-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 563
اقلام واراء عربي 563
3/12/2013
في هذا الملــــف:
- حقبة استرخاء دولي: من جنيف إيران إلى “جنيف 2”
الشرق الأوسط
- لماذا لا يصدق العالم حُلمَ التصالح الغربي مع إيران؟
القدس العربي
- الحرية جاءتنا بالحزبين «الإخواني» و«الجهادي»!
الشرق الأوسط
- طرابلس أو «سوريا الصغيرة»
الدستور الاردنية
- كيف نغير الرئيس القادم بالسلامة؟
اليوم السابع
حقبة استرخاء دولي: من جنيف إيران إلى “جنيف 2”
يوسف مكي – الخليج الإماراتية:
تحركات سياسية سريعة شهدتها الأيام الأخيرة، في المنطقة وفي العالم . فمختلف الأطراف الدولية، تسعى لترتيب أوضاعها، على قاعدة الاعتراف بانتهاء حقبة الأحادية القطبية، والعودة مجدداً للتعددية في صناعة القرار الأممي . وذلك لم يعد موضع جدل حتى بين عتاولة اليمين الأمريكي، فهذا صامويل هانتنغتون يتحدث عن تعددية قطبية بزعامة أمريكية . ويشاطره مستشار الرئيس الأمريكي كارتر، بريجنسكي، الذي يقول ما هو أكثر من ذلك، فيشير إلى انتهاء مرحلة السيادة الأمريكية على قرارات مجلس الأمن الدولي .
والواضح أن قاعدة الارتكاز في التركيبة الجديدة هي استعادة روح التنافس بين أمريكا وروسيا، بآفاق جديدة على منطقة الشرق الأوسط . فروسيا تعمل على استعادة حدائقها الخلفية، لعمقها الاستراتيجي . وأحداث أوكرانيا المستعرة، في شكل تظاهرات كبرى عمت العاصمة كييف، هي صراع بالوكالة، بين قطبين متنافسين، قطب يعمل على الالتحاق مجدداً بروسيا الاتحادية، وقطب آخر يعمل على تحقيق قطع نهائي مع الامبراطورية الروسية، واعتماد الشراكة الكاملة مع الاتحاد الأوروبي .
التنافس الغربي- الروسي على أوكرانيا، يقابله تنافس آخر، على المنطقة العازلة بين روسيا، ومياه الخليج الدافئة، يترجمه بوضوح، توقيع اتفاق جنيف، المتعلق ببرنامج إيران النووي . ورغم أن الاتفاق، كما تكشف نصوصه، هو اختبار لحسن نوايا إيران، تجاه تلبية المطالب الدولية بالامتناع عن تصنيع السلاح النووي، لكنه مؤشر على رغبة أمريكية، بالدرجة الأولى والغرب، بدرجات أخرى أقل، على إنهاء حالة التوتر، بشكل نهائي في العلاقة مع إيران، والتفرغ لمعالجة ملفات أخرى، أكثر أهمية . وذلك ما أطلقنا عليه في قراءة سابقة، بسيادة حالة من الاسترخاء في المنطقة .
في هذا الاتجاه، تطفو على السطح جملة من الحقائق، لعل أهمها، زيارة رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لأمريكا، ولقاؤه بالرئيس باراك أوباما، لمعالجة الفتور في العلاقة بين الحكومتين الذي ساد في السنتين السابقتين . ويتزامن هذا التطور مع تسريبات، حول اتصالات سرية تجريها الإدارة الأمريكية مع قيادة حزب الله اللبناني، وتقارب تركيا ودول خليجية مع إيران، عبرت عنها زيارة مسؤولين من هذه البلدان لطهران، وزيارات متكررة لمسؤولين أتراك لحكومة بغداد، وتحديد موعد لانعقاد مؤتمر "جنيف2"، لمعالجة الأزمة السورية، من خلال المفاوضات السياسية، وليس بالحل العسكري .
اللافت للنظر، هو الوعي الأمريكي، بأن زمن احتكار معالجة الأزمات الدولية، قد ولى إلى غير رجعة، وأن مرحلة جديدة قوامها الشراكة بين القوى العظمى في حل الأزمات المستعصية قد أزفت .
إن من يتذكر الموقف الأمريكي، بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973م، وكيف عملت إدارة الرئيس نيكسون، بتحريض من هنري كيسنجر مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، على احتكار تسوية ما عرف بأزمة الشرق الأوسط، وكيف استبعد الاتحاد السوفييتي، حينئذ، من المشاركة الفعلية في العملية السياسية . وكان انعقاد مؤتمر جنيف الدولي لحل أزمة الشرق الأوسط، مهزلة في شكله وفي دوره . فلم يتعد هذا الدور، مشاركة السوفييت في مهرجان احتفالي، كان هو البداية والنهاية في دور غير الأمريكيين، بتسوية الأزمة .
الآن تتغير الأمور رأساً على عقب، فيكون للروس الدور الأول في التعامل مع الأزمة السورية، ويصبح الدور الأمريكي مكملاً للدور الروسي . في مؤتمر جنيف لحل أزمة الملف النووي الإيراني، يشارك الروس بفعالية، ويكون لهم دور كبير، في تقرير مآلات تسوية هذا الملف . وذلك أمر طبيعي جداً ومعقول، فإيران تهم روسيا، وأوضاعها تؤثر في استقرارها، أكثر من تأثيرها على الأمن الأمريكي . وبديهي القول، بأن الروس لا يرغبون في وجود دولة نووية، قريباً من حدودهم الجنوبية .
وما دامت، أمريكا وروسيا متفقتين على أهمية منع إيران من حيازة السلاح النووي، فإن ذلك له تأثير كبير، في تحول التعامل مع الأزمة من الحالة الصراعية، إلى حالة التسوية . يضاف إلى عوامل أخرى، أشرنا لها في حديث سابق، هي حرص أمريكا على وجود منطقة عازلة بين الدب القطبي والمياه الدافئة، هذا مع وعي أن هذه المنطقة هي طريق العبور البري الرئيسي الآمن والوحيد لشرق آسيا .
وبالنسبة للأزمة السورية، فإن الأمريكيين تخلوا للروس عن القيادة، بعد أن اكتشفوا تعقيدات الأزمة وتشابكها، وصعوبة الحل العسكري لحسم الصراع . وقد اتضحت لهم مخاطر التمسك بالحل الصراعي، بعد توسع دور "جبهة النصرة" و"داعش"، التنظيمين التابعين للقاعدة، وفقدان حلفائهم لكثير من الأراضي التي سيطروا عليها في السابق، لصالح القوى الجهادية المتطرفة .
ولا جدال في أن تنازلات القوى العظمى لبعضها، هي ليست من باب إثبات حسن النية، بل هي تنازلات محكومة بالمصالح وتوازنات القوة . هناك حديث عن صفقة عقدتها إدارة أوباما مع الرئيس بوتين، تشير إلى استعداد روسيا فتح بوابات الاستثمار بصناعة الغاز للأمريكان . وربما تقف هذه المصالح، وراء التصريحات الرخوة، المتكررة، لأقطاب الإدارة الأمريكية، ومن ضمنهم وزير الخارجية، جون كيري، والتي تؤكد أن الحل السياسي، هو الوحيد والممكن للأزمة السورية .
والنتيجة أن نظاماً دولياً جديداً يتشكل . وأن ربيع القوة الأمريكي، لم يعد ربيعاً، وأن قوى فتية أخرى، تستعد لقيادة العالم . ولهذا السبب، تتراجع سطوة القوة الأمريكية وتتغير موازين القوى . ولهذا السبب أيضاً، عقد مؤتمر جنيف، وتم التوصل إلى اتفاقية، اختبار نوايا إيران في الستة أشهر القادمة تجاه ملفها النووي، وسوف يعقد مؤتمر جنيف2 لمعالجة الأزمة السورية في نهاية يناير، أو على الأكثر في منتصف فبراير/ شباط من العام المقبل .
لن يكون بإمكان أحد من أطراف المعارضة الامتناع عن المشاركة في المؤتمر القادم، بعد تهديد وزير الخارجية الأمريكي، عن نية الإدارة الأمريكية إيجاد بديل عن هذه المعارضة، في حال امتناعها عن المشاركة في مؤتمر "جنيف 2" فإجماع القوى الدولية على الحل السلمي سوف يجفف منابع الدعم المالي للمعارضة المسلحة، ويسد بوابات عبورها للأراضي السورية، من كل الدول المجاورة .
جنيف إيران سيتبعه "جنيف 2"، وسيستمر الحال في معالجة الأزمات الكبرى الأخرى، طالما استمرت الشراكة بين القوى العظمى، ولتصبح مؤتمرات جنيف الوجه الآخر للتغيرات في موازين القوى الدولية
لماذا لا يصدق العالم حُلمَ التصالح الغربي مع إيران؟
مطاع صفدي- القدس العربي:
الوصف الدقيق لإنقلابات السياسة الأمريكية، هو أن زعيمها هذا الرئيس الأسمر الأول في البيت الأبيض منذ إنشائه، إنما يمارس أنضج ثمرة لإنجاز ثورة التواصلات الإلكترونية الراهنة المسيطرة على عالم اليوم، وهي ثقافة الافتراض. ما تعنيه هذه الثقافة أولاً هو افتراض أن واقع أزمة دولية ما كأنه غير موجود، واستبداله فورياً بواقع آخر، ليس مصطنعاً أو موهوماً، بل له ممثلوه وأحداثه وحركياته، وحتى إنجازاته. لكن المشكلة أن عمليات الإستبدال هذه لا يمكنها أن تلغي الواقع الأصلي . والبديل عنه قد يغطيه، يخفي بعض معالمه الناتئة، يكبت أصواته وصرخاته، لكنه يظل موجوداً بحقائقه المادية والإنسانية، ما تفعله ثقافة الإفتراض في ميدان السياسة خاصة، هو أنها قد تنجح في تورية ملامح الأزمات لكنها تعجز حقاً عن ابتكار حلولها الصحيحة.
هذا هو عنوان النظام العالمي الجديد الذي شرعت في بنائه استراتيجية (أوباما). فأمريكا لن تنسحب من غابات السياسة الدولية، لكنها لن تكون الشرطي الأول الناشط ضد ذئابها، هنالك طرق أخرى عديدة لإدارة هذا العالم المتوحش، من دون أن تتلقى منه أسوأ نتائجه. هذا لا يعني أن أمريكا ستتحول إلى حمامة سلام، توزّع ثقافة الأمان والتضامن ما بين شعوب الأرض.. لن تسحب لغة المصالح من أية مشكلة دولية مستعصية، بل هي كانت سيدةَ النهج الذرائعي منذ نشأتها، ولسوف تبقى أبرع اللاعبين في مسرحياته. إلا أن خبرات الفلسفة الذرائعية هي التي أنضجت أخيراً أعلى ثماراتها مع حلول عصر الافتراضات كما تعيشه حضارة التقنيات الإلكترونية الراهنة.
النظام العالمي الجديد لا يهدف إلى زعزعة مركب الاستبداد/الفساد، العائد والموجِّه لسلوكية المجتمع الدولي، كمؤسسة كونية لتنظيم حصص السيطرة على العالم من قبل أقويائه على ضعفائه، ما يفعله الإنقلاب الأمريكي ليس تغييراً في مفهوم النظام العالمي السائد والمستديم، بل في وسائل تجديده، مما يتطلب زَرْقَ حيوية مختلفة في منهجيته المعتادة. يريد لمركب الإستبداد/الفساد ألا يظل مقتصراً على معظم دول المعمورة، الفقيرة فقط. هاهو يجدد زحفه نحو العواصم الكبرى للغرب. وهنا في هذا القطاع المتنور والمتقدم من إنسانية القرن الواحد والعشرين، كما تدّعي نُخَبُه المثقفة والحاكمة معاً، لم يعد الاستبداد مستوطناً في قمم الدول، فقد فارق فعاليات السياسة مباشرة، واستقر في مفاصل الشبكة الإقتصادية. ومنذ أن أصدر فيلسوف الحداثة المعاصرة ‘جول دولوز′ كتابه الفاصل عن كون الرأسمالية قد فرضت على مجتمعاتها أن تعاني عقد (الانفصام) الأنطولوجي بين تطور وعيها الثقافي وواقع التفاوت الطبقي لمعظم كياناتها الإنسانية، وذلك بفعل سيطرة قانون الاستغلال اللامحدود، على منظومة العلاقات الاجتماعية وقِيمها الأخلاقية، فذلك هو ما يجعل أحابيل الفساد حاصل تحصيل لمجمل العملية السياسية الإقتصادية للدولة والمجتمع معاً
إن مركّب الاستبداد/الفساد هذا، قبل أن تتميز به نهضات العالم الثالث الزائفة ما بعد استقلال دولها من الهيمنة الغربية، كان ولا يزال قابضاً على عنق المدنية الغربية المصابة بأعراض الإنفصام الوجودي، كما كشفته دول الإيديولوجيات الكليانية الكبرى وحروبها الأوربية العالمية للقرن العشرين، وكانت فلسفات النصف الثاني من هذا القرن هي الفاضحة لزيف المدنية الغربية، وانفصالها الوجودي بين ثقافتها التنويرية وواقعها المعيشي والسياسي المغرق في سلوكيات الإستغلال الطبقي والعنصري والعقائدي. ما نريد قوله هنا هو أن مركّب الإستبداد/الفساد ليس خصوصية مستديمة للعالمثالثية، إنه في أصله، صناعةٌ غربية بامتياز، هو المعبّر الحقيقي عن مصطلح العلاقات العميقة لآليات العملية المجتمعية، المحركة لتطورات مدنية الرأسمالية، الآيلة أخيراً عصرياً إلى عبودية نمط الاستهلاك الشمولي، هذا الإقطاع المستحدث لديمومة السلطة الأحادية للنخبوية المطلقة تحت تسميات مختلفة.
غير أن هذه الديمومة هي التي تواجه تهديدها الأعظم في ظروف الإنهيار الإقتصادي الحالي الذي أفقد الغرب أولويته في قيادة إستراتيجية التطور العالمي، فلم يتبقَّ للغرب، لمجتمعاته المتقدمة، سوى ما تراكم لدى بعض طلائعها من خبراتها العقلية المتفوقة، لكنها المحتاجة إلى تذخير حواملها الإنتاجية بتلك المواد الأولية المعهودة التي لا يزال العالم الثالث وحده يكتنزها في أرضه الطيبة البكر، وفي إنسانه البريء، لكنه المعطّل في إرادته وحريته، والذي لا بد لهذا الغرب من مضاعفة أسباب هذه العطالة الذاتية بكل ما يمكن لعبقريته الاستراتيجية في ابتكار أخبث وأحدث وسائل وآليات تفعيل مركّب الاستبداد/الفساد إياه.
إنه العالم الثالث المستديم، وفي طليعته قارة العرب والإسلام التي لا تكفّ عن تحويل هزائمها النهضوية إلى مشاريع انتصارات وهمية جديدة. ومع ذلك فقد باتت ميادين هذه القارة أقربَ إلى ساحات من البراكين المتواقتة في التفجير وفي الخمود. وصولاً راهنياً إلى مرحلة الثورات الجماهيرية المتمردة على فنون الضبط الخارجي لمفاجآتها، والانضباط الذاتي النابع من تناقضاتها العملية والنظرية معاً. هذه الثورات المختلفة التي يُراد تصنيفُها تحت هذه المقولة شبْه السحرية والشاعرية: الربيع العربي، يدرك بعض الفكر الغربي أنها غير قابلة للأدلجة، من أي مصدر دخيل عليها. ليست قومية، ولا طبقية، ولا ليبرالية. مالا يُصدق هو أن ممارسات هذه الثورات على الأرض، ليس لها من محرك أو هدف سوى كلمة واحدة هي: الحرية. يحدث هذا بالرغم من كل محاولات اختطافها وتشويه سمعتها، واضفاء خصائص كل المنفّرات، حتى اللاأخلاقية، على الكثير من انحرافاتها وأضاليلها، بل جرائمها، لأول مرة تصير ثورة عالمثالثية غير قابلة للانطفاء، قادرة على إعادة إطلاق شراراتها الجديدة من رماد جمراتها الخابية عينها. هذه الثورات ‘الربيعية’ يدرك مثقفون غربيون كثر أنها قد تنوب عن يسارهم الفاشل، في التصدي لأول مرة لمركّب الاستبداد/الفساد، متعرياً من أيديولوجياته المستنفدة شكلاً ومضموناً، ومُطارداً ليس في ساحاته الخارجية، أو المناطقية وحدها، وإنما سيُبْتَلَى به الغرب نفسه في عقر داره.
هكذا يحاول الانقلاب الأمريكي الاستنجاد بمخزونه القديم من العنف الدبلوماسي، بديلاً جاهزاً عن خيبات العنف العسكري وتكاليفه الهائلة في كل شيء. ولعلها لم تعد أمريكا، وكل الغرب وراءها كالعادة، مهووسة بتغيير الكيانات القائمة، من سلطوية حاكمة أو شعبية ثورية، مضادة لمصالحها. ولم تعد تتحمل أعباء هذه السياسة التدميرية المطلقة. فلقد أَعجزها التغييرُ إزاء مشكلاتها الذاتية المستعصية، قبل أن يُعجزها التغييرُ والاستجابة المناسبة لتحديات الآخرين؛ وذلك بعد أن تراكمت جولات أمريكا واسرائيل الحربية وأشباهها الخائبة في تحقيق مشروعهما المشترك المسمَّى بالشرق الأوسط الجديد، حيثما تغدو صهيونية إسرائيل هي الحاكمة بأمرها مافوق وعبر دول المنطقة كلها العربية والاسلامية، وتحت مظلة واسعة من القوى العسكرية الضاربة لأمريكا. ثم ما أن انبثقت مقاومة المنطقة بطريقة غير معهودة، وأطل طقس الربيع، مجتاحاً لقلاع عتيدة من منظومة مركّب الاستبداد/الفساد، لم تتبقَّ ثمة وسيلة بيد الغرب سوى التظاهر بسلوك الانصياع للأمر الواقع. فقد أعطى الغرب نفسه صفة شريك الضرورة للثورات الصاعدة، كان اغتيالها، وهو بين صفوفها، أسهل عليه من فتح جبهات المواجهة المباشرة مع طلائعها.
شراكة الضرورة هذه فرضت على الثورات توأمتها بالفوضى من كل نوع تنظيمي أو أيديولوجي، وكانت ثورة سورية هي الضحية الكارثية والكبرى لاستراتيجية هذه التوأمة المشؤومة. وها هي تكاد تدخل مرحلة التصفية النهائية لفصولها المفجعة، مع انتداب دولة الملالي في طهران للإجهاز على ثورات الربيع العربي، وإدخال قارة العرب والإسلام في دياجير الصراعات المذهبية المغرقة للجميع، والقاتلة لأنصارها كما لأعدائها.
تريد أمريكا من العالم أن يقتنع أن إيران يمكن أن تقلع نهائياً عن مسيرتها وراء القنبلة النووية مقابل أن يُعطى لها حق التدخل في مختلف شؤون القارة العربية والإسلامية. فقد يرضيها أن تفوز بإمبراطورية النفوذ بديلةٌ عن إمبراطورية التسلّط النووي. فلماذا إذن لا تنطلق إيران في مرحلة التصالح مع جيرانها العرب، لتتلقى منهم نوعاً من القبول بمشروعية الأمر الواقع الجديد، بدلاً من أن تفرض عليهم هواجس الخوف والتخويف من سلاح التدمير الشامل، هذا الذي لن يتاح لها أبداً استعماله، وإن هي تملَّكت منه.
أمريكا مشغولة بنسج وتصدير سيناريوهات التغيير الافتراضي، في حين يعرف القاصي والداني أنها لم ولن تستطيع تغيّر شيئاً من تضاريس الشرق الأوسط بقوة الافتراضات الخيالية هذه وحدها، بعد أن تخلت عن تعديل خرائط الأشياء بقوة الأشياء، وليس برقصات أشباحها وأوهامها فحسب.
الحرية جاءتنا بالحزبين «الإخواني» و«الجهادي»!
غسان الإمام – الشرق الاوسط:
كان الرئيس حسني مبارك يقول: «لو تركناهم (الإخوان) لقتلوا الناس». المثل يقول: «سل مجربا ولا تَسَلْ حكيما». مبارك لم يكن فيلسوفا. لكن يبدو أنه كان واقعيا. ها هم العسكر الذين أتوا بعده «تركوا» الإخوان. فتسلقوا سلّم السلطة. ووصلوا إلى قتل الناس، تحت شعار الاستقرار. والشرعية!
الإخوان، في تاريخهم. معارضتهم. حكمهم. مأساتهم، يختصرون إشكالية الحزب الديني. ليس في مصر وحدها. إنما حيث هناك حزب ديني متسيّس حاكم أو معارض. ناشط فوق الأرض. أو عامل سرا تحتها.
الدين شيء. والسياسة شيء مختلف تماما. السياسة هي المتحرك والمتغير. الدين هو المقدس الثابت. يخفق الدين عندما يصبح حزبا سياسيا. وعندما يغدو دولة دينية (نظام طالبان). أو دولة ثيوقراطية يحكمها رجال الدين، كملالي إيران.
بشيء من التفسير والإيضاح، أقول إن ثوابت الدين أبدية. عندما يتسيّس الحزب الديني يجد نفسه أمام خيارين: إما أن يقبل بما تفرض السياسة من تحولات ومتغيرات، عبر الديمقراطية. والتعددية الحزبية. ومبدأ الفصل بين السلطات، في الدولة الحداثية. وإما أن يلتزم الحزب الديني بثوابت لا تقبل نقاشا. أو تعديلا يجري تأويله سياسيا أو دينيا. وإلا أثار ذلك غضبة المجتمع المؤمن. وهكذا، فالحزب الديني المسيَّس عندما يحاول تديين المجتمع، حسب رؤاه السياسية في الفرض. ووفق سلطته المتزمتة في التدخل بالإكراه والإجبار، يصطدم فورا، بالقوى السياسية اليسارية. والمحافظة. والليبرالية. بل بالشارع. والرأي العام المستقل. والمجتمع. حتى ولو كانت هذه القوى متدينة. فهي ترفض أن يصبح الدين حكرا لحزب يزعم أنه «حزب الله» دون الآخرين. أو حزبا «للإخوان المسلمين» دون سائر المسلمين.
هذه الإشكالية المعقدة واجهت كل القوى السياسية والدينية المتسيِّسة، في الانتفاضات والثورات العربية. بل أقول إن مبدأ «الأسلمة بالتدريج والتقسيط» الذي نهجته عندما صعدت فورا سلّم السلطة في المغرب. تونس. مصر. وإيران، اصطدمت بالقوى الليبرالية. والدينية المستقلة التي صوَّتت لها.
كان مبدأ «الأسلمة بالتدريج» عند إردوغان. والغنوشي. ومرسي ومرشديه غير مقبول. لأنه انطوى على إساءة إلى الدين. وعلى «براغماتية» انتهازية تداهن كل القوى غير الدينية، ريثما يتم إلغاء ثقافة قرنين من المزج بين العصر ومتطلباته، والتراث الثقافي العربي، بما فيه التراث الديني.
كان الغرض السياسي للحزب الديني إقامة دولة دينية آجلا أو عاجلا. تلغي هذا التنوع التراثي، بإلغاء الحرية السياسية التي ادعى الحزب الديني بأنه يؤمن بها. فإذا به يستغل تبعثر القوى الشبابية والليبرالية، «لغزو» صناديق الاقتراع. كان إكراه العسكر على إجراء انتخابات مبكرة خطأ متعمدا، قبل أن تنظم القوى الجديدة أحزابها. وتصوغ مبادئها. لكي تتمكن من خوض معركة سياسية متكافئة مع الحزب الديني.
ضعف القوى (الإخوانية) و(الجهادية) يكمن في أنها لا تقرأ التاريخ. الدين لم يكن كافيا، في الأصل، كأساس وقاعدة لإقامة دولة مدنية أو دينية. أخفقت في ذلك الإمبراطوريتان المسيحية الغربية والإسلامية العربية وغير العربية. فلم تؤمنا الاستقرار. والازدهار. والاستمرار. بل ما لبثت هاتان الإمبراطوريتان أن ساقتا الشعوب المتدينة إلى صدام دموي دام قرونا بينها. وأدى إلى تدمير المشرق العربي الذي اضطر إلى تقديم تفسير ديني ضيق ومتزمت للجهاد. خسرت الدولة السلطانية الإسلامية الحرية السياسية. ونجحت في تحرير الأرض. فَسادَ التخلف والجمود. ثم أفاقت على غزو غربي آخر، يخفي سيف الدين. ليشهر التفوق التقني الصناعي.
كان نضال العرب ضد الاستعمار الحديث قوميا مدعوما بالدين. من دون تسييس للدين ورجال الدين. ومازجا التجربة بالخبرة التقنية السياسية المستفيدة من الابتكار الغربي. نجح النضال الوطني والقومي في التحرر من الاستعمار. لكن لم ينجح في امتلاك الحرية السياسية. ابتذل النظام الجمهوري الديمقراطية. فزيَّف الاقتراع والأرقام باستمرار.
الطريف أن الثورات والانتفاضات العربية والإسلامية لم تأت بالحرية. لم تنجح «الجهادية» السنية في إقامة دولة دينية حتى في أكثر المجتمعات الإسلامية تأخرا (أفغانستان). ولم تنجح «الجهادية» الشيعية في تقديم دولتها الدينية الثيوقراطية، بعد 30 سنة من قيامها، كأنموذج مثالي للمسلمين.
عندما أخفق الحزب الديني (الإخواني) في تجربته السلطانية، أطلق العنان للحزب الديني «الجهادي». إخوان الأردن الذين خُدعوا بالشعار الإيراني/ السوري عن «المقاومة» ثم «الممانعة» يقفون حائرين اليوم، تاركين الساحة السياسية للحزب «الجهادي» الأردني، لخوض الحرب في سوريا، وإقامة دولته الدينية.
ها هو الحزب الشيعي (الجهادي) يتدخل في سوريا للقتال إلى جانب النظام الطائفي، بأمر من إيران. ووصل مأزق التورط إلى مستوى الادعاء بأنه يقتل ويدمر في سوريا باسم الدفاع عن فلسطين!
وها هو الحزب السني «الجهادي/ الإخواني» في مصر وغزة يقاتل مستميتا، للدفاع عن «شرعيته» التي أقامها بسرقة الانتفاضة. فلولُ نظام مرسي ليست بعيدة عن عمليات العنف «الجهادية» ضد النظام الانتقالي الذي أوفى بوعده أول من أمس (الأحد) في إعداد دستور ليبرالي للاستفتاء. فيما نظام حماس (الإخواني/ الجهادي) في غزة، ليس بعيدا عن عنف الحزب الجهادي الذي يهرق دماء أبناء مصر في سيناء.
تعثرت الثورة في سوريا عندما تساهلت مع التنظيمات «الجهادية» الوافدة، والساعية إلى إقامة دولتها الدينية، أكثر مما هي مشغولة بمكافحة الدولة الطائفية. وتعثرت الانتفاضة الشعبية في ليبيا، بعد إزاحة القذافي، لأن التنظيمات «الجهادية» لا تستطيع إقامة دولة دينية متزمتة، ليس في ليبيا وحدها، وإنما أيضا في تونس. والجزائر. واليمن. والعراق. وأفغانستان وباكستان.
الثورات والانتفاضات لا تحدث في فراغ. ولا تستطيع أن تعيش في فراغ. أخفق الحزبان «الجهادي» و«الإخواني» في فرض تسييس وتخريب الدين، وتفسيره تفسيرا آيديولوجيا متزمتا، على المجتمعات العربية والإسلامية التي لم يهتز قط إيمانها الديني العميق.
لكن ما هو البديل لهذا الفراغ السياسي والعقائدي الذي تعيشه المجتمعات العربية، بعد إخفاق مشروع «الدولة الدينية» الذي ما زالت إلى الآن تصر عليه الأحزاب «الإخوانية» و«الجهادية»؟! كيف تكون المؤسسة الأزهرية التعليمية أكثر انفتاحا من طلبتها؟! كيف استطاعت هذه الأحزاب أن تخترق، مثلا، الجامعات المصرية الدينية وغير الدينية. وتفرض هذا المشهد البائس لطلبة «الإخوان»، وهم يقاتلون ويكافحون ضد تحرير عقولهم؟
السبب أن عبد الناصر لم يهتم بتشكيل مؤسسة فكرية قومية. لم يسمح لروّاد الفكر القومي الليبرالي، بتلقين شباب الجامعات المصرية مبادئ عروبة ديمقراطية. فهي البديل الوحيد للسمو بنبل فوق كل التيارات الوطنية الشوفينية أو الدينية التي تمزق الشارع المصري. وتعطل دور مصر العربي في مواجهة الاختراق الإيراني.
من مقعدي الصحافي المتواضع، دعوت الثورة السورية مرارا، إلى العودة إلى العروبة. إلى مواجهة إسلامويةٍ متزمتة ممولة ومسلحة جيدا، بفكر عربي جديد يسمو فوق الطائفية ونظامها الفاسد. لم أسمع صوتا سياسيا أو مسلحا واحدا يدعو إلى العودة إلى العروبة، على أساس ديمقراطية مؤمنة حقا بالمساواة بين الغالبية السنية والأقليات العنصرية والدينية. الحل ليس في جنيف. إنما يجب أن يكون في سوريا حرة. متحررة من نظام يقتل ويدمر، بلا كبرياء ونبل الدولة. ومعارضة بلا هوية. لا تجرؤ على أن تقول لأميركا أوباما إن انحيازها للأحزاب الدينية لا يتفق مع ليبرالية الفكر الغربي.
طرابلس أو «سوريا الصغيرة»
عريب الرنتاوي- الدستور:
تبدو طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، صورة مصغرة لمسرح الحرب المندلعة منذ أزيد من عامين، في سوريا وعليها ... هي ساحة من ساحات الحرب الواحدة المندلعة في ثلاث دول: العراق، سوريا ولبنان ... هنا حيث تقتتل الأطراف ذاتها، وتحت الرايات والشعارات ذاتها، وتكاد ترى ذات الوجوه والسحن، كما لو كنت تشاهد “تغطيّة” للمعارك في درعا أو حلب أو حمص أو الغوطتين.
في الظاهر، أن علويين في جبل محسن يقاتلون مسلمين من أهل السنة والجماعة في التبانة وغيرها من حواري المدينة الفقيرة والمهمشة ... أما في الباطن، فإن نفس المحاور المشتبكة في الحرب السورية، تقتل على أرض طرابلس ... حزب الله وحلفه الإقليمي والمحلي الممتد حتى طهران، يدعم جبل محسن، بأشكال متفاوتة... فيما 14 آذار وتيار المستقبل ومن خلفهما الحلف الإقليمي الداعم لهما ، يشكلون سندً قوياً لـ”أولياء الدم” وقادة المحاور والمجموعات والجماعات.
وإذ ترتفع وتيرة المواجهات الدامية في طرابلس أو تهبط، على إيقاع المعارك المحتدمة في سوريا، وخصوصاً على “قاطع القلمون”، فإن طرابلس تتحول يوماً إثر آخر، إلى “بارومتر” لقياس درجة الأزمة السورية، وهي بهذا المعنى مرشحة لمزيدٍ من الصولات والجولات الدامية في قادمات الأيام، في ضوء إصرار معسكري الحرب المفتوحة في سوريا، على إحراز تقدم “نوعي” قبل الدخول إلى غرف التفاوض في “جنيف 2”.
يجري ذلك في ظل حالة غير مسبوقة من الاستقطاب والشحن المذهبيين ... لكأن هذه البقعة الصغيرة من شمال لبنان، يُراد لها أن تختزل حرب داحس والغبراء المذهبية، التي تكاد تشق الإقليم الممتد من الباكستان وأفغانستان، وصولاً لطرابلس وصعدة مروراً ببغداد وسوريا وبيروت وبعض أطراف الخليج.
ويجري ذلك أيضاً، في ظل عجزٍ بالغٍ ضفاف الشلل، يكاد يأتي على البقية الباقية من صورة الدولة وهيبتها وأجهزتها القضائية والأمنية والعسكرية والسياسية ... وقد يصبح الأمر أكثر خطورة، إذا ما استطالت الأزمة السورية بأكثر من اللازم، وإذا ما استطال “الفراغ” المؤسساتي في لبنان، ليشمل رئاسة الجمهورية بعد “فراغ الحكومة” و”شلل البرلمان” وتوزع ولاءات الأجهزة الأمنية وانكشاف المؤسسة العسكرية.
وكما أن للحرب في سوريا أمراءها ورعاتها من تجار “حروب الوكالة”، فإن لحروب طرابلس الصغيرة، أمراءها الصغار وتجار “حروب الوكالة” كذلك ... فمن يريد ضُرّاً بحزب الله، ما عليه إلا أن يدعم قادة المحاور والجماعات الذين لا يشبهون أحداً غير قادة “النصرة” و”داعش” ... ومن أراد أن يؤمّن ظهر النظام السوري من شمال لبنان، عليه أن يدعم “قلعة الممانعة والمقاومة” في جبل محسن (؟!)، وثمة على ضفتي الخنادق وخطوط التماس، من لديه الخبرة و”العبقرية” لتحويل عذابات الناس ودمائهم، إلى أرصدة متراكمة في البنوك، ونفوذ لا يقدر في عالم السياسة.
حرب طرابلس كما حرب سوريا، تأكل من رصيد حزب الله، شارك فيها أم لم يشارك، قاتل فيها أم لم يقاتل ... وهي تأكل أيضاً من رصيد الاعتدال السنّي وتسحب البساط من تحت أقدام تياراتهم المدنية والعلمانية الأكثر وسطية واعتدالاً ... فطرابلس التي أوصلت ثلاثة مليارديرات لبنانيين إلى البرلمان والزعامة السياسية، هي ذاتها التي ستطردهم من عالم السياسة والتمثيل، لتأتي بوجوه لم تعرفها المدينة ولبنان من قبل، تماماً مثلما طردت “النصرة” و”داعش” في سوريا الائتلاف والمجلس العسكري وجورج صبرا والمنبر الديمقراطي وإعلان دمشق من عالم التمثيل والنفوذ وصنع القرار.
وكل يوم يمضي على جرح طرابلس النازف، تصبح فيه المدينة أقل تسامحاً وأكثر ميلاً لطرد “الآخر” وإقصائه ... تصبح أكثر تأهيلاً للانخراط في مشروع “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ... وربما نجد غداً في المدينة من يعلن البيعة لأيمن الظواهري على السمع والطاعة مباشرة ومن دون وسطاء، مفضلاً أن تكون له “نصرته” الخاصة أو “داعشه المحلية”.
وأسوأ ما في جرح طرابلس أنه ينزف ويتعفن في ظل استمرار “حالة الإنكار” التي تهيمن على قياداتها وفعالياتها ومثقفيها، الذين أخذت العزة الكثيرين منهم بالإثم، وأعمت أبصارهم وبصائرهم، حسابات سياسية وفئوية ومذهبية وانتهازية ضيقة للغاية ... تماماً مثلما حصل في سوريا، حين تنطح قادة معارضون، شيوعيين ويساريين ومسيحيين، لإنكار وجود القاعدة بين ظهراني المعارضة المسلحة في سوريا، بل انبروا للدفاع عن “النصرة” ضد القرار الأمريكي المتعسف بوضعها على قوائم الإرهاب السوداء، إلى أن انتهينا إلى تعددية سورية رفيعة المستوى وفريدة الطراز: داعش والنصرة وجيش الإسلام السلفي، وبقية ألوان الطيف السياسي الإسلاموي، في ظل غياب يشبه الموات، لبقية التيارات المدنية والعلمانية التقدمية.
كيف نغير الرئيس القادم بالسلامة؟
يحيى الرخاوي- اليوم السابع:
وانتهت مرحلة إعداد مشروع دستور مصر 2013، وسوف يوافق عليه الشعب بإذن الله، ليس لأنه مقتنع بما فيه، ولا لأنه قرأه مادة مادة، وعمل أبحاثًا مقارنة مع كل الدساتير السابقة من أول دستور مصر سنة 1882 وحتى تاريخه، ولكن لأنه ضج من الإخوان وسيرة الإخوان، وخائف من عودتهم تحت أى عنوان، وبالتالى سوف يـُنتخب رئيس للبلاد، ومجلس شعب، وتـُعيـَّن وزارة لها رئيس وزارة، وكله تمام، أما إذا لم يوافق الشعب على الدستور فسوف يعود إلى لجنة خمسين أخرى، وهكذا، حتى يتم الاستقرار والموافقة على دستور ما، ويُنتخب رئيس للبلاد، ومجلس شعب، وتعين وزارة لها رئيس وزارة.. إلخ، أو ربما، لا قدر الله، تكون الفوضى قد استشرت أكثر فأكثر بعد اتحاد الثوار المرتزقة الأحرار، مع الثوار القتلة الأبرار، فأتموا المهمة وخربوها تمامًا حتى عاد السيد الدكتور محمد مرسى بالسلامة، وقدماه تغوصان فى بحور الدم وأكوام من الدمار والإفلاس، وانعقدت المحاكم الثورية الانتقامية الفورية، وحوكم الفريق السيسى وشيخ الأزهر والبابا تاوضروس واللواء محمد إبراهيم، ومعاونوهم، وحكم عليهم بالإعدام، ونفذ الحكم فورًا.
سواء كان هذا أو ذاك أو ذلك، فسوف يكون لمصر رئيس منتخب، يصيب ويخطئ، ويخطب، ويعد، ويحاول ويتوقف، فكيف السبيل بعد تجارب ثلاثين سنة، فثلاثين سنة أخرى، فثلاث سنوات، كيف السبيل إلى تغيير هذا الرئيس الجديد؟ بالصناديق أم بالشماريخ؟
هل سنتعلم من مجموع ما سبق ونصبر على الرئيس الذى جاء تبعًا للدستور الجديد، وقد استلمها خاوية على عروشها ونعطيه الفرصة ليتم مدته لعله خيرًا، فإذا وفقه الله ولطف بشعب مصر الطيب على يديه، وظهرت بعض آثار إنجازاته رويدًا رويدًا اخترناه، (إذا سمح الدستور) أو اخترنا خلفه من فريقه أو فريق غيره، (إذا سمح الدستور أيضًا) للمدة اللاحقة، وهكذا، ثم نرى؟ أم أننا سوف نستعجل ونبادر أولا بأول إلى تثبيطه، والشك فيه، وإحباطه، والاستعجال عليه، حتى يزيد فشله، وتختل خطواته، ويزيد الخراب والجوع، فلا نجد مفرًا من أن نتمرد عليه بالملايين فى الشوارع والميادين، ونزيحه كما أزيح الذى من قبله وقبل قبله؟ أم أننا سنصبر عليه ثلاثين سنة أخرى ونتعامى عن الخراب التصاعدى، والعد التنازلى، لعل وعسى يصحح نفسه قبل أن يغضب الشعب من جديد، أو يتمرد، أو يخربها ولا يجلس على تلـّها، لأنه لن يكون لها حتى تل من الأنقاض؟
إن لم نتعلم من ثلاثين سنة، فثلاثين سنة، فثلاث سنوات حلا آخر يليق بمصر، وبتاريخ حضارة مصر، وبحضور الله فى وعى ناسها المؤمنين، وبقدرات إبداع أبنائها المنتمين، فنحن لا نستأهل البقاء.
لا تقل لى"الديمقراطية هى الحل"، فالأمور انكشفت حتى لو ظللنا نردد ذلك القول لقرون لاحقة، لا تقل لى "الديكتاتورية هى الحل" فقد أعطيناها فرصة طويلة طويلة، ولم تحل شيئًا، ولم تترك لنا إلا كرامة ممزقة، وتهميش حقير، وتبعية مهينة.
لا تقل لى "الإسلام هو الحل"، فالإسلام لم يُهـَن ولم يُختزل أكثر مما ناله هذا وذاك عن طريق من زعموا أنهم سوف يهتدون به إلى طريق الخلاص، ويا ليتهم أحسنوا قراءته لكان طريقًا لخلاصهم من ضلالهم شخصيًا أولا.
كل ما أرجوه هو ألا نعيد أخطاءنا هى حرفيًا، لأن هذا عيب لا يليق بأى مصرى، ليكن همنا هو الاقتصاد المستقل، والإيمان الحقيقى، والاستقلال الكامل.
برغم كل ذلك، فأنا متفائل، لأن الله موجود، ولأنى إنسان، وليس من حقى أن أيأس وهو موجود، ولأنى مصرى
والله معى، أعنى معنا.
"وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى"
"وأن سعيه سوف يُرى"
ولسوف تروْن
كما يرانا الله الآن، وإن لم نكن نراه
انتباه!!!