-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 574
اقلام واراء محلي 574
19/12/2013
في هذا الملـــــف:
هل هي رسالة اميركية الى اسرائيل عبر اوروبا ؟!
حديث القدس-ج.القدس
الثلج يعري عيوب البنية التحتية في بلادنا
الدكتور حسن عبدالله-ج.القدس
القضية الفلسطينية: لا «ربيع» ولا من يحزنون
يوسف الحسن-ج.القدس
ماذا لو فشلت العملية التفاوضية ؟!
هاني حبيب-ج.الايام
لماذا يصعب التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل؟
أشرف العجرمي-ج.الايام
خطة كيري: المخاطر والرد السياسي المطلوب
علي جرادات-ج.الايام
ما اصعب ان تكون فلسطينيا (لذكرى القائد الوطني يونس الكتري)
يحيى رباح- الحياة الجديدة
الزهار يكذب مع "الوطن"
عادل عبد الرحمن-الحياة الجديدة
التسامح والكراهية..
د.مازن صافي- وكالة معا
أفكار من وحي انتصارات المقاومة الشعبية
حيدر عيد- وكالة معا
هل ذكرتنا العاصفة الثلجية ...... بالواقع اللئيم؟
الكاتب: د. مصطفى البرغوثي-وكالة معا
هل هي رسالة اميركية الى اسرائيل عبر اوروبا ؟!
حديث القدس-ج.القدس
تتجه اسرائيل في سياساتها التوسعية الاستيطانية وتنكرها لابسط مفاهيم العدالة ومتطلبات السلام، كما يقرها المجتمع الدولي الى مزيد من العزلة والادانة والتحذيرات لهذه السياسات، وفي هذا السياق يجيء تحذير اوروبا من خلال اكبر خمس دول الى اسرائيل صراحة في الاجتماع الذي عقده سفراء كل من بريطانيا وفرنسا وايطاليا والمانيا واسبانيا مع مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية نسيم بن شتريت بناء على طلبهم وبمبادرة منهم، حيث تم ايصال رسالة واضحة الى اسرائيل تحملها مسؤولية فشل المفاوضات مع الفلسطينيين بسبب سياستها الاستيطانية بصورة خاصة.
الملفت للانتباه ان الرسالة الاوروبية هذه جاءت بالتنسيق مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي يعتزم العودة الى المنطقة لمتابعة وساطة بلاده في قضية السلام المنشود، مما يعني ان واشنطن هي التي تقف وراء هذا الموقف الاوروبي وان الرسالة واضحة خاصة وانها تجيء قبيل عودة كيري.
وهذا تطور هام فعلا ولاسيما على ضوء العقبات الكبيرة التي اخذت تعترض قضية المفاوضات واستقالة الوفد الفلسطيني المفاوض ولو جزئيا، وتزايد المعارضة الشعبية الوطنية لاستمرارها والمطالبة بوقفها فورا على ضوء ان اسرائيل لا تبدو معنية بالتوصل الى اي اتفاق.
وان كانت هذه الرسالة الاميركية - الاوروبية قد وصلت قولا الى الحكومة الاسرائيلية فان الاختبار الحقيقي والمحك الفعلي لمدى جديتها هو الفعل لدى زيارة كيري القريبة، اذ لابد من اتخاذ خطوات عملية ضد السياسة الاستيطانية وضد الحكومة التي تنفذها، حتى لا تظل هذه الرسالة مجرد تحرك في سبيل استمرار المفاوضات وتمديد فترتها عدة اشهر اخرى، وقد سمعنا الكثير من كلام الادانات للاستيطان واعتباره غير شرعي ومخالفا للقانون الدولي دون ان تبالي اسرائيل بذلك ودون ترجمة المواقف الى افعال، ولن يطول الوقت حتى تتضح الحقيقة، علما بان المقترحات الاميركية الاخيرة التي تتعلق بما يسمونه امن اسرائيل وتترك الاغوار تحت الاحتلال المباشر، لقيت رفضا فلسطينيا واضحا وكانت منسجمة تماما مع المواقف الاسرائيلية المرفوضة، مما يجعل كثيرين من المراقبين يشكون في جدية المواقف او الرسالة التي نقلها السفراء الاوروبيون.
وفي السياق نفسه فان الاجتماع الطارىء لوزراء الخارجية العرب في ٢١ الجاري يثار على طلب فلسطين، يجب ان يشكل نقطة ضغط قوية تجاه السياسة الاسرائيلية والمواقف الاميركية المتناسقة مع هذه السياسة. ولو اراد العرب او كانت لديهم الرغبة في اتخاذ القرار، رغم ما تواجهه الدول العربية من كوارث وقلاقل داخلية، فهم قادرون ولديهم امكانات هائلة ومصالح في منتهى الاهمية مع الولايات المتحدة واوروبا ان احسنوا او ارادوا الاستفادة منها.
لكن القيادات العربية، كما اعتدنا عليها، لم تقرر حتى الآن اتخاذ اي قرارات فعلية واكتفت بالبيانات والادانة والمناشدة، للاسف الشديد.
الثلج يعري عيوب البنية التحتية في بلادنا
الدكتور حسن عبدالله- ج.القدس
لم نتمتع بالثلج وبساطه ناصع البياض الذي كسا شوارعنا وبيوتنا وسهولنا وجبالنا، ولم نتجرأ على السماح لأولادنا للخروج لكي يحولوا الثلج الى تماثيل والعاب ودمى كما كانوا يفعلون في السنوات الماضية، بسبب البرد الشديد وقسوة العاصفة التي تشبه الى حد كبير تلك العواصف التي كانت تجتاح بلادنا قبل بضعة عقود من الزمن، بل انزوينا في منازلنا، ننتظر عودة التيار الكهربائي الذي طيرته العاصفة الثلجية ما ان ضربت، والانكى من ذلك أن الماء انقطع ولم يصل الصنابير، رغم ان السماء القت بحمولتها من البرَد والمياه. وراح كل منا يستعيد الاحاديث التي صمت اذاننا من قبل ممثلي المؤسسات والمرافق الحيوية عن استعدادت استثنائية للتعامل مع العاصفة والانتصار عليها. فكان ثلج بلا كهرباء أو ماء أو تلفاز، لتذهب استغاثات الناس وتتبدد في العاصفة، وتختفي أصوات اولئك الذين تنافخوا وهددوا بكسر يد الريح وتمريغ أنف الثلج منذ اللحظة الأولى تحت جنازير الجرافات والكاسحات ووسائل الاغاثة المختلفة.
البنية التحتية في بلادنا هزمها الثلج بسرعة خيالية، وباتت ضعيفة لا حول لها ولا قوة على احتمال الأبيض القادم من السماء مزمجرا معربدًا مهددًا، مطيحًا بالأشجار وملقيًا بها في الشوارع ، ومقتلعًا أعمدة الكهرباء والهاتف، لننتقل من خيبات السياسة الى خيبات وانكسارات الثلج.
وانسجاما مع دلالات ومعاني المثل الشعبي القائل " ما حك جلدك غير ظفرك"، فقد خرج الناس بمعاولهم وبعض الجرافات الخاصة للذود عن شوارعهم وطرقاتهم، مستعيدين بذلك همة ونخوة الآباء والأجداد، عندما كانوا يتصدون للثلج ويكافحونه بمعاولهم وسواعدهم. وعلى وقع العاصفة الثلجية راح كل واحد من الكبار يستعيد ذكرياته مع الثلج في غياب الكهرباء متغلبا على اصطكاك الاسنان وارتعاشات الجسد، فقفزت الى ذهني فصول قصة كتبتها في كانون الثاني من العام 1992، وحملت عنوان "عروسان في الثلج"، عندما تغلب أبطال قصتي الذين اعتقلوا في الثلج على برودة الجسد، بالتوحد تحت بطانية واحدة وكأنهم جسد له اربعة قلوب صارت قلبًا واحدًا . سردت القصة لاطفالي وكيف انتصر المعتقلون وبينهم صديقي غسان على ثلج الاعتقال ببطانية رثة دون كهرباء أو مدفأة، فاذا بطفلي اياس ينهض من مكانه ويتناول حرامه ويتدثر جيدا، ويقول لنا بصوت فيه بعض مستردٌ من شجاعة : " تدثروا فيبدو أن انتظار الكهرباء سيطول"... وما هي الا دقائق حتى سمعت انتظام نفسه، فقد غفا قبل ان استكمل الفصول المتبقية من القصة .. قلت لأمه: لقد نام وهو يحلم بالكهرباء كما نامت الطفلة يافا في قصتي وهي تحلم بتمثال من ثلج تصنعه صباحا بمساعدة والدها غسان، لكنها نهضت في الصباح ولم تجد أباها لأنه اعتقل ليلا، وسينهض اياس ليجد ان الكهرباء لم تأت في الصباح.
لكن الثلج وتداعياته لم ينته مجرد نوم وحلم واستفاقة طفل، لأن الارصاد الجوية المحلية والعربية والعالمية تتحدث عن موسم شتوي غير مسبوق هذا العام، بمعنى أن عواصف ثلجية أخرى ستضرب المنطقة، فهل يستخلص المعنيون العبر ويسارعون الى ردم الثغرات وتعزيز الاستعدادات ، ام انهم سيكتفون باقناع أنفسهم أننا نعيش في وضع غير مستقر بسبب الاحتلال واجراءاته، وأن المطلوب من المواطن أن يتحمل وحده وان لا "يتدلع" ، وأن يلتزم فقط بدفع الفواتير دون أن يتذمر، لأن قدره أن يصطلي بنار الأحتلال والبيروقراطية واللامبالاة، وببرودة الثلج أيضًا ، كون هذا المواطن مقطوعا من شجرة، والاشجار قد حطمتها واقتلعتها الرياح، ليصبح مقطوعًا من كل شيء الّا من الثلج!!
القضية الفلسطينية: لا «ربيع» ولا من يحزنون
يوسف الحسن -ج.القدس
عدت مؤخراً من الدوحة، بعد أن شاركت في مؤتمر نظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حول قضية فلسطين، أو "أزمة الشرق الأوسط"، التي لم نعد نسمع بها بعد نشوب وتداعيات "الربيع العربي" .
حسناً ما فعل المركز العربي، حينما أدرك الحاجة إلى بحث القضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الجارفة، إقليمياً ودولياً، بعدما وصلت القضية إلى حالة انسداد وتهميش، وأصبحت رهينة مفاوضات أو ما يسمى "بالعملية السياسية"، لعبة وحيدة في المدينة، أو خياراً نهائياً وحيداً، يجري بأساليب سياسية خاضعة لموازين القوى، ولاستفراد إسرائيلي كاسح، وفي ظل مأزق تفكك عربي غير مسبوق، وغياب مشروع وطني فلسطيني جامع، وتوسع استيطاني إحلالي تهجيري مذهل، ومبادرة سلام عربية، رفضتها إسرائيل وتمسكت بها الأنظمة العربية، بديلاً عن عجزها عن الفعل، واختباء وراء مفاوضات عبثية عمرها أكثر من عشرين عاماً وصلت إلى طريق مسدود .
قضية فلسطين اليوم، تكشف العجز السياسي والأخلاقي العربي، فضلاً عن الدولي
تساءلت في مؤتمر الدوحة، عن أسباب غياب "ربيع" فلسطيني، ينتفض أو يثور على احتلال طال أمده، وعَظُم ظلمه وتمييزه، واستيطانه وتهجيره، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، ولحقوق الفلسطينيين المشروعة غير قابلة للتصرف، وإلغائه لحق تقرير المصير لأكثر من اثني عشر مليوناً من البشر، حتى صار لا معنى لديمقراطية وانتخابات وتنمية في ظل الاحتلال، وتحت شروطه وحصاره.
صحيح أن الفرد الفلسطيني، يحاول في كل مناسبة، أن يدافع عن نفسه وبيته وعائلته ضد ظلم الاحتلال الرابض على صدره، لكن، من أسف، فإنه تُرك وحده فريسة لقوة المحتل، ولحصاره ولقوانينه .
ثمة عملية استيطان واسعة ودؤوبة وتهويد واقتلاع جارية على قدم وساق، وثمة احتلال يتصاعد في عنفه، وسياساته، من دون دفع أية أكلاف بشرية أو مادية، وثمة إخراج لقطاع غزة والقدس الكبرى من الفضاء الفلسطيني، وتجريد المفاوضات السياسية من مضمونها الحقيقي، بعد أن فقدت أوسلو صلاحيتها وأثبتت عقمها، وتكلّست الفصائل.
الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم أمام مفترق طرق خطير، وكل يوم يمر يخسر فيه الفلسطينيون أرضاً ووقتاً وموارد ومستقبلاً، بسبب استمرار الاحتلال والاستيطان، وتغيير للجغرافيا والهوية . ندرك أن هناك قلة صغيرة من النخب الفلسطينية، ما زالت تعتقد أن هناك فرصة أمام قيام دويلة فلسطينية في المسار التفاوضي الراهن والزمن المرئي، ونفهم أن الأوضاع العربية المتردية، لا تستطيع توليد الحد الأدنى في مواجهة إسرائيل ، وأن القرار الأمريكي لدعم إسرائيل لا رجعة فيه، في ظل معادلات أمريكية داخلية ومصالح إقليمية .
أما الانقسام الفلسطيني، فبقدر ما هو مخجل ومعيب، فهو مدعاة للغضب، فالقضية أكبر من المنقسمين المتناطحين على "الكرسي" والنفوذ وفتات الإعانات الأوروبية، والمصالح الفئوية . وحتى لو انتهى الانقسام من خلال صفقات وغنائم لكل طرف، فإن غياب المشروع الوطني الجامع لتحرير فلسطين واستقلالها، سيظل هو المعيار والمقياس للنجاح .
لكن، لم يخل الأمر، من وجود شباب يملكون المعرفة العلمية، ومدركين للواجب الوطني، ومقبلين على الممارسة الفاعلة المقاومة للاحتلال، ويربطون ما بين موقف أخلاقي وبين انتماء لشعب يتعرض يومياً، وعلى مدى 65 عاماً إلى ظلم فادح بكل المقاييس الإنسانية، من قبل مشروع استيطاني ومصادرة للجغرافيا والتاريخ والذاكرة .
لمست في جيل شاب، أن هناك من "يربِّي الأمل"، ويحشد لكل أشكال النضال المناسبة، قانونية ومقاطعة وسياسية وإعلامية، ومواجهة تفكك الحقل السياسي الوطني، وتداعيات الحالة الاقتصادية الراهنة، وكشف تجاوز النخب الفصائلية التي تكلّست، فكراً وممارسة وتأثيراً، ومواجهة الإغلاق والخنق والجدار، والتعامل الجاد والصارم مع مسألة الاستيطان، إن على مستوى القانون الدولي والمحاكم، أو على مستوى إقلاق راحة الاستيطان .
إن تدعيم وتطوير وتوسيع نطاق الاحتجاجات السلمية الأسبوعية المنظمة (على غرار بلعين وكفر قدوم وغيرهما)، هو بداية الطريق، نحو إعادة رسم مشروع وطني فلسطيني مستقبلي.
ماذا لو فشلت العملية التفاوضية ؟!
هاني حبيب-ج.الأيام
وحده وزير الخارجية الأميركية جون كيري الذي يؤكد بين وقت وآخر ان هناك إنجازا واضحا سيتم الإعلان عنه قريبا في إطار العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي. معظم الإشارات، الفلسطينية والإسرائيلية، لا تشير الى مثل هذا التفاؤل الذي يعلنه كيري، الأمر الذي دفع بعض المحللين السياسيين الى الاعتقاد ان هناك صفقة ما يجري إعدادها على نار التصريحات المتشائمة، ربما تصدم الرأي العام، لأن جون كيري لا ينطق عن جهل او لمجرد الحماس، بل بين يديه ما يشير الى هذا التفاؤل، رغم محدوديته، وانه لن يخاطر، كوزير لخارجية دولة عظمى، بإطلاق تصريحات لا تمت للواقع بصلة، وبالتالي فان التصريحات الصادرة عن مسؤولين فلسطينيين وإسرائيليين، مجرد التزام بتعهد عدم تسريب المداولات حول المفاوضات، رغم ان هذه التصريحات تعتبر خروجاً عن هذا الالتزام، خاصة وان "المسار الأمني" الذي بات رديفا للعملية التفاوضية وملفاتها المتشعبة والعديدة، هو وحده ما تسلط الأضواء عليه، بحيث باتت تفاصيله بحوزة كل من يرغب.
الا ان ما تم حتى الآن، وفقاً لهذه التسريبات والتصريحات، ان اسرائيل نجحت في فرض "المسار الأمني" كبديل من الناحية العملية عن كافة الملفات الشائكة المرحلة من اتفاق اوسلو، وانجرار الجانب الفلسطيني والرعاية الاميركية، الى الدخول في تعقيدات هذا الملف، يعتبر إنجازاً إسرائيلياً بامتياز، بصرف النظر عن مدى التقدم الذي تم احرازه، فقد ظهرت اسرائيل وكأنها كيان مهدد من قبل الجانب الفلسطيني، وان الدولة العبرية في خطر محدق وعلى قيادتها الذود عنها وحماية مواطنيها من الاحتلال الفلسطيني والعدوان الفلسطيني، وانه بدون التوصل الى تسوية على هذا الملف، فان الملفات الاخرى ستظل في الأدراج، واسرائيل تعلم ان أي حل عبر هذا المسار لا يأخذ بالاعتبار ان الاحتلال هو ارقى أشكال الإرهاب والعدوان وان أي حل لا يضع حداً لهذا الاحتلال والعدوان، لن يقبل به احد، خاصة القيادة الفلسطينية التي عبرت عن انسحابها مع طروحاتها فيما يتعلق بالسلوك السياسي عبر عملية تفاوضية كخيار أساسي في المواجهة، وهو الامر الذي كان في صميم البرنامج الانتخابي للرئيس أبو مازن والذي تم انتخابه على أساسه، الا ان ذلك لا يعني على الإطلاق، أي تنازل عن ثوابت الموقف الفلسطيني المعلن والقائم على اساس قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 1967، وحل كافة ملفات الحل النهائي، خاصة ملفات القدس والمياه واللاجئين والحدود.. ورغم الثبات على هذه الثوابت الا أن التمترس وراء الملف الأمني، نزولاً عند الموقف الإسرائيلي، يعتبر قصوراً في التعاطي مع ملف التسوية السياسية من قبل الجانب الفلسطيني.
وهناك اعتقاد سائد، بدأ يتبلور على خلفية ما يشاع عن فشل العملية التفاوضية، وهو ان كافة الأطراف الثلاثة، فلسطين وإسرائيل واميركا، ولأسباب تتعلق بكل طرف، له مصلحة في استمرار العملية التفاوضية على الرغم من توفر عناصر كثيرة تشير الى فشل هذه العملية، الا ان المصالح المختلفة لهذه الأطراف، لا تمنع من التخوف من وقف او تجميد العملية التفاوضية، وأسباب ذلك كثيرة وعديدة، بحيث وضع كل طرف الى جانب مصالحه في هذه العملية، السيناريوهات التي يمكن اللجوء اليها في حال وقفها او تجميدها.
هذه السيناريوهات رغم اختلافها، تضع في الاعتبار مزيدا من التوتر والتسخين والدفع بآليات قد تقود الى انتفاضة فلسطينية ثالثة، او عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة لإعادة احتلاله بهدف إجراء تغييرات أساسية في الخارطة السياسية، تؤدي الى خلخلة التحالفات القائمة، خاصة اذا ما توازت مثل هذه الحرب بإجراءات تصعيدية في الضفة الغربية أساسها عمليات اغتيال واعتقالات واسعة النطاق.
ورغم اننا نستبعد هذا السيناريو، الا ان تداعيات فشل العملية التفاوضية قد تدفع بأطراف عديدة الى استغلال هذا الفشل لصالح برنامجها السياسي للإطاحة بكل ما هو قائم، ولكي تفرض أطراف جديدة على الخارطة السياسية، كبديل عن الأطراف الحالية والتأسيس لعملية تفاوضية جديدة، من حيث الأطراف ومن حيث السياسات والبرامج.. لكن ما يضعف هذا الاحتمال، عدم ضمان النجاح في مثل هذا السيناريو على ضوء المعطيات الراهنة، والخشية من أن تفقد هذه الأطراف المزايا التي تتمتع بها حاليا على ضوء الأوضاع الراهنة، خاصة في سياق الانقسام الفلسطيني من ناحية، والتوترات الإقليمية خاصة ما يجري في سورية هذه الأيام.
الاحتمال الأرجح في ظل هذه الصورة، ان تعيد واشنطن حساباتها والتقدم الى الطرفين بحل من عندها تحاول فرضه عليها، مع إدراكها ان هذا الحل سيتم رفضه من قبلها، الا ان ذلك يوفر أرضية لانطلاق واستمرار العملية التفاوضية في اطر جديدة، بالضبط كما تم لواشنطن في وقت من الأوقات، وفي ظل فشل العملية السياسية، ان تقدمت "بخارطة الطريق" التي تمكنت من خلالها من إنقاذ "العملية السياسية" رغم الاعتراضات والتحفظات على هذه الخارطة، الأمر الذي مكن واشنطن ان ترعى العملية التفاوضية بذريعة ان هناك جديدا يمكن التفاوض بشأنه. هذا كله في حال ان كان الحديث عن صفقة.. مجرد هراء لا أكثر ولا أقل!!
لماذا يصعب التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل؟
أشرف العجرمي-ج.الأيام
يمكن القول إن الموقف الأميركي أحد أهم الأسباب لفشل عملية المفاوضات المرة تلو الأخرى بدءاً من مفاوضات كامب ديفيد في أيلول من العام 2000 مروراً بمفاوضات طابا في نهاية نفس العام وانتهاء بالمفاوضات الجارية حالياً برعاية وزير الخارجية جون كيري، ولكن ليس هذا هو السبب الوحيد بل هناك سبب أكثر أهمية وهو عدم نضوج القيادة الإسرائيلية لاتخاذ قرار بالتوصل إلى حل دائم للصراع، لأسباب تتعلق بعدم وجود ما يضغط أو يؤثر على الموقف الإسرائيلي، خاصةً وأن الجمهور الإسرائيلي لا يشعر بغالبيته بوجود الصراع وبتأثيره على الحياة اليومية في إسرائيل، وبالتالي ليست هناك حاجة لإنهاء قضية مقلقة أو مزعجة لا تمس المصالح المباشرة للإسرائيليين يستثنى منهم بعض الخبراء والعقلاء الذين يدركون الأثر البعيد على مستقبل إسرائيل في حال استمر الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي لفترة طويلة قادمة.
ولكن أكثر الأمور صعوبة أن المفاوضات لم تنطلق على أسس واضحة متفق عليها وبالتالي هناك رؤيتان ومنطلقان متباعدان من العملية التفاوضية، فالفلسطينيون المساكين اعتقدوا أن وجود وساطة ودور أميركي فاعلين سيتيح التغلب على العقبات التي تواجه المفاوضات، وخاصة لأن إدارة الرئيس باراك أوباما تتبني معايير كلينتون للحل أو على الأقل هكذا اشيع، وبالتالي دخلت القيادة الفلسطينية المفاوضات بدون الاتفاق على المرجعية اعتماداً على تدخل وربما وعود كيري وفقط بعد أن وافقت إسرائيل على الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين منذ ما قبل اتفاق أوسلو. والرؤية الفلسطينية التي تعتمدها القيادة هي أن التفاوض أولاً على الحدود والأمن، وإذا حصل اختراق حقيقي في هذين الموضوعين يمكن التوصل إلى اتفاق في باقي مسائل التسوية الدائمة الجوهرية وخاصة القدس واللاجئين.
والموقف الذي يهتدي به مفاوضونا هو أن الاتفاق على الحدود يتيح البحث في قضية الأمن التي تلي بناءً على رسم الحدود بين الجانبين ومسؤولية كل طرف والأطراف الثلاثة المقترحة.
أما الرؤية الإسرائيلية التي تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو في عكس ذلك بصورة تامة، أي أن المطالب الأمنية الإسرائيلية هي التي تقرر الحدود وتقرر شكل الحل، فإسرائيل بناءً على ما تدعيه من حاجة أو مطالب أمنية لا تستطيع التخلي عن مناطق واسعة من الضفة مثل غور الأردن ومرتفعات الجبال والمعابر الحدودية وقسم مهم من المستوطنات، وعلى الجانب الفلسطيني أن يبحث عن خارطة طريق جديدة يرسم فيها حدود الدولة التي تبقيها إسرائيل لنا بعد أن تأخذ حاجتها. والموقف الإسرائيلي هذا لا يقتصر على الائتلاف الحكومي بل موقف قطاعات واسعة من الإسرائيليين الذين يتبنون فكرة المطالب الأمنية أخذاً بادعاء نتنياهو عدم الاعتماد على طرف ثالث لحماية أمن إسرائيل، ويذهب الإسرائيليون لتبرير هذا الموقف إلى المقارنة بوضع قوات الـ"يونيفيل" في جنوب لبنان التي لم تمنع حزب الله من اختطاف جنود إسرائيليين ومن تهريب الصواريخ إلى الجنوب وإطلاقها على إسرائيل لاحقاً، ويتبنى بعضهم رواية نتنياهو التي تقول إن مجموعة إرهابية مع صواريخ كتف مضادة للطائرات يمكنها أن تهدد مطار بن غوريون.
المشكلة في الرؤية الإسرائيلية، التي على ما يبدو تتمسك بها الحكومة لتعطيل التوصل إلى التسوية، أنها معكوسة مع المنطق وتماماً كالهرم الذي يقف على رأسه. كل الدنيا تعرف أن الاتفاق السياسي المقترن بترتيبات محددة متفق عليها هو الذي يوفر الأمن وليس الإجراءات الأمنية التي تقف حائلاً أمام التوصل إلى الاتفاق، فلو أخذنا الوضع الحالي القائم في الضفة الغربية وسألنا الإسرائيليين ما الذي يوفر لهم الأمن الذي لا مثيل له والذي يعتبر نموذجياً ومثالياً بالمقارنة مع الفترة التي كانت تسيطر فيها إسرائيل على كامل الضفة حتى بعد الاجتياح في العام 2002، حيث نفذت عمليات عسكرية كبرى ضد الإسرائيليين وهم يحتلون كل المدن والقرى والمخيمات، سيجيبون إذا تحلوا بالصراحة بفعل عمل قوات الأمن الفلسطينية وربما يقول بعضهم بسبب التنسيق الأمني الشامل مع سلطات الاحتلال، وهذا موقف بات يكرره إسرائيليون كثر بمن فيهم بعض الرسميين الذين اعترفوا أمام الجانب الأميركي بذلك. إذن الاتفاق يسبق الأمن والاتفاق يحقق الأمن وليس العكس.
وحماية إسرائيل تبدأ بتحديد حدودها المتفق عليها والدفاع عنها في وجه أي اعتداء، والإسرائيليون يدركون أنه لا يوجد تهديد حقيقي من دولة هي أصلاً منزوعة السلاح وتربطها بإسرائيل معاهدة سلام، هذا عدا عن كون الدولة العتيدة ستكون معنية بأمنها واستقرارها أكثر من إسرائيل الدولة القوية المستقرة، ولن تسمح لأي مجموعة إرهابية العمل من أراضيها إذا كان هناك خوف من القاعدة والمنظمات المتطرفة الأخرى. ثم أن إسرائيل مرتبطة بمعاهدة سلام مع الأردن وستكون هناك اتفاقات وتعاون بين إسرائيل وسائر الدول العربية إذا انسحبت من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ العام 1967، وعليه لن تكون هناك حاجة لأي تواجد أمني إسرائيلي في المناطق الفلسطينية.
وتحل القوات الدولية المقترحة أي مشكلة قد تواجه الأمن مع وجود احتمالات ضئيلة جداً لحصول أي تهديد حتى لو فرضنا أن مجموعة مسلحة ما نجحت في اختراق كل الحدود في المنطقة ووصلت إلى فلسطين، مع أن هذا غير واقعي بالنظر إلى أن المنظمات الإرهابية المتطرفة التي تعمل في سورية وبعض الدول العربية لم توجه سلاحها إلى إسرائيل في أي مرحلة، ولا نعتقد أن إسرائيل ضعيفة لدرجة عدم قدرتها على مواجهة احتمالات تقارب الصفر.
لا شك أن موقف كيري وطاقمه الأمني قد قضى على امكانية تحقيق اي تفاهم مع الإسرائيليين عندما تبنى مقترحاتهم الأمنية وحاول تجميلها وتلطيفها لكي يبتلعها الفلسطينيون، ومشكلة كيري والإسرائيليين أنهم لم يفهموا الفلسطينيين بعد ولم يدركوا أن هناك خطوطاً حمراء لا يستطيع أي قائد فلسطيني تجاوزها، وإن جرؤ سيفشل ومعه عملية التسوية بصورة كاملة.
خطة كيري: المخاطر والرد السياسي المطلوب
علي جرادات-ج.الأيام
بعد انقضاء أربعة أشهر ونصف الشهر على استئنافها، (أي نصف المدة المحددة لها)، لم تفضِ المفاوضات مع حكومة نتنياهو إلى نتيجة سوى تصعيد الضغط الأميركي على الفلسطينيين لمواصلة التفاوض في ظل تصاعد إجراءات المصادرة والاستيطان والتهويد، وتشبث نتنياهو بشرط الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي على أرضه التاريخية"، وكأن هذه الأرض ليست أرض الشعب الفلسطيني الذي ما انفك يقاوم لاستردادها والعودة إليها، ويرفض الإقرار بمعادلة: "السلام ممكن بتوفير الأمن للإسرائيليين والاقتصاد للفلسطينيين"، كما يتصور ليبرمان المعبِّر بفظاظة عما يريده نتنياهو وأركان حكومته.
هنا، لم تضغط إدارة أوباما على حكومة نتنياهو لوقف تماديها سياسياً وميدانياً أو تخفيفه على الأقل، بل على قيادة منظمة التحرير لإجبارها على قبول خطة كيري الأمنية بذريعة تيسير موافقة إسرائيل على قيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح"، بينما الهدف الحقيقي تحميل "الحكم الإداري الذاتي" القائم اسم دولة منزوعة السيادة والاستقلال والعاصمة، وتمزقها بحيلة "تبادل الأراضي" الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى، ويسيطر الجيش الإسرائيلي- بذريعة الأمن- على معابرها وحدودها وأجوائها ومياهها، وتكبلها التزامات سياسية وأمنية واقتصادية تغلق الباب-عملياً- على حق العودة بحيلة تجديد إرجاء البحث فيه، بل وتقوم في الضفة وتستثني غزة إلى حين غير محدد كما اقترح صراحة وعلناً الرئيس الأميركي أوباما.
إذاً نحن أمام خطة سياسية إستراتيجية إسرائيلية، بل صهيونية، تقترحها بمسمى أمني الإدارة الأميركية لإبرام اتفاق إطار انتقالي يعيد إنتاج اتفاق أوسلو بمسمى "الدولة ذات الحدود المؤقتة". ولا عجب. فخطة إدارة أوباما الأمنية نتيجة لمقدمات ووقائع سياسية وميدانية فرضتها حكومات إسرائيل المتعاقبة، وزادت وتائرها خلال عشرين عاماً من المفاوضات، وتريد حكومة نتنياهو اليوم - بدعم أميركي - تفصيل الحقوق والأهداف الوطنية الفلسطينية على مقاسها. إذ بحسب اتفاق "أوسلو" في أيلول 1993، كان يُفترض التوصل في مدة أقصاها خمس سنوات إلى "حل نهائي" للقضايا المرجأة: اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والمياه والأسرى، أي جوهر الصراع. لكن العمر الزمني للاتفاق انتهى في أيار 1999 ليس من دون التوصل إلى الحل المنشود في المدة المحددة، فحسب، إنما من دون إجراء مفاوضات جدية حول قضاياه، أيضاً، بل حتى من دون تنفيذ إسرائيل لكل التزاماتها تجاه "المرحلة الانتقالية"، ومن دون التوقف عن إجراءات مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها.
هنا تبين أن من أبرم اتفاق أوسلو باسم إسرائيل لم يشأ التوصل إلى تسوية سياسية للصراع تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية كما تقرها قرارات الشرعية الدولية، بل أراد تحويل ما أعطاه في "الحل الانتقالي" مع تعديلات طفيفة لا تمس الجوهر إلى "حل نهائي". فقد كان ذو دلالة كبيرة على هذا الصعيد ما قاله اسحق رابين بعيد التوقيع على الاتفاق، سواء لناحية التأكيد على أن "لا مواعيد مقدسة"، أو لناحية التمييز بين المستوطنات السياسية والمستوطنات الأمنية، أو لناحية تكريس معادلة: "نواصل الدفاع عن أمن إسرائيل ومواطنيها وكأن الاتفاق غير قائم". أما في محطة "مفاوضات كامب ديفيد" في تموز 2000 حول "قضايا الوضع النهائي"، فقد اتضحت كامل نوايا خطة قيادة حزب العمل من وراء تقسيم "اتفاق أوسلو" إلى مرحلتين: "انتقالية" و"نهائية". ففي تلك المحطة الحاسمة من المفاوضات لم يرفض باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك التزحزح قيد أنملة تجاه جوهر الصراع، حق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، فحسب، ولم يحول الصراع على القدس بكل حساسيته ومحوريته إلى مجرد صراع على "زواريب"، فحسب، بل طالب أيضاً ببقاء الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في الضفة، وببقاء الجيش الإسرائيلي على الحدود والمعابر مع الأردن، بل ورفض تسليمها لقوات دولية كحل وسط اقترحه بتسرع مجاني الوفد الفلسطيني بينما اتخذه الوفد الإسرائيلي نافذة تراجعٍ تنطلق منها، وتبني عليها، وتعمل على توسيعها، وفود المفاوضات الإسرائيلية اللاحقة. وهو ما يطالب به وفد حكومة نتنياهو للمفاوضات هذه الأيام بدعم أميركي صريح وسافر عكسته خطة كيري الأمنية.
مما تقدم يتضح أنه لئن كان "مشروع ألون" الذي أرسى في العام 1967 خطة التمزيق السياسي والميداني الطولي لأراضي الضفة، هو مرجعية قيادة حزب العمل ومحركها لإبرام اتفاق "أوسلو" وقبول التفاوض، ونشوء "سلطة فلسطينية انتقالية"، على أساسه، فإن "مشروع دبلس" الذي أرسى في العام 1977 خطة التمزيق السياسي والميداني العرْضي لأراضي الضفة، هو مرجعية قيادة حزب الليكود ومحركها لمواصلة التفاوض الشكلي على أساس اتفاق أوسلو الذي رفضته ولم تقبل به أصلاً. إذاً نحن اليوم أمام خطة سياسية صهيونية تستهدف - بدعم أميركي - تفصيل الحقوق الوطنية الفلسطينية، ومنها الدولة حدوداً واستقلالا وسيادة وعاصمة والتزامات، على مقاس ما حققه على الأرض مشروعا ألون" و"دبلس". وإلا لكان بلا معنى إقدام شارون في العام 2002 على إعادة الاحتلال المباشر للضفة من دون الإنهاء الرسمي لـ "السلطة الفلسطينية"، وعلى فك الارتباط العسكري والاستيطاني من طرف واحد مع غزة، وعلى وضع "خطة الانطواء" من طرف واحد في الضفة. بل ولكانت بلا معنى مطالبة حكومة أولمرت - ليفني في مؤتمر أنابولس نهاية العام 2007 الاعتراف بإسرائيل غير محددة الحدود "دولة للشعب اليهودي". ولكان بلا معنى تمادي حكومتي نتنياهو - ليبرمان الأولى والثانية إلى درجة تصور أن "السلام ممكن بتوفير الأمن للإسرائيليين والاقتصاد للفلسطينيين".
أما تطابق خطة كيري الأمنية مع خطة حكومة نتنياهو - ليبرمان لـ "الحل النهائي" للصراع، فأمر غير مفاجئ، بل امتداد لمعادلة ظلم تاريخي أتاح إعطاء أرض فلسطين لمن لا يستحق بيد من لا يملك الحق. المعادلة التي ما انفك الشعب الفلسطيني يتعرض لها ويقاومها منذ بداية القرن الماضي. فمذاك ودول الاستعمار الغربي تستغل كل تفوق لها في ميزان القوى الدولي لتحويل أسطورة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" إلى حقائق سياسية، ذلك بدءاً بـ "وعد بلفور" القاضي بـ "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين" وتضمينه في صك الانتداب عليها بعد الحرب العالمية الأولى، مروراً بقرار تقسيم فلسطين واعتراف هيئة الأمم بدولة إسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية، تعريجاً على دعم احتلال إسرائيل لما تبقى من أرض فلسطين، عدا سيناء والجولان، وصولاً إلى السكوت عن ضم القدس ومصادرة أرض الضفة واستيطانها وتهويدها، خاصة بعد أن كسبت الولايات المتحدة الحرب الباردة، وصارت قطباً منفرداً في السياسة الدولية ونظامها وقرارات مؤسساتها.
لذلك فإنه لا عجب في أن تستغل الولايات المتحدة، الراعية للمفاوضات، التحولات العاصفة، بل التاريخية، الجارية في الوطن العربي، وفي المنطقة عموماً، لانتزاع اعتراف رسمي فلسطيني بإسرائيل غير محددة الحدود "دولة للشعب اليهودي على أرضه التاريخية". ما يعني أن وعود إدارة أوباما بإقامة دولة فلسطينية إن هي إلا محض خداع لتجديد رهانات كذبتها تجربة عقدين ويزيد من المفاوضات، وجاءت خطة كيري لتؤكد قصور كل إدارة للصراع لا تضع الوحدة الوطنية والدفاع عن الأرض وتعزيز صمود ومقاومة أهلها في صلب برنامجها. وهو ما لا يكون جدياً وشاملاً إلا باستعادة الوحدة الوطنية ووقف التفاوض في ظل الاستيطان وخارج رعاية هيئة الأمم ومرجعية قراراتها. فمفاعيل الانقسام الداخلي الفلسطيني، وانشغال مراكز القوة العربية بهمومها الداخلية، والتمسك برعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، هي ما يشجع حكومة نتنياهو على التمادي سياسياً وميدانياً، ويشجع إدارة أوباما على تقديم خطتها الأمنية المعادية للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه الوطنية. وهو ما يحيل إلى ضرورة إجراء مراجعة سياسية فلسطينية إستراتيجية لتصويب مسار عقدين ونصف العقد من رعاية الولايات المتحدة لمفاوضات "مدريد" و"أوسلو"، ومن فصل القضية الفلسطينية عن بعدها القومي، واختزال القرارات الدولية في القرار 242، ومواصلة المفاوضات في ظل مصادرة الأرض واستيطانها وتهويدها. وباختصار: مخاطر خطة كيري الأمنية على القضية الفلسطينية إستراتيجية والرد السياسي عليها يجب أن يكون استراتيجياً عبر نقل ملف الصراع إلى هيئة الأمم وإنهاء احتكار الولايات المتحدة له.
ما اصعب ان تكون فلسطينيا
(لذكرى القائد الوطني يونس الكتري)
يحيى رباح-ج.الحياة
من المؤكد ان الذاكرة الفلسطينية المفعمة بالرموز سوف تؤرخ لرحيل يونس الكتري القائد الوطني المعروف على طريقتها الخاصة فتقول انه رحل عن هذه الدنيا في عام الثلجة الكبرى.
يونس الكتري ،ابن قرية سمسم، لمع اسمه في منتصف الخمسينيات حين تم انشاء حركة الفدائين الفلسطينيين في قطاع غزة في العام 1955، حين كان القطاع تحت الادارة المصرية ،وقد اختار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي نبتت فكرة الثورة المصرية لديه من قلب حصار الفالوجا، واحدا من المع ضباطه وهو الشهيد مصطفى حافظ الذي تحمل بعض شوارع غزة ومدارسها اسمه حتى اليوم.
وكان يونس الكتري من الطلائع الاولى، ومن المعروف ان حركة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة –ارض البدايات، ذلك الشريط الضيق المحشور بين الماء والصحراء –جاءت استجابة لهبة جماهيرية واسعة النطاق، تطالب الادارة المصرية انذاك بان تفعل شيئا ازاء الاعتداءات والجرائم والمجازر التي كان يرتكبها الاسرائيليون ومعظمها كان يتم بقيادة ضابط اسرائيلي يقود ابرز احدى الوحدات الخاصة الدموية في الجيش الاسرائيلي اسمه ارئيل شارون ،الذي حقق شهرة واسعة لدى المجتمع الاسرائيلي نتيجة تلك المجازر، التي نفذتها وحدته ضد محطة السكة الحديد في الاطراف الشمالية لمدينة غزة وفي وادي غزة، وفي مستشفى الامراض الصدرية شرقي مخيم البريج، وضد مركز الشرطة في مدينة خان يونس وغيرها الكثير من الاهداف التي خلفت دماء بريئة مسفوحة، فهب اهل القطاع يطالبون بالسلاح، وقد نشأت حركة الفدائيين الفلسطينيين استجابة لتلك الهبة العظيمة، وقد تحولت تلك الهبة الى مفصل اساسي في تحول التوجهات الاستراتيجية للثورة المصرية وللمنطقة كلها بعد ذلك.
منذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان التعبير السياسي المسيطر على أهل قطاع غزة ،هو انتماؤهم الى الاحزاب الفلسطينية السائدة في ذلك الوقت والتي تشكلت منها الحركة الوطنية الفلسطينية (القوميين العرب، الاخوان المسلمون، الشيوعيون، حزب البعث...... الخ )وقبل نهاية عقد الخمسينيات تاسست حركة فتح لتكون البديل الوطني والصوت الوطني الفلسطيني، وفي منتصف الستينيات اعلنت حركة فتح انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، فتحول عقد الستينيات كله الى انبثاقات للحركات والفصائل الفلسطينية الثورية المسلحة.
ممن كان بامكانه ان يقاوم الاغراءات مع انه لو اراد لكان في الصدارة ؟
انه يونس الكتري .. الفدائي الفلسطيني، المقاوم الفلسطيني، المستقل الفلسطيني، الذي لم يجعل بينه وبين فلسطين أي وسيط، هو فلسطيني حتى النخاع الشوكي، ويريد ان تظل فلسطين عنوانه الاول والوحيد، وانتماؤه الاول والاخير، وحبه الاول والنهائي، وقضيته التي هي اول الكلام واخر الكلام.
يونس الكتري، عضو المجلس الوطني والمجلس المركزي الخبير المتعمق، في قضية اللاجئين، خفيض الصوت عالي الهمة، المحفور بدماثته، طويل النفس، الذي يحبه الناس ويحترمونه لانه حمل قضيتهم في قلبه، حمل جرحها العميق، وعدالتها التي لا تضاهى ،واملها الذي لا ينطفئ مع السنين.
يا ايتها الاجيال الفلسطينية : اكتبي في سجل الذاكرة المقدس ان الفدائي القديم، المناضل بلا ألقاب، القائد دون قرارات، يونس الكتري قد بدأ مشوره الطويل في منتصف الخمسينيات، حين داهم الاعصار البحري خيامنا فاقتلعها، فرحل بعد ان ادى ما عليه في عام الثلجة الكبرى وانه اصبح الآن جاهزا ليضيء شجرة الذاكرة الفلسطينية وان يكون حيا في نسيج الحكايات.
الزهار يكذب مع "الوطن"
عادل عبدالرحمن-ج.الحياة
الافتراء على الحقيقة وتزويرها بضاعة إخوانية عميقة الجذور، وجدت ، ورافقت جماعة الاخوان المسلمين مذ اسسها حسن البنا في 1928. وبالتالي الكذب وقلب الحقائق رأسا على عقب في خطاب قيادات فروع حركة الاخوان المسلمين في العالم ليست أمراً جديدا. لن اضيف جديدا لذهن اي متابع لسيرورة حركة الاخوان عموما وحركة الانقلاب الحمساوية جديدا بشأن نكث الوعد، وتزوير الحقائق كأحد اهم الخصال الملازمة لسلوكياتهم واخلاقهم، التي تبيح لهم المتاجرة بالدين والعباد والاوطان والقيم، لا مقدس لديهم سوى مصالحهم وحساباتهم الخاصة واجنداتهم وارتباطاتهم الاقليمية والدولية.
ما تقدم له عميق الصلة بما ادلى به محمود الزهار لمراسلة جريدة "الوطن" المصرية، منى مذكور، التي اعادت نشرها وكالة "سما"، حيث لم ينطق كلمة واحدة تمت للحقيقة بصلة، لا في إلتورط المشين والمعيب في الجرائم التي ارتكبت ضد مصر وجيشها على مدار الاعوام الماضية، وبوقاحة فجة، يسأل الزهار الصحفية المصرية (وكأنها تملك المعلومات التفصيلية عن اسماء المعتقلين من تنظيم الانقلاب الحمساوي في مصر) هات لي إسما من اعضاء حماس أُدين بعمل ضد مصر؟؟ وهو يعلم علم اليقين أن عدد المعتقلين الحمساويين في مصر وبجرائم في المقطم والتحرير وسيناء والقاهرة وبور سعيد ومحاولة إغتيال وزير الداخلية تجاوز الـ (200) عنصر. ويكذب كما يتنفس بالنسبة لقصة القنابل، الممسوكة من قبل اجهزة الامن المصرية، التي انتجتها وصنعتها حركة حماس، فيقول: صحيح قمنا بالتصنيع ، ولكن بعض القنابل سرقت، ولا علاقة لنا بها، واستخدمتها الجماعات التكفيرية!!؟ وعن العلاقة مع الجماعات التكفيرية، يدعي كذبا وافتراء، ان لا صلة لحركة حماس بهم، وانها قاتلت تلك الجماعات كما حصل في رفح في مسجد ابن تيمية، وهذا صحيح جدا، لكن ليس من موقع التناقض، بل لاخضاع تلك الجماعات لمشيئة ومنطق وسياسة حماس، وهي تقوم بالتكامل معهم والتنسيق واياهم، وبامكان الزهار ان يراجع تحالفات حركته مع تلك الجماعات، ويعود لدور فتحي حماد بالتعاون معها، ويراجع آليات العمل المشتركة بين الجماعة وبين تلك الحركات الجهادية في مصر وغزة والضفة والسودان وتونس وليبيا وسوريا والاردن والصومال ... إلخ
ثم يفتري على الرئيس محمود عباس، ويشهر به، وهو يقلب الحقائق رأسا على عقب، حين يفتري في موضوع دولة غزة الكبرى، مستخدما سلاح الكذب والتضليل حين ربط بين مبادلة الاراضي المتفق عليه بالحل النهائي لخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وبين "غزة الكبرى"، ونفى ان يكون الرئيس المعزول، محمد مرسي وجماعة الاخوان بالاتفاق مع حركة الانقلاب الحمساوية أن يكونوا اتفقوا مع أميركا وإسرائيل على اخطر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، وهو مشروع غزة الكبرى، الذي بدأ بالاستعداد لاقامة "منطقة تجارة حرة" بين مصر وغزة، بحيث تمتد لاحقا إلى العريش وما يرافق ذلك من تبادل للاراضي بين مصر وإسرائيل ، وتناسى ما طرحه مرسي من إيجاد قنصلية في غزة، على اعتبارها إمارة مستقلة عن الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولم يتذكر الزهار ما اعلنه اوباما امام الكونغرس من انه دفع خمسة وعشرين مليار دولار لمصر ومكتب إرشاد الجماعة لتنفيذ المخطط، منها مبلغ ثمانية مليارات دولار قيمة الارض، التي ستضاف إلى إمارة غزة...... إلخ من الاكاذيب والافتراءات المفضوحة، التي تكشف مدى انحطاط تلك الجماعة وما تمثل.
رغم الاحترام للصحفية وصحيفة الوطن المصرية، وحقها في إجراء المقابلة مع من تشاء، وفي الوقت الذي تشاء لكن توقيت المقابلة، ونشرها الآن، كأنه يحمل شيئا ما يتم من تحت الطاولة، يستهدف تمرير بعض الافكار والتلميع لحركة الانقلاب الحمساوية من قبل بعض الجهات لاعتبارات سياسية آنية.. أرجو الا يكون الاستنتاج صحيحا.
التسامح والكراهية..
د.مازن صافي- وكالة معا
حين ننزلق إلى منعطفات خطرة، لا يبق الأمر عابراً، وفي حياة الشعوب تشكل النزاعات الداخلية مدخلا لهدم البنية الاجتماعية ومسرحا للاختلافات والتناقضات .
في حياتنا الفلسطينية لازلنا نعاني من الانقسام ومن آثاره وتداعياته، وما أن تطل علينا أزمة أو حوادث حتى نلجأ إلى وحدة الشعب والإسناد النفسي، وتذوب الفوارق والاختلافات والتناقضات، ولكنها تبدو كرد فعل أو التحام مؤقت، ويبدو أننا تعودنا على ذلك وفي أعماقنا نتوقعه، وهنا لا أتحدث في نطاق جغرافيا قطاع غزة بل على مستوى الوطن الغالي علينا جميعا .
إن العاصفة الثلجية التي مرت بنا، ولازالت آثارها باقية، والمشاهد المحزنة جدا والخسائر التي تفوق طاقتنا وقدرتنا، قد كشفت أصالة شعبنا الفلسطيني وإمكانية تقارب القيادات من بعضها البعض في سبيل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولم نجد شماتة من أحد "لا سمح الله" أو شكليات سلبية خارجة عن المألوف، وكما هو الحال اليوم في مواجهة تداعيات المنخفض الجوي، كان الحال أبان العدوان الإسرائيلي علينا، حيث ذابت الفوارق والحزبيات وآثار الانقسام لنتوحد خلف الدم الفلسطيني والهجمة العدوانية، هذا هو شعبنا العظيم، وهذا هو امتداده الداخلي، وهذا هو البنيان الذي يشد بعضه بعضا في النكبات والمآسي.
ربما يصف البعض ما أكتبه بأنه نوع من التبسيط أو المبالغة أو الهشاشة في وصف الأمر، وربما أقول لمن يصف ذلك، صدقت، فحتى كتاباتنا تبدو أحيانا تتعاطف مع دواخلنا ورغباتنا واحتياجاتنا الحقيقية لما نكتب عنه ولا نقدر أن نصل إليه، وبل الأسوأ حين تصل لنا القناعات أن ارتفاع حرارة الشمس وإعادة ما دمرته المأساة كفيل بانتهاء حالة الالتحام الشعبي "المؤقت" .
إنني أؤمن إيمانا راسخا أن الطريق إلى القدس والى الحرية والى الدولة والى قوتنا وصلابة مواقفنا وقرارنا المستقل يبدأ من إنهاء الانقسام والعودة إلى المصالحة الفلسطينية والوحدة وبناء مؤسساتنا، ففي سبيل الوطن لا هازم ولا مهزوم، نحن جميعا تحت الاحتلال الذي يغرقنا بالمياه كما يقتلنا بالصواريخ، كما يسرق مياهنا ويتنكر لحقوقنا ويمعن في المد الاستيطاني السرطاني، ويصفنا بأننا مجموعة من الإرهابيين .
علينا أن نذهب إلى الجانب المضيء من الوطن، وأن نتعاون من أجله، ونريد أن نتحرر مما علق في طريقنا طيلة السنوات الصعبة والمستمرة حتى الآن، لنلعن كل مشاعر الكراهية ونبذ الآخر أو أن نكون ضحايا لأنفسنا، لماذا في الأزمات والنكبات نترك وراء ظهورنا كل الأمور السلبية بكل ما تحمل ونمضي صفا واحدا، لماذا لا نفكر في أن نترك كل ذلك ونبني مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة التي تستحق الحياة الكريمة.
إن التسامح صفة محمودة ومطلوبة والتحرر من الكراهية هو قمة الإرادة النفسية والسلوكية، وعلينا أن نخرج من دوامة الانقسام وتبعاته بإرادة جماعية منشودة، إننا ننتصر دوما في معاركنا التي نلتحم فيها مع بعضنا البعض وفي مواجهتنا للكوارث والنكبات، ولكن لن ينتصر أحد في معركة التناقض والكراهية، نحن نخسر مقدرتنا على الصمود أمام الأجيال ومستقبلهم، ولن نكون بخير طالما بقي الانقسام وكل المشاعر السلبية التي تحيط بنا.
أفكار من وحي انتصارات المقاومة الشعبية
حيدر عيد- وكالة معا
حدثان مهمان في أسبوع واحد يستدعيان التفكير العميق و عدم الانجرار وراء الطريقة التقليدية في التحليل و التي تعودنا عليها, بتوجيهات من قيادات شاخت. الحدث الأول الذي جاء خلال زيارة المنخفض الجوي "أليكسا" للمنطقة هو نجاح المقاومة الشعبية المتمثلة بأيام الغضب الثلاث باسقاط مخطط برافر الإقتلاعي و الذي كان يهدف لتمرير نكبة ثانية من خلال تهجير أكثر من 40000 فلسطيني بدوي من سكان النقب. هو انتصارجدير بالتفكير و طرح الأسئلة الصعبة. فهذا النصر التاريخي للكفاح الجماهيري استجابة للمبادرات التي قام بها الحراك الشبابي في مناطق هو نقطة تحول حاسمة لصالح النضال االشعبي في فلسطين و تعزيز لثقافة المقاومة المتعددة الأوجه بعيداً عن الشكل النخبوي الاحتكاري الموسمي. ما يميز المقاومة الشعبية هو مشاركة قوى الشعب العديدة بتشكيلاتها المختلفة و ما هذا الاختلاف الا تعزيز للنضال في صياغة نهج كفاحي قديم-جديد.
إن نجاح أيام الغضب التي أعلن عنها الحراك الشبابي في مناطق 48 و استجابة الكل الفلسطيني لها عززت الفكرة النقيضة للنهج الأوسلوي الذي حاول لمدة 20 عاما تصغير الشعب الفلسطيني الى سكان الضفة الغربية و قطاع غزة فقط. و تكمن أهمية نشاطات أيام الغضب في أنها وحدت مكونات الشعب الفلسطيني الثلاث 67 و 48 و شتات بمبادرات شبابية لعبت النساء الدور الريادي في تنظيمها و ضمان نجاحها.
الظاهرة "الجديدة" أنه كانت هناك محاولات فلسطينية لايقاف هذه الفعاليات في بعض مناطق الضفة, و في قطاع غزة بالذات حيث تم منع تجمع الشباب و الشابات في ساحة الجندي المجهول في اليوم الأول من أيام الغضب تحت حجة أن الاعتصام "غير مرخص" و اليوم الثاني تحت حجة عدم مناسبة المكان و اليوم الثالث باستخدام الحجتين السابقتي مع محاولة تنسيق فعالية بمشاركة حكومية في اليوم الثالث. لكن الملاحظة التي يجب الخوض بها بشكل أكبر هي غياب القيادات الوطنية و الاسلامية كلها عن هذه الفعاليات, في نفس الوقت الذي تستطيع التنظيمات الفلسطينية, اليمينية و اليسارية, حشد عشرات الالاف وأحيانا مئات الألوف في ذكرى انطلاقاتها. منها من تباهى بحشد ما يقارب النصف مليون في غزة وحدها و منها من تخطى هذا الرقم. و السؤال الذي لا يمكن المرور عليه مرور الكرام هو : إذا كانت الفصائل الرئيسية و أحيانا الثانوية تستطيع جمع هذه الحشود للاحتفال السنوي في موسم الانطلاقات, لماذا لم تبد أي اهتمام ناهيك عن محاولة القمع من تلك التي تمتلك السلطة بالدعوة التي أصدرها الحراك الشبابي في مناطق 48؟! و الحقيقة أن هذا السؤال المحرج بالضرورة يقود الى إما ما يسمى بالمشروع الوطني الفلسطيني القائم على أساس أن فلسطين هي الضفة الغربية و قطاع غزة مع تصغيرها بعد عام 2007 حينما حصل الانقسام المقيت بين شطري "الوطن-البانتوستان" و خلق انشطار حتى في هوية سكان هذا "الوطن!"
و عليه فان المصالح الطبقية للمجموعات الحاكمة و منها من هو مقاوم و لكن في إطار أيديولوجي محدود لا يرى أن أشكال المقاومة الأخرى جديرة بالاحترام و منها من هو ملتزم بتنسيق أمني بالضرورة يتناقض مع مبدأ المقاومة بجميع أشكالها. و لكن هناك أيضاً الفصائل الأخرى التي تمت أسلوتها و أنجزتها على مراحل تراكمية خلال ال20 عاما الماضية أدت الى انتصار فرق يمينية و استحوازها على المناصب القيادية ووصولها لمرحلة خمول غير عادية تتناقض جذريا مع تاريخ هذه الفصائل و الخلفية الفكرية النضالية التي قامت عليها. و إلا فما هو مبرر عدم وجود هذه القيادات في مقدمة المسيرات و الاعتصامات التي دعى اليها الحراك الشبابي في مناطق 48 فيما سمي بأيام الغضب؟! ما الذي يبرر منع اعتصامات تم الدعوة لها في كل أنحاء فلسطين التاريخية بل اعتبار أي تجمع صغير مؤيد لهذه الدعوة "غير قانوني" بسبب عدم حصوله على "ترخيص"؟ و هل المقاومة تحتاج الى ترخيص؟ و هل الثورة عادة ما تكون مرخصةً؟ لا أتصور ان ثورتي الياسمين و 25 يناير المجيدتين كانتا تحملان رخصة من السلطات الحاكمة. من الطبيعي أن هذه الحجة الواهية لا تنطلي على أحد, بل إنها انعكاس لهوس أمني يعكس أيديولوجيا إقصائية تجد صعوبة بالغة في التعايش مع الوسائل التي تتخطى فهمها التصغيري للمقاومة و بقدر ما أن أي نشاط مقاوم جامع و موحد للقدرات الجمعية للشعب, أو لفئة منه يجب ان يمر من تحت عباءة الاتجاه المهيمن.
هذا يدعونا الى الحدث الهام الثاني الذي تناسب مع نجاح المقاومة الشعبية باسقاط مخطط برافر الاقتلاعي ألا و هي الانجازات الكبيرة التي نجحت حملة المقاطعة و عدم الاستثمار و فرض عقوبات على اسرائيل بتحقيقها من خلال خلق اختراقات في مناطق كانت محسومة للوبي الصهيوني. ففي نفس الوقت تقريبا الذي قامت به شركة الماء الهولندية فايتنس بقطع علاقاتها مع نظيرتها الاسرائيلية مكوروت أصدرت أكبر كنيسة بروتستنتية في كندا قرارا بمقاطعة 3 شركات اسرائيلية و قامت الحكومة الرومانية بايقاف ارسال عمال بناء الى اسرائيل. و لكن الإنجاز الأكبر هو تصويت جمعية الدراسات الأمريكية على قرار بقطع العلاقات الأكاديمية مع الجامعات الاسرائيلية استجابة لنداء الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لاسرائيل بسبب توطؤ المؤسسات الاسرائيلية مع سياسات اسرائيل من احتلال و استيطان و أبارتهيد. أي أن مبدأ التضامن الذي أبداه أعضاء جمعية الدراسات الأمريكية مع نظرائهم الفلسطينيين يأتي انطلاقا من تأييدهم للحقوق الفلسطينية الأساسية للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث في نضاله من أجل الحرية و العدالة و المساواة. و يأتي هذا الانجاز التاريخي و إن كان هناك بعض الشكوك أن القيادات الكلاسيكية لا تدري به بعد شهرين من قرار الجمعية الأمريكية للدراسات الآسيوية في أمريكا بتبني نداء المقاطعة الأكاديمية. كل هذا يعني أن حملة المقاطعة الدولية بقيادة فلسطينية قد استطاعت تحقيق ما عجزت عنه القيادات الأخرى أي كسر التابوهات السياسية المقدسة في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال 1- تبني مؤسسات كبيرة نداء مقاطعة اسرائيل و2-مقارنة اسرائيل بنظام الأبارتهيد العنصري. و تأتي كل هذه الانجازات التي تصادف حصولها في أسبوع واحد بعد انتصارات كبيرة حققتها المقاطعة كان أهمها إستجابة عالم الفيزياء الكبير ستيفن هوكنجز لنداء المقاطعة و اعتذاره عن تلبية دعوة لحضور مؤتمر عالمي باشراف مكتب رئيس دولة اسرائيل شمعون بيريز.
و لكن من الضروري الإشارة الى أنه كما كان هناك تنغيصات فلسطينية ضد نشاطات و اعتصامات أيام الغضب فإنه يوجد مثيل لها من التنغيصات ضد انجازات المقاطعة. فهناك تصريحات لقيادات بارزة أن الشعب الفلسطيني يدعو لمقاطعة منتجات المستوطنات فقط, و ليس كل البضائع الاسرائيلية لأننا "مرتبطون باتفاقيات مع الطرف الاسرائيلي!" و يقوم بعض القادة بدعوة 250 طالبا اسرائيليا لزيارة رام الله, و إن كانت أليكسا قد حالت دون حصول هذا اللقاء. كما يقوم أكاديمي فلسطيني من جامعة مقدسية بحضور المؤتمر الأكاديمي الذي قاطعة ستيفن هوكنجز, بل يبادر هذا الأكاديمي بانتقاد خطوة العالم الفيزيائي!
و لكن في المجمل, و على الرغم من هكذا منغصات تطبيعية, فإن هذه اللحظة التاريخية, المشابهة لما حصل ضد نظام الأبارتهيد العنصري في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم, تبدو واضحة المعالم من حيث تركيزها على عمودين رئيسين من أعمدة النضال ضد الأشكال المتعددة للاضطهاد الصهيوني في فلسطين: الكفاح الشعبي المتواصل في فلسطين التاريخية, 67 و 48, و حملة مقاطعة دولية يتوجيهات فلسطينية ستؤدي الى عزل اسرائيل تدريجيا, و قد بدأت الاشارات تأتي من عدة اماكن في العالم., وصولا الى فرض عقوبات عليها و على الشركات التي تستثمر فيها. أذا كان المجتمع الدولي قد أخذ 30 عاما ليتسجيب لنداء المقاطعة الجنوب أفريقي ضد نظام الأبارتهيد, فإن نداء المقاطعة الفلسطيني قد صدر في عام 2005 فقط, و ها نحن نحصد انجازات هائلة. و للتذكير فإن هدف حملة المقاطعة هو تحقيق الحقوق الأساسية التي يكفلها القانون الدولي, و على رأسها تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى الأماكن التي طٌهروا منها عرقياً. و بالتالي فإن الادعاء أننا ندعو فقط لمقاطعة المستوطنات هو ادعاء يشوبه مغالطات هائلة. و ما نداء المقاطعة (2005) إلا تجسيد لإجماع وطني عارم.
ما بين أيام الغضب و حملات المقاطعة الدولية يكمن ما يقلق قادة اسرائيل, ما يعتبرونه "خطراً استراتيجياً", ما يرينا الضوء في آخر النفق, ضوء الحرية و المساواة و العدالة.
و على المشككين أن يواصلوا طمر رؤوسهم في الرمال.
هل ذكرتنا العاصفة الثلجية ...... بالواقع اللئيم؟
الكاتب: د. مصطفى البرغوثي-وكالة معا
في البداية ومن منطلق العرفان بالجميل، لا بد من توجيه التحية لكل من ساهم على المستوى الوطني او المحلي في اسناد ابناء وبنات شعبنا والتخفيف بكل ما أمكن من آثار العاصفة غير المسبوقة، التي تعرضنا لها.
ولا بد في البداية ايضا من الاشادة بصبر وثبات أهلنا في قطاع غزة في مواجهة ما يتحملونه من معاناة تفوق طاقة احتمالات البشـر.
ولعلها مفارقة ذات مغزى ان أهالي الضفة الغربية بما فيها القدس، وهم يعانون من انقطاع الكهرباء لبضعة ايام قد ادركوا بعمق التجربة المباشرة معاناة شعبنا في غزة وهو يعاني من انقطاع الكهرباء لأشهر وسنوات.
وفي الحالتين فان الذي عانى ويعاني هو الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، ولعل افدح المعاناة تلك التي عاشها اللاجئون للمرة الثالثة في مخيمات لبنان وسوريا....وكأن القدر اراد ان يذكر الاجيال الجديدة بما عاناه اللاجئون في مخيمات اللجوء عام 1950 بعد عامين من النكبة وفي شتاء ثلجي كانت قسوته مشابهة لما عشناه خلال هذه الايام مع الفارق الكبير في الإمكانيات والموارد.
قبل أشهر نشر الكاتب الإنساني تشومسكي، والمناصر لقضية فلسطين مقالا تحدث فيه عن اساليب الالهاء التي تتبع لاشغال الشعوب عن قضاياها، ومنها...استراتيجية الالهاء....كاغراق الناس في القروض او خلق تعارض وهمي بين الهم الانساني الفردي...وخاصة الاقتصادي وبين الهم العام والمعاناة العامة. وفي حالتنا صار غلاء المعيشة وتسديد الاقساط عند البعض مفصولا عن الاهتمام بما يقوم به الاحتلال من ضم وتهويد و اضطهاد اقتصادي، دون ادراك أن الغلاء نفسه هو الى حد كبير حصيلة سياسات عامة تمارسها اسرائيل لقهرنا وتجويعنا.
العاصفة الثلجية قدمت صورة صادمة وصارخة لحقيقة الواقع المر الذي نعيشه.
فما الذي سبب انقطاع الكهرباء عن مئات الالاف لأيام طويلة، فجعل الاطفال وابائهم وامهاتهم عرضة لبرد قارص وشلل تام وأمراض ستتفاقم. وكيف يفهم تبرير مسؤولي السلطة بأن السبب يعود لاسرائيل التي قطعت عنا الكهرباء؟
نفس اسرائيل التي تحرم غزة من المياه في الصيف القائظ وتفتح السدود لتطلق عليها الفيضان القاتل في الشتاء. كيف وصلنا الى هذه الحالة؟
لماذا لا نملك نحن القدرة على الاقل للتحكم بكهربائنا؟ ولماذا لا ننتج الكهرباء؟ رغم كل أموال الدول المانحة والضرائب الجامحة وست سنوات مما سمي "بناء المؤسسات".والى متى نبقى رهائن لقرارات اسرائيل وحكوماتها؟
في الماضي كانت شركة كهرباء القدس شركة منتجة للكهرباء، فحوصرت وهددت ، ومنعت من تجديد محطات التوليد لديها واجبرت على خدمة المستوطنات للحفاظ على ترخيصها ، حتى تحولت الى مجرد وكيل توزيع وجباية للشركة القطرية الاسرائيلية، وأصبحت أسيرة بالكامل لقرارات الشركة الاسرائيلية.
ما الذي قطَع اوصال الأراضي الفلسطينية الى أ / ب / ج ؟ وحرمنا من القدرة على الاستقلال بقدرتنا على انتاج الكهرباء؟ اليس اتفاق أوسلو....الذي يروج الآن لنسخة جديدة منه.
ومن أعطى اسرائيل الحق في محاصرة غزة والتنكيل بها واغراقها بالعطش حينا وبالفيضان حينا آخر؟ اليس الانقسام والصراع على سلطة منتهكة الصلاحيات وعديمة السيادة وواقعة تحت الاحتلال هو احد العوامل المسببة لذلك؟
وعندما يعطي الاسرائيليون الأولوية لمستوطناتهم غير الشرعية للتزود بالكهرباء وتبقى مدننا وقرانا في عتمة الظلام والبرد القارص، اليس هذا هو نظام الأبارتهايد؟ ولعل اوضح المفارقات تكمن في معاناة سكان القدس الشرقية والبلدة القديمة بالمقارنة مع الخدمات المميزة التي تقدمها بلدية القدس للمستوطنات والجزء الغربي من المدينة. وعندما نجبر على دفع ما يقارب ضعف ما يدفعه الاسرائيلي ثمناً للكهرباء، رغم ان دخلهم يزيد عن دخلنا بعشرين ضعفا، أليس ذلك ظلما وعدوانا وتمييزا عنصريا؟
البعض روج ويروج، بسبب مصالحه ومنافعه الخاصة، للواقعية المزعومة بمعنى القبول بما هو واقع وليس فهمه لتغييره. والكثيرون روجوا لما سموه سلاما اقتصاديا على حساب السلام الحقيقي الذي يؤمن الحقوق السياسية والكرامة والسيادة والاستقلال.
ولعدة سنوات نظّر البعض لنظرية بناء المؤسسات، لنجد انفسنا بعد ذلك معتمدين في مائنا وكهربائنا واتصالاتنا على الاحتلال الذي يقهرنا ويتحكم بنا وتجد اغلب المحافظات الفلسطينية نفسها محرومة من البنية التحتية. والحجة كانت ....تحسين احوال المعيشة، على حساب الحرية السياسية.
هذه العاصفة الثلجية اطاحت بكل هذا الهراء مرة واحدة وأظهرت ان القبول بنهج أوسلو ، وما سيشابهه في المستقبل يعني فقدان الحرية السياسية وفقدان مقومات المعيشة ايضا. ويعني ان نسحق كل يوم بنار غلاء المعيشة والضرائب الباهظة ولا نجد عند هبوب العواصف ما ندفئ به أطفالنا وما ننير به ظلماتنا وما نحمي به بيوتنا من فيضان المياه.
والعبرة ان فقدان الحرية السياسية يعني ان نفقد القدرة على الحياة، وهذا ما تخطط له السياسة الاسرائيلية. وكل من يروج لاتفاق انتقالي جديد، بدون القدس وبدون السيطرة على الحدود وببقاء المستوطنات والتوسع الاستيطاني.
ماذا سنقول لأولئك اللاجئين في مخيمات لبنان والذين فقد بعضهم أبناءه مثلما فقد اجدادهم ابناءهم في عاصفة عام 1950، عندما نتحدث عن اتفاق محتمل لا يضمن لهم العودة ولا الخلاص من الظروف البائسة التي يعيشونها؟
الحقيقة التي لا يستطيع احد التهرب منها، ان معيشتنا وتدفئتنا وكهرباءنا وسلامة بيوتنا تعتمد على تحقيق تحررنا من هذا الاحتلال العنصري البغيض.
والحقيقة الثانية....اننا ونحن نخوض صمودنا ونضالنا ضد هذا الاحتلال فان الأولوية في استخدام مواردنا وضرائبنا ومقدراتنا يجب ان تعطى لاحتياجات الناس وقدرتهم على الصمود..... قبل اي شيء آخر. والحقيقة الثالثة ان الاحتياجات الامنية الاسرائيلية اصبحت ترزح على صدورنا كاطنان من الركام الذي يخنق انفاس اقتصادنا وموازنتنا وحياتنا اليومية.
الواقعية الحقيقية والثورية لم تكن يوماً الاستسلام للواقع ...بل فهمه وادراكه من أجل تغييره للأفضل، ومن دون السماح لأي وسيلة الهاء او خداع بحرفنا عن ذلك.