اقلام واراء اسرائيلي 392
16/7/2013
في هــــــذا الملف
الثورة في مصر ـ توصيات لاسرائيل
بقلم: عوديد عيران وآخرون،عن نظرة عليا
قاطعوا اسرائيل دولة الابرتهايد’
بقلم: عاموس جلبوع،عن معاريف
الفيلم الذي نعيشه
بقلم: أسرة التحرير،عن هآرتس
الجانب البشع من ‘الثورة’ الاسرائيلية
بقلم: أوري اليتسور،عن معاريف
البقاء خارج جحر الافاعي
بقلم: زلمان شوفال،عن اسرائيل اليوم
متى سيصبح فعنونو بطلا
بقلم: ألوف بن،عن هآرتس
حقوق المرأة في السعودية مثل رقص التانغو
بقلم: سمدار بيري،عن يديعوت
الثورة في مصر ـ توصيات لاسرائيل
بقلم: عوديد عيران وآخرون،عن نظرة عليا
في 25 كانون الثاني/يناير 2011 خرج 7 ملايين مصري، معظمهم من الشباب، ابناء الطبقة الوسطى، مثقفين ومدينيين، الى الشوارع واسقطوا بمساعدة الجيش نظام الرئيس حسني مبارك. في 30 حزيران/يونيو 2013 خرج 17 مليون مصري مرة اخرى الى الشوارع وطالبوا باستقالة الرئيس المنتخب محمد مرسي. هذه المرة انضم الى الاحتجاج كبار رجالات النظام القديم، الحركة السلفية وكذا طبقة المدينيين الفقراء. بعد ثلاثة ايام، وبمساعدة الجيش، عزل مرسي والاغلبية الساحقة من قيادة الاخوان المسلمين اعتقلت ووضعت قيد الاقامة الجبرية.
في الحالتين ايد الجيش مطالب الشارع، فضلا عن ذلك، استخلص قادة الجيش المصري الدروس من ثورة 2011 وهذه المرة، في ثورة 2013، حرصوا على عدم تصدر الساحة، بل الدفع الى الامام الى القيادة في الفترة الانتقالية شخصيات مدنية، مقبولة عند الجمهور. القاضي عدلي منصور عين رئيسا للفترة الانتقالية، وكلف بمسؤولية اقامة حكومة انتقالية، تشكل لجنة تصيغ تعديلات على الدستور واعداد مصر لانتخابات برلمانية ورئاسية في غضون ستة اشهر. في هذه الفترة الحساسة سيكون على الجيش وأجهزة الامن ان تتصدى لقمع الانتفاضة من جانب مؤيدي الاخوان المسلمين، الحفاظ على النظام والاستقرار والتأكد من الاداء الناجع للحكومة الانتقالية.
منذ بداية الهزة في العالم العربي، شاهدت اسرائيل بقلق الميل الثوري، تغيير الحكم والصراعات الداخلية التي نشأت في دول الشرق الاوسط. ومع ذلك، أظهرت حكومة اسرائيل حصانة وامتنعت عن وعي عن التدخل التصريحي في المجريات، بينما تستعد للتحديات الناشئة، بالقوة وبالفعل، في اطار احداث ‘الربيع العربي’. في السياق المصري المميز، حرصت اسرائيل على الاستمرارية، بل وعززت العلاقات الخاصة مع الجيش المصري، التي تشكل مدماكا مركزيا ومرساة في الحفاظ على علاقات السلام بين الدولتين.
امتنعت حكومة الاخوان المسلمين عن كل علاقة سياسية علنية مباشرة بين الدولتين، ولكنها لم تحاول المس بالعلاقات الرسمية، ضعضعتها أو تآكلها. والمصلحة التي توجه خطى الطرفين كانت ولا تزال منع كل تصعيد وتدهور عسكري ينطوي على خطر المواجهة العسكرية. على هذه الخلفية عمل الحكم المصري على الجسر بين اسرائيل وحماس والتوسط في بلورة تفاهمات وقف النار، في ختام جولة القتال التي نشبت بين اسرائيل والمنظمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 حملة ‘عمود السحاب’.
ثمة أهمية تشكل سابقة لحقيقة أن اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر بقي على قيد الحياة في النظام الاسلامي، الذي يرفض مبدئيا حق الوجود لدولة اسرائيل. من الجهة الاخرى، معقول الافتراض بانه في حالة كان ترسخ فيها حكم الاخوان المسلمين، تعزز واعتمد أقل على المساعدة الاقتصادية الغربية، كان سيندلع العداء الايديولوجي العميق من الاخوان المسلمين تجاه اسرائيل ويقوض اساس المصالح الامنية والسياسية المشتركة بين الدولتين. وقلص اهتزاز حكم الاخوان المسلمين في مصر، في اعقاب الثورة التي وقعت في تموز/يوليو 2013، بدعم وقيادة الجيش المصري، احتمال التحقق القريب لهذا السيناريو. ولكن حتى هكذا يبقى التحدي الامني الكامن في منطقة سيناء ساري المفعول. فمصر تدخل في فترة انتقالية طويلة، ولا سيما اذا لم تستكمل الحكومة الانتقالية المهام التي كلفت بها، وفي اثنائها ستركز على الشؤون الداخلية المتمثلة بالحفاظ على القانون، النظام، الاستقرار ومنع الانهيار الاقتصادي. وفي هذا الاطار سيكون الحكم منشغلا في كبح جماح الاحتجاج الشعبي، قمع بؤر انتفاضة مؤيدي الاخوان المسلمين، وكذا في تعديل الدستور، في الاستعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية وتنفيذها. وستصرف هذه التحديات انتباه الحكم عما يجري في سيناء. ولكن من المتوقع للعمليات الارهابية المتعاظمة للجماعات الجهادية والسلفية في منطقة سيناء، التي ستحاول تحدي الحكم في القاهرة، من خلال الضرب المباشر لممثليه، او بشكل غير مباشر من خلال استفزاز اسرائيل، ان تضعضع الامن في سيناء في ظل الانتقال الى الاراضي الاسرائيلية. نتيجة محتملة للتصعيد في هذه الساحة سيكون الضرر اللاحق بالعلاقات الخاصة بين المؤسسات العسكرية المصرية والاسرائيلية. وتلوح امكانية أن يكون هذا هو التهديد الاكثر اهمية في جبهة الجنوب في الاشهر القريبة القادمة.
تحديات وتوصيات لاسرائيل
الهدف الاستراتيجي الاسرائيلي هو الحفاظ على علاقات السلام مع مصر، بل وتعميقها. مصلحة خاصة لاسرائيل في تثبيت حكم علماني، ليبرالي مسؤول ويؤدي وظائفه بنجاعة في مصر كلها وفي منطقة سيناء. واسرائيل مطالبة بالعمل على عدة مستويات من أجل تحقيق هذه الاهداف.
اسرائيل مطالبة بان تعمق التعاون مع الجيش المصري ومواصلة السماح له باستخدام القوات في سيناء، بحجم يخرج عما يملى في اطار الملحق العسكري لاتفاق السلام، ضد الشبكات الجهادية وشبكات تهريب الوسائل القتالية الى قطاع غزة. وقد استجابت اسرائيل الى طلبات مصرية باستخدام قوات ووسائل تتجاوز قيود الملحق العسكري لاتفاق السلام، ويجب الاستمرار في ذلك.
لقد شهدت مصر عملية متواصلة وسريعة لتضعضع الامن الداخلي. ميليشيات مسلحة، لا تخضع لإمرة محافل الامن، يمكن ايجادها اليوم في كل حي. حكم هذه الميليشيات في الشارع سيتسع كلما استمر التدهور الاقتصادي في الدولة. كما أن من المتوقع تمرد الطبقات الفقيرة، ذات المدى الاوسع.
وبالتالي فان اختبار قدرة الحكم والنجاعة السلطوية سيجد تعبيره في احلال القانون والنظام الداخلي، وكذا في تحسين الوضع الاقتصادي وخلق أماكن عمل. في ضوء ذلك، تحسن اسرائيل عملا اذا ما أيدت مواصلة المساعدة الامريكية الامنية للجيش المصري، توسيع المساعدة المدنية لمصر من جانب الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية، والمبادرة الدولية لتطوير البنى التحتية، التي تحتاجها مصر كالهواء للتنفس.
ويمكن للمحافل الاقليمية، التي انطلاقا من تخوفها على حكمها صلت لفشل وسقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، وعلى رأسها الملكيات السنية السعودية، الاردن وامارات الخليج أن تساعد في استقرار مصر ودعم تصدي الحكم للتحديات القاسية في الداخل، وبالاساس بوسائل اقتصادية. ولاسرائيل تأثير محدود في هذا المجال، ولكن يمكنها أن تحاول اقامة قنوات تنسيق سرية مع الملكيات. فضلا عن ذلك، فان استئناف المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، حتى على نطاق جزئي، يمكنه هو ايضا أن يدفع الى الامام بتنسيق اقليمي واسع ليس فقط في المساعي لاستقرار مصر، بل وايضا في المساعي لبلورة جبهة اقليمية ضد المحور الراديكالي، بقيادة ايران.
لقد كانت العلاقات مع الجيش المصري ولا تزال حيوية. غير أنه بالتوازي، لا يمكن لاسرائيل ان تتجاهل النفوذ المتعاظم لقوى مدنية في مصر الشباب الليبرالي والعلماني، الذي أثر جدا على الاطاحة بالرئيسين مبارك ومرسي. لاسرائيل قدرة تأثير محدودة على الساحة السياسية في مصر، ومع ذلك، فان عليها أن تحاول اقامة قنوات حوار مع الجهات التي تخوض الثورة في ظل الحرص على الامتناع عن استفزاز الجيش المصري. وهكذا يمكن لاسرائيل أن تحاول اسداء المشورة لتلك المحافل المدنية في مواضيع الاقتصاد والادارة. ويمكن لهذه المحافل أن تستعين باسرائيل وبعلاقاتها لتشجيع الاستثمارات في مصر.
يبدو أن احدى الجهات التي تضررت بالشكل الاشد من سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر هي حماس، التي فقدت سندها الايديولوجي والسياسي الاساس. وكذلك، استمرارا لفقدان معقلها في دمشق، تضعضع علاقاتها مع حزب الله، القطيعة بينها وبين النظام في ايران، عقب توثيق العلاقات مع حكم الاخوان المسلمين في مصر، واخراج القيادة السياسية للمنظمة من قطر. وليس هذا فقط بل انها تعتبر في نظر الشباب المصريين، الذين قادوا الثورة، متعاونة مع الحكم الذي اسقط ومنفذة لاعمال العنف التي اضرت بالمجتمع والجيش المصري. وبالتوازي تعاني حماس من انتقاد متعاظم من جانب الشارع في قطاع غزة.
مبادرات لتوقيع السكان في القطاع على عريضة ضد قيادة حماس، وفق النموذج المصري لحركة ‘تمرد’ لاقت استجابة واضحة. فضلا عن ذلك، فان تصميم الجيش المصري للتضييق على خطى المنظمة وقدرتها على احداث تصعيد امني، يجد تعبيره ضمن امور اخرى في المصاعب امام تهريب البضائع، ولا سيما المدعومة، من مصر الى القطاع. وسيجعل تقليص حجوم التهريب من الصعب على حماس الحفاظ على مستوى مداخيلها وبالتالي ستجد صعوبة في احتواء الاحتجاج ضد حكمها. وهكذا ستثور مصاعب في وجه ادخال الوسائل القتالية الى القطاع، ولا سيما الصواريخ والمقذوفات الصاروخية المحسنة.
لا يزال من السابق لاوانه القول اذا كانت هذه المصاعب ستشجع في اوساط قيادة حماس الاستعداد للمضي قدما في المصالحة مع السلطة الفلسطينية، اي الاستعداد لتنفيذ المطالب التي طرحها الرئيس محمود عباس على المنظمة كشرط للانخراط في السلطة.
وبالمقابل، يحتمل ان في ضوء أزمتها، سواء في الساحة الاقليمية أو في الساحة الفلسطينية الداخلية، ان تعود حماس لتحاول تثبيت مكانتها على أساس قدرة الحاق الضرر التي تتمثل بدعم اعمال الارهاب ضد اسرائيل عبر وساطة سيناء، او المبادرة الى احداث تؤدي الى التدهور، التصعيد والمواجهة المباشرة مع اسرائيل.
في كل الاحوال، ترتفع الدافعية للقيام بالعمليات ضد اسرائيل، من جانب حماس وبالاخص من جانب محافل الجهاد من سيناء. وبالتالي، على اسرائيل أن تعزز قدرات الدفاع على طول حدودها مع القطاع ومع سيناء. فحرية عمل اسرائيل تجاه منطقة سيناء مقيدة بالرد الدفاعي في نطاقها. ولهذا السبب، فانها ستضطر الى الامتناع عن خرق السيادة المصرية ومبادئ الملحق العسكري لاتفاق السلام، حتى في سيناريوهات يمكنها فيها أن تداعي بحقها في الدفاع عن النفس. كل هذا كي لا تكون متورطة في الشؤون الداخلية في مصر، والا تصرف الانتباه باتجاه اسرائيل. ومن أجل محاولة تلطيف حدة الدافعية للعنف في صفوف حماس وباقي الفصائل المتطرفة العاملة في القطاع، يمكن لاسرائيل أن تنتهج سياسة توسيع نشاط المعابر الى القطاع واذون الصيد، بل والتفاهمات في ما يتعلق بانتاج الغاز الطبيعي.
وختاما، ينبغي تقويم اسقاط الاخوان المسلمين في مصر في السياق الواسع للميول الاقليمية والهزة في الشرق الاوسط. حتى وقت اخير مضى ساد الاحساس بان الاسلام السياسي هو ‘المنتصر الاكبر’، ولكن سقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، ومعه تبدد مفعول شعارات مثل ‘الاسلام هو الحل، وكذا الدليل القاطع على أن الاسلام السياسي سيجد صعوبة، مثل كل حكم آخر، في التصدي للتحديات المعقدة من الداخل من الخارج، لكل هذا ستكون آثار بعيدة المدى على عموم عناصر الاخوان المسلمين في المنطقة. في الاردن من المتوقع ان يتقلص نفوذ حركة المعارضة من الاخوان المسلمين وتحسين قدرة تصدر الاسرة الحاكمة الهاشمية للحركة.
ويحتمل أن يميل ميزان القوى في المعارضة السورية، التي تقاتل ضد حكم الاسد، الى جانب القوى الليبرالية – العلمانية، على حساب المحافل الاسلامية.
وستكون الميول في هذه الاتجاهات مريحة لاسرائيل، وكان عليها أن تواصل مراقبة تطورها، الى جانب الاعتراف بقدرتها المحدودة في التأثير عليها، في ظل الحفاظ على مسافة عن بؤرة الاهتمام الاقليمي، سواء من جانب الانظمة أم من جانب الجمهور. وفضلا عما قيل اعلاه، من المعقول الافتراض بان حركة الاخوان المسلمين لن تتخلى بسهولة عن الفرصة التاريخية التي تسنت لها للحكم في مصر، في ضوء وزنها ومكانتها في العالم العربي والاسلامي.
وبالتالي من المتوقع صراع داخلي طويل في مصر. والى ذلك لا يمكن أن نقول بحسم بان تأثير الشارع سيعبر عن نفسه ايضا في نتائج الانتخابات للرئاسة والبرلمان. وعليه فان على اسرائيل ان تتصرف بتواضع، وتمتنع عن تصريحات ضارة وان تبقي في يدها مجال المناورة، في مواجهة واقع سياسي متقلب في مصر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
قاطعوا اسرائيل دولة الابرتهايد’
بقلم: عاموس جلبوع،عن معاريف
قبل بضعة أيام تجولنا زوجتي وأنا في مدينة روان في فرنسا. وفجأة لاحظنا صورة جندي اسرائيلي يوجه بندقيته نحو طفل فلسطيني وعائلته الباكية، وكتب عليها: ‘هكذا يبدو الاحتلال الاسرائيلي’. وفيما كنت مندهشا رأيت شابين يضعان صور مشابهة في قلب الميدان. وكتب على قميصيهما شعار ‘قاطعوا اسرائيل، دولة الابرتهايد’، وفوقه ثلاثة احرف: BDS (الاحرف الاولية بالانكليزية لكلمات المقاطعة، الامتناع عن الاستثمار والعقوبات).
يدور الحديث عن مجموعة من منظمات اليسار المتطرف، مع خليط من الاسلام المتطرف واليمين المتطرف. هذا ائتلاف منظمات ‘حقوق الانسان’، الذي يضم بالطبع العديد من الفلسطينيين والذي يشن حملة نزع شرعية ضد اسرائيل. وفكرة ناشطيه هي: نظام أبرتهايد جنوب افريقيا سقط بفضل المقاطعة والعقوبات من الاسرة الدولية، وطريقة المقاطعات هذه يجب استخدامها ضد اسرائيل.
وقد نشأ حديث معهما، ‘لماذا المقاطعة على اسرائيل بالذات، واي أبرتهايد يوجد فيها؟’، سأل. ‘لانه يوجد سور، لانه يوجد احتلال قامع، لانه يوجد حصار على قطاع غزة، لاننا بام أعيننا رأينا كيف ترتكب اسرائيل جرائم حرب، تقتل الاولاد’، اجابا. الحقائق لا تعنيهما، فهما مفعمان بالايمان بالمسكنة الفلسطينية وبحيوانية دولة اسرائيل. وفي النهاية فقط يخرج الارنب من الكيس الفرنسي طليق اللسان عندما يسُأل هل برأيه يستحق الشعب اليهودي دولة. ‘ما الدعوة؟ لا يستحقون! أنتم على الاطلاق لستم شعبا. يجب أن تكون دولة واحدة، ديمقراطية وعلمانية تعيشون فيها بسلام مع الفلسطينيين’. فأنت جدي، أأنت حقا تؤمن بهذا؟ سألت. فاجاب بالقطع: ‘نعم’. لم يكن هذا حوار ازدواجية أخلاق. ذات الفرنسي عرض بالشكل الاكثر بساطة لب الموضوع: ليست تصفية ‘الاحتلال الاسرائيلي’ هي الهدف، بل تصفية دولة اسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
وها أنا في المساء أقرأ مقالا للنائبة حوتوبيلي تقترح حلا من خمس مراحل للمشكلة الفلسطينية، حيث الهدف هو ضم المناطق، منح الفلسطينيين بالتدريج مواطنة اسرائيلية وجلب مليوني يهودي آخرين الى البلاد. وعندها سيكون الحال خيرا. يصعب عليك أن تصدق ما تقرأه من ترهات كهذه، تنبع على ما يبدو من ايمان يهودي متزمت. هي وذاك الفرنسي يوجدان ظاهرا في قطبين متعارضين تماما، ولكن الهدف النهائي مشابه: نهاية دولة اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
إذن لماذا نلوم ‘الاغيار كارهي اسرائيل’ و’الاوروبيين اللاساميين’، اذا كان لب المشكلة في داخلنا، في أوساط تيار سياسي واعلامي يسعى عمليا الى الحل الذي يقوض اساسات دولة اسرائيل. بالفعل، ‘هادموكِ ومخربوك منك يخرجون’. في بناء وتوسيع المستوطنات (باستثناء الكتل الكبرى) يكمن برأيي، خطر زائد إذ انهما يجسدان اللحظة التي يفرض فيها الواقع على دولة اسرائيل ان تصبح دولة ثنائية القومية. وعندها، فان المليوني يهودي الذين تتحدث عنهم حوتوبيلي ورفاقها سيأتون الى البلاد على سجادة ساحرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الفيلم الذي نعيشه
بقلم: أسرة التحرير،عن هآرتس
في فيلم التقطه الاسبوع الماضي متطوع من منظمة ‘بتسيلم’ وثقت قوة متداخلة من جنود جفعاتي وحرس الحدود، تعتقل طفلا في الخامسة من عمره، مشبوها برشق حجر نحو سيارة. وفي الفيلم يظهر جنود يحققون مع الطفل، وديع مسودة، في شارع مركزي، بعد ان اخذوه الى شارع جانبي، وطوال ذاك الوقت والطفل يبكي بمرارة ويصرخ خائفا. عندما يأمر الجنود الطفل بالصعود الى سيارة الجيب العسكرية، يبدأ الطفل بالقفز والعربدة، الى أن يرفعه الى السيارة رجل كبير السن فلسطيني.
في فيلم آخر يظهر الطفل وابوه وهما يجلسان في معسكر للجيش، يدا الاب مقيدة وعيناه معصوبتان. وطوال كل المجريات لا يبدي اي من الجنود رحمة بالطفل المذعور. وكان ما أقلق احدهم هو احد محققي ‘بتسيلم’ الذي وثق الحدث. وكرد على ذلك امتشق كاميرا وصوره.
رد فعل الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي على الحدث تركز على شجب منظمة بتسيلم التي ‘تختار بشكل مغرض نشر أفلام من هذا النوع قبل استيضاح الامر مع الجيش الاسرائيلي’، هكذا حسب الناطق. مصدر عسكري آخر أضاف ان ‘حجرا يرشقه قاصر يمكن أن يلحق ضررا بالارواح’. ولم يجد أي مصدر رفيع المستوى في الجيش الاسرائيلي، فما بالك في الحكومة الاسرائيلية، من الصواب شجب أو انتقاد سلوك الجنود الذي يتعارض مع القانون الذي بموجبه سن المسؤولية الجنائية في الجهاز القضائي العسكري في المناطق هو 12.
كما أن الهجوم على منظمة ‘بتسيلم’ التي تقوم بعمل مقدس في توثيق المظالم التي تقع خلف اسوار عدم مبالاة الجمهور في اسرائيل، ليس صدفة. فهو جزء من حملة نزع شرعية ثابتة ومنهاجية ضد منظمات حقوق الانسان، هدفها تشويش الجانب البشع والعنيف للاحتلال واخفاؤه.
ويجسد رد فعل نفتالي بينيت على الحالة تجسيدا جيد الشكل الذي يعمل فيه جهاز التنكر. فقد قال وزير الاقتصاد: ‘نحن نعيش في الشرق الاوسط. يحيطنا مئات ملايين المسلمين ممن لا يريدوننا هنا. فهل تعتقد اننا سنرقص معهم الباليه على التلال؟… لم أر الفيلم، وأنا واثق انه ليس عاطفيا. إذن توجد احيانا مشاكل’.
اذا كان وزير كبير في اسرائيل لا يكلف نفسه عناء مشاهدة الواقع الصعب الذي يقع على مسافة خطوة، ولكن مع ذلك يرد باستخفاف كهذا، فكيف بنا نلوم الجنود الذين ليسوا سوى مبعوثي تلك الحكومة. حكومة تواصل تنمية الاحتلال وترفض وضع حد للعملية الهدامة التي تجعل مواطنيها مبلدي الاحاسيس.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الجانب البشع من ‘الثورة’ الاسرائيلية
بقلم: أوري اليتسور،عن معاريف
صدفة أو بغير صدفة، انطلق الاحتجاج الاجتماعي في روايته للعام 2013 على الدرب في يوم الباستيل حسب التاريخ الاجنبي، وقبل لحظة من التاسع من آب/اغسطس حسب التوقيت الاسرائيلي. بعد 200 سنة وأكثر، بات مسموحا ان نروي للاطفال دون أن نمس بشرف الثورة الفرنسي بان ليس كل شيء هناك كان عسلا. الحقيقة هي أنه تحت الشعار المثير للحماسة ‘الحرية، المساواة والاخوة’، لم يسر اي شيء كما ينبغي باستثناء المقصلة التي عملت على ثلاث ورديات، 24/7 ومن دون خلل.
عشرات الاف الرؤوس قطعت باسم الحرية والاخوة، وأخيرا باسم المساواة قطعت ايضا رؤوس القاطعين. بعد عشر سنوات من الفوضى والدم، تاقت فرنسا لرجل قوي يفرض النظام. القيصر نابليون وان كان فرض القانون والنظام، ولكنه بالمقابل جر أفضل شباب بلاده الى حملة حربية طموحة دفنت الملايين منهم تحت الثلوج في سهول روسيا.
حتى هنا بالنسبة لـ 14 تموز/يوليو. وبالنسبة للتاسع من اغسطس، لا أحد يفهم اليوم بالضبط على ماذا دار الجدال المبدئي وغير المساوم بين رجال شمعون بار غيورا ورجال يوحنان من غوش حلاف، وماذا كان الخلاف الايديولوجي بين هؤلاء واولئك وبين السكريكيين. المعروف هو أن الموالين للثورات العادلة في القدس المحاصرة حرق الواحد للاخر كل مخازن الغذاء ومخزونات السلاح، فسقطت المدينة في ايدي الرومان. وأجمل الحكماء هذه القصة البشعة بالقول ان الهيكل خرب بسبب الكراهية العابثة. كما يمكن أن نصيغ هذا على نحو مختلف، فنقول ان الثورة ليست دوما هي الصيغة الاكثر نجاحا لتحسين الوضع وتحقيق العدالة الاجتماعية.
نعم، أعرف، لا ينبغي المبالغة. ثمة مسافة هائلة بين الثورة وبضع مئات من التل ابيبيين وجميلي الملبس ممن يهتفون ‘ثورة’. ولكن يوجد منذ الان في الاجواء مستوى ما من العصبية والغضب وقصر النفس، في أنه يوجد مجال، ولا سيما عشية التاسع من اغسطس لاشعال ضوء احمر أو على الاقل شمعة. لا حاجة لا، سمح الله، الى كم الافواه ومنع الانتقال، ولكن حقيقة أنه مسموح حسب القانون السب والشتم والصراخ بحنجرة متفجرة، لا تعني أن هذا مرغوب فيه وجدير، ولا ان على المجتمع أن يقبل هذا بتسامح وببشاشة. عندما تبدأ ثقافة المعقبين على الانترنت تتغلغل الى الخطاب الاسرائيلي السليم، ليس صحيحا المرور على ذلك بصمت.
ان حرية التعبير والتنديد ليست احادية الجانب، ومن يصرخ ‘ثورة’ يجب ان يسمع بان هذا كلام لا يطاق وليس متوازنا. وحتى الحكماء الذين يدعوننا الى أن نتعلم من ميدان التحرير يجب أن يسمعوا بانهم ليسوا حكماء بهذا القدر وحتى لجدعون ليفي الذي يدعو الى مقاطعة دولية لدولته يجب أن يقال: يا سيدي، إما أنك تكتب في صحيفة أو انك معقب على الانترنت. فهذان لا يسيران معا.
لا يوجد قانون يلزم بالحديث على نحو لطيف أو لتنظيف الاسنان، ولكن عندما لا ينظف احد ما فمه بشكل دائم، يجب ان تبدى له ملاحظة بانه ذو رائحة كريهة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
البقاء خارج جحر الافاعي
بقلم: زلمان شوفال،عن اسرائيل اليوم
يشبه الشرق الاوسط حولنا جحر أفاع، تبذل اسرائيل أقصى ما تستطيع كي لا تُدفع الى داخله. ففي سيناء تجري حرب دامية بين الجيش المصري والاصوليين، الذين تدعمهم حماس وهي حرب كان يمكنها ان تنتقل بسهولة الى ارضنا لولا انشاء الجدار (بحث من رئيس الوزراء ورغم معارضة رئيس هيئة الاركان. ونقول بالمناسبة إن هذا الجدار قلل ايضا التسلل من افريقيا بصورة حادة). والوضع في الشمال أشد خطرا. فبقعة دم الحرب الاهلية السورية تتسع الى داخل لبنان، وليس الحديث فقط عن صراع بين قوات الحكومة والمتمردين، بل عن مواجهات عسكرية عنيفة بين المتمردين أنفسهم.
لكن سيكون من الخطأ ان ننظر الى الجحيم حولنا على أنها تتابع انفجارات عنيفة محلية فقط، لأنه سيكون لما يجري تأثيرات بعيدة المدى من جهة الصراع الداخلي بين السنيين والشيعة، ومن جهة المكانة النسبية للجهات الدولية التي تحرك القِدر (ايران وتركيا وروسيا ودول الخليج) والولايات المتحدة ايضا، ودورها الذي تؤديه في المرحلة الحالية غير واضح حتى لها.
ولا يغيب مكان اسرائيل بالطبع عن الميدان ومصلحتنا المباشرة والخالصة في ألا تسبب الاحداث في حيينا الأهوج والخطير تهديدا مباشرا أو في المستقبل لأمننا.
ونقول إن المعاني الجغرافية السياسية في الأمد البعيد أوسع كثيرا ويشمل ذلك النقاش الحالي في ميزانية الامن وتخطيط الجيش الاسرائيلي.
لا يشارك في الحرب في سورية الصقور أنفسهم فقط، بل جاذبات الخيوط وهي ايران وحزب الله، وروسيا والدول العربية السنية (التي ليست هي على مذهب واحد)، فتركيا وامريكا كما قلنا آنفا، بمثابة نصف غائبة. والخيارات في الملخص غير مُبهجة، فاما ان يسيطر على الحدود الشمالية بشكل مباشر أو غير مباشر ايران أو جهات اخرى هي في الجزء الأكبر منها جهادية، وإما ان توجد هناك فوضى دائمة قد يصيبنا شرارها ايضا.
هذه هي السيناريوهات غير المبهجة، لكن ربما لا تكون الاخبار كلها سيئة، لأنه اذا ثبتت الثورة في مصر فان ذلك قد يؤخر سيطرة الاسلام السياسي على سائر أجزاء العالم العربي ايضا، بل قد يضع حدا لهذا التوجه الذي كان الى الآن النتيجة الرئيسة للربيع العربي. وقد يكون بدأ العد التنازلي مع سقوط حركة الاخوان المسلمين في مصر (وسنعلم هذا في الاسابيع القريبة) لضعف حماس التي هي الفرع الفلسطيني عنها.
والوضع أشد تعقيدا بالنسبة لحزب الله، ورغم ان مشاركته الفاعلة في الحرب الاهلية السورية أضرت بصورته وأضرت به ضررا عمليا، فانه اذا غلب الرئيس الاسد في نهاية الامر، فستحظى هذه المنظمة ايضا بنصيب مهم من القيمة السياسية. واذا هُزم الاسد في مقابل ذلك، فسيترك ذلك آثاره على حزب الله بالاضرار بمكانته. وسيكون لهذين السيناريوهين تأثير في استعداد اسرائيل الأمني.
إن الجدل في الميزانية الامنية اذا ليس هو في المال فقط، بل هو في الأساس في الطرق والخطط التي يجب على اسرائيل ان تتبناها لمواجهة الواقع الجغرافي السياسي الجديد، وهو انتقاص ما من التهديد العسكري التقليدي المباشر، لكن مع ازدياد خطر ان تعمل منظمات ارهابية مثل القاعدة (أو حتى حزب الله وحماس رغم أنهما في تراجع الآن) على اسرائيل بطرق قد تفضي بالمنطقة كلها الى حريق. ويقوم من فوق كل ذلك بالطبع التهديد الذري الايراني الذي يقصر زمن صده من يوم الى يوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
متى سيصبح فعنونو بطلا
بقلم: ألوف بن،عن هآرتس
كلاهما شغل مناصب ضئيلة الشأن في منظمات أمنية، اطلعا فيها على أسرار دولة حساسة. وكلاهما اقتنع بأن أرباب عمله مسؤولون عن اعمال غير اخلاقية، واستقر رأيه على النكث بقسَم السرية، وعلى أن يُحدث العالم عنها. وكلاهما جمع مادة بالسر، أما أحدهما فبآلة تصوير، وأما الآخر ففي الحاسوب ثم تركا بلديهما وتحدثا عما يعلمان لصحيفة بريطانية وأحدثا عاصفة دولية. وكلاهما مطارد منذ ذلك الحين من قبل السلطات التي لن تغفر لهما تسريب المعلومات.
سار ادوارد سنودن، عامل المقاولة السابق في وكالة التنصت الامريكية (ان.اس.إي)، الذي كشف عن عمق تغلغلها الى تفاصيل تصفح العالم كله للانترنت والمكالمات الهاتفية لسكان الولايات المتحدة، في السبيل الذي خطه مردخاي فعنونو، العامل التقني السابق الذي أزال السرية عن قرية البحث الذري في ديمونة. وقد علم سنودن أنه اذا اعتُقل فسيعاقب عقابا طويلا في ظروف قاسية كسلفه الاسرائيلي، وخطط لفراره بصورة أفضل منه. لكن حتى لو حظي سنودن باللجوء السياسي في روسيا أو فنزويلا ولم تخطفه الادارة الامريكية من هناك، كما فعلت اسرائيل بفعنونو، فسيقضي ما بقي من حياته مطاردا ولن يعرف السكينة بعد ذلك. وسيكون مثل فعنونو بالضبط الذي يحيا منذ تم الافراج عنه تحت قيود قاسية على حريته.
لكن مع كل التشابه بين افعالهما، كان الرد العام على تسريبات فعنونو وسنودن مختلفا تمام الاختلاف. ولا يوجد تجسيد أفضل من هذا للفروق بين الديمقراطية في اسرائيل والديمقراطية في امريكا، فجهاز الامن هنا يتمتع باجلال يكاد يكون دينيا، ويُرى المس بالمفاعل الذري كتدنيس الهيكل المقدس. وسوّغت قلة قليلة من اليساريين الورعين فقط عمل فعنونو علنا. أما أكثر الجمهور فأحبوا التسريب وكرهوا المُسرب، فقد قرأوا في شغف ما كشف عنه وأسعدهم ان يسمعوا ان عند اسرائيل ’200 قنبلة ذرية’، كما زعم، لكنهم قبلوا موقف السلطة التي عرضته على أنه خائن خطير أو مجرد حالم. وتعب المُجلّون ايضا، فلم يتم تحديث موقع ‘الهيئة الاسرائيلية من اجل مردخاي فعنونو’ منذ عدة سنوات.
ورد الجمهور الامريكي بصورة مختلفة. فهم هناك لا ينظرون الى جهاز الامن في إشفاق مقدس، وتلقى اعمال السلطة دائما ارتيابا سليما، وقد سمّى أصحاب أعمدة صحيفة ليبراليون سنودن ‘بطلا’، وجادلوا من قبلوا موقف الادارة وهو انه كشف عن أسرار ويجب أن يُعاقب. وقبل الجميع حق وسائل الاعلام في نشر ما كشف عنه باعتباره مفهوما من تلقاء نفسه ولم يدّعوا كالصحافة اليمينية في اسرائيل أن ‘الجمهور لا يريد أن يعلم’ ويجب تعريض هذه المعلومات للرقابة. وأظهرت استطلاعات الرأي ان الرأي العام الامريكي منقسم في مسألة هل سنودن وغد أو صدّيق وهل يجب محاكمته؟ ولم يوجد في اسرائيل نقاش عام كهذا في محاكمة فعنونو.
يجب على اسرائيليين يؤيدون سنودن ويرونه محارب حرية كشف عن الامبراطورية الامريكية بتلونها وشرها أن يعاملوا سلفه الاسرائيلي على هذا النحو ايضا. فلا يوجد أي فرق اخلاقي أو عملي بينهما، ومن المثير ان نعلم هل يتغير على مر الزمن تقدير فعنونو في اسرائيل، وهل يُرى مُسربا ضحى بحريته من اجل العامة لا جاسوسا وخائنا؛ وهل سيُرى في يوم من الايام بطلا في نظر اسرائيليين ليبراليين على الأقل. لأن الدرس من قضية فعنونو الذي سيتعلمه سنودن قريبا ايضا هو ان المُسرب الفرد يستطيع فقط ان يثير نقاشا لا أن يغير السياسة أو ‘يضعضع أمن الدولة’. فقد بقي الغموض الذري الاسرائيلي كما كان قبل كشوف فعنونو في 1986، ولم تتحقق مخاوف جهاز الامن من ضغط دولي لاغلاق ديمونة، ولا أمل أنصار فعنونو ان يوجد ضغط كهذا. وهذا ما سيحدث ايضا لما كشف عنه سنودن، فالاستخبارات الامريكية لن تكف عن اعمال المتابعة والتنصت وتفتيش الانترنت. فالدول أقوى كثيرا من مواطنيها حتى من اولئك الذين هم مستعدون للمخاطرة. ‘أيها الموظف والآلي والسائق الذي قالوا له إفعل كذا وكذا’، كما كتب فعنونو في قصيدته ‘إنني جاسوسك’، بقي في آخر النهار وحده مع اختياره المصيري والثمن الذي دفعه عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
حقوق المرأة في السعودية مثل رقص التانغو
بقلم: سمدار بيري،عن يديعوت
بدأت نساء السعودية يجمعن حقوقا كالوضع في رقص التانغو بخطوة ونصف الى الأمام وتوقف وخطوة واحدة الى الوراء، ونظرة تتابع الفقهاء. تصدع الحظر فجأة وأخذت النساء المبادرة في أيديهن وهن يجلسن وراء المقاود. وأصبحوا فجأة يصدرون لهن بطاقات هويات، ويبدأون مناقصة لمذيعات في التلفاز وقائدات طائرات ورياضيات ومديرات مستشفيات، بل إنه يُسمح بركوب الدراجات الهوائية. وفجأة ودفعة واحدة عين الملك ثلاثين امرأة لبرلمان البلاط الملكي.
لكن لا تتحمسوا فالتراث المتشدد ما زال يُلزم صاحبات الحظ الحسن ان يأتين الى العمل عن طريق مدخل منفصل وان يجلسن وراء ستار كي لا يكون اختلاط مع أبناء الجنس الآخر. وتُسمِع البرلمانيات الجديدات آراءهن برسائل نصية فقط.
ويجند رجال أنفسهم لحث النساء على الخروج الى سوق العمل. ويرفع الرجال دعاوى في المحاكم من اجل نساء مضروبات. وهم ينشئون ‘مدينة الصناعة’ للنساء ويجندون 5 آلاف امرأة أصررن على اكتساب ثقافة للعمل في مناصب ادارية رفيعة. وهناك فندق للنساء في مفترق الاعمال في جدة ونوادل في ‘جناح العائلات’، وبائعات في المجمعات التجارية، بل توجد فرقة مطربات ساخرات يسخرن من الظلم.
وصارت طبيبات ومحاميات ونساء اعمال وهاي تيك ومديرات عامات لشركات يستطعن الخروج الى خارج البلاد من دون الموافقة المذلة من المُحرم، التي تُجيز لهن ان يسافرن من غيره. لكن يوجد عائق صغير يثير العصبية وهو ان المُحرم الأب أو الأخ الأكبر أو الزوج يتلقى رسالة صغيرة من منصة جوازات السفر في المطار تُبلغه أمر حُرمته التي يتوقع ان تُقلع بالطائرة. وهو يستطيع في آخر لحظة وبمكالمة هاتفية واحدة أن يبقيها في البيت.
ويوجد ايضا أول فيلم سينما في تاريخ السعودية وهو يحصل على جوائز في مهرجانات دولية واسمه ‘واجدة’، وقصة الفيلم مؤثرة تتحدث عن بنت في الحادية عشرة من عمرها تحلم بدراجة هوائية. ويكشف الفيلم الذي صُنع بموافقة السلطات لكنه لن يُعرض في السعودية التي لا توجد فيها دور سينما عن الوجه الذي لم نعرفه في الساحة الخلفية للقصور الرخامية ومنزلة النساء .
في نهاية الاسبوع صدرت عندنا ترجمة ‘بنات الرياض’ وهي صيغة سعودية تشبه ‘الجنس والمدينة الكبيرة’ وهي عمل أدبي آسر لامرأة وُلد بطريقة الجهد المتراجع. وهو من جهة عمل مُتلقف بسبع نسخ؛ ومن جهة اخرى لا يجوز بيعه في حوانيت الكتب في المملكة، ويتحدث الجميع عن قنبلة متكتكة.
كتبته رجاء الصانع، وهي طبيبة أسنان في السابعة والعشرين من عمرها، كي تفتح نافذة لجناح النساء الغاضبات. وهي تشتكي من انه حينما يدخل التراث من الباب يقفز الحب من النافذة ويتحطم.
وترسل صديقات المؤلفة الأربع اليها رسالة الكترونية حميمة على عمد في يوم جمعة، يملأ المتظاهرون الميادين فيه. وقد سافرت الاولى وهي قمر بعيدا بعد زواجها وعادت مع طفل مطلقة خانها زوجها.
أما الثانية وهي سديم الجريئة فهجرها حبيبها. وتحطمت خطط الثالثة ميشيل وتستطيع لميس وحدها ان تسمح لنفسها بالابتسام.
تُتلقف ‘بنات الرياض’ كالخبز الساخن في العالم العربي. وكتب وزير رفيع المستوى في حكومة السعودية توصية بها فخمة، والنقد شديد التهليل لكن الأديبة اضطرت الى الهرب وراء البحر والى الاختفاء.
يقولون ان الملك عبد الله ممزق، فهو يريد ان يُبطل قنبلة النساء من دون ان يحطم التراث. ولا يوجد أي شيء يستحث على ذلك، فادارة اوباما لم تعد تضغط، وقد رفعت منظمات حقوق الانسان أيديها استسلاما. وفي هذه الاثناء أصبحت النساء خائبات الأمل والقصر يرقص تانغو بحذر. في يوم ما اذا جاء الربيع العربي فلا ينبغي ان يتفاجأوا اذا ملأت ‘بنات الرياض’ الميادين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
