-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 562
اقلام واراء عربي 562
2/12/2013
ف هذا الملــــف:
- إسرائيل والضربات الثلاث وكيف نستثمرها ؟!
رجا طلب-الرأي الأردنية
- فلسطين بين التهميش والتهشيم!!
خيري منصور-الدستور الأردنية
- لبنان لن يخرج من وضعه الشاذ ما لم تحل مشكلة السلاح خارج الدولة
اميل خوري-النهار اللبنانية
- تفكيك المنطقة يبدأ من لبنان؟
رأي القدس العربي
- خريطة “الإسلام الحزبي”
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
- «جنيف - 2» بين «رؤية أوباما» والمعارضة وشركائها
جورج سمعان-الحياة اللندنية
- دول الخليج وإيران
عطاء الله مهاجراني-الشرق الاوسط
إسرائيل والضربات الثلاث وكيف نستثمرها ؟!
رجا طلب-الرأي الأردنية
خلال شهرين تلقت إسرائيل وبصورة مفاجئة ثلاث ضربات موجعة تشكل تحديات صعبة لسياستها الأمنية على المدى الطويل، وهذه الضربات هي الاتفاق الروسي - الأميركي بشان سوريا وأسلحتها الكيماوية، والاتفاق الدولي بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد الذي جرى التفاهم عليه الاسبوع الفائت في جنيف بشان برنامج إيران النووي، والضربة الثالثة تتمثل بالموقف الأوروبي الشجاع والمتقدم بشان منع إسرائيل من الدخول في اتفاقية هورايزون 2020 العلمية في حال شملت تل ابيب المستوطنات في الضفة والجولان ضمن برنامج المساعدات المالية والعلمية التي ستقدم لها من أوروبا بموجب هذه الاتفاقية.
تل أبيب كان تأمل بحرب في سوريا ولو لأيام تقضى تماما على قدرات الدولة السورية وبطبيعة الحال النظام، ولكن الجهد الروسي نجح في خلق « تسوية « مع واشنطن بشان الأسلحة الكيماوية لكنها أي هذه التسوية لا تسقط النظام.
وإسرائيل كانت تأمل في زيادة الضغط الدولي على إيران من خلال مزيد من العقوبات الاقتصادية لدفعها إلى التخلي تماما عن برنامجها النووي وتخصيب اليورانيوم، والمفاجأة التي لم يكن يتوقعها نتنياهو هي قدرة روحاني في خلق مناخ دولي جديد لصالح إيران سواء من خلال جهده في الأمم المتحدة وبخاصة خطابه « التصالحي « مع العالم أو من خلال تحركاته الدبلوماسية التى تمت في نيويورك أو التى أعقبت رحلة نيويورك والتي توجت بلقاء تاريخي مع وزير الخارجية الأميركي، واتصال هاتفي مع الرئيس اوباما.
أما الضربة الثالثة التي تلقتها تل أبيب فهي اتفاقية هوايزون 2020 الأوروبية التى ستمنع اسرائيل من الانضمام اليها في حال كانت تل أبيب ستشمل المستوطنات في الضفة والجولان، وتسعي تل أبيب بكل الطرق للانضمام للاتفاقية للحصول على المزايا المالية التي ستدعم البحث العلمي والتي تقدر بأكثر من ثلاثة مليارات شيكل، ولم تنجح إلى الان تل ابيب في إيجاد حل وسط يجعلها تنضم للاتفاقية دون تكريس المستوطنات كحالة غير شرعية ومتناقضة مع القانون الدولي.
صحيح إن الاتفاق حول سوريا، والاتفاق بشأن ايران لهما تداعيات وتأثير سلبي على حسابات بعض دول الاعتدال العربي، لكن الاتفاقين أصبحا واقعا، وان الاستمرار لدي البعض في التململ منهما، وتحويل السخط عليهما الى مواجهة مع اوروبا واميركا وروسيا سوف يزيد من « عزلة هذا البعض « ويفقده القدرة على المبادرة من اجل تقليل الخسائر.
الحقيقة الإستراتيجية تقول انه وبمجرد ان تل ابيب تشعر بالخسارة حيال هذين الاتفاقين فهذا يعني ان هناك وعلى المستوى الاستراتيجي مكاسب عربية، ولكن المهم كيف نبحث عنها ونعظمها، وعلينا العمل على زيادة عزلة اسرائيل الحالية وزيادة مساحة التباين بينها وبين واشنطن واوروبا وروسيا.
ان الاتفاق بشان سوريا يمكن ان يتحول وبفعل التفاهم مع اوروبا وروسيا وواشنطن وعبر استثمار جنيف 2 الى اتفاق يساهم في ايجاد حل يًسهل تغيير النظام السوري ورأسه بالطرق السياسية على غرار التجربة اليمنية، وفي الاتفاق النووي الايراني يجب العمل بجد على الانخراط في تفاهمات مع واشنطن واوروبا من اجل وضع نظام رقابة صارم يمنع ايران من « التذاكي « على العالم لكسب الوقت من اجل صناعة قنبلة نووية، فالاتفاق الحالي مدته 6 شهور وبموجبه ستخضع ايران للمراقبة الدائمة بما فيها الزيارات المفاجئة لمواقعها النووية او التى يُشك بها، اما « الحرد « وشتم اوباما وادراته فلن يغير من الامر شيئا ولن يضر طهران بشئ.
اما في موضوع هواريزون 2020 فمن المطلوب زيادة الزخم الدبلوماسي العربي لدي اوروبا من اجل تكريس الواقع الاستيطاني لاسرائيل في الضفة والجولان كواقع غير شرعي يدعم الموقف التفاوضي الفلسطيني ويضيق على نتنياهو والقوى اليمنية المتحالفة معه والتى ترى في الاستيطان فرصتها لكسب مزيد من الشعبية في الاوساط المتطرفة.
في السياسة لا يوجد « حرد « فالحرد يحصل بين « العشاق او الحبايب « اما في السياسة توجد مصالح وتبادل للمصالح وعمل دؤوب من اجل تقليل الخسائر او تعظيم المكاسب !!
فلسطين بين التهميش والتهشيم!!
خيري منصور-الدستور الأردنية
ما أكثر الأيام التي تخصص في التقاويم لفلسطين وما أقل الجدية في الحصاد والنتائج، والآن يجتمع عدد كبير من الناشطين والمثقفين تحت شعار يوم كوني لفلسطين وعودة من شردوا منها، لكن كل هذه الانشطة التي تراوح بين السياسي والسياحي تأتي متزامنة مع موقفين، احدهما عربي تهميشي والآخر اسرائيلي تهشيمي..
فمنذ قال كيسنجر أنه لم يشعر بأن أي نظام عربي يأتي الى ذكر فلسطين بجدية حتى هذا الحراك المتعدد الأسماء، تراجعت فلسطين من قضية محورية أو مركزية حسب المعاجم الحزبية الى مجرد ملف. وما من بلد جريح تحول الى مطية وهو ينزف ليحمل أناساً الى السلطات ويثري آخرين في أوسع سوق سياسية سوداء كفلسطين، لقد ارتكبت باسمها حماقات ومورست انقلابات أكثر من تلك التي ارتكبت باسم الحرية كما قيل بعد الثورة الفرنسية.
انهما مساران لكن بعيداً عن الرصد الفضائي وضجيج الإعلام، مسار عربي يهمش ومسار اسرائيلي يهشم، ولكي أوضح ما أعنيه بهذين المصطلحين لنبدأ من التهميش، فهو نتاج لإعادة ترتيب الاولويات والاجندات، في وقت تم فيه استبدال الاعداء لصالح عدو تاريخي ووجودي جذري هو المحتل. ولم يشهد العالم ما يومىء لفلسطين حتى بالتحية من بعد حراكات محلية حددت أقانيمها الثلاثة في العدالة الاجتماعية والرغيف والديمقراطية، لأن الحراكات العربية جاءت استجابة لتراكم المكبوتات بمختلف أشكالها ولما أصاب الشعوب من الاختناق من فائض التحالف بين الفساد والاستبداد.
التهميش للقضية الفلسطينية وتحويلها الى مجرد ملف له مظاهر لا تخطئها العين لأن العرب بعد ما انتهوا اليه من تآكل وطني رفعوا شعاراً قديماً هو انج سعد فقد هلك سعيد.. وسعيد هذا قد يكون فلسطين ذاتها أو أية ضحية عربية دفعت ثمناً لنجاة سعد الذي لن ينجو على الاطلاق، لأنه لم يفهم أمثولة الثور الأبيض وهو يبرطع بين الثيران الملونة.
هذا التهميش يقابله تهشيم اسرائيلي يبدأ من قضم الأرض وتجريف التراب واستراتيجية التجويع من أجل التطويع ومن ثم التركيع، ولا ينتهي عند استباحة المقدسات والرموز وثنائية «العبرنة» والتهويد. لهذا فالمعاناة الفلسطينية الآن مزدوجة لأنها مطرودة من دائرة اهتمام ذوي القربى الذين انشغلوا بانتاج فلسطينات جديدة ولاجئين جدد يصل عددهم عشرات الأضعاف لعدد اللاجئين الفلسطينيين.
ولأن الاستعارات والمجازات اللغوية تحالفت مع التهميش والتهشيم لفلسطين فليأذن لنا القارىء العزيز أن نقول بدون مواربة ان كل المناسبات التي تقترن بفلسطين في مختلف العواصم هي حفلات تنكرية ترتدي فيها السياحة قبعة السياسة!.
لبنان لن يخرج من وضعه الشاذ ما لم تحل مشكلة السلاح خارج الدولة
اميل خوري-النهار اللبنانية
بات واضحاً للجميع، في الداخل والخارج، أن المشكلة في لبنان ليست مشكلة نظام ولا مشكلة خلافات سياسية ومذهبية إنما في حقيقتها هي مشكلة سلاح تحمله فئة وترفعه في وجه فئة أخرى غير مسلحة، وإذا تسلحت مثلها وقعت الحرب الأهلية كما وقعت عام 1975 عندما أصبح السلاح في أيدي الفلسطينيين وجميع اللبنانيين.
هذه هي المشكلة التي تواجهها قوى 14 آذار مع قوى 8 آذار وتحار كيف السبيل للرد على استفزازاتها وتحدياتها، فإذا ظلّت ساكتة على ذلك استضعفتها وتمادت في ممارسة سياسة التحدي والاستفزاز، وإن هي ردّت عليها بالمثل، فالرد يحتاج الى السلاح والسلاح يحوّل المواجهة السياسية الى مواجهة عسكرية تشعل فتنة تدمر لبنان مرة اخرى وتقضي على ما بقي له من عافية واقتصاد هش لا تعود له بعدها قيامة.
هذا هو الموقف الحرج الذي تواجهه قوى 14 آذار مع قوى 8 آذار منذ عام 2005 الى اليوم، فإن هي سكتت مصيبة وإذا لم تسكت فالمصيبة أعظم. وقد تكون قوى 8 آذار تتمنى أن تقع هذه المصيبة لتجعل 14 آذار تفعل ما تريد هي أن تفعله حتى لو زال لبنان من الوجود.
الواقع أن سلاح "حزب الله" هو الذي منع "ثورة الأرز" من أن تكمل انتصارها ويكون لها الحكم، اذ استطاع أن يحتفظ بنصف السلطة في مواجهة النصف الآخر لـ 14 آذار، وأملت قوى 14 آذار في أن تحسم نتائج الانتخابات النيابية حكم المناصفة بينها وبين 8 آذار، لكن الأخيرة لم تعترف بقوة سلاح "حزب الله" بنتائج الانتخابات وابتدعت وضعاً للأكثرية التي فازت بها قوى 14 آذار بالقول أنها أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية... واستناداً الى ذلك رفضت قوى 8 آذار المشاركة في أي حكومة ما لم تكن حكومة وحدة وطنية ولو بالاسم وأن تكون ممثلة فيها بالثلث المعطل، وقد سمّته تلطفاً "الثلث الضامن" الذي لم يضمن مصلحة الوطن والمواطن بل مصالح 8 آذار تحت طائلة التهديد بالاستقالة إذا لم يتحقق ذلك. ولم يكن في إمكان أكثرية قوى 14 آذار تشكيل حكومة من دون موافقة قوى 8 آذار والا كانت حكومة غير ميثاقية، ليس بقوة السلاح فقط إنما بقوة التحالف الثنائي الشيعي المؤلف من "حزب الله" وحركة "أمل"، وهو تحالف استطاع قطع الطريق على تمثيل الطائفة الشيعية بأي وزير من خارج هذا التحالف.
وهكذا عاش لبنان منذ عام 2005 الى اليوم بين 8 و14 آذار زواج الاكراه، وهو زواج لا ينجب أولاداً... وهو ما حصل فعلاً، فما من حكومة سميت حكومة "وحدة وطنية" إلا وكانت عاقراً، ولا انتخابات نيابية حسمت نتائجها هذا الوضع الشاذ الذي لا يزال سائداً حتى اليوم ويجعل الرئيس المكلّف تمام سلام عاجزاً عن تشكيل أي حكومة إذا لم تكن حكومة "وحدة وطنية" كما كانت تؤلف دائماً وضربت رقماً قياسياً بفشلها. وتصر قوى 8 آذار على تشكيل مثل هذه الحكومة وإلا فلا حكومة، وقد تصر على أن تكون موافقة على شخص رئيس الجمهورية المقبل وإلا فلا رئيس، ولا يهمها أن يواجه لبنان الفراغ الشامل الذي قد يذهب به الى المجهول، ويصر "حزب الله" على أن يبقى يقاتل في سوريا ويرفض سحب مقاتليه ويصر في الوقت عينه على تشكيل حكومة وحدة وطنية وإن فاشلة.
المشكلة إذاً في لبنان هي مشكلة سلاح يصر "حزب الله" على الاحتفاظ به الى أن يتحقق السلام الشامل في المنطقة ويزول خطر إسرائيل، وهي أيضاً مشكلة التحالف الثنائي الشيعي الذي يحتكر قرار الطائفة ويرفض المشاركة في أي حكومة، إلا بشروطه وإلا فلتبق البلاد بدون حكومة وبدون رئاسة وبدون مجلس نواب. لقد أدى تدخل سوريا عسكرياً في لبنان الى وقف الاقتتال في لبنان والى حل مشكلة السلاح الفلسطيني فيه باخراجه الى تونس، فهل يؤدي التقارب الأميركي – الايراني والتقارب الاميركي – الروسي الى حل مشكلة سلاح "حزب الله" في لبنان بوضعه في كنف الدولة وعندما يتحقق التوازن الداخلي بوجود سلاح واحد هو سلاح الدولة عوض أن يتحقق هذا التوازن بانتشار السلاح بين أيدي كل اللبنانيين ليقوم عندئذ حكم الأمن الذاتي في كل منطقة ويعود حكم الدويلات مكان حكم الدولة وتجدد الحرب الداخلية؟
إن مسؤولية إخراج لبنان من الوضع الشاذ أُلقيت في الماضي على سوريا بعد التوصل الى اتفاق عُرف باتفاق الطائف، فهل تلقى المسؤولية هذه المرة على ايران ولكن بموجب أي اتفاق جديد، وهل من السهل التفاهم عليه؟ إن عدم التوصل الى حل مشكلة سلاح "حزب الله" سوف يجعل تشكيل الحكومات مشكلة، وإجراء انتخابات نيابية مشكلة وانتخاب رئيس للجمهورية مشكلة والحفاظ على وحدة لبنان أرضاً وشعباً ومؤسسات مشكلة... فكيف سيكون الحل ومن سيأتي به؟
تفكيك المنطقة يبدأ من لبنان؟
رأي القدس العربي
حصدت الاشتباكات الدائرة بين جبل محسن وباب التبانة في طرابلس اللبنانية عدداً جديداً من القتلى والجرحى يضاف الى ضحايا النزاع الدائر فيها.
لولا وجودها ضمن الحدود اللبنانية، فان مدينة طرابلس تكاد تشبه بوضعها كثيراً من المدن السورية، فهي المدينة اللبنانية الوحيدة التي يتألف سكّانها من أقلّية علوية، تقيم في جبل محسن، وهو حال يشابه حال الكثير من العلويين في سورية، والذين يسكنون في جبال او مناطق عالية تطلّ على المدن، كما هو الحال في اللاذقية ودمشق.
العلاقة السورية بالحالة الطرابلسية تتعزز مع ادراك أن عدداً كبيراً من علويي المدينة يتحدّرون من سورية، ونال الكثيرون منهم الجنسية اللبنانية أثناء السيطرة السورية على لبنان، بحيث بلغت نسبتهم 11′ من عدد سكان المدينة.
يعود اشتغال النظام السوري على هذا التعزيز الطائفيّ لطابع المدينة اللبنانية لفترة بعيدة وتتصادى فكرة التغيير الديمغرافي لمكوناتها الاجتماعية والمذهبية مع اسلوب النظام السوري في التلاعب على المفاتيح الطائفية للتحكم بشؤون بلده والبلدان المحيطة به، واضعاً في حساباته كسر التوازن في علاقات أهل المدينة الوثيقة بسكان القرى والمدن السورية القريبة منها، بحيث تكون الديمغرافيا الطائفية الجديدة في شمال لبنان موازناً لثقل وزن حزب الله وأمل في جنوبه.
ومن المفارقات التاريخية أن القيادات الشعبية لسكان طرابلس رفضت في اربعينيات القرن الماضي الانضمام الى جمهورية لبنان وقام سكانها بمظاهرات مطالبين بضم المدينة الى الجمهورية السورية فصاروا اليوم يعانون من محاولات النظام السوري فرض ارادته عليهم. ولعلّ تعامل القيادات السياسية اللبنانية مع الأزمة في طرابلس بالبيانات والتصريحات فحسب، عائد لإدراكها تلك العلاقة الوثيقة الالزامية بين الوضع فيها والوضع في سورية، بحيث يغدو أي حلّ ‘لبناني’ للشأن الطرابلسي أمراً غير قابل للتطبيق.
ومن هنا يمكن فهم الرابط بين تصعيد النظام السوري حربه ضد المعارضة في مناطق القلمون القريبة من طرابلس، وتصعيد توابعه الأمنية والسياسية في جبل محسن نزاعها مع باقي المدينة.
فقد أعلن من سموا أنفسهم ‘قادة المحاور في جبل محسن’ في بيان لهم النية في ‘فرض حصار كامل على مدينة طرابلس حتى تسليم كل من حرّض وهدر دم أبناء جبل محسن’، معتبرين ان ‘المدينة ستكون من يوم الإثنين مرمى لعملياتنا’، كما أعلن أحد شيوخ جبل محسن تصعيداً في النزاع الدائر لأن ‘الأمور خرجت من السيطرة’، وهو ما ينذر بتصعيد كبير يوازي التصعيد الآخر في سورية.
هذا السيناريو المؤسف للتقاتل على أسس طائفية والذي حصد خلال اليومين السابقين فقط عشرات الضحايا، يعتاش على الحقد الأهلي والكراهية العبثية ولا يستفيد منه غير النظام السوري الذي لا يكفّ عن المحاولة في اطالة عمره بخلق النزاعات الأهلية في بلده ومحيطه الجغرافي الأوسع.
لقد حافظ لبنان على وحدته السياسية بسبب تركيبته التي تقوم على توازن طائفي وتغطية دائمة، وإن تكن متبدّلة بين مرحلة وأخرى، لكنها تعتمد دائما على اتفاق بين بلدان الاقليم والدول الكبرى. من خداع النفس، ضمن التوازنات السياسية الحالية، والصراع غير المحسوم في سورية، الاعتقاد بقدرة القيادات السياسية اللبنانية وحدها، على حلّ جذري للأزمة في طرابلس، وهي القيادات التي لم تستطع تشكيل حكومة جديدة منذ 6 نيسان /ابريل الماضي.
لكن الخداع الأكبر هو قبول أي طرف سياسي / عسكري لبناني العمل ورقة في يد نظام مستبدّ استخدم في ‘علاج’ معارضة شعبه له منهج غروزني الروسي في تدمير المدن وتهجير أهاليها. فما يبدو سيناريو بسيطاً للشحن الطائفي المدفوع الأكلاف يمكن أن ينتهي بحرب لا تتوقف حتى تفكّك أحشاء لبنان وتدمّر بناه التحتية كما حصل في ‘الشقيقة’ سورية.
النظام السوري لن يتردد في تفكيك لبنان لو كان ذلك ثمن بقائه في الحكم. وتفكيك لبنان سيعني تفكيكاً للمشرق العربي كله.
خريطة “الإسلام الحزبي”
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
ليس "الإسلام الحزبي" واحداً في مشروعه السياسي، وفي وسائل عمله وطرائقه، وإن كان من محتد (فكري) واحد، فهو كناية عن خريطة فسيفسائية من الأفكار السياسية، والتشكيلات التنظيمية، والبرامج الحزبية، والاستراتيجيات الحركية، وطرائق العمل (دعوية، سياسية، عسكرية) . وهذه جميعها تتدخل في تلوين كل جنس من هذا "الإسلام الحزبي" بلون خاص يتميز به عن غيره، على نحو يتعصى معه الجمع بين تنويعاته السياسية والتنظيمية كافة تحت عنوان واحد جامع مثل "الإسلام السياسي" أو "الإسلام الحزبي" .
من قوى "الإسلام الحزبي" من يريد بناء "الدولة الإسلامية" داخل الدائرة الوطنية، حتى وإن أسّس لنفسه تنظيماً دولياً ينسّق بين فروعه (حال "جماعة الإخوان المسلمين")، ومنه من يبتغي إعادة إقامة نظام الخلافة في العالمين العربي والإسلامي (حال "حزب التحرير")، ومنه من يريد إقامة "الدولة الإسلامية" التي تُعلَن منها الخلافة (تنظيم "قاعدة الجهاد")، في الوقت عينه الذي تنشأ فيه "الدولة الإسلامية"، في هذا القطر وذاك، في نطاق عمل مُدار من مركز دولي جامع، ومنه من يريد هدف "الدولة الإسلامية" بالتقسيط والتدرُّج، وبمرجعية محلية (حال "حزب حركة النهضة" في تونس و"حزب العدالة والتنمية" في المغرب) .
ومن قوى "الإسلام الحزبي" من يتوسَّل العمل السياسي السلمي، معتمداً التدرّج والواقعية السياسية، من دون التخلي عن هدف بناء "الدولة الإسلامية"، ونابذاً العنف كوسيلة في العمل الحركي، ومنها (أي قوى "الإسلام الحزبي") من يعتبر المسلك السياسي السلمي نهجاً غير إسلامي، وتفريطاً بالواجب الديني في إزالة "الطواغيت" بالقوة، متوسلاً العنف في عمله السياسي، معتقداً أنه السبيل الأقصر إلى تحقيق البغية: إقامة "الدولة الإسلامية" .
ومن قوى "الإسلام الحزبي" السلمي مَن هو في حكم المعتدل والواقعي، ومَن هو في حكم الراديكالي المغالي، من يشارك في الحياة السياسية والمؤسسات، فيعترف بالدستور، ويخوض الانتخابات، ويشارك في الحياة التمثيلية والنيابية ("الإخوان المسلمون"، "النهضة"، "جبهة العمل الإسلامي" الأردنية، "الجماعة الإسلامية" اللبنانية، "العدالة والتنمية" المغربي، "حزب النور"، "النهضة" في الجزائر، "التجمع اليمني للإصلاح" . .)، وفيها مَن ينبذ العنف - مثل الفريق الأول - ولكن يستنكف عن كل مشاركة سياسية، ولا يعترف بالدستور والمؤسسات التمثيلية القائمة، رافعاً سقف مطالبه إلى الحد الأعلى ("جماعة العدل والإحسان" في المغرب مثالاً) .
ومن قوى "الإسلام الحزبي"، التي تتوسل العنف في العمل السياسي، من يُبّرر لجوءه إلى العنف بدعوى أن النظام القائم يسد أمامه أبواب العمل السياسي، ومنها من لا يبرر ذلك سياسياً، بل يخلع عليه تسويغاً دينياً، فيدعي أن ذلك العنف الذي يُقدم عليه إنما هو عينه الجهاد الذي إليه دعا الإسلام لاستئصال الفساد، وفرض شريعة الله في الأرض . ومن قوى "الإسلام الحزبي الجهادي" هذه من يكفّر الدولة، ويدعو إلى الخروج عليها والظهور - بعد "الهجرة" من "قريتها الظالمة" أو من دون هجرة - ومنها من يكفّر الدولة والمجتمع معاً (بما في ذلك تكفيره قوى "الإسلام الحزبي" المشاركة في الحياة السياسية والمعترفة بقوانين الدولة "الكافرة"!) .
ومن قواه "الجهادية" من يَعُدّ الجهاد واجباً – أو فريضة- في "دار الحرب" (بلدان الغرب أو البلدان غير الإسلامية)، ومنها مَن يَعُده واجباً في دار الإسلام نفسها .
ثم إن منها من يدعو إلى إقامة دولة إسلامية، يكون مرجع التشريع فيها إلى الشريعة وأحكامها - منظوراً إليها من زاوية نظر القائلين بها - مع بعض تكييف تقتضيه ضرورات التطور . .، ومنها من يدعو إلى إقامة دولة إسلامية بالمعنى الثيوقراطي (دولة دينية)، يحكمها "أهل العلم" بالشريعة (طبقة رجال الدين): إما في طبعة إكليريكية صريحة على مثال ما قام في أوروبا الوسطى من دول دينية، أو في طبعة مهجنة على مثال نظام "الجمهورية الإسلامية" في إيران، حيث السلطة "موزَّعة" - شكلياً - بين مؤسسة ولاية الفقيه (المرشد) ومؤسسة الرئاسة، أو على مثال نظام "طالبان" السابق في أفغانستان .
من الواضح، إذاً، أن صورة "الإسلام الحزبي" من التنوّع والتعدد الفسيفسائي بحيث لا تقبل أن تجمع قواها - جميعها - تحت مسمى واحد . نعم، في وسعنا - بلغة الفلاسفة الأغارقة - أن نرد الكثرة إلى الوحدة، أي إلى المبدأ الجامع الذي عنه تصدر (الأصل الذي تتفرع منه الفروع بلغة الفقهاء)، فنقول إن ما يربط بين أمشاجها، ويؤلّف بينها - على اختلاف - هو مماهاتها، بدرجات متفاوتة، بين السياسي والديني . ولكن هذا الجامع - على أهمية فائدته في إضاءة مساحات المشترك بينها - ليس يكفي ليفسر التضارب الصارخ بين خياراتها واستراتيجياتها، ولا يُقنع أحداً بأن مآلات أفعالها واحدة، ذلك أن عاقلاً لا يملك أن يتجاهل الفارق الخرافي بين من يستغل الدين لكسب الرأي العام قصد الوصول إلى السلطة، من طريق الاقتراع، وبين من يستغل الدين لفرض رأيه على المجتمع بالعنف المسلح والإرهاب والتكفير وتدمير البلاد على رؤوس العباد . إنه الفارق بين الجماعات "الهادية" التي "تجاهد" في دماء المواطنين العرب: مسلمين ومسيحيين، وبين أحزاب إسلامية معتدلة، وذات نَفَس إصلاحي، مثل "حزب حركة النهضة" في تونس، و"حزب العدالة والتنمية" في المغرب، و"حركة مجتمع السلم" في الجزائر . . إلخ .
وهذا النوع من "الإسلام الحزبي" هو ما يعنينا الحديث فيه، لأنه - اليوم - الأكثر فشوّاً وشعبية في ساحة "العمل الإسلامي" .
«جنيف - 2» بين «رؤية أوباما» والمعارضة وشركائها
جورج سمعان-الحياة اللندنية
ليست هذه المرة الأولى التي تبدل فيها الولايات المتحدة سياستها حيال الشرق الأوسط. لم تتخلَّ عن مصالحها الحيوية وشركائها وحلفائها في هذا الإقليم. لكن مقاربتها للحفاظ على هذه المصالح تبدلت بتبدل الظروف والتطورات الدولية والإقليمية. مستشارة الرئيس الأميركي للأمن القومي سوزان رايس لخصت، في كلمة قبل أسبوعين، ما سمته «رؤية» الرئيس باراك أوباما لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. استندت إلى ما ورد في خطابه إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي.
أشارت إلى أربع مصالح أساسية: مواجهة أي عدوان على الحلفاء والشركاء، ضمان التدفق الحر للطاقة إلى الأسواق العالمية، تفكيك الشبكات الإرهابية ومنع التطوير والانتشار والاستخدام لأسلحة الدمار الشامل. وأكدت استعداد بلادها للدفاع عن هذه المصالح بكل ما تملك من وسائل بما فيها... استخدام القوة.
هذه الرؤية لم تخرج عما رسمته الإدارات الأميركية السابقة طوال عقود. لكن التطورات التي شهدها العالم والشرق الأوسط خصوصاً، فرضت تبدلاً جوهرياً في الاستراتيجيات والوسائل التي اعتمدت للدفاع عن هذه المصالح. عندما قامت «الثورة الإيرانية» مطلع 1979 شعرت الولايات المتحدة بأن ركناً أساسياً من أركان منظومة الأمن في الخليج قد انهار. ولم يمضِ ذلك العام حتى اندفع الجيش السوفياتي إلى أفغانستان مهدداً بالاقتراب من المياه الدافئة.
وشعرت أميركا بأن عليها مواجهة هذين «الهجومين». طوت سريعاً «مبدأ نيكسون» الذي صاغ رؤية تقوم على «عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتشجيع التعاون الإقليمي، ودعم الدول الصديقة في الحفاظ على أمنها الذاتي...». ورفعت مطلع 1980 لواء «مبدأ كارتر» الذي وضع أمن الخليج، أي أمن الطاقة، في صلب المصالح القومية لبلاده. ثم أنشئت بعد ذلك قوة التدخل أو الانتشار السريع التي كرست مبدأ التدخل العسكري المباشر.
أحداث كثيرة مرت في العقود الأخيرة، أثبتت فيها أميركا أنها لم تتخلَّ عن «مبدأ كارتر»، بل قبله وإلى اليوم لم تتخلَّ عن إسرائيل حليفها الاستراتيجي. ووضعت أمنها فوق أي أعتبار. ولا حاجة إلى سرد ما قدمت لها في حروبها مع العرب. وحتى عندما «تجرعت إيران السم» وتوقفت الحرب مع العراق، وخرج السوفيات من كابول ثم انهار المعسكر الشرقي، لم تترك الإدارات المتعاقبة مجالاً للشك في احتمال تغاضيها عن محاولة أي قوة إقليمية ملء الفراغ الذي خلفه سقوط الحرب الباردة. وجاءت حرب تحرير الكويت من الغزو العراقي توكيداً لهذا التصميم.
مع بداية الولاية الأولى للرئيس جورج بوش الابن، عبرت دول أوروبية عن قلقها من عودة أميركا إلى نوع من الانعزال يترك القارة العجوز تواجه وحدها تداعيات تفكك الاتحاد السوفياتي وبداية صعود فلاديمير بوتين وسعيه إلى استعادة بعض ما كان لموسكو. وكانت واشنطن نفضت يديها من القضية الفلسطينية بعدما يئست من إمكان تحقيق تسوية لها استنفدت بلا جدوى جهوداً جبارة بذلتها إدارة الرئيس بيل كلينتون... لكن «غزوتَي نيويورك وواشنطن»، مطلع العقد الماضي، دفعتا الولايات المتحدة إلى حربَي أفغانستان والعراق... وإلى توكيد دورها الريادي والأحادي في الساحة الدولية. قفزت فوق المؤسسات الدولية وتجاوزتها وتجاهلت بعض الشركاء والخصوم. دخلت كابول لإسقاط نظام «طالبان» ومعه إرهاب «القاعدة». ودخلت بغداد لإسقاط صدام حسين ونظامه وما يمثل من تهديد بأسلحة الدمار الشامل.
وصل الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض على وقع الأزمة الاقتصادية المنهكة، وعلى وقع الدعوات إلى إعادة القوات من الخارج. كان واضحاً أن أميركا تعبت من حروبها. من التدخل العسكري المباشر. ربما أرادت بعث الحياة في «مبدأ نيكسون» الذي صيغ على وقع ما انتهى إليه التدخل في فيتنام. وينص المبدأ في ما ينص على التعاون مع الاتحاد السوفياتي لمنع الانجرار إلى مواجهة بين الجبارين. وخطا الرئيس أوباما خطوات لإعادة الاعتبار إلى العمل الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة. سحب القوات الأميركية من العراق. وحدد زمن الخروج من أفغانستان. وقاوم طويلاً رغبة إسرائيل في عمل عسكري يوقف البرنامج النووي الإيراني. وحتى عندما هب «الربيع العربي» على ليبيا لم تتدخل واشنطن. وقفت خلف بريطانيا وفرنسا وبعض الدول العربية، واستناداً إلى تفويض عربي ودولي. ظلت في المشهد الخلفي للصورة. وهي إلى اليوم لم تتدخل في الأزمة السورية إلا في إطار مجلس الأمن أو جنيف. وهو ما سهل ويسهل على روسيا والصين الاعتراض على أي قرار لا يروقهما في هذه الأزمة. كما سهل على إيران مؤازرة دمشق بكل أسباب الدعم.
لذلك، لم يكن مفاجئاً هذا الحوار الذي انفتح علناً بين الولايات المتحدة وإيران، بعد اتفاق جنيف بين الستة الكبار والجمهورية الإسلامية. يندرج هذا التطور في سياق استراتيجية تبلورت منذ وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض. بل قبل ذلك كانت واشنطن منذ نهاية 2006 لا تزال تضع على الطاولة «تقرير جيمس بيكر ولي هاملتون» اللذين أوصيا بضرورة فتح حوار مع الجمهورية الإسلامية التي شكلت قوة إقليمية فرضت حضورها في عدد من الملفات المشتعلة، من شاطئ المتوسط إلى أفغانـستان. لم تنفع «سياسة الاحتواء» في كبح جماح نشاطاتها النووية و... السياسية التي توسلت الاتكاء على قوى محلية في هذا البلد العربي وذاك لتوكيد هذا الحضور. ولا حاجة إلى ذكر «الهدايا» التي تلقتها من «الغازي الأميركي» في أفغانستان والعراق!
في مقابل هذا التحدي الإيراني المتنامي للدور الأميركي، كان «الربيع العربي» منذ 2011 يمعن في تفتيت الخريطة العربية الجامعة، ويزرع الفوضى ومشاريع حروب وتقسيم في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية التي نجحت روسيا في استغلال واسع لأزمتها من أجل استعادة بعض ما كانت خسرته عندما هبت العاصفة في المنطقة، بل قبل ذلك إثر انهيار جدار برلين. وترافقت هذه المتغيرات مع شهية الصين التي لا تتوقف عن التمدد والانتشار في فضائها القريب والبعيد. أمام هذه المعطيات كان لا بد من رسم خريطة جديدة لمواقع كل القوى، الكبرى والإقليمية بما فيها إيران. وفي الواقع لم يأتِ الحوار بين واشنطن وطهران مفاجئاً أو خارج السياق الذي تضمنه «إعلان أوباما» مطلع السنة الماضية. قدم الإعلان منطقة المحيط الهادئ على الشرق الأوسط وأوروبا في سلم الأولويات الأميركية.
من هنا، جاء اتفاق جنيف الأخير خطوة متوقعة في إطار استراتيجية أميركية معلنة تعزف عن الـتدخـل العـسـكري، وتـتـوسـل الحـوار والـتهدئـة. إنـه صيغـة للتأقلم المـرحـلي مع المـلف الـنـووي الإيراني في انتظار نضح التسوية على نار هادئة طوال سـتـة أشهر قابلة للتجـديد ما دامت إدارة أوباما تريد تهدئة في كل جبهات الشرق الأوسط. والمهم أنه يقطع الطريق على أي مغامرة عسكرية إسرائيلية كانت سترغم الأميركيين على تدخل عسكري لا يرغبون به. أليس هذا ما كان يدفع بنيامين نتانياهو ولا يزال إلى خصومة معلنة مع سيد البيت الأبيض؟
الاتفاق مع إيران، على رغم «مبدئيته» في انتظار التفاوض على حل نهائي، يدفع بجميع اللاعبين في الشرق الأوسط إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم السياسية والأمنية وشبكة العلاقات والمصالح. لا يكفي هنا توجه الغاضبين والمتوجسين من تبدل الموقف الأميركي نحو روسيا أو غيرها من القوى بهدف إعادة التوازن إلى علاقاتهم الخارجية. فلا الولايات المتحدة ستنسحب من المنطقة وإن تراجعت أولويتها، ولا روسيا وغيرها البديل الجاهز والوافي الذي تتوافر فيه كل الشروط، السياسية والعقائدية والعسكرية والاقتصادية والتجارية. كما أن التبدل الأميركي الذي أقلق بعض أهل الخليج سابق لاتفاق جنيف. ولعل العراق خير دليل. وما شهدته بغداد وما تشهده، منذ الغزو الأميركي قبل عشر سنوات، ما كان ليستمر لولا التفاهم المباشر أو الضمني بين طهران وواشنطن. والدليل الأخير سورية التي تركتها أميركا لروسيا وحلفائها في المنطقة. وثمة محطات كثيرة.
يبقى أن تركيا التي بدت لفترة في سباق محموم مع إيران على مواقع النفوذ في العالم العربي، تجهد اليوم بعد الذي أصاب سياستها حيال «الربيع العربي» إلى إعادة صوغ شبكة علاقاتها الخارجية بما يتلاءم وخريطة القوى الجديدة في المنطقة. تتوجه اليوم لإعادة وصل ما انقطع مع العراق. وتسعى إلى تعميق تعاونها الاقتصادي والنفطي مع إيران وروسيا أيضاً.
وهو حاجة مشتركة للأطراف الثلاثة. وسيكون على الدول العربية، خصوصاً دول مجلس التعاون التي تتمايز مواقفها مما يجري في المنطقة، أن تعيد النظر في عقيدتها الأمنية والعسكرية، وفي شبكة علاقاتها الخارجية، وفي تحديد خريطة مصالحها الاستراتيجية وسبل حمايتها. وما يجعل مثل هذا الأمر ملحاً ليس الخوف من تراجع دور أميركا في المنطقة فحسب، بل أيضاً سقوط كل أركان المنظومة العربية التي شكلت على الدوام مظلة واقية، واستعداداً للتعامل مع البازار السياسي والاقتصادي المفتوح مع الجمهورية الإسلامية... وليس مبالغة القول إن ملف حضور إيران في المنطقة العربية أكثر تعقيداً من ملفها النووي.
ذلك أن حضورها من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسورية يتوسل قوى يربطها بها سند ديني عقائدي لا يمكن اعتباره مصلحة آنية تفرضها مرحلة من مراحل الصراع. ولا يمكن تجاهل هذه القوى في نسيج هذه البلدان وإن أرغمت الجمهورية الإسلامية على المقايضة أو التضحية بشيء من «وشائج القربى»... هل يتوزع الشرق الأوسط بين القوى الكبرى الدولية والإقليمية كما كانت حاله قبل حوالى قرن إثر سقوط السلطنة العثمانية، ولا حول ولا قوة لأهله؟ إن «جنيف - 2» أول الاستحقاقات والامتحان المحك نحو المحطة الثانية في المنظومة الجديدة، استناداً إلى «رؤية أوباما» المنـخرطة أيـضاً في مـفاوضات التـسـوية بين الإسرائيلـيين والفلسطينيين. فهل يكون «الائتلاف السوري» المعـارض و«أصدقاؤه» القريبون الشريك الأضعف؟
دول الخليج وإيران
عطاء الله مهاجراني-الشرق الاوسط
يعد هاشمي رفسنجاني واحدا من الشخصيات السياسية القلائل في إيران الذين يحتفظون بعلاقات جيدة مع القيادة السعودية. وفي حديث أجرته معه جريدة «فاينانشيال تايمز» (الثلاثاء 26 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي)، قال رفسنجاني إنه مستعد للذهاب إلى الرياض، وإن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، دعاه لأداء فريضة الحج هذا العام.
والهدف من تلك الزيارة كما يقول رفسنجاني هو «طمأنة السعوديين أن علاقات الصداقة مع إيران مفيدة للمنطقة ولكلا البلدين أيضا». بيد أن الأمر يحتاج إلى أن يتفق قادة إيران أولا على سياسات تحد من التصعيد ضد المملكة العربية السعودية.
وتحتاج زيارة مستقبلية إلى الرياض لتحضير وقرار يتخذ داخل إيران حول، كما يضيف رفسنجاني، «كيف يمكننا أن نتعامل مع المملكة العربية على أساس علاقة مربحة لكلا الطرفين». وأتذكر أن العلاقة بين إيران والمملكة العربية السعودية تدهورت خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وقد أدى هذا إلى خلق حالة من عدم الثقة والخصومة بين البلدين. ساعتها، ادعى صدام حسين أن الصراع بين العراق وإيران هو حرب بين «العرب والمجوس»!
التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، رفسنجاني في السنغال، ثم التقاه مرة أخرى في باكستان. وقد مثلت تلك اللقاءات بداية فصل جديد في تاريخ العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، حيث قرر الزعيمان تجديد وتقوية العلاقة بين بلدين مهمين في منطقة الشرق الأوسط.
من جانبه، يمكن لرفسنجاني أن يلعب دورا مهما في بناء الثقة بين الدول العربية تجاه إيران، واسمحوا لي أن أذكركم بتاريخ العلاقات الجيدة بين هاشمي رفسنجاني والملك عبد الله. فقد دشنت قمة مؤتمر الدول الإسلامية، الذي عقد في إسلام آباد، بباكستان، عام 1995، عصرا جديدا في تاريخ العلاقات بين إيران والسعودية.
شهدت العلاقات بين البلدين تحسنا كبيرا بعد ذلك المؤتمر، وخلال فترة رئاسة محمد خاتمي، جرى توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين.
وهناك نقطة أيضا في غاية الأهمية، وهي أنه جرى عقد مؤتمر الحوار بين أتباع الديانات في المملكة العربية السعودية. وما من شك أن التعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية سوف يساعد كثيرا في تسهيل مسألة إيجاد حلول للمشاكل التي تعانيها كثير من الدول العربية كسوريا واليمن ولبنان وفلسطين والعراق. ربما تكون هناك خلافات بين البلدين لكنا تبقى قابلة للحل.
في إحدى المقابلات مع وسائل الإعلام السعودية، قال محمد علي هادي، سفير إيران في الرياض إبان عهد الرئيس هاشمي رفسنجاني، إن المملكة العربية السعودية وإيران يمكنهما، وينبغي عليهما، أن يكونا الجناحين الأقوى في العالم الإسلامي، مضيفا أن طائر العالم الإسلامي لا يمكن أن يحلق في غياب أي من الجناحين.
الحقيقة التي ينبغي أن تكون واضحة للعيان، هي أنه عندما يكون هناك خلاف بين دولتين كبيرتين في منطقة ما من العالم، فإن مشاكل تلك المنطقة تتفاقم. وعلى العكس، عندما يقرر البلدان حل مشاكل المنطقة من خلال بذل جهود مضاعفة تؤدي إلى حصولهما على أهداف مشتركة، فإن ذلك يكون مفيدا لحكومتي وشعبي البلدين. وينبغي علينا أن ندرك أن السياسة ليست صخرة صماء، بل هي شبكة مرنة. وأعتقد أنه بعد التوصل إلى اتفاق جنيف، الذي وقعته مجموعة «5+1» مع إيران، أصبحت الفرصة مواتية أكثر من أي وقت مضى لتجديد العلاقات بين دول المنطقة، وكذلك تبني نهج جديد للسير قدما في تلك العلاقات.
يجب علينا أن نولي اهتماما أكبر لما يمكن أن يحقق فائدة للعالم الإسلامي، فإسرائيل ليست سعيدة أبدا بتوقيع اتفاقية جنيف، وهذا ما يبدو واضحا في تعليق الكاتب المؤيد لإسرائيل جيمس كارافانو، نائب رئيس قسم دراسات السياسة الخارجية والدفاع بمركز دراسات الدفاع ومدير معهد كاثرين وشيلبي كولم دافيس للدراسات الدولية بمؤسسة «فاونديشن»، الذي شبه صفقة إيران النووية باتفاقية ميونيخ في عام 1938.
على الجانب الآخر، شبه أحد أصدقائي الأعزاء في مقال كتبه في جريدتنا «الشرق الأوسط» اتفاقية جنيف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)! أرادت إسرائيل أن تصبح نسخة ثانية من أميركا في المنطقة، لكن هذا الحلم تبخر في هذه الآونة. ولهذا السبب، كان الإسرائيليون حريصين دائما على التأكيد على خطورة إيران على المنطقة أكثر من أي وقت مضى، وهم يروجون لهذه الفكرة.
وهذا ما يصفه القرآن الكريم بالفتنة. وقد ورد في القرآن الكريم ثلاثة تشبيهات للفتنة: ففي الآية رقم «191» من سورة البقرة يقول الله عز وجل: «والفتنة أشد من القتل»، ويقول في الآية «217» من نفس السورة: «والفتة أكبر من القتل»، وفي الآية «85» من سورة يونس، يقول الله عز وجل: «ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين». ويجب علينا أن نضع في اعتبارنا أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وتواصل التوسع في المستوطنات على أرض فلسطين، وتبالغ في الحديث عن الخطر الإيراني، وأخيرا تقول إنها تدافع عن حقوق المنطقة، فمن يصدق هذا الكلام؟!
وقد كان لهاشمي رفسنجاني تصريح شهير حينما قال إن إسرائيل، التي شبهها بالسمكة الصغيرة، لا يمكنها أن تأكل السمكة الكبيرة. وهذا يعني أن سيناريو الشرق الأوسط الجديد والحلم الإسرائيلي لن ينجحا. وهذا هو الوقت المناسب بحق للدول الإسلامية لتصب اهتمامها على القضية الفلسطينية، فجميعنا نعرف أن إسرائيل لديها خطة لجعل العالم ينسى فلسطين، وتحويلها إلى قضية يطويها النسيان. وبالتالي، فإن التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية لن يؤدي فقط إلى تناسي العقبات والمشاكل بين البلدين، بل سيؤدي أيضا إلى إحياء القضية الرئيسة، وهي فلسطين.
وأنا متفائل أن الرئيس أوباما وإدارته لديهما نظرة بعيدة ولن يسيرا على نهج الرئيس جورج دبليو بوش. فأوباما يريد أن يتذكره التاريخ كشخصية سياسية مميزة، فقد لعب الدور الرئيس في التوصل إلى اتفاق جنيف، كما يمكن أن يكون هو الشخص المناسب الذي يساعد في إقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية، وهذا ليس حلما بعيد المنال، بل من المؤكد أنه سوف يتحقق، لكنه يحتاج فقط إلى دعم إيران والمملكة العربية السعودية.
منذ 55 سنة، أصدر هاشمي كتابا عن القضية الفلسطينية، وقد جرى القبض عليه وتعذيبه وقتها بسبب فلسطين. وربما يؤدي تقوية العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى تحقق حلم قادة وشعبي البلدين (أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة حقيقية). وقد أطلقت الأمم المتحدة على عام 2014 «عام التضامن مع الشعب الفلسطيني»، وقد تبنى ذلك القرار أغلبية الدول الأعضاء في المنظمة، حيث صوتت 110 دول لصالحه، وعارضته سبع دول، بينما امتنعت 54 دولة عن التصويت. وهذا يعني أن العام المقبل هو الوقت المناسب لصب الاهتمام على القضية الفلسطينية.