1 مرفق
اقلام واراء عربي 26/05/2014
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
رأي القدس: حج البابا من بيت لحم الى القدس وحيرة «غوغل»!
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
ثلاثة سيناريوهات تنتظر الفلسطينيين
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
مصر جديدة.. وجماعة قديمة!!
بقلم: محمد صلاح عن الحياة اللندنية
أمة في دائرة الخطر
بقلم: خليفة راشد الشعالي عن الخليج الاماراتية
اختطاف الربيع العربي
بقلم: صنهات العتيبي عن الوطن القطرية
المقاومة ما بعد العام 2000
بقلم: حبيب فياض عن السفير اللبنانية
25 أيار 2000 من تحرير الأرض… إلى تحرير الإرادة
بقلم: معن بشور عن راي اليوم
رأي الوطن .. طابخ السم آكله
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
فى انتظار المشير السيسى!
بقلم: عبد المنعم سعيد عن المصري اليوم
أساطير الديكتاتور العربي
بقلم: سعدون يخلف عن العرب اللندنية
رأي القدس: حج البابا من بيت لحم الى القدس وحيرة «غوغل»!
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
توقف محرّك البحث «غوغل» حائراً عندما طلبنا منه طريقة الوصول من بيت لحم الى القدس وأجاب: «لم نستطع حساب الطريق بين بيت لحم والقدس، اسرائيل»!
ولعلّ هذه الفاصلة التي وضعها محرك البحث بين كلمتي القدس وإسرائيل أضخم بكثير من الجدار الإسرائيلي العازل، وهي واحدة من الأسباب العديدة التي استوجبت حجّ بابا الكاثوليكية فرنسيس الأول الى بيت لحم، مروراً بعمّان، فيما كلّفه حجّه الى القدس المرور بتل أبيب، بدلاً من قطع المسافة القصيرة بين البلدتين مباشرة، في تلخيص جغرافي رمزيّ لإحدى أكبر إشكاليات العالم السياسية حالياً.
يمثّل البابا الأرجنتيني الأصل فرصة للمؤسسة المحافظة للكنيسة الكاثوليكية لتجديد نفسها والخروج من مركزيتها الأوروبية، كما ينظر الناس الى زيارته هذه الى فلسطين التاريخية كمحاولة لتقديم اقتراحات مفيدة للخروج من الأزمة الوجودية التي دخل فيها التاريخ البشري في هذه البقعة المقدّسة لدى المنتسبين للأديان التوحيدية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام.
رغم أن البابا قال ان زيارته من طبيعة روحية لكن كل ما يقوم به تتم ترجمته سياسياً، كما أن أي تغيير في بروتوكول الزيارة يفهم باعتباره خرقاً للتوازن السياسي الدقيق الذي قام منظمو الزيارة بضبطه «على الشعرة»، ومن ذلك توقف البابا أمام الجدار الإسرائيلي الفاصل في الضفة الغربية «في خطوة لم تكن مقررة» كما قالت وكالات الأنباء، حيث ترجل من مركبته وشاهد ذلك «الجدار البغيض الذي تقيمه اسرائيل القوة الغاشمة للاحتلال على أراضينا»، كما وصفه له محمود عباس.
اسرائيل، بشخص رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وجدت في زيارة البابا فرصة إعلامية كبيرة للتسويق السياسي الرخيص، فاعتبر نتنياهو ان زيارة البابا «فرصة لعرض صورة اسرائيل الحقيقية أمام العالم»، وطابق بين مفهوم «الأرض المقدسة» و»أرض اسرائيل»، التي تحكمها دولة «متقدمة وحديثة ومتسامحة»، «الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تضمن حرية العبادة الكاملة لأبناء جميع الأديان».
وبغض النظر عن الطبيعة الروحية أو السياسية لزيارة البابا فإنها تشكّل مناسبة مهمة للتفكّر في المآلات العميقة للتاريخ البشري على ضوء النزاعات العالمية الكبرى التي تتقنّع بصراع الأديان، فهي تعيد التفكّر بالحملات الصليبية التي بدأت عام 1095 ميلادية ولم تنته آخر حملاتها حتى عام 1272 حاصدة أرواح مئات آلاف البشر، الذين لم يكونوا من المسلمين فحسب، بل كذلك من اليهود ومن طوائف الشرق المسيحية أيضاً، ناهيك عن ضحاياها من الصليبيين أنفسهم.
يشبّه كثيرون من المؤرخين وجود اسرائيل الحالي في فلسطين التاريخية بالحملات الصليبية، ويتوقعون للمشروع الصهيوني مآلاً مشابهاً لتلك الحملات، لأنه مشروع مغلق على نفسه، ومزاعم نتنياهو عن اتصافه بصفات التقدم والحداثة والتسامح، يتناقض مع المنطق الطبيعي للأشياء، فمن غير الممكن لمشروع جوهره مقفل وعنصري وعدوانيّ يكرّس منهج الاحتلال الإستيطاني والإنغلاق على الذات وكره الآخر، أن يكون متسامحاً ومتقدماً وحديثاً.
تلمس زيارة البابا جروحا تاريخية عميقة تشكلت عبر العصور بين منتسبي الأديان الثلاثة الذين يتنازعون رأسمالها الرمزي في اشتباكات مصالح سياسية متضاربة وشائكة، ورغم الدعوات، التي نفترض أنها صادقة، للجميع، أن يفكّروا بفوائد السلام، والصلوات التي تتألم للضحايا من كل الأطراف، فمن المؤكد أن لا معجزة ستغيّر الوضع المستعصي في «الأرض المقدسة» ما دام هناك شعب يحتلّ أرض شعب آخر فيما يزلزل صراخه العالم بأنه هو الضحية وليس الفلسطينيين.
ثلاثة سيناريوهات تنتظر الفلسطينيين
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
خلال السنوات الخمس المقبلة، من المفترض أن ترتفع أعداد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس إلى قرابة المليون مستوطن ... الدولة الفلسطينية المستقلة التي تبدو متعذرة اليوم، ستصبح مستحيلة في نهاية هذه الفترة ... إخلاء المستوطنات وإزالة البؤر الاستيطانية، التي تبدو متعذرة اليوم، ستبدو مهمة عصية على أية حكومة أو ائتلاف حكومي، مهما أوغل في «يساريته» أو في «حبه للسلام» ... الاستيطان الزاحف الذي أتى على فرصة قيام دولة قابلة للحياة، سيجهز على فرص الحياة بالنسبة لثلاثة ملايين فلسطيني، هم إجمالي سكان هذه المنطقة من فلسطين، بعد سنوات خمس عجاف.
تتركنا هذه التطورات على المديين المتوسط والبعيد، أمام ثلاثة سيناريوهات: أولها: قيام إسرائيل بعمليات تهجير منظمة، للتخلص من «فائض السكان الأصليين»، سواء تحت التهديد الأمني أو بفعل الحصار والتجويع الاقتصاديين، وهنا يتعيَّن على الأردن، أن يشعر بالقلق، فهو المكان الأول، إن لم نقل الوحيد، المرشح لاستقبال «مخرجات» التوسع الاستيطاني و»فائض الديموغرافيا» الفلسطينية.
السيناريو الثاني: إقدام إسرائيل في السنوات القليلة القادمة، على اتخاذ خطوة /خطوات أحادية الجانب، تنسحب بنتيجتها من مناطق الكثافة السكانية، تاركة للفلسطينيين أمر إدارة هذه المناطق بأنفسهم، مع حملة ضغط دولي تستهدف دفع الأردن، للقبول بإنشاء علاقة من نوع ما، مع هذا الكيان المسخ، بهدف مدّه ببعضٍ من نسغ الحياة، ودائماً لاعتبارات الأمن الإسرائيلي في المقام الأول والأخير ... وهذا سيناريو لا يقل خطورة عن السيناريو الأول.
أما السيناريو الثالث، فهو تحول الفلسطينيين من شعار «الدولة المستقلة» إلى شعار «الدولة الواحدة، ثنائية القومية»، هو أمر دونه خرط القتاد إسرائيلياً، فاليمين واليمين المتطرف في إسرائيل، يمكن أن يقبل تحت الضغط بدولة فلسطينية على جزء من الضفة، لكن قبوله بدولة ثنائية القومية ونظام «صوت واحد للناخب الواحد»، يندرج في عداد المستحيلات ... يستوي في ذلك أهل اليمين مع أهل اليسار في دولة الاحتلال والاستيطان.
من منظور الأرجحية، يبدو السيناريو الثاني، مطعماً ببعض عناصر السيناريو الأول، هو الأكثر ترجيحاً ... إسرائيل ستبذل أقصى ما بوسعها لاستيعاب مزيد من أراضي الفلسطينيين وضمها، بأقل أعداد من السكان ... إسرائيل ستعتمد كل وسيلة من أجل إفراغ الأراضي الفلسطينية المحتلة من سكانه ... وهي بموازاة ذلك، ستعمل على «الفصل العنصري» تحت مسمى الانسحاب من جانب واحد، لأنها لا تحتمل «الفصل العنصري» في ظل الدولة الواحدة.
أخطر ما يمكن أن يحدث في سياق سعي إسرائيل لتنفيذ السيناريو الثاني، هو أن تجد من بين الفلسطينيين، شريكاً «ذي صدقية»، يقبل بالتعامل مع مخرجات الأحادية الإسرائيلية ... والقبول هنا، لا يعني بالضرورة العمالة للاحتلال، فقد نجد من صفوف الحركة الوطنية من يدعو بذريعة «الواقعية السياسية» للتعامل مع الأمر الواقع الجديد، وقد يجري تمويه هذا التخاذل، بالحديث عن النضال لاستكمال تحرير بقية المناطق المحتلة .... وقد نجد من بين الحركة الإسلامية في فلسطين، من يدعو بذريعة «الأولوية للإنسان وأسلمته وأسلمة المجتمع»، ما يدفعه للتعامل الواقعي مع هذا السيناريو، يساعده على ذلك، أن إسرائيل لن تنتظر منها تفاوضاً أو صلحاً أو اعترافاً بها ... حيث سيكون بمقدور هذا الفريق، الزعم بأنه يدير مناطق «محررة»، من دون أن يقدم أي تنازل تاريخي ... «شيء ما» مما حصل في غزة، بعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي، خاصة بعد انتخابات 2006، وقرار «الحسم»/ «الانقلاب» في 2007.
إن حصل مثل هذا «التجاوب» الفلسطيني مع نتائج ومخرجات الأحادية الإسرائيلية، وتحت أي حجة أو ذريعة، تكون إسرائيل قد نجحت في تمرير «دولة الحدود المؤقتة» على الفلسطينيين .... ويكون الاعتبار قد عاد لشارون صاحب نظرية «الهدنة طويلة الأمد»، أو «الحل الانتقالي بعيد الأمد» ... وسنكون قد تلقفنا الكرة في قلب ملعبنا، بعد أن كانت في الملعب الإسرائيلي.
وبذريعة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين تحت الاحتلال، قد يجري الترتيب لـ «مشروع مارشال» صغير، وفق معايير طوني بلير، وسلام نتنياهو الاقتصادي، والمدرسة «الفياضية» في التفكير السياسي الفلسطيني ... حينها ستكون النتيجة الوحيدة المنتظرة، هي تمرير المشروع الإسرائيلي، بأقل قدر من المقاومة والتكاليف ... أليس هذا هو الهدف من وراء مشروع «الانسان الفلسطيني الجديد»، الذي اخترعه بلير / دايتون، وبغطاء فلسطيني، كانت «الفياضية» عنوان مرحلة كاملة من مراحله؟
مواجهة هذه السيناريوهات، يُملي على الفلسطينيين التفكير من خارج الصندوق، والبحث ربما لأول مرة، عن استراتيجية بديلة بعيدة المدى، فالأرض الفلسطينية، كما بقية حقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، لم تعد ثابتة، بل باتت قابلة للتصرف، وهي تُصرّف الآن، باتجاهات شتى ليس من بينها «حق العودة والدولة والعاصمة».
مصر جديدة.. وجماعة قديمة!!
بقلم: محمد صلاح عن الحياة اللندنية
لا تصدق حين تشاهد حشود المصريين أمام لجان الاقتراع في الانتخابات الرئاسية أن أحداً أو جهة دفعتهم أو دفعت لهم أو ضغطت عليهم أو خدعتهم ليفعلوا ذلك، فالمصريون ليسوا قطيعاً أو أعضاء في جماعة أو مغيبين يتحركون بإشارة من «مرشد» أو تعليمات من «أمير». ولاحظ أن مواقف الأحزاب والقوى السياسية منذ سقوط نظام مبارك كانت دائماً تالية أو قل «راكبة» لموجة التوجهات الشعبية، وأن النخبة السياسية غالباً لا تتحرك بحسب قناعاتها السياسية، وإنما تلحق بتيار الجماهير وتسير في مساراته. وثق أن انتخابات تُرَاقَب بواسطة عشرات المنظمات الحقوقية المحلية وأخرى خارجية، بحجم الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والكوميسا ومعهد كارتر، ستكون انتخابات جادة حقيقية حتى لو شهدت تجاوزات بحكم التراث والتعود.
ولا تستغرب من امتزاج طوابير المصريين واحتشادهم أمام لجان الاقتراع، أثناء أدائهم واجبهم في الانتخابات الرئاسية، بمشاهد الفرح التي تصل إلى حد الرقص والتصفيق والغناء. فالمصريون يحتفلون بما يعتقدون أنه بداية لعهد جديد يأملون فيه بأن تتغير أحوالهم، وتتبدل أوضاعهم، ويبدأون السير في طريق يحققون فيه ما تمنونه طويلاً، خصوصاً عندما وصلت طموحاتهم الذروة في ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 قبل أن يصابوا بالإحباط والخيبة والصدمة مع حكم «الإخوان» لمدة سنة، كانت البلاد تتجه فيها بسرعة الصاروخ نحو الماضي وإلى الخلف.
ولأن «الإخوان» سعوا بعد عزل رئيسهم وخلع حكمهم إلى هدم البلد على من فيه، فإن المصريين أرادوا بالمبالغة في مظاهر الفرح توصيل رسالة إلى الجماعة وحلفائها في الداخل وداعميها في الخارج مفادها أن على الجماعة أن تُقر بالفشل، وأن تعترف بالهزيمة، وأن تدرك أن مصر تخرج من الأزمة في حين يغرق «الإخوان» في أزمتهم.
بالاستحقاق الرئاسي تتجه مصر إلى تحقيق الخطوة الثانية من خارطة المستقبل السياسية بعد إقرار الدستور، ويوجه المصريون الضربة الثانية الموجعة لـ «الإخوان»، وما المشاركة الواسعة في الانتخابات إلا عاكسة لرغبة عارمة في إظهار أن إسقاط مرسي وجماعته لم يكن استجابة لجهة أو شخص وإنما كرد فعل طبيعي من شعب رضى بحكم «الإخوان» لكن هؤلاء لم يرضوا به!
وبينما يتعقد المشهد ويرتبك في دول الربيع العربي فإن الانتخابات الرئاسية المصرية ستفضي إلى مصر جديدة تتجه نحو المستقبل حتى لو ظلت جماعة «الإخوان»، وقد تجاوزها الزمن، على حالها تبكي على لبن مسكوب ورئيس في السجن وشرعية أسقطها شعب.
عموماً فإن كل المؤشرات تؤكد أن مصر تتغير، بينما تسير الجماعة على نهجها دون أن تعدل آلياتها وأساليبها، ويبدو قادتها وكأنهم يسعون إلى تأكيد النظرية التي تذهب إلى أن الجماعة يجب أن تُكسر لتدخل بعدها في سنوات كمون حتى تصدق هزيمتها، وينقلب شبابها على قادتها، وقطعانها على مكتب إرشادها.
أما لماذا جاءت ردود فعل الجماعة حادة وصاخبة وعنيفة في صراعها مع الدولة بدرجة تفوق كثيراً سلوكها في صدامها مع عبد الناصر، فإن الفارق هنا أن «الإخوان» حكموا مصر بالفعل، بينما في العهد الناصري كان أقصى ما تمنونه أن يشاركوا ولو بقدر ضئيل وبنصيب محدود في كعكة الحكم. وليس سراً أن قدراً كبيراً من شعبية السيسي حصل عليه الرجل باعتباره مُخلِّص مصر من «الإخوان» الذين تجاوزوا بعد سقوط نظام مبارك مراحل الاستكانة إلى الصدام مع شخص أو فئة أو جهة عارضت حكمهم، بل وصل الأمر إلى حد انقلاب الجماعة على حلفائها الذين ناصروها وأيدوا ترشيح محمد مرسي نكاية في منافسه الفريق أحمد شفيق. بعد عقد واحد من الزمن وبعد إعدام سيد قطب خرج «الإخوان» إلى النور، ومارسوا السياسة بتوافق مع السادات ثم مبارك، ونَمَت الجماعة وأموالها وعلاقتها في الداخل والخارج، بينما كانت مصر تتجه بسرعة نحو مشاكل اجتماعية واقتصادية.
وفي حين كانت مشروعات رجال أعمال الجماعة تتوسع وتحقق أرباحاً كانت أوضاع المواطن المصري تسوء وتحقق مزيداً من الفقر!! وعندما تهيأت الظروف وحكم «الإخوان» مصر وجد هذا المواطن أنه خارج حساباتهم، وأنه استُغل فقط ولسنوات من أجل أن تقفز الجماعة وتهبط على مقاعد السلطة والنفوذ. صحيح هناك أشخاص وقوى تعارض العملية السياسية الحاصلة الآن في مصر كحركة «6 أبريل» أو بعض اليساريين والاشتراكيين، أو من يطلقون على أنفسهم صفة «شباب الثورة» ويسعى «الإخوان» إلى التواصل معهم وعقد تحالفات مع رموزهم دون أن تدرك الجماعة أن هؤلاء، وإن عارضوا السيسي، إلا أنهم كانوا أكثر من تعرضوا للضرر أثناء حكم مرسي. بعد أقل من عشرة أيام سيُعلن رسمياً اسم الرئيس الجديد لمصر الجديدة، بينما «الإخوان» وأنصارهم ليس لديهم أي جديد!
أمة في دائرة الخطر
بقلم: خليفة راشد الشعالي عن الخليج الاماراتية
يتداول بعض المستغربين من مثقفينا عباراتٍ يعتقدون أنها مسيئةٌ ومستَفِزَة لمشاعر عرب الجزيرة، حيث يتهمونهم بالبداوة، وأنهم ليسوا أكثر من رُعاة إبلٍ وخيلٍ وماشية، وعلى العكس مما يعتقدون، فتلك تُهمَةٌ لا يبرأ منها العربي الأصيل، بل هي صفة يُفاخِرُ بها العرب ويفخرون أنهم من ساسَة الخيل والإبل والماشية، فهذه المهنة جزءٌ أصيلٌ من تراثهم، وهي مكونٌ أساسٌ من مكونات هويتهم.
ويتفاخرون بكونهم من أول الجماعات البشرية التي رَوّضَت هذه الكائنات وسخرتها لخدمة الإنسان ولعمارة الأرض، وعبر هذه الرحلة الطويلة والممتدة إلى أزمان غابرة، لم تبخل عليهم هذه الكائنات الجميلة بما لديها، فأعطتهم الكثير وتعلموا منها بقدر ما علموها ودربوها، وبلغة هذا الزمان؛ تبادلوا معها المعرفة، وتعززت في نفوسهم بسبب هذه العلاقة الحميمة قيم فطرية، من سلوك هذه الكائنات، حيث رأوا في بعضها الأنفة والصبر والوفاء والعطف وعدم نكران الجميل . ولهذا، عطفوا عليها وصارت الرأفة بها شيمة من شيمهم، فخلد الأولون منهم حبها شعراً ونثراً، فقال طرفة في الإبل: وَإِني لأُمْضِي الهَم عِنْدَ احْتِضَارِهِ بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَرُوحُ وتَغْتَدِي * يَشُق حَبَابَ المَاءِ حَيْزُومُهَا بِهَا كَمَا قَسَمَ الترْبَ المُفَايِلَ بِاليَدِ . واعتنى بها المحدثون، رداً للجميل واعترافاً لها بمساهماتها في استمرار الحياة وبقاء الإنسان على هذه الأرض التي كانت هذه الكائنات من عماد الحياة فيها .
العرب لا تحب هذه الكائنات تصنعاً ولا تزلفاً، ولا تجاملها مجاملةً، فهي في أعرافهم تتعرف إلى من يحبها وتقترب منه وتبادله الحب، وتجفل ممن يضمر لها العداوة ويبغضها وتبتعد عنه، وعلى النسق نفسه تسير علاقتهم مع الإنسان الآخر فيما يتعلق بقراءة لغة الجسد والتعرف إلى مشاعر الآخر . . . فالعين تعرف من عيني محدثها إن كان من حزبها أو من أعاديها .
والعرب - مثلهم مثل باقي الشعوب والأمم - يخطئون ويصيبون، وهم إلى الصواب أقرب في سلوكهم إذا ما اعتمدوا معيار قيمهم التي توارثوها؛ لأنها تعبر بشكل واضح عن هويتهم الأصيلة، وإذا ما أخفقوا وتنكروا لقيمهم فإنهم لن يكونوا إلا مسخاً من المسوخ المتكررة في هذا الكون الفسيح . وفي هذا السياق، يبدو أن عرب هذا الزمان بدأوا بنزع قيمهم شيئاً فشيئاً، أو أنهم يتنازلون عنها ابتغاء مرضاة الآخر، الذي أثبت التاريخ أنه لن يرضى عنهم إلا إذا اتبعوا ملته، وألقوا بورقة التوت الأخيرة من على أجسادهم . والشواهد في بلاد العرب كثيرة، وأبرزها ما عبرت عنه إحدى الصحف الأجنبية الموثوقة قبل أيام، والمتمثل في مشروع -حضاري- ستقوم به وزارة الأسرة في دولة أوروبية، يتم بمقتضاه تبني خمسة وخمسين ألف طفل سوري - من الذكور والإناث - في هذه الدولة، وقد تناقلت وكالات الأنباء هذا الخبر دونما تعليق من الجامعة العربية أو المؤسسات الوطنية، العربية والإسلامية ولا حتى السورية، الأمر الذي يمثل صفعةً إلى القيم العربية، بل هي كارثة تحل بهذه الأمة، التي لم تستطع أن تحتضن أبناءها وتأويهم من التشرد والضياع والبرد، وتأمنهم من الجوع والخوف .
وللعلم فإن هؤلاء الأطفال جزء بسيط من ملايين الأطفال في سوريا والعراق والصومال واليمن ومصر وقبل ذلك فلسطين، والمبادرة الألمانية لا تعدو كونها مبادرة رمزية رَوّجَتها وتُشهِرَها هذه المجلة لِتَستَفِزَ مشاعر الأوروبيين والأمريكيين والكنديين والأستراليين من أجل القيام بمبادرات مماثلة .
وأمام وضع مثل هذا تكون قِيَمُ الأمة مَحَل نَظَر، بل نجزم أن كل الأمة محل نظر، والقائمون عليها إما أنهم مغيبون في دهاليز السياسة وفي أبراجها العاجية وفي بحور التنافس على قيادتها، أو أنهم لا يدركون خطورة تهالك القيم في مجتمعاتهم وفناء الهوية، وفي كلتا الحالتين هم يرتكبون خطيئةً لا تغتفر، فقديماً قيل: إذا كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظمُ .
اختطاف الربيع العربي
بقلم: صنهات العتيبي عن الوطن القطرية
تباشير الربيع العربي العظيم تلاشت مع تراكم جهود الغدر والكيد من قبل الغرب والشرق ومن قبل عرب الغرب وعرب الشرق وحتى عرب الوسط الهزاز! تفاعلت جهود الكارهين للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من اجل إطفاء شعلة أوقدت في ليل عربي مظلم وطويل! والمثير في أمر المسرحية الجهنمية أن هؤلاء الكارهين للحرية يملكون من قوة المال والإعلام وتسلط العسكر والقوة الأمنية الاستخباراتية قدرا هائلا وظفوه لتدمير الربيع العربي وليس لتحقيق بعض من تطلعاته البسيطة..
فتمكنوا من اختطاف الربيع العربي وصرفه عن أهدافه وطموحاته وإدخاله عنوة إلى دهاليز الفوضى ومسارات الأطماع السياسية ومفاسد السياسيين استعدادا للدفن في التاريخ العربي مع مجلدات سايكس بيكو والنكسة والنكبة ولورنس العرب وجورج بوش الصغير!
التجربة المريرة كانت في ليبيا ومازالت فصولها تسرد فقد تحول الربيع الليبي إلى نموذج من الفوضى السياسية والأمنية وهذا ما يخاف منه الربيعيون ويريده الخريفيون بل ويقاتلون من اجله! الهدف الاستراتيجي لأعداء الربيع العربي كان ومازال «عسكرة» الربيع العربي ليتحول إلى الكلاشينكوف بدلا من الأهازيج والجموع البشرية وبحة الحناجر تردد «الشعب يريد إسقاط النظام»! وهاهو خليفة حفتر يستكمل عملية خطف الربيع الليبي هكذا بكل بساطة ومن وكر غير بعيد عن الحكومة الليبية الجديدة العاجزة مثل التي قبلها وكل الحكومات المؤقتة والمنتخبة في ليبيا ما بعد القذافي كان لها عنوان واحد هو العجز التام عن تسيير الأمور والتحكم في الأرض والسماء حتى إن الليبيين يخطفون في الشوارع ويرحلون لغوانتانامو! وهناك مؤشرات على تحويل ليبيا قصدا إلى نموذج بلقاني خطير!
في اليمن أيضا تمت عملية اختطاف للربيع العربي ولكنها كانت أكثر ترتيبا وهدوءا من ليبيا. ونجحت المسرحية السياسية في تغيير الرئيس برئيس لا يختلف عن الرئيس السابق! ونظام جديد هو نفسه النظام القديم ومرت عملية الخطف المحكمة بدون ضوضاء إلى درجة أن البعض لم يعد يتذكر الدماء في ساحة الكرامة! ولكن ما تؤكده أحداث اليمن الخطيرة أن النار ما زال لها من تحت الرماد ضرام! والحال نفسه ينطبق على التجربة التونسية فالربيع التونسي الأكثر هدوءا مقارنة بالتجارب الأخرى كان الانقلاب عليه أكثر هدوءا كذلك حتى إن من يراقب الأحداث هناك لا يعرف ما الذي تغير وما هي الحلول الاجتماعية والاقتصادية التي أتت أو ستأتي لتعالج المشاكل التي جعلت بوعزيزي يحرق نفسه ودفعت الشباب التونسي للنزول إلى الشوارع!
تجربة الربيع المصري تمثل حقيقة الاختطاف التام عن طريق العسكر وأحذيتهم الذين قفزوا إلى السلطة وأقنعوا الشعب بثورة اصطناعية مفبركة ليخطفوا ثورة 25 يناير بكل بجاحة! وبسبب براعة المصريين في المسرح والسينما فقد تم تنفيذ عملية الاختطاف بمسرحية هزلية وكومبارس أغبياء وحزب الثور السلسي! فاستطاع العسكر خطف ثورة الشعب في 25 يناير من الشعب نفسه وباعوا عليه ثورة أخرى حسب مقاساتهم وأضحك يا زمن ما طاب لك الضحك!
تجربة سوريا هي تجربة مريرة وعلقمية (من طعم العلقم ولا علاقة لها بكل من اسمه علقم)! هذه التجربة دمرت كل التطلعات لزمن الحرية والعدالة في العالم العربي وصبغتها بالدم! الربيع السوري هو المثال الصارخ على مصير الحراك الجماهيري عندما تقول الجيوبولتيك «لا وألف لا»! لقد ساهمت طبيعة المحيط الجغرافي لسوريا في تدمير سوريا وعملت حقيقة التشابك السياسي المعقد لسوريا مع دول وتنظيمات متعددة في المنطقة وخارجها على تأزيم الأزمة وحرفها إلى العنف غير المسبوق تاريخيا. موقع سوريا وما يفرضه من تقاطع بين الطموح الصفوي شرقا والطموح الصهيوني غربا جعلها في عين العاصفة وجعل شعبها الأبي في عين المأساة البشرية التي لا يمكن وصفها. إستراتيجية اختطاف الربيع العربي جاءت في سوريا عنيفة وتآمرية بامتياز وثمنها هو هذا السيل الجارف من دماء السوريين الأبرياء رجالا ونساء وأطفالا!
الهدف الاستراتيجي في سوريا ما بعد الربيع العربي كان ومازال عسكرة الثورة بدون إسقاط النظام وتحقيق حرب استنزاف طويلة للجيش وللشعب مع الحرص على تحقيق مصالح أطراف متعددة لها مصالح في سوريا مثل إيران التي تراها استكمالا لمشروع الهلال الشيعي وإسرائيل التي تراها استكمالا لمشروع الحدود الصامتة وروسيا التي تراها استكمالا لمشروع الأراضي الدافئة وأميركا التي تراها استكمالا لمشروع الحرب على الإرهاب! بل حتى اللاعبين الصغار يستطيعون تحقيق مصالحهم من المعمعة السورية مثل الأحزاب الكردية ونظام المالكي ومسيحيي الشرق وغيرهم! ويبقى الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن!
انه تقاطع مصالح عميق يضاف إلى مخطط لقطع الطريق على الربيع العربي يضاف إلى محورية الأمن للكيان الصهيوني كلها تجمعت ورسمت إستراتيجية الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط الجديد وساهمت في خطف الربيع العربي وتعمل الآن على إعلان وفاته رسميا! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المقاومة ما بعد العام 2000
بقلم: حبيب فياض عن السفير اللبنانية
الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000 من معظم الاراضي اللبنانية المحتلة، لم يُعفِ المقاومة من مهامها الاساسية، بل وضعها أمام مهام جديدة أشد خطورة من مهمة تحرير الأرض وطرد الاحتلال. ما بعد التحرير فرض على المقاومة استكمال المعركة ضمن ظروف ومعطيات أكثر تعقيداً، دفعت بها الى تبني استراتيجية جديدة تقوم على المواءمة بين الثوابت والمتغيرات، تبعاً لتغير أدوات الصراع وميادينه.
وبالعموم يمكن القول إن الجهود التي بذلت منذ العام 2000 للقضاء على المقاومة أو الحد من قدراتها، لم تؤت أكلها، بل ان هذه الاخيرة استطاعت توظيف ما تعرضت له في اطار مفعول عكسي، وضمن معادلة بسيطة تقوم على ان كل محاولة فاشلة للنيل منها تستحيل في رصيدها الى قوة مضافة.
1 ـ اغتيال الحريري والداخل اللبناني
مع اغتيال الحريري وجد حزب المقاومة نفسه مضطراً للانخراط في صلب الحياة السياسية الداخلية. الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005 وما أحدثه من فراغ في الداخل اللبناني دفع الحزب الى ملئه على قاعدتين. الاولى، حماية ظهر المقاومة من الطعن في ظل تمكين وحضور داخليين لخصومها. الثانية، لملمة الحلفاء في لحظة مصيرية من تاريخ لبنان وتشكيل غطاء للقوى الداعمة للمقاومة في مرحلة انكشاف محرجة. مذاك بات الحزب منغمساً في خانة العمل السياسي الى جانب هويته الجهادية الأساسية، حيث نجح في فصل مساره الجهادي عن نشاطه الداخلي، واستطاع الحفاظ على هويته بكونه مقاومة تتعاطى الشأن السياسي وليس حركة سياسية تتعاطى المقاومة.
حاول خصوم حزب المقاومة استهدافه عبر خطة رباعية الأضلاع: تشويه صورته وضرب مصداقيته عبر اتهامه باغتيال الحريري، تأجيج نار الفتنة بواسطة تصعيد الاحتقان المذهبي، عزله سياسياً عبر منعه من المشاركة في الحكومة، واستهداف بيئته الحاضنة من خلال أعمال إرهابية. بالمقابل، نجح الحزب في التعامل مع هذه التحديات والحد من فعاليتها. فالمحكمة الدولية باتت حدثاً هامشياً في المشهد اللبناني، والتحريض المذهبي لم ينجح في إحداث الفتنة والاصطدام في الشارع، بينما لم يستطع الآخرون تشكيل حكومة من دون مشاركته وتبني المقاومة في البيان الوزاري. هذا فضلاً عن قدرة الحزب، بالتعاون مع الأجهزة الرسمية المختصة، في مواجهة الجماعات التكفيرية وتجنيب مناطقه التعرض لهجمات إرهابية.
في الداخل اللبناني، رهانات الخصوم على إضعاف حزب المقاومة لا تنتهي. الحرب النفسية التي يتعرّض لها لا تنقطع. الزجّ باسمه في كل صغيرة وكبيرة بات لازمة مصاحبة لكل حدث. أما محاولات النيل من أخلاقياته ومصداقيته فمتواصلة على الفضائيات ووسائل الإعلام المعادية له. بالمقابل، هو يعمل بصمت وبعيداً عن ضوضاء الإعلام، ويمارس السياسة بوصفها فضيلة الصبر، وغالباً ما ينجح في الوصول الى أهدافه بعيداً من التباهي والادعاء.
2 ـ عدوان تموز والحرب المقبلة
العداوة بين طرفين مثل «حزب الله» واسرائيل لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية من دون حرب. من النتائج المباشرة لحرب تموز أنها كفت يد اسرائيل عن الخوض في حروب صغيرة ومتفرقة ضد لبنان لكنها، في الوقت نفسه، شكلت حافزاً لدى الجانبين من أجل الإعداد لحرب نهائية وحاسمة. المرجّح أن تحافظ الجبهة بين لبنان والعدو الإسرائيلي على هدوئها برغم كل ما يُقال عن إمكان اشتعالها. الأسباب كثيرة أهمها، قوة «حزب الله» التي وبرغم عجز العدو عن إدراكها بالتفصيل، فإنه يستطيع تقديرها بالإجمال.
بعد حرب تموز العام 2006، استطاعت المقاومة نقل الصراع مع إسرائيل من حالة توازن الرعب الى حالة توازن القوة، و تحوّلت الى قوة قادرة على حفظ التوازنات الإقليمية و الاطاحة بها. تحضيرات المقاومة في الصراع مع العدو تتجاوز هدف التغلب عليه في جولة، الى حرب تتهدده في وجوده وبقائه. فحرب تموز لا تصلح لمقاربة الحرب المقبلة بين اسرائيل و«حزب الله». في المرة المقبلة، سيخوض الحزب حرباً هجومية تتجاوز منع العدوان من تحقيق اهدافه، ولن يسمح أن يقتصر الدمار على لبنان من دون دمار يوازيه داخل فلسطين المحتلة، كما لن يعطي العدو فرصة لإطالة أمد الحرب. والأهم من ذلك، لن ينتظر قراراً من مجلس الأمن لوقف النار.
الاسرائيلي يدرك ان لدى المقاومة القدرة والإرادة على استهداف كامل بنيته العسكرية داخل فلسطين المحتلة. بالترجمة العسكرية، هذا يعني القدرة على ضرب الطائرات الإسرائيلية قبل إقلاعها من المطارات، واستهداف الدبابات قبل وصولها الى الأراضي اللبنانية، وإصابة القطع الحربية البحرية وهي بعيدة عن الشواطئ اللبنانية. وهذا يعني أيضاً القدرة على تدمير موانئ ومطارات ومحطات كهرباء ومصانع ومستشفيات ومنشآت حيوية ومجمّعات كيمياوية، هذا فضلاً عن استعداد المقاومين للدخول الى مستوطنات شمالي فلسطين في الساعات الاولى للحرب.
المقاومة اليوم في أفضل أحوالها، وهي في الحرب المقبلة، أقوى مما كانت عليه في حرب تموز بعشرة أضعاف عدة وعديداً، كماً ونوعاً، تجهيزاً واستعداداً، خبرة وإدارة، قدرة وأداء.
3 ـ الأزمة السورية
كثيرون راهنوا على غرق «حزب الله» في مستنقع الأزمة السورية. رهانات هؤلاء خابت بما استطاع أن يشكله من واقع صادم لكل الخصوم والمعادين. ولقد كشف الحزب، من خلال انخراطه بالمعركة في سوريا، عن جانب من قدراته العسكرية الخبيئة ليوم المواجهة الموعود على الجبهة الأصلية مع اسرائيل. ففي الداخل السوري، اكتسب صفة المقاومة التي لا تنكسر، وخرق كل التوقعات في المنجز الميداني بلحاظ وعورة الجغرافيا وشراسة الخصوم ومناعة تحصيناتهم.
في الأزمة السورية، استطاع «حزب الله»، بخلاف التوقعات، تحويل التورط الى تموضع استراتيجي، والاستدراج الى انتصار، والاستنزاف الميداني الى حسم عسكري، والمؤامرة التي تستهدف سوريا الى فرصة لإظهار قدراته وتعويم محور الممانعة برمته. كما استطاع أن ينأى بلبنان عن خطر التكفيريين والانتحاريين، ولم يسمح بإسقاط النظام السوري، وأعاد تظهير هذه الأزمة ضمن سياقها الاصلي المتصل بتصفية الحساب مع المقاومة وحلفائها.
في سوريا دخل «حزب الله» مرحلة جديدة من مسيرته النضالية. قبل الآن، شكل الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000 المرحلة الأولى من عمل المقاومة على طريق تحرير الأرض. حرب تموز في العام 2006 شكلت المرحلة الثانية من مسيرة تكامل المقاومة على أساس القدرة في مواجهة العدوان واحباطه. لكن هذه المرة، كشفت الأزمة السورية عن قدرة المقاومة على الإمساك بزمام المبادرة والانتقال من الدفاع إلى الهجوم.
25 أيار 2000 من تحرير الأرض… إلى تحرير الإرادة
بقلم: معن بشور عن راي اليوم
كان الاندحار الصهيوني عن الحزام الأمني الحدودي المحتل انتصاراً تاريخياً للبنان المقاوم بكل المقاييس، ومعه كل شرفاء الأمة وأحرار العالم، بل كان ذاك الانتصار تتويجاً لعقود طويلة من الكفاح والمقاومة عاشها أولاً شعب فلسطين ومعه كل أبناء الأمة والإقليم، على تنوع تياراتهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية، وهي عقود تخللتها انتصارات وانكسارات، آمال عراض وخيبات كبرى، فلا يمكن الفصل بين ما تحقق في 25 أيار عام 2000، وبين ما جرى في المثلث الفلسطيني ومعركتي القسطل والفلوجة عام 1948، وما جرى في بور سعيد وقناة السويس عام 1956، وما جرى في وقفة بور تسموث العراقية ضد الاستعمار البريطاني، وما جرى في “التوافيق” السورية عام 1960، وما جرى في الكرامة الأردنية عام 1968، وما جرى في تشرين المصري – السوري – العربي عام 1973، وما جرى في بيروت عام 1982، وحتى ما جرى قبل ذلك في ثورات التحرير في ليبيا عمر المختار وجزائر عبد القادر الجزائري ومغرب عبد الكريم الخطابي وتونس صالح بن يوسف وسودان المهدي ويمن الثلايا وأقطار الأمة كافة..
بل جاء ذاك الانتصار الذي أدى إلى اندحار المحتل، تتويجاً لصفحات مجيدة من تاريخ المقاومة اللبنانية للمشروع الصهيوني بدأت فكرياً مع الأب بولس عبود الكسرواني، والكاتب نجيب عازوري الجزيني، والفيلسوف ميشال شيحا البيروتي، وصولاً إلى الوزير ميشيل اده الموسوعي في مناهضة الصهيونية، وتواصلت نضالياً مع فوزي القاوقجي الطرابلسي، ومعروف سعد الصيداوي، والشهيد النقيب محمد زغيب البعلبكي لتصل إلى ملاحم سطرها في ستينات وسبعينات القرن الماضي رواد أبطال كالأخضر العربي (أمين سعد) في شبعا، وحسين علي قاسم صالح في كفرشوبا، وواصف شرارة في بنت جبيل، وشباب حي باب الرمل الطرابلسي وقد استشهدوا في الهبارية في أيار 1970، وآل شرف الدين ومحمود قعيق في الطيبة، وعبد الأمير حلاوي في كفر كلا، والبيروتي نور الدين المدور شهيد المقاومة في القاسمية عام 1978، وصولاً إلى تلك المقاومة الأسطورية دفاعا عن مدن الجنوب ومخيماته، وعن بلدات البقاع الغربي وراشيا خصوصاً مع الجيش العربي السوري في السلطان يعقوب، وصولاً إلى بيروت حيث كان الصمود التاريخي لفلسطينيين ولبنانيين وجنود سوريين ومتطوعين عرب بوجه حصار الثمانين يوماً، وحيث انطلقت رصاصات المقاومة الأولى ضد العدو المتوغل في العاصمة على يد أبناء الطريق الجديدة، ثم تلتها عمليات رأس النبع والبسطا والمصيطبة وعين المريسة وزقاق البلاط وسييرس والنورماندي حتى رأس بيروت والعملية النوعية الخالدة لخالد علوان، وهي عمليات استمرت ما بعد 1982 وحملها على درب الاستشهادي الأول احمد قصير شهداء وشهيدات كسناء محيدلي، ولولا عبود، وبلال فحص، وابن بيروت سمير الشامي، وغيرهم وغيرهم، من مقاومين عروبيين وناصريين وبعثيين وقوميين اجتماعيين وشيوعيين وإسلاميين من حواري صيدا إلى سهول البقاع الغربي وأعماق جبل عامل.
كان الانتصار عام 2000 هو نقطة التحوّل النوعي في تراكم تاريخي شارك في صنعه كل قوى التحرر والنهوض في لبنان، وهو ما يدفع قائد المقاومة وإخوانه إلى التأكيد دائماً على هذا التنوع في مراحلها أو في طبيعة المشاركين فيها، مدركين إن ما من إساءة للمقاومة أكثر من محاولة استفراد فريق أو تيار أو حزب أو فئة بها… وهي مع الأسف محاولات بدأت مع انطلاقة المقاومة عام 1982.
ومثلما كان انتصار عام 2000 تتويجاً لمرحلة كاملة من الكفاح والمقاومة وصلت إلى ذروتها المتقدمة، كماً ونوعاً، مع المقاومة الإسلامية عموماً، وحزب الله خصوصاً، يمكن القول إن ذاك الانتصار كان أيضاً افتتاحاً لمرحلة بلغ فيها صراع الأمة مع أعدائها اشد مراحله دموية وعنفاً، وصراع الأمة مع أمراضها وعثراتها وواقع الاستبداد والفساد والتبعية أخطر تجلياته في تداعياته المستمرة.
وبقدر ما كان ذاك الانتصار مذهلاً للأعداء ومقلقاً لهم، بكل إيحاءاته الروحية والنضالية والسياسية والميدانية ، فقد كان أيضا محركاً لأعلى درجات الرغبة بالانتقام لديه ولدى حلفائه وأدواته، حتى يمكن القول أن كل ما شهده لبنان، ومعه الأمة والإقليم، من اضطرابات وتهديدات وفتن وحروب إنما كانت في جزء مهم منها، هو نتيجة تلك الرغبة العارمة بالانتقام من المقاومة، كخيار وثقافة وسلاح، ومن الأمة التي ما امتحنها أعداؤها يوماً في استقلالها وهويتها وكرامتها إلا وقاومتهم بكل ما أوتيت من وسائل.
لقد كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 ، وبعد أشهر من الانتصار اللبناني، ثمرة لتلك العلاقة التفاعلية بين مقاومة فلسطين ومقاومة لبنان، لذلك جاء أيضاً الانقضاض الصهيوني على المدن، والمخيمات عام 2002 في الضفة الغربية انتقاماً للهزيمة الصهيونية في لبنان، وحربا استباقية للحيلولة دون تكرار ما جرى في لبنان على ارض فلسطين.
وبقدر ما كان احتلال العراق عام 2003 وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية على أرضه، بعد سنوات من الحصار والعدوان، في جزء منه رداً استراتيجياً على المناخ الثوري الذي انطلق مع الانتصار في لبنان، ومحاولة تطويق المقاومة اللبنانية الظافرة بطوق من التحريض الطائفي والمذهبي، فان المقاومة العراقية العظيمة التي أربكت اندفاعة المشروع الصهيو – أمريكي في عموم المنطقة، حذت حذو المقاومة اللبنانية في مواجهة عدو متفوق عسكرياً ولكنه بات مرتبكاً إزاء إرادة شعب مقاوم.
وبقدر ما كان دور سوريا في احتضان المقاومة اللبنانية ما بعد الغزو الصهيوني عام 1982، عاملاً حاسماً، سياسياً ولوجستياً، ساهم في تمكين المقاومة من تجاوز العديد من الألغام والمطبات والكمائن السياسية والحروب العسكرية، فان ما تشهده سوريا منذ ثلاث سنوات ونيف من حروب ودمار وفتن لا يمكن فهمه خارج سياق الانتقام من المقاومة وداعميها في انتصارها عام 2000 ثم في عام 2006 ، وبالتأكيد عبر استغلال ثغرة من هنا، وأخرى من هناك، في بنية النظام كما في الأداء والممارسة.
وبقدر ما كان تحرير غزة على يد المقاومة الفلسطينية الباسلة تأكيداً على سلامة الشعار الذي رفعه ذات يوم جمال عبد الناصر “بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة”، وهو شعار كل مقاومة اليوم، فان حروب ما بعد تحرير غزة على القطاع المحاصر والصامد، لا يمكن قرءاتها أيضا إلا في سياق الرغبة الصهيونية العارمة في الانتقام من المقاومة، خياراً ونهجاً وثقافة وسلاحاً.
وما يقال عن العراق وسوريا وفلسطين وتداعيات الانتصار اللبناني على تطورات الأوضاع فيها، يمكن أن يقال عن مجمل التطورات التي شهدتها أقطار الأمة وكياناتها.
فأياً كان تقييم الحراك الشعبي الذي شهدته تلك الأقطار، فان أحداً لا يستطيع أن ينكر أن كسر حاجز الخوف لدى المواطن العربي الذي ساهم في إطلاق هذا الحراك هو احد ثمار انتصار المقاومة العربية الشاملة على الأعداء المدججين بأعتى ترسانات الأسلحة وأشدها فتكاً، فإذا كان مقاومون بأسلحة بدائية، تصل أحيانا إلى الحجارة، قادرين على هزيمة القوى الجبارة، فلماذا لا يقدر المواطن البسيط على هزيمة أنظمة هي صنيعة تلك “القوى الجبارة”؟
وفي السياق ذاته، فان احد لا يستطيع أن ينكر إن أحد أسباب تفجّر هذا الحراك الشعبي الهائل، لا سيّما ضد الأنظمة التي كانت تستند إلى دعم واشنطن وحتى تل أبيب، إنما حصل بسبب تحوّل في موازين القوى الإقليمية والدولية لغير صالح الحلف الصهيو – استعماري وهو تحوّل كان الانتصار اللبناني أيضاً، كما الفعل المقاوم الفلسطيني والعراقي، والصمود الشعبي العربي والإسلامي، احد مصادره، وان ما رأيناه من محاولات التفاف حول هذا الحراك، وإجهاض نتائجه، وحرف مساره، لم يكن سوى سعي محموم من قبل ذلك الحلف المسموم لإعادة إنتاج ميزان قوى جديد لصالح هذا الحلف……
إذن كان تحرير الأرض مقدمة لتحرير الإرادة، تماماً كما كان تحرير الأرض نتيجة لتحرير إرادة المقاومين سواء في لبنان أو فلسطين والعراق، فالإرادة الحرة تحصن حرية الوطن والإنسان، والعكس صحيح، لكن تحرير الإرادة يبقى المهمة الأصعب في رحلة التحرير الشاملة.
فتحرير الأرض يحتاج إلى مقاومة المحتل، لكن تحرير الإرادة يحتاج إلى مقاومة للاحتلال الخارجي، كما للاختلال الداخلي في العلاقات بين الدولة والمجتمع، وبين مكونات المجتمع ذاتها، اختلال طال جوهر المصالح الحيوية للأمة وأهدافها في وحدتها واستقلالها وتنميتها وتجددها الحضاري والعدالة الاجتماعية، وهي مصالح وأهداف يرتبط تحقيقها جميعاً بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن نقطة البداية في تحرير الإرادة، الوطنية والقومية، تنطلق من توفير عوامل القوة الذاتية لدى الشعوب والأمم، وهي في حال امتنا تقوم على ركيزتين أساسيتين:
أولها وحدة وطنية داخل القطر تبدأ من المصالحة الشاملة التي تضع حداً للتدهور في العلاقات بين مكونات المجتمع وتحترم التطلعات المشروعة للشعوب، وهي مراجعة تستند بالضرورة إلى مراجعة عميقة يقوم بها الجميع لتجاربهم وممارساتهم، فيعمّقون الايجابي منها وينبذون السلبي، وفي مقدمة هذه السلبيات عقلية الإقصاء والإلغاء والاجتثاث التي تجتث الوطن فيما تظن أنها تجتث فئة واحدة منه.
وثانيها اتحاد عربي على مستوى الأمة يبدأ من تكامل متدرج على الصعد الاقتصادية والدفاعية والثقافية والاجتماعية والتربوية، يصل بنا إلى اتحاد الكيانات العربية فيخرجها من أزماتها التكوينية المتفجرة فقراً وجهلاً وتخلفاً وغرائز متنابذة وعصبيات متناحرة، ويدخلها في رحاب العصر.
رأي الوطن .. طابخ السم آكله
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
يحاول الغرب إخفاء دعمه للإرهاب، حينما يتحدث عكس ما يفعل، إذ إن معلومات المتابعين جيدا لملف الإرهاب تؤكد ستمرار الدعم الغربي له بكل قوة، وتسلط الضوء على ما يجري فعلا من عمليات تدريب للإرهابيين برعاية واشراف غربي، وبدعم كامل منه.
وتقول المعلومات انه في منطقة فزان الليبية حيث الصحراء القاحلة يقوم معسكر لتدريب الآلاف من الإرهابيين من جنسيات مختلفة، يرعى هذا الموقع الحلف الأطلسي بشكل مباشر ومسؤول فيقدم له التمويل والأسلحة والدعم والرعاية الجوية، وقام مؤخرا بنقل ما يقارب الخمسة آلاف ارهابي إلى سوريا عن طريق تركيا التي وفرت لهم الغطاء الكامل لدخولهم الآمن إلى الأراضي السورية .. ويمكن لهذا العدد ان يزيد بحكم الحاجة إليه، ذلك انه يتوفر في المركز الليبي كل الاحتياجات العددية عندما تدعو الحاجة.
كما تفيد هذه المعلومات ويؤكدها المتابعون للأنشطة الارهابية بأنه يوجد ثلاثة مواقع في تركيا يتدرب فيها ارهابيون تحت اشراف تركي مباشر .. ابرزه في مدينة أورفة عند الحدود التركية السورية وهو لرفد الإرهابيين في سوريا ايضا.
لكن هذه المعلومات مهما كانت جديدة وغير متداولة، فإن طبيعة الصراع الدائر في سوريا يقدم شهادة لا تقبل الشك، بأن الغرب يلعب دورا مزدوجا، اوله اعلامي وهو التكاذب على انه يحارب الارهاب بكل اشكاله، في حين انه يقدم الدعم له في سوريا خصوصا، وفي اماكن أخرى، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما امتدت الحرب في سوريا، ولما تطورت واخذت اشكالا مختلفة، بل لما تمكن الارهابيون من التحكم ببعض مفاصل الأماكن كما هو الحال في دير الزور والرقة على سبيل المثال.
ولأن السيناريو الليبي فشل نقله إلى الساحة السورية فإن الناتو يحاول استبداله بسيناريو آخر يتمثل في توفير الحماية والرعاية لمعسكرات تدريب الارهابيين الذين يرسلون إلى سوريا كما هو الحال بالنسبة لمركز فزان في ليبيا الذي تحميه مظلة اطلسية من الطائرات التي تحوم فوقه على مدار الساعة بإشراف بريطاني وفرنسي.
لكن المراقبين يعتقدون أن هذا المعسكر أصبح يشكل تهديدا، ليس على سوريا وحسب بل على غيرها من الدول بما فيها الدول المصنعة والمصدرة والراعية لهذا الإرهاب التي على ما يبدو سوف يتعين عليها دفع ثمن لا يقل فداحة على ما تدفعه سوريا والعراق حاليا التي جرى تصديره إليها.
إن المؤكد أن الغرب لن يتمكن من تلافي هذا الخطر الا اذا تخلص من ازدواجيته في التعامل مع خطر الإرهاب واعتباره خطرا يستهدف الجميع وبالتالي ضرورة تكاتف الجميع في التصدي له، وأولى الخطوات المطلوبة في هذا الشأن من ممولي وداعمي التنظيمات الإرهابية التوقف عن ذلك وتجفيف المنابع التي تمدها بالحياة، ونعتقد ان النجاح يمكن أن يتحقق اذا صدقت وخلصت النيات، لكن من الواضح ان داعمي الإرهاب ما زالوا يراهنون على بقائه بعيدا عنهم، وإن بإمكانهم توجيهه لخدمة أهدافهم، مع أن الأحداث تؤشر أن نار الإرهاب قد بدأت تلامس أطراف ثوبهم.
إننا على يقين، ومن واقع المعايشة، أن الارهاب ـ الذي قلنا دائما ان لا وطن له ـ الذي يحتضنه البعض ويرعاه لغاياته الدنيئة وبالتالي أوجد له المكان والحمايه الخاصة والرعايه الكاملة، تحت شعارات زائفة ومخادعة، سوف يرتد على صانعيه، فطابخ السم آكله، ومن يعش ير ..
فى انتظار المشير السيسى!
بقلم: عبد المنعم سعيد عن المصري اليوم
لم يكن قرار التصويت للمشير السيسى فى الانتخابات الرئاسية سهلًا، فبالنسبة لجيلى فقد كانت المسيرة طويلة وشاقة، فقد جاء مع ثورة يوليو 1952 وعاش مع أحلامها حتى جاءت لحظات الانفصال السورى، وحرب اليمن، ثم الهزيمة المروعة، وبعد ذلك جاءت حربا الاستنزاف وأكتوبر لكى تعيدا بعضاً من الكرامة، ولكن كثيراً منها ظل جرحاً غائراً. بعد ذلك كانت محاولة الإصلاح، وزرع قدر من الديمقراطية والليبرالية فى أرض جافة ترى فى هذه التعبيرات انحرافاً فى الأرض الفرعونية؛ وكانت النتيجة بعد ذلك ثلاث ثورات متتالية لايزال هناك من ينتظر بعدها ثورة رابعة.
كان ضغط الجماعة هائلاً بالمعنى الضيق للأسرة من ناحية، وبالمعنى الواسع ضغط الغالبية الساحقة من المواطنين الذين اندفعوا لتأييد رجل وقف معهم ساعة حسم التخلص من أكبر جماعة فاشية فى تاريخ مصر فى 3 يوليو 2013، حتى إن شخصيات مرموقة فى الصف الليبرالى واليسارى- بما فيها الناصرى- انحاز بقوة له منذ الساعات الأولى حتى الضغط عليه لقبول الترشح لمنصب الرئيس. ولكن الكاتب والمفكر فى النهاية ليس من حقه ولا من وظيفته أن ينحاز للتفكير الجماعى، وفى النهاية فإن الصوت الواحد ربما لا يكون فارقا فى نتيجة انتخابات، ولكنه سوف يكون فارقا هائلا أمام الضمير. لم يعد فى العيش ما تبقى لخطأ آخر، ولا بقى من الأخطاء ولا مستقبل الوطن ما يتحمل إخفاقا جديدا.
كان لابد من منهج لتحديد مسار ذلك الصوت الواحد، فكان فحص الاختيار بين مرشحين من ناحية، ودراسة أسباب المعارضين للمشير من ناحية أخرى. ومن لاحظ مقالاتى الأخيرة سوف يجد أن المقارنة بين السيسى وصباحى قد أخذت حظها، وحتى عندما حاولت النصح فلم يكن شخص الرئيس هو المهم، وإنما كانت قضايا مصر هى الأكثر أهمية. ولكن الفارق بين ما رأيت ووجهات نظر المرشحين كان حاسما فى أن وجهات نظر المشير السيسى كانت أقرب كثيرا لما أعتقده من تلك التى باح بها الأستاذ صباحى. فالأخير لا يرى فى مصر إلا ساحة للفقر والفقراء، وفى العادة فإن مثل هذه النظرة لا تتيح لصاحبها إلا النظرة الضيقة للوطن والدولة، فهو لا يرى فيها إلا مشكلة توزيعية بين الأغنياء والفقراء، وفيها قدر غير قليل من الأحقاد الطبقية التى تزحف بالوعى أو بدونه إلى نوع من الصراع الاجتماعى الذى تحدث العدالة فيه عندما يستوى الجميع عند الحد الأدنى. ومن المدهش أن دولة الفقر هذه تصير فورا دولة عظيمة فى الخارج، ربما بحكم التاريخ والجغرافيا، والنتيجة العملية لذلك هى دولة هشة ورخوة لا تكف عن الصياح كما جرى فى العهد الناصرى، وفى زمن القذافى، وعصر صدام حسين، وحاليا لايزال مع بشار الأسد. هنا تحل الدعاية والإعلام والكلمات المجوفة الكبيرة محل عناصر القوة الأساسية فى دولة لديها من الإمكانيات والموارد ما يجعلها فى مصاف الدول المتقدمة، ولكنها فشلت فى ذلك على مدى قرنين من الزمان.
المشير السيسى كان شحيحاً فى أفكاره فى البداية، وربما لم يكن شائعاً منها إلا تلك التى ترتبط بالقوات المسلحة التى يؤمن بدورها فى تجسيد هوية الدولة، وبوظيفتها فى حماية الوطن. المصريون كانوا نور العيون، وتقطع اليد ولا يكون هناك استحقاق لحياة العسكريين إذا ما مسهم أحد بأذى. وأذكر فى يوم 23 يونيو 2013 أن ألقيت محاضرة فى الندوة التثقيفية الخامسة للقوات المسلحة عن التحديات التى تواجه الأمن القومى المصرى حينما فوجئت بتواجد القائد العام وزير الدفاع ورئيس الأركان. كانت، ومازالت التحديات كبيرة وهائلة، فما كان من المشير بعدها إلا أن أعرب عن اتفاقه معى فيما قلته، ولكنه أضاف أننى نسيت أمرا واحدا حتى تكتمل المعادلة، وهى أن القوات المسلحة ليست ساكنة، بل إنها جاهزة لمواجهة هذه التحديات.
لم يتكرر الحديث بعدها، ولكن كجندى سابق شعرت بالاطمئنان أنه يمكن إنقاذ المستقبل المصرى مما يهدده من أخطار جسام. وربما كان علىّ الانتظار حتى يعلن عن ترشحه للرئاسة وحتى تبدأ مقابلاته مع الزملاء فى الساحة الإعلامية لكى نعرف أكثر، وبعدها جاء البرنامج لكى يفصح عن الرؤى. وباختصار فإن الوعى بالقدرات المصرية كبير، والإيمان بالإمكانية هائل، والأهم من ذلك أن مفاتيح هذا وذاك معروفة: العمل الشاق، الاستثمار وتعبئة الموارد المالية المصرية والعربية والدولية، تغيير الخريطة المصرية لكى تكون أكثر لامركزية، إغلاق الفجوة بين النهر والبحر، قطع المسافة بين الاقتصاد الرسمى وغير الرسمى، إلى آخر الأفكار التى تولدت أصولها فى الفكر الإصلاحى المصرى، وكان لها صدى دائم فى هذه المقالات، والآن فإن مرشحا لرئاسة الجمهورية سوف يأخذها إلى قصر الرئاسة.
مثل هذه الأفكار تثلج صدرى ولاشك، ولكن بقيت قضية الديمقراطية معلقة وهى التى كانت كبرى نقائص عهد الرئيس مبارك، وقليلة الورود إلى فكر السيسى، وإذا جاءت ففيها تحفظات، ومن ناحية أخرى فإن صباحى يوردها بكثرة فى أحاديثه. تجربة أكثر من ثلاث سنوات تعلمنا ضرورة العودة إلى أصول القضية حيث الديمقراطية هى تلك الحالة السياسية الوسط بين الاستبداد من ناحية والفوضى من ناحية أخرى. والمؤكد أن الديمقراطية فى الأصل لا تكون إلا فى دولة يحكمها القانون الذى مبادئه العامة تقول بوضوح إن المتهم برىء حتى تثبت إدانته، وإنه لا جريمة إلا بقانون، ولا عقوبة إلا بنص، والشك دائما يُفسر لصالح المتهم، وهكذا مبادئ قدمتها الحضارة الإنسانية. مرة أخرى فإن النظرة إلى البرامج تقربنا أكثر من السيسى الذى يرى فى القانون جوهر الديمقراطية، بينما نرى برنامج صباحى وتصريحاته لا يرى فى حرق المؤسسات العامة وضربها أكثر من ممارسة لحرية الرأى، وفى أحكام قضائية أكثر من ممارسات سياسية.
المقارنة بين المرشحين أخذت الصوت فى اتجاه السيسى، ولكن فحص آراء المعارضة قرّبها أكثر. كانت المعارضة الليبرالية أكثر ما يهمنى، وهذه لصقت نفسها بثوار يناير (وبالقليل من يونيو)، ورأت أن ثورة هؤلاء جرت سرقتها مرة بواسطة المجلس العسكرى، ومرة بواسطة الإخوان المسلمين. المدهش فى الموضوع أن الثوار جرت تبرئتهم بشدة حتى ولو أجازت الحكمة بعض النقد البعيد عن المسألة البنائية المتصلة فى فشل الثوار فى الإمساك بالسلطة السياسية التى هى جوهر فكرة الثورة.
الأسباب معروفة سواء تلك الخاصة بالقيادة أو وجود توافق على أفكار سياسية وبرنامج عملى لبناء الدولة والمجتمع. وعندما يغيب هذا وذاك فإن الحديث عن الثورة والثوار يكون فيه قدر من المبالغة، وتعظيم لهبات جماهيرية ونوبات من القلق السياسى واستمراء التواجد فى الميادين والشوارع وإرهاق القدرات المصرية كلها تحت وابل من التظاهرات والإضرابات التى انقلبت إلى إرهاب بعد ذلك عن طريق الإخوان وحلفائهم. لم يكن لدى الثوار- والليبراليون منهم خاصة- الشجاعة لمراجعة عدم الاستعداد لتحمل المسؤولية السياسية التى تتضمن استخدام القوة إذا اقتضت الضرورة وقصة الدكتور محمد البرادعى معروفة.
وكم كان مدهشا أنه عندما اختار الثوار رئيسا للوزراء كان الدكتور عصام شرف ليس فقط العضو البارز والصامت فى لجنة السياسات فى الحزب الوطنى، وإنما الرجل الذى لم تكن لديه القدرة لاتخاذ قرار حاسم واحد ببساطة لأن الثوار لم يكونوا على استعداد للقبول بأى قرار وهم فى جماعات وائتلافات ثورية بلغت 216 فى وقت من الأوقات. ودون الدخول فى كثير من التفاصيل فإن الثورة لم تُسرق، وإنما جرى التفريط فيها بعد أن صارت نوعا من المهنة التى تفضل تدمير وحرق وزارة الداخلية على الاستعداد للانتخابات التشريعية فيحصدها الإخوان، وعندما لا يصبح لدى الثوار إلا الكثير من عصير الليمون لانتخاب مرسى طالما أن الثورة صارت رفض كل من كان له نصيب فى نظام مبارك وكفى، فيتم تسليم البلاد للفاشية الدينية والسياسية.
هناك الكثير مما يقال عند هذه النقطة، ولكن ما قيل يكفى لاتجاه الصوت نحو المشير عبدالفتاح السيسى، ومن المؤكد أن الرجل سمع كثيرا قصة قادة الرومان الذين حينما ذهبوا فى مواكب النصر بروما كان هناك من يجرى معهم قائلا: «لست مخلدا»، ولابد أنه سمع من مصريين يحبونه ويؤيدونه أنهم بأصواتهم لا يعطونه شيكا على بياض. هذا وذاك كان يطلب منه التواضع بعد فوزه، ولكنه أيضا يشكل قبولا بطبيعة التعاقد حول ما جاء فى البرنامج السياسى، فهناك فارق كبير بين التأييد والمبايعة، فالتأييد يعنى العمل سوياً، أما المبايعة فإنها بنت عصور نرجو من الله ألا تعود مرة أخرى.
أساطير الديكتاتور العربي
بقلم: سعدون يخلف عن العرب اللندنية
للتاريخ دروس كثيرة، ولكن الإنسان تلميذ غبي أمامه، لا يتعلم من دروسه، ولا يتعظ من أحداثه، والتلميذ الغبي لا يصنع حاضرا، ولا يبني مستقبلا، لأنه منقطع عن الزمن الحقيقي، متعلق بأوهامه وشطحاته.
الديكتاتور العربي رغم الدروس الكثيرة التي مرت عليه، مازال حبيس أوهامه وسجين تخيلاته، وبأنه الوحيد القادر على قيادة الوطن والمحافظة عليه، مع أن الواقع يثبت العكس، ويقول إن هؤلاء الحكام هم الخطر بعينه على استقلال الأوطان ووحدتها، ومن يتجول في ثنايا جغرافية الوطن العربي هذه الأيام يرى حجم الكارثة التي خلّفها الحكم المطلق على الشعب العربي وأوطانه، فمظاهر القتل والاحتراب الأهلي والدمار هي بسبب الطغيان الذي يقهر الإنسان ويهدر كرامته.
وبما أن التغيير سنة كونية يخضع لها الأفراد والجماعات والدول، وتأخرها هو مرض يصيب الجسد المجتمعي وكيان الدولة بمقتل، ومع مرور الزمن يفقد المجتمع مناعته ومقاومته للاستبداد والظلم، ويصبح مجتمعا لديه القابلية للخضوع والركون، وبالموازاة مع ذلك تزداد قوة الحاكم فتتضخم أناه، ويصبح لا يرى إلا نفسه، نتيجة لذلك يطلب المزيد من السلطات حتى يستولي على كل شيء، فيقول للشعب “أنا الوطن.. أنا الأخ الأكبر”.
وحتى يبقى هذا الديكتاتور مسيطرا على عقول الناس وقلوبهم يحيط نفسه بمجموعة من الأساطير التي يمكن دحضها بكل سهولة، ولكن تكرارها على مسامع الشعب تصبح لدى المتلقي من المسلّمات، يصعب اقتلاعها من ذوي العقول الضعيفة، ومن تلك الأساطير:
- أسطورة الأمن والاستقرار: يحاول الديكتاتور ربط الأمن والاستقرار بذاته، ويصور أية محاولة لتغيير الوضع القائم على أنها خطر على كيان الوطن ومستقبل الشعب، وبما أن الشعب يريد العيش في كنف الأمن والاستقرار، فبمجرد تخويفه يتنازل عن حقوقه المشروعة ومتطلباته الأساسية، لذلك يستغل الديكتاتور هذه العلاقة الجدلية بين الأمن والخوف والإنسان من أجل بسط نفوذه وتقوية سلطانه.
- أسطورة المؤامرة الكونية: بما أن الديكتاتور لديه حساسية مفرطة تجاه الحرية والديمقراطية، فهو يربطها بالخارج ويعتبرها مؤامرة خارجية تستهدف كيان الدولة، وأية محاولة من طرف الخيرين من أجل نشر هذه المبادئ لخدمة أوطانهم تجد أمامها آلة التخوين والعمالة، لأن الحرية تحرر الشعب، فيصبح له الحق في النقد والمطالبة بالحقوق، والديمقراطية تقوض سلطة الديكتاتور.
- أسطورة الإنجازات: يسوّق الحاكم لإنجازاته، وكأنها فعل خير يشكر عليه من طرف الشعب في السر والعلن، وأية محاولة من طرف الشعب للمعارضة فمآل هذه الإنجازات إلى الخراب والدمار حسب قوله، وهنا أريد فتح قوس لكي أبين الفرق بين الإنجاز والواجب حتى أدفع الالتباس، فإنشاء مدرسة أو مستشفى أو جامعة أو ربط القرى والمدن بالطرقات وغيرها.. هذه المنشآت ليست إنجازات يستحق الحاكم الشكر والثناء من أجل بنائها وتشييدها، بل هي واجبات الدولة تجاه مواطنيها، أما تشييد مصنع من أجل خلق الثروة وزيادة المداخيل ومحاولة التقليل من فاتورة الغذاء والدواء ببناء قاعدة صناعية وزراعية لكي تتحرر الدولة من التبعية للآخر، فيعد هذا الأمر إنجازا، ويستحق لأجله الشكر ورفع القبعة.
- أسطورة تعلق الشعب به: يصر الحاكم العربي على أن علاقته بشعبه هي علاقة حب، وصلت حد تعلق الابن بأبيه (علاقة أبوية)، ودليله على ذلك قلة المعترضين والرافضين لسياسته، وهذه القلة هي مجموعة من المشاغبين تحاول تعكير الجو العام وإفساده، بإثارة الفتن والقلاقل، كما أن الشعب يقف دائما ضد رحيله وذهابه، ويطالبه بمواصلة مسيرة الحكم، ولكن رغم هذا الحب إلا أن تاريخ الاستحقاقات الانتخابية لتجديد الثقة فيه كلها مزورة، ولا تعبر عن الحب الكبير، ولا تعكس اختيارات الشعب.
- أسطورة محاربة التطرف: من بين الأساطير التي دخلت قاموس التسويق الإعلامي وهْمُ محاربة التطرف، والهدف منه خارجي، لأن أبسط مواطن يدرك أن التطرف هو نتاج السلطة المطلقة والظلم السياسي والاجتماعي، ولأن الغرب مهموم بمحاربة التطرف الديني منذ بداية الألفية الجديدة، خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، فالحاكم العربي يقوم بتخويف الغرب بأنه إذا رحل عن السلطة ستؤول إلى المتطرفين.. هكذا يسوّق الأسد نفسه بأنه يقود معركة ضد التطرف الإسلامي نيابة عن المنطقة والعالم.
- خرافة الديمقراطية والانتخابات: ولأن الديكتاتور لا يعترف بوجود شعب له حقوقه الطبيعية والمكتسبة، فكل ما يقوم به من بناء مؤسسات ديمقراطية كالبرلمان، والسماح بتعدد الأحزاب، وإجراء انتخابات هو عملية تزيينيه فقط، الهدف هو إرضاء الغرب، لأن محصلة كل هذا هي انتخابات مزورة وبرلمان على المقاس، ومعارضة شكلية، ودستور مكتوب على الورق لا أثر له في حياة المواطن.
يقدم الديكتاتور نفسه أيضا بأنه منقذ الدولة من التقسيم والتفتيت، لأن الشعب العربي عبارة عن قوميات وطوائف، وشعب هكذا حاله لا يستقيم أمره في حقيقة الأمر بالوسائل الحضارية كالقانون والديمقراطية والتعددية الحزبية، بل يحتاج إلى العصا الغليظة لكي يخاف ولا يتجاسر على قول “لا”، لذلك تجد هؤلاء الحكام يعيرون الشعوب هذه الأيام، ويقولون لهم: تريدون الديمقراطية وتحبون الحرية، فانظروا إلى الديمقراطية ماذا صنعت بالسوريين، وإلى الحرية ماذا جلبت لليبيين واليمنيين، ألم تقسم هذه الديمقراطية الشعب الواحد إلى طوائف وشيع في العراق، وينسون أو يتناسون أن الطغيان هو الذي أسكت مطالب الأقليات وقتل صوتها، وعندما وجدت متنفسا للكلام طالبت بحقوقها وألحت على اختلافها. الحاكم العربي يصور نفسه من خلال هذه الأساطير بأنه هو الأول والآخر، والمبتدأ والخبر، وهو مصدر الأمن، وصاحب النعم، ومحارب الفتن.