1 مرفق
اقلام واراء عربي 14/05/2014
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
في ذكرى احتلال فلسطين مصطلحاتنا كطابور خامس
بقلم: إبراهيم علوش عن القدس العربي
فلسطينيو 48 في الذكرى الـ 66 لقيام إسرائيل
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
«الوحدة» الفلسطينية والخطوة المقبلة
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
افتتاحية الخليج: لقاء مستهجن
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
الراعي..والذئب الإسرائيلي
بقلم: حبيب فياض عن السفير البيروتية
فلسطين بين خريبكة وأبي أجعد المغربيتين
بقلم: معن بشوّر عن رأي اليوم اللندنية
محمود عباس وصفقة المصالحة بين فتح وحماس
بقلم: سير توم فيليبس / ترجمة: العرب اللندنية
من يخبر الشيخ القرضاوي بهذا؟
بقلم: مشاري الذايدي عن الشرق الأوسط
في ذكرى احتلال فلسطين مصطلحاتنا كطابور خامس
بقلم: إبراهيم علوش عن القدس العربي
يجب أن نصر على القول أنها ذكرى احتلال فلسطين، لا مجرد نكبة أو اغتصاب، وفقط بالترافق مع كلمة احتلال يجوز أن نستخدم تعبير ‘نكبة’، لأن الاحتلال يطرح فوراً ضرورة التحرير، أما التحدث عن نكبة فحسب، فيشبه الحديث عن زلزال أو كارثة ما، كحادثة ما من الماضي أتت ومرت وليس بالإمكان تغييرها، حتى لو كانت ذكرى على شاكلة استخدام الأمريكيين للقنابل النووية في ناغازاكي وهيروشيما، يصبح كل معنى إحياء ذكراها هو تعلم العبر والدروس وتبجيل ضحاياها.
بالمقابل، عندما نقول هو احتلال أولاً وأخيراً، فإن إحياء الذكرى يصبح معناه التعبئة من أجل التحرير، لا تضييع قضية التحرير في مصطلحات الماضي بغض النظر عن حسن النوايا.
إذن القضية قضية احتلال وتحرير، لا قضية ‘استقلال’ وإقامة ‘دولة’ و’حق عودة’، لأن مثل تلك المصطلحات تستهدف فقط تمرير الاعتراف بالكيان الصهيوني والتهيئة للدخول في المشاريع التسووية.
وهذا يعني أولاً أن نؤكد: أن ما جرى هو احتلال، لا يزال قائماً، لا مجرد حدث مؤلم من الماضي؛ أن اللجوء هو نتاج ذلك الاحتلال، ولم يهبط اللجوء من السماء علينا كالصاعقة فجأة لا يعرف أحد من أين؛ أن معالجة اللجوء تكون بإزالة أسبابه وهي الاحتلال؛ أن العودة بالتالي لا تكون بدون تحرير، أن العودة تنبني على الحق العربي التاريخي بأرض فلسطين، وليس على القانون الدولي أو التوسل أو ‘الفهلوة’ بمحاولة الحصول على جنسيات ‘إسرائيلية’ للاجئين، ..الخ؛ أن الاحتلال جاء لتهديد الأمة العربية برمتها، لا الفلسطينيين فحسب، ومن هنا فإن التحرير مسؤولية كل الأمة، لا الفلسطينيين وحدهم؛ أن السلام مع العدو الصهيوني بالتالي يتضمن استحقاقاً ضرورياً هو القبول بتوطين اللاجئين خارج فلسطين التاريخية، ولذلك فإن إسقاط خيار التوطين يعني بالضرورة إسقاط المعاهدات مع العدو الصهيوني وأي توجه للتفاهم معه.
ولنلاحظ جيداً أن الحديث عن ‘العودة’ شيء مختلف تماماً عن الحديث عن ‘حق العودة’، فالحق بالشيء يحتمل إمكانية التنازل عنه.
في البداية نؤكد أن ربط القضية الفلسطينية بالقرار الدولي هو جريمة بحد ذاته بعد تجربتنا التاريخية مع القرار الدولي عربياً وفلسطينياً. أما نشر الأوهام حول قدرة القرار الدولي 194 على تحقيق ‘العودة’ فيعني تعويم قضية اللجوء الفلسطيني على سطح مستنقع ‘الشرعية الدولية’. بجميع الأحوال، سبق أن كتبت وكتب غيري بالتفصيل لماذا لا يحقق القرار 194 ‘حق’ عودة ولا من يحزنون. وهو قرار لا يتناول ‘حق’ عودة اللاجئين، إلا لماماً، في فقرة واحدة من أصل خمس عشرة فقرة، وفي تلك الفقرة، الحادي عشرة، لا يتناول ‘حق’ العودة إلا بالتوازي مع خيارات أخرى، مثل التعويض والتوطين، ولا يحدد إذا كان المقصود اليهود العرب مثلاً أم من؟!، كما أنه يربط العودة برغبة اللاجىء في العيش بسلام مع جيرانه، أي بما إذا كان يشكل خطراً أمنياً أم لا، ويرهن تحديد ذلك بالسلطات المسؤولة، أي سلطات الاحتلال، وليس حتى في الأمم المتحدة، وهنالك تأويلات صهيونية وغربية للقرار تعتبر أن القرار يشمل اللاجئين عام 48 لا أولادهم ولا أحفادهم، ..إلخ، مما يمكن أن يجده من يبحث عن الكتابات التي تفند ربط قضية العودة بالقرار 194خاصة، أو القرار الدولي عامة.
لذلك أصر أن التوجه للأمم المتحدة، تحت عنوان تطبيق القرار 194، يوم 15 أيار/ مايو أو المسير تحت عنوان القرار 194، هو اختراق سياسي لقضية اللاجئين، يحول قضيتهم إلى ثورة ملونة ويهيnء لإجهاض العودة، وبالتالي للتوطين، عندما يضعها في هذا القالب. وثمة مشكلة حقيقية في المراهنة على القانون الدولي، وما يسمى ‘الشرعية الدولية’، بعد كل التجربة التاريخية للشعب العربي الفلسطيني معهما.
فلسطينيو 48 في الذكرى الـ 66 لقيام إسرائيل
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
بعد مرور 66 عاماً على إنشاء إسرائيل (1948-2014)، باتت الأقلية العربية داخل الخط الأخضر في مواجهة تحديات هامة، في مقدمها دعوة بعض الإسرائيليين -وعلى رأسهم وزير الخارجية العنصري أفيغدور ليبرمان- إلى طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى الضفة الغربية أو إلى خارج حدود فلسطين التاريخية واحتلال أرضهم، كما دعا رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إلى طرد الأقلية العربية من إسرائيل، وسجل ذلك عبر توصيات عديدة في مؤتمرات إسرائيلية، ومنها مؤتمرات هرتزليا التي عقدت بشكل دوري منذ عام 2000.
وبالعودة إلى أدبيات الحركة الصهيونية، نرى أن نجاح مشروعها في إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين واستمرارها كانا يكمنان في القدرة على طرد السكان الفلسطينيين من ديارهم وإحلال المستوطنين اليهود من بقاع الأرض كافة عوضاً عنهم، واستطاعت الحركة الصهيونية -بعد 49 عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني في مدينة بازل السويسرية- إنشاء الدولة (في 15 أيار/ مايو 1948)، على نحو 78% من مساحة فلسطين البالغة 27009 كيلومتر مربع، وتم طرد نحو 850 ألفاً من الفلسطينيين خارج أرضهم كانوا يمثلون 61% من مجموع السكان الفلسطينيين في عام 1948.
ومنذ العام المذكور، اعتبر أصحاب القرار في إسرائيل مجرد وجود الأقلية العربية في أرضها خطراً وجودياً عليهم، فانتهجوا حيالها إستراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار الفلسطينيين على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين، وتبعاً لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا وغيرها، بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد ودير ياسين والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ لدفع العرب خارج أرضهم.
بعد ذلك اتبعت السلطات الإسرائيلية سياسات استهدفت قطع اتصال الأقلية العربية بمحيطها العربي، وحاولت في الوقت ذاته استيعابها ودمجها ولكن على هامش المجتمع الإسرائيلي. وعملت السلطات الإسرائيلية جاهدة لطمس الهوية العربية، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، وتقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.
مر العرب داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2014، وتميزت الفترة الأولى (1948-1966) وهي فترة الحكم العسكري الإسرائيلي، باستصدار إسرائيل 34 قانوناً لمصادرة الأراضي العربية، سواء تلك التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو لأصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يقطن جزء من أهالي قرية صفورية في قضاء الناصرة قرب قريتهم التي طردوا منها عام 1948، ويُمنعون من العودة إليها، ويقدر مجموع الحاضرين الغائبين بنحو 260 ألف عربي فلسطيني. وتوالت السياسات الإسرائيلية لمصادرة مزيد من الأراضي العربية، وبلغت المصادرة أوجها في آذار (مارس) 1976، حيث تمت مصادرة إسرائيل نحو 21 ألف دونم من قرى سخنين وعرابة وغيرها من القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، وعلى خلفية ذلك قامت الأقلية العربية بانتفاضة يوم الأرض في 30 آذار 1976، وسقط خلالها ستة شهداء من القرى المذكورة، وأصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده كافة، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية دفاعاً عن عروبة الأرض وضد مصادرتها من قبل سلطات الاحتلال.
استمر الجيش الإسرائيلي في مصادرة الأراضي العربية تحت حجج وضرورات الأمن، ولهذا فإن الفلسطينيين، على رغم ارتفاع عددهم من 151 ألفاً عام 1948 إلى نحو مليون و600 ألف في عام 2014، يمثلون نحو 20% من سكان إسرائيل، لكنهم لا يملكون سوى 3% من الأراضي التي أقيمت عليها الدولة الإسرائيلية عام 1948 في ظروف دولية وإقليمية استثنائية. إضافة إلى ذلك، يعاني العرب داخل الخط الأخضر من تمييز إسرائيلي واضح في مجال العمل والتعليم والصحة، الأمر الذي انعكس على المؤشرات ذات الصلة، فبينما بلغت معدلات البطالة بين اليهود ما بين 8 و9% خلال الأعوام الأخيرة، ارتفعت معدلات البطالة بين العرب إلى نحو 19%. وبسبب ضعف الخيارات، فإن 44% من الأطفال العرب يرتادون رياض الأطفال، في مقابل 95% من الأطفال اليهود في سن ثلاث سنوات.
وفي محاولة منها لتهويد الأراضي العربية داخل الخط الأخضر، وضعت السلطات الإسرائيلية مخططات لتهويد الجليل والنقب، بغية كسر التركز العربي في المنطقتين، وذلك عبر مسميات مشاريع تطويرية، مثل ما يسمى «مشروع نجمة داود» لعام 2020، حيث تهدف تلك المشاريع وغيرها إلى إخلال التوازن السكاني لصالح اليهود، وبشكل خاص في المنطقة الشمالية التي تضم مدن الجليل، مثل مدينة الناصرة.
وفي الذكرى السادسة والستين لإنشاء إسرائيل، يبقى الوجود العربي المادي الكثيف وتعزيزه داخل المناطق المحتلة عام 1948، وتحسين الظروف المختلفة، هو الأهم في المدى البعيد، وذلك بغية تفويت الفرصة لتحقيق أي أهداف إسرائيلية، وخصوصاً القوانين العنصرية التي تعتبر مقدمات لاحتلال مزيد من الأرض العربية وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين إلى خارج وطنهم، وقد دعا لتنفيذ تلك التوجهات الإسرائيلية أكثر من مسؤول إسرائيلي، وفي مقدمهم وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان في أكثر من مناسبة.
«الوحدة» الفلسطينية والخطوة المقبلة
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
المفترض أن يتم تشكيل الحكومة الإنتقالية ،حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، خلال الأسبوع المقبل وستكون هذه الحكومة برئاسـة محمود عباس (أبو مازن) الذي يعتبر أنَّ إنهاء الإنقسام الفلسطيني ،السياسي والتنظيمي والجغرافي، هو أهم إنجازات هذه الوحدة التي كان من المستبعد جداً أن تكون لولا كل هذه المتغيرات التي حدثت في مصر وأنهت حكم الإخوان المسلمين الذي كان بمثابة غيمة ثقيلة الظل وكان أدى لو أنه استمر إلى كوارث فعلية في هذه الدولة العربية الرئيسية وفي المنطقة وهذا الإقليم بأسره.
لقد واجه (أبو مازن) ضغوطات هائلة لا تتحملها حتى رواسي الجبال من إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من الدول العربية لحمله على عدم الذهاب إلى هذه الخطوة لكنه صمد أمام كل هذه الضغوطات وأصر على إنهاء هذه الحالة الشاذة التي ترتبت على الإنقلاب العسكري المشؤوم الذي نفذته حركة «حماس» في غزة في عام 2007 ويومها كان هناك ما يسمى :»فسطاط الممانعة والمقاومة»!! وكان الإخوان المسلمون لم يصبهم بعدُ ما أصاب «البرامكة» وكانت مصر نتيجة الضعف ،الذي أصاب نظام حسني مبارك في نهاية مشواره الطويل، عاجزة عن إحباط هذا الإنقلاب ومنع إيران من إقامة جسرها الثاني على شواطئ البحر الأبيض بعد الجسر الأول الذي أقامه حزب الله في لبنان.
إنَّ المعروف أن الوحدة الفلسطينية بقيت تتعرض منذ إنطلاقة الثورة المعاصرة في عام 1965 إلى محاولات دؤوبة لدق الأسافين فيها وأن هذا النظام السوري ،الذي أورثه الأب لإبنه، قد حاول بعد حصار ظالم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) وقواته في طرابلس اللبنانية الإطاحة بمنظمة التحرير وبقيادتها وإنشاء منظمة أخرى بقيادة «مطواعة» جديدة لكن تلك المحاولة المبكرة قد فشلت فشلاً ذريعاً لرفضها من قبل الشعب الفلسطيني كله ومن قبل الإتحاد السوفياتي في ذلك الحين ومن قبل العديد من الدول العربية التي كان الأردن في طليعتها بإستضافته للمجلس الوطني الفلسطيني في عمان في نوفمبر (تشرين الثاني) في عام 1984 الذي كان إنعقاده تمتيناً وتثبيتاً لشرعية «المنظمة» وشرعية قيادتها.
لكن أخطر ما تعرضت له هذه الوحدة هو إنقلاب عام 2007 الدموي فعلاً والذي جاء في واحدة من أخطر فترات النضال الفلسطيني حيث كانت هناك مفاوضات أصعب من خرط القتاد وكان هناك تشكيك إسرائيلي كان الأميركيون يسمعون إليه بآذان صاغية بأن الفلسطينيين غير موحدين وأن منظمة التحرير لا تمثلهم وحيث كان أيضاً هناك «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي لم تكن عصفت به الرياح بعد وكان هناك التمدد الإيراني بكل زخمه لإتمام مشروع الهلال الطائفي الذي يتم إستكماله الآن من خلال كل هذا الذي يجري في سوريا وفي العراق وفي لبنان.
وهكذا فقد مرَّت سبع سنوات عجاف بعد هذا الإنقلاب ظن الإخوان المسلمون خلالها أنهم سيملكون الأرض ومن عليها وأنهم سينتقلون بعد مصر إلى بعض دول الخليج وأنهم سيبتلعوا الضفة الغربية وهي تحت الإحتلال كما ابتلعوا قطاع غزة ويومها والكل يذكر هذا بادروا إلى حملة تشويهٍ وتخوين ضد (أبو مازن) وقالوا فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر وكل هذا بتمويل من بعض الدول الشقيقة.
وحقيقة ،وقد ثبت هذا بالممارسة وليس بمجرد الأقوال، أن (أبو مازن) يعتبر أن الوحدة الوطنية لها الأولوية وأن رتق هذا الشرخ الواسع في المسيرة الفلسطينية يستحق تحمُّل كل الإساءات وإهمال كل الردح الذي تعرض له من بعض قادة «حماس» ومن الإخوان المسلمين وأن هذه الخطوة التي تمت والتي يجب أن تستكمل بدون أي توانٍ أو توقٌّفٍ يجب أن تجُبَّ ما قبلها وأنه عفا الله عمَّا سلف.. وإن قضية فلسطين فوق الجميع ولها الأولوية.. ولذلك فإنه مصرٌّ على تشكيل الحكومة الإنتقالية المقرر تشكيلها خلال الأسبوع المقبل وعلى إجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية كأقصى حدٍّ خلال الشهور الستة القادمة.
افتتاحية الخليج: لقاء مستهجن
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
لماذا يلتقي الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري في لندن مجدداً؟ هل هناك إمكانية لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني؟ هل لدى كيري أفكار جديدة يطرحها ليقنع عباس بجدوى المفاوضات؟
هذه الأسئلة وغيرها طرحت مع الإعلان عن اللقاء بين الرجلين، فيما تبدو كل الآفاق مسدودة أمام أي حل، وفيما مضت "إسرائيل" في مخططات التوسع والتهويد والاستيطان غير آبهة بما إذا كانت هناك مفاوضات أم لا .
خلال تسعة أشهر من المفاوضات كان يفترض وفق ما أكد كيري أكثر من مرة أن تخرج باتفاق يؤدي إلى ولادة "دولة فلسطينية"، لكن ما جرى خلال هذه الفترة أن "إسرائيل" تعمدت جرجرة المفاوضات وادخالها في دهاليز الشروط المستحيلة والسعي لحمل الجانب الفلسطيني على تقديم تنازلات خارج طاقته أو قدرته لأنها تمس الثوابت الفلسطينية وتلغي الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني التي أكدتها الشرعية الدولية في أكثر من قرار .
خلال المفاوضات وبعدها وحتى الآن، لم تترك "إسرائيل" وسيلة لتدمير أية إمكانية للتوصل إلى تسوية، فهي تعمدت تسريع الاستيطان وعملية التهويد عن سابق قصد وترصد للقضاء على إمكانية قيام أي شكل من أشكال الدولة، لأنها تقوم بقضم الأراضي والسيطرة عليها بشكل منهجي، يجعلها ممزقة وغير متصلة وتشكل كياناً قائماً يمكن الاعتداد به كدولة قانونية .
ثم خلال المفاوضات وبعدها تعمدت حكومة الكيان العمل على إصدار رزمة من القوانين العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، من بينها الحؤول دون إطلاق الأسرى وقيام "الدولة اليهودية"، ناهيك عن طرد مئات الفلسطينيين من أرضهم أو تهديم منازلهم، ورفضها مناقشة قضايا الحل النهائي والربط بين أمنها والانسحاب من الضفة الغربية، برغم أن ذلك يستدعي إبقاء احتلالها لمنطقة الأغوار .
إذا لم يكن لدى كيري من جديد يقنع الفلسطينيين باستئناف المفاوضات خصوصاً ما يتعلق بوقف الاستيطان وإطلاق الأسرى، وتحديد جدول زمني نهائي لإعلان قيام دولة فلسطينية، فإن الوزير الأمريكي يحرث في البحر .
الراعي..والذئب الإسرائيلي
بقلم: حبيب فياض عن السفير البيروتية
البطريرك الماروني بشارة الراعي يزور فلسطين المحتلة قريبا. الزيارة المرتقبة تتجاوز، بتداعياتها المتوقعة، حيز الاختلاف السياسي الراهن بين اللبنانيين لتعيد فتح الباب على اختلافات عميقة ازاء قضايا اشكالية من قبيل تعيين الخطوط الفاصلة بين ما هو ديني وما هو سياسي في التعامل مع القضية الفلسطينية، وترسيم حدود العداء لاسرائيل المسلّم، أصلا، بمعاداتها.
في المبدأ، لا يحق لأحد النيل من غبطته بتفسير الزيارة بالنيات فقط.
لكن الزيارة التي يضعها البعض في خانة الواجبات الرعوية والروحية يصح وضعها أيضا في خانة الخطورة وتجاوز الخطوط الحمراء. فهي من وجهة نظر الداعمين لها ضرورة يمليها واجب البطريرك في استقبال بابا الفاتيكان خلال زيارته للأراضي المحتلة، وتمليها أيضا، كما يقولون، مسؤولية الراعي في التواصل مع رعيته من مسيحيي الأراضي المحتلة. فالبطريركية المارونية، بحسب هؤلاء، مسؤولة كنسياً عن فلسطين التي هي جزء من انطاكية وسائر المشرق. فيما المقلب الآخر من المشهد يكشف عن كون هذه الزيارة سابقة خطيرة يمكن البناء عليها لاحقا واتخاذها «سنّة» من قبل البعض. هذا فضلا عن كونها خطوة تخدم اسرائيل الحريصة على الاعتراف بشرعيتها الضامنة لوجودها، كحرصها على ترسانتها العسكرية والنووية الضامنة لاستمرارها.
في مثل الخطب الذي نحن بصدده، لا يكفي الفصل بين النيات والتداعيات. النيات السليمة لن تمنع العدو من توظيف الزيارة على انها خرق لبناني، «روحي» وسياسي، لقرار القطيعة مع اسرائيل. ولا يكفي للتخفيف من وطأة الزيارة القول بأنها لأرض عربية محتلة وليست لدولة إسرائيل المحتلة. ذلك ان ما سينال دولة الاحتلال من «بركة» هذه الزيارة أكثر بكثير مما سينال الفلسطينيين. وإذا كان آلاف الرعايا المسيحيين في الاراضي المحتلة يحتاجون لزيارة بطريركية رعوية، فان ملايين الفلسطينيين أكثر حاجة الى التفاتة بطريركية تراعي حقهم في مقاطعة الكيان المسؤول عن قتلهم وتهجيرهم.
الى ما تقدم، تخرج الزيارة عن السياق التاريخي لمسيحيي المشرق المعادين لإسرائيل. وهي بمجرد حصولها سوف تخرج عن سيطرة التوجيه البطريركي المبرر لها، وستصبح مشاعا أمام تأويلات مفتوحة على توظيفات شتى، منها إعادة طرح علامات استفهام حول اختلاف بين الكنيستين الكاثوليكية والارثوذكسية في التعامل مع المسألة الفلسطينية. ومنها أيضا، إعادة الكلام عن امكانية التحاق لبنان بركب التطبيع العربي مع اسرائيل. ذلك الى جانب الاجتهادات التي ستضع الزيارة في خانة الانحياز البطريركي الى فئة من اللبنانيين تعاملت يوما مع اسرائيل.
قد لا يستوحش قداسة البابا ان لم يجد غبطة البطريرك الى يمينه في زيارته للقدس، لكن من المؤكد أن نتنياهو سيكون مرتاحاً لوجود الأخير في إسرائيل. كما ان وجود رأس الكنيسة المارونية هناك سيحول أنظار العالم عن قداسته الى غبطته. عند ذاك لن تعود زيارة البابا فرانسيس للأراضي المقدسة هي الحدث بل زيارة البطريرك الراعي وهذا خلاف المطلوب.
الراعي سيزور الرعية المسيحية في فلسطين فيما الذئب الاسرائيلي أول المستفيدين!
فلسطين بين خريبكة وأبي أجعد المغربيتين
بقلم: معن بشوّر عن رأي اليوم اللندنية
كان الجميع مجتمعاً بحماس حول حلقة ذكر في مقام الشيخ أبو عبيد الله الشرقي، أحد مؤسسي الطريقة الشرقاوية الشاذلية في مدينة أبي أجعد المغربية العريقة في التاريخ، والعميقة بالروح الإيمانية.
وفيما كان المئات من الرجال والنساء ، من أبناء المدينة والمجتمعين للترحيب بالمشاركين في ملتقى خريبكة الثاني للثقافة الذي ينظمه كل عام منتدى آفاق للثقافة والتنمية في خريبكة، (عاصمة الفوسفات في المغرب والعالم)، يرددون بحماس كلمات “الله حيّ” خلف الفرقة الصوفية، خرج من بين المجتمعين صوت نسائي خافت يهتف “فلسطين… فلسطين”، فإذا بالحماس يأخذ مداه، والأصوات تعلو وهي تردّد “الله حيّ… فلسطين عربية”، وكأن الجمع المحتشد أدرك بعفوية بالغة تلك الصلة بين ذكر الله وبين حب فلسطين التي هي أرض السلام، ووطن تتعانق في ربوعه السماء والأرض.
كان المشهد مثيراً، والأكثر إثارة فيه أن هذه المدينة مدينة الأولياء والصالحين، هي في الوقت ذاته المدينة التي وُلد فيها عمير بيرتس الصهيوني وزير حرب الكيان الصهيوني خلال عدوان تموز عام 2006 على لبنان، والذي ما زال منزله قائماً في حيّ الملاّح لليهود، وذلك في إشارة واضحة إلى مدى التسامح العربي الإسلامي مع جاليات يهودية هربت من إسبانيا بعد خروج العرب منها، فاحتضنهم المغاربة ليتنكر بعضهم، ومنهم بيرتس نفسه، فينخرطوا في مشروع اغتصاب فلسطين في مثل هذه الأيام قبل 66 عاماً، ويقيموا المذابح والمجازر بحق أهلها وأشقائهم في العديد من أقطار الأمّة…
ربطت هذا المشهد المتدفّق بحب فلسطين، بقرار منتدى خريبكه للثقافة والتنمية برئاسة الأديبة المغربية المميّزة ياسمين الحاج على أن تكون فلسطين ضيف شرف الملتقى الثاني، وأن يطلق المشاركون في بيانهم الختامي دعوة ملايين المغاربة والعرب والمسلمين إلى التوقيع على وثيقة الوفاء لفلسطين والتمسك بحقوق المغاربة التراثية والثقافية والقانونية والواقعية في القدس، وفي باب المغاربة تحديداً.
فيما كنت أتابع هذا المشهد الفلسطيني المتواصل في الهضبة الوسطى في المغرب، وهو مشهد يستأنف تلك المسيرات المليونية التي شهدتها الرباط وكل المدن المغربية انتصاراً لشعب فلسطين ومقاومته وانتفاضته، تساءلت ما سرّ هذه القضية التي لا يستطيعون دفنها، لا بالحروب ولا بالسجون ولا بالانقسامات ولا بالتسويات الاستسلامية، وما سرّ فلسطين هذه التي باتت أرض الرباط فيها ممتدّة من صنعاء إلى الرباط وصولاً إلى جاكارتا وكوالالمبور في أقاصي الشرق.
وربطت بين حماسة أهل المغرب، نساءً ورجالاً، للحق الفلسطيني في منتداهم الثقافي هذا، وبين ما شهدته بيروت قبل أيام أيضاً من منتدى تضامني مع أسرى الحرية في فلسطين واحتشد فيه المئات من ثلاثين دولة، وخمس قارات ليقولوا لأسرانا الأبطال، الشهود البواسل على حيوية قضيتهم، لستم وحدكم، كما ربطته بين المنتديين وبين مؤتمر أوروبي للأسرى انعقد قبلهما بأيام أيضاً، وبين حملة دولية للإفراج عن مروان البرغوتي ورفاقه الأسرى انطلقت من زنزانة “أبو أسرى الحرية” نيلسون مانديلا في رودإيلاند في جنوب إفريقيا، لتؤكّد عالمية قضية فلسطين التي حاول البعض أن يختصرها بالفلسطينيين، وهم قادتها، وبالعرب، وهم المستهدفون كأمّة، بإقامة هذا الكيان الغاصب حاجزاً بين مشرقهم ومغربهم.
لقد أثبت المغاربة على امتداد العقود، منذ أن ذهب الأجداد إلى القدس مدافعين عن الأقصى والمقدسات، ومنذ أن ذهب الأبناء إلى حركات المقاومة الفلسطينية ذوداً عن فلسطين وتمسكاً بحرية الأمّة، ومنذ أن تظاهر الملايين في مسيرات الدعم لفلسطين، أن هذا الحاجز الذي أرادوا إقامته لحراسة التجزئة ومنع التواصل بين مشرقها ومغربها، تحوّل إلى حاجز يجمع العرب على قضية كبرى هي قضية الإنسانية جمعاء في فلسطين.
فمتى يدرك أعداء فلسطين وبعض “الأشقاء” سرّ فلسطين التي يحاولون عبثاً اجتثاثها من ضمير الأمّة والعالم، ومتى يعلمون أن فلسطين لن تحررها التسويات، وإنما كفاح أمّتها ونهج المقاومة التي أعادت في فلسطين والعراق ولبنان رسم معادلات الصراع في المنطقة.
محمود عباس وصفقة المصالحة بين فتح وحماس
بقلم: سير توم فيليبس / ترجمة: العرب اللندنية
بالنسبة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس تبدو الخطوة نحو المصالحة بين فتح وحماس إما خطأ تكتيكيا أو خطوة استراتيجية محسوبة. والسؤال الأساس في ما يخص الصفقة التي أعلن عنها في 22 أبريل هو الآتي: هل الرئيس عباس بصدد لعب لعبة تكتيكية أو لعبة استراتيجية؟
إذا نظرنا إليها من الناحية التكتيكية، لا تتعدى الصفقة أن تكون أحد المؤشرات التي يحاول عباس إرسالها إلى الأميركيين والإسرائيليين ليثبت أن لديه خيارات. فإذا لم يعرضوا خطة يراها من وجهة نظره جدية للتفاوض حول حل معقول يقضي بقيام دولتين، وقتها يمكنه:
أ. حل السلطة الفلسطينية و”تسليم المفاتيح” للأمم المتحدة أو إسرائيل (مثلما لمح إلى ذلك مؤخرا مسؤولون فلسطينيون) وبذلك يلقي عبء الاحتلال على كاهل إسرائيل في محاولة لوضع الإسرائيليين وجها لوجه، مع مدى تأثير التخلي عن حل الدولتين على آمال “الدولة اليهودية”.
ب. السعي إلى تدعيم موقع فلسطين كدولة على الساحة الدولية (ومن ذلك قيامه في الأول من أبريل بإمضاء طلبات لخمس عشرة معاهدة دولية).
ج. إتمام صفقة المصالحة بين فتح وحماس ومن ثم تحسين صورته في أعين الفلسطينيين، إلى جانب بعث إشارة إلى الأميركيين والإسرائيليين (بشكل أوسع) مفادها أن قواعد اللعبة قد تغيرت.
وإذا كان عباس يلعب لعبة استراتيجية فهذا يعني أنه أدرك ألا أمل في نجاح وزير الخارجية الأميركية جون كيري في إقناع الرئيس الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو أو حثه على إمضاء “شيء” شبيه بحل الدولتين، وهو ما يستجيب للطلبات الفلسطينية الأساسية. ربما وصل إلى الاستنتاج بأن الطريقة الوحيدة للإبقاء على القضية الفلسطينية حية هو تجاوز العداوة المتجذرة بين فتح وحماس وتقوية الموقف الفلسطيني في أية مفاوضات قد تجرى في المستقبل (ولو كانت بعيدة)، وفي الوقت نفسه الرجاء في تحسين موروثه الخاص، على الأقل في أعين الفلسطينيين.
وبالطبع مثلما هو الشأن مع كل محاولة سابقة للمصالحة الفلسطينية ستتوقف الكثير من الأمور على ما يكتب بأحرف صغيرة عند صياغة الصفقة بين حماس وفتح، خاصة وأن السجل التاريخي لهذا المسار يشير إلى وجود نقطة استفهام كبيرة حول ما إذا كانت مثل هذه الصفقة ستدوم، وإن دامت فإلى متى؟. وفيما لا يوجد أمل كبير في أن ترضخ حماس رسميا للشروط التي وضعها الرباعي على إثر فوز حماس في انتخابات 2006 (الشروط: نبذ العنف، الاعتراف بإسرائيل، وقبول الاتفاقيات السابقة) هناك طرائق متعددة لتكوين حكومة فلسطينية جديدة وصياغة برنامجها بشكل يرضي على الأقل الأوروبيين (ومن ثم ضمان مواصلة تمويل الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية) والأميركيين، إن لم نقل الإسرائيليين، ولو كان ذلك مجرد تصور. وبالتأكيد يرسل عباس إشارة إلى أنه يعتبر ذلك دائرة يمكن تحويلها إلى مربع.
هناك أيضا ضبابية حول الأسباب التي جعلت حماس تجدد اهتمامها بأجندة المصالحة. يمكن القول إن وضع حماس المنهك في المنطقة حاليا، وخاصة بعد رحيل حكومة الإخوان في القاهرة، يدل على أنها بحاجة ماسة إلى إيجاد طريقة جديدة لتعزيز موقفها. لكن مثل هذا التحليل قد يعني أنها تتجه نحو واقعية أكبر حول استبعاد إمكانية تحقيق شيء أكثر من حل الدولتين، أو أنها – مثلما يتخوف الإسرائيليون – تبحث عن طرق جديدة للعب لعبة تكتيكية بأجندة متشددة وغير متغيرة على المدى البعيد.
ويشير البعض أيضا إلى تناقض الموقف الإسرائيلي ، فمثلا لماذا يحق لإسرائيل التفاوض مع حماس من أجل إطلاق سراح جلعاد شاليط، لكن من غير المقبول لأي أحد غيرها – على الأقل أي واحد من حلفائها الغربيين – التحدث مع التنظيم نفسه ؟ ما هو المشكل في صورة التحاق حماس بمنظمة التحرير الفلسطينية نتيجة للصفقة، بما أن ذلك يمكن تأويله على أنه اعتراف ضمني منهم بإطار أوسلو، الذي مازالت منظمة التحرير الفلسطينية ملتزمة به؟ وبإلقاء نظرة أشمل وتذكر مسارات السلام الفاشلة والناجحة منها في أماكن أخرى من العالم سيتساءل أصحاب العقول الباحثة عن أجوبة هل بإمكان أية حكومة جادة في حل صراعات متجذرة طال أمدها فعل ذلك دون أن تكون مجبرة على التعامل مع “المتشددين” من الجهة الأخرى. ويمكن القول إن سجلّ حماس في احترام تفاهمات مماثلة لما توصلت إليه مع إسرائيل على مر السنوات ليس سجلا سيئا.
ذلك بالطبع يطرح السؤال عما إذا كان منوال التفاوض الإسرائيلي الفلسطيني في السنوات الماضية كان له أي حظوظ في النجاح بما أنه انبنى على فرضية أن الأميركيين سيتمكنون من تدبير مسار يؤمن دولة فلسطينية طبقا لشروط شبيهة بتلك الشروط الواردة في معايير كلينتون أو اتفاقية جنيف. كل هذا مصحوب بمساندة دولية وإقليمية شاملة وكافية لعباس المنتصر حتى يكون واثقا بأن الرأي العام الفلسطيني – ليس فقط في الضفة الغربية والقدس الشرقية لكن أيضا في غزة وربما بين الشتات في الخارج – سيساند الصفقة بالأغلبية وأن حماس ستقبل نتيجة الاستفتاء.
وفي جزء منه، بسبب الموقف الظاهري لحكومة ناتنياهو حول بعض المسائل الجوهرية والتوسيع الممنهج الحالي للمستوطنات الذي يقضم كل أمل في إقامة حل الدولتين القابل للحياة، أضحى ذلك المنوال غير واقعي منذ زمن بعيد.
هناك على الأقل شيء وحيد يبدو واضحا في لعبة إلقاء اللوم التي يلعبها الطرفان منذ عدة أسابيع (لا أحد منهما يعتقد أن المسار الذي جاء به جون كيري سيصل إلى أية نتيجة إذ أن الإثنين يتاوران بأمل أن يسقط اللوم، لانهياره، على الطرف الآخر) قد تكون الخطوة التي قام بها عباس خطأ كبيرا في الحسابات إن كان يقصد بها مجرد خطوة تكتيكية لأنه بذلك يعطي لناتنياهو كل المجال للتراجع عن مسار مثّل خطرا على تماسك حكومته.
وفي كل الأحوال هذا الشطب لآمال كيري مرة أخرى لا يمكنه إلا أن يقوي تقييم أولائك من أمثال الذين وصلوا على مضض إلى النتيجة المتشائمة التي مفادها أن نافذة الأمل لتحقيق حل الدولتين قد أغلقت الآن . وهذا بالرغم من أن مثل هذا الحل كان هو الأصوب في ما يتعلق بتحقيق تطلعات الطرفين، وبالرغم من الغياب – في المستقبل – المنظور لأي بديل للصراع المستمر.
من يخبر الشيخ القرضاوي بهذا؟
بقلم: مشاري الذايدي عن الشرق الأوسط
من المتوقع أن يصبّ الشيخ يوسف القرضاوي، مرجعية الإخوان الدينية وخطيبهم السياسي، حممَ غضبه على ما يجري حاليا في مصر.
الشيخ الثمانيني، غاضب ومحبط، وهو الذي اتكأ على عصاه في ميدان التحرير عشية ما سمي ثورة يناير، ظنا منه أن لحظة القطاف ومرحلة «التمكين» التي تحدث عنها قدوته حسن البنا، قد حانت، خصوصا مع صعود جماعة تلميذه راشد الغنوشي في تونس، وجماعة الغرياني وغيره في ليبيا.
ذهل الشيخ، فهل كل ذلك كان وهما خاصة في مصر؟ إذ سرعان ما تهاوى قصر الريح الإخواني على رؤوس قادة الجماعة، وتبخرت آمال محبي وداعمي الإخوان في مصر من اسطنبول إلى الدوحة.
من أجل هذا فلا تلوموا الشيخ الذي احمرّت شمس الغروب في صفحة يومه، أن يهتاج ويرفض الإقرار بالواقع، ويعتمد على سلاحه الأثير، وهو الفتوى والتهييج الديني، فلا دبابات لدى الشيخ ولا طائرات «فليسعف النطق إن لم يسعفِ الحال»!
القرضاوي لا يريد إجراء انتخابات رئاسية في مصر، والسبب: لأن الإخوان خارج اللعبة. ترجم ذلك بالإحالة إلى الدين، وأن رأيه هذا هو «توقيع عن رب العالمين» فحرّم المشاركة في الانتخابات المصرية، هذه هي لغته التي يتقنها، مثلما يتقن تلميذه راشد الغنوشي لغة السياسة والإعلام التي كتب بها في «فيسبوك» تزامنا مع فتوى القرضاوي: «الانتخابات الرئاسية مسرحية سخيفة».
هذه انفعالات نفسية مهتاجة ترفض التعامل مع حقيقة هزيمة الإخوان في مصر، منهم من يعبّر عن انفعاله بشكل فتوى، كالقرضاوي، وشكل تعليق سياسي تحليلي، كالغنوشي.
ربما وضع وزير الأوقاف المصري الشيخ محمد مختار، يده على الجرح، وهو أدرى بطبائع الشيوخ، حينما أعلن ردا على القرضاوي، أنه يدعم بقوة بيان الأزهر الشريف بشأن فتوى القرضاوي، التي وصفها بالضالة المضلّة. وطالب الشيخ مختار بإحالة القرضاوي إلى لجنة القيم وإلى طبيب نفسي.
وشدّد على أنه أكد مرارا أن «يوسف القرضاوي قد فقد صوابه، وقد أفقده ضياع سلطة الإخوان بمصر وعيه، فصار يتخبط في الفتاوى المغرضة التي تدعم الإرهاب، وتدعو إلى الفساد والإفساد في الأرض».
الألم على الشيخ ليس محصورا بتبخر حكم الإخوان، ولا بالدعوة لطرده من زمرة علماء الأزهر، الأمر وصل لأمواله الشخصية في مصر، هو وثلة من تلاميذه المصريين المقيمين في قطر، حيث صودرت هذه الأموال بأمر لجنة خاصة مكونة لحصر وملاحقة أموال الجماعة بعد حظرها قانونيا.
في لحظات الانكسار والصدمات بفقد عزيز أو بضياع حلم، أو حتى بهبوط ثروة مفاجئة أو سلطة مباغتة، يكون الإنسان أحوج إلى من يوقظه، ولو برفق وتدرج، على حقيقة الحال، ويرجعه إلى أرض الواقع، حتى يتوقف عن إيذاء نفسه والآخرين بمناطحة الجدران.
لا يلام الشيخ فهو إنسان يعتريه، مثلنا كلنا، ما يعتري الإنسان من قوة وضعف وفرح وترح وأمل وألم، وغضب وسرور، وأهواء النفوس.