-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 564
اقلام واراء عربي 564
4/12/2013
في هذا الملــــف:
الفلسطينيون يهاجرون إلى الجنة
أيمن خالد/القدس العربي
فلسطين: حملة ‘أسرانا فوق الجبين’ على الفيس بوك وتويتر
حسام الدجني/القدس العربي
بناء الهيكل المزعوم يدخل مرحلة التنفيذ
رأي الدستور الأردنية
أزمة المصالحة في «رعيّتها» وليس «راعيها»!
حسن عصفور/الدستور
كارثة إنسانية في غزة!
حلمي الأسمر/الدستور الأردنية
كيري في الأراضي المحتلة اليوم: تحذيرات من كارثة متراكمة في غزة
حلمي موسى/السفير
أميركا.. عودة عن الخطأ!
صالح القلاب/الرأي الأردنية
غولان ـ أردوغان.. هل سقطت جرة العلاقات؟
سمير صالحة/الشرق الأوسط
الأزمة السورية.. لا بديل عن الحلّ السياسي
غادا فؤاد السمّان/القدس العربي
عيون وآذان (هو القدوة)
جهاد الخازن/الحياة اللندنية
تجربة إيران مع الإصلاحيين...«الثالثة ثابتة»
عريب الرنتاوي/الدستور
الفلسطينيون يهاجرون إلى الجنة
أيمن خالد/القدس العربي
حديث طويل وآمال كبيرة حول مستقبل مخيم اليرموك والحلول الممكنة، ولكن بتقديري، المطلوب من السيد محمود عباس أن يرسل الينا شاهدة قبر، مكتوبا عليها، هنا كان يرقد مخيم اليرموك، ونحن سنهتم ببقية التفاصيل، ونعدكم ان نحسن الوداع والدفن، وحتى الصلاة وعلى الطريقة التي تصلي فيها غزة على الجنائز.
كان مبرر وجود منظمة التحرير الفلسطينية هو الحفاظ على الفلسطينيين بعد الشتات القاسي الذي وصلوا اليه، ومع انطلاق العمل الفلسطيني المسلح غرقنا في التفاصيل العربية، وتم توظيف العمل المسلح بما يعيق انطلاقنا نحو الهدف الأساس، فلسطين، ولم ندرك ان كل الحروب على طريقنا كانت تهدف الى ان نصبح جزءا من مشكلة العرب، ولم نحقق ما كنا نصبو اليه من ان يكون طريقنا الى فلسطين نقطة وحدة الامة الى هدفها، بشعوبها وقادتها، وتحت هذا كنا نظن أن المخيمات هي قاعدة الانطلاق والعودة الى فلسطين، لكن العرب نجحوا بتحويل مخيماتنا الى ‘غيتو’، وتم تحويل الفلسطيني في أكثر من بلد عربي الى يهودي العرب، وليس اخرهم من يقول ان الفلسطيني المدني المسالم هو قليل الوفاء وعليه حمل السلاح والاشتراك في حروب داخلية، كتعويض عن سنوات اقامته في مخيمات كان البؤس فيها العلامة الفاصلة، فطوال عمر النكبة كان على الفلسطيني ان يقيم في بيوت غير آدمية ويحمل وثيقة لاجئ، تعني بتفاصيلها أنه غير مرغوب فيه، فلم يكف حصار الفلسطينيين في غيتو اسمه مخيم، ولم يكف فرض هوية لاجئ تخنقه في حركته، ورضينا بهذا، ولكن ان نكون شركاء في دم الصراعات الداخلية فهذا ليس ما نريد.
لم ننجح طوال السنوات الماضية بالحفاظ على العنصر الفلسطيني في كل من الاردن والكويت ولبنان وسوريا والعراق وليبيا، وظل الزج بالفلسطيني في اتون الصراعات السياسية المسألة الابرز، لأن الفلسطيني في عقل الانظمة العربية هو حالة العبء الموجودة في المنطقة، وأن توظيفه في الازمات الداخلـــية هو أفضل المتاح، لأن ذلك يقلل من تعاطف الشعوب العربية معه، وبالتالي قضيته، التي ستخرج تباعا من كونها قضية الامة، الى قضية محسوبة على الفلسطينيين فحسب.
قادتنا العرب هم أذكياء وهم يعرفون اختيار اللحظة التي تصبح فيها القضية الفلسطينية مبرر وجودهم في السلطة، وهم أيضا يدركون اللحظة التي يعزلون عن الفلسطيني دوره كضحية. أما قادتنا الفلسطينيين، فحتى لا نلومهم دوماً فهم أغلبهم ضحايا المرور على حواجز الأنظمة، التي تحسن تعرية السياسة وتوابعها، فنحن لم نكن ندرك أن مشكلتنا مع اسرائيل بأسلاك شائكة عربية، وأن مشكلة الشعوب العربية مع حكامها هي اكبر من مشكلتنا مع اسرائيل، وبفهمنا لهذه المعادلة علينا أن نغير طريقة واسلوب عيشنا، وعلينا أن ندرك أن المطلوب الان وبعد سنوات طويلة وعشرات الالاف من الضحايا علينا ان المطلوب في الشتات هو الحفاظ على العنصر الفلسطيني فحسب، وليس توظيف هذا الشتات لأهداف سياسية هنا وهناك، فنحن قبل سنوات قليلة كنا نعتبر ان هجرة الفلسطينيين من المخيمات الى خارجها فقط، هي مسألة مقلقة. أما فكرة الهجرة الفلسطينية نحو الغرب، فظلت في عقلنا الباطن، بمثابة خيانة عظمى للقضية التي تستوجب منا أن تبقى المخيمات أماكن انطلاق نحو الوطن، الذي ظل العقل السياسي الفلسطيني الحاكم، يتخيل أنها مسألة وقت فقط، قبيل انطلاق جيوش الامة الى فلسطين، ولأن المخيم هو الشاهد على النكبة، فالمخيمات الفلسطينية يجب أن تبقى موجودة.
أظن، ونحن على مفترق طرق في معاناة جديدة، علينا أن نعيد حساباتنا، فالحركة الصهيونية حافظت على العنصر اليهودي أولاً، وهو سر نجاحها في هزيمتنا، وأما نحن، فالحفاظ على العنصر الفلسطيني ظل اخر همنا، أمام دبلوماسية اللحظة، التي حولت غالبية الشتات الفلسطيني الى ضحايا ينتظرون في معظم الدول الحصول فقط على لقمة خبز غير متاحة اصلا.
لا نريد القبول بدعوة السيد اسماعيل هنية بعودة الفلسطينيين من الشتات وحشرهم في نفق غزة، ولا نريد نقل مخيم اليرموك الى غزة، فالتوظيف السياسي للمعاناة لا يخدم غزة ولا حماس ولا كل الموجود حاليا، فلدى غزة عائلات الشهداء وجوع الفقراء، وليس صحيحا ان نقاسمهم همومنا، ونشاطرهم حياتهم ووظائفهم وما سيتبعه مستقبلا من عقدة التمييز والوجع الاجتماعي الذي نحن بغنى عن الخوض فيه.
الحفاظ على فلسطينيي الشتات اليوم يعني طي صفحة المخيمات الفلسطينية واغلاقها وهجرة الفلسطينيين أو بقاءهم على أي قاعدة انسانية، بعيدا عن المزايدات التي تتحدث عن حق العودة الذي لم يمنح الفلسطينيين فقط رغيف خبز في المخيمات المحاصرة، والمطلوب فعلا ان تتحول سفارات منظمة التحرير الى مؤسسات تسعى الى تأمين استمرار الحياة للفلسطيني فقط، في أي مكان في الكون ولو كان الهجرة الى الغرب، على الاقل سينتج عن الهجرة اكثر من ادوارد سعيد، واكثر من عالم، وكل فلسطيني في شتاته وطن بكامل الصفات الانسانية.
اذا هاجرنا ستكون أكبر مشاكلنا في الغرب هي قيام افراد متطرفين باستهداف افراد فقط، واذا بقينا فاصـــــغر مشاكلنا مع علية القوم على اختلافهم، فالجنة بمنطق العصر للفلسطيني هي الهجرة وليس تلك المخيمات التي دمرت او التي تنتظر ذات القدر في غير دولة وذات زمن.
فلسطين: حملة ‘أسرانا فوق الجبين’ على الفيس بوك وتويتر
حسام الدجني/القدس العربي
أكثر من خمسة آلاف أسير يقبعون في سجون الاحتلال الصهيوني، دخلوا السجون الصهيونية لأنهم وهبوا حياتهم ومستقبلهم من اجل قضية فلسطين العادلة، فدافعوا عن كرامة الأمة ومستقبلها، لذا ينبغي أن تبقى قضيتهم على رأس أولوياتنا الوطنية وخصوصاً في ظل انتهاك جهاز الأمن العام (الشاباك) ومصلحة السجون الإسرائيلية لآدمية الإنسان دون مراعاة للقانون الدولي الإنساني، أو أدنى معايير حقوق الإنسان.
ومن أجل هؤلاء الأسرى أطلقت كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية وبالتعاون مع مؤسسة واعد وبمشاركة فصائلية ومجتمعية واسعة حملة ‘أسرانا فوق الجبين’ على الفيس بوك وتويتر، وأقل واجب من الممكن أن نقدمه لهؤلاء هو التفاعل مع صفحة الحملة الالكترونية، فالجهاد الالكتروني في زمن ثورة المعلومات لا يقل أهمية على أي شكل من أشكال المقاومة والجهاد، ومن هنا نطرح الأسئلة التالية حول أهمية تلك الحملة؟ وما دور مناصري القضية الفلسطينية في المساهمة بإنجاحها؟ وما أثر تلك الحملة على الأسرى؟ يتزامن إطلاق الحملة مع تبني الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة من الأصوات قراراً يقضي بإعلان عام 2014 المقبل عاماً دولياً للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ويدعو القرار إلى تنظيم فعاليات بهذا الخصوص ستجري خلال العام المقبل بالتعاون مع الحكومات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني.
هذا القرار المرحب به من قبل الشعب الفلسطيني يحتاج إلى تكاتف كل مكونات الشعب الفلسطيني من اجل استثماره بشكل جيد، وربما تستفيد الحملة جيداً من هذا القرار، فالإعلام الدولي سيسلط الأضواء على الشعب الفلسطيني، وعلى قضاياه الوطنية. وتكمن أهمية حملة أسرانا فوق الجبين على الفيس بوك وتويتر بأنها عمل جماعي مؤسسي منظم ينطلق على مواقع التواصل الاجتماعي، رافعاً مصلحة الوطن فوق الجميع، مستثمراً حالة الإعلام الجديد التي تدلل كل المؤشرات والإحصاءات العالمية أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي قارب حاجز الملياري نسمة، وأن مواطن من كل أربعة مواطنين بالعالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى وجه الخصوص الفيس بوك والتوتير، ولا مانع لو استخدم البعض مواقع أخرى للترويج عن الحملة وأهدافها وعدالة القضية التي تحملها.
إن مناصري ومحبي القضية الفلسطينية هم كثر، وهم على أتم الاستعداد لتقديم ما يستطيعون من أجل عدالة القضية الفلسطينية، ولن يتأخروا عن نصرة الأسرى، والحملة ستزودهم بقواعد البيانات التي يحتاجونها، وما عليهم سوى الترويج لتلك القضية، لعل ذلك يكشف الوجه الحقيقي للاحتلال الذي يضرب بعرض الحائط القوانين والأعراف الدولية وينتهك ابسط معايير حقوق الإنسان من خلال جرائمه المستمرة بحق الأسرى وذويهم. إن تلك الحملة وما يصاحبها من حملات لنصرة الأسرى تترك أثراً طيباً على نفسية الأسرى، وتعزز صمودهم، فمن وهب حياته من أجل فلسطين، يستحق من الجميع أن نقف معه وننصره على سجانه. فتفاعلنا عبر صفحة الحملة هو القليل من الوفاء لأسرانا البواسل، ورابط الحملة هو:
https://www.facebook.com/asranataj
بناء الهيكل المزعوم يدخل مرحلة التنفيذ
رأي الدستور الأردنية
دخلت مرحلة بناء الهيكل المزعوم مرحلة التنفيذ حينما قام رئيس حكومة العدو نتنياهو بإنارة الشمعدان التلمودي، وإدخاله الى الأقصى مستغلاً الأعياد الدينية.. دافعاً اليهود المتطرفين الى اقتحام الأقصى وتدنيسه، والاعتداء على المصلين وطلاب العلم وإرهاب النساء والأطفال.
هذا الاستفزاز الصهيوني، لم يأت صدفة، بل يندرج في سياق نهج خبيث لاقتسام المسجد زمانياً ومكانياً، تمهيداً لهدمه واقامة الهيكل، بعد أن أنجز العدو المخططات الهندسية، وتم عرضها في ساحات الأقصى، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى الإجراءات العنصرية التي اتخذها العدو، وصولاً الى الإعلان عن بناء الهيكل وفي مقدمتها كافة المباني الوقفية والتراثية المحيطة بالمسجد، وبناء كنس توراتية على انقاضها، وتوسيع ساحة البراق واقامة جسر حديدي يصلها بباب المغاربة رغم احتجاج “اليونسكو” ورفضها لهذا الإجراء الذي يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والمعاهدات ذات الصلة التي تحظر اجراء اية تغييرات في الاماكن المقدسة، يمس حق المواطنين في العبادة وحريتهم بأداء صلواتهم.
واستكمالا لهذا الموضوع الخطير، فقد مهّد العدو لهذا العدوان الآثم على الاقصى من خلال استغلال المناسبات الدينية التوراتية والتلمودية وحشد اكبر عدد من المتدينين الحاقدين لاقتحام الاقصى، وتدنيسه والعبث بمحتوياته والاعتداء على المصلين الركّع السجود، وهو ما ادى الى صدامات واسعة مع المصلين الذين توافدوا من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية اكثر من مرة للدفاع عن الاقصى، ومنع رعاع المستوطنين من اقتحامه، واستطاعوا أن يصدوا هذه الموجات الحاقدة، وان يمنعوها من تحقيق أغراضها واهدافها الإجرامية، والتي تهدف الى إرهاب المصلين، ومنعهم من الوصول الى المسجد، وأخيرا الموافقة على اقتسامه كما حدث للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، مستذكرين حديث الرسول -عليه الصلاة والسلام- بأن “شهيدهم بسبعين شهيداً”.
لن تتوقف محاولات العدو الاجرامية، وسيبقى مصراً على تحقيق اهدافه في اقامة الهيكل على انقاض الاقصى والتي لم تعد اهدافاً سرية غير معلنة، فهذا هو نتنياهو يعلن من على منبر الكنيست أن القدس الموحدة ستبقى عاصمة اسرائيل، ويعلن وزير الاسكان أن الأقصى ملك لإسرائيل لأنه مقام على ارض الهيكل.. وهذا يعني تهويد ساحاته وتحويلها الى كنس توراتية، وهو ما مهّد له قرار الكنيست الفاشي الذي يسمح لليهود بدخول المسجد الاقصى متى شاءوا، ما يعني بدء العد الفعلي لاقتسامه زمانياً ومكانياً، وجاء اشعال الشمعدان التلمودي ليدشن مرحلة بناء الهيكل عملياً.
مجمل القول: العدو الصهيوني بدأ قبل مدة بالتمهيد لبناء الهيكل المزعوم وتهويد الأقصى، ولم يتردد في الاعلان عن خططه واهدافه العنصرية الفاشية مستغلاً الخلافات العربية والانقسام الفلسطيني، والدعم الاميركي والتواطؤ الاوروبي، والمستجدات التي تعصف بالمنطقة، والتي تكاد تزلزلها بعد انفجار الصراع الطائفي، وهذا يحتم على الشعب الفلسطيني أن يعلن النفير العام إلى الأقصى والمرابطة فيه لحمايته من التهويد، وإفشال مؤامرة بناء الهيكل المزعوم.
“ولينصرن الله من ينصره”.
صدق الله العظيم.
أزمة المصالحة في «رعيّتها» وليس «راعيها»!
حسن عصفور/الدستور
في تصريحات غير مفهومة أبدا، لا سياقا ولا توقيتا، جاءت تصريحات القيادي الفلسطيني والحمساوي د. موسى ابومرزوق الداعية الى نقل راعي المصالحة من مصر، المثقلة بهمومها الداخلية كما وصفها، الى قطر وتركيا، وبالتأكيد لا يجهل القارئ سبب تسمية كل من هاتين الدولتين تحديدا، فهما -لا غيرهما- آخر معاقل الدعم والاحتواء المالي والسياسي والإعلامي لحركة حماس بعد أن سقط حكم المرشد الاخواني في مصر، وخسارة حماس رهانها على سقوط سوريا ونظامها.
الغريب في تلك الدعوة أن تصدر من شخصية قيادية فلسطينية - حمساوية تعرف تمام المعرفة وتفصيلا كل شيء عما يعرف باسم «المصالحة الوطنية»، بخاصة أنه صاحب الملف من طرف حركة حماس، لذا يدرك قبل غيره سواء أراد الاعتراف العلني بذلك أم لا أن أزمة المصالحة لم تكن يوما أزمة الراعي، مهما كان اسمه بل تكمن الأزمة في أطرافها بخاصة حركتي «فتح» و»حماس»، لذا فالكلام عن ضرورة البحث عن «راع بديل» ليس سوى هروب مباشر من تحديد جوهر المشكلة، ومحاولة للابتعاد عن الحقيقة، والتي يعرفها كل فلسطيني مهما اختلف انتماؤه..
تصريحات د. ابو مرزوق تشكل «مفاجأة سياسية» سلبية لم تكن متوقعة من شخص يحسب كلماته بميزان خاص، ويدرك -قبل الآخرين- أن مثل هذه الاقوال تحمل مصر مسؤولية فشل ليست هي المسؤولة عنه ابدا، ودوما كان الافشال بسبب فلسطيني داخلي وبتأثير عوامل خارجية، كل بحساب، ولو كانت المسألة في مسميات الراعي، فلماذا فشل تطبيق «إعلان الدوحة» بين حماس وفتح وبرعاية قطر، ألم تتصدى قوى مركزية في حماس لرفض الاتفاق في حينه، وأعلن احد قياداتها البارزين د. محمود الزهار أنه لن يمر.. لو كانت مشكلة الراعي هي مشكلة المصالحة لنجحت منذ زمن بعيد، سواء بمصر أو غيرها..
والسؤال، هل تدخلت مصر يوما بشكل مباشر في جوهر اتفاقات المصالحة المتتالية، لغير صالح الشعب الفلسطيني، وما النصوص التي يمكن أن توردها حركة حماس فرضتها مصر على الأطراف الفلسطينية، ولماذا لم تنجح مصر في عهد الإخوان بتحقيق المصالحة وهي لم تكن مشغولة بـ»همومها الداخلية»، في حين نجحت وخلال ساعات قصيرة بعقد أول اتفاق مكتوب بين حماس ودولة الكيان للتهدئة، اتفاق يحمل من المهانة ما يفوق كثيرا اعتباره «نصرا سياسيا»، لكنه كان اتفاقا لتحسين صورة الاخوان عند امريكا واسرائيل و»وديعة حسن نوايا» قبل اصدار مرسي لإعلانه الدستوري الشهير.. اي أن مصر الاخوان استخدمت حماس وفلسطين لتمرير مصلحتها الإخوانية على حساب المصلحة الفلسطينية بموافقة حماس ارضاء لحكم المرشد..
لا نظن أن هناك من لا يزال يعتقد أن المصالحة الوطنية الفلسطينية بحاجة لمزيد من الحوار أو اللقاءات، فكل ما يمكن قوله قد تم وانتهى الأمر بكتابة نصوص تكفي لعقد «مصالحة تاريخية» بين اشد الأعداء عداوة لو أرادوا صلحا، وكل ما تبقى لم يكن سوى «خطوات اجرائية» يتم اعلانها بين فتح وحماس حول الحكومة وارتباطها بالعملية الانتخابية، ولا يوجد عائق أمامها من خلال النصوص، لكن العائق الحقيقي هو أطرافها، فهل تريد حركة حماس فعلا تحقيق المصالحة، بخاصة بعد هزيمتها وجماعتها في مصر، بكل ما يحمل ذلك من ثقل فكري وسياسي وقبل ذلك شعبي عليها، لو تمت المصالحة وأجريت الانتخابات، وقيادة حماس قبل غيرها تعلم يقينا ما هو المصير الذي تنتظر، بعيدا عن خطابات الوهم التي تلقيها بعض قياداتها في غزة..فمن يصاب برعب من مظاهرة لا يمكن له أن يكون آمنا لنتيجة صندوق بعد تجربة لم تحمل لأهل غزة سوى مصائب فمصائب ولأهل حماس ثراء فثراء..
وبالتأكيد فحركة فتح، لم تعد في عجلة من أمرها للمصالحة، سواء لخيارها مسار التفاوض المرفوض شعبيا على حساب استكمال الخطوات الوحدوية وتشكيل حكومة انتقالية، او لسبب سياسي تعتقد قيادة فتح أنها ليست في عجلة من أمرها بعد سقوط حكم المرشد الإخواني، ما تعتقد أنه سيكون حصارا لحماس، لعبة التلاعب بالوقت السياسي سائدة في سلوك فتح دون حساب بأن المصلحة الوطنية تقتضي اقلاعها عن ذلك السلوك التفاوضي أو الانتظاري..وأن عليها أن تعلن فورا تشكيل حكومة انتقالية وفقا لما تم الاتفاق عليه، واعلان برنامج الانتخابات لرئيس دولة فلسطين وبرلمانها بإشراف عربي ودولي، وتترك لاحقا من يعارض أو يعترض أو يعرقل لكشف أمره.. اما المضي في «لعبة الاستغماية» فذلك نهج لا يستقيم ولا يجب أن يستمر ايضا..
المسألة ليست في راعي المصالحة ولم تكن يوما هي «العقدة»، لكنها كانت وستبقى في «رعية» أهل المصالحة الذين هم دون غيرهم من يقررون المضي في الخلاص من كارثة الانقسام أو البقاء اسرى له كونه «فعلا مفيدا» لتجار السياسة في «بقايا الوطن»!
ملاحظة: صمت الإعلام والقوى السياسية ومنظمات حقوق الانسان عن جريمة اغتيال المدهون تشكل فضيحة كبرى..الغريب أن حركة فتح صامتة تماما وكأن الجريمة في بلاد «الواق واق»!
تنويه خاص: يبدو أن التفاوض الفتحاوي مع دولة الكيان تم تعليقه بشكل سري..د. عريقات تفرغ في الأيام الماضية لجولات سياسية ومحاضرات طلابية.. من يقرأ ما يقول يظنه كبير معارضي المفاوضين وليس كبير المفاوضين..سبحانه!
كارثة إنسانية في غزة!
حلمي الأسمر/الدستور الأردنية
مصر ترى في حماس عدوا، غزة على شفا كارثة انسانية، هذا ليس كلامي، ولا كلام أي مسؤول عربي، بل هو لمن يسمى «منسق أعمال حكومة الاحتلال في المناطق» الفلسطينية المحتلة، اللواء ايتان دانغوت، الذي أجرى سلسلة من اللقاءات الأسبوع الماضي في بروكسل مع كبار المسؤولين في الاتحاد الاوروبي وسفراء 28 دولة من دول الاتحاد المقيمين في بروكسل!
دانغوت، الذي وصل الى بروكسل لبحث مسألة النقص الخطير في الوقود وأزمة انتاج الكهرباء في القطاع التي تمس كما يقول «بتوريد الطاقة لعموم السكان وتؤثر سواء على المنازل الخاصة أم على المباني العامة كالمستشفيات»، كما ورد في البرقية التي أرسلها لحكومته، لا نريد هنا أن نتساءل عن سر اهتمام دانغوت بغزة وكارثتها الإنسانية، فالأمر متعلق بـ «أمن» إسرائيل، فاستقرار غزة جزء من هذا الأمن، ولكننا نتساءل عن سر إغلاق كل الاذان والأفواه والعيون العربية عما يحدث لبناء جلدتهم، حتى أننا بالكاد نسمع كلمة ما عن أهوال وأحوال غزة، في ظل هذا الحصار العربي، حتى ان دولة الاحتلال باتت تخشى عواقبه، فبدأت باتخاذ سلسلة خطوات تخفيفية كي لا تنفجر المأساة في وجهه!
ويروى دانغوت عن انقطاع الكهرباء في غزة الذي يستمر 16 ساعة في اليوم بالمتوسط، كيف تؤثر على المجاري التي تتدفق في الشوارع لأن محطات النهل لا تعمل بشكل منتظم بسبب النقص في الكهرباء وعن النقص في مياه الشرب بسبب توقف عمل المناهل. للنقص في الوقود آثارا جسيمة حتى على عمل شاحنات جمع القمامة التي تتراكم في الشوارع. دانغوت يعزو أزمة الطاقة الخطيرة في القطاع الى ما سماها «المواجهة» بين مصر وحماس، والتي في إطارها تدير القاهرة صراعا بلا هوادة ضد أنفاق التهريب. وقضى دانغون بالقطع بان «مصر ترى في حماس عدوا». والكلام بالكامل له!
هذا الوضع الماساوي في غزة حرك سلطات الاحتلال، ولم يحرك قلوب الأشقاء، وفي هذا الصدد، يقول دانغوت أنه ابلغ المسؤولين في بروكسل بأن مكتبه «يعمل مع السلطة الفلسطينية على حل المشكلة». بل إنه بدأ جهدا يتعلق بقرار وزير الحرب موشيه بوغي يعلون بوقف ادخال مواد البناء الى القطاع في أعقاب اكتشاف النفق الكبير قبل نحو شهر. وبلغ المر أن مكتب دانغوت «حذر» من الاثار الجسيمة للقرار ولا سيما على العمالة في القطاع لأن ثمة في القطاع قرابة 70 ألف نسمة في صناعة البناء ومعظم شركات البناء علقت في أزمة خطيرة في أعقاب قرار يعلون. بل أوصى دانغوت يعلون بإقرار تقنين لنقل مواد البناء عبر الاسرة الدولية، واتصل الامين العام للامم المتحدة بيعلون وطلب منه ادخال مواد بناء لمشاريع وكالة الغوث. وقال يعلون انه سيفكر بذلك، ولكنه اشترط موافقته بمطلبين. الاول ان يخرج الامين العام بان بتصريح ضد الأنفاق، وهو التصريح الذي نشره بالفعل في نهاية الاسبوع. اما المطلب الثاني فكان أن يتفق دانغوت مع مبعوث الامم المتحدة الى الشرق الاوسط روبرت تسيري على آلية خاصة تضمن الا تصل مواد البناء الى حماس أو الى الفصائل الفلسطينية في غزة لغرض بناء الانفاق. وبالفعل، تنقل الصحافة العبرية عما تقول انه مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية قوله بانه من المتوقع في الايام القريبة القادمة تغيير في سياسية اسرائيل بالنسبة لادخال مواد البناء الى القطاع!
هذه قصة غزة وكارثتها الإنسانية التي حركت عدوتها الأولى «إسرائيل» ولم تحرك ولو شعرة في الجسم العربي، ولو من باب التضامن اللفظي، الذي يفيض عادة مساعدات عربية تنهال على الدول التي تصاب بكوارث طبيعية، فما بالك بكارثة تسببها أكبر دولة عربية، تقول عن نفسها بأنها قلب العروبة النابض؟
كيري في الأراضي المحتلة اليوم: تحذيرات من كارثة متراكمة في غزة
حلمي موسى/السفير
يصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري اليوم إلى الأراضي الفلسطينية في ظل توتر في العلاقات الإسرائيلية ــ الأميركية بسبب اتفاق جنيف النووي مع إيران. وبرغم أن هذه المسألة ستكون في صلب المحادثات بين كيري ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إلا أن قضية المفاوضات المتعثرة مع الفلسطينيين ستحتل مكاناً مميزاً. وبين هذا وذاك، ومن دون صراخ تقريباً، سيبحث الطرفان الكارثة الإنسانية التي تتراكم فصولها في قطاع غزة جراء استمرار الحصار وتعنت السلطتين الفلسطينيتين في رام والله وغزة إزاء توفير حل مقبول.
وفي هذا السياق، ووفق صحيفة «معاريف»، حذر منسق الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة الجنرال إيتان دانغوت، في سلسلة لقاءات أجراها الأسبوع الماضي مع مسؤولين أوروبيين، من «كارثة إنسانية في قطاع غزة». وشرح الجنرال الإسرائيلي، الذي وصل بروكسل للقاء مسؤولي الاتحاد الأوروبي، أزمة نقص الوقود في القطاع التي أضرت «بإمدادات الطاقة لعموم السكان بما يؤثر على البيوت الخاصة والمنشآت العامة كالمستشفيات».
وقال دانغوت إن الكهرباء تقطع في غزة بالمتوسط أكثر من 16 ساعة يومياً، وإن المجاري تتدفق في الشوارع لأن محطات الضخ لا تعمل بانتظام لقلة الكهرباء، فضلاً عن النقص في مياه الشفة بسبب توقف المضخات. وتحدث أن لنقص الوقود عواقب خطيرة على حركة شاحنات جمع القمامة التي تتراكم في الطرق. وعزا دانغوت أزمة الطاقة الخطيرة في القطاع للأزمة القائمة بين مصر وحركة حماس، حيث تدير مصر حملة قاسية ضد أنفاق التهريب. ولخص دانغوت العلاقة بينهما بالقول إن «مصر ترى في حماس عدواً».
وأشار دانغوت إلى أن «حماس تمتنع عن التصعيد لأنها تعلم أنها لا تحظى بدعم مصر»، مشدداً على أنه يبذل مع السلطة الفلسطينية في رام الله جهوداً لحل أزمة الطاقة في غزة. وأضاف أن جانباً من المشكلة يتمثل في أن حماس «غير معنية بقبول إمرة السلطة» في رام الله، في حين أن هذه السلطة، التي تشتري الوقود من إسرائيل وتنقله إلى غزة، ترفض مواصلة فعل ذلك لأن حماس ترفض دفع ثمنه.
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أشارت إلى أن وزير الدفاع الجنرال موشي يعلون، الذي كان قد أمر بوقف وصول مواد البناء إلى قطاع غزة بعد اكتشاف نفق خان يونس، وافق على إعادة جزئية لتزويد القطاع بهذه المواد. ويقضي القرار الجديد بالسماح بإدخال المواد لمشاريع محددة تموّلها الأمم المتحدة أو جهات دولية وإقليمية وبقصد التحكم لمنع وصول هذه المواد إلى أيدي حماس لاستخدامها في إنشاء الأنفاق أو المتاريس العسكرية. يذكر أن وقف دخول مواد البناء إلى القطاع أسهم أكثر من أي شيء في شل الحياة الاقتصادية في القطاع لأنه يعمل في هذا المجال مباشرة ما لا يقل عن 70 ألف عامل.
وبرغم أن إسرائيل، ظاهرياً، اشترطت السماح بإدخال مواد البناء بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تنديده بأنفاق المتفجرات وإيجاد آلية لعدم وصول مواد البناء إلى حماس، إلا أن موافقتها على ذلك له أسباب أخرى. ومعروف أنه منذ بدأت الحملة المصرية على الأنفاق قبل بضعة شهور، ومع اشتدادها سعت إسرائيل إلى تخفيف بعض القيود عن القطاع. وبين التسهيلات التي سمحت بها خلال هذه الفترة إدخال مواد بناء بكثافة إلى القطاع عبر كرم أبو سالم للمرة الأولى منذ فرض الحصار قبل ست سنوات. وقد استغلت إسرائيل اكتشاف نفق خان يونس الذي امتد على طول 1.7 كيلومتر منها 200 متر تحت السياج الحدودي لتعلن وقف إمداد القطاع بهذه المواد.
وكان المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل قد شرح الوضع في التعامل مع القطاع بالصورة التالية «يبدو أن استعداد وزير الدفاع لأن يزن من جديد التسهيلات يتعلق ايضاً بزيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري لإسرائيل هذا الاسبوع. ويخشون في إسرائيل أيضاً من أن إساءة الوضع الاقتصادي في غزة ستجعل من الصعب على حماس الاستمرار في ضبط الفصائل التي هي أصغر وفرض وقف إطلاق النار مع الجيش الاسرائيلي».
ونقل هارئيل عن مصادر أمنية «انه لن يكون هناك تغيير في سياسة اسرائيل العامة في شأن القطاع، بل إن يعلون لن يسمح بإدخال مواد بناء الى السوق الخاصة في القطاع يتجاوز مساعدة مشاريع المنظمات الدولية خشية أن يساعد ذلك على حفر أنفاق هجومية اخرى على يد حماس». وأوضح أنه «يُضاف الى النقص الشديد من مواد البناء استمرار أزمة الكهرباء الشديدة في القطاع نتيجة وقف تهريب الوقود من مصر».
وأضاف هارئيل أن «قطر اقترحت في الآونة الأخيرة نقل كميات كبيرة من الوقود منها مخزنة اليوم في مخازن في مصر، الى سلطة حماس في غزة. والسلطة الفلسطينية خاصة هي التي تراكم الصعاب في وجه ذلك، وهي التي يحق لها بحسب اتفاقات باريس مع اسرائيل أن تجبي ضريبة قيمة مضافة على إدخال سلع الى المناطق. وقد أعربت اسرائيل عن استعداد لإدخال الوقود الى القطاع عبر أراضيها بعد إيصاله إلى ميناء أسدود، لكن هذا الاقتراح يلقي مصاعب الآن. وتُجرى في الأيام الأخيرة اتصالات محمومة بين قطر وحكومة حماس والسلطة الفلسطينية في محاولة لحل المشكلة والتغلب على أزمة الوقود في القطاع».
ومن الواضح أن إسرائيل تحاول أن تشرح للأوروبيين والأميركيين أنها ليست السبب في كارثة غزة الإنسانية وتلقي بها على عاتق كل من السلطتين الفلسطينيتين في رام الله وغزة، وأيضاً على المصريين. ولكن إلى جانب ذلك تحاول إظهار أنها تبذل الجهود لمساعدة القطاع قدر الإمكان خشية انفجار الوضع الأمني وتجنباً لفقدان حركة حماس السيطرة.
وقد نشرت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي محادثة مع قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي العميد ميكي أدلشتاين أشار فيها إلى تعاون ضمني مع حماس بوساطة مصرية لتأمين الحدود. وقال «لدينا اليوم مسافة مئة متر نعمل فيها داخل القطاع. في البداية طلبوا ألا ندخل حتى ولا متراً واحداً. نقلنا لهم رسالة ان هذا لمصلحتهم ويلغي حاجتهم الى العمل ضد الفلسطينيين الذين يصلون الى الجدار للقيام بأعمال إخلال بالنظام. فقبلوا ذلك. نحن نعمل داخل المئة متر هذه من ناحيتنا لمنع العبوات وكل أنواع الأمور على الجدار. ونعمل هناك دون دبابات، فقط مع جرافات تقوم بالفحص، تخرج العبوات بين الحين والآخر. نشاط هادئ. ونبلغ حماس قبل الأوان بأننا سنكون في هذه المنطقة وتلك، وهي تسحب رجالها في الطرف الآخر حفاظاً على الهدوء. هكذا يبدو النشاط».
وفي سياق زيارة كيري إلى الأراضي المحتلة التي من المفترض أن تشمل مدينتي القدس ورام الله، يتوجه وزير الخارجية الاسرائيلي افيغدور ليبرمان الى الولايات المتحدة في نهاية الاسبوع. وقال نائب وزير الخارجية زئيف لإذاعة الجيش الاسرائيلي «ليبرمان سيذهب الى واشنطن لعقد لقاءات خاصة مع جون كيري في نهاية الأسبوع» من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل. وأوضحت الإذاعة أن ليبرمان سيلتقي هناك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وسيشارك في المنتدى السنوي للسياسة في الشرق الاوسط الذي يعقده رجل الأعمال الاسرائيلي ــ الأميركي حاييم سابان.
أميركا.. عودة عن الخطأ!
صالح القلاب/الرأي الأردنية
هناك تحول واضح ومتصاعد في موقف الولايات المتحدة تجاه النظام الحالي في مصر بدأ في التصريحات التي كان أطلقها وزير الخارجية جون كيري قبل فترة وأتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بأنها «سرقت» الثورة المصرية وهذا ما كانت أميركا ترفضه في البدايات عندما كانت تراهن إنطلاقاً من إعتقادها بأن هذه «الجماعة» هي التنظيم المصري الذي يمكن المراهنة عليه لتجنيب البلاد خطر الفوضى وتجنيبها خطر تنامي البؤر الإرهابية.
الآن هناك معلومات مؤكدة بأن الولايات المتحدة قد حسمت أمرها وأنها غيرت مراهناتها هذه الآنفة الذكر وغدت مقتنعة بأنه لولا حركة القوات المسلحة التي جاءت سريعة وحاسمة لتلبية رغبات أغلبية الشعب المصري الكاسحة لكانت مصر تغرق الآن في الفوضى ولكانت تحولت كلها إلى ساحة للإرهاب الذي ثبت أنه متجذر في سيناء وأنه عزز تجذره في هذه المنطقة الحساسة التي تتحكم بقناة السويس والمتاخمة لقطاع غزة والمطلة على ميناء العقبة وأيضاً على المملكة العربية السعودية خلال حكم «الإخوان» القصير العمر وهذا أدى إلى الإفراج عن المساعدات الأميركية المتوقفة وأصبح من المتوقع إستئنافها كالعادة إلى مصر سواءً العسكرية منها أو المدنية.
لقد كانت هناك «كبْوة» وقعت فيها إدارة الرئيس باراك أوباما، كادت تؤدي إلى فقدان الشرق الأوسط كله كمنطقة مصالح حيوية وإستراتيجية أميركية، عندما قَصَرتْ رهانها على الإخوان المسلمين، الذين كانت قد راهنت عليهم في أفغانستان وكانت النتائج بالمحصلة هذه التي نراها الآن، وعندما أدارت ظهرها وإنْ على نحوٍ موارب لمصر وللمملكة العربية السعودية ودخلت في عملية مساومات بائسة مع روسيا الإتحادية التي ثبت أنها مع بدايات إنفجار الأزمة السورية باتت تتصرف بعقلية الحرب الباردة وأخذت تحاول وهي لا تزال تحاول إستغلال ضعف هذه الإدارة الأميركية لتغيير المعادلات في هذه المنطقة ولتستعيد مكانة الإتحاد السوفياتي عندما كان في ذروة قوته وتألقه.
كان خطأ قاتلاً بالفعل أنْ تحاول الولايات المتحدة التلاعب بمعادلات القوى في الشرق الأوسط وأن يصبح رهانها على حصان خاسر هو الإخوان المسلمين وعلى إمكانية مستحيلة فعلاً هي استعادة إيران بعد أربعة وثلاثين عاماً من ثورتها الخمينية التي أطاحت أحد أهم حلفائها في هذه المنطقة التي ستبقى إستراتيجية وحيوية وهامة وهو الشاهنشاه محمد رضا بهلوي وكانت النتيجة أنها كادت أن تخسر أصدقاءها قبل أنْ تحقق أي نجاح فعلي في كسب أعدائها!
إنه غباء أو بَلَهٌ سياسيٌّ قاتل أن يعتقد الأميركيون أنَّ تحقيقهم الإكتفاء الذاتي من البترول والطاقة في العام 2014، كما يقال، سيجعل منطقة الشرق الأوسط بالنسبة إليهم ثانوية ولهذا فإنه عليهم «تخفيف» تواجدهم فيها فالعالم كله أصبح بمثابة قرية صغيرة وهذه المنطقة ستبقى منطقة مصالح حيوية لأي دولة كبرى تسعى لضمان قيادتها للعالم سنوات طويلة ولذلك، وبما أن أيُّ تراجعٍ للولايات المتحدة سيوجد فراغاً ستبادر روسيا ومعها الصين إلى مَلْئه على الفور، فإن أميركا ستجد نفسها تذوب مع الوقت كما ذابت الإمبراطورية البريطانية في العصر الحديث وكما ذابت الإمبراطورية الرومانية في العصور القديمة.
إنَّ المسألة ليست مسألة غازٍ ونفط فقط إذْ أن أي دولة تنتدب نفسها لتكون الرقم الرئيسي في المعادلة الدولية لابد من أن تحافظ على وجود فاعل ومؤثر في هذه المنطقة من الشرق الأوسط وهنا فإنَّ ما يعرفه الأميركيون أنَّ أياً كان لا يستطيع أن يحقق وجوداً مؤثراً في هذه المنطقة بدون علاقات متينة وقوية أولاً مع مصر وثانياً مع المملكة العربية السعودية وثالثاً مع دولة متماسكة ومستقرة وقوية لها هذا الموقع الجغرافي الإستراتيجي هي المملكة الأردنية الهاشمية.
غولان ـ أردوغان.. هل سقطت جرة العلاقات؟
سمير صالحة/الشرق الأوسط
عنبر جريدة «طرف» الليبرالية، وأحد أهم كتابها محمد برانسو، لا يفرغ من الوثائق والمستندات السرية المسربة القادرة على تفجير أزمات وإسقاط تحالفات، وبناء جبهات أخرى بين الأحزاب والشخصيات السياسية والعسكرية في تركيا.
الجريدة التي كانت السباقة في الحصول على مئات الأوراق الرسمية السرية التي قادت إلى الكشف عن منظمات «المطرقة» و«ار غنيكون» ومحاكمة العشرات من الرموز العسكرية، التي كانت تعد لانقلابات ضد حكومة العدالة والتنمية وسجنها، حصلت هذه المرة على ما يساهم في إشعال فتيل بارود العلاقات المتدهورة بين حكومة رجب طيب أردوغان والمفكر فتح الله غولان «الخوجا أفندي»، الأب الروحي لجماعة النورسية، بسبب مسألة مراكز تدريس الطلاب الخاصة التي توفر للجماعة الاتصال بعشرات الآلاف من الشباب الأتراك، وتشكل مصدرا ماليا مهما لتحقيق مشاريعها التجارية والتربوية.
«طرف» قدمت وثائق تقول إن حكومة أردوغان تعاونت في عام 2004 مع المؤسسة العسكرية ووقعت توصيات مجلس الأمن القومي الداعية لتصفية حركة غولان تحت شعار الحرب على الجماعات الدينية والذود عن العلمانية في تركيا. وقيادات العدالة قبلت هذا الكلام، لكنها دافعت عن نفسها بالقول إنها لم تنفذ يوما هذه التوصيات، بل على العكس هي التي فتحت الأبواب أمام توفير المناخ السياسي والاجتماعي للحركة لتنشط وتنطلق داخل تركيا وخارجها، وهي التي ساهمت في الإطاحة بمشروع محاكمة غولان وسجنه مطلب العلمانيين والأتاتوركيين المتشددين في تركيا.
غولان يقود حركة النور التي تعرف نفسها بكونها حركة إسلامية فكرية خدماتية وتصر على ابتعادها عن السياسة، لكنها دائما في قلب التوازنات مما يدفع البعض لوصفها بأنها ثالث أقوى مر كز قرار في البلاد بعد العدالة والتنمية والمؤسسة العسكرية. الجماعة هي اليوم وبسبب التوتر القائم مع أردوغان أمام امتحانها العلني الأول لاختبار وإثبات قدراتها الشعبية في التأثير على نجاح أو تراجع العدالة والتنمية، في الانتخابات المحلية المرتقبة في مارس (آذار) المقبل، إذا لم يحقق لها ما تريد تراجعه عن مشروع إعادة تنظيم مؤسساتها التعليمية الخاصة التي تقدر بالمئات.
غولان الذي أمضى 14 عاما في المهجر القسري، في الولايات المتحدة الأميركية، غاضب هذه المرة، ويبدو أنها ستتحول إلى معركة «كسر عظام» وبناء خارطة تحالفات حزبية وسياسية جديدة في تركيا تقطع الطريق، ليس فقط على حلم أردوغان بالوصول إلى قصر الرئاسة بعد عامين، بل ستقود إلى تراجع أصوات حزبه في الانتخابات المحلية والبرلمانية التي تنتظرها تركيا في العامين المقبلين. احتمالات رددناها أكثر من مرة وعادت إلى الظهور مجددا حول أن فرص احتفاظ العدالة والتنمية بالسلطة في الحقبة المقبلة باتت أكثر صعوبة، وأن عدد المنافسين يتزايد أمام التكتلات والتحالفات والتركيبات المطروحة في السر والعلن، وأن استهداف تحالفه المزمن مع حركة غولان أو تفتيت الحزب وشرذمته بدائل وخيارات مطروحة ومحتملة هي الأخرى، وأن تركيا معرضة للعودة إلى لعبة التحالفات الحزبية والحكومية التي عانت منها لسنوات.
لا أحد في الجانبين يصغي إلى أصوات قليلة تدعو للتهدئة وتحكيم العقل وتحذر من التفريط بكل الجهود التي بذلت خلال أكثر من عقد، ومن أن التباعد في الآراء والمواقف يكاد ينتقل إلى قواعدهما الشعبية مما سيطيح بكل ما جرى تشييده اجتماعيا ودستوريا وسياسيا حتى اليوم.
في العلن أسباب التباعد يتقدمها طريقة تعامل أردوغان وحكومته مع أزمة أسطول الحرية قبل ثلاثة أعوام واستهداف رئيس المخابرات التركية هاقان فيدان، وطريقة إدارة الموضوع الكردي في تركيا، ووصول مسألة الإعداد لدستور جديد إلى طريق مسدود ومحاكمات المتهمين بالانقلابات العسكرية واستراتيجيات العدالة والتنمية في التعامل مع ملفات الموضوعين السوري والمصري. لكنه في السر يرى البعض أن غولان تنبه إلى التراجع الدائم للعدالة والتنمية وحجم الأزمات التي يواجهها، من هنا هو يريد استباق الأحداث والمفاجآت من خلال فض الشراكة مع حزب أردوغان.
آخرون يرون أن سبب التباعد هو انزعاج العدالة من توسع انتشار رقعة نفوذ الحركة إلى درجة باتت تهدد موقعه ومكانته. الشراكة كان لا بد أن تنتهي لأن ما جمعهما حتى الآن لم يعد قائما، ولم يعد هذا التقارب والاتفاق مفروضا عليهما كما كانت الحالة قبل عقد مثلا، عندما قادا عبر متراس مشترك المواجهة مع العلمانيين المتشددين وصقور الأتاتوركية في الجيش والقضاء والتعليم العالي. الحركة تعرف تماما أن قرار الابتعاد عن العدالة والتنمية سيعرض الكثير من مشاريعها وإنجازاتها للتراجع، لكنها لم تتردد في إصدار قرار قطع علاقتها بأردوغان وحزبه عندما تعارضت المصالح والمواقف والسياسات، وهي فعلت ذلك أكثر من مرة في تاريخ علاقاتها السياسية من خلال دعمها لأحزاب وشخصيات متنوعة الميول والاتجاهات.
أردوغان وأعوانه أصدروا كما يبدو هم أيضا قرارهم النهائي في مغامرة الإمساك بخيوط اللعبة في تركيا، حتى ولو كان الثمن التخلي عن حركة غولان، فهل سينجح في تأمين البديل الذي يعوضه فقدان هذا الشريك الاستراتيجي المهم؟
البعض بدأ منذ الآن يقول إن البديل جاهز منذ أشهر، وهو التحالف مع حزب السلام والديمقراطية الكردي في جنوب شرقي تركيا، لكن العدالة والتنمية يرفض هذه المزاعم ويقول إن القواعد الشعبية ستكون وحدها الحكم وصاحبة القرار النهائي في حسم المسألة.
يبدو أن أردوغان لن يتراجع أو يتنازل أو يتخلى هذه المرة عن عناده في موضوع مراكز التدريس، ولن يلوح بغصن الزيتون، حتى ولو كان الثمن الابتعاد عن طاولة الحوار ومناقشة الفرص والخيارات القادرة على قطع الطريق على أي مواجهة أو صدام بين القوتين التي شربت لسنوات طويلة من نبع واحد، فلمن ستكون الغلبة؟
الأزمة السورية.. لا بديل عن الحلّ السياسي
غادا فؤاد السمّان/القدس العربي
بعد ثلاثة أعوام من الخوض في مستنقع الدمّ السوري، وبعد تورّط جميع الأطراف التي تشغل ساحة القتال المتنامي بين الجيش النظامي وفصائل عديدة متناحرة على الأرض السورية، التي تتمثّل في جبهات مختلفة ومتنوّعة أصيلة ودخيلة على المجتمع السوري، تحمل أسماء وعناوين ما أنزل الله بها من سلطان، لم تترك معظمها خرماً، يمتّ بصلةٍ إلى الإسلام إلا وأعلنت انتماءها إليه، والمُستغرب عند بعض هذه الفصائل التي تدّعي الإسلام ما ترتكبه من بشاعاتٍ باسمه، كالنحر بالتكبير على الطريقة الإسلامية المعتمدة للأضاحي، من نعاج وأبقار وأغنام وجِمال وغيرها. أمّا التكبير على عنق إنسان فهو قمّة الكفر والتجاوز والخسّة، مهما كان يمثّل هذا الإنسان من معتقد أو انتماء، وهنا لا بدّ من مساءلة المعارضة السورية المتمثلة في مجلس الائتلاف، هل تأتمر هذه الفصائل بإمرتها فعلاً، وهل تلتزم سياستها بحنكةٍ وحكمةٍ وموضوعية؟ وما القاسم المُشترك بين الفصائل ‘الإسلاموية ‘ وجورج صبرا وميشيل كيلو وبرهان غليون وعبد الباسط سيدا وسهير أتاسي مثلاً؟ وأيّ دور لعبته المعارضة الخارجية منذ ذلك الحين وحتى اليوم من أجل الشعب السوري؟ هذه المعارضة التي تدّعي شرعيّتها الدولية، غير التكريس الإعلامي لظهوراتها المتكررة على الشاشات والفضائيات التي تتعاقب فيها بالتناوب بين الرؤوس والأذناب للمشيئة الدولية، وهي لا تملك غير عدّادٍ للضحايا والمشردين والمعتقلين والمعاقين واللاجئين، الذين يندى لأوضاعهم الإنسانية والاجتماعية الجبين، ولا يحقّ لأحد أن يُحاسب دولة كلبنان مثلاً، استطاعت أن تؤوي ما تؤوي من اللاجئين السوريين، على الرغم من ضيق أراضيها وضيق أوضاعها الاقتصادية أصلاً، التي انعكست سلباً على البيئة اللبنانية بحكم الاختلاف البيئي أولاً، وبحكم التداخل الديموغرافي الذي بدأ يتشتّت بفعل ضغط اللجوء السوري المُتكرر والمتغلغل في ما بينها، والذي بلغ تعداده ما يقارب النصف أو أ[كثر للتعداد السكاني اللبناني أساساً.
ولا يخفى على أحد أن لبنان يكاد يكون البلد المضيف الوحيد الذي شرّع أبوابه وأراضيه من دون قيد أو شرط لإقامة السوريين، الأمر الذي جعل من المواطن السوري منافساً في العمل، وظلاً ثقيلاً في الإقامة، ناهيك عن مظاهر التسوّل التي فرضتها الأحوال المتدهورة للاجئ السوري، ولطالما ارتفعت الصرخة في وجه المفوضية العليا للأمم المتّحدة، وارتفعت مثيلاتها في وجه المعارضة السورية التي تتقاضى المبالغ تلو المبالغ لتزداد ثراء، جرّاء إطالة أمد الأزمة السورية، في حين المواطن السوري يزداد ذلاً وتعتيراً ألزمه الاعتراف مؤخّراً بالتوّرط والندم لترك بيته وأرضه وبلده وامتطاء الموجة التي قادته إلى الخراب والتشرّد والويلات. وهنا لم نجد في المعارضة السورية الخارجية أيّة بادرة لتفسير ما يحصل من تدهور للأوضاع السورية، تماماً كما لم نلمس لديها خطّة فعلية لإزاحة النظام، غير توريط الشعب السوري بالصراع المسلّح الذي لم ولن يحسم المعركة لصالح أحد، بل هي مجرّد عملية استنزاف للجيش الوطني وتخريب مؤسسات الدولة وهتك اللحمة الشعبية الوطنية، وتدمير البنية التحتية والبنية الاقتصادية للقطر السوري، فهل حقاً المتضرر هو النظام السوري أو الحكومة السورية، التي لا تزال تتمتع بقيادةٍ كاملةٍ للأموال السورية ومفاصلها الاقتصادية. كما تفتقر المعارضة السورية حتى اليوم إلى مشروع حقيقي يؤهّلها وطنياً لتتبّوأ مكانة سياسيّة ترجح كفّتها لمصلحة الشعب السوري، فمن السخرية أن تبدأ مثلاً بمشروع تحرير المرأة السورية، فمن بوسعه أن يشكك في حريّة المرأة السورية في اتّخاذ مواقفها وقراراتها، وهي بكامل الأهلية والاستقلالية والتمرّد إن لزم الأمر، والمرأة السورية حرّة منذ الثلاثينيات والأربعينيات، عندما كانت تواكب الرجل سياسياً ونضالياً لدحر الاحتلال العثماني أولاً، والفرنسي الذي تلاه، ولهذا الجانب شرح يطول لا يتّسع له المقام، حتى إن تشدّقت به المعارضة بمناسبة أو غير مناسبة، فالمرأة السورية واللبنانية حصرياً تتقدّم بمكانتها جميع نساء المنطقة العربية، وثمّة مفاتحة ومصارحة لا بدّ منها أمام الذات أولاً وأمام القارئ العربي في كلّ مكان، وأنا في هذا الصدد شأني شأن الجميع الذين وقفوا على الأحداث ومفارقاتها ومبالغاتها الضارية، تِبعاً لمزاجية البثّ الإعلامي المرتهن لأنظمة مغرضة بحق الاستقرار السوري والسيادة السورية والاستقلالية السورية أيضاً، حين بدأت القيامة العربيّة تابعناها بشغفٍ وتماه وأيّدنا جميعاً شهوة النهوض للشعب السوري على أمل أن تحرّكه العقول النيّرة لا العجول المُستطيرة، وكنّا مع مطالب الشعب بالإصلاح ورفعنا اللافتات أمام مرايانا مع من رفعوها في الميدان، وتوسّمنا خيراً في تجاوب الدولة لحركات الإصلاح وتعديل الدستور، وزيادة الرواتب وإتاحة فرص العمل وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتغيير الحكومة وتبديل مجلس الشعب، وكانت عجلة التغيير تتسارع لاستدراك المشاكل المستعصية، وبدأت عملية مكافحة الفساد المستشرية في مفاصل الدولة ودوائرها ومؤسساتها التي يشتكي منها المسؤول قبل المواطن، إلا أنّ الشعب الذي خاض تجربة المظاهرات السيّارة للمرة الأولى في سوريا، ونجح في تكريسها وتلمّس تجاوب القيادة على أثرها، استبدّ بمحركيه الغرور وبدا كأنّهم على تسابق مع حركة الإصلاح فما إن تُنجز الدولة مطلباً حتى تُشرع المعارضة في تمرير آخر، إلى أن ضربتها النشوة صفعة واحدة وألهمتها شعار الإسقاط وبدأت بموال التنحّي غير مدركة أبعاد هذه القفزات البهلوانية لدولة ضاربة في الأعماق لأكثر من أربعة عقود متتالية محكمة ومحكومة بتراتبيّات عقائدية ونظامية وأسس متينة ومتغلغلة في صميم التركيب والترتيب للمجتمع السوري، ربّما حرمت الشعب السوري الكثير من حقوقه في الرخاء والرفاهية، وربّما أثقلت عليه بالكثير من الواجبات والالتزامات والمحاذير والمخاوف، إلا أنها والحقّ يُقال منحته أهمّ سُبل العيش الهانئ حين تمتّع بكامل الأمن والأمان الذي تفتقد إليه أكثر المجتمعات الأمريكية تطوّراً، ولعلّ افتقاد الأمن في سوريا هو الضربة القاضية التي أطاحت بجميع الطموحات وقضت على مفهوم الحرية، هذا الشعار الأجوف الذي رفعته المعارضة في وجه النظام، ولم تنجح بأدواتها المحلية أو المُستوردة في تكريس شيء على أرض الواقع سوى الفوضى العمياء والغوغائية المُطلقة والدمار المريع، وأظنّ القارئ هنا بغنى عن التفصيل، فكل لاجئ هو وزارة إعلام متنقّلة قادرة على تصوير الحدث وتجسيد المأساة وتلخيص المشهد، ولا أخفي أنني كنت ممن يتهكّمون لدرجة السخرية على الإعلام السوري الذي يتحدّث مراراً وتكراراً عن نسبة تأييد الشعب لـ’رئيسه’، وكنت كغيري أسارع للقنوات البديلة لأقف على نسب أدقّ في رفض الشعب السوري لـ’رئيسه ‘، إلى أن اضّطرتني الظروف وبعد 4 سنوات من الغياب عن دمشق العودة إليها، وأشهد أن تلك العودة لم تكن أقلّ من تفكير مبرم بعملية انتحار ذاتية غير قابلة للنقاش، لكثرة ما كنت وغيري نسمع عن الجحيم المفتوح داخل دمشق وحولها، وبين ليلة وضحاها غادرت الأراضي اللبنانية وبدأت المسافة بالعدّ العكسي أقيسها بمنسوب دموعي المنهمرة بغزارة لم يسبق لها مثيل وكأنها حسمت أمرها بنيّة ريّ المسافة الشاسعة الخاوية البور علّها تُثمر شوادر ومخيّمات إيواء تستوقف المتوجهين إلى الأراضي اللبنانية وتستبقيهم هناك داخل أراضيهم بعزّة وكرامة واكتفاء.
وصلتُ دمشق بعد عناء الحواجز العديدة جدّاً التي لم نعهدها من قبل، كان الحديث مع السائق استطلاعي بامتياز طال النسوة اللواتي شاركنني الرحلة إلى دمشق، اجتهدتُ في حيادي وتحيّزي لزحزحة نواياهم بظلم النظام لسوريا عموماً ودمشق وأطرافها خصوصاً، فوجئت بالزوابع البشرية التي تلعن وتشتم وتسبّ الساعة التي عرفوا فيها ما يُسمّى بالجيش الحرّ وبالفصائل الأخرى وترحمّوا على ايام الأمن والأمان واليسر والوفرة بشهوة منقطعة النظير، علماً بأن معظم الموجودين هم ممن قُصِفت بيوتهم وتشرّدوا داخل القطر إلى مناطق مغايرة.
طبيعة الحديث وأولياته غرست في ذهني شهوة التقصّي عن الحقيقة، وهكذا مضيت منذ اللحظة الأولى لم أترك شخصاً أو امرأة أو طفلة خلال إقامة قرابة الشهرين، طبعاً لم يكن معظمها إرضاءً لمزاجي بل نزولاً عند رغبة فرع ‘فلسطين’ بمراجعة ملفي عند كل زيارة للحصول على إذن بالمغادرة، وهذا الإذن يحتاج لوقت حتى يتمّ تحريره من الجهات الرسمية، ولا بدّ من الإشارة هنا الى أنّ المراجعة هي من باب التكدير وليس التقدير، وقد تنبهوا إلى أنني شاعرة مهمّة ولكن من طراز محظور التداول، إذاً الفترة الطويلة التي قضيتها في دمشق كانت كفيلة باستنباط بيئات مختلفة لشرائح اجتماعية متنوّعة ومتفاوتة ومتناقضة أيضاً، لم أترك قاصيا أو دانيا إلا حاورته مطوّلاً، ودمشق لا تعجّ بأهلها إلا القليل منهم، بل تعجّ بأهل المُدن المنكوبة، لم يعد الصمت سيّد الحضور كما في السابق، بل أصبح الجميع يتحدّثون في شأن البلد وفي الراهن المأزوم وفي التحديات السياسية بصوت مرتفع لا يكترث للومة لائم، وأقسم ولستُ أدين بقسمي هذا لأحد، أنني لم أصدف أحداً يرغب بإزاحة النظام سوى خمس نساء فقط صادفتهنّ في أكثر من مناسبة كنّ يتحدّثن بلسان المعارضة بلغة متهوّرة تتوعّد بالأمن والاستقرار وترغب في ما ترغب بالقتل والتدمير، وتعد في ما تعد بتحويل دمشق لإمارة سلفية، كواحدة من إمارات موزعة بالتقسيم على الشمال والشرق والغرب والجنوب السوري، أذهلني هذا الطرح الرديء، ومقتُّ هذا التفكير الساذج، ورفضّت هذا المنطق الأعور الذي لا يكترث بحضارة موغلة بالتاريخ، بل يطمح الى إمارة موغلة في الجهل والتخلّف. لا أنفي أنّ التناقض المريع أصابني بـ’الحول ‘ وضعف التركيز، ولا شعورياً بدأتُ أفتح مسامعي إلى خطاب متحيّز للوطن، لكرامته، لعزّته، لشموخه، لرفعته، لنهضته، لعليائه، لاستقلاله، لاستقراره، لأمنه، لأمانه، لاستعادة ابنائه، لرجوع أهله، وكان اللقاء مع المجتمع الأهلي الذي ينشط للمرّة الأولى في دمشق، متمثلاً في أربعين امرأة وربّما أكثر، من نساء ‘سوريا الخير’ سيدات يتمتّعن بإمكانات جيدة ونوايا وفيرة لتأهيل جميع الكوادر لاستيعاب ما يُمكن استيعابه، بتوزيع المعونات من جيوبهن الخاصّة، إيماناً منهنّ بشرعية المواطنة للجميع، من دون تفريق أو استثناء، وبأحقيّة جميع المتضررين بالاحتفاظ بكرامتهم بعيداً عن التشرّد والعوز، رافضات المساعدات الخارجية المشروطة بالتشهير الإعلامي وإذلال المستفيدين منها، ومعتمدات بالكامل على إمكاناتهن ومجوهراتهن ومدّخراتهن الشخصية وصديقاتهنّ الميسورات، وقد انطلقن بأربع نساء رائدات لهذا التجمّع، واعتذر مسبقاً لضعف الذاكرة في قصقصة الأسماء وهنّ، أم سبأ وجانيت قازان والدكتورة منال والصديقة العزيزة مريم الصفدي، التي أتاحت لي الاطلاع عن كثب لصولاتهن الميدانية الإنسانية الفائقة وجولاتهن التي لم يسبق للمجتمع الأهلي أن عرفها سابقاً، والأمر الذي جعلني أنحني إكباراً لهذا التجمّع النسوي الحقيقي عندما عرضت السيدة الأولى أسماء الأسد تقديم الدعم المادي والمعنوي لهنّ، فما كان منهنّ إلا أن رفضن المساندة حتى لا يُقال انّ هذا التجمّع الأهلي لديه أطماع ومطامح، ككثير من الجمعيات الأهلية المعروفة.. التي تبدأ بالشعار الطوباوي وتستمرّ بجميع الدناءات الممكنة، صعدتُ قاسيون معهنّ حين وقفن دروعاً بشرية ضدّ الضربة الأمريكية، كنت أشاهد منزلي عند التقاء الأضواء البرّاقة في ساحة ‘الجسر الأبيض’ التي لم تفقد أنوارها الساطعة، كما جميع مناطق دمشق، رغم الأزمة الكارثية التي تعتريها، عرفتُ معنى الانتماء وأنا أشاركهنّ التمرّد على الضربة الأمريكية التي أرادها الأوباش الذين فرّوا بأجسادهم الجبانة تاركين الرغبة بالضربة الأمريكية لمدينة تعجّ بالأرواح والأجساد والأطفال والنساء والشيوخ والشباب، بقيت ليلة كاملة هناك أرتعد من البرد ومن حماقة هؤلاء الذين هانت عليهم دمشق وأرادوا لها القصف، ومعظم السكان غير مكترثين للهمجية الدولية صامدين في بيوتهم مع الهيبة والشرعية، بكيتُ خجلاً من دمشق ومن أهلها الصامدين ومن نفسي التي غرر بها الأنذال حين تذرّعوا بوعود مبهمة لم يرتقوا لمعرفتها هم أنفسهم. وفي ضحى اليوم الثاني كان لي موضوعي الذي شقّ أوار الصمت المستبدّ بي، سألتهم عن حال الذين شهدتهم في بيروت حيث وجّهت وجهي على الأرصفة والطرقات والممرات العشبيّة، سألتني أم سبأ بحماسة مماثلة: ما رأيك غادا أن تعملي على إقناع اللاجئين بالعودة إلى دمشق، ونحن هنا بدورنا نعد باستيعابهم وإيوائهم وإكسائهم وإطعامهم والأهم الحفاظ على أحقّيتهم في التعليم. ومن هنا أسأل: هل يملك اللاجئ نيّة العودة، هل تعزّ عليه كرامته وهو على أعتاب المفوضية، هل يعنيه ما يسبّبه من ضيق وضغط وحساسية للمواطن اللبناني، خاصّة بعدما تحوّلت الشوارع العامة إلى منصّات مفتوحة على التسوّل بجميع الأوقات المتاحة وغير المتاحة، هل يعنيه هذا النداء ليس بضرورة العودة إلى بلده الأوْلى ببؤسه، بل بوجوب عودته لمعالجة بؤسه وترميم وطنه بلهفته وتعبه، هل يرتضي أنه مجرّد رقم زائد على لوائح تفريغ الوطن خارج وطنه للحصول على الرقم الصعب لانهيار وطنه بالكامل على يد ثلّة من المُدّعين واللصوص، لصوص الكرامة التي سرقوها منه، ولن يعيدونها له حتى لو تشكّى عليهم في لاهاي شخصيّاً.
بعد هذا الاسترسال الكثيف لا يعني أنني أمنح كامل ثقتي للدولة ومسؤوليها، بل أحتفظ بأحقّيتي بالمطالبة بالإصلاح أولاً وتالياً وأخيراً، وبأحقيّتي بمحاربة الفساد، وبأحقّيتي بمساءلة وإدانة ومحاكمة المجرمين الذين تورطوا بالدم السوري مهما بلغت مكانتهم أو مناصبهم، وبأحقّيتي بالحلم بمواطنيّة حرّة لدولة متطوّرة وحكم عادل منطقي موضوعي شريف قائم على المساواة بين جميع أبناء الوطن، وبأحقّيتي بالسعي للمصالحة الوطنية بعد الحوار السياسي الذي لا بدّ منه ولا بديل عنه.
عيون وآذان (هو القدوة)
جهاد الخازن/الحياة اللندنية
أكتب عن مصر ومخاض الديموقراطية والحرية فيها، غير أن المقال نفسه يمكن أن يحكي مأساة سورية أو العراق أو ليبيا أو غيرها فالحال «من بعضه» وكلنا في الموت، لا مجرد الهم، شرق.
أستيقظ في الصباح وأفتح التلفزيون على محطات الأخبار العربية. كل يوم هناك عشرات القتلى والجرحى في العراق، حتى أن جنازة هوجمت وسقط قتلى وجرحى كثيرون. والخلاف السياسي في سوء الوضع الأمني أو أسوأ. حكومة المالكي لم تعرف كيف تتعامل مع عاصفة مطرية قبل أيام.
في ليبيا خطِفَ رئيس الوزراء علي زيدان في أواسط أيلول (سبتمبر) وأطلِق سراحه بعد 24 ساعة، وخطِفَ نائب رئيس الاستخبارات مصطفى نوح بعده بشهر ثم أفرج عنه. بين خطف وآخر وحتى اليوم هناك معارك يومية وقتلى وجرحى فالمسلحون الذين ثاروا لإنهاء حكم معمر القذافي أصبحوا عصابات مسلحة حتى أن لبعضها قواعد داخل العاصمة طرابلس.
وتبقى سورية المأساة الكبرى، وقد كتبت عنها فأكمل بعد هذه المقدمة بمصر التي تشهد تحريضاً وإرهاباً لا يمكن عزلهما عن الإخوان المسلمين.
هناك عمليات إرهابية شبه يومية في سيناء، وقد أصيبت سفينة شحن في قناة السويس بصاروخ، وهناك قتل من القاهرة إلى الإسكندرية وحتى أعالي الصعيد.
مصر تمر بفترة انتقالية وخلال هذه الفترة أؤيد كل إجراء حكومي يستهدف الإرهابيين وكل مَنْ يقف وراءهم. وقد طالبت في السابق وأطالب اليوم بمصادرة ممتلكات قادة الإخوان وبيعها وتوزيع المال على ضحايا الإرهاب، مثل رجال الأمن والمدنيين.
دحر الإرهاب ضروري للخروج من الحكم الانتقالي إلى الديموقراطية الموعودة.
بعد التصويت بالموافقة على الدستور وبعد إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ينتهي تأييدي الإجراءات الاستثنائية، فالنظام الديموقراطي لا يستحق اسمه إذا لم يعمل ضمن الدستور والقوانين مع قضاء مستقل حرّ.
هذا يعني أن يعامل الإخوان المسلمون كبقية المواطنين، وبما أن لهم شعبية كبيرة باقية رغم سقوط محمد مرسي، فإنني لا أتصور انتخابات ديموقراطية حرة في مصر من دون أن يفوز الإخوان فيها بمقاعد تعكس مدى شعبيتهم. بعد انتخابات 2010 قلت للرئيس حسني مبارك مرتين إن تلك الانتخابات «غير صحيحة» لأن الجماعة لم تفز بمقاعد. وقلت له في مرة ثالثة إن «الانتخابات مزورة»، وكنت أغامر بعلاقتي بالرئيس كمصدر مهم للأخبار لأنني وجدت نتيجة الانتخابات غير معقولة. سأقول الشيء نفسه للحكم القادم إذا لم يفز الإخوان بمقاعد في البرلمان القادم (إذا أراد قارئ أن يقرأ المقالات الثلاث عن انتخابات 2010 فهي موجودة على موقع «الحياة» الإلكتروني أو أرسلها إليه).
رأيي أن الإخوان المسلمين لا يصلحون للحكم لأنهم يقدمون الولاء للجماعة على الولاء للوطن. وإذا كان المصريون ثاروا على حسني مبارك بعد 30 سنة فهم ثاروا بأعداد أكبر كثيراً على محمد مرسي بعد سنة واحدة له في الحكم.
في تلك السنة-الكارثة زادت الأزمة الاقتصادية أضعافاً وزاد معها الفلتان الأمني، وحكمي على تلك السنة هو أن الإخوان ضيعوا حاضر مصر.
اليوم يحاولون أن يضيّعوا مستقبلها بتحريض الطلاب على التظاهر داخل الحرم الجامعي. الجماعة وجدت أن التظاهرات المليونية تحولت إلى تظاهرة «مئوية» أو أقل مع انحسار شعبية الإخوان، فأخذت تحرّض الطلاب أي تغامر بالسواعد التي ستبني مصر المستقبل.
مصر هي القدوة والديموقراطية والحرية وحكم القانون مطلوبة لها، وإذا تحقق هذا فقد تنتشر عدواه في الدول العربية الأخرى.
تجربة إيران مع الإصلاحيين...«الثالثة ثابتة»
عريب الرنتاوي/الدستور
بمَ يختلف حسن روحاني عن سابقيه الإصلاحيين: هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي؟
بالنسبة لبعض كتاب الخليج ومفكريه، لا فوارق ولا اختلاف، “هذه الطينة من تلك العجينة”، وما يجري في إيران ليس سوى عملية “تبادل أدوار” معدة سلفاً، يضبط إيقاعها مايسترو واحد، هو “الوليّ الفقيه”، وأن دول الخليج العربية التي لُدغت من الجحر الإيراني مرتين (رفسنجاني وخاتمي)، يتعيّن عليها أن تحذر اللدغة الثالثة، فـ”فالثالثة ثابتة” كما كنّا نقول صغاراً، ومن على هذه الأرضية، يجري التحذير من مغبة الاستجابة لليد الإيرانية الممدودة على استقامتها منذ التوقيع على “اتفاق النووي”.
هي قراءة مبنية على الهواجس والمخاوف والظنون، “لا تاريخية” بامتياز، تنظر لإيران ككتلة صماء و”معطى ثابت” خارج سياقات الزمان والمكان، وهي إذ تأخذ شكل النصيحة لصناع القرار، إلا أنها في الواقع، رجع صدى لما يدور في كواليس مؤسسات صنع القرار، ومحاولة لإضفاء طابع تحليلي/ تنظيري لقرارات تصدر في لحظة تخبط وانعزال، حتى لا نقول في لحظة يأس وإحباط وكنتيجة لإحساس عميق بـ “الخذلان” .
قد لا يختلف روحاني عن سلفيه الإصلاحيين، رفسنجاني وخاتمي، من حيث التكوين الشخصي والرؤى ومناهج التفكير، والأرجح أن الأخير (خاتمي تحديداً)، كان أكثر انفتاحاً وإصلاحية من روحاني، بما له من خلفيات أكاديمية وثقافية، وبالنظر لتجربته الراقية في مسألة حوار الأديان وتثاقف الحضارات وتلاقحها ... لكن كل رجل من هؤلاء الرجال الثلاثة، هو وليد سياقاته الخاصة، إيرانياً وإقليميا ودولياً، والأرجح أن حدود قدرته على التأثر والتأثير، إنما تخضع لهذه السياقات تحديداً ... وما تغير في إيران واختلف، هو الشرط المحيط برئاسة كل منهم، مما لا يمكن اختزاله بنوايا الأشخاص وهوياتهم.
العقد الأول للجمهورية الإسلامية، كان عقد الاضطراب والقلاقل وحرب السنوات الثماني مع العراق، وبين عامي 1979 و1989، استهلكت إيران ثلاث رؤساء: الأول بالخلع وقبل أن يقضي 16 شهراً من ولايته (أبو الحسن بني صدر)، والثاني قضى بحقيبة مفخخة أودت به وبوزرائه قبل ان يتم شهراً واحداً من ولايته (محمد علي رجائي) والثالث، قاد إيران تحت ظل الإمام الخميني في حرب السنوات الثماني مع العراق (على خامنئي) قبل أن يخلف مؤسس الجمهورية في مواقعه ومناصبه.
ربع القرن الأخير في عمر الثورة الإسلامية في إيران، اتسم باستقرار النظام السياسي، ثلاثة رؤساء تعاقبوا على الجمهورية، قضى كل منهم ولايتين متعاقبتين، اثنان منهما (رفسنجاني وخاتمي) محسوبان على “التيار الإصلاحي” والثالث (نجاد) على “التيار المحافظ”، وصولاً قبل أشهر قلائل لحسن روحاني الذي يدور بشأن توجهاته، جدل ولغط كبيران.
لكن الرئيسين الإصلاحيين جاءا في ظروف غير مواتية، يصعب معها الحكم على صدق السريرة وجدية النوايا ... رفسنجاني تسلم الولاية في مختتم حربين ضروسين: الأولى، مع العراق، وقد خرجت منها إيران مثقلة بالخراب والدمار، وقفت خلالها معظم دول الخليج والعالم العربي، خلف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ... أما الثانية، فكانت الحرب الباردة التي خرج منها الاتحاد السوفييتي ومعسكره مهزومين شر هزيمة، تفكك الاتحاد السوفييتي وانهار المعسكر الاشتراكي، وبلغت روسيا أسفل درك في الاقتصاد كما في السياسة والأدوار العالمية، وتفردت أمريكا بزعامة العالم، ووضعت إيران في صدارة استهدافاتها، كدولة قائدة لـ”محور الشر” ... ولم يكن رفسنجاني ليكمل العام الأول من رئاسته، حتى كانت الأساطيل الأمريكية ترابط قبالة سواحل بلاده، لاسترجاع الكويت وضرب نظام الرئيس العراقي وإدخال العراق في نفق العقوبات الدولية، واعتماد سياسة “الاحتواء المزدوج” لكل من العراق وإيران.
أما خاتمي، فقد شهدت الأسابيع الأولى لولايته الثانية أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب أفغانستان وسقوط بغداد وانتعاش نظرية “الشرق الأوسط الكبير والجديد”، ووجدت إيران نفسها دولة حدودية مع الولايات المتحدة، شرقاً وغرباً، وعلت أصوات المحافظين الجدد التي تبشر بصدام الحضارات وتدعو لمد جسور “الغزو الأمريكي للعراق” لضرب محور بأكمله، يبدأ بطهران ولا ينتهي بدمشق وضاحية بيروت الجنوبية، وقع اغتيال الحريري ودفعت دمشق الثمن باهظاً من كيس وجودها في لبنان ودورها الإقليمي، وخسرت إيران بالتبعية.
لكن الرياح لم تهب كما تشتهي سفن واشنطن ومحافظوها الجدد والقدامى، فعام 2005 بدأ يشهد بداية الانكفاء الأمريكي في العراق وأفغانستان، وتحول الحضور الأمريكي الكثيف في المنطقة، إلى ما يشبه “الفراغ”، وسعت إيران إلى ملء هذا الفراغ، معتمدة على حلف متين مع سوريا وحزب الله وحماس، وبلغ الدور الإيراني ضفاف الصراع العربي الإسرائيلي، من جنوب لبنان إلى جنوب فلسطين، حيث نجح حزب الله في حرب تموز عام 2006، وفازت حماس في انتخابات 2006 في فلسطين، وانتقل العراق إلى ولاية أصدقاء إيران وحلفائها، وظهرت مقولة الهلال الشيعي، كل ذلك قبل أن تهب رياح التغيير في العالم العربي، التي أتت على بعض
صعود نجم إيران في سماء المنطقة وفضاءاتها، تزامن مع تشديد قبضة العقوبات الدولية على طهران التي لم تضمد بعد جراحات حرب السنوات الثماني ... بدا أن ثمة حدودا لما يمكن لإيران أن تحتمله، وبدا أيضاَ وتزامناً، أن القوى الكبرى سئمت لعبة “الحروب الدائمة” في الشرق الأوسط الكبير، بل وأعجز عن الاستمرار بها ... بدت “الروحانية” تعبيراً عن حاجة إيران (لا الإصلاحيين وحدهم) للخروج من عنق زجاجة الحصار، وبدا الاتفاق النووي مع إيران، حاجة غربية لتفادي المزيد من الحروب العبثية المكلفة والخاسرة حكماً ... بدا لأول مرة منذ انتصار الثورة الإيرانية، ان ثمة توافقاً أو بالأحرى تزامناً وتوازياً في الرغبات والإرادات والمصالح، فصار المستحيل ممكناً، والتوافق خياراً، والتفاوض بديلاً توافقياً عن “حروب الوكالة” ... بدا أن للروحانية نصيبا من النجاح لم تتوافر عليه “الرفسنجانية” ولا “الخاتمية” ... المسألة ليست في الأشخاص، بل في السياقات، ولأول مرة يتوافر سياق لخروج إيران من شرنقة الثورة والعزلة إلى فضاءات الدولة والاندماج وإعادة التأهيل ... لأول مرة قد نصدق بأن “الثالثة ثابتة”.