1 مرفق
اقلام واراء عربي 22/05/2014
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
بديل المفاوضات مع الكيان الصهيوني
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
مشروع فلسطيني جديد يواجه المشروع الصهيوني
بقلم: شفيق ناظم الغبرا (استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) عن الحياة اللندنية
اليسار ونكبة العرب
بقلم: كاظم الموسوي (كاتب عراقي) عن الأخبار البيروتية
النصيحة الثمينة لحماس!!
بقلم: ياسر الزعاترة عن الدستور الأردنية
نبي في الأسر
بقلم: عبد العالي رزاقي عن الشروق الجزائرية
قطر والأدوار المريبة
بقلم: سالم حميد (كاتب اماراتي) عن العرب اللندنية
ليبيا وغزة.. سؤالان أمام مصر السيسي
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
انتهت اللعبة.. أيها الإخوان الشياطين
بقلم: أحمد الجارالله (كاتب كويتي) عن المصري اليوم
تحولات سياسية
بقلم: حياة الحويك عطية عن الخليج الاماراتية
بديل المفاوضات مع الكيان الصهيوني
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
قد يرى بعض القائمين على السلطة الفلسطينية أنه لا يوجد بديل للمفاوضات مع العدو الصهيوني، ذلك أن السلطة اختارت نهج المفاوضات كخيار اساسي ووحيد مع إسرائيل، لتحقيق طموحات شعبنا ونيل حقوقه الوطنية. نعم ترددت أنباء عن قنوات سرية للمفاوضات بين السلطة واسرائيل، أشار إلى ذلك كل من نتنياهو وليبرمان. في هذا السياق يأتي اللقاء الذي جرى في لندن مؤخرا بين محمود عباس وتسيبي ليفني، حتى المفاوضات السرية لن تأتي بجديد، فقد انتهت فترة التسعة أشهر المحددة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني. انتهت بدون أن تُسفر عن أيّ شيء سوى المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية، ومزيد من الاشتراطات على الجانب الفلسطيني. انتهت كما كان متوقعاً لها بالفشل، فإذا كانت مباحثات عشرين عاماً من التفاوض لم تؤد إلى إقناع إسرائيل بأيٍّ من الحقوق الفلسطينية، فهل ستكون فترة التسعة أشهر كافية؟ وهل ستكون المفاوضات السرية كافية؟ من قبل قال شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على هامش مؤتمر مدريد، ‘بأننا سنطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاماً’، وبالفعل طالت المفاوضات إلى هذا الزمن، وليس هناك من مؤشرٍّ ولو صغير بأن تنزاح دولة الكيان قيد أُنملةٍ عن تعنتها، لذا مطلوب من القيادة الفلسطينية الإجابة عن سؤال: ثم ماذا بعد؟ خاصة أنها حشرت ذاتها في استراتيجية خيار المفاوضات والمفاوضات وحدها.
ان بديل المفاوضات يتمثل في ما يلي، التوجه للانضمام الى كافة المنظمات الدولية، بما في ذلك محكمة الجنايات الدولية. إجراء المصالحة الوطنية. العودة الى قرارات الأمم المتحدة كمرجعية للحقوق الفلسطينية. إنهاء التنسيق الأمني مع العدو. الانتفاضة الثالثة. طرح الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة. اللجوء إلى حل السلطة والعودة إلى المربع الاول. العودة للمقاومة بكافة وسائلها، بما في ذلك المقاومة المسلحة. نقول ذلك لأن على السلطة استخلاص الدروس والعبر من تجربة المفاوضات منذ اتفاقية أوسلو وحتى هذه اللحظة، ولعل من أبرز دروس المرحلة الطويلة المعنية ما يلي: سقوط خيار السلطة في المفاوضات، فالاستيطان الإسرائيلي زاد خلالها أضعافاً مضاعفة عمّا كان قبلها، وتوسعت عدوانية إسرائيل، وأعاد شارون احتلال الضفة الغربية، وزاد حجم الاشتراطات الإسرائيلية على الفلسطينيين وحتى على العالم العربي، مقابل القبول بإجراء تسوية محدودة مع الطرفين. القيادة الفلسطينية مطالبة بإيجاد بديل للمفاوضات، فالشعب الفلسطيني في خِضّم مرحلة التحرر الوطني، وأسئلة شعبية كثيرة بحاجة إلى ردود من قيادة السلطة الفلسطينية. والوضع يحتم انتهاج استراتيجية جديدة وتكتيك سياسي جديد أيضاً، فلا يمكن للقيادة ترك شعبها معلقاً في حبال من الوهم عنوانها المفاوضات الفاشلة.
نخشى ما نخشاه أن تتعرض السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس شخصياً لضغوطات دولية، خاصة أمريكية، لاستئناف المفاوضات تحت وعودٍ جديدة لن تنفذ هي الأخرى كما سابقاتها التي لم تنفذ.
سقوط الرهان على الولايات المتحدة في أن تكون وسيطاً نزيهاً محايداً بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل. كانت الولايات المتحدة في كل مواقفها حليفاً عضوياً للكيان الصهيوني، تدعمه في مختلف المجالات، العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية والمالية، لذا مخطئ من يراهن من القيادة الفلسطينية على أن تكون أمريكا حكماً عادلاً بين العرب وإسرائيل.
لقد وعد الرئيس أوباما في بداية رئاسته الأولى، بوقف الاستيطان الإسرائيلي، وبإقامة دولة فلسطينية خلال عامين لكنه لم يفِ بأيٍّ من الوعدين، بل تراجع عنهما، وأضحى يطالب الفلسطينيين بالتفاوض مع إسرائيل بدون أن يرى في الاستيطان عائقاً أمام المفاوضات. أمريكا شريكة لإسرائيل في كل خطواتها وما أن أعلنت السلطة الفلسطينية عن بدء توجهها بالتسجيل في الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة، وما أن أعلنت حركتا فتح وحماس عن اتفاق المصالحة، حتى انزعجت الإدارة الأمريكية وتحرك الكونغرس لتفعيل ‘قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني’، الذي صدر من قبل، وينص على: حظر المساعدات الأمريكية لأية حكومة فلسطينية ناتجة عن مصالحة مع حماس. جون كيري وزير الخارجية الأمريكي نفى ما تردد على لسانه من أن إسرائيل ستكون دولة أبارتهايد إذا فشل حل الدولتين. هذا غيض من فيض المواقف الأمريكية، فهل من شك لدى أحد من القيادة الفلسطينية في أن الولايات المتحدة تقف حتماً في صف الكيان الصهيوني؟
إن الإنجازات الوطنية الفلسطينية ومعرفة العالم بقضية الشعب الفلسطيني العادلة، ووقوف غالبية دول العالم معها، وتحقيق الهوية الفلسطينية، والاعتراف بالشعب الفلسطيني وتأييد قضاياه، وحتى اعتراف الكيان الصهيوني بوجود الشعب الفلسطيني، وقد حاولت إسرائيل إنكاره، هذه وغيرها لم تكن لتتحقق لولا النضال الفلسطيني والكفاح بالمقاومة بكل أشكالها ووسائلها، وعلى رأسها الكفاح المسلح، الذي أثبت جدّيته وفعله وتأثيره الإيجابي. بالمقابل فإن الانحدار وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني والاستهانة بالحقوق الوطنية الفلسطينية فإنها في أحد أسبابها الرئيسية تعود إلى وقف المقاومة من قبل السلطة، واعتبارها ‘عنفاً’ غير مبرر وصولاً إلى اعتبارها ‘إرهاباً’، هذه الحقائق لا يجوز إهمالها والتهرب والتنصل منها تحت أي مبرر من المبررات. أثبت الكفاح جدواه في كل تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أهمية ترتيب البيت الفلسطيني من داخله.. لقد ثبت بالملموس أن الانقسام تماماً، كما افتقاد الوحدة الوطنية الفلسطينية وإهمال منظمة التحرير الفلسطينية، عوامل تؤدي إلى تراجع القضية الفلسطينية والمشروع الوطني عموماً، والعكس بالعكس هو الصحيح، فالوحدة الوطنية الفلسطينية، وتجاوز الانقسام وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هي أوراق قوة تضاف لكل من فتح وحماس وكل فصيل فلسطيني من فصائل النضال الوطني والإسلامي على الساحة الفلسطينية. ولا يجوز أن يبقى الانقسام ولا بأي شكل من الأشكال، وليجرِ تنفيذ اتفاق المصالحة، ولتعد الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.
أهمية العمق الاستراتيجي العربي والدولي الصديق للقضية الفلسطينية، بدون التلاحم العضوي مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج وبدون معسكر الأصدقاء فإن النضال الفلسطيني يظل ناقصاً. الاستقواء بالعاملين قضية ذات أهمية قصوى. في البداية من الضروري بلورة المشروع الوطني الفلسطيني والاستراتيجية الجديدة التي يتم وضعها. من الممكن بعدها تجميع العالم العربي من حول هذا المشروع وهذه الاستراتيجية.
إن كافة هذه المهمات والأسئلة بحاجة إلى إجابات شافية وافية من القيادات الفلسطينية. إن بدائل المفاوضات كثيرة وهي واضحة تماما لكل من يريد البحث عن هذه البدائل.
مشروع فلسطيني جديد يواجه المشروع الصهيوني
بقلم: شفيق ناظم الغبرا (استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) عن الحياة اللندنية
مر على النكبة 66 عاماً، اختلطت فيها آلام اللجوء مع الكفاح والثورات وأحلام العودة. فالنكبة بصفتها عملية اقتلاع شملت مصادرة الأراضي والمنازل واحتلال المدن وتدمير مئات القرى وسط مجازر وتهجير جماعي ومنع السكان المواطنين من العودة تحولت الى أكبر صدمة عرفها العالم العربي منذ سقوط الدولة العثمانية ووقوعه تحت الاستعمار الغربي. لقد نتجت من النكبة تحولات مست العالم العربي من أقصاه الى أقصاه.
فقد برزت الحركة القومية العربية بزخم في ظل الشخصية التاريخية لجمال عبد الناصر، ووقعت سلسلة الانقلابات العسكرية التي أتت بالجيوش الى عمق العملية السياسية العربية. وما أن واجهت القومية العربية التحدي الأكبر في هزيمة 1967 في ظل فشلها في أبعاد اجتماعية وسياسية أخرى، إلا وورثتها شعبياً الحركة الإسلامية المعبرة عن قوى اجتماعية جديدة. ورغم تعقد مصادر القومية العربية والإسلام السياسي ورغم الأخطاء الجسيمة لكلا الحركتين إلا ان المسألة الفلسطينية مثلت مصدراً رئيسياً ومهماً من مصادر الزخم الذي أحاط بكل منهما.
ومنذ اتفاق أوسلو عام 1994 ارتفعت آمال الفلسطينيين بإمكان قيام دولة فلسطينية واستعادة الأراضي المحتلة عام 1967 سلماً في ظل حل يشمل القدس والضفة وغزة. مبدأ حل الحد الأدنى مع إسرائيل تحكّم بمرحلة ما بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، وهذا بدوره عبر عن استعداد فلسطيني للقبول بما ينقذ ما تبقى من الأرض قبل ان تختفي في قلب الاستيطان والتهويد.
وفي خضم هذه المرحلة الجديدة التي بدأت في عام 1994 وقعت عملية تهميش لأجزاء مهمة من الشعب الفلسطيني. فقد أصبح المواطن الفلسطيني، وفق واقع أوسلو الجديد، هو ذلك الفرد الذي يقطن في الضفة وغزة والقدس. أما فلسطينيو 1948 القاطنون على الأرض التي قامت عليها إسرائيل ومستها النكبة بصورة مباشرة فقد أخرجهم مسار أوسلو من المعادلة بصفتهم مواطنين إسرائيليين (عددهم 1.8 مليون)، ولم يعد يحق للسلطة الفلسطينية التحدث عن حقوقهم وقضيتهم التي هي جزء اصيل من القضية الفلسطينية.
كما وقع أمر مشابه في عملية التهميش مع فلسطينيي الشتات. فقد تم إلغاء دورهم وإخراجهم من المعادلة بحكم عدم موافقة إسرائيل على مبدأ العودة وحقوق اللاجئين.
وفي الوقت نفسه ارادت إسرائيل خنق الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة في مهدها، وذلك لأنها اعتبرت أن الفلسطينيين يمثلون أكبر خطر على مشروعها الاستيطاني.
لهذا استخدمت إسرائيل سنوات المفاوضات لعزل القدس ومحاصرة السكان العرب البالغ عددهم 300 الف مقدسي، وقامت بمحاربتهم في معيشتهم وأعمالهم وحقوقهم وانتقالهم، كما سعت الى تهويد القدس الشرقية مقتطعة أراضي من الضفة الغربية عبر توطين 300 الف مستوطن إسرائيلي، كما قامت بعملية استيطان داخل أسوار البلدة القديمة. وفي ظل عملية ضم القدس الشرقية ومحيطها، قامت إسرائيل بعزل قرى ومناطق الضفة ومدنها.
إن فشل مشروع الدولة ليس فشلاً للقضية الفلسطينية بل بداية عودتها الى أصحابها، ويتضح بعد مرور 66 عاماً على النكبة أن القضية الفلسطينية تمر بانتفاضتها الخاصة، اذ تقع فيها ثورة صامتة فريدة من نوعها مجالها الفكر وإعادة التفكير في الأولويات. ثورة الفلسطينيين ليست في ميادين وساحات الأرض الآن، بل إنها ثورة في الأوساط الأكاديمية والفكرية وعلى الأخص وسط فلسطينيي 1948 حيث المعاناة القومية والإنسانية والتناقضات في أجلى صورها. فهناك يبرز مفكرون جدد طوروا فكرهم السياسي والفلسفي في جامعات اسرائيلية شتى منها الجامعة العبرية وجامعة تل ابيب بالإضافة الى جامعات أوروبية وأميركية مختلفة.
المدرسة الفلسطينية الجديدة تواجه بالرفض من الأوساط الصهيونية لأنها تطرح بقوة رؤى للمستقبل جوهرها وحدة الأرض الفلسطينية والدولة الواحدة من البحر الى النهر والتركيز على العدالة والمساواة والحقوق، وهذا يتناقض مع يهودية اسرائيل. هذا المشروع يطرح رؤى نضالية جديدة جوهرها حقوق الإنسان الفلسطيني ومساواته في كل فلسطين التاريخية من البحر الى النهر. ففلسطين بكاملها هي الأرض التاريخية والمكان الذي تسعى الحركة الصهيونية إلى مصادرته وهي الأرض التي يسعى الشعب الفلسطيني لتثيبت حقوقه التاريخية فيها. إن باحثين جادين ومتميزين من أمثال نديم روحانا من جامعة «تافتس» الأميركية ورئيس مركز «مدى» في حيفا، وبشير بشير ونادرة كفوركيان من الجامعة العبرية، وأمل جمال ورائف زريق من جامعة تل ابيب وآخرين يجتهدون جماعة وفرادى لتطوير هذه الرؤى الجديدة.
المدرسة الجديدة تحمل فكراً نقدياً للحركة الفلسطينية في وضعها الراهن، اذ يحثها هذا الفكر على الانسحاب التدريجي من مشروع الدولة في الضفة وغزة لمصلحة العودة للقاعدة الشعبية الفلسطينية: فلسطينو 1948 وفلسطينيو الشتات إضافة إلى فلسطينيي الضفة وغزة والقدس بهدف استعادة زخم «حركة التحرر الفلسطينية» في كل الأرض الفلسطينية. هذه التجمعات في كل مكان تحتاج إلى مظلة شاملة تعبر عن نضالها ضد الصهيونية وضد عنصريتها، وتحتاج حتماً إلى إعادة إحياء حلم الحقوق والعدالة والعودة والأرض.
هذا الفكر الجديد يعرّف المشكلة الفلسطينية بصفتها حركة دائمة لشعب اصابته النكبة عام 1948 ويخضع لتمييز عنصري وإبعاد دائمين، وليقاوم، عليه ان يركز على حقوقه ومساواته الكاملة في ارضه. وهذا لا يعني المقاومة المسلحة بل على النقيض أثبتت المقاومة المدنية قدرتها على التغيير والتأثير. وما هزيمة مشروع التهويد في قلب النقب منذ شهور إلا دليل على قدرات المقاومة المدعومة حقوقياً.
في الذكرى 66 للنكبة: الفكر الجديد الذي يبرز بين فئة فلسطينية مثقفة تجيد لغة العدو وثقافته ودرست في جامعاته ومؤسساته، لا يتجاهل ما يقارب ستة ملايين يهودي ينضوون في ظل تصور قومي إقصائي ويقطنون الآن الأرض الفلسطينية. فبالنسبة إلى هذه المدرسة يجب ان يتفوق النضال أخلاقياً على الحركة الصهيونية عبر عدم تبنيه منطق طرد وتهميش مضاد ليهود فلسطين. المشروع العربي الجديد لا يحمل موقفاً سلبياً تجاه اليهودية او تجاه اليهود والمواطنين الإسرائيلين، لكنه يحمل موقفاً سلبياً تجاه صهيونية إسرائيل وتعطشها الدائم لمزيد من الأرض والتطهير والإستيطان. جوهر المشروع الجديد، الذي يجب ان يكسب مناصرين معارضين للعنصرية من كل الأوساط: الأنسنة والحقوق وإسقاط المشاريع العنصرية في ظل فلسطين واحدة من البحر إلى النهر.
اليسار ونكبة العرب
بقلم: كاظم الموسوي (كاتب عراقي) عن الأخبار البيروتية
في 15 أيار/ مايو مرّت الذكرى السادسة والستون لنكبة العرب في فلسطين. كالعادة صدرت بيانات سياسية من منظمات فلسطينية معدودة، كررت ما قالته منذ تأسيسها عن ذكرى النكبة. ونامت في غيرها من بلدان عربية كان صوتها عالياً يوماً عنها، عن القضية المركزية للأمة. انشغلت عواصم بنكباتها الداخلية وتركت ذكرى النكبة لأهلها أو على الأصح لبعضهم ممن لا يزال يمسك جمرها ولا يتوانى عن حمل الحجر. لافت للانتباه هذا الهجر شبه الجماعي من قوى الأمة، من الأحزاب السياسية في العالم العربي. أين التظاهرات والاعتصامات والقرارات بالمقاطعة للعدو وآلاته وأدواته ومؤسساته؟ أين العرب؟ وين العرب... وين، كما غنت جوليا بطرس يوماً!
مرت الذكرى حزينة كما حصلت أوانها. ماكو أوامر! صمت ملعون ومخجل يقدم للعدو ما حلم به يوماً ايضاً. ولكن ما رفع العتب ان اليسار في لبنان لم يفوّت الفرصة، متجاوزاً أخطاء تاريخ والتباسات زمن ماض. هذا اليسار اعتصم امام الاسكوا في قلب عاصمة الحرية بيروت. نشر صوراً له وبياناً مختصراً. لم تعن وسائل الاعلام الناطقة باللغة العربية بكل انواعها بهذا الحدث وهذا التجمع وهذا اللقاء. هل هو موقف ام انشغالات بأمور اخرى لم يكن هذا الخبر بمقامها أو اهميتها الاخبارية والإعلامية؟! إنها نكبة العالم العربي، تعيش ذكراها بأيامها وسنواتها ومحنتها وآلامها وقسوتها وحزنها وصبرها ووو...
كي لا أجحد حقها أعيد نص البيان: «لمناسبة الذكرى السادسة والستين لنكبة فلسطين، نظّمت أحزاب «اللقاء اليساري العربي» في لبنان اعتصاماً سياسياً أمام الاسكوا. شارك في الاعتصام ممثلات وممثلون عن الحزب الشيوعي اللبناني والحزب الديمقراطي الشعبي وحركة الشعب والتنظيم الشعبي الناصري والتيار الوطني الحر، إضافة الى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية. بدأ الاعتصام بكلمة للأستاذ ربيع بيرق حول المناسبة. بعد ذلك تحدّثت السيدة خالدات حسين باسم لليسار الفلسطيني، فأكّدت على حق الشعب الفلسطيني في النضال من أجل العودة، رافضة ما يحاك ضده عبر المشروع الاميركي الجديد المسمى «الاتفاق – الاطار»، ودعت الدولة اللبنانية الى تأمين الحقوق المدنية والاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين. ثم تحدث الأستاذ أسد غندور باسم أحزاب «اللقاء اليساري العربي»، مركزاً على تواطؤ الأنظمة العربية مع المشاريع الاستعمارية الجديدة ضد شعب فلسطين والشعوب العربية عموماً، لافتاً النظر إلى «مشروع الشرق الأوسط الجديد» التفتيتي ومؤكداً مجابهته.
أخيراً، تلا السيد أيوب غراب المذكرة الموجهة الى الأمين العام للأمم المتحدة (مرفقة)، وجرى تسليمها الى ممثل الاسكوا.
أين الأحزاب الاخرى؟ أين الشخصيات الوطنية والقومية؟ أين؟ أسئلة... أسئلة تتكرر من دون اجوبة وبلا عقبى ضمير وخشية من حساب التاريخ وعقابه. كلنا يعرف ان الشعب يمهل ولا يهمل وأن التاريخ يسجل ولا يصفح في صفحاته لمن ينسى دوره وموقعه ومكانه وواجبه. هل نكتفي بما حصل وننام بانتظار الذكرى السنوية المقبلة؟ إن ما جرى مؤشر وإشارة الى ما يتوقع وما يراد له ان يكون.
في مخاطبة الامين العام للأمم المتحدة، التي اصدرت قرار التقسيم ومئات القرارات الاخرى التي لم تطبق كما التزمت هي وادارة الولايات المتحدة الأميركية بقرار تأسيس النكبة، معلومات ومواقف سياسية معلومة، وتناقضات سياسية مكررة، وشهادة للتاريخ بأداء الواجب وضرورة العمل على انقاذ شعب وارض تنتهك ابسط الحقوق المشروعة والمعروفة له وفيها.
ست وستون عاماً ومازالت محاسبة اليسار على الهرولة وراء ما قاله اندريه غروميكو في الأمم المتحدة حينها، اعترافاً بقرار التقسيم، وتفسيراً له. ولكنها لم تطالع ما قدمه فهد، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي (اعدم عام 1949)، رغم كل ما حصل وتناقلته الاخبار والإشاعات والوشايات ومراكز المخابرات والثقافة والتجنيد لتلك المهمات والصفقات. إنها سخرية القدر اللئيمة في زمن غادر. لم يشر غروميكو لهذا الحدث الجلل في مذكراته، بينما افرد فصلاً عن أزمة «الشرق الاوسط» في الستينيات وتأكيد موقف الاتحاد السوفياتي من القضية المركزية والسلم والأمن في العالم.
أما فهد فقد حدد الموقف بسطور واضحة في اكثر من رسالة له، لا سيما بعد تأسيسه عصبة مكافحة الصهيونية عام 1946، ومنها مذكرة مفتوحة الى الحكومة العراقية مؤرخة في 21/ 11/ 1945، كتب في فقرة تحت عنوان موقف الحكومة تجاه الصهيونية، ما يلي: «تدعي الحكومة القائمة انها تناصر عرب فلسطين ضد الصهيونية، لكن الشعب العراقي لا يلمس هذه المناصرة واختباراته اليومية تبرهن أنه على أن الحكومة العراقية تمنع الشعب العراقي من مناصرة عرب فلسطين، تمنعه عن مكافحة الصهيونية وبهذا تسهل على الصهاينة وعلى القوى الرجعية – الاستعمارية وغيرها - السير بخططهم... إن الحكومة منعت وتمنع الشعب العراقي من اقامة اجتماع في سبيل فلسطين، انها منعت عصبة مكافحة الصهيونية من إقامة اجتماع في يوم وعد بلفور الاسود، إنها احتلت نقابات العمال في ذلك اليوم لكي لا يجتمع العمال فيها، انها منعت التظاهرات في سبيل فلسطين...».
أين التظاهرات والاعتصامات والقرارات بالمقاطعة للعدو وآلاته وأدواته ومؤسساته؟
وأكد «أن الحكومة العراقية تحاول ان تخفي المسؤولين الحقيقيين عن نكبة شعبنا العربي في فلسطين، تريد ان تستر الاستعمار البريطاني المسؤول الاول، ان تخفي الصهيونية، باعتبارها تمثل مصالح الشركات اليهودية الكبرى في بريطانيا وأميركا فتظهر اليهود العرب الذين لا صلة تربطهم بالصهيونية الاستعمارية والذين عشنا وإياهم اجيالا عديدة من دون تصادم بيننا كأنهم المسؤولون فتوجه النقمة ضدهم». (يراجع كتاب سالم عبيد النعمان، نصف قرن من تاريخ وطن، ص 281 وما بعدها). وأكد ذلك في منهاج الجبهة الوطنية (لعام 1946) الذي كتبه ووزعه على القوى السياسية ودعا فيه الى نصرة فلسطين ضد الاستعمار والصهيونية وضد دعاة الخطط الاستعمارية المبيتة لها وتأييد الشعب الفلسطيني في مطالبه التالية:
1ــ الغاء الانتداب ووعد بلفور وتصفية حكومة الانتداب وجلاء الجيوش الاجنبية عنها.
2ــ تأليف حكومة وطنية ديمقراطية مستقلة.
3ــ وقف الهجرة وانتقال الاراضي من حوزة العرب وعرض قضيتها على مجلس الامن.
في ضوء توجيهات فهد، وإثر تطور الموقف بعد اقرار التقسيم، أصدرت القيادة الميدانية نشرة داخلية اوائل كانون الأول/ ديسمبر 1947، بيّنت فيها موقف الحزب. جاء فيها أن «موقف الاتحاد السوفياتي بخصوص التقسيم وفّر للصحف المرتزقة ومأجوري الإمبريالية فرصة لا للتشهير بالاتحاد السوفياتي فقط، بل أيضاً بالحركة الشيوعية في البلدان العربية... ولذلك، فإنه يجب على الحزب الشيوعي تحديد موقفه من القضية الفلسطينية بحسب الخطوط التي انتمى اليها والتي يمكن تلخيصها بالتالي:
أـ إن الحركة الصهيونية حركة عنصرية دينية رجعية، مزيفة بالنسبة إلى الجماهير اليهودية.
ب ـ إن الهجرة اليهودية... لا تحل مشكلات اليهود المقتلعين في أوروبا، بل هي غزو منظم تديره الوكالة اليهودية... واستمرارها بشكلها الحالي يهدد السكان الأصليين في حياتهم وحريتهم.
ج ـ إن تقسيم فلسطين عبارة عن مشروع إمبريالي قديم يستند الى استحالة مفترضة للتفاهم بين اليهود والعرب.
د ـ إن شكل حكومة فلسطين لا يمكنه أن يتحدد إلا من قبل الشعب الفلسطيني الذي يعيش في فلسطين فعلاً، وليس من قبل الأمم المتحدة أو أية منظمة أو دولة أو مجموعة دول أخرى.
ه ـ إن التقسيم سيؤدي الى إخضاع الأكثرية العربية للأقلية الصهيونية في الدولة اليهودية المقترحة.
و ـ إن التقسيم وخلق دولة يهودية سيزيد من الخصومات العرقية والدينية وسيؤثر جدياً على آمال السلام في الشرق الأوسط.
ولكل هذه الأسباب فإن الحزب الشيوعي يرفض بشكل قاطع خطة التقسيم. (يراجع كتاب حنا بطاطو عن العراق، الكتاب الثاني، ص 256-257).
مراجعة هذه الصفحات لا تثني عن التذكير بالنكبة وأزلامها، وفي هذه الذكرى الحزينة والإشارة فيها لموقف اليسار لابد من الاشارة ايضاً الى ما تقوم فيه «قوى الرجعية العربية» من تكرار لمواقفها ذاتها، وبحسب تطور ادواتها ووسائلها، فتفرغ امكاناتها المالية الكبيرة لشراء المؤسسات الاعلامية والكتاب والمفكرين لإنكار تلك النكبة او تشويه سجل التاريخ فيها وحولها. ولكن اليسار في وقفته هذه رد عليها بإمكاناته وقدراته ولغة المواجهة ضد كل لغات الصمت والاستبداد والعار. إذ لا بدّ من تصعيد لغة اليسار والتغيير الآن.
النصيحة الثمينة لحماس!!
بقلم: ياسر الزعاترة عن الدستور الأردنية
قبل ما يقرب من عقدين، خرج علينا “خالد الذكر” شعبان عبد الرحيم أو “شعبولا” بأغنيته الشهيرة “بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل”، وكانت الأغنية -على تفاهتها- لحنًا وأداءً وكلماتٍ مما اشتهر في ذلك الحين في مدح وزير الخارجية المصري الذي سيغدو لاحقا أمين عام الجامعة العربية تبعا لخوف حسني مبارك من شعبيته.
والحال أن عمرو موسى لم يكن في حينه يعبر عن بطولة شخصية وهو يتحدث بلغة “متشددة” بمقياس الأنظمة حيال الكيان الصهيوني، فقد كان النظام المصري نفسه في ذلك الوقت دخل في تحالف ثلاثي لم يدم طويلا مع السعودية وسوريا في مواجهة موجة التطبيع التي تلت اتفاق أوسلو منتصف التسعينيات، وخشيت مصر من تمدد الصهاينة في طول الوطن العربي وعرضه ضمن سياق من تنظيرات شيمون بيريز عن الشرق الأوسط الجديد.
والنتيجة أن عمرو موسى لم يكن يصرِّح بموقف شخصي، فالمنصب الذي يتبوأه لا يسمح بشيء كهذا، وحين أصبح أمينا عاما للجامعة العربية ظل من الناحية العملية، كما سواه من الأمناء العامين المصريين، يعبر عن الموقف الرسمي المصري، ومن ورائه منظومة الاعتدال العربية، أو ما يعرف بمحور الاعتدال في ذلك الحين.
بعد ثورة يناير بحث عمرو موسى -ورغم بلوغه من العمر عتيا- عن موقع جديد، واعتقد أن بوسعه أن يكون رئيسا للبلاد، لكن المفاجأة كانت في فشله المدوي، فلجأ إلى تأسيس حزب، يحتاج الناس إلى العودة لـ”غوغل” لكي يتذكروا اسمه، وهو حزب الرجل الواحد أو “ون مان شو” كما يقال.
وحين بدأت الهجمة على مرسي، كان الرجل ضمن الجوقة، وحين جاء الإخوان يسترضونه، لم تكن النتيجة سوى رفع سعره في سوق السياسة يومها، إذ انهالت عليه “بركات” أنظمة الثورة المضادة، فما كان منه غير الدخول في تحالف معهم عرف بجبهة الإنقاذ، وشارك في المؤامرة التي أطاحت بالرئيس مرسي.
انتهت جبهة الإنقاذ، وجاء الحكام الجدد، وكانت مكافأته الأولية هي وضعه على رأس لجنة الدستور، ولكنها مكافأة عابرة، فيما عيْن الرجل على ما هو أكثر من ذلك، هو الذي يعلم أن الانتخابات القادمة لن تمنح حزبه العتيد شيئا مذكورا، هو الذي سيتشكل من نخب النظام القديم، وما سيجري تشكيله من نخب النظام الجديدة التي لن يكون هو من بينها على الأرجح، حتى لو حصل على مقعد في مجلس الشعب.
للحصول على موقع في النظام الجديد بعد رئاسة السيسي، ولأنه يدرك أن إرضاء الصهاينة هو المدخل لأي موقع جديد، فقد ذهب إلى واشنطن، ومن هناك أطلق دعوته إلى حركة حماس بضرورة “الاعتراف بإسرائيل”. وقال أمام الصحافيين بالنص: “”على حماس أن تعلن قبولها بمبادرة السلام العربية للعام 2002 التي تشكل خطة للتطبيع والاعتراف بدولة إسرائيل وكذلك قيام دولة إسرائيلية والانسحاب من الأراضي المحتلة”.
يعلم عمرو موسى، ولا حاجة لأن يذكّره أحد، أن المبادرة العربية لم تحظ بأية التفاتة ذات قيمة من الكيان الصهيوني، وها إن محمود عباس يقبل بما هو أقل منها بكثير، كما عكست وثائق التفاوض دون جدوى، ويعلم أن كل المفاوضات والاعترافات التي بادرت إليها حركة فتح، لم تجد نفعا، ولا تزال لاءات نتنياهو تملأ الأجواء، فلماذا يكون على حماس أن تقدم هذا التنازل المجاني للعدو، وهل الأخير بحاجة إليه. ألم يكن بوسعه أن يقدم التنازل للسلطة وقيادتها لو كانت لديه نية التنازل؟!
كل ذلك يعرفه تماما عمرو موسى، فهو ليس مستجدا في عالم السياسة، لكن ما أراده عمليا هو تقديم أوراق اعتماد للصهاينة، وللأمريكان على أمل أن يشكل ذلك محطة لموقع في النظام المصري الجديد الذي ينبغي أن يدفع هو الآخر من جيب قضايا الأمة، وبخاصة فلسطين لكي يرد جميل نتنياهو الذي عمل مقاول علاقات دولية لحسابه، وضغط على أميركا ودول كثيرة من أجل الاعتراف بالانقلاب.
الأرجح أن الرجل الذي يقترب حثيثا من الثمانين لا زال يطمح برئاسة الوزراء في النظام الجديد، ولكن إذا لم يكن ذلك متاحا، فلتكن وزارة الخارجية أو منصبا آخر، المهم هو ألا يخرج من مشهد الانقلاب خالي الوفاض. فهل ينجح مسعاه؟ ليست لدينا إجابة، لكنه كسب شرف المحاولة على كل حال!!
نبي في الأسر
بقلم: عبد العالي رزاقي عن الشروق الجزائرية
لكل ثورة نبي، وأنبياء الثورات العربية استشهدوا أو اغتيلوا، فماذا نقول عن "الأنبياء الأسرى" في سجون الكيان الصهيوني؟
المصالحة والمخاوف الصهيونية؟!
نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات "التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2012-2013 والمسارات المتوقعة لسنة 2014" أكد فيه على وجود مخاوف إسرائيلية وقال: "إنها ازدادت بفعل تطورات الربيع العربي"، مشيرا إلى خطر "جماعة المعبد" على فلسطين لقوة تأثيرها على السياسة الصهيونية، وبالرغم من انها جماعة إرهابية، إلاّ أن الأقطار العربية لم تعمل على تصنيفها ضمن الارهاب الصهيوني، ولم تطالب جامعة الدول العربية الأمم المتحدة اعتبار هذه الجماعة تنظيما إرهابيا؟
ما يثير الدهشة والاستغراب أن التقرير يحصي 1262 تجاوز أمني خلال سنة 2012 للسلطة الفلسطينية في حق مناضلي منظمة حماس وتفاقم خلال العام الماضي ليصل إلى 1613 إعتداء بمعنى أن هناك أكثر من أربعة اعتداءات يوميا مما يجعلنا نتساءل: أين هي الأرقام المتعلقة باعتداءات الطرف الآخر؟
أعتقد أن مثل هذه التقارير تدل على أن الهم الوحيد لحماس ليس متابعة اعتداءات الكيان الصهيوني بقدر ما تراقب اخطاء السلطة الفلسطينية، فهل لم يعد لطرفي الصراع ما يدافعان عنه من أجل القضية الفلسطينية؟ وكان الأحرى بهما أن ينشغلا بقضايا الأسرى في السجون الإسرائيلية، وأن يعملا معا على تدويل القضية مادام الطرفان غير قادرين على تحرير فلسطين أو على الأقل دعم الانتفاضات والاحتجاجات الشعبية.
الكيان الصهيوني حوّل فلسطين إلى سجن كبير لكل الفلسطينيين وهو يمارس "الأبارتايد" علنا بعد أن أسقطها نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، فلماذا السكوت الدولي على قضية الأسرى؟ ومتى تتحرك الجامعة العربية من أجلهم؟
يبدو أن المصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين لم تعد خيارا استراتيجيا وإنما أصبحت مسألة "موت أو حياة"، فتكسير شوكة الإخوان في مصر وتخلي أمريكا عن محمود عباس جعل الطرفين (السلطة وحماس) يجدان في المصالحة منفذا للخروج من "النفق المظلم" فسقطت أيديولوجيتهما وبقي الشعب الفلسطيني صامدا وحده في وجه الدولة الدينية العبرية وجيوشها وعملائها لدى الطرفين.
لقد سعت إسرائيل إلى تكريس الانقسام الفلسطيني، ولكن المشكلة تكمن فيمن يقف وراء الطرفين فتراجع الدور الإقليمي للدول المدعمة لحماس وتراجع الغرب عن دعم محمود عباس دفعهما إلى المصالحة وعليهما الاعتذار للشعب الفلسطيني وأسراه على "ما ضاع من وقت في الصراع على سلطة افتراضية".
أول الأنبياء في الأسر
أن تكون من قوات العاصفة الفلسطينية وأن تقع في الأسر بعد هزيمة 1967 وتقاوم الزنزانة 15 سنة فهذا مؤشر على أنك نبي في الأسر، أمّا أن تنشئ جناحا مسلحا من أجل تحرير فلسطين باسم "الشبيبة الفتحوية" بعد نفيك وتعلن: "إذا قدر لحركة الشبيبة أن تعيش فهي الطريق الأقصر لاجتثاث الاحتلال"، فهذا يعني ميلاد أنبياء الثورة الفلسطينية.
من يقرأ الشهادات التي قدمها خالد عز الدين عن الشهيد أبو علي شاهين (1941 - 2013) ابن الشهيد محمود شاهين سيكتشف قيمة الثورة الفلسطينية، فالشهيد شاهين تعرف عليها أول مرة من كتاب "حقائق عن قضية فلسطين" وعلق صورة لعبد القادر الحسيني في بيته ولمس رشاشا كان في يد أحد أبطال رفح وهو ما دفعه إلى الجهاد، وحين وقع في الأسر بدأ جهادا أكبر، فقد قاد أول إضراب عن الطعام لمدة 45 يوما، يقول الشهيد بأن والده أوصاه قائلا: "يا ولدي، ليس كل رجل يدخل السجن يخرج منه رجلا، ها أنت تدخله رجلا، وأريد منك أن تظل رجلا، وأن تغادره رجلا".
يسمي الفلسطينيون الإضراب عن الطعام بـ"حرب الأمعاء الخاوية" وهي من الحروب المقدسة لديهم، فقد استشهد راسم حلاوة وعلي الجعفري يوم 22 جويلية 1980 عندما شاركا في إضراب الـ33 يوما الذي قاده الشهيد أبو علي شاهين الذي يعتقد بأن الاستعمار القديم هو الذي أوجد الصهيونية العالمية التي احتلت فلسطين.
اسمه عبد العزيز شاهين، ويطلق عليه الجميع أبو علي شاهين، تحدث عنه الكثير فصار مرجعا في أدب السجون وشيخ المناضلين وقد فارقنا يوم 28 ماي 2013 بعد أن أوهنته أمراض السجون، ولكنه ترك وراءه من يحملون همومه، إنهم الأنبياء الصامدون في سجون الكيان الصهيوني، فمتى يعاد لهم الاعتبار في وطننا العربي وتسمى باسمهم شوارع عواصمنا؟
قطر والأدوار المريبة
بقلم: سالم حميد (كاتب اماراتي) عن العرب اللندنية
قد يتساءل المرء عن جدوى إصرار قطر على تبنيها لهذه السياسة العدوانية تجاه أشقائها في المنظومة الخليجية خاصة، والعالم العربي بشكل عام. ودون أدنى شك، فإن مستقبل الشعب القطري مرتبط بعمقه العربي الخليجي، حيث الأخطار المحدقة بأمن الخليج تتطلب التنسيق في ما بين الأشقاء لردع العدوان إذا حصل لا سمح الله. لكن يا ترى ما هي الأسباب التي تدفع بالشيخ حمد آل ثاني، والمحيطين به أن يستمروا في تنفيذ هذه المهمة؟
أن تتبنى دولة صغيرة كقطر، مشروعا سياسيا متنوع الأهداف في منطقة حيوية من العالم، هذا يدل وبوضوح على أن ما تقوم به هو أوامر خارجية، لأن حقيقة النوايا العدوانية القطرية باتت جلية للعيان، واتضح أن حكام قطر ينفذون ما يطلبه أسيادهم، وتذهب التسريبات الصوتية التي كُشِف عنها مؤخرا، والتي كان يتحدث فيها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن السعودية وباقي الدول العربية، إلى تأكيد حقيقة واحدة، وهي أن حكام قطر ينفذون رغبة أجنبية في العالم العربي، ومهمتهم تدمير العرب ليس إلاّ.
إن حرص دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين عندما تصارحت مع الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر، وبرعاية كويتية في الرياض، يدل على أن هذه الدول حريصة جدا على مستقبل الخليج، وخاصة الشعب القطري الشقيق الذي يعبث «آل ثاني» بثرواته ومقدراته، ويوزعونها هنا وهناك.
لذا ماذا يمكن أن نقول عندما تعهد أمير قطر الشاب (خطيا) أمام الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبحضور أمير دولة الكويت، أن تكف قطر عن تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربي.
أليس هذا اعتراف من الأمير تميم أن والده حمد متورط في زرع الفتن والخراب داخل البيت الخليجي؟ لكن السؤال الجوهري هنا، لماذا لم يفِ الأمير تميم بتعهداته؟ وهذا في الواقع يدل على أحد أمرين لا ثالث لهما، فإما أن يكون الأمير تميم مغلوبا على أمره، ومجبرا على فعل شيء ما خارج عن رغبته، أو أن ما تقوم به قطر (الوالد والمحيطين به) هو خارج عن إرادتها، فهي مأمورة ومعذورة!
كما أن هذه السياسة المتبعة من قطر، وخاصة بعد الأحداث التي شهدتها الأقطار العربية، لا تحتمل إلا تفسيرا واحدا وهو، أنها تنفذ مخططا غربيا يهدف إلى تدمير الدولة العربية، وبالتالي تمزيق النسيج الاجتماعي العربي المتماسك من زمن بعيد، وبالنتيجة إيجاد حالة من الفوضى السياسية مما يمهد للأميركان تنفيذ مخططهم الخبيث لمساعدة الإخوان المسلمين في الوصول إلى السلطة.
لكن، وباعتقاد الكثير من المحللين العرب الذين يرون أن هذا المخطط العدواني الذي تنفذه قطر، بواسطة صوتها “الجزيرة”، حول مسار الثورة العربية ورغبة الشعب العربي في التغيير، إلى الفوضى والقتل وتدمير البلدان العربية، وذلك من خلال دعم دولة قطر للجماعات الإرهابية، وعلى رأس هذه المجموعات الإخوان المسلمون، والمتطرفون بشكل عام.
ومن جانب آخر، تنفذ قطر بشكل غير مباشر رغبة إيران، والحرس الثوري في إيجاد فوضى في العالم العربي، حيث إن الدولة الوحيدة المستفيدة من الوضع الراهن في البلدان العربية هي إيران. كما أن قطر سعت إلى إفشال أي اتفاق خليجي من شأنه أن يعزز الرغبة الخليجية في التكامل والاتحاد للنهوض بالبيت الخليجي للأفضل، وهذا التوجه القطري العدواني، دون أدنى شك يتماشى، بل يتسق، مع سياسة طهران الرامية لزرع الفتن والبغضاء مما يقوض أمن الخليج واستقراره. لذا على دولة قطر شعبا وحكومة أن تعلم أن لإيران أطماعا في قطر، وحديث قادتها ومفكريها يعكس حقيقة هذا التوجه السياسي الإيراني القديم والمستقبلي، حيث قال الخبير في المركز الدولي للدراسات والسلم الإيراني، جواد بخشي، إن قطر مناصرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية وللثقافة الإيرانية.
ليبيا وغزة.. سؤالان أمام مصر السيسي
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
ما لم تقع مفاجأة أكبر من كل ما هو متوقع، سيجري الأسبوع المقبل انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيسًا لمصر، والأرجح أن ذلك النوع من المفاجآت مستبعد. ليس جديدًا القول إن تحديات الوضع الداخلي، خصوصًا على المستويين الأمني والاقتصادي، تتربع على رأس أولويات الرئيس الآتي لحكم مصر بتفويض شعبي معتبر سبق ترشحه، ودفع في اتجاه حسم اختياره بين الاستمرار المتمكّن في خندق مسؤولية القائد العسكري، وبين خوض مخاطرة تحمّل مسؤوليات زعيم سياسي تحاصره تطلعات أغلبية شعبه، مع ملاحظة خطورة رفع الناس لسقف التوقعات بدرجة قد تفوق ما بوسع طاقة أي رئيس أن تحتمل.
على الصعيد الخارجي، يمكن القول إن عواصم عربية وعالمية عدة تنتظر وضوح موقف الرئيس السيسي، وكيفية تعامل إدارته مع عدد من الملفات العربية والدولية ذات الحساسية الخاصة، وبعضها يرتبط مباشرة بالوضع الداخلي المصري. في هذا السياق، الأرجح أن تتقدم تطورات الشأن الليبي على غيرها. كم هو مؤلم ما جرى في ليبيا من انقسام وفوضى ميليشيات بعد إطاحة حكم معمر القذافي. لكن سواء بالنسبة لأهل ليبيا ذاتها، أو لجيرانها وكل من يعنيهم أمن شعبها واستقراره، واضح أن تعقيدات الأمور تجاوزت مرحلة الألم لتدخل حيّز خطر التفتت، الذي ارتفعت أصوات عدة تحذر منه طوال السنتين الماضيتين. وعلى الرغم من أن عنف الميليشيات الجهادية وإحكامها السيطرة على مناطق بأكملها، شكّلا بداية الحفر بأسس الوحدة الليبية، فإن تحرك اللواء خليفة حفتر، كما يبدو لمراقبين كثر، قد يُدخل ليبيا نفق حرب أهلية يصبح التفتت معها أمرًا مفروضًا لزمن غير معلوم، مع ما سيجره ذلك الواقع من مخاطر على مصر وغيرها من دول الجوار الليبي. كيف سيتعامل عبد الفتاح السيسي، رئيس مصر المنتخب الأسبوع المقبل، ذو الخلفية العسكرية، مع حرب أهلية محتملة في ليبيا؟ سؤال ليس من السهل غض النظر عنه، وليس من الحكمة استباق الأمور بتخيل إجابة له، خصوصًا لجهة العزف على نغمة احتمال توفير إسناد مصري لتحرك اللواء حفتر، بافتراض أن الآتي من منفى الانشقاق عن معمر القذافي، يستطيع أن يعيد فرض الأمن بقبضة حديدية. ذلك، في تقديري، نوع من الوهم، أو التصوّر الرغبوي. كلا، لا ليبيا، ولا مصر، ولا أي شعب دخل مخاض انتفاضات ربيع 2011 يمكن أن يعود من جديد لما انتفض ضده.
صحيح أن الشعوب تريد الأمن والاستقرار، ولأجلهما يمكن لها تأجيل الحلم الديمقراطي بثوبه المثالي، إنما يخطئ من يتوهم أن أيًا منها يحنّ لأي شكل استبدادي يهين كرامة الناس ويسلبهم حق أن يعيش المواطن مرفوع الرأس.
سؤال ثانٍ على الصعيد الخارجي يخص موقف الرئيس السيسي وكيفية تعامل إدارته مع غزة. ليس خافيًا أن الآمال بين أهل القطاع تحلِّق عاليًا لجهة أن تُقْدِم مصر السيسي على رفع ما طال من معاناة إغلاق معبر رفح. انتعشت تلك الآمال وارتفع سقف توقعاتها بعد توقيع اتفاق الصلح بين حركتي حماس وفتح، ومع انتعاشها تلاشى، أو على الأقل تراجع، ما شاع عبر بعض المواقع الإنترنتية عن دعم مصري لطرف على حساب طرف آخر، ضمن معارك تصفية حسابات بين قيادات داخل حركة فتح، ناهيك بتلك التي بين زعماء تنظيمات غيرها، وهي معارك لطالما اشتعلت منذ أكثر من أربعين سنة، وكلما تفاءل عموم الفلسطينيين وبسطاؤهم، أن أوارها خمد إلى الأبد، عادت كما كل الفِتن الشريرة تطل برأسها من جديد.
بالطبع، ليس من قلب ينبض بحب الإنسان لأخيه الإنسان يمكن أن يقبل بما يتسبب به أي حصار يطوّق أي شعب، سواء فاق عدده المليون أو قل عن الألف. الحصار هو الحصار. وليس من عاقل بمصر ينكر ما يسببه إغلاق معبر رفح من مصاعب للعاديين من ناس غزة تبلغ أحيانا درجة المآسي، خصوصًا في حالات المرضى أو الطلاب والطالبات ممن تضيع عليهم وعليهن هباءً سنوات تعب وجهد دراسي، كما أنه ليس يعقل تصوّر أن بين أهل مصر، من صعيدها إلى سينائها، مرورًا بساحلها ودلتا نيلها، من يريد ذلك الألم لأهل غزة عن عمد وسابق قصد. بالمقابل، ليس من العقل افتراض أن بين أغلبية أهل قطاع غزة من يريد شرًا بمصر وأهلها، كيف يجوز مثل هذا الافتراض وبين غزة ومصر ما بينهما من صلات نسب ومصاهرة، هي نتاج قرون من التواصل والمصالح المتبادلة. أين المشكل إذنْ؟ باختصار شديد يعرفه الجميع، على الضفتين المصرية والغزية، المشكل هو في غياب الثقة.
لماذا غابت، من أضاع ثقة تمتع بها أهل قطاع غزة في مصر، منذ زمن جمال عبد الناصر؟ أضاعها أولاً سوء تصرف فلسطيني اعتبر أن الرد على الإغلاق هو حفر الأنفاق، ثم إطلاق العنان لجشع من راح يدير تجارتها، فاتسعت على نحو كادت معه تتحول إلى مدن تحت الأرض، وشاع بين الناس أن أطرافا داخل مصر، وفي إسرائيل أيضا، أسهمت بغرض الثراء الشخصي في ازدهار تجارة الأنفاق حتى إنه لم تعد هناك سلعة تستعصي على عبورها كي تصل إلى أسواق غزة، من السيارة الفارهة إلى الهاتف الذكي. وأبلغني مصدر غزاوي أثق بصدقيته، أن عضوًا بوفد سوداني جاء غزة متضامنًا ومستنكرًا الحصار، همس لأحد المرافقين أن بعض السلع المتوفرة عبر أنفاق غزة غير متاح في الخرطوم. لذا لم يكن غريبًا أن «تشرعن» سلطة حماس تجارة الأنفاق بفرض ضرائب عليها. السؤال، أَعَجَبٌ وقد بلغت الأنفاق ذلك المستوى، أن تستخدم فيما يثير ريبة أجهزة الأمن المصري، خصوصًا بعد تفاعلات سنة حكم الإخوان المسلمين؟ كلا، ليس في ذلك ما يثير العجب. أكثر من ذلك، تطور الشك المصري وكبر بعدما تصاعدت عمليات العنف المسلح في سيناء، وبعدما ألصق المنفذون لها اسم القدس بها، وهكذا تعيد بعض المزاعم الفاسدة إنتاج ذاتها من جديد، كأنما تحرير القدس يجب أن يكون على حساب أمن أي شبر بأي أرض عربية.
كيف تعود تلك الثقة المضيّعة؟ لأن مصر هي الأكبر والأمكن، يؤمل منها أن تبادر، فتضع إطارًا جديدًا يخفف عن أهل غزة عبء العقاب الجماعي بسبب سوء تصرف أقلية، ومن دون أن يتهاون بما يتعلق بأمن مصر. مثلًا، فرض تأشيرة دخول تخضع بياناتُ طالبها لفحص أمني دقيق قبل منحها، يمكن أن يشكل أول الطريق. في كل الأحوال، ليس صعبًا على من وضع خارطة طريق لمصر أوصلته عبر صندوق الاقتراع إلى رئاستها، أن يضع غزة والقاهرة على طريق استعادة ثقة كان من الخطأ أن تضيع.
انتهت اللعبة.. أيها الإخوان الشياطين
بقلم: أحمد الجارالله (كاتب كويتي) عن المصري اليوم
ينبغى على الإخوان المسلمين أن يفهموا حقيقة أن فترة الإعجاب بهم قد ولت، ليس فى مصر فحسب، وإنما فى العالم كله أينما وُجدت جماعاتهم.
فالفلول المتبقية من الحركة يجب عليها أن تدرك أن اتجاه عقارب الساعة لن يعود إلى الوراء، لأن مسألة استعادتهم السلطة أو لعب دور سياسى حيوى صارت- كما يقول المصريون- «عشم إبليس فى الجنة».
ولقد أصبحت هذه الحقيقة ساطعة، فبعد نسبة الإقبال الكبيرة من المصريين فى الخارج على التصويت فى الانتخابات الرئاسية منذ عدة أيام قليلة، بدت العملية وكأنها استفتاء شعبى أدان المصريون من خلاله الجماعة، المتهمة بارتكاب جرائم قتل وتنفيذ أنشطة إرهابية فى مناطق مختلفة من العالم العربى، وليس فى داخل مصر فحسب.
فلقد هاجم الإخوان قوات الشرطة والجيش، فضلاً عن قتل المدنيين والعسكريين، وتواصلت الخسائر فى الارتفاع على مختلف المستويات، ما أكد أن هذه الجماعة تتحرك نحو طريق مسدود لن يقودها إلى أى مكان.
فلقد قلنا فى وقت سابق إن أعضاء جماعة «الإخوان» يحتاجون إلى مئات السنين لاسترداد عافيتهم، قبل حتى أن يفكروا فى استعادة السلطة السياسية مجدداً. قلنا ذلك قبل أن يبدأوا القتل والترهيب، فما بالكم اليوم.
فعدد قليل من الناس لا يستطيعون هزيمة طموح 90 مليون مصرى، فالعرب جميعهم أصبحوا يكرهون الجماعة، ويريدون حماية بلادهم من أعمالها الإرهابية، وهذا الأمر بدا أكثر وضوحاً فى دول مجلس التعاون الخليجى، حيث واصل ملايين السعوديين والكويتيين والإماراتيين والبحرينيين التنديد بهذه العصابة وأمثالها.
فـ«الإخوان» منحوا ميلاداً جديداً للعديد من العصابات القاتلة مثل «بوكو حرام» فى نيجيريا، والجماعات المسلحة المتطرفة فى ليبيا أو «جبهة النصرة» و«داعش» فى سوريا والعراق.
فربما كانت شعوب هذه الدول مقتنعة بالإخوان فى البداية، للدرجة التى أعمتهم عن حقيقة أن الجماعة أشبه بالغدة السرطانية التى تنتشر فى جسد البلاد، ولكن رغم ذلك حينما أراد الإخوان الانتشار فى جسد العالم الإسلامى بمهاجمة جهاز مناعة هذا العالم لم يتمكنوا من ذلك وسقطوا.
فالدول التى استوعبت وساعدت الجماعة اعتقدت أن الإخوان يمكنهم تغيير تبينهم العنف، لكنهم اكتشفوا لاحقاً معدل الألم الذى أصابهم جراء دعم الجماعة. وأقرب مثال على ذلك قطر، ملاذهم الآمن، التى اكتشفت أن علاقاتها بالجماعة لن تخدم مصالحها.
فبالتأكيد، أن الاستفتاء الكبير للمصريين فى الخارج أغلق صفحة «القتلة الأشرار»، وسنشهد تكرار ذلك المشهد مرة أخرى فى الانتخابات الرئاسية فى مصر بعد أيام قليلة، وحينها سيدرك الإخوان حجمهم الحقيقى، ويكتشفون أن اللعبة انتهت بالنسبة للجماعة الذى استخدمت الإسلام ستاراً لها زوراً وبهتاناً، وهى أبعد ما يكون عن الإسلام.
تحولات سياسية
بقلم: حياة الحويك عطية عن الخليج الاماراتية
التوازن الدولي يتحول! أجل . . هذه حقيقة لا يمكن لإنكارها أن يلغيها، وعليه راح كل العقلاء يعترفون بها .
تاريخياً، كلما كان العالم يفقد التوازن كان يغرق في طوفان مخيف من الحروب، وكانت الحروب تنتهي دائماً إلى توازنات جديدة، إلى حروب باردة جديدة .
الولايات المتحدة لم تعد سيدة العالم الوحيدة وهي تعرف ذلك جيداً بما يليق بقوة عظمى لا مجال لديها لسياسة النعامة . معرفة لا بد لها أن تترجم بتحولات استراتيجية، كان أولها إعلان نهاية الحروب العسكرية والانتقال إلى القوة الناعمة: الاستخبارات والحروب بالإنابة أو حروب التدمير الذاتي، فيما شكلت ليبيا أول مثال صارخ له، وكرت السبحة . أما ثانيها - وأعلن على لسان رئيسها أيضاً - فهو انتقال التركيز العسكري والسياسي من منطقة الشرق الأوسط إلى المحيط الهندي، وهذا ما يتم تنفيذه منذ أربع سنوات .
عام 1958 حدّدت دراسة لوكالة البث الإذاعي الدولي الأمريكية، أسباب التركيز على الشرق الأوسط بأربعة عناصر: النفط، "إسرائيل"، الموقع الاستراتيجي ونمو الحركات الثورية . وفي عام ،2014 لم تعد الولايات المتحدة عطشى للنفط لأنها ستصبح مصدرة له، أي أنها أصبحت بحاجة إلى مشترين لا إلى بائعين . أما الحركات الثورية فقد توقفت وأما "إسرائيل" فقد تم تأمينها بتدمير الجيوش المهددة لها: تحييد المصري، تدمير العراقي وشل السوري .
يبقى الموقع الاستراتيجي وهو بدوره خاضع لتأثير المتغيرات التي تجعل من مواجهة الصين وروسيا أمراً أكثر إلحاحاً من مواجهة أوروبا عبر المتوسط، حيث تم إلحاق الأخيرة بعد ترجيح كفة الأجنحة الأطلسية في السياسة الأوروبية الغربية على كفة أجنحة الاستقلالية (ألمانيا - فرنسا - إيطاليا - وبالطبع بريطانيا)، وبعد إلحاق أوروبا الشرقية الخارجة من عقدة الحلم الليبرالي إزاء الجدار السوفييتي .
يوم أطلق النظام العالمي الجديد كان على الإمبراطورية الجديدة أن تواجه الصعود الأوروبي والصيني، وهذا ما كتبه كولن باول في تحليله الحرب على العراق . الأولى أدخلت بيت الطاعة والصين أصبحت تقف في صف منظمة شنغهاي ومجموعة "البريكس"، دول لم تكن في الحسبان السريع وبشكل خاص روسيا التي توقعت لها كوندوليزا رايس في رسالتها للدكتوراه عام 1989 أن تأخذ خمسين عاماً حتى تنهض من انهيارها، فإذا بالرقم يقسم على خمسة . لذا لا بد من المواجهة .
الحرب الباردة تعود، ويبدأ لي الذراع من يوغوسلافيا، ثم ينتقل إلى جورجيا، ومن ثم إلى سوريا والآن إلى أوكرانيا . في أزمة أوكرانيا يتضح أمران: الطاقة هي لب الصراع الدولي - الصراع يدور على أوروبا وعلى آسيا المحيط الهندي . انقطاع الغاز الروسي عبر أوكرانيا قد يفتح السوق الأوروبي أمام الغاز الأمريكي المقبل، ويكرس تبعية القارة العجوز نهائياً للقوة العظمى الشابة . لكن موسكو ترد بالإسراع بتفعيل خط السيل الجنوبي عبر أوروبا الشرقية .
الولايات المتحدة تقود الأطلسي إلى إعلان عقوبات على موسكو فترد الأخيرة بسلة عقود تنقيب عن الغاز مع "أكسون موبايل" في أقصى الشرق الروسي، وعقود تصدير لمدة ثلاثة عقود مع إيران ومن ثم الصين كما مع إيطاليا والنمسا، لم ينس الروسي الالتفاف أوروبياً ولكنه أوجد البديل في الشرق في حال تعثر الجناح الآخر . أو بالأحرى لم يترك بيضه في سلة واحدة كما تقول أبسط الحكم . خاصة بعد أن أمنت له تطورات الحرب في سوريا عدم وصول غاز آخر إلى المتوسط عبر حمص أو حتى غيرها .
كل هذا سيجعل الأمريكي يلحّ أكثر في نقل مجال مواجهاته من منطقتنا إلى محاور أخرى . وهنا قد يترك بعض المصالح العربية جوائز ترضية لحلفائه الأوروبيين خاصة بريطانيا ذات التاريخ العميق في المنطقة العربية، وبنسبة أقل فرنسا الواقفة على شفير الهاوية الاقتصادية .
في هذا السياق تتبدى حكمة الدول التي تحسن القراءة المستشرفة والتي عملت منذ سنوات طوال على الحفاظ على توازنات معينة وعلى مد أكثر من خط إقليمي ودولي، كما يتبدى مأزق الدول التي راهنت على الولايات المتحدة فحسب، على صداقة واشنطن لهذا وعدائها لذاك، في تجاهل لأبسط قواعد السياسة الدولية وهي أنها تقوم على مصالح وطنية هي وحدها الثابتة وكل ما تبقى متحول .