-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 479
اقلام واراء عربي 479
22/8/2013
في هذا الملــــف:
- المقاومة لا بد أن تنتصر
- د. فايز رشيد (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
- حـريـق الأقـصــى مسـتمـر
- رأي الدستور الأردنية
- حتى الموت مسألة صعبة
- د. صبري صيدم /القدس العربي
- .. قناة البحرين
- طارق مصاروة/الرأي الأردنية
- «عين الحلوة» تحت المجهر الأمني.. والعين على «البارد»
- محمد صالح/السفير
- 9 أسرى مضربون عن الطعام: شهداء مع وقف التنفيذ
- امجد سمحان/السفير
- تركيا و”إسرائيل” ومصر
- أمجد عرار/دار الخليج
- أزمة مصر تخرج إسرائيل عن طورها: أردوغان معاد للسامية
- حلمي موسى/السفير
- بوتين على بوابة السيسي !
- راجح الخوري/النهار النهار
- مفاوضات لا تنتهي
- رأي البيان الإماراتية
- سقوط مشـروع أردوغان ..!!
- رشيد حسن/الدستور الأردنية
- إدارة فاشلة أم دولة ذاهبة إلى الفشل؟!
- صالح القلاب/الشرق الأوسط
- مصر و«الجزيرة أمريكا»
- رشا علام/المصري اليوم
- محمد بديع.. ذهب المرشد وبقى التنظيم منهكاً
- عمار علي حسن/المصري اليوم
مفاوضات لا تنتهي
رأي البيان الإماراتية
تم مساء أول من أمس تسريب معلومات عن لقاء سري بين المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين في مدينة القدس المحتلة، بحضور كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ورئيسة طاقم المفاوضات الإسرائيلي تسيبي ليفني، واتفق الجانبان على مواصلة المحادثات قريباً، ووصفا لقاءاتهما بأنها «جدية»، ولكن دون الإعلان عن نتائج محددة أو زحزحة في مسار المحادثات الشائك، ودون نشر تفاصيل اللقاء.
ليفني استبقت اللقاء بإعلانها أن حزب «البيت اليهودي» اليميني المتطرف يعارض فكرة حل الدولتين، مشيرة إلى أن ذلك يعتبر إشكالية محورية في مسار عملية السلام، واقترحت استبدال «البيت اليهودي» بحزب العمل في الائتلاف الحكومي لـ«دعم عملية السلام».
وعادت ليفني لتعلن بعد اللقاء، أن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني ستفضي إلى اتخاذ تل أبيب «قرارات جوهرية» لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، دون أي توضيحات حول طبيعة هذه القرارات، ثم عادت لتؤكد ثانية أنها تواجه بعض الصعوبات من قبل اليهود المتشددين في الحكومة الائتلافية الإسرائيلية، المناهضين لإقامة دولة فلسطينية، وجددت مطالبتها لحزب العمل بتقديم دعمه الكامل للحكومة.
في الوقت ذاته، كشف مصدر فلسطيني مطلع عن تشكيل سبع لجان تفاوضية فرعية، من المقرر أن تكون قد بدأت جلساتها أمس لبحث مفاوضات الوضع النهائي، فيما قالت عضوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي، إن إسرائيل طلبت تغييب الوساطة الأميركية عن رعاية لقاءات المفاوضات، تزامناً مع مطالبة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإسرائيل بالتوقف عن وضع العراقيل أمام المفاوضات من خلال تكثيفها للاستيطان «بشكل استفزازي»، والذي يسير على قدم وساق جنباً إلى جنب مع محادثات الطرفين، التي ترعاها الولايات المتحدة.
مشهد لا يخلو من التعقيد والاستفزاز الإسرائيلي، كما أنه لا يخلو من الغموض والتكهنات، ليس حول مصير المفاوضات وعملية السلام، بل تجاه شكل الطريقة التي ستمرر من خلالها تل أبيب وحليفتها واشنطن ضغوطهما على المفاوض الفلسطيني، لتقديم كل التنازلات التي يريدها بنيامين نتانياهو وحكومته وكل مؤسسات الاحتلال، مقابل بعض «التسهيلات».
المقاومة لا بد أن تنتصر
د. فايز رشيد (كاتب فلسطيني)/القدس العربي
لقاء سماحة السيد حسن نصرالله مع قناة الميادين وخطابه الذي تلا بعد يومين في ذكرى انتصار تموز/يوليو، يوضحان الكثير من الأسس الأيديولوجية للحزب، وتواؤمها، بل تماهيها التام مع السياسات التي يمارسها الحزب. هذا التماهي والانسجام شرط ضروري لأي حركة مقاومة ليس على صعيد حزب الله فحسب، وإنما على صعيد كل حركات المقاومة في المنطقة والعالم. اللقاء والخطاب يكشفان العديد من القضايا التي يحرص عليها الحزب، أولها: عدم إضاعة اتجاه بوصلة الصراع، وهي قبلاً وآنياً ومستقبلاً في اتجاه الصراع مع العدو الصهيوني، رغم الكثير من المخططات الهادفة إلى تدمير الوطن العربي برمته دولة بعد أخرى، وقد اتجهت مؤخراً لتدمير لبنان من خلال إغراقه بالصراع المذهبي والطائفي. التفجير في الضاحية الجنوبية جاء ضمن هذه المخططات، ولذلك كان نصرالله واضحاً في تحذيره للبنانيين والعرب من الانجراف في هذا المخطط. قوى كثيرة دولية أمريكية وإسرائيلية وأخرى إقليمية، بما في ذلك عربية ومحلية أيضاً واتجاهات سلفية تكفيرية، كلها تسعى إلى نفس المخطط، فالمؤامرة جارية على قدم وساق لعرقنة لبنان وكذلك سورية وغيرهما من الدول العربية، لذلك ليس من الصعوبة بمكان التوقع بمن قام بالتفجير في ضاحية بيروت الجنوبية.
ميزة نصر الله إدراكه لأبعاد هذا المخطط ، ورغم استهداف حزب الله كواحد من أطراف المقاومة في لبنان والمنطقة، ظل وسيظل تناقضه التناحري الرئيسي هو باتجاه الصراع مع العدو الصهيوني. صحيح أن الحزب يعمل على دعم وإسناد والمشاركة مباشرة في الصراع الدائر في سورية مع ما يسمى بالمعارضة، إضافة إلى الحركات السلفية التكفيرية الإرهابية بامتياز ومن يقف وراءها، لكن ذلك لم يؤثر مطلقاً على وضوح خريطة الصراع في سياسات حزب الله.
القضية الثانية التي يحرص عليها حزب الله هي التعزيز الدائم للوحدة التنظيمية للحزب ولوحدته الفكرية والأخرى السياسية، فلم نسمع عن حزب الله أنه يعاني في ظرف من الظروف من الاختلافات الجذرية الفاقعة، لا في وحدته التنظيمية ولا الفكرية ولا الأخرى السياسية، وهذه ميزة كبيرة يمتلكها مطلق حزب أو حركة مقاومة. هذه القضية ذات دلالات عميقة على سلامة سير العملية الديمقراطية الداخلية في الحزب، وعدم فرض وجهات نظر مغايرة لمنطلقات الحزب وأسسه الاستراتيجية، وعلى مدى المتابعة المباشرة من قيادة الحزب لكوادره وأعضائه ومقاتليه في كل قضاياهم حتى الحياتية منها.
ثالث القضايا التي تميز حزب الله هي المسلكية وآليات التعامل وتنفيذ قرارات القيادة، فمن عدم تمايز القيادات عن كوادرها وأعضائها ومقاتليها، والدليل على ذلك أن النجل الأكبر للسيد حسن نصرالله، هادي استشهد في عملية مقاومة عسكرية ضد العدو الصهيوني، مثله مثل كل المقاتلين الآخرين في الحزب، مروراً باتقان فن التعامل مع الجماهير التي يوجد الحزب وسطها، والبعيد بعداً مطلقاً عن الأستاذية، والنظرة الاستعلائية بالادعاء بتعليم الجماهير، ولذلك وجد الحزب في وسط قاعدة جماهيرية حاضنة للمقاومة، وصولاً إلى المساعدة في حل الإشكالات الحياتية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية للأعضاء ولجماهير الحزب. لذلك رأينا التعويضات التي دفعها حزب الله للمتضررين (هدم بيوت وغيرها) سواء كانوا أعضاء أو من الجماهير بعد كوارث عدوان تموز الصهيوني على لبنان في عام 2006. في نفس النهج والسياق تأتي آليات التعامل من قبل قيادة الحزب مع أعضائه، وكل أوساط الحزب مع الجماهير ويأتي أيضاً ضمن هذا المفهوم تنفيذ مختلف قرارات الحزب.
رابع هذه السمات المميزة، ابتعاد الحزب عن الاستعراض والمباهاة، فعندما تتجول في الجنوب من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، لن ترى مقاتلاً من الحزب بلباس عسكري، ولن ترى سلاحاً يمتلكه الحزب، وليس هناك من قواعد مكشوفة للحزب، الذي أحرز انتصارين ثمينين على العدو الصهيوني في عامي 2006،2000. صحيح أن الحزب يستعرض بعضاً من تشكيلاته (ولكن من دون سلاح) في المناسبات، لكن ذلك يتم بعيدا عن مظاهر الاستعراض والادعاء والمباهاة.
خامس هذه القضايا، السرية المطلقة والقدرة على الاحتفاظ بالأسرار فترة طويلة، فما قاله سماحة السيد عن امتلاك الحزب لصواريخ كورنيت المضادة للدبابات والدروع والصواريخ الأرض بحر، التي بها تم تدمير بارجة عسكرية إسرائيلية، يؤكد ما ذهبنا اليه، فلا اسرائيل ولا حليفاتها من المخابرات المركزية الأمريكية والأخرى الغربية كانت قادرة على اكتشاف هذه المعلومات قبل عدوان تموز 2006، ولذلك فوجئ الإسرائيليون بامتلاك الحزب لهذه الأسلحة، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إلحاق خسائر مادية وبشرية كثيرة في الدبابات وباقي الآليات الإسرائيلية وأطقمها، وهو ما حدا بإسرائيل إلى الطلب بوقف إطلاق النار. لقد نجح الحزب في الاحتفاظ بالجنديين الإسرائيليين المختطفين فترة طويلة، ولم تنجح المخابرات الإسرائيلية في كشف مكانهما، حتى لم تعرف أنهما حيين أو ميتين. هذه القدرة على الاحتفاظ بالسرية في قضايا عديدة لابد أن تلعب دوراً أساسياً في انتصار الحزب في معاركه. سادس هذه الميزات، المواءمة بين الوعود وتنفيذها العملي واقعاً على الأرض، فعندما يعد الحزب وعداً ينفذه، ولقد كشف نصر الله أنه يمتلك الصواريخ القادرة على قصف تل أبيب وما بعدها وما بعد بعدها، وفي المقابلة أوضح أن الحزب قادر على إصابة أهداف تبدأ من المستعمرة الإسرائيلية كريات شمونة في شمال فلسطين المحتلة، وتنتهي في ميناء إيلات في الجنوب، أي بالمعنى العملي فكل الأهداف الإسرائيلية تحت مرمى نيران حزب الله.
سابع هذه القضايا، الصدق في البيانات، فلم يسبق أن أصدر الحزب بلاغاً كاذباً أو اختطّ سياسةً غير التي ترد على لسان أمينه العام وأعضاء قيادته الآخرين، ولذلك فإن الثقة عميقة بين الحزب والمستمعين إلى خطابه السياسي. الكل يعلم أن غالبية الإسرائيليين لا يصدقون البيانات الإسرائيلية بالقدر الذي يصدقون فيه سماحة السيد حسن نصرالله. هذا ما قالته وتقوله الإحصاءات الإسرائيلية نفسها.
النقطة الثامنة، امتلاك قدرة استخبارية كبيرة، فقد نجح الحزب في استشعار إرسال إسرائيل لثلة من جنودها من لواء غولاني (الذي تتباهى إسرائيل بقدرة مقاتليه على تنفيذ الأهداف) للقيام بأهداف، من خلال دوريتين (تنفيذية وأخرى مساندة) تسللتا مؤخراً إلى جنوب اللبناني، وقعتا في كمين ألغام زرعها حزب الله، كما قام الحزب بكشف شبكات عملاء إسرائيليين في لبنان وتعاون مع الجيش الذي قام بدوره باعتقالهم.
تاسعاً، تطويع التكنولوجيا في نشاطات الحزب المقتضية ذلك، اضافة الى أجراء دراسة دقيقة لحقيقة ما يجري في داخل إسرائيل في كافة المجالات على قاعدة: ‘إعراف عدوك’ كشرط من أجل الانتصار. هذه قضايا أساسية لمطلق حركة تحرر مقاومة في نضالها ضد أعدائها.
عاشراً وأخيراً، امتلاك القيادة البعيدة كل البعد عن المساومة على الأهداف المحددة للحزب. هذه القيادة وعلى رأسها الأمين العام للحزب هي المؤهلة لأن تكون المركز المهم لكل الأطراف في الحزب.
يبقى القول ان واحدة من أهم الميزات هي، أن الحزب يطوّع نضالاته العسكرية لصالح خدمة شعاراته السياسية في تناغم ممتاز.. وهذا ما يمثله الحزب وقيادته وأمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله. إن حزباً يمتلك هذه القيادة وهذا الأمين العام لابد أن تنتصر.
حـريـق الأقـصــى مسـتمـر
رأي الدستور الأردنية
حريق المسجد الاقصى مستمر، لم تطفىء نيرانه التي أشعلها الصهاينة المجرمون قبل “44” عاما وستبقى مشتعلة كما تشي الوقائع والاحداث على الارض الفلسطينية، وبصور مختلفة الى ان ينهض العرب والمسلمون من كبوتهم، أو بالاحرى من سباتهم الطويل، ويحرروا أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من الاحتلال الصهيوني البغيض.
وفي التفاصيل فان هذا الحريق الذي نفذه اليهودي المتطرف دينيس مايكل روهان في 21 آب 1969، وأتى على اكثر من ثلث المسجد، وخاصة منبر صلاح الدين الايوبي، كان حادثاً متعمداً، ولم يكن حادثاً فردياً ارتكبه مجنون كما صورت ذلك آلة الاعلام الصهيونية ومن لف لفها، ويأتي ضمن النهج الصهيوني القائم على تقويض المسجد واقامة الهيكل المزعوم مكانه..
وفي هذا السياق، فان الاحداث التي تعرض لها المسجد طوال السنوات الماضية تؤكد ان العدو بقي وفياً لنهجه، مستغلاً الاوضاع الفلسطينية البائسة والعربية المتردية، والدعم الاميركي اللامحدود، فمضى في شق الانفاق بحجة البحث عن الآثار، مما ادى الى تشقق الاساسات والاعمدة القائم عليها المسجد، ما يعني امكانية انهياره اثر زلزال خفيف، كما يقول المهندس رائف نجم نائب رئيس لجنة اعمار الاقصى.
ولم يتوقف العدو عند هذا الحد، بل مضى في تهويد المنطقة المقام فيها المسجد، فهدم الابنية الوقفية المحيطة به، واقام اكثر من “16” كنيساً توراتياً، وجرف المقابر، وخاصة مقبرة مأمن الله، وهدم تلة باب المغاربة، وها هو يعمل على اقامة جسر يربط بين ساحة البراق والتي يسميها زوراً وبهتاناً “المبكى” وباب المغاربة ما يسمح بعبور أعداد كبيرة من الجنود ورعاع المستوطنين.
نهج تدنيس الاقصى والذي يتزامن مع اجراءات العدو لتهويد القدس، واعلانها عاصمة اسرائيل اليهودية 2020 تهدف بالدرجة الاولى الى ارهاب المصلين، وترويعهم لاقتسام المسجد كمرحلة اولى تمهيداً لتقويضه، واقامة الهيكل بعد أن تم انجاز المخططات الهندسية، امتثالاً لمقولة مؤسس كيان العدو الصهيوني بن غوريون “لا قيمة لاسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل”.
لم تثن الاحتجاجات العربية والدولية العدو عن تنفيذ مخطاته وخططه الخبيثة، فها هو يعمل على “شرعنة” تدنيس الاقصى، من خلال قانون يوافق عليه الكنيست، يسمح لليهود بدخول المسجد في الأعياد اليهودية والتوراتية ومتى يشاؤون دون استئذان من أحد، وبناء كنيس فوق المصلى المرواني، ما يؤكد ان المخطط الصهيوني دخل مرحلة التنفيذ.
وفي هذا الصدد، لا بد من الاشارة الى حقيقة مؤلمة وفحواها ان الامة لم ترق بعد الى مستوى قدسية الاقصى، ومكانته في العقيدة الاسلامية كمسرى للرسول صلى الله عليه وسلم، ومعراجه الى السموات العلى، وفيه أمّ الأنبياء، وهو ايضا مولد السيد المسيح عليه السلام، وبقيت مكتفية بلغة الاستنكار والشجب والادانة، دون ان تحاول اتخاذ الاجراءات العملية الفاعلة القادرة على لجم هذا العدوان الصهيوني الغاشم على أقدس مقدساتها.. وهو ما شجعه على مواصلة تنفيذ مخططاته الاجرامية، غير عابىء بالقوانين والشرائع الدولية.
مجمل القول: في الذكرى الرابعة والاربعين لحريق الاقصى على يد الصهاينة المجرمين، نجزم ان هذا الحريق مستمر لم يطفىء، بدليل أن العدو ماض في تنفيذ مخططاته لتهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وها هو يعمل على “شرعنة” تدنيس الاقصى، بتشريع قانون يوافق عليه الكنيست، يعطي لليهود الحق في دخول المسجد متى يشاؤون..!!!
ان حريق الأقصى سيبقى مشتعلاً حتى تصحو الأمة من سباتها العميق، وتكنس خلافاتها وتوحد صفوفها، وتتصدى لأخطر احتلال عرفه التاريخ.. وعرفته القدس وحينها تفرح القدس والاقصى والمؤمنون بنصر الله.
حتى الموت مسألة صعبة
د. صبري صيدم /القدس العربي
هكذا اختتم احد الشبان كلمته أمام جموع الشباب الفلسطيني، بعدما حدثهم بخطابه العاطفي عن تطورات أليمة تشهدها مدينته، التي قال عنها بأنها ما زالت في هذا الكوكب المتخبط بمتغيرات لا تنتهي.
نعم الموت صعب في مدينة الخليل، وتحديدا في شارع الشهداء المغلق منذ سنوات بقرار احتلالي جائر. فمن يموت ويريد ذووه دفنه في المقبرة المتاخمة لشارع الشهداء، فإن الجيش الإسرائيلي ومؤسساته الاحتلالية يجب أن توافق. نعم انت بحاجة لتصريح كي تموت وتدفن هناك، وانت بطبيعة الحال بحاجة لتصريح كي تعيش وتتنقل تحت الاحتلال، خاصة في مدينة يقطنها حفنة من المستوطنين وسط أهلها الذين يزيد عددهم عن 150 ألف فلسطيني.
مذلة يديرها الاحتلال في حياتنا ومذلة يحاول إدارتها في مماتنا، وبينهما صمت مطبق في عالم مجنون يتخبط ما بين فصول السنة، ودعمه تارة لما تفرزه، ورفضه تارة أخرى لما يستجد على إفرازاتها في انفصام واضحٍ للشخصية.
فأعداد المستوطنين تتزايد بصورة فلكية في كل الضفة الغربية، لكن الخليل تشهد محاولات مستميتة من حفنة من المستوطنين لمصادرة حياة أكثر من 150 ألفا من سكان المدينة الفلسطينيين.
وهكذا هو الحال في عجائب الاستيطان فما يزيد عن 87′ من الأرض العربية في الأغوار يتحكم بها مستوطنون لا يزيد عددهم عن 7′ من عدد السكان، بينما لا يتاح للفلسطينيين الذين يشكلون 93′ من عدد السكان سوى استخدام 6′ من الأرض بشكلٍ فعلي.
ولو شاء الفلسطيني أن يبني كوخاً هناك لسارعت الجرافات لتسويته بالأرض، ولو اختار أن يستحدث اسطبلاً لحيواناته لباغتته الأوامر العسكرية بالهدم. إذاً المقبرة والكوخ وحتى الإسطبل مسألة صعبة لاحتلال لا يعطيك فرصة للحياة، بينما تمنحه الولايات المتحدة فرصة التسعة أشهر من المفاوضات للوصول إلى ‘حل’.
الحل وكما سيقتنع العالم قريباً، بمن فيهم أصدقاء إسرائيل، لن يأتي إلا بالضغط الدولي مدعوماً بقناعاتٍ فلسطينية جارفة بأن طلاسم الخلاص لن تفك إلا في الميدان وبالوحدة الوطنية وبالمقاومة الشعبية وبالمقاطعة وبالمحاكمة العلنية لجرائم الاحتلال ومجرميه. فلا جدوى لادعاءات إسرائيلية استعراضية حول السلام، بينما تستمر الجرافات في قتل الأرض التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الوليدة.
إسرائيل التي تسمح لنفسها أن تمنحنا تصاريح لدفن موتانا ترفض منحنا تصريحاً بالحياة. المفارقة ولسوء حظ الاحتلال أن هذا الحق هو لرب العباد الذي لم ولن يموت!
فليسقط الاحتلال وليفتح شارع الشهداء وكل شراييننا الفلسطينية المسدودة قسراً!
.. قناة البحرين
طارق مصاروة/الرأي الأردنية
كنا نتمنى أن نسمع أكثر عن قناة البحرين، فالظاهر أن المشروع الكبير الذي كان جزءاً من شرق أوسط آخر، لم يعد قائماً، واكتفى القرار الوطني بمشروع في حجم قدرة الأردن.. وبدل تحلية 800 مليون متر مكعب تتقاسمها الأردن وفلسطين وإسرائيل، نكتفي بمئة مليون رديفة لمشروع الديسي!
الذي لم نفهمه تماماً هو عملية بيع وشراء الماء المتبادل بيننا وبين إسرائيل، نبيعهم المتر بدينار، ونشتري المتر من طبريا بثلث دينار!! فهل هذا ثمن تمويل أميركي لمشروع تصل كلفته إلى ما يوازي المليار دولار؟!
حسبما نعرفه عن لاعب الثلاث ورقات الإسرائيلي، فإنهم «لهفوا» خمسين مليون متر مكعب وردت في معاهدة السلام، دون تحديد مصدرها. فتبادل الماء الوحيد ورد في بقاء آبار مياه مالحة في الأرض الأردنية ضمن استعمالات مزارعين يهود على الجانب الآخر من وادي عربة مقابل حجمها من مياه طبريا، وهي 10 ملايين متر، ثم ضخ المياه الزائدة في فصل الصيف إلى بحيرة طبريا وتخزينها للاستفادة منها في فصل الشتاء, وكان من المفروض أن يكون الترتيب مختلفاً لو أن «الأشقاء» في سوريا لم يقيموا 46 سداً لحجز حصتنا من نهر اليرموك، ولولا أنهم لم يحفروا ثلاثة آلاف بئر ارتوازي على حاجب اليرموك ليجففوا ينابيع كانت تغذي السد الذي توهمناه «سد وحدة».. فانتهى من مائتي مليون متر ماء، إلى سبعة ملايين حصيلة تخزين أربع سنوات!
نتمنى على الصديق وزير المياه والري، وهو الفني المتميّز في عمله، أن يعطينا المزيد من المعلومات. فالماء هو عصب الحياة في الأردن،.. ماء الشرب قبل ماء الزراعة، وهو مصدر الحياة في وادي الأردن. ومن غير الطبيعي ان نبقى نضخ مياه قناة الملك عبدالله على ارتفاع 1700 متر الى عمان لتسقي الناس، بما في ذلك من كلفة يتمرن كل الذين يثغثغون في السياسة عليها، فلا احد يريد ان يعرف ان رفع مياه القناة وتنقيتها من الغور الى بيوت عمان.. يقوم على الطاقة الكهربائية.. التي جعلها «المعارضون» خطاً أحمر، دون ان نتنبه الى ان افقار الأردن مائياً كان الطريقة الأسهل لانشاب أظافر النظام السوري وإسرائيل معاً في عنق الأردن، دون ان نتنبه الى ان نسف أنابيب الغاز في سيناء، وافقار الأردن كهربائياً، هو عطية اخوان مصر لاخوان الأردن، لاحراج الحكومة ومضاعفة دينها وتفليسها!
يا عمي.. افتحوا عيونكم جيداًن فتدمير العراق وسوريا.. والآن مصر بالأسلوب الممنهج ذاته، له هدف يتعدى العراق وسوريا ومصر إلى الوطن العربي كله.. فنحن نستطيع ان نضم الى هذه الأقطار التي تشكل مركز القوة، الأطراف.. كليبيا وتونس واليمن، ونحن نستطيع ان نفهم لماذا تركيا تتوازى مع إيران في استهداف العرب، مع اننا نسمع ان الانقسام سني-شيعي!
«عين الحلوة» تحت المجهر الأمني.. والعين على «البارد»
محمد صالح/السفير
دخل مخيم عين الحلوة بشكل مباشر في صلب الأزمة الأمنية اللبنانية، بعد أن حُكيَ عن وجود إمام «مسجد بلال بن رباح» الشيخ المتواري احمد الاسير مختبئاً في احد مساجد المخيم، ويقود انصاره في محتلف انحاء لبنان من غرفة عمليات داخل المسجد، وتحت حماية احد الناشطين الاسلاميين السلفيين في المخيم المقرب من «فتح الإسلام».
هذه المعلومات التي نشرتها «السفير» أمس، أعادت توجيه البوصلة الأمنية الى المخيم من بوابة الاسير، بعدما كان قد اعلن سابقا عن وجود فضل شاكر في حي التعمير، الملاصق لمخيم الطوارئ في عين الحلوة.
وما إن تمّ الحديث عن هذا الأمر، حتى انتشرت الأسئلة داخل المخيّم: «هل بإمكان مخيّم فلسطيني أن يتحوّل الى بؤرة امنية ويؤوي مطلوبين للعدالة في البلد المضيف ومتهمين باشتباكات مع الجيش اللبناني في معركة اسفرت عن سقوط ما لايقل عن 150 شهيدا وجريحا واضرار مادية في عبرا شرق صيدا؟ وفي نفس الوقت فإن هذا المخيّم يعتبر عاصمة للشتات الفلسطيني في العالم، إذ يقيم فيه أكثر من 80 الف نسمة من الفلسطينيين، يضاف اليهم آلاف النازحين الفلسطينيين الذين قدموا من مخيمات سوريا. ومن يتحمّل المسؤولية في حال طالب الجيش اللبناني بتسليمه الاسير وشاكر؟ وما هو دور الفصائل الفلسطينية مجتمعة؟ وهل بإمكان الفلسطينيين دفع فاتورة شبيهة بفاتورة نهر البارد مرة ثانية أم ستلجأ الفصائل مجتمعةً إلى تدبير مماثل للذي اعتمدته قبل عدة سنوات عندما عمدت إلى تسليم الجيش بديع حمادة المتّهم بقتل ثلاثة جنود من الجيش؟».
في المقابل، تؤكد مصادر امنية موثوقة أن الجيش سيردّ بكل حزم وقوة على أي استفزاز أو اعتداء يتعرّض له من قبل المسلحين السلفيين المتشدّدين الذين ينتشرون في مخيم عين الحلوة او في التعمير، وذلك بعد اكتشاف مكان اختباء الأسير، مشددةً على أن الفصائل الفلسطينية مجتمعة قد تبلغت هذا القرار من مرجع امني كبير.
وتلفت المصادر الانتباه إلى أن المرجع الأمني حذّر من ارتكاب أي خطأ مع الجيش في هذه المنطقة وضرورة وقف الاستفزازات، مطالبا الفصائل الفلسطينية باتخاذ القرار المناسب، مشيرةً إلى أن حي التعمير تحوّل مؤخراً إلى بؤرة أمنية للمتشددين بعد مكوث مجموعة من أنصار الأسير فيه.
تحرك فلسطيني
الى ذلك، كشف ممثل «حركة حماس» في لبنان علي بركة أن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني كانت طلبت من «حماس» تسليم شقيق المتّهم بإطلاق الصواريخ احمد طه، مؤكداً أن «الحركة تجاوبت فوراً مع هذا الطلب وسلّمت المخابرات الشخص المطلوب ونسيب آخر لطه بصفة شهود لمعرفة بعض المعطيات عن تحركات طه».
وشدّد بركة، إثر لقائه النائبة بهية الحريري في مجدليون أمس، على أنه «ليس لدينا مطلوبون او متهمون بإطلاق صواريخ»، مؤكداً «حرصنا على التعاون مع مديرية المخابرات لجلاء الحقيقة، وحرصنا على التعاون مع كافة المؤسسات في الدولة اللبنانية ومع الأحزاب اللبنانية من اجل محاصرة اي محاولة لاشعال فتنة هنا او هناك، لان مصلحة الشعب الفلسطيني بالمحافظة على السلم الأهلي في لبنان».
وأشار إلى «حرص حماس على استمرار حالة الهدوء والاستقرار في مخيم عين الحلوة وفي صيدا وجوارها»، رافضاً «الاتهامات التي توجه الى المخيمات الفلسطينية بأنها هي منطلق لأعمال إرهابية او أعمال تخريبية في لبنان، ونحن على تواصل مع كافة الأحزاب في لبنان المعنية بهذا الأمر وكذلك مع مخابرات الجيش اللبناني».
بدوره، شدّد أمير «عصبة الأنصار» في المخيم الشيخ أبو طارق السعدي، بعد لقائه وفدا شبابيا فلسطينيا، على «أننا سنعمل للحفاظ على أمن وحماية شعبنا داخل المخيمات، ولن نسمح ﻻحد أن يزج المخيمات في أي صراع داخلي لبناني».
وأوضح قائد «كتائب شهداء الأقصى» منير المقدح أن «ليس هناك معلومات أكيدة عن وجود الأسير داخل حيّ الطوارئ»، مستنكرا «محاولات جعل المخيمات بؤرة انطلاق للتوتر الامني في لبنان».
من جهة ثانية، جدّد «مجلس الامن الفرعي» في الجنوب التأكيد على قراراته السابقة القاضية «بمنع المسيرات على مختلف أنواعها، وعدم قطع الطرقات الرئيسية، لا سيما الطريق الساحلي الذي يربط مدينة صيدا بسائر المدن اللبنانية، ووجوب منع تعليق اللافتات التي تثير النعرات الطائفية والمذهبية».
وبحث المجلس، خلال اجتماعه أمس في سرايا صيدا برئاسة محافظ الجنوب نقولا بو ضاهر، وبحضور النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي سميح الحاج وقادة الاجهزة الامنية، الوضع الامني في منطقة صيدا وفي مخيم عين الحلوة، وقرّر «تكثيف الدوريات الأمنية ومنع المظاهر المسلحة وتشديد التدابير والاجراءات الامنية حول قصر العدل وفي محيط السراي الحكومي في صيدا، ومنع الدراجات النارية ومنع اطلاق المفرقعات النارية في المدينة».
تجدر الإشارة إلى أن هذه القرارات اول ما تستهدف انصار الاسير الذين كانوا يعتزمون تنفيذ اعتصامهم الاسبوعي بعد غد الجمعة على بولفار الدكتور نزيه البزري قرب مستديرة مكسر العبد.
9 أسرى مضربون عن الطعام: شهداء مع وقف التنفيذ
امجد سمحان/السفير
لماذا لا يتحرك الشارع لنصرة الأسرى ومن بينهم أخي؟ لماذا هناك تجاهل رسمي وشعبي لقضية الأسرى، خصوصاً المضربين؟ لماذا هناك إهمال واضح من الجهات الرسمية لملف الأسرى على المستوى الدولي؟ وكم أسير يجب أن يموت حتى يفهم العالم أن اسرائيل تقتل أسرانا بشكل بطيء؟ لماذا لا يتحدث المفاوض الفلسطيني اليوم عن الأسرى المضربين؟
بهذه الأسئلة بدأ شقيق الأسير وائل حمدان حديثه عن أخيه المضرب عن الطعام منذ حوالي أربعة أشهر، ومعه ثمانية من رفاقه تفاوت إضرابهم بين شهرين وأربعة، وكلهم تقريباً باتوا اليوم «شهداء مع وقف التنفيذ».
وفي حديث إلى «السفير»، يقول حمدان «إني أقف هنا ولا أعلم إن كان أخي سيعيش ساعة إضافية. فحالته حرجة جداً، وفي أي لحظة قد يدخل في غيبوبة، ويفارق الحياة، ولا أحد يبدو أنه يهتم».
وقد بدأ الأسير عز الدين حمدان إضراباً عن الطعام في تاريخ 28 نيسان العام 2013، احتجاجاً على اعتقاله الإداري من قبل سلطات الاحتلال. وخلال الأيام الاخيرة، أصبحت حالته الصحية حرجة جداً بعدما فقد الكثير من وزنه، وتباطأت دقات قلبه.
ويروي شقيقه «لقد وصلنا مرحلة من عدم المبالاة تجاه الأسرى مخجلة جداً. إننا النفس الأخير الذي يعيشون عليه. إن اختفى هذا النفس، مات الاسرى اختناقاً، وماتت القضية التي يدفعون ثمن نضالهم لأجلها من سنين عمرهم».
وخلال مؤتمر عقد في «مركز الإعلام الحكومي» في مدينة رام الله أمس، تزايدت التحذيرات من احتمال استشهاد أحد الأسرى. وقال وزير شؤون الأسرى عيسى قراقع إن «هناك صمتاً دولياً يمكن وصفه بالجريمة تجاه ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو غير مبرر وغير مقبول».
ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى اختراع أدوات جديدة لعقاب الاسرى، بحسب قراقع، آخرها قانون «كسر الإضراب».
ووفقاً لقراقع فإن «هناك محاولات اسرائيلية لسن قانون جديد للتعامل مع الأسرى المضربين بالقوة، حيث يتم إجبارهم على فك الإضراب وتناول الطعام بالقوة». وأوضح أنه «لو فعلاً سُنّ هذا القانون، فإن إسرائيل ترتكب جريمة جديدة من شأنها أن تنهي أي آمال بنجاح المفاوضات الجارية حالياً».
ويخوض حالياً ثمانية أسرى بالاضافة إلى الأسير حمدان إضراباً مفتوحاً عن الطعام، إما احتجاجاً على الاعتقال الإداري، أو على الظروف الصحية، أو عدم محاكمتهم من قبل الاحتلال.
ونشرت وزارة الأسرى الفلسطينية اسماء الأسرى المضربين وتاريخ إضرابهم، حيث يخوض علاء حماد إضراباً منذ الثاني من أيار العام 2013، وعادل حريبات منذ 23 أيار، وأيمن اطبيش منذ 23 أيار، وحسام مطر منذ الأول من حزيران، ومحمد اطبيش منذ 12 حزيران، وعبد المجيد خضيرات منذ الأول من تموز، وأخيراً ياسين ابو لفح منذ 11 يوماً.
إلى ذلك، لفتت الوزارة في تقريرها إلى خطورة الاوضاع التي يعاني منها الأسرى المرضى، وهم أيضاً «شهداء مع وقف التنفيذ» وعددهم 1165 أسيراً مريضاً، من بينهم 15 في حالة خطرة، وهم محتجزون بشكل دائم في مستشفى سجن الرملة العسكري.
تركيا و”إسرائيل” ومصر
أمجد عرار/دار الخليج
إذا كان هناك من عذر يلتمس لرجب طيب أردوغان في تصريحاته الهستيرية ضد مصر، هو “حرارة الروح”، وهذا مصطلح عامي للتعليق على لحظات ما قبل الموت، وبالطبع لا نقصد به هنا الموت الفسيولوجي، بل الموت السياسي . أردوغان قال إن لديه أدلة أن “إسرائيل” تقف وراء عزل مرسي، وعندما تحدّث عن “الدليل” تبيّن أن دليله يشبه الحديث عن علاقة بين شبّابة الراعي وتفاحة نيوتن . ماذا يعني قول مسؤول “إسرائيلي” إن “الانتخابات ليست صناديق اقتراع فحسب”؟ باراك أوباما نفسه قال هذا الكلام، ومئات الكتّاب يستخدمون التعبير ذاته كل ساعة .
اتهام أردوغان لأي مجموعة حكومية أو حزبية، أو أي شخص بالعمالة ل “إسرائيل” لا يصلح سوى لنكتة نلتمس العذر لمن يموت من الضحك عليها، ولمن لا يتفاعل معها، فالأمر سيان . أين يقف أردوغان من “إسرائيل” لكي يرمي الآخرين باتهامات العمالة لها؟ كوميدي التضامن مع غزة وتراجيديا مجزرة “مرمرة” انتهتا باعتذار لفظي سخيف، وانتقلت الأيادي المتصافحة تحت الطاولة إلى فوقها . ليس الناس بسكارى حتى ينسيهم أردوغان أن علاقات دولته ب “إسرائيل” قائمة ووثيقة، وإن كان المستوى الحكومي في ظاهره فاتراً، فالمستوى العسكري، وهو الأهم، على أعلى درجات الحميمية . هو “وإسرائيل” يجلسان تحت مظلة حلف “الناتو”، وما زال يمسح بلاط أوروبا الإمبريالية لكي تقبله في اتحادها .
ليس من حق أحد غير تركي أن يمنع أردوغان من استجداء العضوية الأوروبية، لكن من حق أي مصري وعربي أن يسأل: ما شأنه أن يدسّ أنفه في الشأن المصري؟ إذا كان إنهاء حكم الإخوان في مصر قد أصابه بالرعشة، فليلتفت إلى الداخل التركي ويفكّر كيف يمنع اشتعال “تقسيم” مرة أخرى . عليه أن يناقش مع فرع الجماعة في تركيا كيف يوقف تدهور شعبيته في دولة بدأ حكمها بشعار “صفر مشاكل”، وها هو على وشك أن ينهيه ب “مئة في المئة مشاكل” . أما مصر فهي أكبر من يملي عليها شيئاً، ليس أردوغان فقط، بل حتى زعيمة “الناتو”، أمريكا، التي تعد للمئة قبل أن تنطق بموقف إزاء مصر . ألا يرى أردوغان كيف أن المسؤولين الأمريكيين والغربيين عموماً ينتقون كلماتهم بعناية قبل أن ينطقوا بكلمة عن مصر؟ عليه أن يستمع جيداً لمصر التي قالت له “لا يجوز لوكلاء الغرب أن يعطوا دروساً فى الوطنية . . ولن ينجح العملاء الإقليميون فى كسر الدولة المصرية” .
الأدهى والأمرّ أن يتقمّص أردوغان وظيفة مراسل حربي، يتحدّث بعيداً عن ميدان المعركة، ليحسم أن الجيش المصري هو الذي حرق الكنائس، ولم يجد رئيس وزراء تركيا المنكمشة أي داع ليورد دليلاً واحداً على مزاعمه، يعني علينا أن نصدّقه بلا نقاش، تماماً كبعض وسائل الغبار الإعلامي المسمى “فضائيات” التي حوّلت مشاهديها إلى حقل لتدريب المذيعين والناعقين وراء الصور المرتعشة والمدوّخة، قصاً ولصقاً ونقلاً، سموماً تسمى تقارير، ناهيكم عن “خبراء ومحللين” يكفي عشرة في المئة من تحليلاتهم لعقد زواج بين المشتري وزحل يغني فيها قمر نيسان أنشودة اليوم الأول “لا تكذبي إني رأيتكما معاً . . فدعي البكاء لقد كرهت الأدمعا” .
أزمة مصر تخرج إسرائيل عن طورها: أردوغان معاد للسامية
حلمي موسى/السفير
خرجت إسرائيل عن طورها في اليومين الأخيرين لتتهم رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان باللاسامية إثر اتهامه لها بالتآمر مع الجيش المصري ضد حكم «الإخوان المسلمين» في مصر. فلا شيء يثير أعصاب الإسرائيليين، على الأقل ظاهرياً، أكثر من اتهامهم بالمشاركة في حالة الانتحار الجماعي، التي تعيشها المنطقة العربية عموماً، وأحداث مصر على وجه الخصوص.
وتقريباً أجمعت الصحف الإسرائيلية على اعتبار تصريحات أردوغان بوقوف إسرائيل خلف إطاحة حكم الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي نوعاً من «فرية دم» جديدة. وكان أردوغان قد صرح أن «وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني قالت قبل الانتخابات المصرية إنه حتى لو انتصر الإخوان المسلمون في مصر، فإنهم لن يحكموا لأن الديموقراطية ليست في صناديق الاقتراع. وهذا هو سبب قول الغرب لمصر إن الديموقراطية لا تعبر عن نفسها بصناديق الاقتراع. وإسرائيل تقف خلف هذا. لدينا وثائق تثبت ذلك».
وبحسب الإسرائيليين، فإن القول المذكور لليفني يعود إلى مؤتمر عقد العام 2011 في جامعة تل أبيب بحضور الفيلسوف الصهيوني الفرنسي برنار هنري ليفي حول «آثار الربيع العربي على إسرائيل». وأن ليفي وليس ليفني هو من أجاب عن سؤال حول صعود الإسلاميين للحكم، قائلاً إن «الديموقراطية ليست انتخابات فقط وإنما قيم»، وأوصى بمنع وصول الإسلاميين إلى الحكم «بكل الوسائل».
وانبرت الإدارة الأميركية ذاتها للدفاع عن إسرائيل في هذه النقطة، حيث دان المتحدث باسم البيت الأبيض تصريحات أردوغان، مؤكداً أن ربط إسرائيل بالأحداث في مصر «خاطئ ولا يستند إلى أساس».
ولكن الهجوم الأشد على تصريحات أردوغان جاء من رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان، الذي قال إنه لا ريب في أن رئيس الحكومة التركية يواصل طريق وزير الدعاية النازية جوزف غوبلز.
وكتب دان مرغليت في صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أن «إسرائيل في سنة حكم مرسي كانت تنظر بقلق الى التطرف الإسلامي في القاهرة، ولكنها كانت تسير على أطراف أصابعها في كل ما يتعلق بالرئيس المصري خوفاً على التعاون الهش مع الجيش المصري لصد الارهاب في شبه جزيرة سيناء. وكان عندها سبب حقيقي لتخاف من أن يزيد كل تدخل في عداوة مرسي لها. ولذلك لا صدقية لانفجار أردوغان الكلامي، فإرجاع الانقلاب في مصر الى اسرائيل نمط رتيب يتكرر على ألسنة معادي السامية من النوع القديم وأردوغان بينهم».
غير أن الإنكار الإسرائيلي التام والعصبي لأي اتهام بالتدخل في مصر يتصدع أحياناً من كثرة التقارير التي تنشر في إسرائيل والولايات المتحدة حول أدوار إسرائيلية. وقد نشرت أمس صحيفة «معاريف» أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال يعقوب عميدرور سيصل الأسبوع المقبل إلى العاصمة الأميركية للبحث مع مجلس الأمن القومي والأجهزة الاستخبارية الأميركية في الوضع المصري.
وأشارت «معاريف» إلى إقدام صحيفة «نيويورك تايمز» في الأيام الأخيرة على نشر سلسلة من التسريبات حول الدور الإسرائيلي، من طمأنة الجيش المصري إلى أن المعونة الأميركية لن تقطع إلى الحديث عن حملة ديبلوماسية دولية لشرح الموقف الإسرائيلي من التطورات الأخيرة في مصر. وقيل إن الحملة الديبلوماسية ترمي إلى دفع القوى الغربية بدلاً من التلهي بتوجيه الاتهامات إلى مساعدة الجيش المصري على إعادة الاستقرار. ومعروف أن إسرائيل نفت نفياً قاطعاً هذه التسريبات واعتبرتها مغرضة وغير صحيحة.
وأشارت «معاريف» إلى أن الجنرال عميدرور سيبحث مع المسؤولين الأميركيين استمرار إطلاق هذه التسريبات وسيطالب بتفسير لها.
ومع ذلك تحدثت «معاريف» عن أنه ليس مستبعداً أن يكون المسؤولون الإسرائيليون قد عرضوا على نظرائهم الأميركيين تخوفاتهم من عواقب وقف المعونة الأميركية لمصر والحاجة إلى تعزيز حكم الجيش خوفاً من البدائل القائمة.
بوتين على بوابة السيسي !
راجح الخوري/النهار النهار
يقف فلاديمير بوتين على العتبة المصرية، لا يحتاج الى قرع الباب الذي قد يفتح امامه تلقائياً نتيجة حماقات الادارة الاميركية المفجوعة بانهيار مشروع "أخونة الشرق الاوسط" بعد سقوط محمد مرسي وجماعته.
عندما يقول حازم الببلاوي لمحطة "اي بي سي نيوز" الاميركية، اذا قررت واشنطن قطع مساعداتها العسكرية لمصر فهذا يعني اشارة سيئة، لكن يجب ألا ننسى ان مصر عاشت مع الدعم العسكري الروسي ونجحت ولن يكون الامر اذاً آخر الدنيا، فإن ذلك يعني في الواقع اشارة اشد سوءاً بالنسبة الى الادارة الاميركية عشية انكبابها على تقويم الوضع في مصر، بعدما تمادت كثيراً في توجيه الاتهامات الباطلة الى الجيش المصري والاهانات الرخيصة الى الشعب المصري وكأنه يعيش في ظل تلك الحفنة من الدولارات التي تقدمها له.
تواصل واشنطن التهديد بسلسلة من العقوبات ضد مصر، وفي المقابل ترتفع اصوات قادة عسكريين وسياسيين في القاهرة تعتبر التهديدات حماقة جوفاء وتدعو الى الاتجاه نحو موسكو، في وقت ترددت انباء عن ان بوتين ابدى استعداده لمساعدة مصر وارسال نظام المدفعية المتطور "ميغ 300 اس" المضاد للطائرات خلال ايام.
المسألة لا تقتصر على التسلح، فالأهم ان هناك اصواتاً مصرية تدعو الى الانعتاق من أسر اميركا، وخصوصاً بعدما تبين ان الدوران في الفلك الاميركي طوال فترة حكم حسني مبارك ومنذ وضع انور السادات كل البيض المصري في سلة واشنطن أضرّ بمصر وأدى الى تقزيم دورها اقليمياً ودولياً، وخصوصاً بعد المحصلات السلبية لاتفاق السلام مع اسرائيل الذي تعطل فلسطينياً وأعاق دور مصر على المستوى القومي.
قبل اسبوعين نشرت صحيفة "الصنداي تايمس" تقريراً خلاصته ان السياسات التي يطبقها باراك أوباما حيال الازمة السورية وضد طموح الشعب المصري الذي طالب برحيل "الإخوان المسلمين" عن الحكم، وعبر الانحياز الى اسرائيل في التسوية السلمية المعطلة، ستؤدي في النهاية الى خسارته الشرق الاوسط لمصلحة بوتين المندفع بقوة لاستعادة الدور الروسي في زمن الاستقطاب الثنائي.
ليس في هذا التقرير اي مبالغة، فعندما يعامل أوباما مصر وكأنها احدى جمهوريات الموز لن يكون مستغرباً ان تنقل صحيفة "وورلد تريبيون" عن مسؤول اميركي قوله إن السيسي رفض المخاوف الاميركية وكان رده على أوباما صارماً، وفي الواقع لم يتأثر بوقف مساعداتنا بعد نجاحه في الحصول على المساعدة السخية من دول الخليج، "ليس لدينا وسيلة للضغط عليه بل هم من يمتلك وسيلة للضغط علينا، ويكفي في هذا السياق ان نتذكر حاجة الجيش الاميركي الحيوية الى قناة السويس المحورية"!
والسؤال: هل يعيد التاريخ نفسه بعد ستة عقود من كسر عبد الناصر احتكار السلاح الاميركي لمصر؟
سقوط مشـروع أردوغان ..!!
رشيد حسن/الدستور الأردنية
من أكبر المتضررين والخاسرين من تنحية الرئيس مرسي، وانهاء حكم الاخوان المسلمين في مصر؛ تركيا، ورئيسُ وزرائها اردوغان، الذي بنى احلاما عريضة على تربع الاخوان المسلمين على سدة الحكم في تونس ومصر، وامكانية ان يتوسدوا الحكم في اكثر من بلد عربي، في ظل استمرار الربيع العربي. تصريحات اردوغان الغاضبة ، على ما حدث ويحدث في مصر، ودعوته الاتحاد الاوروبي وأميركا مقاطعة مصر، واسقاط النظام الجديد، واخيرا اتهامه اسرائيل بانها وراء الاطاحة بحكم الاخوان، لتشويه سمعة النظام الجديد، وبالذات قائد الحيش الجنرال السيسي، متناسيا العلاقات الدبلوماسية والتعاون العسكري بين بلاده والعدو الصهيوني، وبأن تركيا اول بلد اسلامي اعترف بالعدو الصهيوني، وانضم لحلف الناتو، وعمل مع اميركا للاطاحة بعبد الناصر، كل ذلك وأكثر منه، يؤكد عمق الخسارة التي لحقت بالمشروع التركي .. وعمق الالم الذي يعصف باردوغان وحزبه، بعد أن رأى ان حلمه بدأ يترنح تحت ضربات الجيش المصري، الذي قرر ان ينهي حكم الاخوان، مستندا الى قاعدة شعبية عريضة، وتفويض لم يحظ بمثله زعيم مصري “ اكثر من 30 مليونا خرجوا الى الشارع استجابة لنداء الجيش في 26تموز الماضي “ كما أكدت وسائل الاعلام المصرية.
ومن هنا يرى المحلل السياسي والاستاذ في جامعة اسطنبول، التر نوران “ ان تركيا اصبحت مرغمة على العزلة، بعد أن خسرت سيطرتها على الوضع في الشرق الاوسط، وقد راهنت على توسيع نفوذها في المنطقة، بفضل نموها الاقتصادي الكبير في ظل حزب العدالة والتنمية، والفراغ في السلطة في دول عربية الذي خلفته انتفاضات الربيع العربي” الدستور 17الجاري نقلا عن وكالة الانباء الفرنسية.
وفي ذات السياق فلا بد من الاشارة الى ان اردوغان قد مهد لمشروعه، ودور تركيا في المنطقة بنصريحات جسورة ندد فيها بالجرائم التي ارتكبها العدو الصهيوني خلال عدوانه الأثم على غزة، ودعوته لرفع الحصار عنها، ومشاركة تركيا في سفن الاغاثة، واستشهاد تسعة من ابنائها على يد العدو الصهيوني في سفينة مرمرة؛ ما ادى لتردى العلاقات مع العدو الصهيوني، والتي اعادها مؤخرا الرئيس اوباما الى ما كانت عليه، بعد اعتذار تل ابيب لانفرة ودفعها التعويضات التي طلبتها.
الحلم التركي لم يطل بل انهار باسرع مما توقع اردوغان نفسه، بعد سيطرة الجيش المصري على الحكم، وبعد اقتحام “رابعة والنهضة”.. وهو ما اعتبره اردوغان “مذبحة” ما ادى الى وصول العلاقات بين البلدين الى مرحلة القطيعة وسحب السفيرين.
لم تتوقف تداعيات الازمة المصرية على العلاقات بين البلدين ، بل “ ادت الى توتر العلاقات بين ثلاث قوى سنية، كانت في السابق متحدة في مواقفها:
تركيا،قطر،السعودية
كما يقول حسين بقجي في جامعة الشرق الاوسط، مشيرا الى “ان تركيا المحرجة أصلا بسبب التظاهرات غير المسبوقة المناهضة لحزب العدالة والتنمية، التي شهدتها البلاد في حزيران الماضي، اصبحت الان معزولة جدا، وغير قادرة على لعب دور قيادي... لقد خسرت تركيا فرصتها في لعب دور قيادي في المنطقة” المصدر السابق.
وفي ذات السياق يرى سنان اولفن الاكاديمي في “كارنجي –اوروبا” ان التحالف بين القوى السنية الذي كان سيجعل تركيا الاقوى في الشرق الاوسط، قد انهار بعد ازمة مصر.. وهذا سيؤدي الى عواقب وخيمة على السياسة الاقليمية بما يشمل الوضع في سوريا “ .
باختصار.... انهاء الجيش المصري لحكم الاخوان في مصر، وجه ضربة قاضية للاسلام السياسي، ولاحلام ومشروغ اردوغان، وللدور التركي في المنطقة، وهذا هو سر فقدان اردوغان لاعصابه، وقد بدأ يشعر ان العد التنازلي لحلمه وحكمه قد بدأ ..!!
ولكل حادث حديث.
إدارة فاشلة أم دولة ذاهبة إلى الفشل؟!
صالح القلاب/الشرق الأوسط
ربما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يدرك لا في سنوات ولايته الأولى ولا في ما انقضى من ولايته الثانية.. وحتى الآن ورغم تقارير مخابراته واستخباراته ورغم تحذيرات ونصائح أصدقاء دولته وبلاده والكثير منهم من العرب، أن مكانة الولايات المتحدة الدولية لم تصل على مدى تاريخها الطويل وعمرها المديد إلى ما وصلت إليه من تردٍ وتراجع وتقزم في عهده غير الميمون، حيث إن صورتها لم تصل إلى كل هذا التشوه والاهتزاز في العالم بأسره إن على مستوى الشعوب أو على مستوى الدول والأنظمة، كما وصلت إليه في الأعوام الخمسة الأخيرة!
حتى في عهدي بوش الأب وبوش الابن، فإن الولايات المتحدة لم تصل إلى حالة الهوان والتراجع التي وصلت إليها وهي بقيت القوة الأكبر والأعظم في العالم كله وكانت باعتبارها قائد هذا العالم، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا واستخباريا، هي صاحبة الحول والطول في الكرة الأرضية بأسرها، وكانت روسيا حتى بمؤازرة أوروبا لا تستطيع أن ترفع رأسها وتملي شروطها في أي قضية دولية.. فالرأي كان لواشنطن والإدارة الأميركية أولا وأخيرا.
عندما جاء باراك أوباما، هذا الشاب «الأبانوسي»! إلى الحكم، استقبل بالمراهنة على أنه سيفعل ما لم يفعله كل الذين سبقوه، حتى بما في ذلك الرئيس دوايت أيزنهاور الذي بموقفه الشجاع خلال أزمة السويس المعروفة عام 1956 قد عزز مكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وقد أضعف حتى حدود التلاشي التأثير الأوروبي في هذه المنطقة، لكن هذا الرهان ما لبث أن أخذ بالتلاشي إلى حد أن الناس العاديين، ليس هنا في منطقتنا الشرق أوسطية فقط بل وفي العالم بأسره، قد ترسخت لديهم قناعة بأن هذه الإدارة «الأوبامية» هي أسوأ إدارة أميركية على الإطلاق، وأنه إن لم يجرِ تدارك الأمور وبسرعة فإن أميركا، هذه الدولة العملاقة، قد تصبح في عيون حتى أصدقائها، دولة مترددة وفاشلة وأنها قد استدرجت بسياساتها الخرقاء الدول المناوئة والمنافسة استدراجا لتستأسد عليها ولتجبرها على التراجع بعدما خسرت موقع الرقم الرئيس في المعادلة الدولية.
قبل أن يأتي باراك أوباما إلى البيت الأبيض ويصبح سيده، كان ثقل روسيا في «اللعبة» الدولية ليس أكثر كثيرا من ثقل إحدى ما يسمى «جمهوريات الموز» المختبئة في زاوية مظلمة من أميركا اللاتينية، وكانت الصين رغم انطلاقتها الاقتصادية التي تشبه انطلاقة سهم من قوس مشدودة الوتر تحسب ألف حساب قبل أن ترفع رأسها إن في مجلس الأمن أو في غيره من منتديات صنع القرار الكوني في العالم بأسره، وكانت أوروبا الشرقية كلها ومعها معظم دول أفريقيا إن ليس كلها والعديد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الإسلامية، مجالا حيويا للولايات المتحدة، وكانت دول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، تشكل مجرد أجرام صغيرة تدور حول أميركا التي بدءا بمطلع تسعينات القرن الماضي وانهيار المنظومة الاشتراكية أصبحت فعلا وحقيقة الرقم الرئيس في المعادلة الكونية.
صحيح أن بعض الرؤساء الأميركيين الذين سبقوا باراك أوباما إلى البيت الأبيض قد وقعوا في أخطاء كبيرة لكنها لم تكن قاتلة، ومن بين هؤلاء جيمي كارتر ورونالد ريغان نفسه وقبل ذلك ريتشارد نيكسون، لكن بالمحصلة العامة فإن سهم الولايات المتحدة بقي في حالة صعود مستمر، وأن صورتها لم تصل إلى كل هذا الاهتزاز الذي وصلت إليه حتى بعد هزيمتها المنكرة في فيتنام وحتى بعد فشل غزوها البائس لكوبا في عام 1961 وحتى بعد كارثة صحراء «لوط» العسكرية التي كانت بمثابة فشل ذريع في إنقاذ الرهائن الأميركيين الذين جرى احتجازهم في سفارة بلدهم في طهران بعد انتصار الثورة الخمينية مباشرة.
وهكذا، فقد كانت أول الأخطاء القاتلة التي وقع فيها باراك أوباما أنه بادر إلى انسحاب عسكري كيفي من العراق، أثبتت الأيام أنه كان بمستوى انسحاب الجيوش الأميركية من فيتنام بعد تلك الهزيمة التاريخية «الاستراتيجية» الكاسحة والقاصمة للظهر فعلا، وأنه ترك بلدا، يشكل إحدى الحلقات الرئيسة في السلسلة الشرق أوسطية، للتمدد الإيراني وللمخابرات الإيرانية ولكل هذا العنف والضياع والتمزق وهذه الحرب الطائفية القذرة المحتدمة الآن، وذلك في حين أنه كان بإمكانه ألا يبادر إلى انسحاب عاجل ثبت أنه أسوأ من الهزيمة وأنه كان عليه أن يتريث إلى أن تقف الدولة العراقية على قدميها وتتخلص من تغلغل الإيرانيين في كل مفاصلها كما هو عليه الوضع الآن، حيث أصبحت بلاد الرافدين مثابة لقفز «آيات الله» بتطلعاتهم التوسعية إلى الدول المجاورة وإلى ما هو أبعد كثيرا من الدول المجاورة.
لقد كان بإمكان أوباما ألا يبادر إلى الخروج العسكري والسياسي والأمني من العراق هرولة ويترك هذه الدولة ذات الأبعاد والإمكانات الاستراتيجية للهيمنة الإيرانية وعلى ما هو واقع الحال الآن، وكان عليه أن يبقي على بعض الوجود العسكري في إقليم كردستان على الأقل ليكون بمثابة قاعدة متقدمة وبمثابة برج مراقبة أمامي لمنع الإيرانيين من أن يفعلوا في هذا البلد ما يفعلونه الآن وليحول دون وصولهم إلى سوريا ودون تمددهم الزاحف في الشرق الأوسط كله.
لكن أوباما، الضعيف والمرتبك والذي ثبت أنه يفتقر إلى النظرة الاستراتيجية، لم يفعل هذا، بل إنه، لعدم إدراكه لمكانة سوريا ولأهمية دورها في هذه المنطقة، تعامل مع الأزمة السورية بطريقة مثيرة للتساؤلات وأيضا للشبهات، فالتردد المستمر إزاء هذه الأزمة هو الذي أوصل الأوضاع إلى ما أصبحت عليه، وهو الذي جعل روسيا صاحبة حول وطول إن في الشرق الأوسط أو في العالم كله، وهو الذي جعل الأوروبيين أكثر جرأة في الابتعاد عن الولايات المتحدة، وهو الذي جعل نجم فلاديمير بوتين يرتفع كل هذا الارتفاع، وهو الذي جعل مجموعة تحالف «البريكس»، البرازيل وأفريقيا الجنوبية والصين والهند وروسيا الاتحادية، تختطف مجلس الأمن الدولي وتشكل رقما أكثر تأثيرا من الرقم الأميركي في المعادلة الدولية.
لقد فشل باراك أوباما وإدارته فشلا ذريعا في إحراز أي تقدم بالنسبة للقضية الفلسطينية التي كان قد وعد بحلها الحل المقبول في خطابه الشهير في جامعة القاهرة عام 2009، ولقد فشل هو وإدارته أيضا في أميركا اللاتينية وفي أفريقيا وفي كل مناطق البؤر المتوترة في العالم كله، وكل هذا جعل كثيرين يسألون ويتساءلون عما إذا كانت هذه الإدارة «الأوبامية» هي الفاشلة أم أن الولايات المتحدة خلال ولاية هذا الرئيس الضعيف والمتردد والذي يفتقر إلى النظرة الاستراتيجية البعيدة قد أصبحت تضع أقدامها على بداية طريق الفشل، وأنه إن لم تكن هناك صحوة سريعة فإن هذه الدولة العملاقة ستسير على الطريق نفسه الذي سار عليه الاتحاد السوفياتي والذي سارت عليه بريطانيا، تلك الإمبراطورية التي لم تكن تغيب الشمس عن أملاكها، وقد تصبح، أي أميركا، بالنتيجة دولة فاشلة.
إن هذا ما فعله باراك أوباما وما فعلته إدارته التي رغم محاولات «ترقيعها» في الآونة الأخيرة، فإن الأميركيين أنفسهم، ومن بينهم بعض الديمقراطيين، باتوا لا يشعرون فقط بل ويعترفون بأنها فاشلة، وهنا فإن ما يعزز هذا الاستنتاج هو هذه الطريقة البائسة التي لا يزال الرئيس الأميركي يتعامل بها مع الأزمة المصرية، فالمعروف أنه كان، بينما هو يدافع الآن كل هذا الدفاع المستميت عن الرئيس المخلوع محمد مرسي وعن الإخوان المسلمين، يظهر في اليوم الواحد مرات عدة ليطالب حسني مبارك، وبلغة الأمر وليس بلغة المناشدة، بالتنحي الفوري وبالمغادرة.
إن باراك أوباما بحرصه المبالغ فيه على محمد مرسي وعلى الانتخابات الرئاسية التي جاءت به ربما لا يعرف أن أدولف هتلر قد جاء إلى «الرايخ» ثم إلى رئاسة الدولة الألمانية من خلال انتخابات هي بالتأكيد أكثر نزاهة من الانتخابات المصرية التي جاءت بالإخوان المسلمين إلى الحكم.. وإنه، أي الرئيس الأميركي، ربما لا يزال لا يعرف أن وزير خارجيته جون كيري قد قال في آخر زيارة إلى القاهرة إن «حركة الجيش» قد حالت دون انقلاب على الديمقراطية المصرية.
مصر و«الجزيرة أمريكا»
رشا علام/المصري اليوم
انطلقت قناة «الجزيرة أمريكا» لتبث في أكبر 12 ولاية بأمريكا من خلال 900 صحفي و12 مكتبًا إعلاميًا، وستصل مبدئيًا إلى 48 مليون منزل أمريكي من خلال 14 ساعة بث عن أخبار محلية ودولية.
والخبر هنا ليس في وجود «الجزيرة أمريكا»، ولكن في كيفية بثها، لأنها ستبث من خلال التعاقد مع أهم قنوات البث الكابلي (البث الكابلي هو النظام السائد في الولايات المتحدة الأمريكية). فهذه هي الطريقة المثلى للوصول للمجتمع الأمريكي وتوضيح رسالة القناة.
وبالرغم من وجود قنوات عدة تابعة لشبكة الجزيرة، إلا ولأن الخط الأيديولوجي البيني والرابط بينهم أصبح معادياً لمصر بعد 30 يونيو ورفض جموع الشعب المصري لحكومة الإخوان المسلمين. فالحرب التي تواجهها الحكومة المصرية الآن هي حرب إعلامية وعليها أن تخاطب من يعاديها بنفس السلاح وبقوة.
إن ما تقوم به القنوات الفضائية المصرية الحكومية والخاصة من وصف الأحداث وتحليلها ومحاولة التصدي للإرهاب، هو عمل جيد مما لا شك فيه، ولكن ما تقوم به من تصحيح لمعلومات مغلوطة وأداء متحيز من الإعلام الغربي لا يصل إلا للمصريين ولا يصحح الصورة الذهنية عند الغرب.
وبالرغم من بث بعض القنوات الفضائية المصرية لبرامجها باللغة الإنجليزية إلا أنها تبث فضائياً وليس من خلال أنظمة البث الكابلية وفي الأسواق الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة. فمبدأ الإتاحة وهو وجود قنوات مصرية باللغة الإنجليزية لا يعني أبداً النفاذ ووصول الرسالة إلى الجمهور المستهدف وقيادات الرأي في أمريكا وصانعي ومتخذي القرار. فنحن لا نستطيع الاعتماد على مبدأ الإتاحة في مواجهة حرب إعلامية تُشنّ على مصر في الخارج. وكما نعلم أن الإعلام من أقوى الأسلحة التي تؤثر على توجهات المجتمع الأمريكي وغيره وتكوين الصور الذهنية.. لذلك حاولت الجزيرة منذ أن كان «بوش» رئيسًا لتدشين قنواتها على أنظمة البث الكابلية بداخل أمريكا حتى تصل لهم (كانت إدارة بوش تضع عوائق لشبكة الجزيرة لأن الرأي السائد وقتها أنها كانت قناة معادية).
ولذلك يجب التنسيق والتعاون الاستراتيجي بين الإعلام الحكومي والخاص لإطلاق مثيل لهذه القناة (وليس هناك من مانع أن ينضم الإعلام العربي ونظم تمويل استثمارية عربية لإطلاق مثل هذه القناة)، ولو أن الدراسة والتحضير والتنفيذ والإطلاق سوف يكلف مالاً وجهداً ووقتاً ثميناً. فبالرغم مما تواجهه مصر بالداخل والتعامل الإعلامي للدفاع عن الجبهة الداخلية، يجب أن تكون مواجهة الإعلام الخارجي وتصحيح صورة الأحداث في الخارج في أولويات الأجندة الإعلامية من خلال النقاط التالية:
أولا: بلورة مبدأ النفاذ الإعلامي الآن، خاصة في الغرب من خلال التعاقد مع شركات العلاقات العامة الكبرى داخل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الأوروبي لحجز أوقات على القنوات الأمريكية والأوروبية الأكثر مشاهدة واستقطاب مشاهير الصحفيين والإعلاميين لشرح حقيقة الأمور في مصر (ومن الجائز أن يتطلب هذا الأمر تعاونًا عربياً مادياً ومعلوماتياً).
ثانياً: وضع خطة عمل آنية لتنشيط وتعظيم دور الهيئة العامة للاستعلامات، كونه جهازًا يهدف إلى مخاطبة الرأي العام العالمي وشرح سياسة الدولة في مختلف المجالات لوسائل الإعلام من خلال مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات في كل دول العالم.
ثالثاً: عقد مؤتمرات عديدة وفي الفترة الحالية في مختلف أنحاء العالم من خلال السفارات المصرية ودعوة الصحفيين الأجانب من أجل تقديم المعلومات والوثائق عن حقيقة الأحداث في مصر.
رابعاً: بث إلكتروني للقنوات التليفزيونية المصرية المدبلجة بالإنجليزية والاهتمام ومتابعة تفاعل المشاهدين في العالم معها.
خامساً: تحديث المواقع الإلكترونية (باللغتين العربية والإنجليزية) لتوفير كل المعلومات الدقيقة في مختلف المجالات لإتاحة كل المعلومات التي يحتاجها الصحفيون والإعلاميون أو حتى المواطنيين العاديين.
سادساً: تفعيل مفهوم الدبلوماسية العامة وأدواته المختلفة، خاصة الثقافية والحضارية للتوعية والتنوير بما يحدث للمتاحف المصرية من تدمير والكنائس المصرية من حرق والآثار المصرية القديمة من تشويه.
سابعاً: تعظيم دور القوة المصرية الناعمة محلياً وإقليمياً وعولمياً لتوضيح طريق مصر إلى الديمقراطية في العصر الحديث.
ثامناً: تقوية وتعزيز دور وفاعلية قناة النيل الدولية ،(Nile TV) لتتبوأ مكانتها الطبيعية كمثيلتها وتطوير رسالتها بما يتماشى مع مرحلة الانتقال الديمقراطي الحالية.
لا تعتبر هذه المهمة مستحيلة في تنفيذها، ولكنها تتطلب وضع خطة زمنية ووجود مجموعة من الخبراء لمراقبة تنفيذها وأدائها وقياس نجاحها ومدى تأثيرها، فمصر دولة كبيرة ولديها كفاءات كثيرة رفيعة المستوى تستطيع مواجهة الحرب الإعلامية.
محمد بديع.. ذهب المرشد وبقى التنظيم منهكاً
عمار علي حسن/المصري اليوم
يبدو القبض على مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع وعزله بعيداً عن مسرح الأحداث مسألة «تحصيل حاصل»، فالرجل لم يكن المتخذ الأساسى للقرار فى الجماعة، سواء قبل ثورة يناير أو بعدها، بل إن عملية اختياره مرشداً خضعت لرغبة مَنْ هم أقوى منه فى وضع وتثبيت «واجهة» تسمح لهم بتحريك الأمور من خلف الستار، وهى لعبة درجت الجماعة عليها واستمرأتها، ولاسيما أيام تولى الأستاذ حامد أبوالنصر منصب المرشد مع رجل التنظيم الخاص القوى مصطفى مشهور.
لكن القبض على بديع يمثل ضربة رمزية أو معنوية قوية للجماعة، ولا سيما أن الصورة الأخيرة التى ظهر عليها الرجل فاعلاً فى الحياة السياسية كان يحاط فيها بحرس أشداء وهو واقف على منصة رابعة.. بدا وكأنهم يقولون للجميع: «سنذود عن المرشد بكل ما نملك»، علاوة بالطبع على المكانة التقليدية للمرشد فى نفوس أفراد الجماعة، الذين يعتقدون أن اختياره يتم بناء على إلهام إلهى لأعضاء مكتب الإرشاد ومجلس الشورى، وهى المسألة التى وعاها النظام أيام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حين جنَّب كل من تولوا منصب المرشد على مدار ثلاثين عاماً عمليات الاعتقال التى توقفت عند مستوى نوابهم.
وهذه هى المرة الثالثة فى تاريخ جماعة الإخوان التى يودع مرشدها الحجز أو الحبس أو السجن بعد سجن المرشد الثانى المستشار حسن الهضيبى فى عهد عبدالناصر، واعتقال الأستاذ عمر التلمسانى ضمن رموز العمل السياسى والفكرى أيام حكم السادات.. لكن ما جرى مع الدكتور بديع يبدو أشد وأنكى، أولاً لأنه يأتى فى سياق مواجهة شاملة، للمرة الأولى فى التاريخ، بين الإخوان وبين المجتمع والسلطة معاً، أو بمعنى أدق كافة أركان الدولة ببنيتها المؤسسية وقدراتها على احتكار القوة ومعانيها الرمزية وحيز نفوذها الإقليمى والدولى إلى جانب الأغلبية الكاسحة من الشعب. وثانياً لأن المرشد متهم هذه المرة بالتحريض، وصادر أمر قضائى بالقبض عليه تمهيداً لمحاكمته. وثالثاً لأن القبض على الدكتور بديع لا يضع نهاية لقدرة تنظيم الإخوان على التسبب فى إزعاج أهل الحكم إنما يأتى فى وسط معركة حامية الوطيس بين الطرفين، تلقى فيها الإخوان ضربة قاسية، لكن لا تزال بيدهم أوراق عديدة يمكن تحريكها للضغط على السلطة، سواء بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية، أو بخلق مجال للضغط الخارجى على الدولة المصرية، بعد أن أصبح الإخوان بمنزلة «حصان طروادة» للمشروع الغربى فى منطقة الشرق الأوسط، أو على أقل تقدير وتعبير باتوا يشكلون ركناً أساسياً من استراتيجيات الولايات المتحدة فى العالم العربى، ورابعاً لأن «بديع» وقع فى قبضة الأمن بينما كانت وسائل الاتصال والذيوع قد بلغت مرحلة فائقة، فوزعت صور الرجل على الفضائيات وهو جالس بجلبابه الأبيض، فى عينيه وجع، وعلى وجهه أسى.. وهذه صورة ربما قُصد بها إضعاف الحالة المعنوية لتنظيم الإخوان، وهو مستمر فى خوض مواجهة مسلحة مع الشعب ومؤسسات الدولة.
وعموماً، هناك صورتان مرسومتان لـ«بديع» تقفزان إلى الذهن كلما أتى أحد على ذكر اسمه، الأولى أنه قطبى التفكير، والثانية أنه رجل منقاد وخائر الإرادة. فأما الأولى فهى صحيحة من حيث المنشأ، ولا مجال للتنطع بأن أفكار سيد قطب لم تؤثر على فريق من الإخوان، وأنها قد محيت بمجرد ظهور كتاب «دعاة لا قضاة» للمستشار حسن الهضيبى، بل إن «قطب» قد نسخ «البنا» بالمعنى الفقهى، أو حل خطاب الأول محل خطاب الثانى فى رؤوس قطاع عريض من الإخوان، بعضهم أصبح بمرور الوقت الأكثر نفوذاً فى إدارة التنظيم.
ورغم أن كثيرين، وأنا منهم، يرون أنه ليس من الإنصاف أن تلصق صورة رسمت لفرد وهو فى ريعان شبابه به بقية عمره، وهى مسألة لم ينكرها الكاتب والمؤرخ الأستاذ صلاح عيسى فى معرض تحقيقه لوثيقة عن التحقيق مع «بديع» بعد القبض عليه فى خلية 1965 حين قال: «ربما لا يكون منصفاً للرجل أن نفترض أن شخصيته وأفكاره لم يلحقهما تغيير خلال الأعوام الخمسة والأربعين، التى تفصل بين إجراء هذا التحقيق وتوليه منصب المرشد العام»، لأن فى هذا مصادرة على حق أى إنسان فى مراجعة نفسه، أو بناء قطيعة معرفية مع أفكاره السابقة إن ثبت له خطؤها.. لكن ما ثبت بصدق أن الجذور الفكرية لـ«بديع» لم تنخلع، وأنه يعيش برواسب من الماضى، بل ربما يعيش فى الماضى نفسه، وهى مسألة لفتت انتباه عيسى فقال فى تحقيقه هذا: «من غير المنصف للتاريخ أن نفترض أن أفكار وخبرة محمد بديع الشاب قد مضت دون أن تترك أثراً على شخصيته وأفكاره.. وكان ذلك ما دفعنا إلى نشر هذه الوثيقة من ذلك الزمن».
لكن يبدو أن تفاعل «بديع» مع أفكار سيد قطب لم يقف عند المستوى النظرى، إذ يمكن أن يكون قد خلب لبه سحر لغة قطب وبيانه ووثوقية ودوجمائية الخطاب الذى يطرحه، بل تعدى هذا إلى محاولة تطبيق هذه الأفكار فى الواقع المعيش، حين جاءت لـ«بديع» الفرصة كاملة بعد وصول الإخوان إلى الحكم، بل بعد سقوطهم عنه حين وقف على منصة تقاطع رابعة العدوية يحرض على العنف ويتوعد بالدم والنار.
والغريب أن «بديع» لم يستجب لنداءات العنف فى شبابه، فحين طلب منه أن يقوم بعملية إرهابية رفض، ولم يذهب إلى موعد لتلقى تعليمات حول تنفيذ هجوم مسلح ضد الحكومة رداً على حركة الاعتقالات فى صفوف الإخوان، وها هو يقول: «بدأت أفكر أن هذا العمل طائش، ويتنافى مع ما كانوا يقولون من قبل من أن الطريق لتحكيم القرآن هو إنشاء جيل مسلم»، كما أن الصورة التى ظهر عليها عقب اختياره مرشداً قدمت لكثيرين معلومات جعلتهم يتحدثون عن انفتاح الرجل وتعقله وإيمانه بالعمل السياسى السلمى والمدنى، ولاسيما أنه ليس من حق الباحثين والكُتَّاب أن يحكموا على النوايا والطوايا فيقولوا إن الرجل «إرهابى متخفٍّ»، لكن على منصة رابعة سقطت كل القناعات، وانجلت الصورة الحقيقية المخفية بوعى وفهم وتدبير.
أما تصويره على أنه رجل ضعيف، فهذا حكم ساقه «عيسى» نفسه فى وثيقته حين وصف «بديع» بأنه «نموذج للكادر السياسى الأشبه بالروبوت، فهو يتلقى الأفكار ويؤمن بها من دون مناقشة.. ويتلقى التعليمات وينفذها دون سؤال عن احتمالات النجاح والفشل، وصواب التعليمات، أو حتى موافقتها لأحكام الشريعة»، وإن كان الكلام المنسوب إلى «بديع»، فى الوثيقة ذاتها، ينفى عنه هذا الوصف، كما يُستفاد من التحقيق نفسه، فى جملته وتفاصيله، أن «بديع» كان يجيد المناورة والمراوغة، ويستخدم فطنته وحصيلته الفقهية فى صنع ردود محكمة على الأسئلة الموجهة إليه، إلا أنه لا تناقض بين الاثنين، فيمكن للفرد أن يكون تابعاً لا رأى له ولا قرار ويكون فى الوقت نفسه مراوغاً ماكراً فطناً.
لكن هاتين الصفتين لا تنفيان، بل قد تثبتان، الفرضية التى تؤكد أن «بديع» لم يكن الرجل الأول فى الإخوان، أو فرضية أخرى تبين أنه قد مارس «التقية» على أفضل وجه ممكن، ولا سيما أنه أتى بعد اعتذار سلفه الأستاذ مهدى عاكف عن عدم الاستمرار فى منصب المرشد، وهو الذى تسبب فى مشاكل جمة للجماعة من فرط صراحته ومن فعل لسانه الذى كان يسبق عقله أحياناً. وبالتالى كان المطلوب من «بديع» فقط أن يبتسم، وأن يخفى مشاعره ويوارى أفكاره على قدر الاستطاعة، وأن يتعامل مع المجتمع العام تاركاً الفرصة كاملة والمساحة مفتوحة للأشخاص المتنفذين داخل الجماعة، وفى مقدمتهم المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمود عزت، ليتخذوا ما يشاءون من القرارات.
أخيراً يبقى أمر مهم يخص عملية القبض على «بديع» وظهوره فى لقطات فضائية على النحو الذى رأيناه جميعاً، وطالما ذكرت هذا من قبل ولا أزال، وهو أن نقد الإخوان فكراً ومسلكاً فرض عين على كل من يروم إصلاحاً سياسياً واجتماعياً لمصر ولا سيما بعد انزلاقهم إلى العنف المنظم والإرهاب وتناقضهم مع مقتضيات المشروع الوطنى، لكن الكتابة الساخرة والمتهكمة أو تلك التى تعرّض بهم وتسوقها تعليمات الأمن لا مقتضيات الضمائر ومصالح الوطن، وتجنح عما يفرضه المنهج العلمى على صاحبه من استقامة، تصب فى صالح الإخوان فى نهاية المطاف، لأنها تمنحهم تعاطفاً لا يستحقونه، وتكسبهم أرضاً ليست لهم، وقد تفيد السلطة فى إيجاد تبرير للعمل بقوانين استثنائية وتقييد الحركة المدنية وتمويت الحياة السياسية مرة أخرى، وعدم اتخاذ أى إجراءات جادة لمحاربة الفساد، والاستجابة لمطالب الثورة كاملة، وإبقاء مصر محشورة بين رجال المعبد والواقفين وراء العجلة الحربية، وكلاهما لا يملك، على الأرجح، حلاً ناجزاً يخرج البلاد من أزمتها الراهنة.
قد يكون القبض على «بديع» خطوة مهمة فى الصراع الأمنى مع الإخوان، لكنه لا يمثل شيئاً فى مواجهة فكرية حتمية وضرورية، ولا يجب أن تتوارى خلف الإجراءات الأمنية أو الاستحقاقات السياسية العابرة.