا من خلال مستشرقيهم ومن خلال باحثين عرب ومسلمين تلك المراحل التي ظهر فيها جماعات دينية متطرفة وسلفية حاولت جر المجتمع الى الابتعاد عن العلوم والتطور ، وكيف لعبت دورا في زعزعة الدولة والحد من تطورها وقوتها .
ولذلك خططوا بالتعاون مع الانظمة المتخلفة والمهترئة من اجل خلق انسان مسلم جديد ، يحمل في ذاته متناقضات تجعله بالضرورة فاشل ومقتنعا انه فاشل ، انسان هو في نفس الوقت متدين يصلي ويصوم ويحج وكذلك منافق وكاذب واناني ويفكر في المصلحة الشخصية الفردية الاسرية القبلية وليس في مصلحة الجمع اي المجتمع والدولة ، وهكذا شخص هو مهزوز وفاشل في ذاته ولا يمكن ان يساهم في بناء دولة قوية ومتطورة ، ويسهل استغلال تناقضاته في العمل على التدمير الداخلي للدولة .
بالعودة الى مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، ظهرت لدينا حركات تعبر عن العاطفة القومية اكثر من تعبيرها عن السياسة القومية ، واستطاعت ان تجذب الجماهير وتستغل بطش الاستعمار وجرائمه في تحشيد الشعوب العربية على محاربته وكان منطقيا ان تنجح في الاستقلال الشكلي ، وتدخل مباشرة تحت هيمنة ما اصبح يسمى الاستعمار الجديد ، لغياب علم السياسة عنها وانغماسها في عبادة الفرد والفساد ، هذا النمط الذي تجاوزه العالم الغربي وتخلص نهائيا من عبادة الفرد ، وخلق دولة القانون بطريقته . ونحن ونتيجة لكل ما تحدثت عنه ، خلقنا دويلات ضعيفة بعيدة كل البعد عن دولة القانون ، وعبادة الفرد فيها وحكم العاطفة اكثر من العلم جعلها متنازعة بدل المتكاملة وتابعة للاستعمار الجديد بدل المستقلة . وبقيت فاشلة بفضل وجود الشخص المتناقض الفاشل .
مع نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي ، فهم المخططون الغربيون ان الوضع القائم لا يمكن له الاستمرار بنفس الشكل بحكم منطق الاشياء ومنطق حتمية الحركة الدائمة والصراع الدائم ، وانسجاما مع مخططاتهم الاستراتيجية الهادفة الى استمرار النفوذ والسيطرة كان عليهم تطوير نشاطاتهم ، والتي تمثلت في ترسيخ وتعميق شخصية العربي المتناقض الفاشل المقتنع بفشله وتأطيره في مجموعات على اساس غير قومي (طائفي "دين سياسي") وتعزيز التصارع الطائفي الديني المؤدي للتفتت والضعف والاقتتال ، والذي يسهل التحالف مع فئاته ضد بعضها . واقناع العربي ان مصلحته في الطائفة والدين وليس القومية والوطنية لانهم يعرفون تماما انه في العالم العربي الدين يفرق والقومية تجمع.
والحركة الصهيونية ومن ورائها امريكا ومن في خندقها ، يعرفون منذ تأسيس اسرائيل ، ان الخطر الحقيقي عليها يأتي من ثلاث دول عربية فقط هي مصر والعراق وسوريا ، وان بقاءها واستمرار قوتها يتأتى بسيطرتها على كل فلسطين وبفشل هذه الدول الثلاث . ولذلك عملوا على مدى عشرات السنين على بذر الفتنة بين هذه الدول الثلاث والقيام بكل ما يمكن لابقائها على خلاف وعلى اضعاف كل منها على حدة ، وكان لهم ذلك حيث كانت العراق على صراع دائم مع سوريا وكان في كل منها نظام دكتاتوري قمعي لديه جيش عقيدته وولاؤه للدكتاتور ومجموعته او طائفته اكثر من ولائه للوطن والشعب والقومية .
استطاعوا في العشرين سنة الماضية تحقيق مآربهم باضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وعمليا تصفيتها وتقسيم الشعب الفلسطيني ، والسيطرة على كل فلسطين بشكل مباشر وغير مباشر في بعض الاجزاء ، والتخلص من العراق نهائيا وتقسيمها جغرافيا وديموغرافيا ، والعمل متواصل في سوريا التي ستصل الى وضع شبيه جدا بالعراق .
للقيام بكل ذلك استغلوا كل اسلحتهم وادواتهم ، بما فيها القوة العسكرية والانظمة العميلة والمال السياسي ووسائل الاعلام وبعض المؤسسات الدولية التي يهيمن عليها الغرب بما فيها الامم المتحدة ، وكذلك الجماعات الطائفية والدينية التي عملت معهم بشكل مباشر او غير مباشر وعن وعي وقصد وبدون قصد ، بما فيها القاعدة والسلفيين والتنظيمات الجهادية والاخوان المسلمين وحماس وحزب الله والبعث وبعض التنظيمات الوطنية المهترئة .
ماذا تبقى ، بقي عليهم مصر والشعب الفسطيني ، مصر دولة عميقة وذات تاريخ وحضارة ومليئة بالكفاءآت ، والمصري بطبيعته يفكر بمنطق الامبراطورية او على الاقل الدولة الاقليمية ، والجيش المصري يختلف عن السوري والعراقي وعقيدته وولاؤه للدولة والشعب والوطن والقومية اكثر بكثير من ولائه لدكتاتور وفئة ، والشعب الفلسطيني يريد دولة ولا يقبل باقل من ذلك ، وهنا بدأت تتعمق وتقوى خيوط التحالف بين الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل مع جماعة الاخوان المسلمين المصرية والتي ابنتها في فلسطين هي حماس ، في ظل القناعة بان نظام مبارك ساقط ولا يمكن تلافي سقوطه ، وكانت خيوط الخطة تلافي ظهور اي نظام مصري اخر بعد مبارك ايا كان غير الاخوان المسلمين والعمل على دعم الاخوان المسلمين بكل الاشكال ليحكموا مصر ، واستطاعوا ذلك وبدأوا العمل على تحقيق هدفين متوازيين الاول اضعاف الجيش المصري وتفسيخه والتلاعب بعقيدته وولائه واضعاف مصر كدولة اقليمية واهانتها ، والثاني اقامة دولة فلسطينية في سيناء مع اجزاء من غزة وضم الضفة الى اسرائيل مع تهجير قسم كبير من سكانها ، وهنا اورد ما قيل لي من شخص كان حاضرا في جلسة موسعة في غزة تحدث فيها قيادي حمساوي، وقال فيها من ضمن ما قال انا اريد دولة اسلامية وليس مهما ان كانت في غزة مع الخليل او غزة مع العريش (اي سيناء) ، وبدأ مع سقوط نظام مبارك العمل بتسارع على تحقيق هذه الاهداف ، بتسليم الحكم في مصر للاخوان والبدأ في تفتيت اركان الدولة (القضاء والاعلام والمؤسسات والاقتصاد وصولا للجيش ) وادخال مجموعات جهادية طائفية الى سيناء بمساعدة اسرائيل وتسليح هذه الجماعات ونشر الفوضى هناك والتحضير لانفصالها عن مصر ، وبدأت تظهر مقالات في الاعلام الاسرائيلي ومراكز ابحاثهم وكذلك في الغرب تذكر ان سيناء تاريخيا جزأ من فلسطين وليس مصر . اضافة الى تسارع عمل اسرائيل بشكل جنوني على تهويد الضفة واضعاف السلطة وعدم التفاوض معها .
عظمة الشعب المصري ورسوخ عقيدة جيشه دمرت هذه الخطة الى غير رجعة ، ومحاولات الاخوان هذه الايام لتخريب مصر محكوم عليها بالفشل ، ولان امريكا واسرائيل تعرفان ذلك وتعرفان ان انتصار الشعب المصري وجيشه على مخططاتهم سيكون له تأثير قوي على كل المنطقة ، ولانهم ديناميكيون ويطوروا مخططاتهم بسرعة ، فانهم وقبل عودة مصر الى قوة في المنطقة وبدأ تأثيرها على ما يجري في سوريا وغيرها ، فانهم سينتقلون بسرعة الى البديل وهو الاردن ، وبيان الاخوان المسلمين الاردنيين حول (الانقلاب) في مصر والذي تضمن تهديد للدول التي تعترف بعزل الاخوان في مصر يأتي في هذ السياق ، حيث سيبدأوا بسرعة بنشر الفوضى في الاردن واشعال الصراعات تمهيدا لجعلها دولة فلسطينية وترحيل اكبر عدد ممكن من فلسطينيي الضفة اليها .
اما نحن ، كفلسطينيين يجب ان نتعلم من عظمة الشعب المصري ونفرض الوحدة الفلسطينية باسرع ما يمكن . اما كعرب فلن يكون لنا مستقبل بين الامم اذا لم نغير ما بانفسنا واول ذلك خلق الانسان العربي الجديد غير الكذاب فبدون عربي لا يكذب ولا ينافق ويفعل بالسر ما يفعله بالعلن ، وبدون الوصول لقناعة راسخة ان الدين والطائفة تفرقنا والقومية تجمعنا لن تقوم لنا قائمة .