اقلام واراء اسرائيلي 431
5/9/2013
في هــــــذا الملف
مضى اوباما ليبحث عن طوق نجاة
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
اسرائيل ـ سرية الاخلاق
بقلم: تسفي بارئيل،عن هارتس
صوت اسماعيل
بقلم: اوري اليتسور،عن معاريف
المنطقة العربية والازمة في سورية
بقلم: يوئيل جوجانسكي،عن نظرة عليا
معركة في وضح النهار
بقلم: حيمي شليف،عن هأرتس
مضى اوباما ليبحث عن طوق نجاة
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
‘إنقشع الآن ضباب المعركة، وبدأ يقوى عندنا انطباع أن رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما بحث بواسطة مجلس النواب عن طوق النجاة المأمول، ليساعده على النزول عن الشجرة العالية التي تسلقها قبل سنة، حينما وضع الخطوط الحمراء في المجال السوري. وقد رسمت الصورة البعيدة وغير المكترثة والمتعبة والمنطفئة، التي ظهرت في العروض الرئاسية التي سبقت الاعلان عن تأجيل العملية، ألف شاهد على أن الرئيس يواجه تنافرا شديدا.
‘فهناك من جهة حقيقة أن رئيس سورية بشار الاسد تجاوز، وعلى نحو سافر الحدود بين المُحرم والمُحلل، التي خطها اوباما بوضوح كبير جدا، وهي تلزمه بأن يعمل، لكن لغة جسمه، من جهة ثانية، أوحت مرة بعد اخرى بنفور واضح من الاجراء المطلوب، الذي يُناقض طموحه الى الانطواء داخل المجال الامريكي، والامتناع عن مغامرات عسكرية، أياً كانت وراء البحار حتى لو كانت ضئيلة غير قوية.
ومن هذه الجهة كان القاء المسؤولية على مجلس النواب يشبه حلا صعبا للمشكلة، وينبغي ألا نرفض رفضا باتا تقدير أن الرئيس الرابع والاربعين مستعد الآن لتحمل هزيمة اخرى في تل الكابيتول، بشرط ألا يضطر الى أن يخطو في مسار العملية العسكرية (غير المدعومة بغلاف داعم متعدد الأطراف كما كانت الحال في ليبيا)، التي تتعارض كثيرا مع حقيقة الفائز بجائزة نوبل للسلام وطبيعته.
لا شك في أن نقل الكرة الى مجلس النواب كان خطوة اضطرارية ومتكلفة وغير ضرورية بصورة سافرة، فحتى لو كان يُفضَل دائما صوغ تأييد حزبي عام واسع لكل اجراء عسكري مهما يكن محدودا، فالحديث في الظروف الحالية عن تخلٍ طوعي عن السلطة التي يفترض أن تبقى من نصيب البيت الابيض وحده.
رغم أن الدستور الامريكي يُفوض مجلس النواب سلطة أن يعلن بصورة رسمية بدء حرب، فان الحالة الحالية لعملية عقاب محدودة مركزة لا تدخل البتة في دائرة هذا التصنيف. لأنه في كل ما يتعلق باستعمال القوة العسكرية واجراءات التدخل التي هي أقل في سعتها من مواجهة عسكرية شاملة، تُترك لرئيس الولايات المتحدة وحده الصلاحية، مدة لا تقل عن شهرين (بحسب ‘قانون صلاحيات الحرب’ من سنة 1973). وبعد مرور هذه الفترة فقط يجب عليه أن يطلب موافقة مجلس النواب على تغيير وضع المواجهة وتوسيعها والاستمرار في العملية العسكرية.
‘
خطوة الى الخلف
‘
يشير تاريخ العقود الاربعة الاخيرة الى أنه حينما يكون الحديث عن اجراءات عسكرية واسعة طويلة ـ تصاعدت في واقع الامر الى أن أصبحت حربا شاملة ـ يتوجه الرئيس الى مجلس النواب، ليحصل منه على الضوء الاخضر للعملية قبل أن تبدأ ساعة الستين يوما تكتكتها. إن الامتناع عن ذلك كان يمكن لا أن يُنشئ فقط انقساما سياسيا واجتماعيا في الولايات المتحدة، حتى قبل أن تبدأ المدافع هديرها، بل كان يمكن أن يفضي بالمُشرعين الى اتخاذ عمليات عقاب للادارة، ومنها تجميد المخصصات للقوات المقاتلة.
عشية حرب ‘عاصفة الصحراء’ (التي نشبت في سنة 1991) وعشية حرب الخليج الثانية بعد 12 سنة، حرص جورج بوش الأب وجورج بوش الابن، كل واحد في ولايته ووقته، على طلب رخصة من مجلس النواب للعملية قبل أن يعطيا قواتهما الضوء الاخضر للخروج للمعركة العسكرية، التي طالت واتسعت كما كان متوقعا.
‘وفي مقابل ذلك حينما كان الحديث عن مبادرات عسكرية أضيق، كعملية العقاب القصيرة، التي بادر اليها الرئيس بيل كلينتون موجهة على حاكم العراق صدام حسين في كانون الاول/ديسمبر 1998، وكالهجوم الجوي الثقيل الذي قامت به القوات الامريكية (التي عملت في اطار حلف شمال الاطلسي) في جمهورية الصرب بعد ثلاثة اشهر، والذي استمر ثلاثة اشهر تقريبا، لم يُجهد البيت الابيض نفسه في الحصول على موافقة تل الكابيتول على العملية، لأنه لم يوجد سبب يدعو الى ذلك.
وكان الشيء نفسه في ما يتعلق بالجبهة الليبية. حدثت تلك الواقعة في فترة ولاية اوباما الاولى في البيت الابيض، حينما شارك ـ وإن كان ذلك بصورة ‘القيادة من الخلف’ العجيبة وبقيادة جيشي بريطانيا وفرنسا ـ في العملية الجوية المتعددة الأطراف لاسقاط نظام معمر القذافي، من دون أن ينقل على عكس الحاضر، قضية المشاركة ليبت مجلس النواب فيها.
صحيح أن الحديث اليوم عن عملية هي في أضيق اطار دولي يفترض أن يصاحب العملية الموجهة على دمشق، وتثير من هاوية النسيان التحالف المليء بالثقوب والخروق والعديم الشرعية الذي صاغه سلفه في البيت الابيض، جورج بوش الابن، في سنة 2003 (وحظي كما قلنا آنفا بموافقة مجلس النواب).
ومع ذلك يُسأل السؤال التالي، هل من المقبول عقليا أن تكون قضية سعة التحالف الدولي كاسرة للتعادل في الازمة التي أمامنا، بحيث تحفز الرئيس الى أن يتخذ في آخر لحظة خطوة الى الوراء، ويطلب الى مجلس النواب (الذي امتنع الى الآن عن أن يمنحه أوقات رحمة كثيرة جدا)، ليُخلصه من الازمة التي دُفع اليها، ولن نقول إنها ازمة أدخل نفسه فيها.
‘إن التاريخ الامريكي مليء بحالات عمل فيها قادته من خارج الاجماع الدولي الواسع. وقد فعلوا ذلك عن التزام بتصورهم أو عملهم أو غايتهم باعتبارهم منارة تربوية وروحانية وقيمية، يفترض أن تضيء طريق المجتمع الدولي كله وسلوكه بلا شذوذ.
‘وفي هذه المرة في المقابل أصبحت مسألة الغلاف الداعم والمؤيد ذريعة على نحو مؤقت على الأقل. وسبب ذلك محاولة التعمية على شعاع النور والنزول من منارة الوعود (في العام الماضي) التي أُعلن من أعلاها أنه ينبغي العمل بلا شرط في مواجهة تجاوز النظام السوري تحت قيادة بشار الاسد لكل الخطوط الحمراء. ‘ليس في هذا القرار مصادرة فقط لصلاحيات البيت الابيض الرسمية، في أن يُدير عمليات عسكرية مدة شهرين، من دون موافقة مجلس النواب، بل فيه ـ وهذا أخطر ـ تخلٍ طوعي عن مكانته المهيمنة بصفته زعيم القوة العظمى الوحيدة (وهذا صحيح الى الآن). أليس البيت الابيض باعتباره لاعبا رئيسا هو الذي يفترض أن يمنح الموافقة وأن يقود المعركة كلها، وألا يُخضع سلوكه لارادة سائر اللاعبين واضطراراتهم وتفضيلاتهم؟
‘
عملاق بلا أسنان
‘
تختلف الامور هذه المرة كما قلنا من قبل، وقد نُقل القرار الحاسم، كما قلنا آنفا، الى تل الكابيتول رغم أن مجلس النواب اعتاد، خلال العقود الاربعة الاخيرة، أن يوافق على كل طلبات رؤساء الولايات المتحدة استعمال القوة العسكرية في ميادين ازمات ومواجهات عسكرية. ويمكن أن نذكر في هذا الشأن مع الجبهة العراقية، الجبهتين في لبنان وافغانستان ايضا.
‘رغم أن حزب اوباما الديمقراطي يتمتع بكثرة صغيرة في مجلس الشيوخ، ورغم أنه يمكن أن نقول إن المجلس مؤيد، فشلت محاولة الرئيس منذ وقت قريب في سن قانون جديد يزيد في الرقابة على شراء سلاح هجومي، وذلك في ظل المذبحة التي حدثت في المدرسة الابتدائية ‘سندي هوك’ في كونتيكت. والامور أشد سوءا بالنسبة للبيت الابيض في كل ما يتعلق بمجلس النواب، في وقت يُشك فيه بمجرد رغبته في تجنيد دعم تل الكابيتول للدفع بهذه العملية قدماً.
وفي هذا الصعيد الذي يحكم فيه الحزب الجمهوري بيد قوية، بل أكثر من ذلك، توجد شراكة عجيبة بين القسم الصقري من الجمهوريين وبين معسكر تمايز مؤيدي ‘حركة حفل الشاي’ والجناح فوق الليبرالي من الديمقراطيين. فهذان التياران معا يعارضان العملية، مع ان من الواضح أن كل واحد منهما يفعل ذلك لاسباب مختلفة. ‘ففي حين يُفضل الصقور الامنيون (مثل زملائهم في مجلس الشيوخ) عملية عسكرية أوسع نطاقا بكثير من هذه المطروحة في جدول العمل تكون ضربة عليا لا هوادة فيها، يتمسك المعسكر التطهري الليبرالي (وشركاؤه التمايزيون) بمعارضة مجرد فكرة التدخل في سورية، حتى لو كان الحديث عن عملية في الحد الأدنى ومنظمة وقصيرة الأمد.
‘والى ذلك ولأن مجلس النواب سار من قبل في مسار صدام مع البيت الابيض في طائفة واسعة من القضايا (ومنها قضية اصلاح التأمين الصحي وقضية العجز المالي القومي)، فان السيناريو الذي يرى أن تجعل المعارضة القضية السورية الحساسة خشبة قفز ضد اوباما ممكن تماما وتسبب له هزيمة اخرى (قد يصاحبها بالنسبة اليه طعم حلو خاصة). وعلى كل حال فان مسار الموافقة في مجلس النواب يتوقع أن يكون مركبا، بل قد يكون طويلا. ينبغي أن نتذكر أن الرئيس بوش الأب نجح بصعوبة فقط في الحصول على دعم مجلس النواب لمبادرته الى الحرب في العراق في حرب الخليج الاولى في 1991، رغم أن التحالف الدولي الذي شكله كان شاملا وواثقا بنفسه وشمل قوة عربية عامة ايضا.
‘لا شك اذا في أن الرئيس الحالي قد أحبط نفسه بلا حاجة ودخل بمبادرة منه قفص الاسود الجائعة في مجلس النواب. وقدم بذلك برهانا قاطعا غير وحيد على أن غوليفر الامريكي أصبح عملاقا بلا أسنان وبلا رغبة في الامساك بصولجان الزعيم، دونما صلة بطريقة تطور الازمة الجديدة.
ولهذا يمكن أن نأسف فقط لأن اشاعات الموت السياسي القريب للعصر الامريكي لم تكن سابقة لأوانها كثيرا، فقد أصبحت موجودة تشير من دون خوف الى سائر العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اسرائيل ـ سرية الاخلاق
بقلم: تسفي بارئيل،عن هارتس
‘يا له من قدر كبير من النفاق لدى القوى العظمى الغربية، هكذا يقولون في اسرائيل، فكيف بهم ينسحبون جميعا من ‘الخط الاحمر’ الذي رسموه بأنفسهم، يفرون من الواجب الاخلاقي لضرب كل من استخدم سلاحا كيميائيا. الكارثة مرة اخرى معنا، يتهمون اسرائيل. صحيح، هذه المرة، السوريون هم الذين يبادون، ولكن الدرس هو درسنا. مرة اخرى تلقينا دليلا على أنه محظور التعويل على اي دولة في العالم، وفقط بقوتنا يتعين علينا أن ندافع عن أنفسنا مثلما علمنا بنيامين نتنياهو، الذي نسي بان قوتنا تعتمد على سلاح امريكي، مساعدة امريكية ويهود امريكيين. والان احد لا يمكنه ان يلومنا اذا ما هاجمنا ايران. شكرا، ايها السوريون الاعزاء.
ولكن اذا كان استخدام السلاح الكيميائي هو على هذا القدر من الفظاعة، حتى اكثر من قتل 110 الاف مواطن سوري، فلماذا لم تنهض اسرائيل، الناجية من الكارثة، على قدميها، فتبعث بطائراتها الى الاهداف التي تعرفها جيدا وتصفي مخزونات السلاح الكيميائي، وربما ايضا النظام السوري؟ فقد سبق أن هاجمت سورية وليس لمرة واحدة، وليس لها اي مشكلة في ان تهاجم دولة أجنبية عندما يكون هناك تهديد امني مسلط على رقبتها. غير ان سورية هي مشكلة مفخخة. عندما توجه الصواريخ جنوبا فان هذه فقط مشكلة اسرائيلية، ولكن عندما تقتل مواطنيها فانها مشكلة اخلاقية عالمية، والاخلاق العالمية، كما هو معروف هي مناهضة لاسرائيل. إذ ان هذه هي ذات القيم والاخلاق التي يطالب اصحابها اسرائيل بالانسحاب من المناطق، والسماح للفلسطينيين باقامة دولة، وعدم ابعاد اللاجئين من افريقيا وعدم فرض عقوبات جماعية على سكان باكملهم، وعدم ظلم الاقليات وعدم بناء سلاح نووي.
مثل هذه الاخلاق التي وقعت اسرائيل على المواثيق التي ولدتها، تمزق نياط القلب الطيب لاسرائيل. فمن جهة، على خرقها تسند أمنها. اذا ما اطاعتها فستمس بشخصيتها كما وصفتها، ولكن اذا واصلت التنكر لها فلن تتمكن من العمل باسمها كي تنقذ مواطني سورية. لاسرائيل التي تتردد لم يتبقَ غير ان تختار لنفسها بعض الاخلاق من هنا وبعض الاخلاق من هناك، وان تجسر الثغرات بينهما بالكلام. هكذا تخلق دولة يهودية ديمقراطية وعديمة الاخلاق.
سيكون هناك من يقول ان دولة صغيرة محاطة بالاعداء لا يمكنها أن تسمح لنفسها بان تكون ذات اخلاق سامية. ما تسمح السويد، النرويج وهولندا لنفسها، فان اسرائيل المهددة لا يمكنها أن تفعله. وها هي حتى هذه الدول لا تسارع الى ارسال الطائرات الى سورية او دعم التأهب الامريكي للهجوم. فهل يتعين علينا ان نكون اخيارا اكثر منهم واخلاقيين اكثر منهم؟ فهذه ليست دول عالم ثالث، ديكتاتوريات مريضة تقتل شعوبها. هي دول ‘مثلنا’، قدوة تحتذى.
ولكن الاخلاق لا يمكنها أن تكون قيمة قابلة للمقارنة، لا يحق لها أن تحني رأسها امام اعتبارات سياسية داخلية وخارجية أو اقتصادية، وعندما تتلوى حول مثل هذه الاعتبارات تصبح هي نفسها انتهازية: ببساطة تخدم افعالا نذلة، وتبرر احيانا غض النظر، وتكون على نحو شبه دائم موضع ازعاج. لاسرائيل مثل ما للسويد، بريطانيا والولايات المتحدة كل المبررات الاخلاقية للهجوم على سورية، ولكن كل واحدة منها تستثني الاخلاق لصالح قضاياها، السويد ستدعم فقط عملية دولية، الولايات المتحدة تستند الى اسرائيل كأحد المبررات للهجوم. اما اسرائيل فتطلب الهجوم لانه سيخدم مصالحها؛ مثلا سيكون رسالة لايران.
ولكن مقارنة بالسويد، بريطانيا واسبانيا فان احدا لا يدعو اسرائيل الى المشاركة في الهجوم. فهي مطالبة بان تنظر من بعيد كي لا تدنس ‘اخلاقية’ العملية الامريكية بمشاركة اسرائيل. اسرائيل الاحتلال، التي تركل اتفاقات الاخلاق الدولية، ليست مدعوة لان تكون شريكا حتى في معركة لانقاذ الحياة. فكيف علقت في هذه الزاوية الظلماء؟ هذا القلق هو الذي ينبغي ان يقض مضاجع الاسرائيليين، بدلا من تعليم امريكا الاخلاق.
‘
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
صوت اسماعيل
بقلم: اوري اليتسور،عن معاريف
‘في رأس السنة يتلو الناس في الكنيس آيتين من سفر التكوين، واحدة في اليوم الاول والثانية في اليوم الثاني. آية اليوم الثاني وعلاقتها برأس السنة يتذكرها ويعرفها كل يهودي. الاف مواعظ المؤمنين والكافرين قيلت وكتبت عن هذه القصة الصعبة والتأسيسية، وعشرات من الشعراء كتبوا عنها مئات القصائد. بطل القصة هو اسحق الذي بأمر من الرب بعث الى القربان، وفي اللحظة الاخيرة يظهر الملاك من السماء لانقاذ حياته.
ولكني مذ كنت فتى صغيرا ثم رجلا كبيرا وحتى اليوم لم أنتبه الى أن بطل القصة في اليوم الاول من السنة هو بالذات اسماعيل، وثمة غير قليل من وجه الشبه بين القصتين. اسماعيل هو الاخر ارسل بأمر من الرب الى موته في الصحراء، وفي هذه القصة ايضا في اللحظة الاخيرة يظهر ملاك من السماء لينقذ حياته. وعلى كل حال الحقيقة هي أنه في اليوم الاول من السنة اليهودية بطل القصة هو نفسه اسماعيل.
‘لعل السبب في ذلك هو أنه في تقاليد اسرائيل من بين كل مواعيد السنة اليهودية هذا اليوم هو يوم عموم الانسانية. ‘لكل من يأتي الى العالم’، وليس بالذات اسرائيل. انتبهوا، يقول لنا معدو الصلاة من مكان ما هناك قبل أجيال عديدة: اسحق واسماعيل يقفان في هذا اليوم معا امام بارئهما، وقصتاهما متشابهتان بالخطوط العامة. لجيلنا ولثقافتنا صعب بعض الشيء استيعاب مثال فيه من يمثل عموم الانسانية هو بالذات اسماعيل، وان عليه (وليس على اسحق) قيلت آية ‘اذ سمع الرب صوت الفتى حيث هو’. وفي عادات التذكير عندنا فان ‘عموم الانسانية’ هي الولايات المتحدة واوروبا، و’العالم’ معناه الغرب. ولكن لعلنا، نحن بالذات، بعد كل هذه السنين، مطالبون بان نفتح اذاننا لنستمع الى نداء اليوم الاول.
سنة غير بسيطة ومحملة بالاحداث مرت علينا، انتخابات في البلاد، انتخابات في الولايات المتحدة، حرب في الجنوب، بينيت لبيد، انتخابات للحاخامية، زيارة اوباما، مفاوضات سياسية، قانون تجنيد جديد، محيط معتمل بالاحداث. في هذا العدد، في الصفحات التالية، يكتب مراسلون مختلفون يختارون احداث السنة كل من وجهة نظره. ثمة من اختار حدثا سياسيا، وثمة من اختار حدثا ثقافيا او شخصيا.
تصفحوا لتروا. في نظري، القصة الكبرى لهذه السنة هي ليست حدثا موضعيا، بل هي احداث متواصلة. اسماعيل يطلق الصوت، والعالم يجتهد لسماع الصوت من حيث هو، وليفهم ماذا يسمع. وهو لا ينجح على الاطلاق. مرسي يصعد ومرسي ينزل، الاسد يقاتل ‘القاعدة’، الاف القتلى وملايين اللاجئين في سورية، شيعة وسُنة يفجرون الواحد الاخر في العراق، ‘الجزيرة’ تصب الزيت على النار، وكذا تفتح شبكة بث داخل الولايات المتحدة.
وقد بات الجميع يفهمون ان هذه ليست اصوات ربيع. ولكن الغرب الذي لا يعرف كيف يفكر من دون أن يرسم أولا صورة تبسيطية عن الاخيار والاشرار، او المعتدلين مقابل المتطرفين على الاقل، متشوش ولا يعرف ماذا يسمع.
‘ليست بشرى مفرحة
‘
هذا يبدو كتفكك لكل الاطر وانزلاق نحو الفوضى، ولكنك عندما تشاهد التلفزيون لا يمكنك ان تتجاهل وجه الشبه بين الصور. ترى عملية تفجير في شارع في مدينة، ولا تعرف اذا كانت هذه بغداد ام دمشق ام الرياض. ترى الجماهير يتظاهرون في الميدان ولا تعرف اذا كان هذا في القاهرة أم في حلب أم في تونس. ذات اللغة، ذات الشعارات، ذات الثقافة، ذات الملبس. اطر تتفكك، انظمة تسقط، جماعات تقاتل بوحشية الواحدة الاخرى، ولكن من تحت كل هذا ينبت هناك (وبوحشية وبدم) شيء ما موحد ومشترك ويتجاوز الحدود. الجبار المسلم، وفي قلبه الامة العربية الكبرى، يستيقظ من سبات مئات السنين ويطالب بالكرامة التي يستحقها في العالم.
‘لا يمكن ان نعرف كم من الوقت سيمر الى ان ينجح احد ما في السيطرة على هذا البحر العاصف ويقيم القوة العظمى الاسلامية العالمية. في هذه الاثناء يصطدم هناك العلمانيون بالمتدينين والسنة بالشيعة والاقليات الاخرى، كراهيات عتيقة وولاءات قبلية تنبعث الى الحياة، ولكن الصوت الصاعد من تحت كل هذا الزبد العاصف هو حيوية عظمى لها لغة واحدة، ثقافة واحدة ودين واحد.
‘العالم الناعس والكسل الذي كان حولنا يوشك على التغير، وهذه ليست بشرى مفرحة لنا، إذ ليس هناك احد هو صديقنا او محب لنا. وبالذات لهذا السبب يتعين علينا ان نسمع الاصوات، وان نعتاد بسرعة وان نتعلم. كم امتصصنا كثيرا من ثقافة العالم الغربي ـ المسيحي، وكم قليلا نعرف عن الثقافة العربية والاسلامية. دعينا ذات مرة الى لقاء في لندن لصحافيين اسرائيليين وفلسطينيين. كان هذا سخيفا. الناس الذين يسكنون على مسافة ربع ساعة سفر الواحد عن الاخر، ولغتا الام لديهما متشابهتان جدا الواحدة مع الاخرى، يسافرون حتى لندن كي يلتقوا ويستخدمون الانكليزية كي يتبادلوا الحديث. في لحظة معينة وجدت صعوبة في ايجاد الكلمات بالانكليزية كي اعبر عن فكرة معقدة ما، واحد الفلسطينيين قال لي: هيا تكلم بالعبرية، فحصت حول الطاولة ووجدت ان معظم الصحافيين العرب يتحدثون العبرية، واحد من الصحافيين الاسرائيليين غير قادر على ان يتحدث العربية.
‘اوباما يتردد ويتلبث ولا يهاجم دمشق، إذ مرت ايام ادار فيها الغرب العالم وحده، واليوم لا يمكن توقع ما يحصل في سورية في اعقاب هجوم امريكي، واذا كان هذا خيرا ام شرا. ولكن السؤال اذا كان اوباما سيهاجم الاسد، اوباما والاسد على حد سواء سينسيان بعد سنوات قليلة اما نحن، اسحق واسماعيل، فهنا دوما.
‘
الحدث الذي لم يكن
‘
وأخيرا اريد أن اختار ايضا الحدث الاهم الذي لم يحصل في هذه السنة: قانون القومية لم يسن. القانون الاساس الذي يقرر ان اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، كان ينبغي أن يسن فور قيام الدولة، غير أنه في حينه كان امرا مسلما به لدرجة أن احدا لم يرَ حاجة لسنه، مثلما ليس ثمة حاجة لقانون يقضي بان الاوراق خضراء والسماء زرقاء. وثيقة الاستقلال تبدأ بكلمات ‘في بلاد اسرائيل قام الشعب اليهودي’. هذان الامران، بلاد اسرائيل والشعب اليهودي، هما العمودان اللذان تقف عليهما الدولة. الشعب اليهودي وبلاد اسرائيل، تقول الوثيقة الاساس للدولة هما العريس والعروس اللذان على شرف زواجهما اجتمعنا هنا وبدونهما لا معنى لكل الامر. الى جانب ذلك كتب في ذات الوثيقة ان الدولة ستضمن لكل مواطنيها مساواة كاملة وكامل الحرية والحقوق من دون أي تمييز. احد لم يجعل الامر صعبا ولم يفاجأ، إذ حقا لا يوجد اي تضارب بين المساواة الكاملة من دون تمييز وبين الدولة القومية. اسرائيل هي ايضا دولة الشعب اليهودي ودولة كل مواطنيها في نفس الوقت. لا تضارب بين هذين التعريفين لان كل واحد منهما يعمل في العلاقات بين الدولة والمواطنين، والاخر في العلاقات بين الدولة والشعوب، ولكن مع السنين تشوشت المفاهيم. فقد تبنى بعض الليبراليين الاسرائيليين الرواية الفلسطينية بصفتها الحقيقة التاريخية الموضوعية، والديمقراطية كذخر خاص لهم. وحسب المبادئ الليبرالية الجديدة فان كل شيء لا يعجب الفلسطينيين ليس ليبراليا، وكل فكرة ليست ليبرالية متطرفة هي غير ديمقراطية. بقدر ما تكون هذه المناورة مكشوفة ومتحققة، فان لها مع ذلك تأثيرا كبيرا على المحكمة وعلى وسائل الاعلام. في هذا الوضع تكون الحاجة الى سن قانون القومية حيوية أكثر فأكثر. اسرائيل تطالب الفلسطينيين بان يعترفوا بها كدولة الشعب اليهودي، فلا يحتمل الا تفعل هي نفسها ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المنطقة العربية والازمة في سورية
بقلم: يوئيل جوجانسكي،عن نظرة عليا
تتخلافا للرد المصمم والموحد تجاه القذافي في 2011 ( نتيجة محاولاته المس جسديا بالزعماء العرب) الذي تضمن استخداما للقوة من جانب قطر والامارات، لم تتخذ الدول العربية حتى الان موقفا قاطعا، تجاه سورية. لقد بقي العالم العربي منقسما في المسألة السورية، كما ينعكس ذلك في قرار الجامعة العربية في 27 آب/اغسطس 2013 (ومن بيان منظمة الدول الاسلامية بعد يوم من ذلك)، التي امتنعت عن اعطاء ضوء أخضر لعملية عسكرية، ردا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي في 21 اغسطس 2013. ‘
يأتي الموقف العربي العلني، الذي يمسك بالعصا من طرفيها، ليساعد الحكام العرب في اليوم التالي للهجوم الامريكي، فخلف الابواب المؤصدة، سيشكرون الامريكيين لما قاموا به نيابة عنهم بالعمل في حالة كانت الضربة للاسد ذات مغزى، ولم توقع اصابات كثيرة، ولكنهم سينتقدونهم اذا كان الهجوم هزيلا ولم يبعث بالرسالة المناسبة من ناحيتهم لايران. اذا ما تشوش الهجوم، فانهم سيقولون انهم لم يستدعوه منذ البداية.
كان هذا في صيف 2011 عندما بدأت المنطقة العربية تتخذ موقفا أكثر حزما تجاه الاسد. بداية، ‘مجلس التعاون الخليجي’ الذي دعا سورية الى الكف عن ‘القمع الفتاك للمواطنين’ وبعده، التصريح الاستثنائي في حدته لملك السعودية، عبدالله، الذي طالب ‘بوقف آلة القتل’. وجاءت الانعطافة بسبب احباط الملك من موقف النظام العلوي (النظام الكافر في نظره) بالنسبة لمحاولات الوساطة السعودية وفهمه بان الاحداث كفيلة بان ترجح الكفة في صالح ايران. وازداد غضب الملك بسبب القتل في أوساط ابناء قبائل تعيش في طرفي الحدود، جاءت أمه واثنتان من أخواته منها، وبسبب حجم القتل بين السُنة في شهر رمضان. ‘
على مدى السنين فضلت دول الخليج تفادي المواجهات والتركيز على محاولات الوساطة في العالم العربي، لتعطيل المخاطر، في ظل محاولة عدم التماثل مع أي من المعسكرين. كما أنها تفضل في الحالة السورية الريادة الامريكية، ولكن لما كانت هذه لم تأت فان الدول التي تتمثل مزاياها في جيوبها العميقة ونفوذها الواضح في العالم الاسلامي، دخلت الى الفراغ الناشئ بسبب ذلك. وقد فشلت حتى ذلك الحين في محاولاتها قطع الاسد عن المحور الايراني. ومنحتها الثورة فرصة استثنائية لاضعاف الجبهة الايرانية.
منذئذ، والسعودية، بتنسيق ما مع قطر والامارات، وان لم يكن بالتوافق الكامل معهما، تمنح مساعدة للقوى ‘المعتدلة’، في نظرها، من بين الثوار. وذلك، احيانا من دون مراعاة القيود الامريكية على السلاح، وفي ظل النية الواضحة لاجتذاب الولايات المتحدة الى تدخل أكبر. ورغم المصلحة المشتركة في اسقاط الاسد، فان النشاط الاقليمي لقطر، يغيظ السعودية. والدليل على ذلك جاء في تصريحات الامير بندر، رئيس المخابرات السعودية ومنسق الجهود حيال الساحة السورية، الذي وصف قطر مؤخرا بـ’ثلاثمئة شخص مع محطة تلفزيون’. دعم قطر لعناصر متطرفة بين الثوار، من شأنه أن يدفع السعوديين الى عمل ذلك ايضا (‘بظل خفيض’، يمنع الانتقاد)، لنيل النفوذ في أوساطهم واحداث توازن مع النفوذ القطري.’
ثمة خوف، ولا سيما في دول الخليج، من أن يكون الهجوم الامريكي المحدود مشابها في نتائجه للهجمات الامريكية في العراق في 1993 وفي 1989، التي تركت صدام على كرسيه ودفعته الى تصعيد القمع لشعبه. ان اسقاط الاسد (واضعاف ايران وحزب الله) هو الذي أصبح الهدف الاستراتيجي في سموه بالنسبة لهم. الهدف هو تعزيز بعض العناصر من بين الثوار، بحيث انه اذا ما وعندما يسقط الاسد سيستولون على الحكم في ما بقي من الدولة السورية.
لقد عملت دول الخليج في محاولة لاقناع الامريكيين بان نظام الاسد اجتاز ‘الخط الاحمر’، الذي أعلن عنه الرئيس اوباما في اغسطس 2012 ومرة اخرى في اذار/مارس 2013 بشأن استخدام السلاح الكيميائي. وحسب الـ’وول ستريت جورنال’، فان الاستخبارات السعودية حصلت على ادلة على استخدام هذا السلاح في شباط/فبراير 2013 وعرضت هذه الادلة على الامريكيين. كقاعدة، دفعت سلبية وعدم رغبة الولايات المتحدة في التدخل في سورية الانظمة الملكية الى التشكيك في التزام ومصداقية الولايات المتحدة ‘موردة الامن’ الاساسية لهم، اضافة الى المصاعب التي للامريكيين حيال ايران، في افغانستان وفي العراق، والتصريحات بشأن ‘الانتقال باتجاه آسيا’ والاستقلال الامريكي من حيث الحاجة الى الطاقة في المستقبل. تقرير بعث به ملك السعودية، المحبط من السياسة الامريكية في المنطقة، الى الرئيس اوباما في الايام الاخيرة جاء فيه ان ‘المصداقية الامريكية قيد الاختبار، في المنطقة وما وراءها’. ‘
لا يتحدث السعوديون عن انتصار جارف وقريب، وهم ايضا على علم بتفوق الاسد وحلفائه بالوسائل القتالية، بالتنظيم وبالدعم من القوى العظمى. ولكنهم يأملون انه بفضل المساعدة التي يمنحونها، كل يوم يمر يميل الميزان في صالحهم: اعداؤهم نظام الاسد، ايران وحزب الله يضعفون، حتى الان من دون أن يدفعوا ثمنا مهما من جانبهم، ولكن هناك تخوفا لا بأس به كما تفيد تجربة الماضي، من أن يكون من شأن عناصر متطرفة تعمل في سورية ستعود الى دولهم الاصلية وتمس باستقرارها. اضافة الى ذلك، فمع أن اسقاط الاسد يمكنه، في نظر الكثير من الدول العربية، ان يؤدي الى كبح جماح ايران، ‘وعودتها الى حدودها الطبيعية’، ولكن ايضا الى المواجهة معها. هذا التخوف دفع ضمن آخرين السعودية والكويت الى أن ترفعا هذا الاسبوع مستوى التأهب في جيشيهما الى مستوى واحد تحت المستوى الاعلى. ‘
ان المنطقة العربية، التي تعاني من انشقاق بعيد السنين، فشلت في تبني استراتيجية واحدة وموحدة في الموضوع السوري.
والنتيجة: دعوة هزيلة من الجامعة العربية التي جمدت عضوية سورية في المنطقة في 2011 ومنحت كرسيها للمعارضة ‘الى وضع حد لخرق القانون ولجرائم الابادة’ التي يرتكبها النظام السوري، من دون أن تذكر التدخل العسكري وفي ظل الدعوة الى العمل في مجلس الامن. حيال السعودية، قطر والامارات، التي اتخذت خطا متصلبا، فان الجزائر (التي تسند نظام الاسد في السنتين الاخيرتين) العراق (الذي في نطاقه مرت الوسائل القتالية الايرانية في طريقها الى الاسد)، لبنان (الذي يخشى رد الاسد وحزب الله على حد سواء) ومصر (التي تسعى ربما بذلك الى الحفاظ على قدر من النفوذ في سورية)، لم تتخذ قرارا أكثر تشددا.’
على خلفية الهزة الاقليمية اصبح الخليج الساحة المركزية في ادارة جدول الاعمال العربي. فدول الخليج، التي احتمت في ظل القاهرة ودمشق، هي اليوم، رغم خلافات لا بأس بها بينها وضغوط اجتماعية سياسية في اراضيها، الكتلة الاكثر استقرارا واتحادا في المنطقة. لقد عملت الانظمة الملكية احيانا كقوة ثورية واحيانا كقوة مضادة للثورة وفقا لمصالحها. فقد عقدت صفقة لاحالة الرئيس اليمني صالح عن منصبه، وشاركت في تثبيت النظام الجديد في تونس، وساعدت، ربما أكثر من أي جهة عربية اخرى في اسقاط نظام القذافي. ولكنها حافظت، بالقوة على حكم آل خليفة في البحرين وسعت الى حماية حكم مبارك في مصر. ولما لم تتمكن من ذلك، عملت على نقل مساعدة بالمليارات الى الحكم العسكري في مصر الذي استولى على الحكم مؤخرا.
ودرءا للخطأ، فان المنطقة العربية السنية معادية لنظام الاسد،’استطلاع اجراه معهد بحث مهم، بيو، قبل هجوم 21 اغسطس2013 اعطى مؤشرا على ذلك. فقد تبين أن 90 في المئة من اللبنانيين السنة، 90 في المئة من الاردنيين و81 في المئة من المصريين، يتبنون رأيا سلبيا تجاهه. ولكن كلما اقترب موعد الهجوم الامريكي، فانه حتى انظمة دفعت من خلف الكواليس الى عملية عسكرية، حاولت في تصريحاتها تنظيف ايديها من التدخل في الازمة، ودعم العملية العسكرية، فقلصت بذلك الشرعية الاقليمية التي سعى الامريكيون الى تجنيدها. الاردن، الذي يخاف رد الفعل السوري، أعلن، ان أراضيه لن تستخدم قاعدة لتدخل عسكري امريكي في سورية، ومصر، وان كانت شجبت استخدام السلاح الكيميائي، اعلنت ان الحل السياسي وليس العسكري هو المخرج الوحيد. لقد ادى ضغط امريكي وخليجي الى انعقاد وزراء الخارجية العرب مرة اخرى في الاول من ايلول/سبتمبر 2013، على أمل تبني خط أكثر تشددا وتثبيت الدعم للموقف الامريكي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
معركة في وضح النهار
بقلم: حيمي شليف،عن هأرتس
إن شيئا ما عجيبا يحدث للعملية العسكرية الامريكية المتوقعة على سورية، التي سارع محللون كثيرون في اسرائيل الى تأبينها: فكلما اقترب موعد التصويت في مجلس النواب، مطلع الاسبوع القادم، أخذت العملية تتسع وتقوى وتحشد الزخم والدعم ايضا (وهذا صحيح الى اول من أمس الثلاثاء).
‘إن الرئيس ووزراءه ينقضون على تل الكابيتول ويطلقون النار من المدافع كلها، ويضغطون على كل من في الملعب، وقد أحرزوا أمس نتائج أولى مشجعة لهم. ‘أيها الاسد إحذر فماكين وباينر مستعدان’، هذا ما كان سيعلنه اوباما مع زئير لو أنه أراد أن يستعيد تصريح مناحيم بيغن الشهير في 1981 عن يانوش ورفول اللذين ينتظران والد بشار بعد أن تجاوز خطوط اسرائيل الحمراء في جنوب لبنان.
لكن رغم المساندة التي منحها رؤساء المؤسسة الجمهورية لاوباما ومنهم خصمه السابق جون ماكين ورئيس مجلس النواب جون باينر وزعيم الكتلة الحزبية اريك كانتور فان المعركة بعيدة عن الحسم فما زال عن يمين باينر عشرات من رجال مجلس النواب الجمهوريين، هم إما تمايزيون وإما كارهون كبار لاوباما أو الأمران معا. وعن يساره الزعيمة الديمقراطية نانسي بلوسي التي ثبتت أمس دعمها للرئيس بقَسَم يشبه ذاك المتعلق بالمحرقة ‘لن يكون ذلك أبدا’ ما زال يوجد عشرات المشرعين الديمقراطيين، ممن يقلب التصويت المؤيد لاستعمال القوة العسكرية أحشاءهم ويخالف ضميرهم.
‘وتقوم في الوسط وسائل الاعلام الامريكية، التي لا يمنع عدم اقتناعها بضرورة العملية استسلامها الشامل للرواية السياسية المتوترة الناشئة مؤملة أن يفضي ذلك الى دراما ونسب مشاهدة عالية. وإن تغطية هذا المشهد التي شملت أمس نقلا حيا لعرضي الوزيرين كيري وهيغل الدراميين، مع رئيس هيئة الاركان دامبسي، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ تُقرب القضية السورية من الطرف الآخر من جبال الظلام الى شاشات التلفاز والحواسيب والهواتف المحمولة للامريكيين المتشككين، ممن سيتغير توجههم بلا شك الى هنا أو الى هناك.
ستجري هذه الدراما منذ الساعات القريبة فوق شاشة مقسومة مع خروج اوباما الذي خُطط له مسبقا الى السويد، حيث سيشارك في جملة ما سيشارك فيه في مراسم لذكرى رؤول فولنبرغ في الكنيس الكبير في ستوكهولم وفي لقاءاته المشحونة، وإن لم تكن المباشرة مع خصمه الروسي اللدود فلاديمير بوتين في قمة الدول الصناعية العشرين في سانت بطرسبورغ.
‘اذا أخذنا في الحسبان المشاحنات التي كانت بينهما في الماضي والاختلاف الشديد بينهما في الرأي، في ما يتعلق بسورية في الحاضر، فان المواجهة بين الاثنين في قصر قسطنطين الذي كان ذات مرة منزل القيصر بطرس الأكبر، بطل بوتين قد تكون مصيرية للحفاظ على تأثير اوباما في مجلس النواب ولتحصين صورته لدى الرأي العام.
‘أصبح العنوان مُعدا للمقالة التحليلية التي ستصاحب المعركة بين الزعيمين في مركز البلدة، واحد مقابل واحد ورجل مقابل رجل، وهي مأخوذة من فيلم هوليوودي عن الغرب المتوحش كان يعتبر ذات مرة من أفضل الأفلام. ومن المعتاد اعتقاد أن الفيلم هو استعارة لقوائم السيناتور مكارثي السوداء، لكن هناك من يرونه مثلاً لامريكا التي تقف وحدها في مواجهة الشر العالمي، في حين يهرب الجميع حولها من المعركة.
إن الفيلم هو في وضح النهار بالطبع، ومن المؤكد أن باراك اوباما بحيلة دعائية من البيت الابيض سيلعب دور البطل، غاري كوبر اذا عاد فقط الى البيت في سلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
