اقلام واراء حماس 445
19/10/2013
مختارات من اعلام حماس
صفقة وفاء الأحرار في ذكراها الثانية..إعجاز في الإنجاز
فلسطين الآن ،،، حسام الدجني
رواية "دون كيشوت" الفلسطينية
فلسطين الآن ،، فلسطين أون لاين ،، نقولا ناصر
سقط القناع
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، د. يوسف رزقة
رأس حماس في صفقة المحاور
فلسطين الآن ،،، مهنا الحبيل
صفقة وفاء الأحرار في ذكراها الثانية..إعجاز في الإنجاز
فلسطين الآن ،،، حسام الدجني
في الذكرى الثانية لصفقة وفاء الأحرار يجب أن نستحضر روح الشهيدين منفذي عملية الوهم المتبدد وهما الشهيد حامد الرنتيسي، والشهيد حامد فروانة، وكل من شارك أو خطط لتلك العملية البطولية، وهناك قائد كبير سيكتب التاريخ عنه الكثير، وهو أحد القيادات التي خططت للعملية، ولكن اسرائيل حرمته من الاحتفال بهذا النصر التاريخي، ليحتفل به بجوار ربه في جنان الخلد، إنه القائد الشهيد جمال أبو سمهدانة.
وهناك كلمات مازال صداها يصدح، لأنها خرجت من مهندس الصفقة عندما قال: أنا مطمئن اليوم على حماس، شكلت جيشاً قوياً، وأقر الله عيني بصفقة وفاء الأحرار، وأتمنى أن ألقى ربي راضياً مرضياً"... فارتقى صاحب هذه الكلمات شهيداً، إنه كبير المفاوضين الفلسطينيين الذي أدار عملية التفاوض غير المباشر مع الاحتلال الصهيوني، إنه القائد أحمد الجعبري. صفقة وفاء الأحرار هي بمثابة إعجاز في الإنجاز، لأنها أكدت على أدوات تفاوض جديدة غير تلك الأدوات التي ينتهجها المفاوض الفلسطيني، أدوات تستثمر كل أوراق القوة التي يمتلكها شعبنا العظيم، وتضع توفيق الله أمام أعينها، فلولا توفيق الله ثم تصميم المجاهدين ما نجحت الصفقة، فما هي مراحل تلك الإعجاز...؟
أولاً: المزاوجة بين الحكم والمقاومة: في ظل نظام عالمي أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية الحليف الاستراتيجي لـ(إسرائيل)، ونظام إقليمي عربي ضعيف، حققت حركة حماس فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير/2006م، لتعلن جهراً بأنها تتبنى خيار المزاوجة بين العمل المسلح ضد (إسرائيل) وبين ممارسة الحكم، وكان هذا من وجهة نظر بعض المراقبين بأنه مراهقة سياسية، ولكن الإعجاز الأول هو نجاح المقاومة الفلسطينية بذلك، فبعد ثلاثة شهور فقط من أداء حكومة حماس اليمين الدستورية، جاءت عملية الوهم المتبدد.
ثانياً: عملية الوهم المتبدد الإعجاز الثاني يتمثل في العملية ذاتها من حيث التخطيط والتنفيذ، فعلى عكس المتوقع إسرائيلياً بأن أي عمل مقاوم سيأتي من فوق الأرض، ولكن المقاومة حفرت نفقاً طويلاً ومن خلاله زحف المجاهدين لينقضوا على الجنود الإسرائيليين من الخلف، فيقتلوا جنديين ويخطفوا ثالثًا، على الرغم من التحذيرات الأمنية الإسرائيلية لقواتهم المنتشرة على الحدود مع غزة، والتي دفعت قادة جهاز الشاباك الإسرائيلي بأن يعترفوا بإخفاقهم في إفشال عملية الوهم المتبدد، بعد أن زعموا في إعلامهم بأنهم قاموا بعملية خاطفة في جنوب القطاع اعتقلوا بموجبها مصطفى معمر وشقيقه...
وحسب الشاباك فإن مصطفى معمر هو أحد أفراد الخلية المكلفة بتنفيذ عملية الوهم المتبدد، وفيما لو صحت رواية الشاباك والتي أذاعها الإعلام العبري، فإن مخاطر تنفيذ العملية ستكون كبيرة، وهنا المعجزة الثانية، وتتمثل في إصرار المقاومة على التنفيذ، ونجحوا خلال ثمانٍ وعشرين دقيقة في تنفيذ العملية والعودة بالجندي الإسرائيلي شاليط.
ثالثاً: عملية إخفاء الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط: المعجزة الثالثة تتمثل في أضخم إنجاز أمني لحركات المقاومة في التاريخ المعاصر، فأن تحتجز جنديًا في مساحة 365 كم2، وتستطيع الهروب من أعين ثلاثة أجهزة مخابرات إسرائيلية هي الموساد والشاباك وأمان، بالإضافة إلى مساهمة عدة أجهزة استخبارات دولية، فإن ذلك معجزة، ولكن تلك المعجزة مستمدة من صمود وصبر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي رفض العروض الإسرائيلية لتقديم معلومات حول مكان شاليط مقابل مكافأة تصل قيمتها عشرة ملايين دولار، على الرغم من الحصار والفقر، ولكن النجاح في الإنجاز أزال عتمة الحصار ليرى النور مرسوماً على وجوه المحررين وذويهم.
رابعاً: المفاوضات بين حماس و(إسرائيل) بوساطة مصرية الإعجاز الرابع يتمثل في عملية التفاوض وشخوص المفاوضين، بحيث ارتكزت العملية التفاوضية على مرتكزين مهمين: الأول: ورقة القوة التي يمتلكها المفاوض الفلسطيني ومتمثلة في الجندي جلعاد شاليط. الثاني: طول نفس المفاوض الفلسطيني ودرايته بالعقلية الأمنية الإسرائيلية، فأنجز ما تمنى.
خامساً: عملية التسليم والتسلم: في نفس الدقيقة ونفس الثانية يخرج عناصر كتائب القسام من مواقعهم ومنازلهم ليستقلوا أكثر من ثلاثين سيارة من نفس اللون والنوع، في عملية أمنية معقدة أذهلت وحدات المراقبة الجوية الإسرائيلية، وكانت أشبه بمناورة عسكرية لجيش نظامي محترف، لتؤكد على قدرة المقاوم الفلسطيني في خداع التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، فتمت عملية تسليم الجندي شاليط بدون أدنى معلومة أمنية قد يستفيد منها هذا العدو الماكر، وفعلاً نجحت العملية وتم تسليم شاليط حسب الاتفاق لقادة جهاز المخابرات المصرية، وتبدأ المرحلة الأولى من عملية وفاء الأحرار، وهذا أيضاً إعجاز في الانجاز يسجل لحركة حماس.
سادساً: لوحة استقبال المحررين: أما المعجزة الأخيرة وهي اللوحة الجميلة التي رسمتها الضفة الغربية وقطاع غزة في استقبالها للأبطال، بحيث رسمت رايات الفصائل الفلسطينية المتعانقة والتي تهتف جميعها بالانجاز الوطني، صورة جميلة، ورسالة سياسية للقادة بأن الوحدة الوطنية والمصالحة باتتا خياراً شعبياً، وأن البيئة السياسية جاهزة لتنفيذ اتفاق المصالحة، وما على القيادة إلا البدء بالخطوة الأولى، وهذا إعجاز صفقة وفاء الأحرار بأنها ستكون خارطة الطريق لتحديد معالم الاستراتيجية الوطنية المقبلة، والتي تمثل المصالحة أولى ركائزها
رأس حماس في صفقة المحاور
فلسطين الآن ،،، مهنا الحبيل
في مراجعات خطوط الصفقة التي شكلتها اتفاقية سان بطرسبرغ بروسيا وما سبقها من تحضير تبرز لنا مسارات التطبيق التي ركزت على السلاح الكيميائي للنظام السوري لتحييده وتدميره ضمانا لأمن إسرائيل وليس تأمينا للسوريين وحماية لهم.
وتصريح جون كيري الأخير الأكثر وضوحا وجلاء نحو مشروع تصفية الثورة السورية الذي أُقر بين المحورين وذلك في قوله الصريح مطلع الشهر الحالي إن واشنطن متوافقة مع موسكو لمنع وصول الجماعات المسلحة للحكم دون أن يستثني أيا منها، وثناؤه على النظام السوري لتجاوبه الجيد حسب وصفه، وإشارته الواضحة لتوافق الغرب مع موسكو لعدم الحاجة للعمل العسكري ضد النظام.
هذا الإعلان الذي نَسخ كل ما قبله دفع الائتلاف الوطني السوري المعارض ليصدر تصريحا مباشرا يُعلن أن الائتلاف بات يعتقد كليا بوجود الصفقة ضد الثورة السورية بتبني أميركي، وأن واشنطن ليست صديقة للثورة السورية.
ومع صراحة هذا الخطاب إلا أن الائتلاف يعيش تخبطا واسعا يقوده الشيخ أحمد الجربا، ومن ذلك إشارته لحضور مؤتمر جنيف، وهو المحفل السياسي الرسمي الذي سيُعلن الصيغة السياسية لتبني تصفية الثورة السورية, وهو ما يجعل مستقبل الائتلاف الوجودي على المحك, حيث تنفصل القوة العسكرية للثورة عنه كليا وتنسحب القاعدة الشعبية منه.
يعيش الائتلاف تخبطا واسعا يقوده الشيخ أحمد الجربا، ومن ذلك إشارته لحضور مؤتمر جنيف وهو المحفل السياسي الرسمي الذي سيُعلن الصيغة السياسية لتبني تصفية الثورة السورية، مما يجعل مستقبله على المحك
وهذا الأمر يعيد طرح قضية عودة المجلس الوطني السوري كممثل للعمل السياسي للثورة بعد أن يُعاد تمثيل القوى العسكرية فيه ويُنظم تشكيلات القوى المدنية, أو تعاد هيكلة الائتلاف لتحييد مشروع واشنطن وحلفائها في الخليج من داخل الائتلاف, بعد أن اتضحت بجلاء نهاية الصفقة التي دفع لها محور خليجي وحولتها واشنطن لصفقة رباعية بين موسكو وطهران وتل أبيب وواشنطن, وأضحت الثورة وشعبها المدني تحت مقصلة هذه التوافقات الخطيرة.
وسواء توجه المشهد نحو هذا التحليل أو غيره فإن المؤكّد أن الثورة السورية باتت تحت حصار حلف سان بطرسبرغ, لكن كل أدوات هذا الحلف لن تستطيع أن تُخضع الثورة سياسيا، ما دامت يد الثورة قوية في الميدان العسكري.
ولقد كان هذا الميدان قادرا على تحقيق الحسم العسكري في جولات عديدة لولا مشاريع نقضت تقدمه بتعزيز حصار التسليح النوعي الذي منع الثوار من الزحف المركزي وجعل سوط القصف على المدنيين مُنهكاً لهم لعدم وجود مضادات لمواجهته.
والعودة إلى هذه الاتفاقية تُشير من جديد إلى أطراف اللعبة الأربعة المستفيدة منها, وبالتالي فإن حصيلة هذه الغنيمة ستتوجه إلى مناطق الصراع الهشة والتي تدخل أولوية مواجهتها كمشروع مطلوب لتل أبيب وللمعسكر الغربي وهي أيضا تتفق مع طهران كقوة إقليمية صاعدة مدعومة من الغرب مقابل الشرق العربي المستقل.
هنا تتوجه القراءة من جديد إلى الميدان التاريخي للمواجهة الذي تسعى هذه القوى في مشروعها السوري لمواجهته ومواجهة استقلال الشعب السوري, هذا الميدان هو فلسطين وتحديدا غزة وحركة حماس كقوة صعدت وخرقت قواعد اللعبة الجديدة والقديمة ويتحفز أطراف سان بطرسبرغ لمواجهتها, أو غض الطرف عن سحقها وتشجيعه ضمنيا كون حماس والمقاومة الفلسطينية وممانعة غزة تُشكل عقبة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد, الذي يهيؤ له بعد تصفية الربيع المصري وحصار باقي مشاريع الربيع العربي.
إن الموقف الأميركي والإسرائيلي واضح من تحجيم حماس كقوة ممانعة حقيقية صمدت وحيدة أمام تل أبيب، لكن الموقف الإيراني والروسي هو الذي يختفي حول بعض المواقف أو التصريحات أو الرعاية الإعلامية ذات الضجيج، في حين أن فلسطين أضحت في سان بطرسبرغ حجرا مسقطا من على الرقعة بين الأطراف الدولية والإقليمية.
إن طهران تدرك النتيجة المباشرة للتوافق في سوريا وملفها النووي والعلاقة الجديدة مع واشنطن التي تسمح لها ببناء شراكة تقاسم سلسة أو شرسة مع الغرب في حديقته الخلفية بالخليج, وصعود نفوذها في العراق ولبنان بصورة أكبر, وعليه فإن دحرجة رأس حماس أو نقض ممانعة غزة هو من الأوراق التي تطرحها طهران ضمنيا مقابل هذه المكاسب وتثبيت حليفها الأسد.
ولقد كشفت المرحلة السابقة للربيع العربي عن تفاصيل مشروع إيران في البعد الإستراتيجي مع قوى المقاومة العربية الحقيقية وروح ممانعتها الأصلية التي دخلت المشهد سياسيا من جديد، واتصلت بروح المشروع العربي الإسلامي الذي يتفق في مساره الأيديولوجي والفكري مع حماس والثورة السورية وأدبيات ومنطلقات الربيع العربي.
وعليه فإن إيران المنزعجة من عودة هذه الروح وتهديد البطاقة الإعلامية السياسية ذات الضجيج العالي الذي استخدمت فيه -حزب الله- طويلا، ثم أعادت تموضعه من جديد ليكون شريكا تنفيذيا للصفقة ولتهدئة الجبهة مع إسرائيل كليا وتوجيه كل نيرانه الأيديولوجية والعسكرية نحو الشعب السوري, مستنسخة تجربتها مع المجلس الأعلى وحزب الدعوة العراقيين في مشروع واشنطن لاحتلال العراق وتقاسمه معها.
حماس هي الخاصرة الهشة اليوم، حتى وإن بقي بعض الخطاب الإعلامي لإيران يحاول استغلال العلاقة معها لمغازلة الجمهور العربي, إلا أن تصفيتها في داخل وجدان إيران ضمن ما ستقدمه في فواتير الصفقة الكبرى
إذن الخاصرة الهشة اليوم هي حماس التي وإن بقي بعض الخطاب الإعلامي لإيران يحاول استغلال العلاقة معها لأغراض لوجستية تتمسك بما تبقى من مغازلة الجمهور العربي, إلا أن تصفية حماس في داخل وجدان إيران القوة الطائفية الإقليمية الجموح باتت في سلة ما تقدمه إيران في فواتير الصفقة الكبرى.
ومع حرب الفريق السيسي الإعلامية والسياسية على غزة والشعب الفلسطيني وشعوره بأن قيادة هذه الحملة تمثل بيضة القبان له أمام تل أبيب وواشنطن وكل المعسكر الغربي ووجود قاعدة سياسية من جبهة الإنقاذ تدعم توجهه فضلا عن هستيريا الإعلام المناهض للفلسطينيين, فإن هذا المشهد مهيأ أمام ضغط تل أبيب لتحويل أحد مسارات الصفقة الدولية لحرب عسكرية على غزة، وهو ما تدعمه وتكاد تصرح به دول المحور الخليجي المعادي لغزة.
وقد يُعزز هذا التوجه تعثر مشروع السيسي السياسي أمام العصيان والتمرد لثورة يناير/رابعة الذي لا يزال يُشكل حلقة قلق كبير له ولحلفائه, وهو ما يدفع السيسي لعمل مركزي عاصف, وبالتالي إدخال مصر في حرب مشتركة مع تل أبيب أو بعمل عسكري منفرد تغطيه إسرائيل لوجستيا وبغرفة عمليات موحدة لاقتحام غزة وإسقاط حماس.
وعلى هذا التدخل أو العمل العسكري تسوية ملف الداخل والملف الأكبر للإقليم وإعلان نظام الفريق السيسي كحليف تاريخي للمحورين, وهو ما يتطابق مع نزعة الفريق السيسي التي ظهرت في التسريبات المتعددة عنه.
ورغم هذه الحسابات التي ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، فإن حسابات اللعبة تبقى لها إطارات خارج فواتير سان بطرسبرغ, كما أن صمود الثورة السورية وثبات موقف حماس السياسي قبل العسكري في مساحة المناورة الصعبة وصعود حركة أمواج رابعة الثورية, كلها عناصر لا يمكن استبعادها من قراءة المشهد، وإمكانية صعود أحدها وارد في أي وقت, لتختلط أوراق اللعبة من جديد، وقد تسقط إرادة سان بطرسبرغ بإرادة الشعوب، أو عبر عودة ربيع الحرية من جديد.
رواية "دون كيشوت" الفلسطينية
فلسطين الآن ،، فلسطين أون لاين ،، نقولا ناصر
يصعب على المراقب التهرب من المقارنة بين ما يسميه مفاوض منظمة التحرير الفلسطينية "معركة" المفاوضات التي يخوضها منذ ما يزيد على عشرين عاما وبين المعارك الخيالية التي يخوضها بطل رواية "دون كيشوت" الاسبانية الشهيرة المنشورة في أوائل القرن السابع عشر.
فنتيجة "معركة" مفاوض المنظمة كانت صفرا تماما مثلما كانت نتائج المعارك الوهمية في رواية "دون كيشوت".
وقد صدّق هذا المفاوض الحكاية الأميركية عن المفاوضات كما صدق "ألونسو كيخانو"، بطل رواية "دون كيشوت"، قصص الفروسية التي أدمن على قراءتها حتى صدقها فقرر محاكاتها متجولا في البلاد حاملا درعا قديمة ومرتديا خوذة بالية وممتطيا حصانا معاقا ومشهرا سيفا مثلوما ويسير خلفه راكبا حمارا تابعه الساذج الذي صدق وعد سيده له بتعيينه "حاكما على جزيرة" ليخوض معركة "طواحين الهواء" متوهما أنها شياطين ومعركة "الأغنام" متخيلا أنها جيش جرار.
ومثلما حول الخيال الفياض لبطل الرواية كل العالم الواقعي المحيط به إلى عالم افتراضي حولت آمال مفاوض المنظمة في الوعود الأميركية إلى سراب يلهث خلفه بعيدا عن المعارك الحقيقية التي تدور على الأرض التي تضيق مساحتها تحت قدميه يوميا وتتحول إلى رمال متحركة تكاد تبتلعه وشعبه وقضيتهم.
وبينما يستعد المفاوض اليوم للجولة التاسعة من المفاوضات الثنائية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي التي استؤنفت بضغط أميركي وعربي أواخر تموز الماضي، منتشيا بالانتصار الورقي لاعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين دولة مراقبة غير عضو فيها، تستمر دولة الاحتلال في تطبيق خططها لإفراغ معظم الضفة الغربية المحتلة لنهر الأردن من مواطنيها العرب في القدس وغور الأردن والمنطقة المصنفة "ج" في اتفاقيات أوسلو، حيث يزيد عدد المستوطنين اليهود اليوم على عدد مواطني المناطق الثلاث التي تمثل معظم مساحة الضفة.
ومثلما غيّر بطل "دون كيشوت" طريقة حديثه ليتبنى لغة عصر الفرسان غيّر مفاوض المنظمة لغة ميثاقها ليتبنى لغة ومصطلحات دولة الاحتلال وراعيها الأميركي في عصر ما يسمى "عملية السلام"، وهي لغة لا يزال فهمها مستعصيا على شعبه الذي تربى على لغة القرآن العربي المبين، فهدف "معركته" تغيّر من "التحرير" إلى "السلام" بالتفاوض مع الاحتلال ودولته وبالاتفاق معهما.
وربما لم يعد يمانع هذا المفاوض لو اقترح عليه تغيير اسم المنظمة التي يفاوض باسمها كممثلة شرعية وحيدة لشعبه من "منظمة التحرير" إلى "منظمة السلام" الفلسطينية، بينما يبدو "التحرير" و"السلام" كلاهما أبعد اليوم مما كانا عليه في أي وقت مضى.
وبالرغم من الفشل المحتوم المتوقع لجولات المفاوضات الثنائية المباشرة المستأنفة، وبالرغم من تصريحات طرفي التفاوض وعلى أرفع المستويات التي تتحدث عن وصولها "إلى طريق مسدود"، وهو طريق لم يكن أبدا مفتوحا كما أثبتت تجربة العقدين المنصرمين من الزمن، يستمر مفاوض المنظمة في الإعلان عن استمرار التزامه بالمفاوضات كاستراتيجية واحدة وحيدة، ويقوم مبعوث السلام الأميركي للمفاوضات المستأنفة، مارتين إنديك، ب"توسيع" فريقه ل"تسهيلها"، كما أبلغ مؤتمرا يهوديا في الثلاثين من الشهر الماضي، ويعلن ممثل اللجنة "الرباعية" الدولية توني بلير الذي كلف بوضع خطة "مبادرة اقتصادية فلسطينية" جديدة بأن هذه الخطة "سوف تكون جاهزة في الأسابيع القليلة المقبلة" كما قال لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية يوم الثلاثاء الماضي.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد أعلن عن هذه "الجزرة" التي يبلغ ثمنها حوالي أربعة مليارات دولار أميركي كـ"مكافأة" لمفاوض المنظمة على استئنافه المفاوضات. ومن المتوقع طبعا أن لا ترى خطة بلير النور إذا فشلت المفاوضات المستأنفة، أما إذا لم تفشل فإن مصيرها سوف يكون على الأرجح مثل مصير 3.1 مليار دولار (2.3 مليار يورو) من المساعدات الأوروبية للسلطة الفلسطينية التي "اختفت" بين عامي 2008 و2012 على ذمة الصنداي تايمز البريطانية يوم الأحد الماضي نقلا عن تقرير جديد للمجلس الأوروبي لمدققي الحسابات في لوكسمبورغ.
فقد انضمت جولي سوير الدبلوماسية المحترفة والمديرة السابقة ل"الخليج الفارسي" في مجلس الأمن القومي إلى فريق إنديك كمساعدة متجولة له، وهادي عمرو من "يو اس ايد – USAID" كمستشار اقتصادي، ومايكل يافي الخبير في مراقبة التسلح للاتصال مع جامعة الدول العربية واللجنة "الرباعية" الدولية وغيرهما من المنظمات، وديفيد وولش الخبير في القضايا "الأمنية" التي لها علاقة ب"عملية السلام"، بينما يقوم جنرال المارينز المتقاعد الذي كان قائدا عسكريا في افغانستان والقيادة المركزية الأميركية جون ألين بإجراء "حوار" مع جيش الاحتلال الإسرائيلي حول "المتطلبات الأمنية" لدولة الاحتلال.
وبينما يعلن إنديك أن "الهدف المشترك هو التوصل إلى اتفاقية وضع نهائي وليس إلى اتفاقية انتقالية"، كما يطالب مفاوض المنظمة، يضغط كبير مفاوضي الاحتلال، اسحق مولخو، في اتجاه "ترتيب انتقالي" مؤقت، ومن أجل ايجاد "طريق ثالث" يتفق عليه الطرفان، يستعد "الوسيط" الأميركي، كما كتب المحلل السياسي الإسرائيلي بن كاسبيت في الخامس عشر من الشهر الجاري، لطرح "اقتراح وساطة"، في شكل "إعلان مبادئ"، يضع "خريطة توضح الخطوط الرئيسية من دون الدخول في التفاصيل، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل كما نعرف"، وسوف ينتظر الوسيط الأميركي حتى كانون الثاني المقبل لعرضه على المتفاوضين، أي قبل ثلاثة اشهر من انتهاء الشهور التسعة المعلنة كسقف زمني للمفاوضات المستأنفة، وهو الموعد الذي أعلنت تسيبي ليفني، رئيسة الوفد المفاوض لدولة الاحتلال، يوم الأربعاء الماضي أنه "ليس مقدسا".
ولم يكتب كاسبيت أن "إعلان المبادئ" الأميركي المنتظر سوف يتحول من الناحية العملية إلى اتفاق انتقالي مؤقت يمنح دولة الاحتلال وقتا إضافيا وغطاء سياسيا لاستمرارها في سياسة توسيع وتسريع استعمارها الاستيطاني الذي ارتفع بنسبة 70% خلال النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة مع ذات الفترة من العام المنصرم (منظمة "السلام الآن").
في مقال لها نشر في الشهر الثامن من العام الماضي قالت فلوريان كوهن إن "السلام" بالمفهوم الغربي قد تحول إلى "أداة فعالة لإضفاء الشرعية على التدخلات الدولية والسياسات العنيفة" و"حروب تغيير الأنظمة"، بحيث"فقد السلام مضمونه التحرري"، "ليترك السلام عمليات السلام للخاسرين" و"ليظل السلام الدائم بين الأنداد مراوغا وتظل سياسات السلام تمرينا في إدارة الأمن".
وتظل مفاوضات منظمة التحرير مع دولة الاحتلال خير نموذج لهذا المفهوم الغربي للسلام مع أن كوهن في مقالها لم تتطرق إليها، فهي مفاوضات "للسلام" أضفت وتضفي "الشرعية" على الاحتلال العسكري والاستعمار الاستيطاني، وتحولت إلى عملية "إدارة" لأمن الاحتلال ودولته، وكان ويظل وسوف يظل "الخاسرون" الوحيدون فيها هم المنظمة ومفاوضوها وشعبهم وقضيتهم العادلة طالما ظلوا منساقين إلى مفهوم غربي للسلام لا يعتمد العدل أساسا له.
وتستمر رواية "دون كيشوت" الفلسطينية كارثية ومأساوية من دون نهاية منظورة، بينما تستمر الرواية الاسبانية الأصلية التي انتهت فصولها بموت مؤلفها مصدر متعة لشعبها تخفف عنه إن حلت به كارثة أو مأساة.
سقط القناع
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، د. يوسف رزقة
هل ثمة قناع حتى يسقط؟! بهذا التعليق الحارق عقب أحدهم على مقالة ( سيمون هيرش) الكاتب الصحفي العالمي ، التي تناول فيها مواقف محمد حسنين هيكل الأخيرة ، تحت عنوان سقط القناع ، بعد أن تخلى هيكل بحسب هيرش عن مصداقيته وعن مبادئه، التي كان يزعم تمسكه بها في حديثه معه قبل الانقلاب وقبل ثورة ٢٥ يناير.
هيرش أعاد ما قاله له هيكل في لقاء جمع بينهما في محاضرة لهيرش في الجامعة الأميركية في القاهرة. خلاصة ما قاله هيكل لهيرش يومها يمكن جمعه في نقطتين:
١- لا يوجد في مصر غير الإخوان والجيش يمكن أن يحكما مصر ، وبقية القوى تبع لهما.
٢- إن الجيش غارق في الفساد وفي السياسة، وإن الإخوان هم الوحيدون الذين يمكنهم أن يفرضوا على العالم نهضة مصر ومواقفها الجديدة ، وعلى الجيش أن يسلم لهم بالحكم.
سيمون هيرش الذي استذكر كلام هيكل هذا، واستذكر صداقته التاريخية معه، غاظه أنه صديق لرجل بلا مبادئ، وبلا مصداقية؟! لأنه وجد هيكل الذي ينتقد فساد العسكر، وينتقد تدخلهم في السياسة، ينضم إلى العسكر، ويؤيد تدخلهم السافر في السياسة، ويزين لهم الانقلاب على الديمقراطية ، وعلى الدولة المدنية.
هيرش حاول أن يعاتب هيكل على مواقفه المتناقضة على التليفون، ولكن هيكل أغلق هواتفه، فاضطر هيرش ) العنيد) كما يصف نفسه ، إلى تبكيته، وقطع الصداقة معه ، على صفحات الجرائد، وفي وسائل الإعلام الأخرى ، قائلا له : لقد سقط القناع، وافتح هواتفك فلن يتصل بك أحد بعد الآن؟! كاشفاً في مقاله القصير عن العار الذي اكتساه هيكل بتخليه عن المبادئ، وعن المصداقية.
سيمون هيرش ليس إخوانيًّا، وليس عربيًّا ولا مسلماً، ولكنه رجل حر، وإنسان، وصاحب مبدأ، لذا تجده يغضب حين تنتهك هذه المبادئ، ويزداد غضبًا حين اكتشف أن هيكل يكذب، ويخادع، ويخون الصداقة والمبدأ ، لذا قرر وضع النقاط على الحروف في مقال تبكيتي قلما يلجأ إليه أمثال هيرش من كتاب الغرب، ولكن يبدو أن صدمة هيرش بهيكل كانت أكبر من أن يتحملها ، وأن يسكت عنها، فأطلق العنان لقلمه، وألجم هيكل وأخرسه..
ما كان صادماً لهيرش لم يكن صادماً لنا في الساحة العربية التي تعرف هيكل من عام ١٩٥٤ و ١٩٦٧م ، فهو عند العلامة محمد الجوادي ( فيلسوف الهزيمة( ، وهو ( فيلسوف الانقلاب).
هيكل يحمل في نفسه كراهية تاريخية للإخوان ، وقد أفنى قلمه في تبرير قمع عبد الناصر لهم، وقد دأب على تبرير هزيمة عبد الناصر وتخلف مصر بإلقاء التهم على الآخرين ، ولم تسمع له كلمة واحدة في إنصاف الشعب المصري من حاكمه، ولأن من حكموا بعد عبد الناصر كانوا يعرفونه حق المعرفة ، وجدتهم يلقونه على هامش الحياة، إذ لم تعد له أقنعة يستتر بها أمامهم.
ليس ثمة قناع لهيكل في العالم العربي ، أو قل عند جل المهتمين في العالم العربي، حتى يسقط الآن؟!! وربما كان في إحراق الجماهير الغاضبة لـ "فيلته" علامة على سقوط القناع ، فكثير الكلام وتلوينه لم يعد قادراً على خداع الجماهير ، التي تحب الإسلام ، وتحترم الإخوان، وتنحني إجلالاً للحرية وللمبادئ الإنسانية.
