اقلام واراء اسرائيلي 401
27/7/2013
في هــــــذا الملف
بين مفاوضات السلام والافراج عن القتلة
هل سيوافق الفلسطينيون على الاعتراف بدولة يهودية؟ وهل يبقى إصرار اسرائيل على عدم العودة لخطوط 1967 ثابتا؟ وأي الطرفين سيضعف أولا اذا ضعف في موضوع القدس؟
بقلم:شلومو تسيزنا،عن اسرائيل اليوم
اوباما لدغ بالنار في جهود وساطته السابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين
بقلم:أورلي أزولاي،عن يديعوت
بين مفاوضات السلام والافراج عن القتلة
هل سيوافق الفلسطينيون على الاعتراف بدولة يهودية؟ وهل يبقى إصرار اسرائيل على عدم العودة لخطوط 1967 ثابتا؟ وأي الطرفين سيضعف أولا اذا ضعف في موضوع القدس؟
بقلم:شلومو تسيزنا،عن اسرائيل اليوم
ذات مرة حينما كان الوزير عمير بيرتس ولدا صغيرا كانت أمه روحمه معتادة ان تشتري من سوق مدينة غزة. وفي أحد ايام الصيف، بدل ان تعود مع السلال يتذكر أنها عادت الى سدروت في شاحنة محملة بصفائح حجرية مصورة. وفي اسبوع واحد تم تصفيح البيت كله من جديد. وبعد عدة سنوات توفيت أمه وسافر لزيارة المدينة التي ولد فيها في المغرب والتي هاجر منها في عمر الخامسة. ووصل الى بيت والديه وقرع الجرس وحينما فُتح الباب أدهشه ان تبين له ان ارضية البيت مغطاة بصفائح حجرية مصورة كتلك التي جاءت بها أمه من غزة.
هل نعود لنشتري من أسواق غزة أم تظل بمنزلة ذكرى طفولة لأبناء الجيل القديم؟ يسأل هذا الاسبوع مبتسما لكن عينيه تُظهران انه حتى هو الظهير الأيسر في حكومة اسرائيل، يعلم أنه لن يكون هنا سلام. سيكون في الحد الاقصى ‘اتفاق طلاق محترم’، كما يطلب الوزير يئير لبيد.
ويسأل بيرتس هل تكون الدولة الفلسطينية التي ستنشأ في نهاية المسيرة في يهودا والسامرة فقط أم تشمل دولة حماس في قطاع غزة ايضا؟ وهل لحكومة اسرائيل موقف من هذا الشأن؟ إن هذا السؤال الصعب هو واحد من طائفة من الاسئلة الجوهرية التي سيتم التباحث فيها في خلال التفاوض في واشنطن بين اسرائيل والفلسطينيين، ويجب ان يحصل قبل كل شيء على حسم القادة وعلى حسم الشعب بعد ذلك باستفتاء الشعب الذي سيتم في نهاية المسيرة التي ستقودها رئيسة حزبه، الوزيرة تسيبي لفني.
يؤمن بيرتس بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ‘انتقل من مرحلة كان فيها معنيا بادارة الصراع الى وضع أصبح معنيا فيه بحله’. ويشارك في هذا الاستنتاج عدد آخر من الوزراء الكبار وفي مقدمتهم الوزير يعقوب بيري من حزب ‘يوجد مستقبل’.
وحاول نتنياهو من جهته في هذا الاسبوع في مركز تراث بيغن في القدس احتفاءً بمرور 100 سنة على ولادة زعيم الليكود ورئيس الوزراء الاسطوري مناحيم بيغن، أن يقنع بصدق نيته. وبيّن نتنياهو قائلا: التحدي الذي يحثني مزدوج وهو ان أمنع نشوء دولة ثنائية القومية بين الاردن والبحر، وان أمنع نشوء دولة ارهاب ايرانية بين الاردن والبحر. وتحدث عن التنازلات التي سيضطر الفلسطينيون الى القيام بها وذلك بعد ذلك ان الطرف الرافض على الدوام هو الطرف الفلسطيني، الى اليوم.
تسوية دائمة لا مرحلية
إن الموضوع المركزي في التفاوض هو موضوع الحدود وهنا سيتحدد عمق تنازل أبو مازن، وموقف اسرائيل واضح وهو أنه لا عودة الى خطوط 1967، وينبغي الحفاظ على الكتل الاستيطانية وعلى القدس وعلى مناطق منزوعة السلاح للحفاظ على الأمن. وقد حصل أبو مازن في واقع الامر قبل ذلك باتصالات سابقة مع اولمرت وباراك على كل الاراضي بحسب خطوط 1967 مع تبادل اراض بنسبة 2 في المئة تقريبا. لكن نقطة بدء نتنياهو مختلفة تماما ولهذا فان التوقع هو ان يتنازل أبو مازن.
من الواضح للجميع انه سيكون في كل تسوية اخلاء لمستوطنات، وهاتان هما كلمتا ‘قرارات مؤلمة’ اللتان استعملها هذا الاسبوع جون كيري ورئيس الوزراء وعدد من وزرائه ايضا. والاسئلة الرئيسة هي كم ألفا من السكان سيضطرون الى الجلاء ومتى سيتم الاخلاء’.
يتوقع ان يبدأ التفاوض هذا الاسبوع في واشنطن. وسيجلس الفريقان الوزيرة لفني ومبعوث رئيس الوزراء المحامي اسحق مولخو مع رئيس الفريق الفلسطيني صائب عريقات، ويُبين كل طرف مطالبه. وسيضطر الطرف الامريكي بعد ذلك الى رؤية كيف يضعون الاقتراحات بعضها على بعض بحيث تترتب. وفي النهاية حينما تبقى الفروق ستأتي اقتراحات تنازلات متبادلة. إن القضية الجوهرية التي يتوقع عدم الاتفاق عليها ولا يوجد كما يبدو اليوم طرف مستعد للتنازل فيها هي مسألة القدس.
التقى أبو مازن كيري وبينهما صورة المسجد الاقصى في جبل الهيكل. إن نتنياهو هو الذي سك عبارة ‘صخرة وجودنا’ بشأن ذلك المكان. فماذا سيحدث حينما لا يُحرز اتفاق بشأن القدس؟ إن أحد التقديرات هو ان يتم احراز تسوية مرحلية.
اذا حدث اتفاق على الحدود وعلى الترتيبات الامنية وعلى الموضوعات الاقتصادية والحركة. وغير ذلك، لكن لم يُحرز اتفاق بشأن القدس واللاجئين، فسيكون من الممكن إتمام اتفاق جزئي. ‘لكن لا’، كما يُبينون حول نتنياهو. فقد كرر رئيس الوزراء قوله في احاديث مغلقة إن هدف التفاوض هو اتفاق دائم. وهذا ثابت ايضا في اعلان كيري. ويعلم نتنياهو انه يوجد ثمن باهظ للاتفاق، لكن لن يكون ثمنا عادلا اذا لم تكن تسوية نهائية يمكن ان يُقال بعدها ‘نهاية الصراع وإنهاء المطالب’. حينما لا تُحصر العناية فقط في الطرف الاسرائيلي. فسيكون الكثير معلقا بقدرة الوسيط الامريكي، فاذا استطاع ان يمنح الجميع الشعور بأنهم حصلوا على أكثر مما حصلوا عليه وبأنهم الرابحون.
‘أريد قرارا تاريخيا’
‘من الواضح ان نتنياهو يريد انهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني’، قال هذا الاسبوع أحد وزراء الليكود فضل ألا يُذكر اسمه، ‘خلص نتنياهو الى استنتاج انه يريد ان يترك وراءه قرارا تاريخيا يفضي الى تغيير الواضع لا الى تحسين الواقع كما فعل مثلا بانشاء الجدار على الحدود المصرية. ولن يُرفض أي اتفاق منطقي يأتي به نتنياهو من الحكومة والكنيست والشعب. والسؤال الوحيد هو ما هو الثمن المستعد نتنياهو لدفعه عن الاتفاق. يريد الفلسطينيون 100 في المئة، ونتنياهو مستعد ليدفع 60 في المئة من الثمن فقط’.
ويوافق يوسي بيلين ايضا وهو من مهندسي اتفاق اوسلو على هذا التوجه. في حفل التوقيع على كتاب رون بونداك ‘قناة سرية’ اجتمعت قيادة اليسار في اسرائيل في قاعة واحدة، في قاعة متحف تل ابيب. وقال بيلين انه يرى ان ‘نتنياهو يريد سلاما حقا، لكنه غير مستعد لدفع ثمن السلام’.
وفي مقابل ذلك، والآن خاصة، في وقت تزيد فيه ايران تدخلها في سورية ولبنان، هناك من يقولون ان هذا ليس وقت إدخال دولة اخرى غير مستقرة الى المنطقة. فالوزير عوزي لنداو مثلا من اسرائيل بيتنا على يقين من انه يجب الانتظار بضع سنين. ورب عمل لنداو، افيغدور ليبرمان، محرر من قيود الحكومة لأنه ليس وزيرا الى أن تتضح أموره. وقد التقى باعتباره رئيس لجنة الخارجية والامن في هذا الاسبوع رئيس لجنة الخارجية في البرلمان الاوروبي، إلمار بروك. وبعد ان بين ليبرمان ان بروك هو ‘من الأخيار’، وصديق لاسرائيل أطلق سهام نظريته. ‘إن سلوككم أيها الاوروبيون ينبع من عدم فهم أساسي، بل ربما ينبع من نوع من الوسواس المعادي لاسرائيل.
‘يستعمل الاتحاد ضغطا على اسرائيل فقط ويتجاهل حقيقة انه في الوقت الذي كانت تتولى مقاليد الحكم فيه في اسرائيل الحكومات الأكثر ‘حمائمية’ والتي كانت مستعدة لخطوات بعيدة المدى للتوصل الى السلام، رفض الفلسطينيون ذلك. لو أنني اليوم وزير الخارجية لأمرت فورا بوقف كل تباحث مع الاتحاد الاوروبي يتعلق بالتفاوض. إن اعتقاد انه يمكن اليوم احراز اتفاق شامل بازاء ما يحدث في المنطقة يشبه اعتقاد انه يمكن وضع أسس وبناء مبنى جديد زمن زلزال’، قال ليبرمان، ومن المهم ان نسمع هذا الكلام لأن لليبرمان سيطرة على اصابع وزرائه.
مسألة السجناء
يتوقع ان تُجيز الحكومة يوم الاحد بدء التفاوض، وان تقرر ان يؤتى بكل اتفاق سياسي ليتم استفتاء الشعب فيه وان يفوض فريق وزراء خاص يوافق على الافراج عن الـ 85 مخربا من القتلة السجناء في اسرائيل من الفترة التي سبقت اوسلو. وسيتم الافراج عنهم فقط بعد اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة وبعد ان يتبين ان أبو مازن لن يطلب هناك اعترافا لانشاء دولة فلسطينية.
يستطيع نتنياهو ان يعد أمام الوزراء في رضى الانجازات التي في العودة الى التفاوض والحديث هنا عن انجازاته الشخصية مع الامريكيين والاوروبيين واللجنة الرباعية. ويملك نتنياهو مستندات تُبين أنه أوفى بأهداف وقف الطوفان الذي كان بعد التفاوض الذي أجراه اولمرت.
تم الاتفاق على ان تجري المحادثات فترة طويلة. ولذلك أُفشل أبو مازن عن امكانية ‘الهرب’ في المنتصف وان يجر اسرائيل الى لعبة اتهامات. لن يتجه الفلسطينيون الى الامم المتحدة ولن يقوموا باجراءات من طرف واحد. وتقرر الى ذلك انه لا يوجد تجميد للبناء. وهناك انجاز مهم آخر هو تأييد الجامعة العربية للاجراء، والدفع عن كل ذلك هو الافراج عن مخربين قتلة.
يزعم وزراء الحكومة ان الافراج لا يؤثر من جهة استراتيجية أو أمنية. فالمخربون الذين سيُفرج عنهم حُكم عليهم بعقوبات تزيد على سجن مؤبد واحد بسبب قتل. وعدد السجناء المرشحين للافراج عنهم 85. وهذا موضوع مؤلم لكنهم يأملون في ديوان رئيس الوزراء ان يمكن بواسطة علم الاحصاء تليين الرأي العام، فعلى حسب معطياتهم أفرجت اسرائيل في السنوات 1993 ـ 1999 عن 6912 مخربا، وأُفرج في السنوات 2003 ـ 2008 عن بضعة آلاف في عشر جولات في اطار ‘تفضلات’.
اتصل بالوزراء هذا الاسبوع ممثلو عائلات ثكلى بمبادرة من منظمة ‘ألمغور’. وطلبوا الى الوزراء ان يستقبلوهم للقاء يحاولون اقناعهم فيه بالقصص الشخصية بعدم تنفيذ الاجراء وعدم الافراج عن السجناء. وكان النموذج الذي كان أمام نواظرهم ذاك الذي استعمله والدا غلعاد شليط.
ولم يستصوب أحد من الوزراء الموافقة على لقائهم سوى وزيرين هما مئير كوهين وعوزي لنداو اللذان شجعاهم بذلك على ان ‘يصوتوا اعتراضا’. وقال سائر الوزراء إنهم ‘يعرفون الموضوع′. في أحاديث مع وزراء يؤكد الجميع انه لا توجد مشكلة استراتيجية في الافراج عن مخربين، لكنهم يفضلون تجاهل مسألة الافراج عنهم الاخلاقية والقيمية.
وهناك سؤال آخر يضايق الوزراء وهو هل يُطرد المخربون الذين سيفرج عنهم الى القطاع أم يُسرحون الى بيوتهم في يهودا والسامرة؟ أوتُسهم صور مخربين قتلة تم الافراج عنهم يحتفلون في ميدان في رام الله بمشاركة أبو مازن، في المفاوضات أم تضر بها؟ في الماضي حينما كان أبو مازن يشارك في احتفالات الافراج عن مخربين قتلة ويمدحهم باعتبارهم محاربي حرية، كان نتنياهو يرى خطر ذلك باعتباره خطوات تضر بالتفاوض. فهل يمكن ان تكون هذه المرة ضربة طفيفة فقط في جناح الطائرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اوباما لدغ بالنار في جهود وساطته السابقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين
بقلم:أورلي أزولاي،عن يديعوت
في الثالثة والنصف فجرا نُقلت على عجل تريزا هاينتس كيري الى المستشفى مع علامات جلطة. وخشي الاطباء الاسوأ، لكن بعد بضعة ايام بدأ وضعها يتحسن. وتبين بين سلسلة فحوصات انه لم يحدث ضرر لا رجعة عنه، ونُفي ايضا امكانية ورم في الدماغ. وفي الحادي عشر من تموز/يوليو نُقلت الى مستشفى اعادة تأهيل في بوسطن من اجل الانتعاش.
وحار وزير الخارجية الامريكي جون كيري هل يأتي الى الشرق الاوسط، في حين ما زالت زوجته تُعالج في قسم تأهيلي، ‘لكنها قالت له انه يجب عليه ان يسافر لأن هذه مهمة من أسمى ما يكون’، قال أحد معارف العائلة هذا الاسبوع′. وقد حثته حقا على عدم التخلي، وهي مشاركة تماما وتصورها العام يشبه تصوره جدا: فهي تؤيد كل خطوة له تفضي الى انهاء الصراع وانشاء دولة فلسطينية. وهي زوجة جد مؤيدة وجد مشاركة.
إن الذي هو أقل حماسة لبعثة كيري هو رب عمله باراك اوباما، ففي يوم الاثنين من هذا الاسبوع بعد ان عاد من زيارته الثانية للمنطقة، التقى كيري الرئيس كي يبلغه ما يراه انجازا عظيما، وهو موافقة اسرائيل والفلسطينيين على تجديد المحادثات بينهما، لكن البيت الابيض رد ببرود.
يُقدر اوباما كيري ويوده. لكن الرئيس يعتقد في كل ما يتعلق باسرائيل والفلسطينيين أن وزير خارجيته يصدم الحائط برأسه. ويريد اوباما ان يطبق رؤية الدولتين بقدر لا يقل عن كيري، بيد أنه أكثر شكاً منه، ويصعب عليه الانضمام الى صيحات الابتهاج التي ارتفعت هذا الاسبوع من مبنى وزارة الخارجية في واشنطن. وحينما سُئل متحدث البيت الابيض جي كارني هل الرئيس متفائل أجاب بلغة دبلوماسية: ‘أُعرف هذا بأنه ‘تفاؤل حذر’. يوجد تقدم ايجابي قليل، ولا سبب يدعو الى القفز الى استنتاجات لا داعي لها’. لم يبارك نتنياهو علنا تجديد المحادثات ولم يصدر اعلانا خاصا، تحدث في الحقيقة بضع دقائق بالهاتف الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكنه اجتهد في أن يبعد نفسه عن هذه الساحة قدر المستطاع، والحديث من وجهة نظر مستشاري اوباما عن رحلة ‘انفرادية’ لكيري. فاذا تحطم فيُفضل أن يتحطم وحده واذا انتهى الامر الى فشل فيحسن ألا يُكتب باسم الرئيس. ‘لا يرى البيت الابيض كيف يمكن ان يكسب سياسيا من هذا التطور، لأن احتمال ان ينجح التفاوض ضعيف’، بيّن هذا الاسبوع مروان مشهر، وهو باحث كبير في شؤون الشرق الاوسط في معهد كرنيجي اندومنت.
صدمة كامب ديفيد
إن وسائل الاعلام الامريكية ايضا لا تجعل حياته سهلة، ففي يوم الجمعة الماضي حينما صعد كيري على درج الطائرة في عمان عائدا الى الولايات المتحدة، صفق له مستشاروه لانجاز تجديد التفاوض. وكان مزاج وزير الخارجية ممتازا فجلس في المقعد الوثير في القسم الاول، وبعد الاقلاع فورا طلب من المضيفة الجعة التي يحبها، ‘صموئيل أدامز′.
وكان الهبوط أقل ليناً. يصعب على المحللين في واشنطن أن يفهموا لماذا يلقي وزير الخارجية الامريكي بكامل وزنه في اجراء احتمالات نجاحه ضعيفة في أحسن الحالات، في وقت تنزف فيه سورية وتنهار فيه مصر. ‘نجح كيري في ان يُحرز ما نجح أسلافه في احرازه في الماضي’، كتب جيفري غولدبرغ، وهو أديب وصحافي ذو تأثير، ‘نجح في الحصول على موافقة الاسرائيليين والفلسطينيين على الجلوس معا، وأن يصرخ بعضهم ببعض قبل ان يعودوا الى مواقعهم’. وعرّف غولدبرغ مهمة كيري بأنها ‘بعثة حمقاء مقطوعة عن الواقع′، وحذر من الآثار الخطيرة لتفجر المحادثات كما أفضى فشل محادثات كامب ديفيد في سنة 2000 الى نشوب الانتفاضة الثانية. لكن النقد من قبل الاعلام الامريكي صفر اذا قيس ببرود اوباما.
تبين لكيري عدم حماسة اوباما بعد ان تولى عمله وزيرا للخارجية ببضعة ايام فقط. فقد بسط وزير الخارجية أمام الرئيس خطته للاتيان بحل الدولتين مشحونا بشعور الرسالة، وأصغى اوباما في صبر كعادته وقال بعد ان انتهى اللقاء بابتسامة ساخرة ‘أبلغني حينما يصبحون مستعدين للتوقيع′. وأجاب كيري أن هذا يمكن ان يحدث في الاشهر القريبة، فهز الرئيس كتفيه.
بين الاثنين علاقات مميزة، ففي سنة 2004 حينما نافس كيري الرئيس جورج بوش في الرئاسة ترك لسياسي شاب من شيكاغو ان يخطب الخطبة المركزية في المؤتمر الديمقراطي. وهكذا ظهر اوباما المجهول أمام الجمهور الامريكي، وكانت المسافة من هناك الى مجلس الشيوخ قصيرة. وفي الانتخابات الاخيرة حينما نافس اوباما في ولاية ثانية كان كيري هو الذي دربه استعدادا للمواجهات التلفازية مع ميت رومني.
واعتزل الاثنان اياما كاملة في بيوت معزولة في كارولاينا الشمالية وفي فلوريدا ومثّلا مواجهات، في حين كان كيري يجسد رومني. وبعد الانتخابات حينما أنهت هيلاري كلينتون عملها وزيرة للخارجية، دعا اوباما صديقه القديم الى تولي المنصب الذي اشتهاه سنين كثيرة، ‘العلاقات بينهما كالعلاقة بين اليد والقفاز′، قال مقرب من الرجلين هذا الاسبوع، ‘يفهم بعضهما بعضا جيدا وهما يتفقان على أكثر الموضوعات، وفي الشأن الاسرائيلي الفلسطيني فان كيري مشحون بتفاؤل، في حين فقد اوباما الثقة، لكنه لا يصد كيري بل يمنحه مجال عمل من بعيد فقط’.
لا لأجل جائزة نوبل
هناك اسباب جيدة تدعو اوباما الى ان يكون متشائما، فبعد توليه الرئاسة في ولايته الاولى بيومين عين جورج ميتشل مبعوثا خاصا الى الشرق الاوسط ووعد بأنه سيستعمل كامل قوة تأثيره للافضاء الى تطبيق حل الدولتين. وأعلن اوباما في مراسم احتفالية وهو يقف الى جانب كلينتون وميتشل أن الرجل الذي أتى ايرلندا’الشمالية باتفاق سلام يوشك ان يفعل هذا مرة اخرى في الشرق الاوسط. وكان ميتشل ايضا متفائلا آنذاك. لكن بعد سنة ونصف السنة وضع المبعوث الخاص المفاتيح على الطاولة واستقال من عمله وعاد مهزوما الى بيته في ولاية ماين.
‘لُذع اوباما بالنار في جهود وساطته السابقة’، قال في هذا الاسبوع ديفيد ميلر، نائب رئيس معهد البحث وودرو ولسون، الذي كان مشاركا في الماضي في جهود رؤساء الولايات المتحدة لاحلال سلام بين اسرائيل والفلسطينيين. ‘ينتظر اوباما اشارات اخرى من نتنياهو وأبو مازن. وسيشارك في المسيرة اذا اقتنع فقط بأنهما جديان حقا’.
وفي هذه الاثناء والى ان يحدث ذلك يعمل كيري وحده تقريبا، وقد زار الشرق الاوسط في الاشهر الخمسة الاخيرة ست مرات على الأقل، وبذل في الشأن الاسرائيلي الفلسطيني زمنا كثيرا وتفكيرا كثيرا ايضا، كما يبدو أكثر مما فعل في كل شأن آخر يقع ضمن مسؤوليته. ولا يرى كيري هذه المهمة خطوة مهمة للسياسة الخارجية الامريكية فقط، بل يراها رسالة ايضا.
تهود أخوه الذي هو أصغر منه سنا، كامرون كيري، قبل ثلاثين سنة حينما تزوج كاتي واينمان اليهودية، ولعائلة كيري نفسها جذور يهودية، وأظهرت صحيفة ‘بوسطن غلوب’ في اثناء حملة جون كيري الرئاسية أن جده وجدته اليهوديين، ريتس وإيدا كوهين، تنصرا في نهاية القرن التاسع عشر. ‘صُدمت حينما كُشف الامر’، قال آنذاك كامرون كيري الذي يعمل اليوم وزير التجارة والصناعة في مجلس اوباما الوزاري المصغر، ‘تبينت لي تفاصيل كثيرة لم تكن معروفة لي’.
يتحدث الأخوان كيري كثيرا عن ماضي العائلة اليهودي وعن مستقبل الدولة اليهودية.
‘إن كيري مهتم حقا بأن تفقد اسرائيل صبغتها اليهودية’، قال هذا الاسبوع شخص يعرفه منذ الايام التي كان فيها رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ. ‘صحيح أنه يفعل ما يفعله لأن الادارة الامريكية تخشى من ان الشرق الاوسط قد يشتعل اذا لم توجد دولة فلسطينيين. لكن فيه ايضا نقطة يهودية مهمة جدا. وقد قرأ في السنوات الاخيرة كتبا كثيرة في هذا الموضوع، وإتيانه بتسوية وبالنسبة اليه مهمة جليلة، ولا يهمه ان يقول ساخرو واشنطن انه يفعل هذا للحصول على جائزة نوبل للسلام، لأنه يتجه الى الموضوع من مكان عميق جدا، وكان فيه فرح حقيقي حينما نجح في احراز موافقة الطرفين على تجديد المحادثات’.
عودة المبادرة السعودية
يفترض في يوم الثلاثاء القريب ان تلقى الوزيرة تسيبي ليفني والمحامي اسحق مولخو في واشنطن المندوب الفلسطيني صائب عريقات. ‘توجد أطراف ينبغي عقدها الى الآن’، قالت أول أمس جان ساكي، متحدثة كيري ‘لكن عندنا موافقة الطرفين على تجديد محادثات للتوصل الى حل دائم’.
ورغم الفرق بين تشاؤم البيت الابيض وتفاؤل وزارة الخارجية الامريكية، فان اوباما وكيري متفقان تماما على الخطة الامريكية التي ستُعرض على الطرفين، وهي دولة فلسطينية على أساس حدود 1967 مع تبادل اراض، في حين تستطيع اسرائيل التمسك بالكتل الاستيطانية الكبيرة وتعطي مقابلا عنها اراضي بديلة بنسبة دونم الى دونم.
ويشترك اوباما وكيري في رأي انه حينما يتقرر ماذا ستكون حدود الدولة الفلسطينية ستُحل مشكلة البناء في المستوطنات: لأن كل طرف سيعلم ما الذي له وأين يستطيع البناء، ولهذا اقترح كيري على الطرفين ان يُثار في اللقاء الاول موضوع رسم الحدود ليُناقش بين الطرفين، وهذا توجه امريكي جديد تماما. في الماضي حاول الوسطاء الامريكيون ان يهاجموا الموضوع بطريقة عكسية بأن يناقشوا الموضوعات السهلة للحل أولا والانتقال بعد ذلك فقط الى الموضوعات الجوهرية، وفي مقدمتها رسم الحدود. وسيكون الأمر مختلفا هذه المرة، فقد طلب الفلسطينيون وحصلوا على رسالة ضمان امريكية ان يتم بث موضوع الحدود أولا. وهم في الجانب الاسرائيلي يعلمون هذا الالتزام.
اذا حدث اتفاق على رسم الحدود فسينتقلون لحل لغم آخر وهو القدس. والموقف الامريكي من هذا الموضوع واضح وهو ان القدس ستكون عاصمة الدولتين. وقد تبنى اوباما وكيري في واقع الامر مواد واسعة من المبادرة السعودية للسلام التي حصلت على موافقة الجامعة العربية عليها، وحينما تأتي الوزيرة ليفني للقاء صائب عريقات في واشنطن سيضع كيري على الطاولة المبادرة السعودية المحسنة تحت عنوان ‘اقتراح كيري’.
ويتفق اوباما وكيري على شأن آخر وهو أنه اذا فشلت جولة المحادثات هذه فلن تكون فرصة اخرى، فستسحب امريكا الرسمية يديها وتدع اسرائيل والفلسطينيين وشأنهم. لكن كيري يُقدر أن ينضج التفاوض في الربيع التالي ليصبح اعلان دولة فلسطينية بعد ان يُحرز اتفاق سلام تاريخي.
واذا حدث هذا فستفتح الولايات المتحدة محفظتها الكبيرة وتساعد اسرائيل على اعادة انتشارها في حدودها الجديدة وتُلبي الضرورات الامنية الاخرى. وستساعد الفلسطينيين مقابل ذلك على انشاء مؤسسات دولتهم وتمنحهم وسائل لتقوية اقتصادهم، وآنذاك فقط حينما يُكتب آخر فصل في الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، سيتولى اوباما الدور الرئيس في المسرحية ويدعو نتنياهو وأبو مازن الى مراسم التوقيع على الاتفاق على أعشاب البيت الابيض، أما الآن فانه يفضل السكوت.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
