اقلام واراء اسرائيلي 442
18/9/2013
في هــــــذا الملف
المعضلة الاردنية والازمة السورية
بقلم: تسفي برئيل ،عن هارتس
الرسالة الى ايران واضحة
بقلم: يهودا بن مئير،عن هأرتس
روسيا تعود الى الشرق الاوسط
بقلم: زلمان شوفال،عن اسرائيل اليوم
يلعقون الجراح ولكنهم يؤمنون بانهم انتصروا
بقلم: أريك بندر،عن معاريف
لاتفاق اوسلو جوانب جوهرية كثيرة
بقلم: دوف فايسغلاس،عن يديعوت
لحظة الحقيقة لبشار الاسد
بقلم: البروفيسور ايال زيسر ،عن الشرق الاوسط
المعضلة الاردنية والازمة السورية
بقلم: تسفي برئيل ،عن هارتس
تم الاتفاق على مبادرة مباركة في الاسبوع الماضي بين السلطة الاردنية والصليب الاحمر لازالة الألغام، فسيتلقى 45 شابا سوريا من لاجئي الحرب تدريبا وارشادا في إزالة الألغام والقذائف والقنابل غير المنفجرة وسائر المواد المتفجرة. وسيعمل هؤلاء اللاجئون بعد ذلك مرشدين لنحو من 20 ألف لاجئ آخرين سيتطوعون للحصول على إعداد ويعملون في هذا النشاط الخطير في المدن والقرى التي هربوا منها عندما سيعودون الى بيوتهم في سورية.
بيد أن هذه المبادرة تبدو سابقة لأوانها شيئا ما لأنه لا أحد في الاردن أو في سورية يستطيع أن يقول متى سيعود اللاجئون الى وطنهم لتطبيق إعدادهم. إن مواطني الاردن قلقون الآن من تهديدات الهجوم على سورية، رغم الاتفاق بين سورية وروسيا على الرقابة على المواد القتالية الكيميائية والقضاء عليها. وعلى حسب تقارير إخبارية في وسائل الاعلام الاردنية، هرب مواطنون اردنيون كثيرون يسكنون في مدن الحدود الشمالية الى مدن في شرق الدولة وجنوبها، خشية أن ترد سورية بقصف الارض الاردنية، بل أن تستعمل سلاحا كيميائيا في المناطق الحدودية. ‘لماذا لا تساعدنا الحكومة فتوزع على المواطنين أقنعة واقية كما تفعل حكومة اسرائيل؟’، قال مواطن اردني في غضب في حديث الى صحافي.
يعلن الملك عبد الله ووزراء في حكومته على رؤوس الأشهاد أن الاردن لن تكون قاعدة انطلاق لعمليات عسكرية موجهة على سورية، لكن الوجود العسكري الامريكي في المملكة ونصب بطاريات صواريخ باتريوت يجعل المواطنين يشكون في جدية هذه التصريحات. إن عسكريين امريكيين يُعدون منذ أشهر طويلة مقاتلين من الجيش السوري الحر، وقبل بضعة أسابيع تم في عمان لقاء بين رؤساء أركان جيوش الدول المجاورة للاردن، وتجتاز قوافل سلاح بنفقة سعودية الحدود الى سورية عن طريق الاردن أو تأتي مباشرة الى الاردن من كرواتيا في طائرات سلاح الجو الاردني. وعلى حسب تقرير في صحيفة ‘وول ستريت جورنال’، تشتغل الاستخبارات الاردنية والسعودية باعداد قوات سورية هدفها إسقاط نظام الاسد. فاذا تم اجراء عسكري موجه على سورية فيتوقع أن تكون الاردن واحدة من نقاط الاستعداد المهمة له.
كان الملك عبد الله أول زعيم عربي دعا بشار الاسد الى التنحي عن كرسيه (وهذا تصريح حاول أن يُخفف وقعه بعد ذلك). لكن رغم التعاون الوثيق الذي يُجريه مع السعودية التي تحث على عملية عسكرية، واستعداده للتعاون مع الادارة الامريكية، يبدو أن خشيته الكبرى هي من سيطرة منظمات اسلامية على سورية بعد سقوط الاسد. إن خوفه لا يختلف في الحقيقة عن خوف اسرائيل أو تركيا، لكن الاردن بالقياس إليهما محدودة القدرة من الجهتين العسكرية والسياسية على الرد على تطور خطير كهذا. وفي داخل الاردن يواجه الملك مجموعات اسلامية أكبرها الاخوان المسلمون الاردنيون الذين قد يُقلدون نشاط نظرائهم في مصر. وعلى نحو عام سادت علاقات تعاون بين الاخوان في الاردن والسلطة، ولم يحظر القانون عمل حركتهم كما حدث في مصر. وحينما تولى الاخوان المسلمون الحكم في مصر وافق الملك بضغط من الاخوان المسلمين الاردنيين ووساطة حاكم قطر على تحسين علاقاته الباردة بحماس، بل إنه التقى مع خالد مشعل لأول مرة.
وفي الوقت نفسه ينشأ تحت أنف الملك تهديد آخر لا يمكن الى الآن تقدير قوته. فقد هرب أكثر من نصف مليون لاجئ سوري الى المملكة منذ نشب التمرد في سورية. ويسكن نحو من 170 ألفا في مخيم اللاجئين الزعتري ووزع الباقون في المدن والقرى الاردنية. ولا يستطيع أحد أن يقول بيقين كم منهم يؤيد الحركات الاسلامية وكم منهم نشطاء من الاخوان المسلمين في سورية.
إن عدد اللاجئين السوريين الذي يبلغ الآن نحوا من 9 في المئة من عدد سكان المملكة كله، قد يزيد ويبلغ نحوا من 20 في المئة كلما استمرت الحرب. فاذا سيطرت القوات الاسلامية في سورية على أجزاء كبيرة من البلاد، أو أصبحت جزءً من السلطة التالية، فقد يصبح لاجئون كثيرون في الاردن ‘فرعاً’ لهم لتطبيق طموحهم الايديولوجي، وأن يحاولوا مع الاخوان المسلمين في الاردن إسقاط حكم الملك. لا أحد في الاردن يتحدث علنا عن هذا الخطر، لكن مصادر اردنية تقول إن الاستخبارات الاردنية تتابع المزاج العام والنشاط الديني داخل مخيمات اللاجئين بغرض التعرف على مراكز معارضة في المستقبل.
إن الاردن مسجون بسبب ذلك في معضلة استراتيجية تُعرضه لخيارين سيئين: اذا سقط الاسد فقد تجد المملكة نفسها ازاء نظام سوري جديد قد يُعرض استقرارها للخطر؛ واذا بقي الاسد فقد تعلق مع نصف مليون لاجئ يخشون العودة الى وطنهم، ومن هنا ايضا يأتي خطاب الاردن الرسمي الغامض الذي يعارض علنا عملية عسكرية على الاسد، ويُهيئ في الوقت نفسه للسعودية والولايات المتحدة والمتمردين قاعدة مساعدة.
والى هذه الحيرة السياسية حمّلت الحرب الاردن عبئا ماليا عظيما لأنها تحتاج الى عشرات ملايين الدولارات كل شهر لتُهيئ حاجات اللاجئين، ولا تفي المساعدة التي تأتيها من الامم المتحدة أو من الدول العربية والغربية بمقدار النفقات. ويكمن هنا تهديد سياسي آخر للملك، لأن مواطنين كثيرين أصبحوا يسألون لماذا يجب عليهم أن يدفعوا الى اللاجئين، في حين لا يملكون هم أنفسهم اماكن عمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الرسالة الى ايران واضحة
بقلم: يهودا بن مئير،عن هأرتس
مع بدء التفاوض بين الولايات المتحدة وروسيا في جنيف، حينما أصبح واضحا أن الهجوم الامريكي يؤجل ومجرد وجوده مشكوك فيه، سارع كل المحللين الى زعم أن الرسالة التي ينقلها هذا التطور الى ايران، هي أنه لم يعد لديها ما يقلقها، وأن امكانية عملية عسكرية امريكية موجهة على برنامجها الذري قد سقط من جدول العمل. ولم يوجد حتى قبل احراز المصالحة الدراماتية أي أساس لهذا التفسير. فسورية ليست ايران والسلاح الكيميائي ليس سلاحا ذريا وكل محاولة للمقايسة بين الرأي العام في الولايات المتحدة في ما يتعلق بعملية عسكرية في سورية، وبين موقف الجمهور الامريكي في المستقبل من الهجوم على المنشآت الذرية الايرانية تقوم على خطأ.
لا توجد في سورية حرب بين أخيار وأشرار، لكنها حرب أهلية دامية بين أشرار وأشرار، في وقت لا يسهل فيه تحديد أيهما شرٌ أكثر من الآخر. وليس الوضع كذلك بالنسبة لايران وبرنامجها الذري، لأنه يجري هنا صراع واضح بين الأشرار جدا ايران وبين الأخيار وهم العالم الحر ومنه اسرائيل. وعلى حسب كل استطلاعات الرأي فان ايران أكثر دولة مكروهة من قبل الولايات المتحدة، ويراها الشعب الامريكي هي ـ لا الصين ولا روسيا ولا سورية ـ أخطر تهديد للولايات المتحدة.
ولا يوجد أي أساس ايضا للمقارنة بين السلاح الكيميائي والسلاح الذري، فالسلاح الكيميائي الذي في يد الاسد لا يهدد الولايات المتحدة، ويُشك في أنه يهدد اسرائيل، أما في مقابل ذلك فان الرأي العام في الولايات المتحدة يرى أن السلاح الذري الذي يملكه النظام الاصولي في ايران هو تهديد حقيقي للأمن القومي. وحينما سيُبين الرئيس باراك اوباما لشعبه أن السلاح الذري الذي تملكه ايران قد ينتقل الى منظمات ارهابية على هيئة قنبلة ذرية تصل في حاوية الى ميناء في نيويورك، فان دعم الرأي العام في الولايات المتحدة وفي مجلس النواب لعملية عسكرية موجهة على منشآت ايران الذرية سيزداد على نحو عجيب.
إن الوضع اليوم أصبح قاطعا لا لبس فيه بقدر كبير، ورسالة التهديد الى ايران واضحة. إن الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا الذي يفترض أن يفرض على الاسد بخلاف ارادته وطموحه أن يتجرد تماما في غضون نحو من نصف سنة من كل السلاح الكيميائي ووسائل انتاجه قد يكون اذا نُفذ تطورا عظيم الأهمية ونقطة تحول في السياسة العالمية. والحديث عن انجاز امريكي وروسي واسرائيلي ايضا بصورة غير مباشرة. إن معنى الايام الاخيرة كما ذكر رئيس الوزراء هو أن الدبلوماسية الخلاقة التي تعتمد على تهديد بعملية عسكرية يمكن أن تُحدث أمرا عظيما. وينبغي أن نضيف الى هذا استعداد الولايات المتحدة لأن ترى روسيا شريكة في ادارة العالم.
كان واضحا لاسرائيل منذ زمن بعيد أن الحل الأساسي في الأمد البعيد لخطر السلاح الذري الايراني يكمن في تعاون بين الولايات المتحدة وروسيا. وقد ثبت أن روسيا غير معنية بصورة خاصة بأن يملك الاسد سلاحا كيميائيا، رغم دعمها له، ومن المؤكد أنها غير معنية بأن يكون لايران سلاح ذري. إن السابقة السورية للتعاون الامريكي الروسي قد تنجح بالنسبة لايران ايضا، وعلى كل حال فان مجرد هذا الاحتمال هو عامل ردع للايرانيين.
إن صورة العملية على سورية هي النقش على الجدار الذي يجب على الايرانيين أن يقرأوه. وقد قال اوباما لا غيره هذا بصراحة. وبيّن لاثبات ذلك أن الجمع بين التهديد الصادق باستعمال القوة والدبلوماسية الخلاقة التي أثبتت نفسها في سورية يمكن أن يشير الى حل القضية الذرية الايرانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
روسيا تعود الى الشرق الاوسط
بقلم: زلمان شوفال،عن اسرائيل اليوم
إن العنوان مضلل في ظاهر الامر لأن روسيا لم تترك الساحة تماما قط، لكن موسكو فقدت منذ اربعين سنة، بفضل أنور السادات وهنري كيسنجر والانتصار الاسرائيلي في حرب يوم الغفران، أكثر مواقع تأثيرها السابقة في الشرق الاوسط ما عدا سورية. وهي الآن تعود وبقوة.
ما زال من المبكر أن نوجز تطورات الاسابيع الاخيرة في شأن السلاح الكيميائي السوري، لكن شيئا واحدا أصبح واضحا: إنه عندنا الان انطباع، من دون أن نقلل من أهمية الاتفاق على إبعاد السلاح الكيميائي الذي يملكه الاسد، ومن الاسهام الامريكي في احرازه، ان روسيا هي التي تمسك بالمقود. إن التصورات ولا سيما في الشرق الاوسط تكون احيانا أهم من الحقائق، وتُصور امريكا اليوم في منطقتنا بأنها تابعة لروسيا التي نجحت في إملاء الاجراءات ـ وليس مهما أن قوة الولايات المتحدة أكبر بأضعاف مضاعفة من قوة روسيا، من جهة موضوعية (واذا لم تسرع واشنطن وتدرك من أفضل ممن في مصر فقد تخسر نقاطا هناك ايضا). قال الرئيس اوباما في خطبته إن امريكا لم تعد تريد أن تكون ‘شرطي العالم’ لكن كل فراغ سيُملأ آخر الامر وروسيا أو الصين قد تحلان محلها.
إن اسرائيل راضية عن حقيقة أنه أُحرز اتفاق، بشرط أن تُنفذ مواده وشروطه بالواقع. وكان موقف حكومة نتنياهو الدائم أنه ليس لاسرائيل أي مشاركة في الحرب الأهلية في سورية، لكن ينبغي في كل سيناريو محتمل إبطال فعل السلاح الكيميائي الذي تملكه والتحقق من ألا يُنقل الى حزب الله. ويجب ألا يقلقنا بشكل خاص التحسن المؤقت لمكانة الرئيس الاسد. وفي مقابل ذلك لم تستطع اسرائيل أن تتجاهل الآثار المحتملة للتحسن السياسي الروسي على الشأنين السياسيين الرئيسين في برنامج عملها، وهما ايران والمشكلة الفلسطينية.
في ما يتعلق بايران، يجري في امريكا جدل في أنه هل يجعل الشأن السوري طهران تشعر بأنها أكثر تعرضا للضغوط الدولية، بحيث توقف سباقها الذري، أم ترى في ما يبدو ضعفا غربيا وفيه ‘المرونة’ الامريكية في شأن ‘الخطوط الحمراء’ ومشاركة روسيا الدبلوماسية الفعالة، ما يشبه ‘رخصة’ بالاستمرار في عملها؟ ينبغي أن نفرض أن هذا الموضوع كان في مركز الحديث بين رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الخارجية كيري في زيارته الخاطفة الى تل ابيب. وفي ما يتعلق بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني فان روسيا بوتين لم تقم الى الآن باجراءات بخصوص ذلك وهي تكتفي في هذه المرحلة بتكرار أقوال الاتحاد الاوروبي وتوصياته. كان الوضع في الماضي السوفييتي مختلفا، لا لأن ستالين وأكثر ورثته رأوا الصهيونية عدوا ايديولوجيا وفعالا، بل لأن الكرملين ايضا رأى في عصر الحرب الباردة، أن اسرائيل ودول الرعاية الغربية تشبه دمى استعملتها الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على جانبي المتراس.
ونبع من ذلك أن الاتحاد السوفييتي وتوابعه دعمت على الدوام الطرف العربي وسلحت جيشي مصر وسورية ودربت ارهابيين فلسطينيين وأعدت ارهابيين محتملين في جامعة لومومبا في موسكو (درس أبو مازن هناك ايضا). وأيدت امريكا في مقابل ذلك على نحو عام اسرائيل وبصورة حاسمة في حرب يوم الغفران، حينما هدد كيسنجر روسيا بدعم من نيكسون كي لا تتدخل الى جانب المصريين والسوريين المهزومين.
إن الوضع اليوم مختلف، فرغم الاختلاف في الآراء في موضوعات معينة، خاصة موقف موسكو الذي يتجاهل خطر ايران الذري، يوجد ايضا غير قليل من التفاهم، إما علنا وإما تحت السطح. ومن المؤكد أن اسرائيل ليست غير مكترثة، بواحدة من توجهات الدبلوماسية الروسية الرئيسة، أي صد تقدم الاسلام في العالم ولا سيما المناطق القريبة منها. والعلاقات بين موسكو وتل ابيب في مجالات اخرى ايضا حسنة جدا وتخدم الدولتين. وتدرك موسكو ايضا أنه مع كل التغييرات الايجابية في العلاقات بين الدولتين، ستظل اسرائيل في المستقبل ايضا وعلى نحو قاطع لا لبس فيه مرتبطة بأمريكا وبالشعب الامريكي (وبالجمهور اليهودي هناك). ومع ذلك فان اسرائيل تعي امكانية أن مكانة روسيا الحسنة في الشرق الاوسط، خاصة اذا أرادت استغلال التفوق النسبي الذي هيأته لها المعركة السورية، قد تمنحها ايضا حضورا قويا في القضية الفلسطينية. وسيكون للدبلوماسية الاسرائيلية دور نشيط في السنوات القادمة في هذا السياق.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
يلعقون الجراح ولكنهم يؤمنون بانهم انتصروا
بقلم: أريك بندر،عن معاريف
اليسار الاسرائيلي الذي سار منذ اتفاق اوسلو متخبطا، ووجد نفسه يتقلص ويفقد الارتفاع في الساحة السياسية، لا يزال يلعق ‘جراح اوسلو’، الانتفاضتين وموجات العمليات التي خلفت في البلاد اكثر من الف ضحية، الاف الجرحى وجمهورا يمينيا غاضبا ولا يغفر، ولكنه لا يزال يؤمن بصيغة اوسلو وبرؤية الدولتين. كما أنهم في اليسار مقتنعون بان طريقهم بالذات انتصر وان اليمين تبنى الصيغة التي اتخذوها.
‘بعد عشرين سنة من اتفاقات اوسلو لا أدري ما اذا كانت اتفاقات اوسلو هي فشل أم’ تفويت فرصة، أن أعرف فقط بانها كانت اضطرارا، فرضه الواقع′، هكذا يقول الوزير وزعيم ميرتس الاسبق يوسي سريد من رجال اليسار البارزين في العقود الاخيرة.
‘مسيرة اوسلو ولدت ليس كثمرة تخطيط جلست فيه القيادة الاسرائيلية لتتمعن وفي نظرة الى البعيد وقالت لنفسها وللاخرين ان هذه هي السياسة المطلوبة. كل شيء جاء لاحقا بعد أن تقررت حقائق ناجزة، وبعد أن تعلمنا الدرس بالطريق الصعب، وعندها كان الواقع قد قرر والسياسيون كانوا مجرد باصمين على الواقع′، يقول سريد.
يعتقد سريد بان الواقع الذي أملى اتفاقات اوسلو لم يتغير الا في خيال الناس، ولهذا فان اوسلو يبقى اضطرارا. ومع ذلك، على حد قوله فان اليسار ارتكب اخطاء رهيبة، كالخطأ حين لم يخلِ الخليل، او حين قرر بان اوسلو سيتم على مراحل. وهو يشرح فيقول انه ‘لا يمكن القفز عن الهوة الاوسع بخطوة واحدة’. وعلى حد قول سريد فان ‘اتفاق اوسلو لم يمت. الخطوة التالية ستكون استمرارا لاوسلو، وينبغي الامل بان هذه المرة ستكون عديمة الاخطاء’.
أما رفيقه في ميرتس، الوزير والنائب الاسبق ران كوهين، الذي كان في حينه من قادة ‘السلام الان’، فيرى الامور بطريقة مختلفة بعض الشيء. ‘اتفاق اوسلو كان بالنسبة لنا دليلا عن صحة الطريق، ولكن عندها جاء اغتيال رابين، ومنذئذ وكل الدولة وليس نحن فقط بل كل الدولة لا تزال تلعق جراح هذه المصيبة، لانه بين اوسلو وبين اغتيال رابين بدأت مسيرة تاريخية بقيادة اليسار. في حينه جاء يغئال عمير وانتصر جدا على الدولة وعلى المجتمع الاسرائيلي، على اليسار الاسرائيلي وعلى سواء العقل’. ‘ولا ينسى كوهين ايضا مساهمة الفلسطينيين في الازمة التي ألمت باليسار. ‘عملياتهم ادرجها كجريمة، ولهم مساعدة حاسمة في أن اتفاقات اوسلو لم تنجح’.
ليس لكوهين أي شك في أنه لو بقي رابين على قيد الحياة لكانت اسرائيل توجد اليوم في مكان آخر’ تماما. ومع ذلك، فانه لا يعتقد أن اليسار أنهى دوره. ‘انا ارى الان سياقات تحصل في ميرتس وفي حزب العمل تدل على مؤشرات انتعاش، وان لم يكن انتعاشا كافيا بعد كي يعود اليسار الى الحكم’.
‘د. رون بوندك، الرئيس المشترك لمنتدى منظمات السلام الفلسطيني ـ الاسرائيلي، كان أحد مهندسي اتفاق اوسلو وشريكا في’الاتصالات السرية التي أدت الى ولادة الاتفاق التاريخي. وهو يقول ان من يتحمل الذنب الاقصى في فشل اتفاقات اوسلو هو رئيس الوزراء الاسبق ايهود باراك.
‘عندما انتخب باراك رئيسا للوزراء أخذ على عاتقه حث الاجندة التي دفعها معسكر السلام الاسرائيلي قدما على مدى كل السنين في الموضوع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. وبقدر كبير منحه معسكر السلام بشكل غبي فرصة قيادة الخطوات الى الامام. اما عمليا، فقد قادنا نحو فشل المسيرة السلمية والى الانتفاضة. فطريقته في ادارة المفاوضات، ولا سيما في كامب ديفيد ادت الى تفجر المفاوضات، واندلاع الانتفاضة وصعود نتنياهو.
ويعتقد د. بوندك بان ‘كل هذا حطم اليسار الاسرائيلي وخلق في داخله عدة معسكرات. معسكر المتشككين، ولا سيما في حزب العمل، معسكر العاطفيين الذين ينظرون من الجانب وينتظرون في الزاوية، ومنتدى منظمات السلام الذي أترأسه ولا يزال لم يرفع الايدي’. وعلى حد قوله فان ‘اليسار لم يعد يلعق الجراح كونها اندملت، ولكنه لا يزال يعاني من الصدمة’.
‘وقف اوسلو’
أحد العرابين المركزيين لاتفاق اوسلو كان نائب وزير الخارجية الاسبق د. يوسي بيلين. عندما ينظر الى الوراء، الى العشرين سنة التي مرت منذ اتفاق اوسلو فانه بالذات يعتقد بان ‘معسكر اليسار انتصر’.
‘قلنا كل السنين انه لن يكون مفر غير الحديث مع م.ت.ف، بشروط معينة، وكنا محقين. نجحنا في تحقيق الشروط التي جعلتهم شريكا. نتنياهو وبينيت أيضا لا يشككان في أن السلطة الفلسطينية هي اليوم شريك لانه نشأ على الارض واقع جديد لرئيس فلسطيني وسلطة فلسطينية يقيمان علاقات قريبة مع اسرائيل، يديران تعاونا أمنيا وكذا تعاونا اقتصاديا بحجم المليارات’.
ويقول بيلين ان الخريطة السياسية في اسرائيل تحركت يسارا، ‘اليوم لا يوجد يمين على يمين اليمين الذي يوجد داخل الحكومة. وهذا اليمين يجلس في حكومة تتحدث عن دولتين لشعبين، وتحرر سجناء فلسطينيين وتتوجه نحو خطوات سياسية. هذا مفاجئ جدا وهو بالطبع وليد اتفاقات اوسلو’.
ويعتقد بيلين بانه حان الوقت بالذات للتخلص من اتفاقات اوسلو والتوجه الى الحديث الحقيقي ـ الاتفاق الدائم. لاسفي اوسلو لم يمت. انا في حينه حاولت أن اقنع رابين بان يسير مباشرة الى تسوية دائمة بروح مبادئ كلينتون ومبادرة جنيف. اوسلو يعتبر من قبل اليمين كاتفاق يسمح بمواصلة وجود المستوطنات. معارضو اوسلو هم اليوم المؤيدون الاكبر للاتفاق. وانا اقول من فوق كل منصة انه يجب وقف اوسلو’.
في نظرة الى الوراء، رغم كل الاخطاء التي ارتكبت، فان لبيلين يوجد بالذات سبب لان يكون راضيا: ‘اليسار يمكنه أن يقول بفخر ان فكره اصبح في واقع الامر سياسة حكومة اليمين. هذه ليست مواساة فقراء. فاذا كانت قيم حركة اليسار الايديولوجية قد انغرست داخل اليمين، ورئيس وزراء يميني يتحدث عن دولة لشعبين، فان هذا انجاز كبير حقا’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لاتفاق اوسلو جوانب جوهرية كثيرة
بقلم: دوف فايسغلاس،عن يديعوت
مرت الذكرى السنوية العشرون لاتفاق اوسلو من دون نقاش عام حقيقي. ويبدو ايضا أن مُنشئي الاتفاق واولئك الذين يعرفون أهميته، يُقللون من ذكره خشية سمعته السيئة. إن لاتفاقات اوسلو جوانب جوهرية كثيرة تستحق الذكر، منها الغاء حدود ‘خطة التقسيم’ بالفعل، واعتراف فلسطيني بدولة اسرائيل في حدود 1967. لكنني لا أريد أن أتناول هذه الامور بل أريد أن أتناول سؤالا عمليا وهو، أين كانت ستوجد اسرائيل من دون اتفاقات اوسلو؟
إن خلاصة اتفاقات اوسلو وباريس هي انشاء ادارة فلسطينية مستقلة تشبه دولة تحكم أكثر السكان الفلسطينيين في مناطق يهودا والسامرة، وانشاء علاقات اقتصادية وادارية باسرائيل. وتحملت السلطة الفلسطينية مسؤولية مطلقة عن ادارة الحياة المدنية في المناطق التي تخضع لسلطتها (وفيها نحو من مليوني فلسطيني): الاعمال الشرطية والأمن الداخلي والقضاء والصحة والتربية والاقتصاد والنقل العام والاتصالات وتطوير البنى التحتية والبناء والتزويد بالماء والكهرباء وغير ذلك. وصعب على السلطة منذ أن أُسست أن تؤدي عملها، فلا يوجد لها مال، فالاقتصاد غير متطور بقدر كاف؛ وجباية الضرائب قليلة وجزئية، ولا توجد ايرادات من مصادر ذاتية اخرى، ويغلب مع كل ذلك الاسراف. فأصبحت النتيجة عجزا أخذ يتراكم بمقادير ضخمة، فلولا الدعم المالي من دول العالم لانهارت السلطة الفلسطينية.
اما ‘رافضو اوسلو’ فقد فكروا في سريرتهم أن ارادتهم قد تمت، فلا توجد اوسلو ولا سلطة فلسطينية، ودولة اسرائيل تُدير بصورة مباشرة حياة الفلسطينيين في يهودا والسامرة. واسرائيل تستعمل عشرات الآلاف من عمال الحياة العامة الفلسطينيين وتستعمل مدارس وعيادات طبية ومستشفيات ومراكز شرطة وسجونا؛ وتُعبد شوارع وتمد أنابيب ماء وخطوط كهرباء واتصالات؛ وتقيم اجهزة مساعدة ورفاه. ويطارد رجال شرطة اسرائيل لصوصا في قصبات مخيمات اللاجئين.
وكيف تفعل اسرائيل ذلك؟ من أين تأتي الحكومة بالاموال وبالقوة البشرية المطلوبة لادارة حياة نحو من مليوني انسان آخر؟ وليسوا ‘مجرد’ ناس بل هم سكان ‘ضعفاء’، يحتاجون الى دعم كبير والى خدمات حكومية معززة، لكنهم لا يستطيعون دفع ثمنها. وإن قدرة اسرائيل على أن تجبي ضرائب من الفلسطينيين تقرب من الصفر؛ فكل شيء سيدفعه مواطنو اسرائيل وعلى حساب فقراء اسرائيل.
وستتوقف ايضا القروض والهبات بمبالغ ضخمة التي منحتها دول العالم للسلطة الفلسطينية، وعدّلت ميزانيتها العامة لأنه يصعب أن نفرض أن توافق الدول المانحة على النفقة على الاحتلال الاسرائيلي مباشرة. فستكون كلفة ادارة حياة الفلسطينيين في المناطق بحسب الميزانية الاسرائيلية نفقة ‘خالصة’، أي نفقة لا يوجد الى جانبها أي دخل، وستكون هذه كارثة على اسرائيل.
ينبغي ألا نظل في الأوهام، إن ايام ما قبل اوسلو حينما كانت اسرائيل تكتفي بادارة قليلة وأساسية فقط للحياة المدنية في يهودا والسامرة قد انقضت. وسيراقب العالم كله الآن متجهم الوجه ما تفعله اسرائيل هناك. وسيُطلب الى اسرائيل أن تُدير المناطق ادارة تضمن ‘شروط عيش مناسبة’ للسكان وستجد نفسها مُرغمة على أن تفي بكل ما أخلّت به السلطة الفلسطينية. إن تقصير السلطة الفلسطينية في ادارة الحياة هي مسألة فلسطينية داخلية. وتقصير اسرائيل الادارية في المناطق ستُعرف بأنها نقض لقواعد القانون الدولي، أو كما قال لي خبير قريب من هذا الشأن: ‘ستكون كل حفرة في شارع موضوعا للجنة تحقيق دولية’.
إن صيغة اوسلو تُجنب اسرائيل العبء الاقتصادي الفظيع المقرون بالسيطرة على حياة الفلسطينيين اليومية، وهي سيطرة قد تزيد في حدة الازمة مع دول العالم في كل ما يتعلق بيهودا والسامرة. فاوسلو من هذا الجانب على الأقل هي نجاح عظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لحظة الحقيقة لبشار الاسد
امريكا لا تريد أن تتورط في حرب اضافية في الشرق الاوسط خشية ان تواجه فوضى واضطرابا جراء انعدام وجود بديل للرئيس السوري
بقلم: البروفيسور ايال زيسر ،عن الشرق الاوسط
كانت الاشهر الاخيرة رؤوفة ببشار الاسد ونظامه، فقد نجح الجيش السوري في صد ووقف زخم الثوار، ونجح جنوده، بمساعدة مقاتلي حزب الله، في أن يأخذوا لانفسهم المبادرة في ميدان القتال، بل ان يحظوا بسلسلة من الانجازات التكتيكية ذات المعنى الرمزي، في المعركة الدائرة على سورية منذ اكثر من سنتين ونصف السنة.
وكان احد الانجازات احتلال بلدة القصير في محافظة حمص. وكانت أهمية القصير، التي سقطت في ايدي الثوار في صيف 2012 تكمن في كونها مفتاحا للسيطرة على الطريق الذي يربط بين’ ‘الداخل السوري’، محور دمشق ـ حلب، والشاطئ السوري وقاطع العلويين، وكذا في كونها نقطة تسيطر على المسار من لبنان الى حمص وعبرها الى شمال سورية.
عبر هذا المسار كان ينقل الى الثوار السلاح والمساعدات، وكذا المتطوعون الذين تدفقوا اليهم من المناطق السنية في لبنان المجاورة للحدود، وكذا من مدينة طرابلس. في بداية حزيران/يونيو 2013 نجح مقاتلو حزب الله في استعادة السيطرة على البلدة وتسليمها الى النظام السوري.
انجاز آخر للنظام كان نجاحه في اعادة تثبيت سيطرته في مدينة حمص وفي ضواحي دمشق، ناهيك عن أن الثوار لا يزالون يسيطرون على أجزاء واسعة من المناطق الريفية التي تحيط المدينة من الشرق ومن الغرب، بل ويسيطرون على بعض من الاحياء الشرقية من المدينة. اما الثوار من جهتهم فشددوا ضغطهم في حلب، المدينة الثانية من حيث الحجم والاهمية في الدولة، دحروا النظام في شرق المدينة، في منطقة الجزيرة، بل وبادروا الى هجوم في جنوب الشاطئ السوري، قلب النظام السوري، الذي أغلبية سكانه من العلويين. ومع ذلك، فحقيقة هي انه باستثناء مدينة الرقة في الشرق، لم يتمكن الثوار من السيطرة على أي من المدن السورية الكبرى، او على منطقة او محافظة باكملها. كل ما حققوه هو السيطرة في المناطق الريفية لقسم من محافظات الدولة.
بشار الاسد لا يزال بعيدا عن النصر، ولكن الثوار بعيدون عن النصر اكثر، وفي غياب التدخل الخارجي في صالحهم، ومن دون استمرار الدعم المالي والسلاح المتدفق اليهم من الدول الداعمة لهم من خارج سورية، مشكوك أن يتمكنوا من ترجيح الكفة لصالحهم. ولا يزال معسكر الثوار منقسما بشدة ولا ينجح رغم أنه مر أكثر من سنتين ونصف السنة منذ اندلاع الثورة في أن يخرج من داخله قيادة سياسية وعسكرية تقود الثوار الى النصر. وفي الاشهر الاخيرة اندلعت نزاعات بين جماعات الثوار المختلفة، وبالاساس بين الفصائل الاسلامية المتطرفة ومجموعات الثوار الاخرى. واليوم يقتل العديد من الثوار على ايدي رفاقهم في حروب داخلية، وليس بالذات في المعارك مع قوات النظام.
وهكذا مثلا وقع انشقاق بين رجال القاعدة الذين أسسوا في كانون الثاني/يناير 2012 فرع سورية باسم جبهة النصرة، وفي نيسان/ابريل 2013 وقع شرخ بين الجناح السوري وبين الحركة الام في العراق وهذه الاخيرة بدأت تعمل باسم (الدولة الاسلامية للعراق والشام) كحركة منافسة لجبهة النصرة. والى جانب هذين الفصيلين من القاعدة تعمل في الدولة جبهتان اسلاميتان اخريان: الجبهة الاسلامية السورية، المتماثلة مع السعودية ومدعومة منها، وجبهة التحرير الاسلامية السورية، المتماثلة مع الاخوان المسلمين السوريين ومدعومة أغلب الظن من قطر.
ويضاف الى هذه جيش التحرير السوري، الذي لا يزال يشكل المنظمة العليا لمئات المجموعات العاملة داخل الدولة على اساس مستقل ومحلي، في ظل التعاون الهزيل بينها، ولا سيما لغرض صد هجمات النظام عن المناطق التي تحت سيطرتها. والى هذه العقدة ينبغي أن يضاف الخلاف الذي نشب بين السكان الاكراد في شمال سورية وشرقها، الممزقين هم ايضا بين احزاب ومعسكرات متخاصمة، وبين السكان العرب الذين يميلون في معظمهم الى جانب الثوار.
في هذه المناطق تدور رحى معارك لا تتوقف بين مقاتلين أكراد ومجموعات من الثوار، في الغالب للسيطرة على مخزونات المؤن وعلى حقول النفط في هذه المناطق.
على خلفية هذا الواقع يطرح بالطبع السؤال، أي حاجة وجدها بشار الاسد لاستخدام السلاح الكيميائي ضد معارضيه في منطقة الغوطة الشرقية، التي تقع في المجال الريفي شرق دمشق. الجواب على ذلك هو أنه منذ نحو نصف سنة وربما أكثر يستخدم النظام السوري المرة تلو الاخرى السلاح الكيميائي استخداما موضعيا محدودا، الى جانب استخدام المدفعية، الصواريخ، والقصف من الجو كي يحظى بمعارك حسم، في الغالب محلية وموضعية، ومع ذلك ذات اهمية في مناطق مختلفة من الدولة. هكذا في خان العسل التي تشرف على المداخل الشمالية من حلب وتسمح للثوار بتزويد قواتهم المقاتلة في المدينة بالمؤن. وهكذا ايضا هذه المرة، في منطقة الغوطة الشرقية، التي تشكل نقطة عبور تسمح للثوار بالوصول الى مواقعهم داخل دمشق وتهديد المطار الدولي الواقع على مقربة من المكان.
يبدو أنه رغم أن بشار يفهم الخطر الذي في الرد الدولي الحازم على استخدام السلاح الكيميائي، يجد صعوبة في أن يفهم الحساسية الخاصة في المجتمع الغربي لاستخدام مثل هذا السلاح، الذي يعود مصدره الى التاريخ الاوروبي. ويمكن الافتراض بانه بالنسبة له لا يوجد فرق حقيقي بين قصف مكثف من الجو، قصف مدفعية مركز، او اطلاق صواريخ ارض ارض فتاكة، وبين استخدام مركز وموضعي لسلاح كيميائي. ومع أن الرئيس اوباما حذر قبل نحو سنة من أن استخدام السلاح الكيميائي من قبل بشار الاسد سيشكل اجتيازا لخط احمر، ولكنه عمليا امتنع حتى الان عن اي رد فعل على مثل هذا الاستخدام. وهكذا فقد أشار الى النظام السوري بان بوسعه أن يواصل هجماته على أعدائه. وهذه هي إذن خلفية الحدث في الواحد والعشرين من آب/اغسطس 2013. فرغم أن الصورة لا تزال جزئية، من المعقول جدا أن يكون الاسد المغرور، او اي من ضباطه، بناء على إذن مبدئي منحه اياه الرئيس، شعر بانه حر في أن يرفع المستوى وأن يستخدم كمية أكبر من المعتاد من السلاح الكيميائي. كما يمكن أيضا أن يكون هذا خطأ او خلل عملياتي أو صدفة وجد فيها عدد كبير من السكان المدنيين في منطقة الهجوم الكيميائي، الامر الذي أحدث اصابة شديدة بالمواطنين، بمن فيهم الكثير من الاطفال.
الحرب في سورية هي جملة من المعارك الموضعية والتكتيكية التي تجري في كل أرجاء الدولة بين مجموعات صغيرة، مئات او الاف قليلة، من الثوار، وبين قوات من الجيش السوري التي تقاتل ضدهم. لا يدور الحديث إذن عن حرب تحسم في معركة واحدة، بل عن حرب استنزاف ستحسم في النقاط التي يراكمها الطرفان معركة تلو معركة، وجولة إثر جولة. ورغم ذلك فلا يمكن الا يأخذ المرء الانطباع بانه يحتمل الا يكون عن وعي وعن قصد، بل نتيجة لوحشية الحرب، تتحول المعركة التي يديرها الجيش السوري ضد اعدائه الى حرب إبادة هدفها إبادة أو طرد الثوار والسكان الداعمين لهم. واذا لم يكن هكذا، فمن الصعب أن نشرح الاستخدام المكثف للسلاح الفتاك ضد مناطق مدنية تدعم الثوار او توجد تحت سيطرتهم.
بين أربعة وستة ملايين سوري أصبحوا لاجئين، بعضهم خارج بلادهم. ويدور الحديث عن نحو 20 حتى 30 في المئة من عموم السكان، معظمهم من أوساط السُنة من مناطق المحيط المؤيدين للثوار. وبشار كفيل بالتالي بان يفوز في المعركة على سورية بطريق ابادة الثوار ومؤيديهم. غير أنه في الطريق الى النصر، علق في الصدام مع الولايات المتحدة بقيادة اوباما، المصممة، كما يبدو على ضربه. الولايات المتحدة لا تريد التدخل المباشر في ما يجري في سورية، وبالتأكيد لا تريد ان تجد نفسها غارقة في مستنقع يشبه المستنقع العراقي أو الافغاني، اللذين نجت منهما بصعوبة، بثمن اقتصادي هائل وبالعديد من الخسائر. وعليه، فقد وقفت المؤسسة الامنية في واشنطن في الاشهر الاخيرة على ساقيها كي تمنع تدخلا كهذا، لان كل عمل موضعي من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة الى حرب شاملة في نهايتها ستجد قوات امريكية نفسها تعمل على اراضي سورية. واضافة الى ذلك، ففي البنتاغون يوضحون بان الثوار السوريين هم جملة من العصابات غير القادرة حقا على الحلول محل الاسد. وبالتالي، فان اسقاط النظام السوري سيخلق فوضى واضطرابا يسمح بسيطرة مجموعات مؤيدة للقاعدة على المناطق السورية، وفي نهاية اليوم ستجتذب الولايات المتحدة الى تدخل أليم وباهظ في هذه الدولة ايضا.
ولكن تحت ضغط النخبة الاعلامية والثقافية وربما ايضا السياسية التي تحيطه، وجد اوباما نفسه يضطر الى العمل. ومعضلته الاساسية هي كيف يقوم بعمل موضعي وبالحد الادنى، يترك انطباعا لدى الرأي العام في العالم، ولكن لا يورط الولايات المتحدة في حرب غير معنية بها على الاطلاق. الحل الذي يلوح في الافق هو ضربة موضعية وأليمة ضد اهداف عسكرية مختارة في سورية.
من الصعب أن نعرف ماذا سيفعل بشار في مثل هذه الحالة. في حالات مشابهة في الماضي امتنع عن أي رد فعل. وهكذا، فعندما دمرت اسرائيل في ايلول/سبتمبر 2007 المفاعل الذري الذي سعى الى انشائه، وكذا ايضا بعد أن هاجمت، حسب منشورات أجنبية، اهدافا عسكرية في عمق الاراضي السورية في يناير، وفي ايار/مايو وفي تموز/يوليو 2013. يخوض بشار حربا للحياة أو الموت ضد الثوار على نظامه. وهو يؤمن بان له فرصة طيبة في أن يفوز بالنصر في هذه الحرب، وان كان انتصاره الان ليس في متناول اليد. في مثل هذا الوضع، فان التورط في مواجهة مع الولايات المتحدة، او مع اسرائيل، مثلها كمثل الانتحار. وبالتالي تفترض اوساط اسرائيل والعالم بان الاسد سيسعى الى احتواء الحدث، الانتقال الى جدول الاعمال والتركيز على الامر الاساس الصراع ضد الثوار. وبالاجمال، فان عدد الجنود السوريين الذين يقتلون كل يوم في المعارك في الدولة، والضرر الذي يلحق بالبنى التحتية فيها اكبر بكثير من الضرر الذي قد يلحقه هجوم امريكي محدود.
يجدر بنا أن نتذكر بان روسيا، ايران وحزب الله مستعدون لمساعدة بشار في حربه على البقاء. فالمساعدة المالية والسلاح الذي تقدمه روسيا، وكذا الاسناد الدبلوماسي الذي توفره هي والصين له، مفتاح مهم في بقائه حتى اليوم. وألقت ايران بحزب الله الى المعركة داخل سورية، ولكن من الصعب الافتراض بان كل هؤلاء اللاعبين سيكونون مستعدين للتورط من أجل بشار في مواجهة مع الولايات المتحدة، وفي حالة حزب الله في مواجهة مع اسرائيل.
المشكلة هي أن عملية موضعية بالنسبة لقوة عظمى كبرى كالولايات المتحدة قد تتبين كضربة تخل بالميزان الحساس بين النظام والثوار وتهدد حكم بشار. فتصفية ‘موضعية’ لسلاح جوي، اصابة ‘موضعية’ لمراكز القيادة والتحكم لجيشه، وفوق كل ذلك رسالة معنوية لدعم الثوار، من شأنها أن تتبين كضربة واحدة اكثر مما ينبغي، ضربة كفيلة بان تحدث هزة أرضية. هزة تشبه ما حصل في دمشق في 18 يوليو 2012، في اعقاب تصفية القيادة الامنية السورية. لقد تمكن النظام في حينه من اجتياز الصدمة، ولكن الاصداء الفرعية لها أدت الى سيطرة الثوار على أجزاء واسعة من حلب ومن دمشق.
ماذا يفعل زعيم ظهره الى الحائط؟ صدام حسين اختار مثلا الهرب من قصره ومحاولة انقاذ حياته. السؤال هو أيضا ماذا يفعل جنود وضباط مثل هذا الزعيم؟ هل يواصلون اطاعة الاوامر أو التعليمات التي تلقوها في الماضي أم سيحاولون هم ايضا النجاة بحياتهم؟ وفضلا عن ذلك، فان القدرات السورية اليوم محدودة وضيقة اكثر بكثير مما في الماضي، حيث أن قسما مهما من ترسانة الصواريخ السورية اطلقت على اي حال ضد الثوار في السنوات الاخيرة. وقدرات المناورة لدى الجيش محدودة في ضوء الحرب الجارية في كل أرجاء سورية. مهما يكن من أمر، فان الكرة لا توجد اليوم في دمشق بل في واشنطن، ومستقبل الشرق الاوسط وكذا مستقبل المعركة في سورية، سيقررها باراك اوباما وليس بشار الاسد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
