-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 449
اقلام واراء عربي 449
14/7/2013
في هذا الملف
حتى القدس . . لماذا؟
بركات شلاتوة-الخليج الإماراتية
رهانات أمريكا و"الإخوان"
علي جرادات- الخليج الإماراتية
المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
خالد الحروب –الحياة اللندنية
السيناريو الرابع
فهمي هويدي-الشرق القطرية
علاقة الرياض والقاهرة بعد الإطاحة بمرسي
خالد الدخيل –الحياة اللندنية
همام الإخوان وحَرق عمان
عمر كلاب-الدستور الأردنية
مصر ... حتى لا تختلط الأجندات والتحالفات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ألا يستدعـي هذا ألف إنقلاب عسكري؟
صالح القلاب-الرأي الأردنية
ماذا لو اعتذر سلام؟
سمير منصور- النهار اللبنانية
شهيّـة الحكومـة
ماهر ابو طير-الدستور الأردنية
حتى القدس . . لماذا؟
بركات شلاتوة-الخليج الإماراتية
في الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك شهد المسجد الأقصى زحفاً بشرياً من المناطق الفلسطينية كافة، ورغم إجراءات الاحتلال فقد صلى في رحاب الحرم القدسي الشريف 250 ألف شخص في مشاهد أثلجت الصدور، وأكدت أن الأقصى ليس وحيداً .
لكن ما تفاجأ به المصلون والمتابعون هو صورة ضخمة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي على الواجهة الأمامية للمسجد القبلي ممهورة بعبارة “القدس مع الشرعية . . ضد الانقلاب”، إضافة إلى لافتات حملها بعض الأفراد في الساحات كتب عليها “مرسي ليس رئيساً لمصر . . بل زعيم للأمة”، لا أحد يعلم لماذا؟
هذه المظاهر، أثبتت أن هناك خطأ يرتكب بحق أولى القبلتين ويتمثل في نقل الانقسام الذي يعم فلسطين والعالمين العربي والإسلامي إلى ساحاتها، ويزج بقعة طاهرة مقدسة في مزالق السياسة ومؤامراتها ودسائسها، ويقحمها في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، فمن فوّض واضعي هذه الصور بالحديث نيابة عن المدينة وأهلها وعن الشعب الفلسطيني أجمع؟
لقد أثارت هذه المشاهد حنق الكثير من الفلسطينيين، وفجرت نقاشات حادة بينهم في هذه “الظاهرة” غير المسبوقة في قدس الأقداس، كيف لا وقد ظلت على مر الزمن عنواناً للوحدة والتلاحم والتآخي ووحدة الصف في مواجهة الاحتلال الغاصب، وهي التي لم تحتضن يوماً صورة لزعيم أو شهيد أو بطل، فكيف لها أن تُرْفَع على مساجدها صور تمجد شخصاً لم يعمل شيئاً لأجلها وفتح ذراعيه لغاصبيها ومغتصبيها الصهاينة؟ فمرسي لم يلغ “كامب ديفيد” أو يجمدها، وأبقى على المدن المصرية سداحاً مداحاً ل”السياح” “الإسرائيليين”، وخاطب ثعلب الصهيونية الماكر شمعون بيريز ب”الصديق العظيم” .
المؤسف أن اللافتة التي علقت على المسجد القبلي تظهر وكأنها موقف رسمي للقائمين على شؤون الحرم القدسي، حيث من الصعب تسلق جدرانه والصعود إلى سطحه من دون أخذ إذن رسمي من سدنته، لكن من الجيّد أنهم أدانوا هذا العمل، والأمر الجيّد الآخر أن الصورة لم تُزل أثناء وجود المصلين في الساحات، لأن ذلك لو حدث لتحولت ساحات الحرم، لا سمح الله، إلى ميدان من ميادين الانقسام والاشتباك المصري، وقد يكون ذلك أحد أهداف من وقف وراء وضعها .
الفلسطينيون، على وجه التحديد، عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن الشؤون الداخلية لأي دولة وأن يبقوا على الحياد الإيجابي في أي قضية تخص أي دولة جارة أو بعيدة، لأن التجارب الفلسطينية على هذا الجانب أثبتت أن التدخل لن يكون يوماً في مصلحة أي طرف وأن الخاسر الأكبر هو فلسطين وقضيتها وشعبها .
لذلك فإن الأمل أن تظل مدينة القدس وحرمها المقدس عنواناً للوحدة والإجماع ورفض الانقسام، ومكاناً لعبادة الله وتمجيده وحمده وأن تبقى البوصلة موجهة نحو الاحتلال، لا إلى أي شيء آخر .
رهانات أمريكا و"الإخوان"
علي جرادات- الخليج الإماراتية
بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول زادت قناعة صناع القرار الأمريكي بفرضية مركزية الدين في سياسة الشرق الأوسط، ما استدعى البحث عمن يمكن التحالف معه من تيارات الإسلام السياسي . وثمة دلائل كافية على أن البحث استقر على اختيار جماعة الإخوان المسلمين . وجاء حصاد “الإخوان” الانتخابي المبهر بعد الانتفاضات الشعبية العربية التي لم ينالوا شرف إطلاقها أو قيادتها ليزيد قناعة صناع القرار الأمريكي بصحة فرضيتهم واختيارهم، لكن تسونامي الشعب المصري في 30 يونيو الماضي أطاح سلطة “الإخوان” ومعها رهانات تحالفهم مع أمريكا، ما يفسِّر - بدرجة كبيرة - حيرة قيادة البيت الأبيض وارتباكها، وصدمة قادة “الإخوان” وجنون انتقالهم من خطاب النشوة والاستعلاء بعد الفوز بالسلطة إلى خطاب الدعوة إلى ممارسة العنف التكفيري واستدعاء تدخل حليفهم بعد سقوطها . هنا غاب عن ذهن قيادة “الإخوان” التي أصابها عمى البصر والبصيرة حقيقتان، الأولى: الأمريكان براغماتيون ومصالحهم، لا مصالح أدواتهم - بمسمى حلفائهم - هي ما يحدد سياستهم . أما الحقيقة الثانية فأمرُّ وأدهى، هي: ثورة 25 يناير المصرية - رغم خصوصيتها - هي ككل الثورات حدث تاريخي فاصل أطلق عملية تغيير كان من التبسيط تصور إيقاف اندفاعتها من دون تغيير البنية السياسية الاجتماعية والاقتصادية السابقة عليها، أو على الأقل إحداث تعديلات جوهرية عليها . وبالمثل كان من التبسيط - أيضاً - تصور إحداث هذا أو ذاك من دون المرور في تعرجات والتواءات بحسبان أن الثورة المصرية - ككل الثورات - ليست قطاراً يسير على خطين مستقيمين، بل على درب وعرة فيها الصعود والهبوط، وفيها الخسائر والإنجازات . لكن ما لا يمكن تجاهله في الحالات كافة هو أن الشعب المصري تعلم خلال عامين ونصف العام من الثورة أكثر مما تعلمه في عقود سبقتها .
لذلك كله كان من الطبيعي أن تأخذ ثورة 25 يناير مداها بديناميكية خاصة وموجات متتالية، بدليل أن موجتها الثانية جاءت أعتى من موجتها الأولى التي انطلقت جامحة كجموح حصان انطلق بعد حجز طويل . وأكثر، يبدو لي أن موجة 30 يونيو للثورة المصرية لن تكون - على الأغلب - الأخيرة، خاصة أن “الإخوان” ومواليهم في الخارج الإقليمي والدولي يصرون على معاندة حقائق الواقع بذريعة أن ما شهدته ميادين مصر، ولا تزال، منذ 30 يونيو الماضي من طوفان بشري غير مسبوق، ليس موجة ثانية للثورة، بل “انقلاب عسكري مكتمل الأركان” حسب توصيف قادة “الإخوان” الذي لم يتبناه كلياً الأمريكان، رغم محاولتهم استخدام زيفه بغرض الابتزاز ليس إلا .
على أي حال، بعيداً من حالة الإنكار التامة للواقع التي تعيشها قيادة “الإخوان” ومن يواليها أو يستخدمها، داخل مصر وخارجها، فإن الشعب المصري بإطلاقه حدث 30 يونيو التاريخي لم يصحح مسار ثورته، فحسب، بل أضاف على إنجازات موجتها الأولى، الإنجازات الأولية التالية:
أولاً: شق طريق العزل الجماهيري لجماعة “الإخوان”، بعد انكشاف عجزها وفشلها، واتضاح أنها مجرد إجابة خاطئة عن أسئلة الثورة الصحيحة، حيث تبين بما لا يدع مجالاً للشك أنها جماعة - على عكس ما ادعت ووعدت - محافظة فكرياً، وسلطوية استحواذية إقصائية سياسياً، و”نيو ليبرالية” اقتصادياً واجتماعياً، ومستعدة لإبرام الصفقات مع قوى الثورة المضادة بقيادة الولايات المتحدة، خارجياً، ورجال المال والأعمال، داخلياً . وكل ذلك في إطار محاولات احتواء ثورة 25 يناير، وتفصيلها على مقاس الجماعة عبر إدخالها في دهليز مسار دستوري ليبرالي، انقلبت عليه بعد وصول مرشحها لمنصب رئاسة مصر، منصب استغله لمصلحة تمكين “جماعته” عندما انتهك الدستور وتجاوز صلاحياته وأصدر “إعلاناً دستورياً” جعله حاكماً منزهاً بغرض تمرير دستور غير توافقي .
ثانياً: عمق مفهوم الثورة في ذهن عامة المصريين، حيث لم تعد الثورة بالنسبة إليهم مسألة تغيير شخوص . فمرسي، (مثلاً)، صار في الوعي الشعبي صنو مبارك وعلامة فاشلة لتيار سياسي يعيد إنتاج سياسات نظامه، داخلياً وخارجياً، اجتماعياً واقتصادياً، حيث حل رجال مال وأعمال “الإخوان” بقيادة خيرت الشاطر وحسن مالك محل رجال مال وأعمال نظام مبارك بقيادة أحمد عز وحسين سالم . يقول حمدين صباحي بمرارة كأننا “استبدلنا رأسمالية السيجار برأسمالية السواك” .
ثالثاً: زاد انتباه القوى والتيارات السياسية والحركات الشبابية للثورة إلى حاجات الناس الواقعية، بحسبان أن تلبيتها، هو القول الفصل في الحكم على جدارتها، والمعيار الأساس لتقدم أو تراجع شعبيتها .
رابعاً: عمق الوعي الشعبي المصري، بل والعربي، عموماً، بالدور الأمريكي وارتباطاته في الداخل . وتجلى ذلك في إعادة “الميادين” الاعتبار لمفهوم السيادة والاستقلال الوطنييْن ورفض التهديدات والابتزازات الأمريكية، ما يعني تعميق الوعي بأن مصر حتى لو تخلصت من حكم “الإخوان”، فإن الولايات المتحدة تريد، وتعمل على، إبقائها دولة تابعة خاضعة في السياسة والأمن والاقتصاد .
خامساً: أدخل الشعب المصري - بقوة - على خط الصراع بين تياريْن سياسييْن يتبنيان خطاب اقتصادات الليبرالية الجديدة، هما تيار “نظام الإخوان” وتيار “النظام السابق”، ما يفسح المجال لتقوية تيارات سياسية ذات خطاب أكثر عقلانية وأكثر قدرة على حمْل مهمة إعادة بناء الوطنية المصرية، وإعادة صياغة نظام حكم يقوم على العلاقات المدنية، وينتهج سياسة اجتماعية واقتصادية أكثر عدالة وأكثر قدرة على تعزيز استقرار النظام . تجلى ذلك في إطلاق مبادرات لجمع تبرعات تستهدف الرد على التهديد الأمريكي - الابتزازي - بقطع المعونة عن مصر، وفي دعوة الجمعيات الخيرية الوطنية إلى الحلول محل الجمعيات “الإخوانية” التي تقدم الإعاشة لعدد كبير من فقراء مصر، وفي مبادرة بعض الرأسماليين الوطنيين بطرح مشاريع اقتصادية كبرى ذات طابع إنتاجي تنموي، وفي رؤى تنموية مختلفة تقدم بها العديد من العلماء والمفكرين والسياسيين المصريين . وكل ذلك في إطار الرد على سياسة الانفتاح والخصخصة التي غيّبت الفكر التنموي المنتج الذي ساد مصر في العهد الناصري لمصلحة سيادة الفكر الكمبرادوري الاستهلاكي والإفقاري في آن .
قصارى القول: موجات ثورة 25 يناير تتوالى، وكما لم تنفع صفقات “الإخوان” مع الأمريكان في احتواء موجتها الأولى، فإنه لن ينفع لإعادة عقارب جولتها الثانية إلى الوراء وعيدهم بإغراق مصر في موجة جديدة من الإرهاب التكفيري، كخيار يحفل سجلهم بالتحريض عليه وممارسته .
المراهقة الليبرالية وإعادة شحن الإسلام السياسي
خالد الحروب –الحياة
قبل أقل من عام فقط كان ثمة شعاران يتناوبان ميدان التحرير الذي كانت تملأه القوى المدنية والليبرالية في مصر: «يسقط .. يسقط .. حكم العسكر» و»يسقط .. يسقط .. حكم المرشد». في تلك الأثناء، قبل وبعيد انفضاض المجلس العسكري وعودة الجيش للثكنات، كانت هناك اتهامات علنية بوجود تحالف وصفقات بين «الاخوان» والجيش نظمت على نحو ما نوعاً من التقاسم الوظيفي في الحكم. الشعاران المدنيان حول إبعاد العسكر وإبعاد «المرشد» عن الحكم والسياسة مثلاً بوصلة دقيقة وجامعة لما كان من المُؤمل ان تتجه إليه الامور، وهو السير في السياسة بعيداً عن الجيش وبعيداً عن إقحام الدين فيها. تواصلت بعد ذلك المعارضة القوية لحكم «الاخوان» بعد فوز محمد مرسي في الرئاسة، ثم تسارع زخمها مع بروز حركة «تمرد» وصولاً إلى اسقاط الرئيس وعزله بعد التحالف مع الجيش نفسه.
«إقحام العسكر في السياسة» و»اقحام الدين في السياسة» آفات فتاكة من النوع الذي يقضي على أي مشروع للدمقرطة ويكلس السياسة ويغذيها بتنويعات فاشية. بيد انه ليس من اليسير تحرير السياسة والحكم من الإثنين في بلدان لا تزال تعيش حالة من السيولة والتفكك انتجتها عقود من الاستبداد والحكم الطائفي والفردي والقبلي، ولم تتأسس أية بنيات مواطنية ودستورية وطبقات وسطى تشتغل كروافع لأي مشروع دمقرطة. بلدان حقبة ما بعد الاستقلال العربية دخلت في حالة من التكلس والجمود السياسي والثقافي والديني الذي اشبه ما يكون بـ «المستنقع»، وعندما دهمت بعضها موجات الربيع العربي كشفت عمق العفن المتراكم وهول الواقع الذي نحياه، وصعوبة السير الى المستقبل.
مع ذلك لاحت فرصة تاريخية للتخلص من الحالة المُستنقعية والدخول في سيرورة مدنية وتصارعية سلمية تنتقل بالمجتمعات والبلدان الى الامام، وعن طريق الدمقرطة وليس الدم والاقصاء. لكن القوى التي وجدت نفسها في قلب الصراع، سواء كانت اسلامية، ام ليبرالية، ام قومية، ومع اختلافها في كل شيء، كانت تلتقي كلها على ثقافة إقصائية تحتقر التعددية عملياً وموضوعياً، وتضيق ذرعاً بالتعايش مع الخصم السياسي، وفهمها للديموقراطية هش وبدائي إلى أبعد حد. لم تكن هذه مفاجأة كبيرة ذلك ان هذه القوى هي الاخرى من مخلفات ونواتج حالة الاستنقاع الطويل التي أورثت فكراً معوقاً وسياسة معوقة في الحكم والمعارضة على حد سواء. والفرصة التاريخية التي لاحت في تونس ومصر وليبيا واليمن، يتم هدرها الآن بشكل مريع وتتحالف القوى المتصارعة في الإجهاز عليها، تتحكم فيها جميعاً مراهقة سياسية وغرائزية بدائية اكثر من أي شيء آخر.
في مصر تم تفويت الفرصة التاريخية لجهة المضي بصبر وتحقيق انجاز تدريجي وتراكمي في مسار إبعاد الدين عن السياسة، وإبقاء الجيش بعيداً عنها ايضاً. فخلال عام واحد فقط خسر الاسلام السياسي في مصر وفي المنطقة، وعبر السياسة ومن خلال الفشل في الحكم، ما كان قد راكمه من رأسمال سياسي وشعبية انتخابية. كل الشعارات الاسلاموية وضعت على محك الاختبار والقدرة على التنفيذ امام الشعوب والناخبين الذين كانت تجذبهم الوعود الخلاصية في برامج الاسلاميين. لم يكن بإمكان أية قوة سياسية منافسة، او قوة امنية قامعة، او عسكرية مسيطرة، تحقيق الخسارات المتلاحقة والمدهشة التي تجمعت في رصيد الاسلاميين خلال سنة واحدة من وجودهم في الحكم. أهم ما كانت تنجلي عنه تلك السيرورة هو إنكشاف الشعاراتية الاسلاموية امام الناس والناخبين، والتحييد المتسارع لفكرة خلط الدين مع السياسة في وجدانهم، ودفعهم للحكم على أي حزب، بما فيها الاحزاب الاسلامية، من منطلق الاداء والكفاءة وليس من منطلق العاطفة الدينية. لم يكن بالإمكان الوصول إلى ملايين الناس واقناعهم بالفكر والتنظير بضرر استخدام الدين في السياسة، حيث يتشوه الدين وتتعوق السياسة. لكن وجود «الاخوان» في سدة الحكم، وتسيّس السلفيين، حققا من الإنجازات على مستوى كشف الدمار الذي يحمله خلط الدين بالسياسة ما لم تحققه مئات الكتب التي اصدرها كبار المنظرين والمفكرين في المنطقة منذ عبدالرحمن الكواكبي وحتى صادق جلال العظم. هذا الانجاز الديموقراطي الليبرالي الكبير الذي حققه وجود «الاخوان» في الحكم دمره الليبراليون أنفسهم!
صعود الإسلاميين الوئيد والطويل خلال ثمانية عقود ماضية تأسس على عدة اسباب موضوعية. من اهم تلك الاسباب البناء على فشل الافكار السياسية والايديولوجيات الاخرى التي وصلت الى الحكم، أي الوعد بأن ليس هناك من طريق أو حل إلا عبر تسلم الحركات الاسلامية الحكم، وهو ما كان يترجم شعاراتياً إلى «الاسلام هو الحل». ثم هناك زخم «المظلومية التاريخية» وهالة التضحية والبطولة التي تخرجت من رحمها اجيال عديدة من الاسلاميين الجاهزين للموت في اي مكان من اجل الفكرة التي «تحالفت ضدها كل قوى الكفر العالمي». زرعت البذور الاولى لتلك المظلومية في التجربة المريرة التي خاضها «الاخوان» ضد حكم عبد الناصر وما تعرضوا له من اضطهاد وتعذيب في سجونه. ثم تكررت صور من تلك المظلومية في اكثر من بلد عربي على وقع الاستبداد والقمع الذي كان يطاول الجميع. وكان هناك الشعار النضالي والجهادي المعادي لإسرائيل والغرب والذي يطرح نفسه عنواناً للممانعة والوقوف في وجه تعديات الغرب وعنجهيته إزاء المنطقة.
في سنة اولى حكم، سواء في مصر او تونس او ليبيا، توافرت الفرصة الذهبية لشعوب هذه البلدان لإنهاء مفاعيل العناصر والاسباب الكبرى التي عززت قوة وشعبية الاسلاميين في المنطقة. صار بالإمكان اختبار الشعار الفعال والذي يستثمر مشاعر الناس وعواطفهم الدينية «الاسلام هو الحل». وصار بالإمكان تحييد مسألة «المظلومية التاريخية» لأن الاسلاميين اصبحوا في قلب إدارة الحكم ولم يعد يُلحق بهم أي ظلم، بل على العكس صاروا في مكان «الظلمة» في اكثر من حادثة وسياسة. وصار بالإمكان تحييد مسألة استثمار الشعارات المعادية لإسرائيل وللغرب والتلاعب بعواطف الناس ايضا في هذا الموضوع، لأن إسلاميي الحكم في مصر وتونس وليبيا معاً ادركوا تعقيدات المعادلات الاقليمية والدولية وتواضعت همتهم «النضالية» ضد الغرب بخاصة مع حاجتهم إليه هنا وهناك، وبالتالي أُبطل المفعول التعبوي للخطاب النضالوي ضد الغرب.
ما كانت تحتاجه مصر والعالم العربي هو ان يستمر الإنكشاف الاسلاموي على مرأى الناس والناخبين الذين يقررون هم، لا الجيش، ان حكم «الاخوان» يجب ان يُستبدل، وان يتم ذلك ديموقراطياً وانتخابياً. تلك هي السيرورة، التي بطؤها قد يستفز الاعصاب، ومخاطرها لا يُستهان بها، لكنها الوحيدة التي كانت تؤسس لمستقبل ديموقراطي حقيقي لمصر. بيد ان استعجال القوى المدنية والديموقراطية واستنجادها بالجيش أجهض تلك السيرورة، وأعاد بضربة واحدة فقط إلى قلب السياسة ألد اعدائها: الجيش والتوظيف الديني لها.
فالجيش المصري، مثل أي جيش آخر، لا يقوم على بنية ديموقراطية، بل على تراتبية صارمة تقوم على قاعدة «نفذ ثم ناقش». وليس من المُستبعد ان ينفد قريباً صبر الجيش على فوضى الشارع وصبيانية ومراهقة السياسيين، بعد انفلات الميادين في مصر، ويعلن آجلا ام عاجلا حالة الطوارىء ويحكم مباشرة مُقاداً بمنطق تحقيق الامن والاستقرار. أما «الاخوان المسلمون»، ومعهم الاحزاب السلفية، والذين كانت سياستهم وشعبيتهم في إنحدار متواصل، فقد جاءت الرياح في صالحهم على المدى الطويل، وإن كانت خسارتهم كبيرة على المدى القصير. لقد خدمتهم نزعة الانتقام والغرائزية وقصر النظر الذي استبد بالقوى الليبرالية والديموقراطية واستعجالها انهاء حكم «الاخوان»، حيث اعادت خطوة اسقاطهم عبر الاستعانة بالجيش الحياة لعناصر الشعبية والقوة التي اعتاش عليها «الاخوان» عقوداً من الزمن. سيقول الاسلاميون بأنهم لم يُمنحوا الفرصة الكاملة كي يطبقوا شعارهم «الاسلام هو الحل»، مبقين على مفعوله في اوساط الناخبين. وسيعيدون تشغيل آلية «المظلومية التاريخية» على اساس جديد هذه المرة وهو ان كل القوى الاخرى تحالفت مع الجيش لإزاحتهم وسرقة حكمهم الشرعي والمنتخب. وسيعيدون بث الحياة في خطاب عداء الغرب لهم بدليل مساندته للجيش والتغير في مصر، وبذلك نعود الى ما قبل المربع الاول. هذا كله من دون ان نتحدث عن سيناريو تسعير الجنون الاسلاموي القاعدي الذي يفرك يديه فرحاً الآن بإنفتاح «جبهة الجهاد في مصر». والفضل الكبير في كل هذا، أي في إعادة شحن طاقة التيار الاسلامي، إخوانياً ام قاعدياً في المنطقة، وفي تحقيق هذه العودة الارتدادية، يعود إلى قصر نظر القوى الليبرالية واستعجالها غير المبرر وانقياد قياداتها للشارع، بدل ان تقوده.
السيناريو الرابع
فهمي هويدي-الشرق القطرية
هل يمكن أن تلجأ الجماعة الإسلامية في مصر إلى العنف بعد مراجعة المراجعات؟ هذا السؤال طرح عليّ عدة مرات، خلال الأيام الأربعة الماضية، في سياق مناقشات لم تتوقف لما كتبته، يوم ٨/٧ (الثلاثاء) عن خيارات مستقبل مصر. واستبعدت فيه احتمال العودة إلى خيار العنف والاقتتال الذي ساد في الجزائر بعد إجهاض الجيش للتجربة الديمقراطية، كما استبعدت السيناريو الروماني الذي لعب جهاز الأمن فيه لعبته ونجح في استعادة النظام القديم في شكل جديد بعد الثورة على نظام الرئيس شاوشيسكو. لكني لم أستبعد السيناريو التركي الذي هيمن فيه الجيش على السلطة طوال سبعة عقود، ولم ترفع يده عن مقدرات ومصير الشعب التركي إلا بعد أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في عام 2002.
لقد دعاني البعض إلى إعادة النظر في تلك الافتراضات، وانصبت آراؤهم على أمرين، أولهما: أنه لا ينبغي استبعاد سيناريو عودة العنف إلى مصر. وثانيهما: أن السيناريو الأمني الذي اتبع في رومانيا كان بعضه حاضرا في أحداث ما بعد ثورة 25 يناير.
ما أقلقني في هذه الأصداء كان اقتناع البعض بأن الأجواء الراهنة في مصر من شأنها أن تعيد مصر إلى إرهاب أجواء الثمانينيات. ومن هؤلاء من ذكر أنني حين استبعدت خيار العنف، فإنني ركزت على اختلاف الأوضاع بين الجزائر ومصر. لكن ذلك ليس كل شيء، لأن هناك متشابهات بين ظروف البلدين.
قالوا مثلا إن استبعاد فكرة عودة العنف إلى مصر لا ينبغي أن يكون مطلقا، لأنه لا يهبط على الناس فجأة من السماء، ولكن الظروف والتفاعلات الحاصلة على الأرض تستدعيه. آية ذلك مثلا أن تظاهرات المصريين التي تمت خلال العام الأخير شهدت أشكالا من العنف غير مألوفة في المجتمع المصري الذي يمتدح كثيرون وداعته وقلة انفعالاته. كما أن عنف الثمانينيات أيضا تحول إلى ظاهرة غير مألوفة جاءت ردا على عنف السلطة. في هذه النقطة سألني البعض: ما الذي تتوقعه من مؤيدي الرئيس مرسي الذين قتل منهم نحو عشرين شخصا في مظاهرتهم بالجيزة وقتل أكثر من خمسين في مذبحة الحرس الجمهوري، ومن يضمن السيطرة على حماس شبابهم وهم يرون مقار الجماعة تحرق وتنهب على مرأى من الشرطة التي وقفت متفرجة وأحيانا مشجعة؟
أضاف آخر أن هناك فرقا بين طبيعة الشعبين حقا، إلا أنه إذا كان الجزائريون أسرع في الانفعال فإن المصريين ليسوا بالبلادة التي تجعلهم لا يستجيبون للاستفزاز مهما بلغ ــ وإذا كانت الطبيعة الجغرافية مختلفة بين البلدين، إلا أن جغرافية مصر لا تزال تتيح الفرصة للراغبين بممارسة الكر والفر، وفي شبه جزيرة سيناء وفي صعيد مصر الحافل بالصحاري الشاسعة والجبال الشاهقة متسع لذلك. في هذا الصدد لفت انتباهي كثيرون إلى أن السلاح موجود في كل مكان بمصر الآن، والكلام متواتر عن أن في البلد الآن كمية من السلاح لم تعرفها في تاريخها، وقد تسربت تلك الكميات عبر ليبيا والسودان. ومن هؤلاء من قال إن مجموعة السلفية الجهادية المرتبطة بالقاعدة لها أنصارها في مصر، وهم يلوحون بالعنف بين الحين والآخر. صحيح أنه ليس لهم ثقل عددب لأنهم مجرد عشرات من الأشخاص، لكن تصاعد حدة المواجهات الراهنة قد يشجع آخرين من الشباب المتدين للالتحاق بهم.
كان ردي على ما سمعت أنه يحسب لثورة 25 يناير أنها فتحت الأبواب على مصارعيها أمام الجميع للمشاركة في العمل السياسي. وهو ما جذب الإسلاميين كافة إلى الساحة، بعدما أدركوا أن دعوتهم إلى التغيير متاحة من خلال الوسائل السلمية. ومن ثم دخل الجميع إلى الحلبة ومن خلال الشرعية، بمن فيهم الذين استهجنوا الديمقراطية وتشككوا فيها. وترتب على ذلك اختفاء تنظيمات العنف في مصر وطي صفحتها، وذلك إنجاز مهم لا ريب.
قلت أيضا إن الجماعة الإسلامية التي مارست العنف حينا من الدهر أثبتت أنها جادة في مراجعاتها، وتحولت إلى نموذج محترم للنضج في مباشرة العمل السياسي، ومن الواضح أنهم استوعبوا دروس تجربتهم التي مر عليها الآن نحو ربع قرن. وإذا كنت أطمأن إلى أداء ذلك الجيل لكنني لا أستطيع أن أضمن ردود أفعال الأجيال الجديدة من الشباب في ظل أجواء التوتر والقمع الراهنة.
إن إحدى مشكلات تحليل الظاهرة أننا نركز في حواراتنا على عنف الجماعات لكننا نتجاهل أو نسكت على عنف الحكومات، الذي هو في أغلب الأحوال مصدر البلاء وبيت الداء. وإزاء ما قيل عن استعادة الأجهزة الأمنية لدورها التقليدي بعد 30 يونيو فإنني أخشى أن نكون بصدد الانزلاق تجاه عنف السلطة، لذلك فإنني أصحح موقفي من استبعاد السيناريو الجزائري، مضيفا أن ذلك الاستبعاد مؤقت وأنه مستمر حتى إشعار آخر. ولا أخفي أنني بعد الذي سمعته عن دور أجهزة الأمن في مصر قبل تظاهرات 30 يونيو وبعدها، صرت أكثر ميلا إلى قبول فكرة إدماج السيناريوهات الثلاثة، وأكثر قبولا لاحتمال دخول مصر في سيناريو رابع تتداخل فيه بصمات الجزائري مع أصداء الروماني في خلطة توضع في الوعاء التركي ــ والله أعلم...
علاقة الرياض والقاهرة بعد الإطاحة بمرسي
خالد الدخيل –الحياة
في أعقاب قيام الجيش المصري بعزل الرئيس محمد مرسي، تعهدت السعودية ومعها الإمارات العربية ثم الكويت بتقديم دعم اقتصادي لمصر وصلت قيمته إلى 12 بليون دولار أميركي. وهذا دعم كبير حتى بالمقاييس الدولية يتم تقديمه بسرعة لافتة، وخلال فترة قصيرة جداً. من ناحية أخرى، هو خطوة تتسم ببراغماتية سياسية، وسرعة المبادرة. طبيعة هذه الخطوة وتوقيتها أثارا الكثير من الجدل، والكثير من الأسئلة أيضاً. هل كان هذا الدعم بحجمه تعبيراً عن دعم الرياض وأبو ظبي والكويت لإزاحة «الإخوان المسلمين» عن الحكم في مصر؟ أم أنه محاولة لدعم خطوة الجيش لإنقاذ الوضع المصري من حالة الانقسام والانسداد التي وصل إليها؟ كيف ستنظر الدوحة مع أميرها الجديد، الشيخ تميم بن حمد، إلى انفراد ثلاث دول من مجلس التعاون بمثل هذا الموقف الذي يتعارض تماماً مع موقفها؟ كانت قطر في عهد الأمير الأب الشيخ حمد بن خليفة تتعاطف كثيراً مع «الإخوان»، وقدمت لهم الكثير من الدعم بعد الثورة، وبخاصة بعد توليهم الحكم، وهو دعم قدّر حينها بعشرات البلايين من الدولارات الأميركية. هل ما زال الموقف كما هو في عهد الأمير الشاب؟ قد يبدو أنه كذلك، بخاصة مع التزام قناة «الجزيرة» بالموقف نفسه في تغطيتها أحداث مصر الأخيرة. لكن ربما أن الوقت لا يزال قصيراً لإحداث تغيير أو تعديل في الموقف القطري، أو ربما إعادة تموضع. مهما يكن، فإن اختلاف الدول الخليجية حول الموقف من مصر مثال آخر على عدم وجود سياسة خارجية واحدة، أو سياسة قابلة للتنسيق والانسجام لجميع دول مجلس التعاون الخليجي.
من ناحية ثانية، لك أن تتصور كيف استقبل الرئيس السوري بشار الأسد الدعم الخليجي لمصر بعد إزاحة حكم «الإخوان»، وهو الذي استبشر بسقوط هذا الحكم، واعتبره علامة على نهاية الإسلام السياسي في المنطقة. المفترض بناء على ذلك أن يستبشر بدعم الخليج لحكم جديد في مصر يبشر بنهاية هذا الإسلام السياسي. لكن الحقيقة عكس ذلك. يخشى الرئيس السوري أن يؤدي هذا الدعم إلى أخذ مصر إلى أبعد مما كانت عليه في موقفها من نظامه، وبالتالي إلى إحكام عزلته في العالم العربي. في يوم ما، كان النظام السوري، بخاصة في عهد الأسد الأب، يتسلم مثل هذه المساعدات التي ستذهب الآن إلى مصر، وإن كانت بحجم أقل نظراً لفروقات الحجم بين مصر وسورية، واختلاف المرحلة والظروف المحيطة بها. ونحن نعرف الآن أن المساعدات التي قدمت إلى سورية انتهت إلى ما انتهت إليه من دون أي مردود سياسي على الإطلاق. استناداً إلى ذلك، وهو ليس سابقة يتيمة، من الممكن في ظل الوضع السياسي الذي يتسم بالسيولة في مصر هذه الأيام، ومفتوح على أكثر من احتمال، أن تنتهي المساعدات السعودية والخليجية إلى نهاية مشابهة لما انتهت إليه في سورية.
ومثل النظام السوري كيف ستنظر إيران إلى الخطوة السعودية الخليجية، وهي التي أعلنت رفضها تدخل الجيش المصري وإزاحة رئيس منتخب؟ كيف يمكن تفسير اختلاف موقف إيران عن موقف السعودية من عزل الرئيس مرسي؟ الأرجح أن إيران متوجسة من المؤسسة العسكرية المصرية. فهي مؤسسة أُعيد تشكيلها طوال أكثر من أربعين سنة خلال حكم كل من الرئيس أنور السادات والرئيس حسني مبارك. وكلاهما كان على علاقة متينة مع السعودية. كما كانت هناك علاقة تعاون بين هذه المؤسسة ونظيرتها السعودية. يضاف إلى ذلك أنه خلال هذه المدة تعمقت علاقة المؤسسة العسكرية المصرية بالولايات المتحدة. وأخيراً يبدو أن موقف هذه المؤسسة من إيران لا يختلف كثيراً عن موقف نظام الرئيس السابق حسني مبارك. موقف إيران الرافض لإزاحة مرسي بواسطة الجيش يعبر عن هذه الهواجس، وليس عن مبدأ رفض تدخل العسكر في الحكم. لأن طهران تدعم الحكم العسكري في سورية بكل ما تملك، وفي شكل مكشوف. كانت إيران تعمل جهدها لكسب مصر في عهد «الإخوان»، أو على الأقل لجعل موقف القاهرة أقل عداء للنظام السوري، وأكثر قبولاً لرؤيتها هي حول المخرج المطلوب للأزمة السورية. وقد بدا حينها أن طهران حققت بعض التقدم في هذا الاتجاه عندما قدم محمد مرسي مبادرته بتشكيل لجنة رباعية لحل الأزمة السورية تتكون من السعودية ومصر وتركيا وإيران. وقد انسحبت السعودية بهدوء من هذه اللجنة بعد اجتماعها الأول. ثم جاء عزل مرسي ليخلط الأوراق من جديد بالنسبة الى ايران. وأعقبت ذلك بسرعة لافتة خطوة المساعدات السعودية الخليجية، وهي خطوة استباقية تهدد بخطف الموقف المصري بعيداً من تمنيات طهران. هنا تبرز مصر، إلى جانب الشام والخليج العربي، ساحة أخرى للصراع السعودي- الإيراني في المنطقة.
من هذه الزاوية قد لا يكون موقف الرياض من «الإخوان» تحديداً هو العامل الأهم، أو الوحيد وراء مسارعة الرياض لدعم خطوة الجيش بإزاحة مرسي. ربما أن هذا موقف الإمارات، لكن ليس بالضرورة موقف السعودية. يجب أن نتذكر أن السعودية تعهدت في عهد مرسي بتقديم مساعدات تصل إلى ثلاثة بلايين دولار أميركي. يرى الدكتور رضوان السيد في مقالته في صحيفة «الشرق الأوسط» نهار الجمعة الماضي أن هناك علاقة خفية وقوية لـ «الإخوان» مع إيران. ومن ثم يمكن القول إن خطوة الرياض كانت لدعم مبادرة الجيش بقطع الطريق على هذه العلاقة من الهيمنة على مصر. لكن لماذا لا يكون الأداء السياسي السيئ لمرسي في الحكم، ومصر تمر بحالة ثورية غير مستقرة، أدى إلى صدام الشرعية الدستورية مع الشرعية الثورية، وهو صدام انتهى بحالة انسداد سياسي استغلها الجيش للانقلاب على مرسي، بخاصة أن الأخير لم يكن مرناً في تعامله مع الموقف. قبل تدخل الجيش كانت مصر تبدو بالنسبة الى الرياض في حالة عدم استقرار خطيرة. خسرت الرياض كثيراً بسقوط بغداد، وانهيار سورية. وهي لا تحتمل أن تنزلق مصر أيضاً إلى حالة عدم استقرار قد تطول وتخرجها من التوازنات الإقليمية تماماً، وتحولها بالتالي إلى ساحة لتدخلات إقليمية ودولية. وهذا سيؤدي في نظر الرياض إلى فوضى إقليمية سيكون عليها بمفردها مواجهتها، ومواجهة تبعاتها. بهذا المعنى تصبح المساعدات المالية أقل كلفة مما قد يحصل من دونها.
من الواضح أن مصر تفتقد طبقة سياسية ناضجة ومحترفة. ولذلك لم تكن هناك حلول سياسية لكل محطات الانسداد السياسي التي مرت بها مصر منذ سقوط حسني مبارك. وهذا إلى جانب سوء أداء «الإخوان» في الحكم وميلهم الى الإقصاء، وقبل ذلك بروز حركة الشباب التي فجّرت الثورة، تكون مصر قد دخلت حالة ثورية مستعصية أطرافها: طبقة سياسية فاشلة تنتمي الى مرحلة ما قبل الثورة، شباب ثورة من دون تاريخ، ولا يملكون قيادة أو تنظيماً قيادياً، و «إخوان» يتمتعون بشعبية كبيرة لكن من دون تجربة في الحكم. في هذا الوضع برزت المؤسسة العسكرية باعتبارها المؤسسة الوحيدة القوية والمتماسكة التي تستطيع إيجاد وفرض مخارج لكل حالة انسداد. من دون هذه المؤسسة، وفي الحالة التي هي عليها الآن، ستكون مصر في حالة مشابهة للفوضى التي انتهى إليها العراق في ظل الاحتلال الأميركي، وتفكيك مؤسسته العسكرية. وإذا كان النفوذ الإيراني تسلل إلى العراق من خلال الفوضى السياسية، والتنظيمات الشيعية التي جاءت مع الاحتلال، ألا يمكن أن يتكرر الشيء نفسه في مصر؟ من هنا، فإن الاستقرار في مصر من وجهة نظر الرياض، بخاصة بعد سقوط العراق وسورية، لم يعد مصلحة مصرية فقط، بل مصلحة سعودية، وقبل ذلك وبعده مصلحة إقليمية بامتياز.
لكن على رغم كل الاعتبارات السابقة، يبقى السؤال: كيف ستكون عليه العلاقة بين السعودية ومصر بعد الخطوة السعودية؟ هل تنطوي هذه الخطوة على شيء من المغامرة؟ خلال المرحلة الانتقالية الحالية، وهي الثانية بعد الثورة، وبعد الدعم المالي السخي، ستكون علاقة القاهرة بالرياض ودول الخليج العربي مستقرة، بل من الواضح أنها ستتسم بدرجة كبيرة من الود والتعاون. لكن الأمر ليس بالوضوح نفسه بعد نهاية المرحلة الانتقالية. ستشهد هذه المرحلة ثلاثة استحقاقات كبيرة سيتوقف على نتائجها تحديد طبيعة النظام السياسي لما بعد الثورة، وخريطة التحالفات والتوازنات داخل هذا النظام، والطبيعة التي ستستقر عليها علاقات مصر الإقليمية والدولية. وهذه العمليات هي: الاتفاق على دستور جديد، وانتخابات برلمانية جديدة، ثم انتخابات رئاسية جديدة أيضاً. وهذا طبعا على افتراض أن المرحلة الانتقالية ستمر بسلام، ولن تطول كما يتمنى البعض بأكثر من ثمانية أشهر. وعلى افتراض أن هذه المرحلة مرت من دون حالات انسداد أخرى، ولم تطل بأكثر مما هو متوقع، ستكون مصر في صورة مختلفة عما كانت عليه قبل الثورة. على الجانب الآخر ستكون السعودية، على الأرجح، ومعها بقية دول مجلس التعاون، على صورتها القديمة التي عرفها العالم بها. كيف سيكون أثر هذا التغير لدى أحد طرفي العلاقة، وانعدام التغير تقريباً لدى الطرف الآخر، على صيغة هذه العلاقة ومتانتها؟ ولماذا تظل المساعدة المالية هي الآلية الأهم في السياسة الخارجية السعودية حتى في هذه المرحلة؟ رأينا نتائج هذه الآلية في العراق واليمن والشام. هل يمكن أن نرى النتائج نفسها في مصر أيضا؟ للحديث بقية...
همام الإخوان وحَرق عمان
عمر كلاب-الدستور الأردنية
تَكفي زيارة واحدة لموقع جماعة الاخوان المسلمين لمعرفة مدى قناعة الجماعة بالسلوك الديمقراطي ومدى احترامها للرأي الآخر , فهي لا تختلف عن اي صفحة رسمية واخبارها كذلك تتفوق على نمطية وكالات الانباء الرسمية , فخبر خطبة المراقب العام همام سعيد في وليمة رمضان , تم صياغته بنفس الشكل الرسمي المقيت ومنح الخبر ثلاثة ارباع المساحة لكلمة المراقب فيما اكتفى المحرر بكلمات قليلة من خطابات الضيوف وكانوا لمحض الصدفة “ موسى الحديد وعودة قوّاس “ .
شكلا وإطارا الجماعة تمارس عملا رسميا او هكذا تطمح , حتى في مواقعها الاعلامية , وعملها السياسي ينتمي لمدرسة التيارات الشمولية التي انتهى زمنها , ووحدها الجماعة تصّر على مسك خيوط الماضي والاصرار على التمسك بالأمس دون النظر الى اليوم , ورغم الخطاب الذي حمل اشارات وحدوية من همام سعيد الا ان اخوانيته دوما تتكشف على حساب مفردات طارئة على وعيه الحقيقي فاستخدامه لمفردات تشير الى وطنيته وقوميته , سرعان ما تسقط في بئر سحيقة من الواقع الاخواني الداعي الى اسقاط الجغرافيا الوطنية لصالح قوة الفكرة الاخوانية وسطوتها , فالمراقب العام بعد ان أطال في مدح الرئيس المصري المعزول , واسكنه مراتب القديسين وافاض على خصومه بكل المثالب والخطايا , وعرض مواقف مرسي العظيمة لم يتعرض الى اتفاقيات كامب ديفيد ولا الى علاقة الرئيس مرسي بالكيان الاسرائيلي ورسالة مرسي الشهيرة الى شمعون بيرس , وحين وصل الى مناقشة الواقع الاردني طالب الحكومة ان توقف كافة اشكال التطبيع مع العدو الصهيوني وسحب السفراء والغاء معاهدة وادي عربة , وكلنا مع هذه المطالب شريطة ان تلتزم الجماعة بطلبها على الاقل ولا نقول فرضها على جماعتها في ارض الكنانة التي بكاها سعيد بكاءً مرّا .
الجماعة الاخوانية تريد ان نحترق جميعا مقابل انقاذ نظام مرسي , الذي نبكي عودته حرصا على كنانة الامة وليس حرصا على حكم الاخوان كما قال سعيد وقد اضاف نائب المراقب زكي بني ارشيد على نفس الموقع ان النظام الاردني احد ادوات المؤامرة على الشرعية في مصر , وكأن الاردنيين شاركوا في ميادين التحرير على طول وعرض مصر المحروسة , بل هو من نظّم السير في المليونيات , والنظام الاردني فتح الخطوط الجوية والبحرية والبرية لايصال العمال الوافدين الى الميادين وعاد بعد ان شارك في المظاهرات , ولا ندري ان كان زكي يعرف ان مصر هي الشقيقة الكبرى واننا لا نملك ادوات التأثير على الشارع المصري فلا اعلامنا يصل الى هناك ولا قواعدنا العسكرية .
نظام مرسي يعود الى الحكم برغبة الشارع المصري كما رحل برغبته , وما حدث فى مصر فيه عدة أبعاد ,هى أن المصريين شعروا بأنهم خدعوا عدة مرات ، بدءاً من الوعد بأن جماعة الإخوان لن ترشح مرشحا لمؤسسة الرئاسة وصولا إلى وعود كثيرة لم يتم الوفاء بها، انتهاءً بتجاهل متعمد وواضح من قِبل الإدارة السياسية للإرادة الشعبية. والانفصال بين الإدارة السياسية والإرادة الشعبية هو ما يخلق فجوة الشرعية التى وقع فيها الدكتور مرسى .
وهذا يتطلب ان تراجع الجماعة مواقفها وتعيد انتاج علاقتها مع الشارع الشعبي , لا ان تقوم بحرق الاخضر واليابس من اجل عيون الجماعة وعيون كرسيّها , وعلى الجماعة في الاردن ان تراجع ايضا خطابها , بعد ان ادار الناس ظهرها لهم , واكتشفت الحراكات والاحزاب والقوى السياسية ان الجماعة تريدها اكسسوارا للعملية السياسية التي تنتهي بوصول الاخوان الى الشراكة في الحكم لتدوس على الشركاء , كما فعلت في احلاف النقابات سابقا بل كما فعلت في الدعوة الاخيرة لمائدة الافطار التي استثنت منها اصدقاء الامس لخلاف على الموقف والرأي من سوريا , فهل نصدق من يشطب اسما من قائمة دعوة , لخلاف على موقف , سيقبل ان يتشارك في وطن مع الاخرين على ارضية احترام الاراء والاختلاف ؟ مجرد سؤال للنقابي ميسرة ملص ؟
مصر ... حتى لا تختلط الأجندات والتحالفات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ثلاثة أسباب تكمن وراء “موجة السخاء” حيال مصر... الأول، إسقاط حكم الإخوان من بوابة الدولة العربية الأكبر: مصر... والثاني، قطع الطريق على مساعي التقارب المصري – الإيراني التي ظهرت بحذر وخجل زمن نظام محمد مرسي... والثالث، السعي في استرجاع أنظمة الحكم التي أطاحت بها ثورات الربيع العربي، حتى بعد أن سقط قادتها وزعماؤها، في مسعى للبرهنة على عبثية “الثورات” وانسداد آفاقها وارتفاع أكلافها.
في السبب الأول نقول، أن لكل دولة من الدول التي سارعت إلى الترحيب بثورة يونيو والتغيير الذي قادته المؤسسة العسكرية في إثرها، لها “مشكلة خاصة” مع الإخوان المسلمين، تتباين درجة حدتها من دولة إلى أخرى، وهي جميعها تدرج إخوان في المنطقة، في خانة “التهديدات” و”الأعداء الكامنين”، ولقد لاحت أمام هذه الدول، سانحة لأول مرة لتوجيه ضربة قاصمة لزعامتهم ومركز إرشادهم في القاهرة ... صحيح أن هذه الدول ليست المسؤولة عن اندلاع “ثورة يونيو”، ولا هي قادرة على فعلها وتحريكها، لكن الصحيح أن هذه الدول، تهرع اليوم لتقديم شبكة أمان لنظام ما بعد الثورة المصرية الثانية، وهي فعلت ذلك بكل حماس، ومن دون أن يُطلب إليها.
في السبب الثاني نقول: أن عدداً من دول الخليج الأكثر حماساً لدعم “ثورة يونيو” وقيادة المؤسسة العسكرية، عملت منذ ثلاث عشريات من السنين، على عزل إيران وتطويق هلالها الشيعي، بوصفهما مصدر التهديد لأمنها واستقرارها ... هذه الدول، نجحت في السنوات القليلة الفائتة في “إعادة تعريف” العدو، فحلت إيران محل إسرائيل، كعدو أول للأمة العربية والإسلام “السنّي” ... أنشأت معسكراً للاعتدال في مواجهتها، وبعدما تداعت بعض دول هذا المعسكر، تعمل اليوم على إنشاء “معسكر سنّي عربي” للتصدي لها، يضم من ضمن من يضم، قوى سلفية وعلمانية، أنظمة ومنظمات ... والمؤكد أن التطور الطفيف الذي طرأ على علاقات مصر مع إيران زمن مرسي ونظام الإخوان، جاء مغايراً تماماً لما تشتهيه سفن الاستراتيجية الخليجية حيال إيران.
والسبب الثالث، أن بعض أو معظم دول الخليج العربي، كانت نظرت لثورات العربي، ومنذ اليوم،بوصفها مصدراً من مصادر تهديد أمنها القومي ... وهي حاولت أن تحول دون اسقاط النظم العربية القديمة، وعندما عجزت، سعت في امتطاء صهوة هذه الثورات وحرفها عن مسارها ... وهي تجد اليوم في “الثورة على الثورة”، فرصة ثانية أمامها، لتعويم النظم البائدة وإعادة بعثها من جديد ... ولهذا السبب بالذات، وجدنا حماساً خليجياً لدور المؤسسة العسكرية، ولم نر انفتاحاً على الثورة بمكوناتها وقواها المحركة ومشروعها وأهدافها.
ومثلما يريحنا أن تمد بعض هذه الدول أيديها بالعون والمساعدة للثورة المصرية “تكتيكياً”، أقله لتأمين “جرعات غذائية” لجسد الاقتصاد المصري وعروقه المتيبسة، فإننا نخشى أن دخول هذه الأطراف على خط “ثورة يونيو”، إنما يستهدف احتواءها وصرفها عن أهدافها الكبرى في إقامة نظم سياسية ديمقراطية وتعددية تحترم قيم الإنسان وحقوقه، على المدى المتوسط والبعيد ...
والحقيقة أن انحيازنا لصالح “ثورة يونيو” النابع من إيماننا المطلق بالانتقال السياسي التوافقي للديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة وحفظ حقوق الإنسان وحرياته، لا يجعلنا في “خندق واحد” مع من كانوا أكثر حماسة منا لعزل مرسي والإطاحة بإخوانه ... لهم أجندتهم ولنا أجندتنا ... لهم أجنداتهم ولملايين المصريين الذين نزلوا للشوارع أجندتهم ... وما يجري الآن على أرض مصر، هو صراع حقيقي بين أجندات ثلاث، يتعين التمييز فيما بينها حتى لا تختلط الأجندات والتحالفات:
الأولى، إخوانية، عنوانها الظاهر: عودة الشرعية والديمقراطية، أما هدفها الباطن، فهو المضي في سياسة الهيمنة و”الأخونة” وإنفاذ مرامي المشروع الإخواني ومقاصده، مصرياً وإقليمياً
والثانية، ثورية، تعبر عن مصالح ملايين المصريين الذي فجروا “ثورة يونيو” المجيدة، وعنوانها الظاهر والباطن على حد سواء، يتلخص في استئناف مسار “ثورة يناير” والانتقال بمصر إلى ضفاف الحرية والديمقراطية والمدنية والحرية والتنمية والرفاه
والثالثة، رجعية، هدفها استرجاع “المباركية” من دون مبارك، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ووضع مسمار أخير في نعش الربيع العربي، وتستند محلياً إلى “فلول” النظام وبقاياه ... والأهم، استعادة مصر إلى خندق العداء مع إيران وحلفائها.
الإخوان المسلمون وحلفاؤهم في مصر وخارجها يدعمون الأجندة الأولى (الإخوانية)، ولا يعنيهم أمر الحرية والديمقراطية في شيء ... والقوى المدنية والإصلاحية العربية تدعم ملايين ثورة يونيو وأجندتها الديمقراطية والتقدمية ... أما “عاصفة المليارات” ، فتصب في مصلحة الأجندة الثالثة، وتتطلع لاستعادة زمن ما قبل الثورات والربيع وتحالفاته وأولوياته.
ألا يستدعـي هذا ألف إنقلاب عسكري؟
صالح القلاب-الرأي الأردنية
حتى لو أن القوات المسلحة المصرية لم تقم بما قامت به لتصحيح المسار السياسي بعدما إنحرف به الإخوان المسلمون في إتجاه إستبداد كإستبداد العصور الوسطى وشمولية بإسم الدين كشمولية الكنيسة الكاثوليكية في ذروة سطوتها فإنه كان على الجيش المصري وأنه كان على الأزهر الشريف وعلى المصريين كلهم يميناً ويساراً وليبراليين وغير ليبراليين عدم السكوت على كل ذلك «التخريف» الذي شهدته مهرجانات ميدان رابعة العدوية الإخوانية الذي أساء للإسلام ولرسولنا العظيم محمدٍ عليه صلاة الله وسلامه إساءة بالغة.
والسؤال هنا نوجهه إلى «الإخوان» في الأردن وليس إلى «الإخوان» الأردنيين لأن هؤلاء يعتبرون أن ولاءهم ليس لأوطانهم وبلدانهم وإنما لـ»دعوةٍ» ولـ»جماعةٍ» ولـ»المرشد الأعلى» لهذه الجماعة الذي هو الآن محمد بديع المطارد للقضاء في مصر.. وهذا السؤال هو :هل أنهم يقرون كل تلك «الخزعبلات» التي شهدتها مهرجانات «إخوانهم» في ميدان رابعة العدوية والتي أقل ما يمكن أن يقال فيها هو أنها عودة بديننا الحنيف إلى «الخرافات» التي لا يصدقها عقلٌ ولا يقرها مسلم عاقل وراشد!!.
في ميدان رابعة العدوية ،الذي غدا مثابة لإستعادة مُلْكٍ لم يحافظ عليه الإخوان المسلمون وخرج من أيديهم بعد عام واحد فقط رغم أنهم بقوا يتضورون إليه جوعاً ومسغبة لأكثر من ثمانين عاماً، قيلت أشياء يستحق قائلوها والمستمعون إليها أيضاً الجلد وإقامة الحد وقطع الرؤوس لأنها ليست كذباً على الله ونبيه وأوليائه الصالحين فقط وإنما أيضاً إعتداءً على الدين الإسلامي وقيمه وكفراً لا أكثر منه كفر.
في هذا الميدان قيلت أشياء أكثر كثيراً مما قاله مراقب «إخواننا» همام سعيد عندما وصف الرئيس المصري المخلوع بأنه يشبه عمر بن عبد العزيز بورعه وتدينه وتقواه وإيمانه!! لقد قال أحد وعاظ الإخوان المسلمين إن بعض الصالحين في المدينة المنورة أبلغوه أن جبريل عليه السلام دخل في مسجد رابعة العدوية ليُثبت المصلين.. وأنهم رأوا أيضاً مجلساً فيه الرسول صلوات الله عليه وفيه الدكتور محمد مرسي.. فحان وقت الصلاة فقدَّم الناس الرسول ولكن الرسول قدم مرسي ليئمَّ بهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم.. أليس هذا إفتراءٌ على الله وعلى رسوله إن هو ليس كفراً وإلحاداً..؟!.
فهل أصبح محمد مرسي ،الذي وصفه مراقب «إخواننا» الدكتور همام سعيد بانه :»الإمام» الذي أجمعت عليه الأمة ،يتقدم والعياذ بالله على نبينا العظيم، الذي لم يؤم الصلاة بالمؤمنين في حياته غيره إلاَّ أبو بكر الصديق وذلك عندما كان يعاني من مرضٍ شديد، حتى يقال في مهرجانات ميدان رابعة العدوية «الإخوانية» أنَّ الرسول قدَّمه ،أي الرئيس المصري المخلوع، على نفسه؟!.
ثم وهناك رؤيا أخرى نقلها الشيخ أحمد عبد الهادي ،الذي هو أحد وعاظ جماعة الإخوان المسلمين، عن أحد «الصالحين»!! تقول :»أنه رأى ،أي أحد الصالحين هذا، صحراءً بها «50» جملاً وبها شباب وأطفال صغار يلعبون في الرَّمل ولكن مع الوقت جاع الشباب والإبل وإشتد بهم العطش فكان الفزع لله ومع إشتداد الإستغاثة بالله إنفلقت الأرض فخرجت ساقية إرتفاعها عشرة أدوار تقلب الأرض فشربت الإبل وشرب الناس والأطفال وسمع الناس صوتاً يقول :»أرعوا إبل محمد مرسي»!!.. فهل يستطيع حتى «أبو لمعه» ،ذالك الكوميدي المصري، على كذبة بحجم هذه الكذبة التي يستحق صاحبها الجلد حتى تسيل الدماء من قدميه..؟!.
وكذلك فإن هناك شيخاً معتوهاً آخر إسمه مسعد أنور قد زايد على الشيخ همام سعيد وشبه الرئيس المخلوع محمد مرسي بالنبي يوسف عليه السلام من حيث الحكم بعد المعاناة والسجون.. وأيضاً فإن «أبو لمْعه» آخر قد ذكر نقلاً عن أحد «العلماء الصالحين»!! أنه شاهد محمد مرسي وعلى كتفه ثماني حمامات خضروات وهذا يعني حسب تاويله أن الرئيس المعزول سوف يكمل ثمانية أعوام في الحكم... إنَّ هذه هي العقلية التي يريدون أن يحكم أصحابها مصر ويحكموننا ويحكمون العالم العربي والإسلامي كله بها.. إنها عقلية الغول والعنقاء وعقلية الخرافات والأكاذيب التي لا يمكن أن يصدقها حتى أصحاب أنصاف العقول.. إن هذا هو الإصلاح الذي يتحدث عنه هؤلاء.. وبالتالي أليس هذا يستدعي ليس إنقلاباً واحداً وإنما ألف إنقلاب عسكري.
ماذا لو اعتذر سلام؟
سمير منصور- النهار اللبنانية
حسناً، لنفترض اسوأ الاحتمالات في الشأن الحكومي وهو ما يسميه الرئيس المكلف تمام سلام "ابغض الحلال"، لنفترض أنه قرر إحداث صدمة ايجابية تكسر الجمود واصدر بياناً يعلن فيه الاعتذار عن عدم الاستمرار في قبول المهمة، ماذا تكون النتيجة؟ بطبيعة الحال سيتصدر القرار الصفحات الاولى وعناوين وسائل الاعلام ليومين او ثلاثة، وبعدها يدعو رئيس الجمهورية الى استشارات جديدة مع الكتل النيابية لتسمية رئيس مكلف آخر لتأليف الحكومة، وقد تؤدي الى اعادة تسمية سلام مرة ثانية، الا اذا تراجع الذين "اقترعوا" له باجماع غير مسبوق عن خيارهم وقرروا تسمية شخصية اخرى.
والسؤال منذ سنوات طويلة: هل يستطيع رئيس مكلف آخر ان يفعل ما لم يتمكن من فعله تمام سلام؟ وهل الشروط التي وضعت في وجهه ستزول مع غيره؟ وهل صحيح ان المشكلة تكمن حصرا في مطالبة "حزب الله" وحلفائه في 8 آذار بالثلث المعطل او "الضامن"، كما يسميه المطالبون به؟ واذا افترضنا ان رئيساً مكلفاً آخر وافق على اعطاء قوى 8 آذار هذا الثلث، فهل يوافق تحالف قوى 14 آذار وهو الذي يطالب بعدم اشراك "حزب الله" في الحكومة على خلفية "تورطه عسكرياً في الحرب الدائرة في سوريا دعماً للنظام"؟ واذا كان هذا المطلب من باب تحسين الشروط، فهل يقبل هذا الفريق بأقل من ثلث معطل آخر يعطى له؟ للمناسبة لعله الحل الوحيد، اعطاء طرفي الاصطفاف السياسي هذا الثلث وإن على حساب الوسطيين الممثلين برئيس الجمهورية والحكومة والنائب وليد جنبلاط، وهي الكتلة الوسطية نفسها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
وفي كل الحالات، لن يكون في استطاعة اي طرف اقناع الناس بأنها عقدة مستعصية على الحل، الا اذا كان هناك من يدفع في اتجاه عدم تأليف حكومة، في انتظار تطورات ما على الصعيد الاقليمي، او "تمرير" استحقاقات محلية موضع خلاف ونقاش، ومنها التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يحال على التقاعد في ايلول المقبل، تجنباً للفراغ في ظل عدم تعيين قائد جديد للجيش.
وسط هذه الأجواء يبدو واضحاً ان العقدة لا تتعلق بشخص الرئيس المكلف تمام سلام، بل بواقع سياسي مأزوم، وان شيئاً لن يتغير اذا كُلف غيره او حتى اذا اعيد تكليفه، وهذا الواقع ان دل على شيء، فعلى إحجام الطبقة السياسية في غالبيتها، وعن سابق تصور وتصميم، عن القيام بالحد الادنى من واجباتها، وهو التعاون من اجل تأليف حكومة "طبيعية" وتجاوز مرحلة حكومة تصريف الأعمال، التي، مهما فعلت، تبقى محدودة الحركة والامكانات دستورياً، الى انطلاقة جديدة تعطي الناس بعض الأمل في واقع افضل!
شهيّـة الحكومـة
ماهر ابو طير-الدستور الأردنية
لا أعرف لماذا يغضب كثيرون من قرار رفع الضريبة الخاصة على المكالمات الخلوية وعلى أجهزة الاتصال، وهذا شعب يدفع مليارا من الدولارات على الاتصالات سنويا، في ثرثرة قومية، لافائدة من أغلبها؟!.
علينا أن نحتفل بالقرار، لان وجود اكثر من ثمانية ملايين خط هاتفي متنقل ، واكثر من اربعة ملايين مستخدم انترنت، واكثر من تسعين بالمائة ممن اعمارهم فوق الخامسة عشرة يستعملون هواتف خلوية، يقول اننا شعب مترف، ونهدر مالنا على الثرثرة والقصص التافهة.
لا تعرف كيف كان الناس قبيل الهواتف الخلوية، يمضون حياتهم بكل هدوء، فيما جاء الخلوي نقمة على حياة الناس، إذ يتأبط الفقير قبل الغني هاتفين، ويهدر وقته وماله في مكالمات فارغة، فيما رصيد المكالمات السنوي يصل الى مليارات الدقائق، ومتوسط فاتورة الاردني شهريا يصل الى عشرين ديناراً للهاتف الخلوي!!.
يشكو الناس من «الطفر» ليل نهار، لكنك لا تجد مثل هذا التناقض، الذي يبدأ بكلفة مكالمات الخلوي والسجائر وغير ذلك من نفقات يتم حرقها في الهواء، فوق سوء استعمال الاجهزة الخلوية، التي تحولت الى وسائل للنميمة الاجتماعية، وللسهر المحرم، وللثرثرة التي لاتسمن ولاتغني من جوع، فوق خرق الحرمات، والاوقات الخاصة، عبر الاعتقاد ان رقم الخلوي يبيح لك اجتياج من تريد في اي وقت.
الضريبة التي تم رفعها على مكالمات الخلوي والاجهزة، لاتدفعها الشركات، بل يدفعها المواطن، والشركات تخاف من خفض مبيعاتها تحت وطأة ارتفاع الاسعار، وعليها ان لاتخاف، لاننا اكثر شعب يستمتع بشراء اي سلعة يرتفع سعرها لكي يثبت لنفسه ولغيره انه صامد وقوي ولاتهزه اي تغيرات في الاسعار، وعلينا ان نلاحظ ان مبيع السلع في الاردن لايتراجع تحت وطأة الغلاء بل يزداد بيعها.
صديق يمتلك عدة مصانع البان في العالم يقول ان سعر الالبان كلما ارتفع في اي بلد انخفضت مبيعاته، عدا منتجه في الاردن، فكلما ارتفع السعر زادت المبيعات بسبب الحالة النفسية التي تحكم المستهلك الذي يستمتع بجلب السلعة مهما بلغ سعرها ليثبت لعائلته وذاته انه قادر دائما على جلب الغالي والنفيس، حتى لو كان لبن العصفور!.
اجتماعيا كلما ارتفعت اسعار اللحوم البلدية تباهى الناس بإقامة ولائم اكبر في الاعراس وسط فقر الاخرين، حتى يقولوا انهم في ظل الغلاء الحارق لايتراجعون بل يزداد كرمهم، وتتبدى قوتهم الاجتماعية والمالية، وهذه ظاهرة غريبة نراها في كل مكان في هذا البلد.
لترتفع اسعار المكالمات الخلوية، والحكومة مطالبة برفع اسعار كل السلع الاستهلاكية الاخرى حتى يتوقف الناس قليلا عن ثقافة الاستهلاك المميتة، لانهم لايتوقفون لاتحت وطأة نصائح، ولاتحت وطأة ظروفهم الاقتصادية الصعبة، وسوف تثبت الايام ان فاتورة الخلوي في الاردن ستبقى كما هي، وسوف تزداد قيمتها، لان الدينار لاقيمة له عند الناس، ولو سألت احدهم خمسة دنانير لفقير اويتيم لاكتسى وجهه بالنفور، فيما مصاريفه الاستهلاكية التي لافائدة منها ينجح في تأمينها دوما.
الذي فتح شهية الحكومة على الاتصالات الخلوية والاجهزة، حجم استهلاك الناس غير العقلاني، والذي يرى نوعية الاجهزة التي يحملها الناس، وتبديل الاجهزة كل شهرين، والثرثرة المقيتة لاي سبب، يعرف ان اساءة استعمال هذه التقنية فتحت الباب لامتصاص السيولة التي بيد الناس، وهي سيولة يتم استهلاكها دون فائدة في اغلب الحالات، وترى دوما سائق التاكسي وعامل النفايات والموظف الحكومي وموظف القطاع الخاص، وقد تأبط كل واحد خطين، وكأنك امام وزير خارجية لدولة عظمى مشغول بالاتصالات فقط.
لم نؤيد في حياتنا يوما اي ضريبة يتم فرضها على الناس، لكن الضريبة على الثرثرة الفارغة مطلوبة، لعل كثرة تصحو من شكواها ليل نهار من الفقر والديون، لكنها تتصرف في شأن اخر باعتبارها ميسورة، من السجائر المحروقة وصولا الى المكالمات التي لاقيمة لها، ويكفينا ان نعدد الاجهزة الخلوية وارقامها في بيت كل واحد فينا، لنعرف اننا امام وضع غير طبيعي.
لو اجريت دراسة على الاتصالات الخلوية لاكتشفنا ان جملة «شو في مافي» والرد عليها بجملة «صافية وافية» تكلف نصف مليار دولار سنويا، اي نصف فاتورة الاتصالات، فيما بقية الاتصالات تأتي من باب الاسئلة عن الاخبار والطبيخ والاهل والجيران والحب والنجوى، ولايبقى الا جزء قليل يتم استعماله لغايات العمل، او لغايات جدية.
الحكومة من جهتها تقول أيضا أن خزينتها لا صافية ولا وافية!.