اقلام اسرائيلي 532
18/1/2014
في هــــــذا الملف
عن كيري المهووس بـ’نوبل’
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
‘بينتو’ الى المحاكمة
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
الدستور التونسي يفضح الفشل المصري
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
جردة حساب ‘يعلون’
الإدارة الامريكية شعرت بإهانة شديدة من تصريحات وزير الدفاع ولا بد من خطوات لعدم تكرارها
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
البعد الطائفي لمعركة الأنبار
بقلم:ايرز شتريم ويوئيل جوجنسكي،عن نظرة عليا
عن كيري المهووس بـ’نوبل’
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
مع وفاة ارئيل شارون فقدت اسرائيل وزير الدفاع ورئيس الوزراء الثاني الذي غير رأيه وفضل التسويات السلمية على الحرب. كلاهما كانا مشاركان في حروب قاسية مع الفلسطينيين، وكلاهما غيرا في مرحلة معينة من حياتهما السياسية نهجهما الاساسي. ومع أن اصل رابين وشارون كان في حركة العمل وذات الخلفية الفاعلة تجاه الفلسطينيين، توصلا الواحد تلو الاخر الى الاستنتاج بان العرب هم هنا الى جانبنا ومعهم ينبغي ان نتدبر امرنا. رئيسا الوزراء ووزيرا الدفاع هذان فهما ايضا بان هناك حاجة الى الامريكيين في هذه اللعبة. وكان لكليهما الميزة، خلافا لزعماء آخرين رأى فيهما الجمهور رجلي أمن، تقف اعتباراته فوق المصالح الحزبية. وفي احلام هذا الثنائي الوردية (او السوداء) لم يؤمن احدهما بانه سيصافح عرفات والثاني، الا وهو شارون، سيعيد لهم المناطق ويقتلع 17 مستوطنة دون تسوية.
في حديث مع الموقع أدناه شرح شارون بان ما يحركه هو تحرير شعب اسرائيل من ‘حلم بلاد اسرائيل الكاملة’. رابين اغتيل، شارون غرق في غيبوبة قبل ان ينهي خطوات السلام التي خطط لها. اما الحلم فبقي على حاله.
يرى الكثيرون في موت المقاتلين، اللذين تحولا في الطريق من صقرين الى متطلعين للسلام، خسارة كبرى. ايهود باراك غرق في الاعيبه ومباهجه. وبيبي اليوم يمتطي الفرس الشموس لليمين القومي المتطرف. والموضوع الاهم الذي كان مشتركا بين شارون ورابين هو التعاون الاستراتيجي مع الادارة الامريكية حتى عندما كان الامر يتعلق باقامة تسوية سلمية. إذ أي منهما لم يصدق حقا بان الفلسطينيين قادرون على المساومة على الاراضي بينما في اسرائيل قطاعات عامة غير قليلة من الجمهور مستعدون لان يدفعوا بثمن’ اعادة الارض، مقابل التسوية. لقد اخطأ شارون حين سحب 21 مستوطنة دون تسوية. فلا يوجد في أي مرة من المرات ‘توقيت صحيح’ للموت، ولكن شارون رحل عن الساحة رغم أنه واصل العيش لثماني سنوات اخرى. ‘يا له من نحس′، قال هذا الاسبوع سياسي قديم: ‘فقدنا الزعيمين الاقوى اللذين ارادا واستطاعا ان يقودا نحو تسوية وتنازلات’.
في هذه المسرحية التي تسمى ادارة دولة، المسدس الذي كان في المعركة الاولى، الا وهو موشيه يعلون، صعد الى المنصة في المعركة الثانية، وذلك كتصفية حسابات على انه لم يعين في حينه كرئيس للاركان لسنة رابعة. شارون اراد قائد سلاح الجو الشعبي دان حلوتس قبل فك الارتباط انطلاقا من الافتراض بان بوسعه ان يخلي المستوطنات ‘بتصميم وحساسية’ الميزتين اللتين لا يتمتع بهما يعلون بالضبط.
وقد شعر يعلون بالاهانة حتى اعماقه وشرح في حفلة وداعه لرئاسة الاركان الامر على النحو التالي: ‘أتعرفون لماذا احتذي حذاء عاليا في ساحة هيئة الاركان؟ لانه يوجد هناك عقارب وافاعي خطيرة’. ولم يتأخر الرد من دوائر المسؤولين عنه: ‘هو من نوع الناس الذين ليس فقط اغبياء بل ويبدون كاغبياء’. يعلون كوزير دفاع مغرور وممتلىء بنفسه تمترس على نحو جيد لدى رجال بلاد اسرائيل الكاملة في الليكود. ومساهمته في ان اسرائيل توجد اليوم في المكان الرابع في قائمة الدول المكروهة في العالم، لا بأس بها. اما شارون، الذي عمق بعد رابين الحلف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة بالثمانينيات حرص جدا بالذات على كبرياء وزراء الخارجية الامريكيين. والخطأ الوحيد الذي ارتكبه هو عندما قال لكونداليزا رايس ان لها ساقين جميلتين.
يعلون الذي قال عن كيري انه مهووس ومسيحاني و’اقترح’ التخلص منه ومن خطته من خلال منحه جائزة نوبل ينبغي ان يكون مجنونا كي يتحدث هكذا كوزير للدفاع، يحصل على مئات ملايين الدولارات بتعزيز قوة اسرائيل. السياسة لا تتشكل من اعتبارات باردة فقط. خلفها يوجد اناس. وحتى ليبرمان وقف دفاعا عن كيري، بقوله ان اقتراحه هو افضل ما حصلنا عليه في أي وقت من الاوقات. ان الجمهور ليس واع للخطر الذي يكمن له في غياب اتفاق. امريكا لن تبقى بالضرورة صديقة حميمة الى الابد. كيف يقال بالعبرية غير الطليقة؟ هي ايضا قد تتلقى ذات يوم نوبة جنون.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
‘بينتو’ الى المحاكمة
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
سُمح امس بالنشر بان قسم التحقيقات مع الشرطة يفحص معلومة وصلت اليه من محامي الحاخام اشياهو بينتو تقول ان قائد وحدة لهف 433 اللواء منشه ارفيف تلقى عطايا من رجال الحاخام. وفي اعقاب المواد التي نقلت الى قسم التحقيقات قرر المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين تأخير رفع لائحة الاتهام، تبعا للاستماع، ضد بينتو على محاولة اعطاء رشوة لقائد وحدة التحقيق، العميد افرايم براخا، حتى نهاية التحقيق في قضية ارفيف.
فينشتاين ملزم بالخروج عن التقاليد المترددة التي انتهجها منذ تسلم منصبه كمدعٍ عام. عليه ان يعالج تفرعات قضية بينتو بسرعة وبنجاعة. فموضوع الشبهات التي عرضت عليه، والتي تعزي تقديم عطايا لارفيف، ليس معقدا، وبالتأكيد ليس بالنسبة لقضايا معقدة كملفي ليبرمان وهرباز. من حق الجمهور ان يعرف باقرب وقت ممكن اذا كان احد المناصب الحساسة في قسم التحقيقات مع الشرطة يتولاه شخص فاسد.
لقد أوشك فينشتاين على أن يعلن قبل نحو شهر بانه يعتزم رفع لائحة اتهام ضد بينتو، تبعا للاستماع، على محاولة رشوة العميد براخا. واعلانه عن تأخير رفع لائحة الاتهام هو خطأ، وذلك لان بتلبثه يسح للمجموعة التي تحيط ببينتو بالقيام بالتلاعب مثل طرح التقدير بان بينتو سيحظى بمكانة شاهد ملكي وينجي نفسه من طائلة القانون.
ان كل الجهات التي حققت بالشبهات ضد بينتو تعتقد بان مادة الادلة متماسكة وهي تتضمن اشرطة سجلها العميد براخا وزوجته وفيها توثق صفقة الرشوة المزعومة. على بينتو بالتالي الواجب العام للمسارعة لاجراء الاستماع لبينتو. وبعد ذلك، اذا ما اخذ الانطباع بان بنية الادلة تبرر ذلك بالفعل، فان عليه أن يرفع لائحة الاتهام.
لقد اقام الحاخام بينتو شبكة علاقات معقدة، تضم سياسيين كبار، ارباب مال، صحفيين، افراد شرطة ومجرمين في قمة الجريمة. في سن 40 اصبح احد الاشخاص الاقوياء في اسرائيل؛ من حقه أن يكافح في سبيل براءته بكل الوسائل التي تحت تصرفه. ومع ذلك واضح بان واجب فينشتاين ان يوضح بصوت جلي بانه لا يوجد شخص يقف فوق القانون حتى لو كان محوطا بالمحامين، رجال العلاقات العامة، الالوية المتقاعدين والمؤيدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الدستور التونسي يفضح الفشل المصري
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
كالسترة التي فصلت بخيوط مؤقتة قبيل القياس النهائي هكذا تبدو اليوم تونس التي تحتفل بثلاث سنوات على الثورة. الرئيس، المنصف المرزوقي هو رئيس مؤقت، رئيس الوزراء الجديد مهدي جمعة هو الاخر مؤقت والحكومة الجديدة حتى ليست مؤقتة فهي لم تتشكل بعد. ورغم ذلك، يبدو أن للتركيبة السياسية التي تقود الدولة لديها فرص طيبة لمواصلة ادارة الامور على الاقل حتى الانتخابات التي ستجرى على اساس الدستور، الذي سيقر على ما يبدو في نهاية الاسبوع. فهذه الحكومة قامت على اساس اجماع واسع بين التيارات الدينية ولا سيما حزب النهضة الديني المعتدل الذي انتصر في الانتخابات، وبين التيارات العلمانية، الليبرالية التي تتمتع بتأييد شعبي واسع.
وهكذا، يأمل التونسيون بالوصول الى نهاية اشهر من الخلافات السياسية والمواجهات العنيفة في الشوارع التي تحولت الى ميدان الغام متفجر يهدد استقرار الدولة واعادة بنائها الاقتصادي. واذا ما تحققت التوقعات فستقدم هذه الحكومة امرا تاريخيا جديدا آخر. فلاول مرة منذ 1956، سنة الاستقلال التونسي، التي كان في حكومتها الاولى على مدى سنتين وزير يهودي، اندري باروخ، سيكون في الحكومة وزير يهودي مرشح ليكون وزيرا للسياحة. الرجل، رينيه طرابلسي، ذو ‘تجربة غنية في مجال السياحة’، هكذا قال عنه الناطقون الرسميون لصحيفة ‘التونسية’ والذين اضافوا مع ذلك بان تعيينه ‘يأتي ايضا لنقل رسالة اعتدال وتصالح تجاه ابناء كل الاديان الى العالم’.
وبالفعل، فان مركزية الدين ومكانته كمصدر يملي نمط الحياة الخاصة والعامة كانت من بؤر الخلاف المتلظية منذ الانتخابات التي عقدت في تشرين الاول 2011، وفاز فيها حزب النهضة بتأييد نحو 37 في المئة من الناخبين. ومع ان الحكم ما بعد الثورة في تونس يعتمد على تحالف الحزب الديني مع احزاب علمانية، كان التخوف ان يملي النهضة جدول الاعمال ويقرر الدين كمصدر رئيس للتشريع، مثلما حصل في مصر أو في دول اسلامية اخرى.
هنا يصطدم النهضة بسور واق ليبرالي يعتمد على التاريخ العلماني للدولة الذي تجذر في فترة ولاية بورقيبة وزين العابدين بن علي، الرئيس الذي اطاحت به الثورة. ولكن خلافا لسلوك الاخوان المسلمين في مصر، وربما بسبب الاحتجاج الجماهيري الذي نشأ في مصر وادى الى عزل نظامهم، اتخذ النهضة في تونس سياسة استثنائية. فقد وافق قادته على أن يتخلوا عن الحكم، وترك حكومة خبراء تنشأ بل وحتى اخضعوا مبادئهم الدينية في صالح دستور ليبرالي اكثر ليبرالية وعلمانية.
وهكذا، مقارنة بالدستور المصري الجديد الذي يقرر بان الشريعة الاسلامية هي مصدر رئيس للتشريع، سيقرر الدستور التونسي بان ‘تونس هي دولة حرة، مستقلة وسيادية. الاسلام هو دينها، العربية هي لغتها وهي جمهورية. لا توجد أي امكانية لتغيير هذا البند’. طلب الحركات الدينية بان يكون الاسلام او القرآن كاساس للتشريع رفض، مثلما رفضت مطالبها بتقييد مساواة المكانة بين النساء والرجال.
والنتيجة هي ليس فقط دستور قد يكون الاكثر ليبرالية في دول الشرق الاوسط بل وايضا نموذجا جديدا للسلوك السياسي الذي لا يعد فيه الانتصار في الانتخابات، فما بالك انتصار الاحزاب الدينية شرطا ضروريا للحصول على الحكم وان مصلحة الجمهور واستقرار الدولة أهم بكثير من القوة السياسية. ان التغيير الذي حققه المصريون بقوة الجيش حين عزلوا نظام الاخوان وصاغوا دستورا جديدا، حققه التونسيون بالتوافق وان كان ترافق ومواجهات شديدة.
تونس التي احتفلت هذا الاسبوع بالمسيرات وبالحفلات الخاصة في الذكرى السنوية الثالثة للثورة كفيلة، مع اقرار الدستور بان تشكل دولة نموذج للنجاح. ولكن المظاهرات التي عصفت في نهاية الاسبوع ضد السياسة الاقتصادية للحكومة، ومطلب ايجاد اماكن عمل لتقليص معدل البطالة الذي يبلغ نحو 17 في المئة (24 في المئة في المحيط) والنمو الهزيل، 2.7 في المئة في 2013، توضح جيدا بان دستورا فاخرا وحده لا يكفي لتحقيق احلام الثورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جردة حساب ‘يعلون’
الإدارة الامريكية شعرت بإهانة شديدة من تصريحات وزير الدفاع ولا بد من خطوات لعدم تكرارها
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
المُهانة على التوالي’، هكذا يسمي بوغي يعلون واحد من شركائه في مائدة الحكومة. إن استعمال لغة التأنيث غير عرضي: فهو لم يتم صدورا عن احتساب لذوق عضو الكنيست ميراف ميخائيلي اللغوي بل بالعكس للاشارة الى حساسية زائدة في تصريحات وزير الدفاع، وهذه صفة ينسبها الوزير دنان الى النساء لسبب ما.
يُهان يعلون ويُهين. إن الكلام الذي ذكره شمعون شيفر هذا الاسبوع على لسانه لم يكن نتيجة غضب لحظي أو حيلة سياسية بل عبر تعبيرا دقيقا عما يفكر فيه ويشعر به. هذا هو بوغي: فاذا كان المستقيم هو عكس الوغد فان بوغي هو أكثر الناس استقامة، واذا كان المستقيم عكس المعوج فعندنا مشكلة.
تغيرت نظرته الى حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني في اثناء تسعينيات القرن الماضي. وفي 1995 عُين رئيسا لـ ‘أمان’. وقد اجتمعت على طاولته في كل يوم أدلة على المساعدة السرية التي بذلها عرفات لخلايا الارهاب. وكان عرفات كعادته منذ كان يلعب في جميع الملاعب بصورة متوازية ويرقص في جميع العمليات التفجيرية. واعتقد يعلون أنه يجب على اسرائيل أن توجه الى عرفات انذارا فاما أن تفصل نفسك عن الارهاب وإما أن تطير. وقال له رابين ليس الآن. فلينتخب عرفات أولا بمقتضى القانون في انتخابات عامة رئيسا للسلطة الفلسطينية وحينها نعزله عن الارهاب. وبعد قتل رابين جاء بيرس بطلب مشابه ففضل بيرس الانتظار. وعرض بيرس الانذار على عرفات في ربيع 1996 فقط بعد أن أغرقت موجة ارهاب حماس البلاد. فأمر عرفات باصطياد رجال حماس والقضاء عليهم لكن ذلك كان عند بيرس متأخرا جدا فخسر في الانتخابات.
كان ذلك متأخرا جدا ايضا بالنسبة ليعلون، فقد فقد ثقته باتفاق مع الفلسطينيين. وفقد ثقته ايضا بالمسؤولين عنه. إن كلامه المقتبس عن جون كيري هو اطراء اذا ما قيس بما اعتاد أن يقوله في تلك الفترة عن شمعون بيرس.
وهكذا غرق مرشد حركة الشباب العاملين والدارس من كريات حاييم والاسطبلي من كيبوتس غروفيت، والضابط الذي تظاهرت زوجته وابنته من اجل ‘سلام الآن’، غرق في نواة اليمين الصلبة. ليس يعلون شارون، فان عدم ثقته بالعرب لم يأت من أسفل، من شجارات مع فتيان القرية المجاورة، بل من أعلى، من تقارير الاستخبارات. وهو مثل كثير من التائبين أكثر تمسكا بدينه من اولئك الذين رضعوا العداوة من حليب أمهاتهم.
حينما كان رئيس ‘أمان’ ونائب رئيس هيئة الاركان ورئيس هيئة الاركان عرف أن يتلو عن ظهر قلب اسماء جميع اصحاب الكنى الذين كانوا مشاركين يوما ما في الارهاب، واسماء المستعملين والقادة والمساعدين والمنتحرين. إن ما تشتمل عليه ذاكرته مدهش. لكن لا يجوز أن نُبلبل فالذاكرة الممتازة لا تضمن مرونة فكرية ورؤية شاملة. لا يوجد مثل يعلون في فهم مساويء الفلسطينيين وربما ايضا في وصف نقاط ضعف الامريكيين الذين يؤمنون بحلول عجيبة للصراع. فيعلون يعلم ما الذي يفعله الصراع بهم. لكنه لا يعلم ويرفض أن يعلم ماذا يفعل استمرار الصراع وسيفعل بدولة اسرائيل. فهو يكشف عن عوراتهم لكنه يغمض عينيه عن رؤية عورتنا.
‘ما الذي حدث لبوغي؟’، سألني هذا الاسبوع واحد من زملائه في الماضي في هيئة القيادة العامة. ‘ما الذي حدث لبوغي؟’ كرر سؤالي واحد من معارفه الامريكيين. لا أعتقد أنه حدث له شيء، فوزير دفاعنا يكثر من الشكوى، وقد شكا وسيشكو الى أن ينبعث دخان.
إفساد شديد
تلقت الادارة الامريكية كلام يعلون بصورة شديدة. فطلب سفير الولايات المتحدة دان شبيرو في صباح يوم الاثنين أن يعتذر يعلون ويتراجع عما قال ايضا. ويتصل الاعتذار بالاسلوب لأنه ليس من المقبول أن يوصف وزير خارجية دولة حليفة بأنه ‘مسيحاني’ و’موسوس′ وارساله للحصول على جائزة نوبل وأن يدعنا وشأننا. ويتصل الندم بالجوهر: فقد دفن يعلون التفاوض كله وفيه الاقتراح الامني الذي عرضه الامريكيون. وتوقعوا أن ينكر كلامه.
ورفض يعلون التكمش. فقد نشر بعد الظهر اعلانا قصيرا جدا لم يوجد فيه لا اعتذار ولا ندم فغضب الامريكيون غضبا شديدا، فقرأت متحدثة وزارة الخارجية اعلان توبيخ شديد اللهجة جدا، وتابعها على ذلك متحدث البيت الابيض. وانضم نتنياهو الى الضغط وفي الليل أصدر يعلون اعلانا آخر اشتمل على اعتذار. أو على نصف اعتذار كما قال الامريكيون، وهذا غير كاف. وعلى حسب تجربة الماضي تنتظر يعلون في واشنطن فترة غير سهلة لأنه توجد مئة طريقة للتنكيل بوزير دفاع لا تريد ادارة امريكية الخير له. ويتصل بعضها بالعناية بالطلبات التي يضعها جهاز الامن في اسرائيل كل يوم على طاولة الامريكيين.
توقع الامريكيون أن يفعل نتنياهو شيئا ما وبينوا لنتنياهو قائلين: ‘يوجد هنا مع الاهانة إفساد شديد للتفاوض. إن يعلون عضو في حزبك ونتوقع أن تُخضعه للطاعة’.
واكتفى نتنياهو بتحفظ باشارة خفية من اسلوب يعلون لا من مضمونه. فهو لم يشأ أن يبدو في نظر اعضاء حزبه أنه استسلم لاملاء امريكي.
وهم في واشنطن يدركون أن للقضية جانبا سياسيا. ‘هذه حيلة سياسية لامعة’، بين وزير من الليكود لأحد معارفه من الادارة الامريكية. ‘ظهر يعلون مثل بطل مستعد أن يواجه امريكا من اجل امن اسرائيل، وسيكون ذلك في مصلحته في الانتخابات التمهيدية’.
إن من يفكر بهذه الطريقة غير قادر على التفريق بين وزير دفاع دولة اسرائيل وميري ريغف، فقد أصبحت اللعبة السياسية في الليكود هزلية بهذا القدر.
وحذر وزير آخر من حزب آخر من أن كلام يعلون نبوءة تحقق نفسها، فيعلون يقنع الرأي العام بأنه لا فائدة من اتفاق ويعارض بعد ذلك الاتفاق بحجة أن الرأي العام لا يقبله. وسأله وزير قائلا اذا كان التفاوض لا فائدة منه وهو من الفضول ومضر فلماذا يستمر يعلون في الجلوس في جميع النقاشات؟ فليقم ولينصرف.
وقال نفس الوزير ايضا: من حسن الحظ أن الكلام نشر بعد أن أقلع نائب الرئيس بايدن من هنا، ففي كل مرة يزور البلاد فيها توجه ضربة اليه بخطة بناء أو باهانات. ولو وجد هذه المرة لما ضبط نفسه بل كان سيسدد الينا ضربة.
باعث قوي فوق هاوية
إن المشكلة هي أن كلام يعلون كان فيه قدر كبير من الصدق، وهم في واشنطن وفي القدس ورام الله يدركون ذلك لأنه لا يوجد تفاوض. كان واضحا من البداية أن هاوية تفغر فاها بين الطرفين ولا يمكن عقد جسر فوقها بباعث قوي من وزير خارجية امريكي. فلا يوجد حافز ولا توجد مصلحة ولا توجد ثقة ولا يوجد ضغط. والامر لن يمر باللين.
أعلن كيري في مؤتمر صحفي في الكويت بأنه سيستمر على جهوده بلا كلل. وهو سيستغل الكلام الذي قاله يعلون عنه كي يزيد الثقة به في الدول العربية. وفي هذه الاثناء يعمل فريقه في تفاصيل الورقة التي ستعرض على أنها اتفاق اطار. ويتضاءل محتوى الورقة من يوم الى آخر ويؤجل الأجل المسمى من اسبوع الى آخر. والروح المعنوية غير عالية. ويوجد في داخل الفريق اصوات تقول حسبُنا. فقد أُهنا بما فيه الكفاية وحان الوقت لاغلاق ‘البسطة’. فليتفضل الفلسطينيون وليتجهوا الى مؤسسات الامم المتحدة فستعطيهم الامم المتحدة دولة في الورق وتعطي اسرائيل المحاكمات والمقاطعات وربما
رأس المابايي
يقول رافي ايتان: ‘يسأل كثيرون ماذا كان سيفعل اريك شارون لو كان حيا اليوم. وأنا أعلم ماذا كان سيفعل’.
إن ايتان ابن السابعة والثمانين، وهو من كبار مسؤولي الموساد في الماضي ومستشار شؤون الارهاب في الماضي ووزير في الماضي، كان أحد أقرب الاشخاص الى شارون. فليس هو صديقا بأثر رجعي وليس هو مُجلا أعمى بل هو شريك ورجل سر. كان ايتان معه في أكثر مناصبه إما بالقرب منه وإما تحت إمرته. ويقول: ‘كنا شخصين نهج تفكيرنا متشابه’. وسألته: أي نهج، فقال ايتان: ‘كلانا مابايي’.
‘في سبعينيات القرن الماضي كان الاعتقاد أن ارض اسرائيل كلها لنا وأن سكانها الفلسطينيين سيكتفون بحكم ذاتي. وفي هذه الحال يجب الاستيطان في كل مكان كي لا يوجد فصل، ولهذا تبنى اريك الاستيطان في المناطق، وكان هنا ايضا تقدير سياسي.
‘صنعت حرب لبنان التغيير عندي، وصنعته عنده رويدا رويدا. فقد بدأنا بعدها ندرك أنه يجب احداث فصل في يهودا والسامرة ايضا.
‘في آب 1988 اعلن الملك حسين أنه يتخلى عن المسؤولية عن الضفة الغربية. ونشأ فراغ. كان رئيس الوزراء هو اسحق شمير. وقد عرفته معرفة حميمة بسبب العمل المشترك في الموساد، فهاتفته في بيته في ذلك المساء وقلت لزوجته شولاميت، أنا قادم. وأتذكر الى اليوم طعم العجة التي قدمتها لنا’.
وغضن وجهه، فهو لا يتذكر طعم العجة ذكرا حسنا.
لكن اللقاء كان ناجحا. ‘قلت انه توجد هنا فرصة غير عادية للجمع بين خطتي يغئال الون ويسرائيل غليلي. تبقى لنا صحراء يهودا وغور الاردن وسيطرة على سفح الجبل ونخرج من جميع المناطق الفلسطينية المأهولة.
‘وحينها قال شمير: يجب الفحص عما يعتقده الامريكيون. إن سام لويس (سفير الولايات المتحدة آنذاك) سيزورنا هنا، وهو صديق شارون فليتحدث شارون اليه.
‘ويجب أن نسأل رابين عن رأيه’.
كانت الحكومة حكومة وحدة وكان رابين وزير دفاع وكان حليف شمير على وزير الخارجية بيرس.
‘هاتفت شارون مباشرة فأخذ على عاتقه أن يتحدث الى لويس، وأن أتحدث أنا الى رابين. وفي الصباح كمنت لرابين عند درج وزارة الدفاع فوعدني رابين بالتأييد’.
عاد شارون مع انباء طيبة من لويس، فالامريكيون ستصعب عليهم المعارضة لأن في الضفة فراغا. وقال شمير إنه سيفكر في ذلك.
‘بعد بضعة ايام عدنا الى شمير فقال فكرت في ذلك وخلصت الى استنتاج وهو لماذا يكون لنا جزء من الضفة فقط؟ لماذا لا تكون كلها؟ فقلت له اذا أردت كل شيء فستنتهي الى لا شيء’.
الانفصال 2
يزعم ايتان أن الاجراء من طرف واحد في الضفة كان هو الحل الذي سعى اليه شارون حينما كان رئيس وزراء. وأطلعني على مذكرتين كتبهما إثر لقاءين مع شارون في كانون الثاني وأيار 2004. تحدث شارون في اللقاء الاول في جملة ما تحدث عنه عن عدم ثقته بالفلسطينيين. ‘استغرقت ادارة بوش زمنا لتدرك أنه لا أمل في اتفاقات مستقرة مع الفلسطينيين’، قال شارون. ‘فانهم لن يعرفوا ضبط أنفسهم’.
اشتملت خطة انفصال شارون على كل قطاع غزة وأجزاء واسعة من يهودا والسامرة.
قال شارون: ‘إن الشارع عابر السامرة، مثلا من اريئيل الى الشرق سننقله الى اتجاه معاليه لبونه وعاليه وشيلا وعوفرا. وسيمكننا ذلك من التمسك بسفح الجبل’.
فلاحظ ايتان قائلا: ‘لكن هذا يعني أن تفوح وربما مغداليم ايضا ستنقلان الى اماكن اخرى’.
فقال شارون: ‘يبدو أنك على حق. لكنني لن أتخلى عن الغور’.
وتم اللقاء الثاني في ذروة النضال عن الانفصال من غزة. ‘أنا مصمم على تنفيذ الخطة’، قال شارون. ‘اذا لم يكن مناص فسآخذ حزب الله أو شاس أو كليهما. وتحدثت الى تومي لبيد عن شاس فقال لبيد كيف سأظهر في التلفاز؟ فقلت له إنه يجب لأجل هدف قومي أن تعرف كيف تتنازل عن اشياء حتى عن فصل الدين عن الدولة’.
تحدثا بعد ذلك عن مواصلة الانفصال في الضفة. ‘ذكر اريك ثلاثة امكانات’، كتب ايتان. ‘الاول تنفيذ القانون الاسرائيلي في المنطقة التي ستحدد كما هي الحال في هضبة الجولان؛ والثاني الضم. ولا يمكن فعل هذا دون موافقة امريكية لن تعطى كما يبدو؛ والثالث اعلان مناطق امنية. وقال انه لن يقوم بأي اجراء رسمي قبل الانتخابات في امريكا’.
من السهل أن نتخيل هذين الرأسين الأشيبين وهما خريجا حرب الاستقلال ينحنيان معا فوق خريطة يبحثان عن مسار لشارع عيلي الى عاليه، وعن جسر الى شيلا وعن نفق يربط كريات اربع بالجيب اليهودي في الخليل. فالذي لا يجوز عرضا يجوز الى أعلى والذي لا يجوز بالموافقة يجوز بالقوة.
وصعب عليهما أن يُسلما بحقيقة أن العصر الذي كان يقدس إقرار الحقائق على الارض قد زال ولن يعود.
إن ايتان على يقين من أنه لولا أن شارون دخل المستشفى في كانون الثاني 2006 لنفذ في بضعة اشهر مسار تفاوض عابثا يعلن بعده انفصالا كبيرا في الضفة. ‘تحدثنا عن بيت إيل هل نخليها أم لا، وقال اريك انها عظم في حنجرة رام الله فسنخليها. وتحدثنا عن بسغوت وبيت حغاي. فقال شارون يجب اخلاؤهما كما أخلينا غنيم وكديم وحومش’.
قلت لرافي ايتان: نتنياهو ايضا لا يقدس المستوطنات جميعا. فما الفرق بينه وبين شارون؟
‘كان اريك مستعدا للسير على شفا الهاوية’، قال. ‘أما نتنياهو فلا. انه يدرك أننا لا نستطيع السيطرة على رام الله أو جنين لكنه غير مستعد للمخاطرة’.
وسألته: ما الفرق بين نتنياهو وشمير.
فابتسم ايتان وقال: ‘حينما كانوا يحذرون شمير قائلين اذا فعلت كذا وكذا فلن تكون رئيس وزراء، لم يكن يخاف بل كان يقول: لقد أصبحت رئيس وزراء’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
البعد الطائفي لمعركة الأنبار
بقلم:ايرز شتريم ويوئيل جوجنسكي،عن نظرة عليا
العام 2013 كان العام الاكثر عنفا في العراق منذ 2008 مما يذكر بان الحرب على العراق بعيدة عن النهاية. واندلاع العنف الاخير في محافظة الانبار يرتبط باخلاء خيمة احتجاج سنية واعتقال نائب برلمان سني على ايدي قوات الامن، في اثنائه قتل اخوه وخمسة من حراسه. فاستقال 40 عضو برلمان سني احتجاج على الاعتقال العنيف، فيما تضمنت المواجهات المسلحة التي اندلعت في ارجاء المحافظة سيطرة منظمة ‘الدولة الاسلامية في العراق والشام’ وقبائل سنية مسلحة على اجزاء واسعة من عاصمة المحافظة الرمادي وعلى مدينة الفالوجة. وسيطر المسلحون، ضمن امور اخرى على مواقع للجيش ومحطات الشرطة وحرروا السجناء؛ وبالتوازي ردت قوات الامن بقصف المواقع من الجو.
الانفجار الاخير في محافظة الانبار خطير ولكنه واحدا من أعراض بعض من امراض العراق. فالاحتجاج السني ضد حكم المالكي بدأ كموجة عفوية من المظاهرات غير العنيفة والعصيان المدني وتدهور الى تمرد عنيف يهدد باجتراث الدولة مرة اخرى الى حافة حرب اهلية. فالسنة يتهمون المالكي باستخدام الاعتقالات العابثة والقمع الوحشي للاحتجاج مما يضاف الى التمييز المنهاجي ضدهم في كل مجالات الحياة. ويعمل المالكي على حد زعمهم على أن يجمع في يديه المزيد فالمزيد من صلاحيات الحكم واخضاع اجهزة الامن له واستبعاد محافل السنة عن الساحة السياسية في العراق.
وقد استغلت هذا الاحباط المنظمات الاسلامية التي ترى في المعركة على سوريا والعراق صراعا واحدا. وتعمل منظمة الدولة الاسلامية في العراق والشام على جانبي الحدود بالتوازي وتتطلع الى اقامة امارة اسلامية موحدة في المناطق التي تحت سيطرتها. وساعد تفكك الجيش السوري وسقوط العديد من مخازن السلاح لديه في ايدي المعارضة، وكذا التبرعات السخية، التي تصل اساسا من جهات خاصة ومنظمات ‘خيرية’ في دول الخليج، هذه المنظمات، المتماثلة مع القاعدة، لرفع الرأس في العراق بعد الضربة التي تعرضت لها’ في عامي 2007 2008.
في تلك السنين، بالتوازي مع التعزيز المكثف للجيش الامريكي في العراق، بدأت القوات الامريكية بالتعاون مع الحكومة العراقية في ربط القبائل السنية في محافظة الانبار، ممن ملوا تواجد القاعدة ونفروا من طريقها العنيف، بالصراع ضد المنظمة. وكان التعاون مع حركة ‘الصحوة’، الميليشيا التي تشكلت من رجال القبائل السنية وتلقت الدعم بالتمويل والسلاح من القوات الامريكية العامل الحاسم في نجاح العراق في تقليص عدد القتلى في العمليات الارهابية وفي المواجهات المسلحة. غير أنه منذئذ اهملت الحكومة حركة ‘الصحوة’. فبعد مغادرة القوات الامريكية، رفضت الحكومة في بغداد مواصلة دفع الرواتب لمعظم رجالها، بل واعتقلت العديد من اعضائها خشية أن تشكل الحركة بنفسها تهديدا على الحكومة.
التقى المالكي بقادة القبائل في المحافظة في محاولة لاعادة تنظيم حركة ‘الصحوة’ بل وأعلنت عن التقدم بعدة مشاريع كاقامة مدينة صناعية، مطار جديد ومنشأة لتكرير النفط، بهدف استعادة ثقة السكان والاظهار بانها تنصت لمطالب الاحتجاج. كما أنه في اعقاب الاحداث الاخيرة، نجحت الحكومة العراقية في الوصول مع بعض القبائل المسلحة في المحافظة الى اتفاق مؤقت يسمح لها بالتعاون معها ضد الاسلاميين. وتنفر العديد من القبائل في المحافظة من المنظمات المتطرفة ولكنها في نفس الوقت لا تثق بالحكومة وبقوات الامن العراقية ذات الطابع الشيعي. كما أن حقيقة أن منظمة الدولة الاسلامية في العراق والشام قادرة على أن تدفع الرواتب، حتى وان كانت قليلة، للسكان المحليين تدفع الكثير منهم الى الانضمام الى صفوفها. كما ان العمق الاستراتيجي للمنظمة، التي وسعت سيطرتها الى مناطق واسعة في سوريا، والتي توجد خارج متناول يد قوات الامن العراقية، او قوات الاسد، يمنح المنظمة فضلا هاما.
كلما تعاظم العنف، تآكلت شرعية المالكي وحكومته، حتى في نظر السكان الشيعة في الدولة، الذين يشكلون، الى جانب قوات الامن الهدف الاساس للعمليات الارهابية من المنظمات السنية المتطرفة. ومع ذلك، كلما استخدمت الحكومة قوة اكبر لقمع مراكز الاحتجاج فانها قد تفقد ثقة السنة الذين يرون في ا عمالها هجوم الجيش الشيعي على السكان السنة، محاولة للقمع والسيطرة.
ويأتي الاضطراب على خلفية المخاوف على الوحدة الاقليمية للدولة العراقية. فقد أعلنت عدة محافظات حتى الان عن تطلعها الى الحكم الذاتي، وهو الحق المحفوظ لها حسب الدستور العراقي. ومنذ اليوم تتصدى الحكومة في بغداد للاستقلال المتصاعد لمحافظة الحكم الذاتي الكردي، الذي يتمتع بوضع اقتصادي وامني جيد اكثر من العديد من المناطق الاخرى في الدولة. وبينما يثبت الاكراد استقلالهم في شمالي الدولة، بقي جنوب العراق منطقة تحت النفوذ الايراني. فايران ترى في العراق، ذي الاغلبية الشيعية، منطقة نفوذ طبيعي لها وجزء هام من التواصل الذي يربط بين الجمهورية الاسلامية وحلفائها في الهلال الخصيب نظام الاسد وحزب الله.
لا ترتاح الولايات المتحدة لسياسة الحكومة العراقية التي تساعد ايران على توسيع نفوذها في المنطقة، ضمن امور اخرى في انها تسمح للاخيرة بنقل العتاد والمقاتلين الى سوريا من اراضيها. كما ان الولايات المتحدة لا ترى بعين الايجاب محاولات المالكي تركيز المزيد فالمزيد من صلاحيات الحكم في يده، واستبعاد السنة عن المسيرة السياسية في العراق ومنع الميزانيات التي يستحقونها عنهم. ورغم المصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة والعراق (وايران) في صد المنظمات الاسلامية السنية، فقد ردت الادارة الامريكية حتى الان بشك وتردد على طلبات الحكومة العراقية زيادة كمية ونوعية السلاح المنقول اليها. فثمة تخوف من أن يستخدم المالي صراعه ضد الاسلاميين كوسيلة لنيل المساعدات الامريكية، السياسية والعسكرية، مما سيساعده عمليا في تثبيت قوته.
من المتوقع للولايات المتحدة أن تنتظر حتى تتيقن اذا كان المالكي سيتمكن من استغلال الازمة الحالية كي يحقق المصالحة بين الحكومة الشيعية والسكان السنة قبل أن تتخذ بادرات طيبة اخرى تجاه العراق. فالادارة الامريكية، التي تشدد كل الوقت على ان هذا صراع عراقي داخلي، تسعى الان الى تزويد الجيش العراقي بوسائل قتالية (صواريخ جو ارض، طائرات بلا طيار واذا ما رفعت المعارضة في الكونغرس، فمروحيات اباتشي ايضا) وذلك لمساعدته في صراعه ضد الاسلاميين. وسيكون هذا التزويد بالسلام اختبارا لمدى نفوذ الولايات المتحدة على الحكومة العراقية وكفيل بان تستخدمه الادارة الامريكية لخلق رافعة ضغط لتغيير سياسة المالكي تجاه السكان السنة وتقليص المساعدة التي يمنحها لايران وسوريا. وبالتالي فان توريد الوسائل القتالية الامريكية ينبغي أن يأتي تبعا للمطالبة من الحكومة العراقية للتوافق مع السنة. فالمساعدة العسكرية، حتى وان كانت غير مباشرة، يمكنها أن تساعد الادارة الامريكية للاثبات بانها لم تهجر العراق تماما، حتى وان لم تكن مستعدة لان تتدخل في ما يجري فيه بشكل مباشر.
الى جانب المالكي، هناك الايرانيون، الذين عرضوا مساعدتهم في قمع التمرد بينما يقف في المقابل السعوديون الذين اتهمهم المالكي من قبل بمساعدة الجماعات السنية المتطرفة في العراق لضعضعة استقرار حكمه. ومع أنه لا توجد ادلة حقيقية على أن السعوديين يدعمون هذه المجموعات مباشرة، الا ان السنة بشكل عام ينظرون نحو الرياض ويأملون بمساعدتها.
على الرغم من عدم الثقة بين القبائل السنية والحكومة، فان محاولة منظمة الدولة الاسلامية في العراق والشام السيطرة على مدن مركزية والرغبة في فرض صيغة متشددة من الشريعة الاسلامية في المناطق التي تحت سيطرتها كفيل بان يدفع بعض زعماء القبائل بالتعاون مع الحكومة بل ويسرع مساعي الحوار بين الطرفين. الكثير من السكان، الذين يعملون في اطار الميليشيات المحلية، يقاتلون ضد الاسلاميين بسبب النفور من ايديولوجيتهم ومن الرؤيا التي يمثلونها ولان الكثيرين منهم غرباء (‘متطوعون’ من خارج العراق).
ان التوتر في محافظة الانبار-’ الذي يشكل ثلث الاراضي العراقية تقريبا يرتبط في اساسه بغضب السنة بسبب اقصائهم عن مراكز القوة ومنع الاموال التي يستحقونها برأيهم عنهم. كما يرتبط هذا التوتر بتسلل الحرب الاهلية في سوريا الى جارتها والغضب المحلي الناشيء عن المساعدة التي تمنحها الحكومة في بغداد لنظام الاسد الامر الذي يخدم الاسلاميين. ان قدرة المالكي على احلال الهدوء ورفع فرصه لان يحظى بذلك بولاية ثالثة في الانتخابات القريبة القادمة منوطة بقدر اقل بالمعركة العسكرية التي يديرها ضد الاسلاميين وبقدر اكبر بقدرته على رأب الصدوع الطائفية العميقة في دولته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
