-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 462
اقلام واراء عربي 462
29/7/2013
في هذا الملــــف:
أية مفاوضات . . . وأي استكشاف؟!
فايز رشيد - دار الخليج الإماراتية
وهمُ التسوية بعد اختباره 20 عاماً
عبد الاله بلقزيز – دار الخليج الإماراتية
هل يتورّط "فلسطينيو لبنان" في صراعاته المسلحة؟
سركيس نعوم – النهار اللبنانية
«تقدير استراتيجي» لحماس
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
هل تتصالح حماس مع الأسد؟
طارق الحميد – الشرق الأوسط
لمن الغلبة اليوم؟!
ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮ رﻣﺎن
لماذا «شيطن» الغرب الاسلام؟؟
رشيد حسن– الدستور الأردنية
محاولات «القبض» على الإسلام السياسي
حسين الرواشدة - الدستور الأردنية
الوقوف ضد مشروع «أخونة» العالم الإسلامي
فائق منيف – الشرق الأوسط
رسالة مصر للغرب وللإرهاب
مأمون فندي – الشرق الأوسط
ربيع عربي أم حرب دينية !؟
طاهر العدوان – الرأي الأردنية
تونس أمام ساعة الحقيقة
محمود الريماوي - دار الخليج الإماراتية
أية مفاوضات . . . وأي استكشاف؟!
فايز رشيد - دار الخليج الإماراتية
مثلما هو مُتوقع، أسفرت جولة جون كيري الأخيرة عن تنازل السلطة الفلسطينية عن شروطها للعودة إلى المفاوضات، نتيجة للضغوطات التي تمارسها عليها الإدارة الأمريكية من خلال وزير خارجيتها . صحيح أن السلطة حددت موقفها من أن مباحثات واشنطن بين صائب عريقات رئيس ملف المفاوضات في السلطة وبين تسيبي ليفني وإسحق مولخو مستشار نتنياهو، ستكون عبارة عن اجتماعات قليلة بمشاركة أمريكية لاستكشاف وجهات النظر، هذا في الوقت الذي لم تتزحزح فيه “إسرائيل” قيد أنملة واحدة عن مواقفها المتعنتة! . رغم ذلك تم تحديد يوم الثلاثاء 30 يوليو/تموز الحالي موعداً لبدء المفاوضات في العاصمة الأمريكية .
السلطة للأسف، لا تتعلم من الدروس، فمباحثات عمّان التي أُجريت من قبل مع مستشار رئيس الوزراء “الإسرائيلي” لم تُسفر عن شيء جديد سوى المزيد من تعنت المفاوض “الإسرائيلي”، ورغم ذلك تذهب السلطة لاجتماع واشنطن، رغم وضوح الموقف “الإسرائيلي” بشكل تام، فقد أعلن نتنياهو عن رفض إسرائيل التام والمطلق لأن تكون المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حدود عام ،1967 ليس ذلك فحسب، بل أعلن وزراء حكوميون في الائتلاف الحالي رفضهم التام إجراء مفاوضات على أساس هذه الحدود، وإقامة دولة فلسطينية وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في “إسرائيل” قبل توقيع اتفاقيات أوسلو عام ،1993 لقد صرّح وزير الإسكان “الإسرائيلي” أوري أرييل من حزب المستوطنين “البيت اليهودي”: “إنني لن أسمح بأي إجراء من شأنه أن يجمد الاستيطان كما سأعارض إطلاق سراح الفلسطينيين القتلة . لقد قلت مراراً إن لا حل قريباً للصراع “الإسرائيلي”-الفلسطيني ولهذا فإن ما هو متاح ومهم فعله، هو إدارة الصراع وليس حلّه” .
من جانبه عبّر رئيس حزب المستوطنين “البيت اليهودي” نفتالي بينيت عن “رضاه” من أن المفاوضات ستجري من دون شروط مسبقة من الجانب الفلسطيني، وقال بالحرف الأول الواحد “إن هذا نتيجة لإصرارنا على أن تستمر الحياة بشكل سليم، بما في ذلك استمرار البناء في القدس ويهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) . أما رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا” “الفاشي افيغدور ليبرمان” فقد صرّح قائلاً: “إنه ليس واضحاً مدى شرعية محمود عباس، ولكن على ضوء حقيقة أننا نرفض تجميد الاستيطان , ومن أجل منع مباحثات في مراحل متقدمة، فمن الأجدر إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي مسبقاً بخططنا الاستيطانية القادمة، وهذه الخطط على وشك التنفيذ” . وزير المواصلات “إسرائيل” كاتس المقرب من نتنياهو أكد رفضه إطلاق سراح أسرى فلسطينيين في حال تم طرح مثل هذا الأمر على الحكومة، واعتبر استثناء المفاوضات مع الفلسطينيين من دون تحقيق أي من شروطهم، إنجازاً كبيراً .
هذا غيض من فيض التصريحات التي يطلقها القادة “الإسرائيليون” عن المفاوضات مع الفلسطينيين التي تذهب إليها السلطة الفلسطينية، من دون تحقيق أي من شروطها، بالتالي: ما السبب الذي حدا بالسلطة إلى الموافقة على اجتماعات واشنطن مع “إسرائيل”؟ بالتأكيد هو: الضغوطات الأمريكية! وهذا عذر أقبح من ذنب، السلطة للأسف رغم كل ما تراكم لديها من تجربة مع الإدارات الأمريكية المختلفة، فإنها لا تدرك حقيقة واضحة وضوح الشمس: إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً بين الفلسطينيين والعرب من جهة، وبين حليفتها الاستراتيجية “إسرائيل” من جهة أخرى، وهي لا تملك إمكانية الضغط على تل أبيب، بل تمارسه على الجانب الفلسطيني وعلى العرب .
قبيل جولة كيري الأخيرة، تعهدت الولايات المتحدة بإيجاد خطة إنمائية للسلطة الفلسطينية بقيمة أربعة مليارات دولار، من خلال منح واستثمارات أمريكية وأوروبية وعربية . كان هذا هو “الطُعم” الذي استخدمته الولايات المتحدة لاستدارج محمود عباس إلى مفاوضات مع “إسرائيل” . من ذلك يتضح أن الإدارة الأمريكية ليست فقط لا تمارس الضغوطات على “إسرائيل” وإنما تتبنى المواقف “الإسرائيلية” جملة وتفصيلاً .
جون كيري وزير خارجية الدولة العظمى الأولى في العالم، لا يعمل مراسلاً فقط ل”إسرائيل” من خلال ما يبلغه لرئيس السلطة محمود عباس من مواقف وشروط “إسرائيلية”، وإنما يُترجم ما يقوله نتنياهو ويحوله إلى وقائع: لقد تحدث رئيس الوزراء الصهيوني من قبل عمّا أسماه: “أولوية السلام الاقتصادي”، فهو يطمح إلى إنشاء مشاريع إنمائية أمريكية أولاً في الضفة الغربية، واستعمالها كمدخل للهيمنة السياسية، وإبقاء الاحتلال على الفلسطينيين والنفاذ من خلالهم إلى العالم العربي . هذه الخطة الأمريكية-”الإسرائيلية” تصب في مجرى مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي كان قد اقترحه شيمون بيريز رئيس الدولة الصهيونية الحالي، وبالتعاون مع خبراء اقتصاديين من كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة، وتبناه الطرفان، ويهدف أيضاً إلى: جعل “إسرائيل” مكوناً رئيساً من مكونات المنطقة إن لم يكن العامل الرئيس الأساس .
هذا المشروع إضافة إلى كل الأهداف السابقة، يُقفل الأبواب على الحلول السياسية العادلة للصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني، ويكون إلهاء للفلسطينيين عن حقوقهم الوطنية العادلة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة، هذه التي ضمنتها الشرعية الدولية، للفلسطينيين، من خلال قرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة على مدار سنوات الصراع، منذ إقامة الدولة “الإسرائيلية” في عام 1948 وحتى هذه اللحظة .
للأسف، السلطة الفلسطينية حشرت نفسها في زاوية المفاوضات، باعتبارها الخيار الأوحد في التعامل مع دولة الكيان الصهيوني . هذا الخيار (مثلما قلنا ذلك مراراً نحن وغيرنا)أثبت عقمه وفشله مع “إسرائيل” التي استفادت وما تزال تستفيد منه وأيضاً من الانقسام الفلسطيني والوضع الفلسطيني عموماً . قرارات الشرعية الدولية يتوجب اعتبارها مرجعية أساسية ورئيسة بدلاً من المفاوضات مع “إسرائيل” . كما أن تجاوز الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء استراتيجية جديدة في التعامل مع الكيان الصهيوني عمادها الرئيسي: هو المقاومة، والمسلحة منها تحديداً، هي الخيار الاستراتيجي الفاعل في التعامل مع الدولة الصهيونية . . بالتأكيد ستلتف الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج من حول هذه المقاومة، وهذا ما سيجبر “إسرائيل” على الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية .
وهمُ التسوية بعد اختباره 20 عاماً
عبد الاله بلقزيز – دار الخليج الإماراتية
في مثل هذه الأيام من صيف العام ،1993 قبل عشرين عاماً بالتمام، دارت مفاوضات سرية بين بعض قادة “فتح” ومنظمة التحرير و(بين) وفدٍ “إسرائيلي” في “أوسلو”، انتهت إلى إبرام ما عُرِف - منذ ذلك الحين - باسم “اتفاق أوسلو” . كانت مفاوضات واشنطن، المتفرعة من “مؤتمر مدريد”، قد بلغت جولتها الحادية عشرة، من دون أن يتبين أفقٌ أمام حلٍ سياسيّ للصراع العربي - الصهيوني، حين كانت قناة “أوسلو” قد فُتِحت من وراء ظهر الوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن، برئاسة الراحل حيدر عبدالشافي . كانت مفاوضات واشنطن خطأً سياسيّاً قاتلاً، من وجهة نظر المصلحة الوطنية الفلسطينية، لأنها قامت على عقيدة جيمس بيكر: “الأرض مقابل السلام”، وعلى مبدأ المسارات المتوازية المستقلة، التي جَزأَتْ قضية الصراع العربي - الصهيوني، ووضعت المفاوض الفلسطيني في العراء أمام أشداق الوحش “الإسرائيلي” . لكن مفاوضات “أوسلو” كانت أكثر من مجرد خطأ سياسي قاتل؛ كانت خطيئة بأوسع معاني الكلمة .
كانت خطيئة لأنها حصلت من وراء المؤسسات الوطنية التمثيلية لمنظمة التحرير: المجلس الوطني، المجلس المركزي، اللجنة التنفيذية، فبدَت وكأنها اختلاسٌ للقرار الوطني في جنح الليل، وطعنة في صدر الإجماع الفلسطيني والوحدة الوطنية، وانتهاك صارخ للشرعية الفلسطينية . ولم يكن عرض الاتفاق المشؤوم على اللجنة التنفيدية والمجلس المركزي، في ما بعد، لتحصيل الموافقة عليه، ليُصحّح تلك الخطيئة؛ لأن أمراً واقعاً فُرِض على الجميع، آنئذ، ولم يعد للاحتجاج عليه من أثرٍ سوى الأثر الرمزي (استقالة الراحلين شفيق الحوت ومحمود درويش من اللجنة التنفيذية، ومعارضة رموز فلسطينية له من خارج فتح - مثل الراحل جورج حبش - ومن داخل فتح: مثل الراحل هاني الحسن، وعباس زكي . .) .
وهي كانت خطيئة لأنها قامت على مبدأ “الرعاية” الأمريكية للتفاوض - قبل التوقيع وبعده - وعلى قاعدة غياب مرجعيةٍ للتفاوض ماخلا “مائدة التفاوض” نفسها! ولم يكن من مترتبات ذلك سوى أن المفاوض الفلسطيني ارتضى تحكيم الحليف الاستراتيجي لعدوّه، والتسليم له ب “الرعاية”، واللوْء به عند المَظْلمة طلباً ل”الإنصاف”، ثم الخوض في مَعَامع تفاوض لا هدف معلناً له، ولا قواعد مرجعية يقوم عليها سوى “مائدة التفاوض”؛ وهذه إنما تقرر ما تفرضه موازين القوى .
وهي كانت خطيئة لأن الطرف الفلسطيني فيها التزم بوقف الكفاح المسلح، ثم اعترف - بعد إبرام الصفقة - ب”شرعية إسرائيل” مقابل اعتراف العدوّ بمنظمة التحرير! ومصير ذلك كان إلى حرمان المفاوض الفلسطيني من موْردِ قوةٍ في التفاوض؛ هذا الذي خاضه من دون أسنانٍ أو أظافر، ناهيك بأن الاعتراف بشرعية الدولة الصهيونية لم يقابله اعتراف إسرائيلي بشرعية قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو ،67 وبحق العودة؛ فما قيمة الاعتراف بالمنظمة إن كان مطلوباً منها أن تُصَفّي قضيتَها الوطنية؟!
وهي كان خطيئة لأنها أفقدت قضية فلسطين طابعها الوطني، وضربت فكرة التحرير، بل حتى فكرة الاستقلال الوطني - على جزءٍ صغير من أرض فلسطين التاريخية- من طريق القبول بمبدأ “الحكم الذاتي الانتقالي”، فيما لم يكن ثمة من ضمانةٍ بأن يكون انتقاليّاً فعلاً، وأن يعقبه قيام دولةٍ مستقلة في مناطق الضفة والقطاع والقدس .
وهي كانت خطيئة لأنها قادت إلى تعريف المناطق المحتلة كمناطق متنازّع عليها، وإلى القبول بمفردات صهيونية ذات دلالة، لجهة عدم الاعتراف بالاحتلال، من قبيل عبارة “إعادة انتشار القوات “الإسرائيلية” بدلاً من عبارة الانسحاب” .
وهي كانت خطيئة لأنها لم تقارب مسألة الاستيطان الصهيوني، لأراضي الضفة الغربية ولشرق القدس، الذي اتسع نطاقاً، وزادت وتائره بمعدّلات جنونية أثناء “مفاوضات الوضع الانتقالي”، وأثناء “مفاوضات الوضع النهائي”، من دون أن يستطيع المفاوض الفلسطيني، ولا “الراعي الأمريكي”، إيقافها!
وهي كانت خطيئة لأنها أفضت إلى التنسيق الأمني بين الضحية (الفلسطيني) والجلاّد (الصهيوني)، والذي لم تكن له من وظيفة سوى قمع المقاومة وحراسة أمن الدولة الصهيونية!
وهي كانت خطيئة لأنها أنجبت كائناً أشوه اسمه السلطة الفلسطينية، تنزّل منزلة “المرجعية الوطنية” بدلاً من منظمة التحرير، وتحول إلى ملهاة سياسية، وبات مطلوباً ومشروعاً حتى عند معارضي “أوسلو”: مثلما حصل لحركة “حماس” التي تصالحت مع مؤسسات “أوسلو”، مثل “المجلس التشريعي” و”الحكومة” و”رئاسة السلطة”!
متأخراً، أدرك الشهيد ياسر عرفات الحجم المهول لهذه الخطيئة، وأثمانها السياسية الفادحة على قضية الشعب الفلسطيني الوطنية، حين قذف لاءاته في وجه بيل كلينتون وإيهود باراك، في مفاوضات “كامب ديفيد الثانية” (صيف العام2000)، ودفع كلفة ذلك اجتياحاً وحصاراً ثم اغتيالاً . لكن من خلفوه على منصب الرئاسة لم يتعظوا بعد! فها هو الرئيس الفلسطيني، وفريقه السياسي، يجدد وهم التسوية والتفاوض بعد عشرين عاماً عجافاً من ذلك الوهم! ولقد كتبنا، في هذا المنبر، ومنذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً، أن التسوية التي فشلت مع إسحق رابين، لا يمكن أن تنجح مع غيره؛ فكيف إذا كان ذلك الغير - اليوم - اسمه بنيامين نتنياهو؟!
هل يتورّط "فلسطينيو لبنان" في صراعاته المسلحة؟
سركيس نعوم – النهار اللبنانية
في موضوع تدخل "فلسطينيي لبنان" في أي مواجهة عسكرية قد تحصل بين سُنَّته والشيعة، يؤكد القريبون أنفسهم من رئيس "السلطة الوطنية" محمود عباس أنهم سيحترمون قواعد "الضيافة" والإقامة فيه ولن يبادروا الى تقديم الدعم الفاعل لأي من فريقي مواجهة كالمذكورة. فالفصائل الكبيرة العضو في منظمة التحرير لديها قرار مركزي بعدم التورّط أو الوقوع في الاستدراج. والفصائل الإسلامية وأكبرها "حركة حماس" لديها قرار مماثل رغم خلافها مع"السلطة" والمنظمة". والتنسيق بينها كلها لتلافي هذا الأمر قائم. أما الفصائل الإسلامية الصغيرة التي يراوح عدد أعضاء كل منها بين 10 و12 و40 أو اكثر بقليل فإن بعضها قاتل مع الشيخ احمد الأسير في عبرا في معركته القصيرة والخاسرة مع الجيش اللبناني (وربما مع آخرين). لكن البعض الآخر منها لم يقاتل. وعلى العكس من ذلك لم يتورط في استفزاز الجيش المُرابِط على مداخل "مخيم عين الحلوة" مثلما فعل آخرون. فضلاً عن انه منع هذا الأمر أو حال دونه. وقد عبّر معظم ممثلي الفصائل الفلسطينية، من كبيرة وصغيرة عن هذا الموقف في أثناء اجتماع الرئيس عباس بهم، واذ قال له غير الاعضاء في منظمة التحرير: قلت في تصريحاتك النافية احتمال تدخل "فلسطينيي لبنان" في حروبه والفتنة ان كلامك يشمل من تمون عليهم وحدهم. ونحن نقول لك الآن انه يشملنا في هذا الموضوع وانك تمون علينا.
ويلفت في هذا المجال القريبون انفسهم من الرئيس عباس الى الجهد الذي تبذله السلطة عبر سفيرها في لبنان بالإمكانات التي تتوافر له والذي أمَّن للفلسطينيين في مخيماته خدمات مهمة تتعلق بالتعليم والتطبيب وأُسر الشهداء والقضايا الحياتية. وهي ليست بديلاً من خدمات "وكالة غوث اللاجئين" وإنما اضافة اليها. وهذا الأمر خفَّف الى حد كبير اجواء التوتر والاحتقان الدائم عند ابناء المخيمات التي كانت تستغل غالباً لتوريطهم في قضايا لا تخصهم من قريب أو بعيد. طبعاً يُشدِّد هؤلاء على ضرورة أن يبادر لبنان الرسمي الى حل مسألة عمل اللاجئين الفلسطينيين على أرضه لأن من شأن ذلك خفض منسوب الاحتقان وتقليص احتمالات التورّط في الشؤون الداخلية اللبنانية. علماً أنهم يعرفون أن ظروفه اليوم ليست سهلة على الاطلاق ويتفهمون هذا الواقع.
هل يعني ذلك أن اشتراك فلسطينيي المخيمات وخصوصاً "عين الحلوة" في صراع عسكري لبناني – لبناني ليس محتملاً؟
يجيب مصدر "اسلامي" لبناني جدّي عن السؤال بالقول أن ذلك صحيح مبدئياً. وأن الفصائل الصغيرة لا تستطيع أن تجرَّ المخيمات إلى القتال. لكنه يشير الى أن الشيخ أحمد الأسير كوّن "حالة" في صيدا في النهاية رغم أنه لم يكن "مقبوضاً" من غالبية أهلها (السُنَّة) كشخص قيادي. إلاّ أنهم لم يقفوا ضده. وهذا ما فعله سُنَّة في مناطق أخرى، لأنه عبّر عما في قلوبهم، وقال ما لا يستطيعون قوله. وينتقل من ذلك الى الاعراب عن اعتقاده أنه إذا "وقع مشكل" كبير بين "حزب الله" و(الشيعة استطراداً) والسُنَّة، لا سمح الله، فإن إحدى أكبر الحركات الاسلامية في لبنان وهي "الجماعة الاسلامية" ستتدخل. وقد فعلت ذلك في صيدا، أخيرا، ساعة رأت ان مقاتليه انتشروا في صيدا ومحيطها وأخذوا يتعرضون لعدد من ابنائها. وستفعله في مناطق أخرى إذا لزم الأمر. وتدخُّلها سيجر حتماً الى تدخل فلسطينيي لبنان في الصراع العسكري أو المسلح. أما السبب الذي يعطيه المصدر نفسه لذلك فهو انه كان لـ"الجماعة" فرع فلسطيني (لبناني) مهم جداً، أحالته الى حركة "حماس" بعد قيامها. ولا يمكن أن يمتنع "فلسطينيوها" عن الدفاع عنها ومعها. كما أنه يعطي سبباً آخر هو تكوّن حالة شبابية إسلامية في المخيمات الفلسطينية في لبنان تحترم "القادة التاريخيين" للكفاح الفلسطيني المسلح لكنهم صاروا "عواجيز" في نظرها".
طبعاً، يتدارك المصدر نفسه، "الجماعة" ليست معادية لـ"الحزب" والعلاقات بينهما غير مقطوعة رغم الاختلافات الاساسية جداً بينهما. ولذلك اتصلت قيادة الحزب بقيادة الجماعة مستفهمة عن إنتشارها المسلح في صيدا ودوافعه ومستقبله. كما استفسرت من "الجماعة" في معركة سابقة داخل طرابلس عن إشتراك عناصرها في المعركة (التبانة – بعل محسن). ولفت الاستفسار الأخير قيادة "الجماعة" لأن وجودها هناك كان غير رسمي وغير معروف، ودفعها إلى الاستنتاج أن بين مقاتلي التبانة عناصر تابعة للحزب وإن سنية.
اي توقع "يضبط" الفلسطيني أو الاسلامي اللبناني؟ ليس هناك جواب حتى الآن.
«تقدير استراتيجي» لحماس
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
نشر مركز الزيتونة المحسوب على حماس، والذي يتخذ من بيروت مقراً له، ورقة “تقدير استراتيجي” بعنوان “انعكاس الانقلاب العسكري في مصر على قطاع غزة”، أوجز فيه كاتبه تطورات الوضع في مصر، وعرض لسلسلة الخطوات والإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية الجديدة بحق حماس والقطاع، وتوقف ملياً أمام ثلاثة سيناريوهات مستقبلية: عودة مرسي، استمرار حالة الاستقطاب، ونجاح خريطة الطريق بانتخاب رئيس يعيد إنتاج سيرة نظام مبارك في علاقته المتوترة مع حماس.
“التقدير” الذي من المفترض أن يكون استراتيجياً، استبعد السيناريو الأول (الأفضل)، أو لم يرجحه، وطالب حماس بالاستعداد من الآن للتعامل مع أكثر السيناريوهات سوءاً والذي يتمثل بوجود نظام “غير صديق” لحماس في القاهرة ... ليخلص إلى أربع توصيات هي:
(1) تفويت الفرصة على إسرائيل بتثبيت التهدئة توافقياً مع الفصائل.
(2) التحشيد الشعبي حول حماس لتفادي العزلة وتخفيف حدة الحصار.
(3) الانتقال من الدفاع إلى الهجوم بمواجهة حملات التحريض التي تشن على حماس في مصر.
(4) الطلب إلى رام الله الكف عن تقديم تقارير كاذبة لمصر تشوه حماس وتسيء إليها.
كان الله في عون حماس، إن كانت النقاط الأربع سالفة الذكر، هي جل ما في جعبة “التفكير الاستراتيجي” من حلول ومقترحات تفي بغرض إخراج الحركة من مأزقها المتأتي عن تطورات الأوضاع في مصر، بل وعن حالة الانكشاف الإقليمي التي تعيشها الحركة منذ أن “تلبّدت” الأجواء في سماء رعاتها الإقليميين الثلاثة: قطر وتركيا ومصر (الإخوان)، وهي التي بالكاد غادرت مربع “التحالف الاستراتيجي” مع محور طهران – دمشق – الضاحية الجنوبية.
بالمعنى الاستراتيجي، كنّا نوّد أن نقرأ مراجعة لتجربة حماس في الحكم والمعارضة والمقاومة، لثنائية الوطني والديني في خطاب حماس، لما هو متوافق ومتفارق مع تجربتي حكم الإخوان في مصر وغزة ... كنّا نأمل أن نقرأ “توصيات” لها صلة عميقة بجوهر خطاب حماس وممارستها، وتحديداً لجهة رفع المنسوب المدني والديمقراطي في خطاب الحركة، لجهة تغليب الوطني على “الأممي” في أولويات الحركة، لجهة حث الحركة على الانفتاح على الآخر في الوطن، وتفيؤ ظلال المصالحة الوطنية.
والمفارقة أن عنوان “التقدير الاستراتيجي” يتحدث عن انعكاسات الانقلاب العسكري على قطاع غزة، أما توصياته فتتركز على كيفية حفظ حكم حماس في غزة وسيطرتها ... إذ ليس من بين التوصيات التي ينتهي إليها “التقدير” أية توصية على الإطلاق، تتحدث عن كيفية احتواء تداعيات الانقلاب وانعكاساته على أهل غزة ومعاشهم وحياتهم واقتصادهم وحركتهم ... حتى حين تحث إحدى التوصيات على اتخاذ إجراءات لتخفيف حدة الحصار، فإنما بهدف الحيلولة دون انفجار موجة الغضب الشعبي ضد حماس وحكومتها، ولتفويت الفرصة على المتربصين الذين يكيدون لحماس.
“التقدير” لم يخف انحيازه الكامل وتبنيه التام للرواية الإخوانية لما حصل في مصر في الثلاثين من يناير، وعنوانه (التقدير) يشير إلى انقلاب عسكري، وكاتبه يستخدم الشرعية ومحمد مرسي كمترادفات، وأي بديل عسكري أو ليبرالي، سيكون من شاكلة نظام مبارك وطرازه، وهو إذ يسهب في الحديث عن الحملات الإعلامية المغرضة ضد حماس في مصر، لم يثر انتباهه مثلاً، أن إعلام حماس ومحطاتها الفضائية وتلك الصديقة لها، اتخذت من تقاطع رابعة العدوية، استوديو مفتوحاً لها، تنقل عبر أثيرها وشاشاتها وصدر صفحاتها، خطاب الكراهية والتحريض والحض على العنف والتكفير والتخوين والتحقير لكل من هو ليس إخوانياً في مصر ... لم يلفت “التقدير” أن يسدي النصح لحماس للنأي بالنفسوالانسحاب من “حروب الإعلام والفضاء” المحتدمة في مصر وحولها، أقله من أجل تمكينها من الخروج بأقل قدر من الخسائر.
لم يكلف واضعو “التقدير” أنفسهم عناء انتقاد قرارات حماس الأخيرة بغلق مكاتب إعلامية لوكالة معاً وقناة العربية وثالث لا أعرف لمن، ودائماً في سياق الحث على إشاعة الانفراج والحريات والتوافق ... مع أن إغلاق الجنرالات في مصر لقنوات إخوانية، كان سبباً كافياً لإخراجهم من الملّة، وتقديم الشكاوى بحقهم إلى “المجتمع الدولي”.
الحقيقة أننا لسنا أمام “تقدير استراتيجي” يمكن الاعتداد به، نحن أمام عملية “إعادة تدوير وإنتاج” لتصريحات سامي أبو زهري، لا أكثر ولا أقل ... لسنا أمام “تقدير” يمكن أن يخرج حماس من “أزمة خطابها”، نحن أمام “خطاب مأزوم” لا يزيد خطاب حماس، سوى تأزماً وتيهاً.
هل تتصالح حماس مع الأسد؟
طارق الحميد – الشرق الأوسط
بسرعة، ومن دون تردد، شرعت حماس في إنجاز مصالحة مع إيران وحزب الله، وذلك إثر سقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، ورغم قول حماس سابقا إن علاقتها بإيران وحزب الله قد تأثرت بسبب موقف الحركة من الثورة السورية! وبالطبع لم تكن تبريرات حماس حول الموقف من الثورة السورية حقيقية بقدر ما أن حماس استشعرت حينها القوة بوصول الإخوان للحكم بمصر، وهو الأمر الذي لم يدم أكثر من عام واحد، وها هي حماس تعود من جديد لأحضان إيران وحزب الله، وبسرعة رغم أن القتل مستمر في سوريا، بل وتجاوز عدد القتلى السوريين على يد قوات الأسد المائة ألف قتيل، مما يثبت كذب حماس التي لا تتعاطف مع الثورة السورية بقدر ما أنها تبحث عن الاستمرار بحكم غزة، ولو على حساب القضية الفلسطينية نفسها، وليس الثورة السورية وحسب.
ولا شك أن عودة العلاقات بين حماس وإيران وحزب الله الآن هي أشبه بحلف المضطر، فحماس تريد الاستمرار بحكم غزة، وهي التي لم تقم بانتخابات هناك منذ انقلابها على السلطة الفلسطينية، وتريد أيضا من الارتماء بأحضان إيران ضمان الممول والعودة لنفس الوضع أيام حكم مبارك، بحيث تصبح غزة الطعنة في خاصرة مصر. وبالنسبة للعلاقة مع حزب الله فإن حماس تريد ضمان بقاء مكتبها في بيروت، والذي هددت بالطرد منه بعد إعلان تعاطفها مع الثورة السورية، ويوم ما ظنت حماس أن القاهرة أصبحت الحديقة الخلفية لغزة! أما بالنسبة لإيران وحزب الله فإن التصالح مع حماس يخدم عدة قضايا منها تبييض وجه طهران وحزب الله من التهمة الطائفية بسوريا، وقطع الطريق على المفاوضات المزمع عقدها حول السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكذلك الاستفادة من حماس في مناكفة مصر الجديدة، ومحاولة تصوير القاهرة في قادم الأيام كحليف لإسرائيل بعد سقوط الإخوان، الذين شكلوا تحالفا صامتا مع إسرائيل طوال عام من حكم مرسي لم يستطع حتى مبارك إنجازه.
وبالطبع ستعود النغمة البالية من مقاومة وممانعة، ولا يستبعد الآن فتح جبهة من غزة مع إسرائيل للهروب إلى الأمام وخدمة عدة أهداف إيرانية بالمنطقة، ومنها تخفيف الضغط عن الأسد، وتحريك المفاوضات الإيرانية الدولية، والضغط على مصر الجديدة، وكل ذلك مقابل أن تحظى حماس بالدعم المادي من قبل إيران، كما حدث بالعشرة أعوام الماضية، مما يستوجب التساؤل: هل تشرع حماس الآن بالصلح مع الأسد برعاية كل من إيران وحزب الله، وبحجة المقاومة والممانعة؟ وهل تحظى حماس الآن بدعم مالي من العراق أيضا كونها عادت إلى حضن إيران وعملائها بالمنطقة؟
كل شيء محتمل بالطبع طالما أن هم حماس هو البقاء، ولو على حساب القضية الفلسطينية، لكن هل ينطلي هذا الأمر مجددا على المنطقة مرة أخرى؟ أتمنى لا، خصوصا أن جميع الأوراق مكشوفة الآن، وعرف من هم تجار الدم والدمار من الإخوان المسلمين وأتباعهم مثل حماس، أو إيران وعملائها كحزب الله.
لمن الغلبة اليوم؟!
ﻣﺤﻤﺪ أﺑﻮ رﻣﺎن
رﺑﻂ ﻛّﻞ ﻣﻦ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﯿﻦ اﻟﻤﻘﺮﺑﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﺪوﻟﺔ، واﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ (ھﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﻤّﺎن)، اﺳﺘﺠﺎﺑﺘهم ﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﺗﻄﻮرات.
اﻟﻄﺮف اﻷول راھﻦ، ﻣﻨﺬ اﻟﺒﺪاﻳﺔ، ﻋﻠﻰ ﻓﺸﻞ اﻟﺜﻮرات اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ وﺗﺮاﺟﻊ زﺧﻤها، ﺑﻮﺻﻔها "ﻏﻤﺎﻣﺔ ﺻﯿﻒ" ﻋﺎﺑﺮة، ﺛﻢ ﻳﻌﻮد "اﻟﻨﻈﺎم اﻟﻘﺪﻳﻢ" ﻻﺣﺘﻮاء اﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ، واﻻﻟﺘﻔﺎف ﻋﻠﻰ ھﺬه اﻟﻤﻄﺎﻟﺐ، واﻟﺘﻜﯿﻒ ﻣﻊ "اﻟﺒﯿﺌﺔ اﻟﺠﺪﻳﺪة".
ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ، ﺑﻨﻰ اﻟﻄﺮف اﻟﺜﺎﻧﻲ رھﺎﻧﺎﺗﻪ ﻋﻠﻰ أّن ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻣﻦ ﺛﻮرات واﺣﺘﺠﺎﺟﺎت ﺳﯿﻘﻮي ﺷﻮﻛﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻮاﺟهة اﻟﺪوﻟﺔ، وﻳﻔﺮض ﻣﻮازﻳﻦ ﻗﻮى ﺟﺪﻳﺪة، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺠﺪ اﻟﻨﻈﺎم ﻧﻔﺴﻪ ﻣﺤﺎﺻﺮاً ﺑﺤﻜﻮﻣﺎت دﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ أو إﺳﻼﻣﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ؛ ﻣﻤﺎ أدّى إﻟﻰ رﻓﻊ ﺳﻘﻒ اﻟﺸﻌﺎرات واﻟﻤﻄﺎﻟﺐ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻨها إﻟﻰ إﻋﺎدة "ھﯿﻜﻠﺔ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ"، وﺗﻐﯿﯿﺮ ﻗﻮاﻋﺪ اﻟﻠﻌﺒﺔ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ.
ﻋﻠﻰ وﻗﻊ اﻟﺘﺤﻮﻻت واﻷﺣﺪاث اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ، وﺗﺤﺪﻳﺪاً ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ ﻛّﻞ ﻣﻦ ﺳﻮرﻳﺔ وﻣﺼﺮ، أدارت اﻷطﺮاف اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﺤﻠﯿﺔ رھﺎﻧﺎﺗها وﺗﻮﻗﻌﺎﺗها؛ ارﺗﻔﺎﻋﺎً واﻧﺨﻔﺎﺿﺎً. وﺑﺪا وﻛﺄّن اﻟﻤﺸﺮوع اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﻮطﻨﻲ ﺑﺄﺳﺮه ﻳﺘﺄرﺟﺢ ﺑﺎﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﺳﺘﺴﻔﺮ ﻋﻨﻪ ھﺬه اﻟﺘﻄﻮرات واﻟﺘﺤﻮﻻت اﻟﻤﺘﺴﺎرﻋﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ!
اﻟﺴﺆال اﻵن: ﻟﻤﻦ اﻟﻐﻠﺒﺔ اﻟﯿﻮم؟ ھﻞ ﺗﺮّﺟﺢ ھﺬه اﻷھﻮال اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﻨﺎ ﻛﻔّﺔ طﺮف ﻋﻠﻰ اﻵﺧﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﻌﺎدﻟﺔ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ؟ وﻗﺒﻞ ھﺬا وذاك، إﻟﻰ أّي ﻣﺪى ﻳﺨﺪم أﻣﻨﻨﺎ اﻟﻮطﻨﻲ وﻣﺸﺮوﻋﻨﺎ اﻹﺻﻼﺣﻲ اﻟﺪاﺧﻠﻲ أن ﻧﻀﺒﻄﻪ ﻋﻠﻰ وﻗﻊ اﻷﺣﺪاث اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ، ﻻ اﻻﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ اﻟﻤﻠّﺤﺔ؟
ﻗﺒﻞ أن ﻳﻄﯿﺮ أﺣﺪ اﻷطﺮاف ﻓﺮﺣﺎً ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث، ﻟﯿﻘﻮل: اﻧﺘﺼﺮﻧﺎ! أرﺟﻮ أﻻ ﺗﻜﻮن ھﺬه ھﻲ اﻟﻨﺘﯿﺠﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺴﺘﺨﻠﺼها ﺳﯿﺎﺳﯿﻮن أردﻧﯿﻮن؛ ﻓهي ﻻ ﺗﺘﺠﺎوز ﺳﻄﺢ اﻟﻤﺸهد اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ، ﻟﻜﻨّها ﺗﺒﺪو ﺧﻼﺻﺔ ﻛﺎرﺛﯿﺔ إذا ﻏﺼﻨﺎ ﻗﻠﯿﻼً إﻟﻰ ﻋﻤﻖ ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، وﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﺼﺮ وﺳﻮرﻳﺔ ﺗﺤﺪﻳﺪاً!
ﻓهل ﻳﻤﻜﻦ اﻟﻘﻮل إّن ﺑﺸﺎر اﻷﺳﺪ، اﻟﺬي ﺧﺴﺮ دوﻟﺘﻪ وأﺻﺒﺢ ﺑﻘﺎؤه ﻣﺮﺗهنا ﺑﺼﻔﻘﺔ دوﻟﯿﺔ، اﻧﺘﺼﺮ ﻓﻌﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ؟!.. وھﻞ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﻤﺼﺮي اﻟﺬي ﺗﻮرّط ﻓﻲ اﻷزﻣﺔ اﻟﺪاﺧﻠﯿﺔ، اﻧﺘﺼﺮ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺷﺎھﺪﻧﺎه ﻣﻦ دﻣﺎء وﺟﺜﺚ وإرھﺎﺻﺎت ﻟﻔﻮﺿﻰ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ وأﻣﻨﯿﺔ ھﻨﺎك؟! اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻤﺮّة أﻧّﻪ ﻻ أﺣﺪ اﻧﺘﺼﺮ أو ﻏﻠﺐ اﻵﺧﺮ؛ اﻟﻜﻞ ﺧﺴﺮ ﻣﻦ ھﺬا اﻟﻤﺸهد، ﺣﻜﺎﻣﺎً وﻣﻌﺎرﺿﺔ، وإﺳﻼﻣﯿﯿﻦ وﻋﻠﻤﺎﻧﯿﯿﻦ، واﻟﺨﺎﺳﺮ اﻷﻛﺒﺮ ھﻮ اﻟﺸﻌﺐ اﻟﺬي دﻓﻊ ﺛﻤﻨﺎً ﺑﺎھﻈﺎً ﻟهذه اﻟﺪوّاﻣّﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ!
ﺻﺤﯿﺢ أّن ﻣﺴﺎر اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﻲ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻟﻢ ﻳﻤﺮّ ﺳﻠﺴﺎً ﺗﻠﻘﺎﺋﯿﺎً ﻧﺎﻋﻤﺎً، ﻛﻤﺎ ﻛﻨّﺎ ﺟﻤﯿﻌﺎً ﻧﺘﻤﻨّﻰ؛ وﺻﺤﯿﺢ أﻳﻀﺎً أّن اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ ﻣﻦ ﻗﻮى ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻋﻠﻤﺎﻧﯿﺔ وإﺳﻼﻣﯿﺔ أﺳﺎءت اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﻣﻊ اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ اﻻﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ وﺗﻀﺎرﻳﺴها اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ
وطﺒﯿﻌﺘها اﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺋﯿﺔ؛ وﺻﺤﯿﺢ، ﺛﺎﻟﺜﺎً، أّن اﻟﻤﻨﻄﻖ اﻟﺬي ﺳﺎد ﻟﺪى أﻏﻠﺐ اﻷطﺮاف ھﻮ اﻟﻤﻐﺎﻟﺒﺔ واﻻﺳﺘﻘﻮاء، ﻻ اﻟﺘﻮاﻓﻖ واﻟﺤﻮار واﻟﺘﻌﺪدﻳﺔ اﻟﺤﻘﯿﻘﯿﺔ؛ ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ذﻟﻚ ﻓﺈّن ھﺬا ﻻ ﻳﻌﻨﻲ أّن ﺣﻘﺒﺔ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻧﺘهت وﻓﺸﻠﺖ، ﺑﻞ ھﻲ اﻟﺒﺪاﻳﺔ ﻓﻘﻂ ﻟﺪورة ﺗﺎرﻳﺨﯿﺔ ﺟﺪﻳﺪة ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺑﻌﺪ أن وﺻﻠﺖ اﻟﺒﻨﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﻓﻌﻼً إﻟﻰ ﻣﺮﺣﻠﺔ ﻣﻦ اﻻھﺘﺮاء واﻟﺘﻜﻠّﺲ واﻟﻌﺠﺰ ﻋﻦ اﺑﺘﻜﺎر اﻟﺤﻠﻮل، واﺟﺘﺮاح ﻣﺴﺎرات ﺟﺪﻳﺪة ﻟﻤﻮاﺟهة اﺳﺘﺤﻘﺎﻗﺎت اﻷزﻣﺎت اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وأزﻣﺔ اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ.
ﻣﺎ ﻳﺤﺪث ﻓﻲ دول اﻟﺠﻮار، ﻛﻤﺎ ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻛﺘﺐ اﻟﺘﺎرﻳﺦ وأدﺑﯿﺎت اﻟﺒﻨﺎء اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﻲ، ﻟﯿﺴﺖ ﺧﻄﻮات ﻣﺤﺴﻮﺑﺔ وﻣﺪروﺳﺔ ﺑﻘﺪر ﻣﺎ ھﻲ ﺻﯿﺮورة ﺗﺎرﻳﺨﯿﺔ، وﻋﻤﻠﯿﺔ طﻮﻳﻠﺔ ﺗﻤﺮ ﺑﻤﺮاﺣﻞ ﻗﺎﺳﯿﺔ، ﻟﻜﻨها طﺒﯿﻌﯿﺔ؛ ﻣﺮّت ﻓﯿها أﻏﻠﺐ اﻟﺜﻮرات (ﻛﻤﺎ ﺗﺠﺎدل ﺑﺼﻮرة راﺋﻌﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮرة ﺷﯿﺮي ﺑﯿﺮﻣﺎن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻟﺘها "اﻟﻮﻋﺪ اﻟﻤﻘﯿﻢ ﻟﻠﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ"، ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺔ "اﻟﺸﺆون اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ"، واﻟﺘﻲ ﺗﺮﺟﻤها اﻟﺰﻣﯿﻞ ﻋﻼء اﻟﺪﻳﻦ أﺑﻮ زﻳﻨﺔ وﻧُﺸﺮت ﻓﻲ "اﻟﻐﺪ" أﻣﺲ). وھﻲ ﺗﺨﻠﺺ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل إّن "اﻟﺘﺨﻠﺺ ﻣﻦ رﺑﻘﺔ اﻻﺳﺘﺒﺪاد ھﻮ ﻋﻤﻠﯿﺔ طﻮﻳﻠﺔ وﻣﺮاوﻏﺔ، ﻟﻜﻦ ھﺬه اﻟﻌﻤﻠﯿﺔ ﺑﺪأت ﻓﻲ اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ أﺧﯿﺮاً، ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ".
لماذا «شيطن» الغرب الاسلام؟؟
رشيد حسن– الدستور الأردنية
سؤال يجيب عليه د.محمد الجابري ، المفكر العربي المعروف في كتابه “ العروبة والاسلام ..والغرب” الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت 2006، محاولا تتبع هذا العداء وتطوره واسباب ذلك، حتى كانت كارثة تدمير برجي مانهاتن فوجدت اميركا والغرب في هذا العمل الارهابي ، فرصة ثمينة لفرض اجندتها على المنطقة والعالم ، تحت يافطة مكافحة الارهاب د. الجابري يرى ان سبب هذا العداء المستحكم ،كما يصوره الاعلام الغربي ، وبصورة غير موضوعية ، يعود الى الرغبة في الهيمنة على النفط العربي والخوف من المهاجرين العرب والمسلمين الذين لا يستطيع الغرب اقصاءهم ولا الاستغناء عنهم.
وفي هذا السياق يرى المؤلف ان عددا من المفكرين والمحللين الاستراتجيين الغربيين عملوا مبكرا ، الى جانب المستشرقين على زرع بذرة “بان الاسلام هو الخطر على الغرب بعد زوال الشيوعية”ص95 وجاء ت كارثة مانهاتن لتعطي هؤلاء العذر كل العذر في وصف الاسلام بالارهاب مذكرا وبعقلية المفكر التي تبحث عن الاسباب غير المرئية ، الى تداخل الذاكرة الثقافية الاوروبية بالصهيونية، هذه الثنائية التي تميل الى الغاء الاخر.. والاخر في التفكير الغربي هو العرب خصمهم التاريخي ص143.
ويستعرض دور المستشرقين في التأسيس لنهج العداء للعرب والاسلام وتكريسه هذا النهج الذي يقوم عل فكرة الاقصاء “الجغرافي والعقلي والعرقي” وتطور هذا الاستشراق “فبعد ان كان مقصورا على الاوروبيين، اصبح يعتمد على بعض ابناء الشرق، الذين يروون ظمأ الغرب في معرفة الشرق ومواصلة احكام السيطرة عليه... والذي ازاح عنه الستار ادوارد سعيد، وهذا هو الاختراق الذي يتواصل اليوم بشمولية أكبر وبوسائل فنية وتقنية أدق وأخطر”ص134.
وينتقل د.الجابري من التنظير الى ابراز الادلة ، ودور الاعلام في اقتران الاسلام بالارهاب في ذهن الغرب، فيشير الى صورة ابرزتها مجلة التايم على غلافها في عددها المؤرخ في 15حزيران 1992 .. والصورة هي لمأذنة مسجد بجانبها بندقية رشاشة في مثل حجمها ، وكتب تحت الصورة. .”اسلام..هل ينبغي للعالم أن يخاف “ص137 وهذا يعني ان المجلة جعلت العالم في جانب والاسلام في حانب اخر.
ويترافق كل ذلك مع تركيز المثقفين والمفكرين الغربيين الى “تذكير العرب بماضيهم والذي يتمثل في احتلالهم لاسبانيا ودق ابواب فرنسا، واحتلالهم القسطنطينية وحصار فينا” ص138 .
وفي هذا الصدد لا بد من الاشارة الى كتاب الرئيس نيكسون الاخير والذي يمثل شهادة مسؤول كبير عن كره الغرب واميركا للاسلام “ليس لأي امة في العالم ولا حتى الصين صورة سلبية في الضمير الاميركي مثل صورة العالم الاسلامي”ص179.
وبلفتة ذكية أشار د. الجابري الى تحيز الاعلام الغربي السافر، مشيرا الى أن هذا الاعلام يكيل بمكيلين.. فلا يربط أي حادث ارهاب بدين مرتكبيه ، الا في حالة المسلمين “ فمثلا عندما كان الجيش الجمهوري يفجر القنابل في لندن ودبلن لم يشرالى انه ارهاب كاثوليكي، وعندما ترتكب حركة بادر ماينهوف جريمة قتل في المانيا ، لا يقال عن ذلك ارهاب بروتستانتي، وعنما يرتكب الصرب جريمة ضد مسلمي البوسنه، لا يقال ارهاب ارثوذكسي ، ولكن عندما يرتكب شخص مسلم او منظمة اسلامية عملية فردية تتلاحق الاتهامات الموجهة للاسلام ،بانه دين الارهاب ، وان المسلمين جماعات ارهابية مشحونة بالعنف”ص177.
باختصار....لم يكن الغرب منصفا ولن يكون ، فهو محكوم بمصالحه وبمصالح العدو الصهيوني ، ويكفي ان نشير الى ان استراتيجية الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة تقوم على السيطرة على النفط العربي ، وبقاء اسرائيل الدولة الاقوى قي المنطقة، ومن اجل ذلك شيطنوا الاسلام والمسلمين . .
محاولات «القبض» على الإسلام السياسي
حسين الرواشدة - الدستور الأردنية
يبدو ان “رأس” الاسلام السياسي اصبح مطلوبا، لكن السؤال: هل يستسلم “الاسلاميون” لهذا الواقع المفروض ثم يعودون الى حيث كانوا، سواء تحت الارض او بالمشاركة على هامش اللعبة السياسية؟ وبهذا يتكيفون مع المخطط المرسوم لهم، ام انهم سيدافعون عن انجازهم ويصرون على الامساك بالسلطة او استعادتها حتى لو كان الثمن باهضا؟
تجربة الاسلام السياسي مرّت حتى الآن بمرحلتين: احداهما مرحلة الصدام مع الانظمة الحاكمة ومشاغلتها سياسيا، حيث تعرض الاسلاميون في هذه المرحلة “لموجات” من العنف والاقصاء والتهميش والتشويه واستطاعوا حينئذ ان “يخترقوا” الجدران الاجتماعية من خلال “العمل الدعوي والخيري” وضمنوا ما يلزم من “خزانات” لأصوات المهمشين –امثالهم- ومن تعاطف جرّاء “المظلومية” التي استثمروها في توجيه الخطاب الديني نحو استمالة الجمهور او جرّاء الاخطاء القاتلة التي ارتكبتها انظمة الحكم تجاه الناس.
في هذه المرحلة كان الاسلاميون يمارسون العمل السياسي من بوابة الخيارات وهي –بالطبع- غير محدودة ولا يمكن محاسبتهم عليها، لكنهم نتيجة “ضعف” تجربتهم وتغييبهم عن ممارسة الحكم لم ينتبهوا الى “الاضطرارات” التي يواجهها من ينخرط في العمل السياسي، ولذلك ظل فقه العمل السياسي لديهم “ضامرا” ومحصورا في الاجابة على اسئلة الخيارات فيما ظلت اسئلة الاضطرارات معلقة بلا اجابة.
اما المرحلة الثانية من تجربة الاسلاميين في السياسة فقد ولدت من رحم “الثورات” والتحولات التي شهدها عالمنا العربي والاسلامي في السنوات الخمس الماضية ومع ان “الاتراك” مثلا نجحوا نسبيا في تقديم اداء سياسي حاز على رضى اغلبية المجتمع الا ان تجربتهم في مصر ونسبيا في تونس لم تحض بقبول اغلبية الناس التي انتخبتهم وبالتالي اتسمت هذه المرحلة بمحاولة “اثبات” الوجود وفرض “واقع الامر” على الجمهور الذي ادلى لهم بأصواته في الصناديق، لكنها اتسمت ايضا من جهة اخرى بعيدة وربما مرسومة من قبل خصومهم في الداخل والخارج بمحاولة “ترويضهم” واختبارهم لاثبات عدم “اهليتهم” لممارسة السياسة من جهة وبسهولة اخراجهم من المشهد العام ثانيا، ومع انهم حاولوا ان “يتكيفوا” مع شروط الديمقراطية كما فهموها الا انهم لم يحظوا بالقبول والاستمرار فتم استدراجهم الى “صراعات” استنزفت قوتهم كما تم استثمار اخطائهم وصولا الى الانقلاب عليهم كما حدث في مصر او التجهيز “لطردهم” من الحكم كما يجري الآن في تونس وربما تركيا ايضا.
بعد مرحلتي “الصدام” و”الترويض” جاءت الآن المرحلة الثالثة وهي مرحلة “القاء القبض” على الاسلام السياسي ومعاقبته وهذه مفتوحة على احتمالين: احدهما ان يقبل “الاسلاميون” بالمواصفات الديمقراطية المطلوبة اقليميا وغربيا، وان يرضخوا “لشروطها” ويلتزموا تماما بتنفيذ استحقاقاتها، وبالتالي يمكن البحث من داخلهم عن “اسلام سياسي” بديل يرشح لتسيد المشهد من جديد. اما الاحتمال الاخر فهو ان يصروا على “خيارهم” ويرفضوا التسليم لمحاولة القبض عليهم، وبالتالي سيواجهون المصير الذي عايشوه في المرحلة الاولى.
مشكلة هذا التصور الذي انتقل من دائرة الترويج الى دائرة التنفيذ انه يفترض بان “الاسلام السياسي” لا يحظى بقاعدة جماهيرية ولا يستند الى “قيم” دينية واخلاقية وليس له رصيد كاف لدى الجماهير ويسهل بالتالي “استئصاله” من المجتمع او شطبه من المعادلات السياسية، وذلك قياسا على تجربة “الاحزاب الدينية” في الغرب التي خرجت من “تربة” مختلفة تماما عن “تربة” مجتمعاتنا التي ما يزال الدين فيها احد وأهم مكوناتها وبواعثها الحضارية ايضا.
كما ان مشكلة هذا التصور انه يفترض بان وعي الشعوب العربية وتوافقها على “مشتركات” اساسية من اهمها العداء لاسرائيل ومواجهة المشروع الغربي الذي يساندها والتشوق للحرية والكرامة والاستقلال، هذا الوعي ما زال كما كان في السابق وبالتالي فانه من الممكن “ايجاد” بديل للاسلام السياسي يقبل بالتنازل عن هذه المشتركات او خلق “اسلام سياسي جديد” يتكيف مع هذه الخطوط الحمراء غير المسموح تجاوزها.
اذا اضفنا لذلك ايضا ان محاولة “القبض” على الاسلام السياسي من قبل الآخر غالبا ما تفهم في سياق محاولات “اقصاء” الاسلام كدين ومنعه من حكم الناس الذين يتصاعد طلبهم عليه، وتصب اصواتهم في الصناديق لمن يمثله فان مثل هذا التصور لن يكتب له النجاح ربما يفوز في جولة او اكثر لاسباب مرتبطة “بالقوة والقهر وتوظيف امكانيات الدول واعلامها” لكنه في النهاية سيصطدم “بالشعوب” وخياراتها الجديدة ووعيها الذي اصبح مفتوحا على الحرية والكرامة ورفض العبودية والتبعية والتنازل عن الحقوق.
الوقوف ضد مشروع «أخونة» العالم الإسلامي
فائق منيف – الشرق الأوسط
ما الذي يجعل حكومات مسلمة تخاصم جماعة «الإخوان المسلمين»؟ وهل الخصومة قديمة أم حديثة بعد وصولهم لرئاسة مصر؟ ولماذا جماعة الإخوان تحديدا وليس حزب النور السلفي؟ وكيف تعايشت هذه الحكومات مع حزب العدالة والتنمية التركي ذي الميول الإسلامية ولم تتعايش مع الإخوان؟
يحتاج المنصف في إجابة هذه الأسئلة إلى البحث أولا في منهجية جماعة الإخوان المسلمين لمعرفة مسبب هذا الخصام. ويحتاج المناصر لهم إلى الاعتراف بوجود هذا المسبب والتخلص منه ومن غيره قبل إلقاء اللوم على الدول والحكومات والأحزاب المعارضة لهم. أحد الأخطاء المنهجية التي تحتاج للمراجعة والتصحيح والتبرؤ منها السعي إلى «أخونة العالم» ليس فقط بالدعوة الإصلاحية، وإنما بالطموح السياسي في حكم الدول الإسلامية لتكون على قلب رجل واحد، ولكن يتحكم فيه عقل واحد هو المرشد العام للجماعة. وهي عقيدة راسخة في فكر الجماعة ظهر تأثيرها مؤخرا أثناء تقديم المرشد العام محمد بديع في اعتصام «رابعة العدوية»؛ حين قُدم على أنه «المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر والعالم بأسره».
تتفق الجماعة مع الحركات الجهادية في غاية واحدة وهي إنشاء دولة إسلامية موحدة، وبينما اختار الجهاديون طريق العنف وسيلة لتحقيق هذه الغاية؛ اختار الإخوان طريق السياسة. لذلك سعوا منذ نشأتهم إلى إقامة دولة خلافة إسلامية فأنشئ في البداية قسم الاتصال بالعالم الإسلامي الذي كان من أهدافه العمل على ربط الأقطار الإسلامية ببعضها، وتوحيد السياسة العامة، وفي المرحلة الثانية إقامة دولة إسلامية عن طريق إقامة حكومة إسلامية في كل بلد، وربطها بوضع سياسي يحقق وحدتها، وإنشاء شعب للإخوان لتحقيق ذلك، ثم أسس المرشد الخامس للإخوان المسلمين مصطفى مشهور ما عرف بالتنظيم الدولي للإخوان، ويتكون من تشكيلين مجلس شورى التنظيم الدولي ومكتب الإرشاد العالمي.
ولدى الإخوان لائحتان واحدة عامة وأخرى عالمية تشمل جميع مكاتبها والمنتمين لها في الدول العربية والإسلامية، ومن مواد اللائحة العالمية على سبيل المثال، المادة الرابعة التي تنص على أن المرشح للعضوية يقضي سنة على الأقل تحت الاختبار، فإذا ثبت قيامه بواجبات العضوية يصبح أخا منتظما لمدة ثلاث سنوات، وبعدها يتحول إن ثبت وفاؤه لهذه الواجبات إلى أخ عامل، ويؤدي البيعة للمرشد العام، يعاهد الله فيها على القيام بشروط عضوية الإخوان المسلمين وواجباتها، والسمع والطاعة لقيادتها في المنشط والمكره، وهذه البيعة يمكن أن تؤخذ - كما تذكر اللائحة - أمام المراقب العام للقطر أو من ينوب عنه إذا تعذر إعطاؤها للمرشد العام مباشرة.
والمادة الخمسون من اللائحة العالمية تصف العلاقة بين القيادة العامة للجماعة في مصر وقيادات الأقطار وتحددها ضمن دوائر ثلاث، الأولى التي يجب فيها على قيادات الأقطار التزام قرارات القيادة العامة متمثلة في المرشد العام ومكتب الإرشاد ومجلس الشورى، والثانية التي يجب فيها على قيادات الأقطار التشاور والاتفاق مع الجهات السابقة، والثالثة تتصرف فيها القيادات بحرية ثم تعلم مكتب الإرشاد العام بذلك في تقريرها السنوي. هذا الارتباط الإداري بالمرشد العام من قبل مكاتب الإخوان وفروعهم في الدول العربية يوضح المركزية في اتخاذ القرار والارتباط الوثيق لهذه الفروع بتوجهات وسياسات الجماعة وتوجيهات مرشدها. وهذه المركزية تعني أن «أسلمة» العالم «الإسلامي» هي غطاء براق لهدف تنظيمي حركي هو «أخونة» هذا العالم، لأنه في حقيقته تركيز للقوة والتأثير بأيدي فرد أو جماعة تتحكم في القرار السياسي أو الشعبي لدول ذات سيادة واستقلالية.
من الطبيعي أن يحصد هذا الفكر العداء من دول يهمها محاربة أي تدخلات خارجية في شؤونها الداخلية، وإذا كانت دول الخليج وبقية الدول العربية قد عانت من تغلغل تنظيم الإخوان في داخلها وارتباط عناصره الإداري ببيعة للمرشد وبقراراته؛ فمن باب أولى أن يتخوفوا من استمرار هذا النهج وتصاعده بعد وصول الإخوان للحكم.
كان على قادة الإخوان أن يعوا هذه الحقيقة ويستمعوا للأصوات المتعقلة من داخل الجماعة التي تطالبها بالتخلي عن هذا النهج التوسعي، قبل أن يتسلموا حكومة دولة ذات تأثير سياسي كبير وعلاقات متينة - مع معظم الدول - مبنية على الاحترام المتبادل.
ربما تكون الفترة المقبلة مناسبة للإخوان للمراجعات والتصحيح الفكري المنهجي لحركتهم، والتخلي عن بعض سياساتهم التي جلبت العداوات لهم، وكان تراكمها سببا في إفشال أول تجربة سياسية لهم في قيادة دولة واحدة فكيف لو قادوا دولا كثيرة كما تهدف إليه مبادئهم وخططهم!
رسالة مصر للغرب وللإرهاب
مأمون فندي – الشرق الأوسط
كان الغرب، وخلال أكثر من عقد من الزمان، يبحث عن مظاهرة واحدة، ولو من عشرة أفراد في العالم الإسلامي تدين الإرهاب، أو ترفع لافتة واحدة يتيمة تقول: «لا، للإرهاب». فهل يغير الغرب اليوم نظرته للمسلمين والعرب عندما رأى في مصر أكثر من 30 مليون مصري يملأون كل شوارع مصر وميادينها رافضين للإرهاب، ورافعين لافتات تقول: «لا، للإرهاب»، مانحين القوات المسلحة المصرية التفويض الذي طلبته لمقاومة العنف والإرهاب. لا أحد في الغرب كان يحلم برؤية مشهد كهذا خلال قرن من الزمان. ومع ذلك، ربما يتردد اليسار الغربي خصوصا، ويدفن رأسه في الرمال، مدعيا أنه لا يرى الملايين في الشوارع، ولن يفاجئني عنوان في الـ«غارديان»، معقل اليسار البريطاني، يصف هذه المظاهرات الرافضة للإرهاب، التي تفوض الجيش والشرطة، بأنها مظاهرات مؤيدة «للانقلاب».
أكتب هذا، وأعرف معظم كتاب الغرب وصحافييه ممن يرسمون الصور كتابة في الصحف أو ظهورا في التلفزيون، الذين في دواخلهم ينظرون إلى أن الإرهاب والعرب هما توأمان ملتصقان. هؤلاء لن تبهرهم ملايين المصريين الذين خرجوا للشوارع في عز الحر وهم صائمون، وستبقى أعينهم معلقة بميدان رابعة العدوية، حيث يقطن دعاة التطرف والإرهاب، وسيسميهم هؤلاء الكتاب من اليوم ضحايا الانقلاب، أو دعاة الشرعية وحقوق الإنسان. منطق مقلوب. وليست الـ«غارديان» وحدها غير قادرة على استيعاب، منطلقة من تفوق أخلاقي وربما عنصرية، أن العرب والمسلمين قادرون على نبذ العنف والإرهاب، وإنما تتبعها في هذا صحيفة «واشنطن بوست»، التي لا تتردد في تسمية ما حدث في مصر بأنه سحب الشرعية من مرسي وجماعة الإخوان، ولا تتردد أيضا في أن تسميه انقلاب 3 يوليو (تموز). كما أنها لم تتردد في تقريرها، أمس، من القاهرة، في أن تقول إن الجيش أطلق النار على متظاهري رابعة العدوية، وهذا أمر يحتاج إلى إثبات، حيث يقول قادة الجيش المصري وبصراحة إن الجيش لا يصوب بنادقه على الشعب. وأنا هنا أصدق ما يقوله الجيش، ولا أصدق «واشنطن بوست». لمزيد من عبثية المشهد الإعلامي المعادي للثورة المصرية، ما عليك إلا أن تقرأ ما تكتبه «هآرتس» الإسرائيلية تباكيا على «الإخوان» وعلى حماس، وكأن إسرائيل لم تقصف حماس أبدا. «هآرتس» الإسرائيلية، نعم، هي بلحمها وشحمها ومن خلفها كل جرائم إسرائيل تتباكى على حماس. عندما نقرأ كل هذا دفاعا عن مرسي وعن «الإخوان» وحماس، التي كانت تدينها الصحف الغربية على أنها راعية الإرهاب، وكانت مصنفة قانونا في أميركا وإسرائيل على أنها منظمة إرهابية، عندما ترى هذا الدفاع الغريب، لا بد أن تتساءل: يا ترى ماذا قدمت حكومة مرسي و«الإخوان» لإسرائيل للحصول على كل هذا الدفاع المستميت؟ هل سلموا الدكان والبضاعة معا لإسرائيل، أم أن هناك صفقة إقليمية كبرى لم تتضح تفاصيلها بعد؟
أنا ضد العنف في أي مكان؛ سواء ضد المتظاهرين في رابعة العدوية أو استمرار جماعة الإخوان في العنف الممنهج الذي شهدته بعيني أيام ثورة 25 يناير، عندما حولت جماعة الإخوان مدخل مترو التحرير إلى سجن للتعذيب. عندما عذبوا محاميا حتى الموت في النفق، لأنهم ظنوا أنه من ضباط أمن الدولة في نظام مبارك. هذا ليس مقالا عن مصر الداخل، وإنما عن مصر وقدرتها على وضع الغرب كله في مأزق أخلاقي عندما ربط الإرهاب بالعرب وبالمسلمين.
ترى لماذا يتنكر الغرب اليوم لما كان «يبوس» أقدامنا كي نفعله بالأمس. أمس، كان الغرب، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، يبحث عن صوت عربي أو وجه عربي يدين الإرهاب من دون لكن، ومن دون تبريرات، واليوم، يغمض الغرب عينيه عن ملايين وطوفان من البشر خرج للشوارع رافضا للإرهاب؛ هل الخوف من شبح عبد الناصر الذي بدأ يظهر على وجه الفريق أول عبد الفتاح السيسي؟ بالمناسبة، السيسي ليس عبد الناصر، فقد قاد عبد الناصر الثورة وهو برتبة مقدم، أي أن السيسي هو عبد الناصر مضافا إليه أنه أكبر عمرا، وأنه أكثر خبرة وأكثر تعليما ودهاء. السيسي هو خلطة مصرية خالصة تخلط عبد الناصر بالسادات في ناصع صور الوطنية المصرية، لكن ليس هذا هو الموضوع. الموضوع هو أن مصر وضعت الغرب في مأزق، فبينما يرفض المصريون الإرهاب جهارا نهارا، وأيضا في ليل رمضان، يتخلى الغرب عن حربه على الإرهاب، مما يشكك أكثر في دوافع تلك الحرب. فها هو الإرهاب الذي كنتم تحاربونه وتقفون ضده بالأمس، نحن نقف ضده اليوم؛ فماذا جرى؟ أم أن حربهم (كما كان يقول المشككون) هي امتداد لتراث استعماري بغيض يبتغي التوسع في بلاد العرب والمسلمين؟
لماذا يتنكر الغرب لحربه ضد الإرهاب اليوم؟ هل الذين يرفضون الإرهاب هم من أصحاب السحنة السمراء التي تعوّد الغرب أن يصورهم كإرهابيين، وليس كمن يقف ضد الإرهاب؟ هل لأن الصور المقبلة من مصر في صورة طوفان من البشر يسد عين الشمس تضع الغرب ومثقفيه في مأزق أخلاقي وحضاري كي يراجع نفسه، وهو بدافع التفوق الأخلاقي والعنصري المزعوم يرفض أن يتراجع لأن الكبرياء تمنعه؟
مصر اليوم تغير المنطقة برمتها. في الخامس والعشرين من يناير، كنا في مصر نبحث عن التغيير بحثا عن روح مصر. نقاتل من أجل مصر. أما اليوم، فمصر تحارب حرب المنطقة كلها ضد جماعات التطرف الذي يتخذ من الإسلام السمح غطاء لكل ما هو ضد الإسلام من بشاعة القتل. مصر أيضا تحارب نيابة عن العالم كله ظاهرة الإرهاب والعنف باسم الدين. مصر أيضا تحارب نيابة عن العرب والمسلمين ضد صورة الغرب النمطية، التي تلصق الإرهاب بالمسلمين. أتحدى أن تخرج هذه المظاهرات، وبهذه الأعداد، في أي عاصمة غربية منددة بالعنف والإرهاب. في مصر، لا نرفض أن نتعلم، ولكن القدر اليوم وضعنا في موقع المعلم. نقبله بحذر، ولدينا أخطاء كثيرة لا بد أن نعترف بها، ولكن أنتم أيضا لديكم أزمة أخلاقية لا بد أن تعترفوا بها.
ربيع عربي أم حرب دينية !؟
طاهر العدوان – الرأي الأردنية
تطور الأوضاع في مصر نحو الصدام بين الامن وبين الاخوان المسلمين يأتي بعد فشل المرحلة الانتقالية من حالة ثورة ٢٥ يناير الى قيام الدولة المدنية الديموقراطية ، هذا الفشل يهدد ايضا المرحلة الانتقالية في تونس تحت وقع ضربات الحركات السلفية المتطرفة التي أدى اغتيالها للمعارض محمد البراهمي الى انقسام داخل الجمعية التأسيسية والحكومة ، وان شئت ان تطبق الأمر ذاته على المرحلة الانتقالية في ليبيا فان اليأس من النجاح هو العنوان امام تنامي سلطة الميليشيات .
في مقالات وتحليلات بالصحافة العربية يرى محللون ان كل هذا الفشل في مسار الربيع العربي نحو الديموقراطية مؤشر على انه يوشك ان ينتهي على خراب البلاد والعباد وان ما يجري بالفعل هو إعادة نهوض النظم التي أسقطتها موجات الربيع الأولى في مصر وهناك من يتحدث عن عودة نظام مبارك وفي تونس تسعى تمرد التونسية الى استنساخ التجربة المصرية أما في ليبيا فاشباه القذافي الذين يتجولون في طرابلس وبنغازي انتقلوا من حصار المؤسسات الى الاغتيالات .
تحليلات أخرى ترى ان كل هذه الأحداث هي جزء من طبيعة الزلزال التاريخي الضخم الذي سمي بالربيع العربي على غرار الربيع الأوروبي الذي فجرته الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر فكانت الحروب بين الأنظمة والانقلابات والحروب الداخلية التي أعاد بعضها إمبراطور فرنسا الى الحكم بعد نصف قرن لكن عودته كانت الجسر الذي عبر به الفرنسيون والأوروبيون الى الديموقراطيات بلا رجعة وكما نشهدها اليوم .
لا اعتقد بان القرن الحادي والعشرين بحضارته وتفاعلاته الإنسانية وثورة الاتصال والمعلومات يسمح للربيع العربي ان يستمر نصف قرن من الثورات والدماء ولا هو سيستمر ٣٠ عاما كما كتب توماس فريدمان عندما وصف ما يجري في العالم العربي بانه أشبه بحرب الثلاثين عاما بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا في القرن التاسع عشر . قوة الإعلام وحداثة الاتصالات لا تسمح لأي طرف بتنفيذ أهدافه في الظلام وغسل يديه من دماء خصومه ، فالصورة والنقل الحي المباشر للأحداث يضغط بقوة على الزعماء والأطراف للاتجاه نحو الحلول التوافقية وهي تساعد في بناء حشد دولي لمحاصرة وإسقاط من يرتكب الجرائم وكشف الخطأ والصواب في اتجاهات التيارات السياسية .
ما اعتقده ان السنوات الثلاث التي مر بها الربيع العربي أفرزت وجود تيارين رئيسيين يتواجهان بالمنطقة هما تيار الاسلام السياسي وتيار أنصار الدولة العلمانية او المدنية ، وكانت الفرصة كبيرة ومهيأة للإخوان المسلمين في فترة حكمهم لمصر للمبادرة بجسر الفجوة بينهم وبين التيار المدني لكنهم فشلوا ، او استدرجوا الى الفشل وهم مبصرون . والخشية ان يقع أنصار الدولة المدنية بنفس الخطأ فينساقون خلف وهم الحلول الأمنية بما يدفع الى مواجهات مفتوحة لكن دامية هذه المرة مع التيار الإسلامي .
ما طرحه العقلاء والمفكرون المصريون من خطة للخروج من الأزمة وفي مقدمتهم الدكتور سليم العوا وطارق البشري وفهمي هويدي وغيرهم تتضمن أفكاراً توافقية للخروج من الأزمة والعودة الى مسار ديموقراطي يجمع عليه الجميع تكشف عن وجود تيار ثالث سنرى انه سيتزايد في الايام المقبلة ليحرك كل من لا يريد لمصر ان تنزلق الى العنف والتطرف والانقسام . ومثل هذه الأفكار والأطروحات يفترض ان تصدر عن الدول العربية لانه وبالمحصلة امن واستقرار مصر يؤثر إيجابا على المنطقة والعكس صحيح .
تونس أمام ساعة الحقيقة
محمود الريماوي - دار الخليج الإماراتية
بعد مضي يوم واحد على جريمة اغتيال الناشط التونسي محمد البراهمي، أعلنت وزارة الداخلية في تونس اسم المتهم ونشرت صورة لبطاقته، وأعلنت أن الجريمة ارتكبت بالأدوات نفسها التي تم فيها اغتيال الناشط شكري بلعيد في فبراير/شباط الماضي، وأن المجموعة التي تقف وراء الجريمة هي جماعة سلفية جهادية بعينها .
السرعة في التقاط خيط الجريمة تثير الإعجاب، ومعها الكشف عن هوية المتهم بالجريمة والجهة التي تقف وراءه . حسناً، ما دام الأمر كذلك، فلماذا لم يتم بعد حظر الجماعة التي تدور حولها الاتهامات واعتبارها خارج القانون وملاحقتها قانونياً؟
على مدى الشهور الماضية عمد أعضاء هذه الجماعة ومن يؤازرها من مجموعات، إلى استباحة الجامعات والمسارح والأنشطة الفنية، على مرأى من الشرطة، ونظم أعضاء الجماعات مسيرات وتظاهرات علنية في شوارع العاصمة ومدن أخرى، شكوا فيها من اضطهاد يلاحقهم! . وفي واحدة من الوقائع الدالة تهجموا على مسرح يقام فيه نشاط مسرحي بعد أن أخلت الشرطة المكان بحجة أن المسرحية تنتقد أداء الشرطة ، فكان أن تقدموا هم وقاموا ب “الواجب” بتعطيل المسرحية والاعتداء على الفريق المسرحي! .
وبينما كان مسؤولون تونسيون يحذرون بصيغ شتى وبنبرات حادة من خروج احتجاجات جماهيرية واسعة على غرار ما حدث ويحدث في مصر، فإن القتلة كانوا يهيئون مسرح جريمتهم وأدواتهم . وها هي السلطات تعلن أنها تعرف هويتهم، فلماذا يتاح لهم تدبير ما يدبرونه وتنفيذ ما ينفذونه في وضح النهار، فيما المؤاخذات تتجه إلى احتجاجات سلمية، حتى إن مثل هذه الاحتجاجات لا جرائم القتل السياسي، باتت تُحتسب مسبقاً خطراً على المسير الديمقراطي! .
نتمنى أن يتدبر أولو الأمر في الحكم وخارجه، مسيراً توافقياً لا يقوم على المغالبة أو الهندسة القسرية للمجتمع، ويستلهم أفضل ما في التراث الوطني السياسي من تجارب ودروس، كما في تجارب العالم حولنا وليس بعيداً عن تونس، من أجل إرساء حياة وطنية ديمقراطية عصرية مزدهرة تأخذ البلاد والعباد على طريق التقدم السياسي والاجتماعي .
بسبب المراوحة بين المقتضيات الديمقراطية، والسعي الى التعليب والاستئثار، ها هي القوى المناوئة تتغول على المجتمع، وها هي أغلبية القوى السياسية والحزبية تنفض عن هذا المسار وتسحب ممثليها في البرلمان تباعاً، وها هي الإضرابات قد عمت البلاد وشلت المرافق بما في ذلك ناقل الطيران الوطني، وها هو الاتحاد التونسي للشغل القوة النقابية الأولى وذات التاريخ المجيد يشارك في التعبير عن النقمة من انحدار المسار، وكل ذلك ليس من أجل تعطيل الحياة الطبيعية بل من أجل إيصال الرسالة بأن المسار الانتقائي لا يوصل إلا إلى أزمة مستحكمة، وأن الائتلافات لا تتم بمجرد إضافة أطراف الى طرف نافذ من أجل تلطيف الغلبة، بل تتم بالتوافق والمشاركة الفعلية، وعلى قاعدة الإيمان بالتعددية السياسية والاجتماعية والثقافية، واحترام هذا التنوع احتراماً ثابتاً لا لبس فيه وبقوة القانون، وتجريم التعدي على أنماط الحياة والاجتماع التي يعرفها ويألفها التونسيون منذ أكثر من ستة عقود .
في واقع الأمر ان التحالف الانتخابي الذي جرى بين حزب النهضة وجماعات أصولية، قد ألقى بظلاله على سلوك النهضة ومواقفها، رغم الخطاب المتقدم أحياناً للنهضة . لقد تم النظر الى تلك الجماعات على أنها تشكل رصيداً انتخابياً وحليفاً أيديولوجياً، وهو ما يفسر ممالأة أبدتها السلطات لتلك الجماعات، الأمر الذي شجع الأخيرة عملياً على ارتكاب ما ارتكبته وعلى إشاعة أجواء من الترهيب والترويع لم تشهد البلاد مثيلاً لها من قبل، وعلى اقتراف تعديات وصولاً الى اقتراف جرائم بحق المكون المدني الأعرض في المجتمع التونسي .
حسناً، إن السلطات كشفت هوية مرتكبي الجرائم، وأدانت تلك الممارسات الشائنة بعبارات قوية، لكن الأهم من ذلك ومن أجل تجديد التفويض الشعبي، الإصغاء الى مختلف مكونات الشعب والتقاط الرسالة منها، والارتضاء بحكم تعددي يكون فيه الشعب مصدر الثقة كما هو مصدر السلطات، والاستعداد لإعادة النظر في الدستور بما يكفل مدنية الدولة، واحترام معتقدات المجتمع والأفراد وتكريس الحق في التعددية .
وبدلاً من مواصلة التحذير من تكرار ما جرى في مصر في الديار التونسية، فمن الأوفق تفادي إيصال الأمور إلى ما وصلت إليه في أرض الكنانة، فالتفويض الانتخابي ليس تفويضاً مطلقاً وأبدياً، والمجلس النيابي التأسيسي بات يفتقد صفته التمثيلية العريضة، مع الانسحابات الحزبية من صفوفه، وهو ما ينعكس على الحكومة .
نتمنى تهدئة الخواطر بخطوات حصيفة تطمئن التونسيين فعلاً لا قولاً أن الإرهاب لا مكان له في الحياة العامة، ولا غطاء له من السلطات، وأن تعديل الدستور سوف يتم بأكبر قدر من التوافق بما لا يسلب التونسيين مكتسبات اجتماعية وثقافية سابقة، وبما يضمن إقامة دولة مدنية تحترم معتقدات الجميع، فلنرقب بأمل وحذر مجريات الأيام المقبلة .