1 مرفق
اقلام واراء اسرائيلي 06/05/2014
أقــلام وآراء إسرائيلي الثلاثاء 6/05/2014 م
|
في هــــــذا الملف
المصالحة بين فتح وحماس ـ المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين
بقلم: مارك هيلر،عن نظرة عليا
دولة ثيوقراطية يهودية
بقلم: أبراهام بورغ ،عن معاريف
يوجد شيء كهذا ‘اسرائيلي’
بقلم:اسرة التحرير،عن هآرتس
قصة النكبة من وجهة النظر الإسرائيلية
بقلم: شلومو أفنري،عن هأرتس
تقرير سري عن حرب لبنان
بقلم: أمير أورن،عن هأرتس
|
المصالحة بين فتح وحماس ـ المحادثات بين اسرائيل والفلسطينيين
بقلم: مارك هيلر،عن نظرة عليا
يوم الأربعاء قبل اسبوعين تقريبا التقى ممثلو فتح وحماس في غزة وتوصلوا الى اتفاق مصالحة جرت منذ زمن بعيد محاولة لتحقيقه. وفي ذات المساء ألغت حكومة اسرائيل لقاء كان تقرر بين المندوبين الاسرائيليين والفلسطينيين للمفاوضات، وفي الغداة صوتت بالاجماع على تعليق المحادثات. وتدعي اسرائيل بان ابو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس م.ت.ف وفتح، رفض السلام في أنه تبنى حماس. عمليا، تسعة أشهر من المفاوضات التي سبقت المصالحة بين فتح وحماس (وهناك من سيدعون بان 20 سنة ايضا، في اثنائها تحركت المسيرة السلمية مع قيادات فتح وتوقفت على التوالي حتى دون اضطرارات الشراكة مع حماس) اثبتت بان فرص ان تتوصل اسرائيل وفتح الى اتفاق يوقف الحد الادنى من مطالب التيار السياسي المركزي لكل طرف هي طفيفة، حتى لو عمل كل طرف بمفرده. وعليه، ليس واضحا تماما لماذا بدلا من تعليق المحادثات، ولا سيما بعد اصرار اسرائيل المتكرر على أن يلتزم ابو مازن بمواصلتها، لم تحاول اسرائيل استغلال اعلان المصالحة كي تحسن موقفها في ‘اللعبة’ الدولية لتبادل الاتهامات، والتي كانت المعنى الخفي المركزي للمفاوضات على مدى طول الطريق.
رغم ان التفاصيل الكاملة ـ التي كما هو معروف تعيش الى جانب الشيطان لم تنشر، فان الخطوط المركزية لاتفاق المصالحة معروفة: ابو مازن سيشكل حكومة وحدة من التكنوقراط في غضون خمسة أسابيع، تستعد لانتخابات جديدة للرئاسة وللبرلمان في غضون ستة اشهر. قسم من التقارير اشار أيضا الى أنه توجد خطط لاعادة تشكيل م.ت.ف ـ الشريك السابق لاسرائيل في المفاوضات. ويعد هذا الاتفاق نقطة الذروة بعد سنوات من الجهود الفاشلة لاحلال مصالحة بين الحركتين، بداية من خلال المداولات على اصلاح م.ت.ف، وبعد ذلك من خلال محادثات مع جهات وسيطة. وكان الهدف هو رص صفوف الحكم في السلطة الفلسطينية بعد الانقسام العنيف بين فتح وحماس في 2007. وقد أنتجت المحادثات في حينه اتفاقين (القاهرة 2011، الدولة 2012)، ولكن كل مساعي المصالحة هذه انهارت في نهاية المطاف بسبب الصراعات على القوة والسيطرة ولا سيما على اجهزة الامن، والتي اثارت خلاف حتى أكثر من مسألة الموقف من اسرائيل. معقول الافتراض بان مصير هذا الاتفاق الاخير سيكون مختلفا، ولا سيما لانه يوفر تلبية فورية لاحتياجات الطرفين العاجلة. بالنسبة لحماس هذا هو السبيل لتحقيق تسهيل في القيود التي فرضها النظام العسكري المعادي في مصر، والذي يرى في حماس مثابة فرع للاخوان المسلمين الكريهين؛ وبالنسبة لفتح فان هذا سداد أمان لوقف الشرعية المتدهورة للرئيس، الذي مرت ثماني سنوات منذ انتخب ويتعرض لضغط سياسي شديد داخل فتح، بقيادة محمد دحلان؛ وبالنسبة للطرفين هذا هو السبيل لاستخدام العامل الشعبي ـ ‘الوحدة الوطنية’ لتقديم جواب على الوعي المتزايد في أوساط الجمهور في الضفة الغربية وفي غزة، في ضوء الاداء المتدني والخصومة التافهة للحكمين المحليين. لهذه الاسباب، فان فرص المساعي الحالية للمصالحة في النجاة افضل من كل المساعي التي سبقتها.
ومع ذلك، فان تجربة الماضي غير مشجعة، والاثار العملية والاليمة لحكومة الوحدة (مثل مصير سجناء حماس في سجون فتح والسيطرة على أجهزة الامن، لا تزال غير واضحة. والاهم من كل شيء على فرض أن الانتخابات المخطط لها ستخرج الى حيز التنفيذ، فان كل حركة ستضطر الى أن تقرر كيف ستتصرف في حالة الخسارة في الانتخابات ـ هل ستمنح طواعية الطرف المنتصر السيطرة على الارض التي توجد اليوم تحت سيطرتها؟ على هذه الخلفية، ينبغي الافتراض بان غسان الخطيب، المحلل السياسي الذي شغل في الماضي منصبا في السلطة الفلسطينية كان دقيقا للغاية حين قال لـ ‘نيويورك تايمز′ ان ‘الطرفين قد يكونا بحاجة ماسة الى المصالحة ولكن لا يمكن لاي طرف منهما أن يحتمل ثمن النجاح’.
ولكن حتى لو نجحت المصالحة بالفعل، فلن يكون لذلك تأثير هام على الفرص لاتفاق شامل بين اسرائيل والفلسطينيين. وبالفعل، يحتمل أن تكون حماس داخل الحكومة ستعرب عن أراء مختلفة عن أراء حماس خارج الحكومة (وان كانت التجربة القصيرة لسنة التعاون بين 2006 و 2007 بعيدة عن أن تثير توقعات بذلك)، ولكن ابو مازن نفسه في حديثه الى جمهور ناخبيه هو الذي لا يبدي الاستعداد أو غير قادر على ان يوافق على الشروط التي يراها الكثير من الاسرائيليين شروطا لازبة لسلام حقيقي: الاعتراف باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، بمعنى مبدأ ‘دولتين للشعبين’، مثلما تضمن الاعلان التأسيسي للامم المتحدة في موضوع النزاع الاسرائيلي العربي، قرار رقم 181 للجمعية العمومية للامم المتحدة من العام 1947. ويمكن للوحدة الفلسطينية بالفعل أن تساعد في اتفاق السلام، ولكن فقط اذا ما كانت النتيجة ان تدفع حماس ابو مازن عمليا لان يهجر موقفه في هذه المسألة النتيجة التي هي غير منطقية على الاطلاق بل وهاذية.
ومع ذلك، من ناحية اسرائيل فان النقطة الحاسمة ليست هل كل الفصائل الفلسطينية ستتبنى اتفاقا مقبولا (فثمة احزاب اسرائيلية في الائتلاف تعارض ‘الدولتين للشعبين’) بل هل المضمون الجوهري للاتفاق سيلبي مطالب اسرائيل، وهل سيشترط تطبيقه بعملية اقرار معقدة، وعلى رأس ذلك استفتاء شعبي فلسطيني برقابة دولية يكون ‘حرا ونزيها’. والى أن تنضج الظروف لاتفاق شامل يكون ممكنا طرحه على هذا الاختبار، فلا يوجد اي سبب لان يجبر حكومة فلسطينية، تضم حماس على الامتناع عن السعي الدائم نحو تسويات لادارة النزاع (تسعى اسرائيل نفسها الى تحقيقها مع حماس في سياق غزة)، وعلى رأس ذلك تسويات مثل الالية الدولية المؤقتة التي سمحت باستمرار التمويل والاداء للسلطة الفلسطينية في عام 2006 2007.
ولما كانت لا توجد لتطورات عملية المصالحة بين فتح وحماس آثار مباشرة على مسيرة المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين، فالمنطق في أساس قرار حكومة اسرائيل المبادرة الى التعليق الرسمي للمحادثات ليس مفهوما من تلقاء نفسه. وبدلا من المخاطر بالاشتباه بانها تتعلق فقط بأول فرصة كي ترأب الصدع في صفوف الائتلاف، كان يمكن للحكومة أن تعمل على أن تلقي بالمسؤولية على الطرف الاخر، مثلا، في أن تجبر حماس على أن تعيد تعريف موقفها تجاه اسرائيل، وتصيغ بوضوح اكبر نهجها من المفاوضات. وفي نهاية المطاف، وان كان واضحا بان التطلع هو للوصول الى اتفاق سلام في أعقاب المفاوضات، الا ان هذا ليس هدفا واقعيا للمدى القريب، وبالتأكيد ليس الهدف الوحيد. في الوضع الحالي من الحيوي بقدر لا يقل عن ذلك، النجاح في ادارة نزاع غير قابل للحل، وبالتوازي تثبيت المكانة السياسية الدولية لاسرائيل. ان وضع السلطة الفلسطينية وم.ت.ف، بما في ذلك عناصر حماس التي ستندرج فيها في أعقاب الاصلاح، امام تحدي قبول الشرعية الدولة المندرجة في مبادىء الرباعية، اي، الاعتراف باسرائيل، وقف العنف وتبني الاتفاقات القائمة بين اسرائيل والفلسطينيين كفيل بان يدفع الى الامام بنجاعة لا تقل عن ذلك الاهداف الثانوية لاسرائيل، بل وربما اهدافها الاساسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
دولة ثيوقراطية يهودية
بقلم: أبراهام بورغ ،عن معاريف
محظور على الدولة ان تكون أكثر من أداة علمانية، من خلالها ينظم المواطنون حياتهم. فالتوقعات الخلاصية والدينية هي وصفة للجنون والتشويش الدائم، الذي يأكل كل قسم طيب. من اليوم الأول للفكرة الصهيونية يحوم في الهواء سؤال ‘لأي غرض.’
من أجل ماذا في واقع الأمر جاء كل هذا المشروع العظيم والهائل؟ كانت لنا أهداف ومضامين كعدد الحالمين والمجسمين من بيننا. علمانيون وخلاصيون، كونيون وقوميون. ومن كثرة المعمعان الايديولوجي، من الصعب علي أن أجد قاسما مشتركا من بين كل الرؤى والأحلام التي تحرك الالة الاسرائيلية.
مع السنين يتبين لي شيء واضح واحد فقط: أن أغلبنا يفعلون كل ما في وسعهم كي يمنعوا هذا المكان من أن يهدأ، أن يرتاح وأن يكون طبيعيا. ‘لا نريد النوم، نريد الجنون، نحن سنفجر الحي’، على سبيل الشعار الجماعي. الحقيقة هي أن ثمة لحظات تأسيسية في حياة المجتمع تكون لحظات ثورية. شيء ما داخلي ثائر، متمرد ومتفجر. براكين تغير أنظمة العالم. مثل خروج مصر، يفنه وحكمائها، القبائل، التعليم أو إقامة الدولة. ولكن يجب أن تكون ايضا لحظات اخرى، تكون أطول: لحظات الهدوء والصبر تسود فيها الحياة العادية، والطبيعية هي نمط الحياة المرغوب فيها.
إذن لماذا بعد سبعة عقود من الاستقلال، لا تبدأ هذه الطبيعية المنشودة حتى في الترسخ هنا؟ الحراك مستمر، دون الراحة للحظة، شيء ما غير طبيعي يرفض أن يهدأ يحوم دوما في الهواء. يبدو أن الموضوعين الأكثر تفجرا بالذات، ‘الاكثر تبريرا’، في الحديث الاسرائيلي دولة يهودية ودولة الشعب اليهودي هما الموضوعان الاكثر وضوحا على اللاطبيعية إن لم يكن على جنون هذا المكان.
شيء عميق تشوش
ما هي الدولة؟ في الفلسفة وفي العلوم السياسية توجد الكثير من التعريفات لهذا المفهوم. هنا والان أكتفي بالقول ان الدولة ليست الشعب أو السكان الذين يسكنون في نطاقها، والدولة أيضا ليست الحكم السياسي الذي يديرها. الدولة هي أداة علمانية في يد الشعب، كل شعب، لترتيب حياته. الدولة يمكنها ان تكون أداة ضيقة جدا أو مركزية وواسعة جدا. ولكن محظور عليها أبدا أن تكون أكثر من أداة.
الدولة هي الوسيط بين الحكم والمحكومين. بواسطتها ينظم السكان المدنيون أمنهم، اقتصادهم ومجاريهم، التعليم، جباية الضرائب وتوزيع الرفاه. الدولة ولا سيما تلك التي من النوع الديمقراطي تعود لمواطنيها. هوية الجماعات السكانية التي تعيش داخل الاطار السياسي تقررها الجماعات السكانية نفسها. سواء في الحديث الدائم أم في التصدي الذي لا ينتهي. ولكن الدولة الحديثة نفسها، على الاقل تلك التي اقيمت هنا بدماء كثيرة، يفترض أن تكون دولة علمانية. معنى الأمر ان الاداة السياسية ليست موضوع مهام دينية، مسيحانية أو ايديولوجية.
في هذا السياق فان التعبير الاكثر خطورة على مجرد وجود الدولة العلمانية الاسرائيلية هو تعريفها كـ ‘بداية نشوء خلاصنا’. بمعنى أن الدولة هي المرحلة الأولى في خطة خلاص أكبر بكثير. وفي ظروفنا لا خلاص لك إلا بمعناه الديني، القومي والمسيحاني. وكل هذا لماذا؟
في السنوات الاخيرة، شيء عميق جدا تشوش هنا. عندما تحدثوا في 1948 عن ‘دولة يهودية’ كان المقصود بـ ‘يهودية’ شيئا مثل الدولة الايطالية، الفرنسية أو الامريكية. تعريف غامض يوجد في المساحة التي بين الثقافة والمواطنة. التعريفات والخصال في أيام بداية الدولة كانت في أساسها علمانية. غير أن الطاقة العلمانية الاسرائيلية ضعفت جدا، هزلت وفقدت زخمها.
لمسيرة أفول العلمانية واليهودية كثقافة واسعة ترافقت مسيرة نهوض وتجدد لدينية قومية جديدة، ضيقة ومقلصة. بإسمها سيطرت في السنوات الاخيرة بضع مجموعات ايديولوجية على محركات المضمون والهوية الاسرائيلية، وغيرت منظومة التفعيل الاسرائيلية. وبالمناسبة غيرت أيضا طابع اسرائيل. من دولة علمانية، متفانية كأداة في يد الجمهور، الى دولة شبه دينية يوجد الجمهور في يدها ومتفانٍ لمزاجاتها.
عندما يقال اليوم ‘يهودية’ المقصود هو البعد الديني الآخذ في الاتساع والذي يأكل كل قسم سياسي طيب. وعندما يختلق رئيس الوزراء ذريعة جديدة لاستراتيجية اللا سلام، الطلب للاعتراف بنا كـ ‘دولة يهودية’، وهو لا يشرح ما هو المقصود، فانه لا ينفصل عن شركائه التاريخيين بل يستخدم الخطابة الخلاصية الدينية التي يستخدمونها. وهو يصبح شريكا في الجهود لتحويل اسرائيل من دولة الاسرائيليين الى دولة اليهود. من دولة علمانية مواطنوها هم مصدر صلاحياتها، الى دولة دينية مصدر صلاحياتها، وكذا أهدافها الوجودية، تختلف جوهريا.
دولة تعود أولا وقبل كل شيء الى متدينيها وفقط بعد ذلك بأفضلية منخفضة الى كل الباقين، هذا اذا وصلتهم.
غياب الحدود الوجودية
أمام ناظرينا تحدث بالتالي مسيرة صرخة عجيبة. دولة اسرائيل التي كانت ذات مرة دولة الانسان الاكثر حداثة، تنزع عنها جلدتها القديمة وتلبس جلدة جديدة ليست جلدة جديدة على الاطلاق دولة الرب. ليست ديمقراطية بعد اليوم بل بداية ثيوقراطية (حكم الطغمة الدينية)، خطوطها آخذة في الاتضاح. دولة هي جزء من عملية الخلاص، تنتمي الى الشعب الذي يؤمن بان الرب اختاره وتسيطر على أراض مقدسة وعدت بها قبل آلاف السنين.
كل أفعال الحكم تتجه لتخليد هذا المثلث الاصولي أراض مقدسة، من قبل توراة مقدسة، ومن أجل الشعب المختار. هل هناك حاجة الى تفسير آخر لماذا أنا شخصيا أعارض جدا تعريف دولة اسرائيل كدولة يهودية؟
ان التشويش الدائم القائم هنا بين الشعب والدولة ليس صدفة. فالشعب ولا سيما مثل شعبنا، بتجربته وماضيه لا حاجة بالضرورة الى ارض اقليمية كي يعرف بها نفسه. أما الدولة بالمقابل، كل دولة، فتحتاج الى مجال جغرافي محدد توجد في داخله. وبسبب هذا التشويش بين المفهومين، لم تجتهد اسرائيل أبدا في أن تحدد حدودها حقا. ان عدم قدرتنا على البحث مع الفلسطينيين على الحدود الدائمة لا تنبع فقط من أهدافهم وطرق سلوكهم التي تختلف عنها بل هي ايضا بسببنا وتنبع منا.
بضعة مصاعب نفسية تجعل من الصعب علينا ان ننطوي في حدود معترف بها مثل كل باقي دول العالم. الاولى هي مسألة الهوية: من نحن، شعب أم دولة؟ شعب بلا حدود أم دولة محددة بحدود؟ صعب علينا عبور هذا الممر النفسي والفكري.
الثانية مع أن الحدود التاريخية للبلاد ليست واضحة على الاطلاق (مع التاريخ الطويل تأتي ايضا خطوط حدود متنوعة) واضح أنها ليست خطوط 67. وعلى اي حال فان التخلي عن حدود الماضي كبير وصعب، ولا سيما لمن يستمدون عظمتهم من الاساطير الكبرى للماضي اليهودي.
والثالثة عودة الى الاولى. في نظر الكثيرين اسرائيل ليست دولة كل اسرائيلييها، بل ‘دولة الشعب اليهودي’. بؤرة اخرى من عدم الاستقرار، عدم الطبيعية الدائمة. ان تعريف اسرائيل كــ ‘دولة الشعب اليهودي’ (حسب الخطاب الصهيوني البائس وكما يحاول المرة تلو الاخرى مشرعون مختلفون من اليمين الصهيوني تعريفها في قوانين أساس جديدة) هو تعريف جد جد اشكالي.
المعنى العملي والفكري هو أن اسرائيل تعود بمفاهيم معينة لجون، مارتا والابناء الذين يسكنون في مكان ما في الغرب ولم يتصوروا ولن يتصوروا امكانية الهجرة الى هنا. وها هي توجد لهم مكانة رسمية حقيقية محروم منها عمليا اسماعيل وأبو مصطفى، صديقيّ من أبو غوش مع أنهما مواطنان رسميا لاسرائيل، من مواليد المكان ومواطنون تقريبا لكل شيء (تقريبا، وان كان لان ابناء عائلتيهما لا يمكنهم أن يهاجروا الى هنا على الاطلاق.)
إذن ها هي توجد لنا دولة حديثة جدا، علمانية ظاهرا، آلية المواطنة المركزية فيها تحركها قوة طاقة دينية عرقية. وهذه ليست مجرد طاقة فحمية بل مادة مشتعلة من النوع الاسود، المحدود والاكثر تبسيطا.
حتى هنا انتقادي للمفاهيم السائدة في الخطاب الاسرائيلي الراهن، المفاهيم التي طلب مني المحرر أن أتناولها. وفي خلاصة الامور وكبديل لها بودي أن أقترح تعريفا آخر يحتاج الى يراع أوسع ليس هذا مكانه. اسرائيل هي الدولة التي قرر فيها جزء من الشعب اليهودي تجديد سيادته. نظامها هو علماني، ديمقراطي، مدني ومتساوٍ، يوجد فيها فصل تام بين الدين والدولة وهي تعود لكل مواطنيها وفقط لهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
يوجد شيء كهذا ‘اسرائيلي’
بقلم:اسرة التحرير،عن هآرتس
في تشرين الاول 2013 ردت المحكمة العليا طلبا من مجموعة من الاسرائيليين أن تعلن بقرار محكمة بأنهم أبناء قومية اسرائيلية، والقول انه سيكون ممكنا تغيير تفاصيل القومية في سجل السكان من ‘يهودي’ الى ‘اسرائيلي’. وكان التعليل لرفض الالتماس هو أنه لم يثبت وجود قومية اسرائيلية، واشار القاضي حنان ملتسار الى أنه ‘لم يثبت قضائيا وجود ‘قومية اسرائيلية’… ومن غير المناسب تشجيع نشوء ‘شظايا’ قومية جديدة’.
أمس، بعد نصف سنة من قرار العليا، شرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لماذا يحث تشريع القانون الاساس: الدولة القومية للشعب اليهودي: ‘ليس لكون دولة اسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي تعبير كافٍ في قوانيننا الاساس′. وبعد ذلك ادعى بان العناصر اليهودية للدولة ‘توجد تحت هجوم دائم متصاعد من الخارج بل ومن الداخل’.
ومع قرار محكمة العدل العليا والتجارب البرلمانية التي لا تتوقف لتشريع قانون القومية، تتشكل صورة ضيقة بشكل خاص لـ ‘الاسرائيلية’. هذه، التي تسعى منذ 66 سنة للحصول على الاعتراف ونيل الاستقلال، تردها المؤسسة المرة تلو الاخرى: فهي توصف كـ ‘شظايا قومية’ لم يثبت أمر وجودها، بينما في المقابل، لا يسعى أحد الى تشريع قانون أساس يعرفها ويحميها. والمرة تلو الاخرى تضطر الى الانحناء والالغاء أمام ‘شقيقتها الكبرى’، الدولة اليهودية.
ويمكن تفسير دفاع نتنياهو عن يهودية الدولة برغبته المهووسة في تهويد اسرائيل وعدم السماح للاقليات التي فيها ‘بان تشعر بأنها تعيش في الوطن’، من الصعب عدم العجب على ماذا بالضبط أسندت المحكمة الادعاء بانه لا توجد أدلة على وجود قومية اسرائيلية. ألا تكفي حقيقة أن مجموعة من الاشخاص تعيش معا على مدى عشرات السنين في دولة تسمى اسرائيل كي تسمى ‘اسرائيلية’؟ هل نشوء أدب اسرائيلي، وفن اسرائيلي، وموسيقى اسرائيلية، ومسرح اسرائيلي، ودعابة اسرائيلية، وسياسة اسرائيلية، ورياضة اسرائيلية، ولهجة اسرائيلية، وثكل اسرائيلي أليس في كل هذا ما يكفي للحديث عن ‘قومية اسرائيلية’؟.
ان الهوية الاسرائيلية لا تزال توجد في سياقات التبلور، وهي تتشكل من فسيفساء كاملة من المعتقدات، الآراء والاسباب؛ وهي ليست أحادية البعد ومنسجمة وهي تعيش في نزاع دائم يخيل أحيانا أنه غير قابل للحل؛ ولكن ليس في ذلك ما يمس بمجرد وجود هوية اسرائيلية، بل العكس: هذه هي مزاياها وهي بالضبط التعريفات الحديثة التي توجدها. عشية يوم الاستقلال هذا، يمكن لمواطني اسرائيل بل ويتعين عليهم أن يتباهوا بها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
قصة النكبة من وجهة النظر الإسرائيلية
بقلم: شلومو أفنري،عن هأرتس
منذ زمن بعيد لم أقرأ مقالا مشوشا بهذا القدر مثل مقال أسرة التحرير في ‘هآرتس′ في 29/4 (لنعترف بالنكبة): تستخدم فيه على نحو مختلط ادعاءات صحيحة ومبررة، مع أنصاف حقائق وتجاهل صارخ الى السماء لعدد من الحقائق التاريخية الاساس غير القابلة للجدال.
من جهة، يطرح المقال قولاً، يبدو سطحيا، فهيما وحساسا: ‘الخلاف على مدى مسؤولية اسرائيل عن هجرة، طرد واقتلاع مئات الاف الفلسطينيين في حرب التحرير هو موضوع للمؤرخين’ ـ ما الذي يمكن أن يكون أكثر نزاهة من ذلك؟ غير أنه لا ينبغي للمرء أن يكون مؤرخا كي يعرف بوضوح بان في المستقبل أيضا ستكون أكثر من مدرسة واحدة في هذا الجدال، والاقتراح ‘بابقاء ذلك للمؤرخين’ هو عمليا تملص من المواجهة هنا والان، مع حقائق تاريخية لا خلاف فيها. كما أن اللغة الحذرة (وأنا أمتنع عن القول ‘المغسول’ لهذه الجملة التي تتحدث عن ‘الهجرة، الطرد والاقتلاع′ وتمتنع عن استخدام كلمة ‘الهرب’ الذي كان بالتأكيد جزء من الواقع المركب في حرب التحرير، تشهد على ذلك منذ الان في أن المقال لا يترك بالضبط الحسم للمؤرخين.
يوجد في التاريخ عدة حقائق لا حاجة حقا لابقائها للمؤرخين، ومحاولة تجاهلها مخلولة من زاوية النظر الاخلاقية ـ التي هي، وعن حق، الروح التي تخفق خلف المقال الافتتاحي. حقيقة هي وليس ‘ابقاؤها للمؤرخين’ ـ أن ألمانيا هي التي اجتاحت بولندا في 1939 وليس العكس؛ حقيقة هي أنه في 7 كانون الاول 1941 اليابان هي التي هاجمت الولايات المتحدة وليس العكس؛ وهكذا ايضا ما يسمى النكبة هي نتيجة حسم سياسي للقيادة الفلسطينية والدول العربية لرفض قرار التقسيم للامم المتحدة، لمحاولة منع تحققه بقوة الذراع ولمهاجمة الحاضرة اليهودية في البلاد وبعد ذلك دولة اسرائيل. على هذا لا توجد أي كلمة في المقال.
هكذا، عمليا، يعرض هذا المقال الافتتاحي سياق اقامة دولة اسرائيل حقا بالشكل الذي يعرض فيه في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي ـ في ظل التجاهل للواقع السياسي والتاريخي للعامين 1947 -1948. وبشكل عام قرار التقسيم ببساطة لا يذكر في الخطاب العربي، مثلما لا تذكر المقاومة العنيفة لتحقيقة. لعله يمكن فهم هذا النفي من الجانب العربي: ولكن في ‘هآرتس′؟ ولمن نسي، أو لا يعرف، أقترح التوجه الى أرشيف الصحيفة وقراءة عنوانها في 30 تشرين الثاني 1947، والتقارير اليومية في الاشهر التالية لذلك، عن مظاهر العنف العربي وبداية المقاومة العربية المسلحة لقيام دولة اسرائيل ـ بداية من جانب ميليشيات عربية في البلاد (‘العصابات’)، وبعد ذلك بواسطة الاجتياح المنسق للجيوش العربية مع نهاية الانتداب البريطاني في 15 ايار 1948. عن كل هذا لا توجد حتى ولا كلمة واحدة في المقال الافتتاحي، بالضبط مثلما يفضل الخطاب العربي ببساطة شطب هذه الحقائق التاريخية من الذاكرة.
بعد أن يترك المقال السؤال عن مسؤولية اسرائيل للمؤرخين، يواصل القول انه ‘لا شك ان مصيبة وطنية وشخصية المت بالفلسطينيين’. مصيبة؟ هل كانت النكبة هزة أرضية؟ اعصار طورنيدو؟ تسونامي؟ لقد كانت نتيجة مأساوية لقرار سياسي عربي لمنع قيام دولة يهودية في قسم من بلاد اسرائيل الانتدابية، بالضبط مثلما كان طرد 12 مليون ألماني عرقي من اراضي بولندا، تشيكوسلوفاكيا وهنغاريا بعد 1945 نتيجة مأساوية للعدوان الالماني في 1939 وبعد ذلك في 1941، في اجتياح الاتحاد السوفييتي. هنا وهناك دفعت جماهير المواطنين الابرياء ثمن عدوان زعمائهم: ولكن من يحاول اليوم في المانيا وصف طرد ملايين الالمان من شرقي اوروبا كـ ‘مصيبة’ لا ترتبط بسياسة العدوانية للرايخ الثالث، فسيسمى عن حق ‘نازي جديد’.
في صالح الجمهور الفلسطيني ينبغي القول ان اعضاء الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي كان يضم في تلك الايام بضع مئات من الاعضاء، قبلوا مشروع التقسيم وعارضا العدوان العربي، كون هذا كان في حينه موقف الاتحاد السوفييتي. ولاحقا انخرط بعض منهم في الحزب الشيوعي الاسرائيلي. هكذا ايضا اعضاء الاحزاب الشيوعية في مصر والعراق، والذين حبست الكثير منهم السلطات في دولهم. ولكن كل هؤلاء كانوا حفنة فقط.
وعلى نحو مفعم بالمفارقة، يتبنى هذا المقال الافتتاحي لـ ‘هآرتس′ رواية الضحية التي تميز أحيانا الخطاب السياسي في اسرائيل: ثمة دوائر في اسرائيل ـ وفي العالم ـ تسارع الى وصف اليهود واسرائيل حصريا كضحايا. يبدو أن كُتّاب المقال الافتتاحي لم يتحرروا من هذا الفهم اليهودي التقليدي، باستثناء انهم حبذوا وصف الفلسطينيين به ـ وليس اليهود ـ كضحايا ليس لهم مسؤولية عن أفعلهم او افعال زعمائهم.
يمكن بالتأكيد الفهم ـ وإن لم يكن التبرير ـ للمقاومة الفلسطينية والعربية العامة للمشروع الصهيوني: فهذه طبيعة النزاعات القومية ـ وان كانت لهذه المقاومة جوانب اجرامية وارهابية اكثر مما في حركات قومية اخرى. فالارهاب الفلسطيني ضد المواطنين اليهود ليس نتيجة سنوات الاحتلال ما قبل 1967، بل ترافق منذ أحداث 1929 والثورة العربية في 1936. صحيح، من جهة، لا ينبغي الاستنتاج من تواجد المفتي في برلين في فترة الحرب العالمية الثانية عن التماثل بين المقاومة العربية للصهيونية وبين النازية، ولكن من جهة ثانية، فان تجاهل هذه الحقيقة وتركها للمؤرخين هي ايضا تشويه للتاريخ. يدور الحديث عن جزء من الوعي التاريخي المحدد، سواء لليهود أم للعرب.
ومثلما هو النقاش العاقل للنزاع العربي ـ الاسرائيلي يجب أن يتحرر من الاحساس بالحق الذاتي الذي يرافق قسما من الايديولوجيا الصهيونية، هكذا فانه ملزم بان يتحرر ايضا من الاحساس بالضحية والعدالة المطلقة الذي يرافق النزعة القومية الفلسطينية. فالقرارات والسياسة الاسرائيلية التي كانت لها آثار شديدة في 1948 لا يجب ‘تركها للمؤرخين’: س. يزهار في ‘خربة خزعا’ رفعها الى الوعي التاريخي الاسرائيلي ـ والى جهاز التعليم في المدارس في البلاد ـ في اثناء حرب التحرير. الموضوع هو أن الواقع هو دوما مركب، وينبغي بالفعل تعليمه في المدارس في اسرائيل ولكن ليس الرواية الفلسطينية احادية الجانب التي تتبناها الان اسرة تحرير ‘هآرتس′.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
تقرير سري عن حرب لبنان
بقلم: أمير أورن،عن هأرتس
قتل المقدم مئير مينتس في كانون الاول 1993 بكمين في غزة، حيث عمل ضابط العمليات الخاصة في الفرقة. وبعد موته بعقدين كُشف الآن عن بحث موجز لكنه مهم كتبه حينما كان يدرس في معهد الامن القومي مع ضابط الاستخبارات ايتان كلمار الذي هو اليوم عقيد متقاعد: جبل جليد اكاذيب لبنان، خطط حربية مغلفة بادعاء السذاجة، وخديعة واستعداد لتحقيقات في المستقبل على هيئة اقوال عن نية الابتعاد عن اهداف تصعيد (دخول بيروت ومصادمة سوريا)، لكن مع تقدير أن هذه التطورات التي لا يُبت فيها ‘الآن’ ممكنة.
إن بحث مينتس وكلمار الصغير هو كما يبدو كان أكثر اجراءات في الجيش الاسرائيلي جرأة للتنديد بالحيلة الكبيرة لرئيس الوزراء مناحيم بيغن ووزير الدفاع اريئيل شارون ورئيس هيئة الاركان رفائيل (رفول) ايتان للمبادرة الى حرب لبنان في 1982. إن الطريقة الاسرائيلية المغضبة تدع المواد الخام الحساسة لتاريخ الدولة في يد الجيش والاذرع الاستخبارية. وهي تصنف الوثائق على أنها ‘سرية جدا’، وتمنع المواطنين من الوصول اليها وتساعد بذلك على صوغ وعي منحاز بل كاذب. وقد يكون الباعث الخوف من احتكاك لكبار مسؤولي المستويين السياسي والعسكري في الماضي والحاضر مع توقع تغطية في المستقبل ايضا على فصول محرجة في مسار القادة الحاليين الذين سيطمحون الى التقدم بعد ذلك في هيئة القيادة العامة وفي الحكومة.
يتناول أحد البحوث الذي كان مخبأ في خزائن قسم التاريخ وكتبه شمعون غولان، يتناول حرب لبنان التي تفخر بالاسم المضلل ‘سلامة الجليل’. وقد تأخر النشر بصورة عارضة مريحة الى ما بعد موت شارون، وبرغم أنه تقرر اخراجه من الجمود فانه ما زال يتأخر. فليس الجيش الاسرائيلي وشرطة اسرائيل والمسؤول عن الامن في وزارة الدفاع وهو الحارس المتشدد لأسرار ديمونة والمستشار القانوني للحكومة هم وحدهم الذين يخشون عائلة شارون ويحجمون عن تنفيذ نيتهم المعلنة وهي جمع الوثائق العسكرية الموجودة بخلاف القانون في مزرعة شكميم، بل ما زالت المادة التي تملكها الدولة مُخفاة عن أنظار المواطنين الذين أُرسلوا بأكاذيب الحكومة وهيئة القيادة العامة لينزفوا في لبنان.
إن الجيش الاسرائيلي في ربيع 2014 بقيادة هيئة الضباط التي شاركت في المراحل الاولى في حرب لبنان برتب صغيرة في الأكثر، يخشى من نفسه ويخجل من بحوث غير سرية تنشر في مجلاته ويؤخر بقدر استطاعته وصول الصحفيين اليها. وهذا سبب آخر يجعل مؤلف مينتس وكلمار عن ‘اهداف الحرب وجوهرها وصوغها وتحقيقها’ في لبنان 1982، يجعلها مهمة، في فترة الانتظار المخيبة للرجاء لظهور كتاب غولان. ويقول المؤلفان إنه بعد بدء الحرب بعشر سنوات وقراءة الكثير من الكتب والمقالات والخطب للمشاركين في الحرب وللنقاد والمراقبين، تناولت منشورات كثيرة هذه القضايا لكن ‘لا شيء منها يعتمد على مجموع المعلومات السرية والحساسة’. وكالعادة يستعرض مينتس وكلمار في البدء ما مهد للتدخل الاسرائيلي في لبنان. ‘إن مساعدة المسيحيين في شمال لبنان وجنوبه اتسع وزاد عمقا مع تولي الليكود الحكم’، ولا سيما بعد استقالة وزير الدفاع عزرا وايزمن، حينما أصبح متخذا القرارات الى جانب بيغن ايتان وشارون. في ايلول 1979 بعد عملية الليطاني بسنة ونصف، لخص وايزمن نقاشا تناول اهداف الحرب وحددها في ‘كسر وجود المخربين في جنوب لبنان ومنطقة الساحل’ وجعل الهدف الثاني ‘الطموح الى ربط الجيب المسيحي الشمالي في منطقة جونية بمنطقة الجنوب على طول الساحل ومحاولة انشاء ادارة مريحة لاسرائيل’. والتدريج واضح وهو أن م.ت.ف هي الأساس. ولم يُذكر ألبتة وجود سوريا العسكري في لبنان. وعلى إثر توجيهات وايزمن صيغت في الجيش الاسرائيلي الخطة العملياتية ‘أبناء الأخيار’ لاحتلال جنوب لبنان. ومما يثير الفضول أن نعلم هل برز اسم الخطة من الحاسوب بصورة عارضة أم يعبر عن العلاقات التي كانت تزداد قوة مع بشير الجميل وداني شمعون إبني زعيمي المسيحيين بيير الجميل وكميل شمعون. وتناولت خطتان أخريان وهما ‘زوهر’ و’حوك غوملين’ الاستيلاء على الارض حتى نهر الزهراني وردا على إمداد القوة السورية.
في أيار 1981، قبل الانتخابات التي تركت بيغن في الحكم وجاءت بشارون الى وزارة الدفاع، تمت في هيئة القيادة العامة لعبة حرب كان اسمها ‘أفير بسغوت’ (هواء القمم)، استعرضت ثلاثة خيارات لـ ‘القضاء على قوات سورية ومخربين’ في جبهات مختلفة، ‘لاحداث شروط لتسوية سياسية جديدة في لبنان تفضي الى تحسين وضع اسرائيل الامني’ أو ‘للتمكين من حرية العمل الجوي في لبنان وتوسيع الشريط الامني لبلدات الشمال’. ومع توسيع الاهداف لتشمل ‘القضاء على القوات السورية وقوات المخربين في أنحاء لبنان’ صيغت الخطة العملياتية ‘الأرز′ التي هي الوريثة الشرعية لخطة ‘أبناء الأخيار’.
في السنتين اللتين سبقتا ذلك ‘لم يتم في مستوى وزير الدفاع/ الحكومة أي نقاش في اهداف الحرب أو العملية اذا ما تحققت وحينما تتحقق’، ذكر مينتس وكلمار.
‘واستغل رئيس هيئة الاركان وقسم العمليات هذا الفراغ لتوسيع اهداف الحرب وتغيير ترتيب الاولويات’. ومع مجيء شارون أُخرج من قيادة الشمال بعد اربع سنوات هناك، اللواء الحبيب الى ايتان، افيغدور (يانوش) بن غال. وعُرضت في هيئة القيادة العامة لاول مرة خطة ‘السرو’، التي وصفت بأنها نسخة محسنة من ‘الأرز′.
حدد شارون في مقدمة اهداف العملية الهجومية، في 30 تشرين الاول 1981 ‘القضاء على المخربين وعلى قواتهم ومقرات قياداتهم العسكرية والسياسية’.
وعرف شارون ما لم يفهمه اعضاء الحكومة وهو أن ضرب القوة العسكرية ولا سيما المدفعية لـ م.ت.ف لن يكون ناجعا اذا أعطي جهاز قيادتها والسيطرة عليها حصانة وذلك قبل الطموح الى ابعاد ياسر عرفات وشركائه في قيادة المنظمة الى دولة اخرى في اطار ‘تسوية جديدة في الشرق الاوسط’ (اسقاط النظام الهاشمي في الاردن وانشاء دولة فلسطينية هناك). وقال شارون لهيئة القيادة العامة بحسب ما يذكر مينتس وكلمار: ‘يتم الحديث مسبقا عن أن ذلك يشمل بيروت’.
وتخطط العملية على أنها ‘متطورة’ ومن جملة اسباب ذلك الخوف من رد امريكي. ولهذا لن تُستغل القوات كلها فيها من البداية لكن ‘ينبغي عدم الاكتفاء بخطط جزئية تحقق بعض الاهداف فقط، برغم أن بعضها فقط سيُحقق في واقع الامر. ينبغي تخطيط خطة تحقق جميع الاهداف وهي صلة سريعة بالمسيحيين، وإحداث تهديد يفضي الى انسحاب السوريين، وإحداث وضع لا يستطيع معه المخربون في أي مكان الانسحاب دون أن يُعالجوا بصورة أساسية’.
وكتب مينتس وكلمار يقولان: ‘مع تولي وزير الدفاع الجديد منصبه هبت ‘ريح جديدة’ أثرت في اهداف الحرب ايضا، حينما ارتفع القضاء على المخربين مجددا في سلم الاولويات وتبوأ المكان الاول، ولاول مرة دخلت بيروت في اطار اهداف الحرب هدفا للهجوم وعرف وزير الدفاع تغيير ترتيبات الحكم في لبنان بأنه هدف ككل الاهداف ودون شروط. ومن هنا أفضى تولي شارون منصبه من جهة الى ايضاح اهداف الحرب للمستوى العسكري وهو ما لم يتم منذ ايلول 1979، وأعطى من جهة اخرى ختما لتوسيع اهداف الحرب التي حددها وايزمن وفسرها ونقحها رئيس هيئة الاركان وهيئة قيادته’.
لم يكن اريك ورفول وهما قائد الكتيبة وقائد السرية من سلاح المظليين، واللذان اصبحا بعد ذلك قائد اللواء وقائد الكتيبة في عملية ‘كديش’ واصبحا آخر الامر وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان، لم يكونا محبوبين ودمثين. كان ايهود باراك بصفته لواءً ورئيس شعبة التخطيط، مرعيا لشارون ومساعده الخفي، وتنكر له ايتان. وفي نقاش عملياتي عند رئيس هيئة الاركان ‘تم تغيير ترتيب عرض الاهداف واهميتها فالهدف ج عند رفول هو الهدف أ عند شارون وبالعكس. هذا الى أن رئيس هيئة الاركان تمسك بكلام وزير الدفاع بشدة’. ومنذ 4 كانون الاول فما بعده الى 6 حزيران 1982 ‘استمر صوغ خطط العمليات في جبهة لبنان في خلال سلسلة استعدادات’ من ضم الجولان فما يليه. وفي اجازة خطط لفرقتي منطقة الشمال وهما 36 و91، قال شارون تفسيرا للهدف الرئيس الذي يوجب دخول بيروت، ‘لهذا الهدف وهو التدمير المادي تأثيرا تتجاوز احراز هدوء لشمال الجليل الى امكان محادثة السكان الفلسطينيين في المناطق التي نسيطر عليها، الذين لا يمكن أن نتوصل الى محادثتهم ما بقوا خاضعين لتهديد منظمات المخربين. وما بقيت توجد قيادات م.ت.ف و10 20 ألف مقاتل في لبنان، لا يمكن التوصل الى محادثات والى تسوية مع عرب يهودا والسامرة وهي شيء ما يشبه خطة الحكم الذاتي’.
عُرضت خطة عملية ‘السرو’ على الحكومة أول مرة في 20 كانون الاول 1981. ‘ينبغي الانتباه الى نقطتين رئيستين’، قال مينتس وكلمار بايجاز: شارون لم يؤكد ولم يبرز الاشكال الذي كان معروفا له ولرئيس هيئة الاركان للعملية على المخربين في المنطقة التي يسيطر عليها السوريون؛ وهو يرى صلة وعلاقة شرطية ضمنية بين جميع الاهداف بحيث إن احراز الثالث (انسحاب السوريين من لبنان) يُمكن من احراز الرابع (انشاء حكومة تعيش في سلام مع اسرائيل، وهو ما يوجب انشاء اتصال جغرافي بناس بشير الجميل في الشمال)’.
كان شارون وحده هو المسيطر على العلاقة بين الجيش الاسرائيلي والحكومة، ولما كانت القيادة العسكرية العليا تواقة للحرب، لم توجد قناة مؤسسية لتحذير الوزراء الآخرين من أن بيغن وشارون وايتان يصوغون من وراء ظهورهم اهدافا خفية توسعية لخطة نُكرت بأنها محدودة، وهذا درس لم يتقادم: إن المستوى السياسي ليس هو وزير الدفاع بل ليس رئيس الوزراء أو كليهما معا، ولا بيغن وشارون في لبنان ولا بنيامين نتنياهو وباراك في ايران، بل هو الحكومة كلها. ‘ينبغي محاولة الفحص عن امكان انشاء واقع سياسي مختلف في لبنان اذا اصبح الجيش الاسرائيلي في بيروت’، قال شارون في مثل هذا اليوم قبل 32 سنة في 4 أيار 1982، في حديث مع ضباط في قيادة الشمال. ‘ليس هذا هو هدف اسرائيل في خروجها للعملية لكنها اذا خرجت فستكون حاجة الى الفحص عن هذا الامكان’. والجيش الاسرائيلي الذي خطط للوصول الى بيروت ولطرد القوات السورية في لبنان في اربعة ايام ‘سيضطر الى البقاء في بيروت لهذا الهدف ثلاثة اشهر الى ستة، على الاقل’.
واخطأ شارون قليلا فقد بقي الجيش الاسرائيلي في لبنان خارج بيروت لا في المدينة، ولم يبق نصف سنة بل 18 سنة. وكان مُنتقيا ايضا للجمهور الذي كشف أمامه عن نياته الخفية لا الوزراء واعضاء الحكومة التي تشرف على الجيش الاسرائيلي، بل القادة العسكريين فقط المجبرين على الوصول الى اقصى رأي المستوى المسؤول لتنفيذ التوجيهات التي تنطوي على تطورات اخرى.
نشب بين بيغن وشارون ورفول خلاف في 13 أيار. فقد أصر رئيس هيئة الاركان على فهم اهداف الحرب بصورة تختلف عن رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ‘الاهداف لم تتغير’، ابلغ الجنرالات باعتبار ذلك امرا عسكريا ملزما لكن الصياغات فقط تغيرت. ‘لنخفي نوايانا والنية التي في اقصاها ‘عملية السرو’، يجب علينا أن ننشر أن هدف العملية هو ابعاد المدافع عن بلداتنا’.
وأُخفيت النية على الوزراء والجنود والمواطنين ممن جندوا للخدمة الاحتياطية وممن طلب اليهم تأييد الحكومة والجيش في زمن حرب اختيارية. وبقي بحث مينتس كلمار الذي أُخفي هو ايضا حتى الآن وكشف عنه لأنه فقط لم يبق تحت سيطرة الجيش الاسرائيلي، بقي مثل شاهد قبر أخرس لمئات ضحايا الجيش الاسرائيلي في لبنان، قتل كثيرون منهم بنيران جيش بيغن وشارون ورفول ولضابط شجاع هو واحد من مؤلفيه قتل في غزة بعد أن وقع عرفات ورابين على ‘غزة أولا’ بثلاثة اشهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
تصعيد يخدم بوتين
بقلم:بوعز بسموت،عن اسرائيل اليوم
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ