-
1 مرفق
اقلام واراء محلي 687
في هذا الملـــــف:
حان وقت التطبيق !!
بقلم: حديث القدس – القدس
التصريحات التي أدلى بها امس، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" د. موسى أبو مرزوق وقال فيها ان توقيع اتفاق تطبيق المصالحة جاء بدافعية من الحركتين إضافة الى مأزق "فتح" و"حماس" في الضفة وغزة الذي شكل دافعا قويا لإتمام الاتفاق وإشارته الى ان المعوق الأساسي لإتمام المصالحة المجتمعية هو مالي وأن هناك 500 دية يجب ان تدفع إضافة الى الإصابات وأضرار الممتلكات، هذه التصريحات وغيرها الخاصة بتشكيل الحكومة المقبلة تثير العديد من التساؤلات لدى أبناء الشعب الفلسطيني الذين طالما نادوا على مدى سنوات بإنهاء الانقسام ورحبوا بتوقيع الاتفاق الأخير.
أول هذه التساؤلات يتعلق بضحايا الانقسام، والحقيقة ان الشعب الفلسطيني بأسره كان ضحية للانقسام بما في ذلك التراجع الذي شهدته القضية الفلسطينية عدا عن القتلى والجرحى وأضرار الممتلكات ..الخ، والتساول هنا: ألم تجد حركتا "فتح" و"حماس" أن توقيع الاتفاق الأخير يشكل فرصة كي توجها اعتذارا واضحا للشعب الفلسطيني بأسره ولأسر الضحايا والمصابين والمتضررين على ما ألحقه هذا الانقسام بالشعب الفلسطيني وبآلاف الأسر الفلسطينية التي تضررت بشكل مباشر ؟! وهل يفترض بالشعب الفلسطيني أن يتحمل التداعيات المالية الناجمة عن جرائم القتل والجرح والاضرار بالممتلكات أم أن على طرفي الانقسام تحمل هذه الأعباء كل حسب دوره وحجم مشاركته فيها ؟!
السؤال الآخر الذي تثيره هذه التصريحات هو كيف يمكن ان نربط الوحدة الوطنية التي شكلت الدرع الواقي لساحتنا الفلسطينية في مختلف مراحل النضال ومواجهة كافة التحديات بما أسماه مأزق الحركتين في الضفة وغزة ؟! وهل يعني ذلك انه لولا مأزق فشل المفاوضات ولولا مأزق علاقة حماس بمصر لما تمت المصالحة ؟! أم ان الوحدة الوطنية يجب ان تشكل دوما خطا أحمر لا يمكن لأي مأزق لأي فصيل ان يشكل ذريعة او مبررا للمس بهذه الوحدة التي لا نبالغ اذا قلنا أننا بدونها لا يمكن ان نحقق أهدافنا المشروعة في الحرية والاستقلال ؟!
واذا كان اتفاق تطبيق المصالحة يعني تطبيق اتفاق الدوحة وغيره من الاتفاقات التي استندت الى الإقرار باتفاق أوسلو وبالشرعية الدولية فكيف يجوز الحديث الآن بعد توقيع الاتفاق الأخير الذي ينص على انتخابات رئاسية وللمجلس التشريعي بناء على اتفاقيات أوسلو او على الأقل بما لا يتعارض معها وكذا انتخابات المجلس الوطني، كيف يجوز الحديث عن حكومة لا تعترف باسرائيل او باتفاق أوسلو او بالشرعية الدولية، كما أشار ابو مرزوق الى ان اعتراف هذه الحكومة باسرائيل قد يدفع الكثير من الكفاءات الوطنية للإحجام عن المشاركة فيها، فهل نفهم من ذلك ان هذه الحكومة ستعمل في فراغ بعيدا عن اتفاق أوسلو وبعيدا عن أي اتصال مع الجانب الاسرائيلي ؟!
واذا كانت حركتا "فتح" و"حماس" قد اتفقتا في اتفاق الدوحة على ان يرأس الرئيس محمود عباس الحكومة المؤقتة أو حكومة التوافق الوطني فلماذا نفتح هذا الملف مجددا الآن بالاعلان عن ان "هذه الحكومة ليست حكومة الرئيس محمود عباس" ؟!
هذه التساؤلات وغيرها إنما نطرحها من باب الحرص على ان تمضي عملية المصالحة قدما بعيدا عن كل ما شهدناه في المراحل السابقة من جهة ومن باب التذكير بحق الشعب الفلسطيني باعتذار واضح عن أفدح الأخطاء التي ارتكبت بحقه وبحق نضاله الطويل وتضحياته الجسام بل خطيئة الانقسام التي راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى والمعتقلين وتسببت بخسائر سياسية ومادية فادحة.
ان ما يجب ان يقال هنا ان الشعب الفلسطيني الذي رحب بتوقيع اتفاق تطبيق المصالحة يتطلع الى بدء الخطوات العملية في تشكيل حكومة الوفاق الوطني وما يلي ذلك من خطوات دون الدخول مجددا في جدالات وحوارات عقيمة ودون أية عراقيل من هنا أو هناك من شأنها عرقلة تنفيذ الاتفاق أو استغلال ما يعلن من مواقف وتصريحات لممارسة المزيد من الضغوط على الجانب الفلسطيني واستخدام ذلك كذرائع تطيل أمد الاحتلال وتزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.
.. حتى تترسّخ المصالحة يجب أن ندرس خطواتنا جيداً
بقلم: فيصل ابو خضرا – القدس
لا شك ان الفصيلين الرئيسيين «فتح» و«حماس» نجحا في تلبية مطلب الشعب الفلسطيني، وهو المطلب الذي عانينا من غيابه كثيراً خصوصاً في هذه المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية والذي يرى عن بعد ردة فعل الحكومة الاسرائيلية من هذه المصالحة يعي تماماً بأن المصالحة هي العدو الرئيسي للفكر الاسرائيلي والقاعدة التي تتبعها اسرائيل في محيطنا العربي هي (فرق تسد) والوحدة الوطنية لاي
شعب عربي هي صفعة قوية للمحتل الذي لا يريد مصلحة الشعب الفلسطيني ولا الشعوب العربية.
كان الرئيس الراحل عبد الناصر رحمه الله يقول ما دامت اسرائيل تنتقدني فهذا يعني انني لست على خطأ واذا مدحت او أيدت أيا من أقوالي او أعمالي فهذا يعني انني مخطئ بما قلت او فعلت. وهذا ينطبق تماما على ما حصل من ردات فعل اسرائيلية تجاه المصالحة الفلسطينية.
بالماضي كان نتنياهو يتذرع بأن السلطة في رام الله وحكومة غزة المقالة ليستا على توافق لذلك لا يمكن التفاوض مع السلطة في رام الله الا بعد التوافق ما بين السلطتين واليوم يعكس كلامه بقوله ان الرئيس محمود عباس عليه التراجع عن هذه المصالحة.
والله لقد احترنا بما يريده نتنياهو. ولكن الواقع ان نتنياهو لا تهمه المصالحة او غيرها بل كل ما يهمه ابتلاع ما تبقى للفلسطينيين من أرض او حرية لهذا الشعب الصابر ، وهذه ستكون ذريعته الاخيره للهروب من مستحقات السلام، لذلك حذار ثم حذار من اي نكسة تؤدي الى ان تكون هذه المصالحة كالتي حصلت سابقا، وخصوصا التي تمت برعاية خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة وأمام بيت الله العتيق ومع الأسف انتكست قبل ان يجف الحبر الذي وقعت به هذه الاتفاقية.
الآن على كل الفصائل الفلسطينية ان تواجه الهجمة الامريكية الاسرائيلية بكل هدوء ودراسة واقعية بما وقعت عليه منظمة التحرير حتى لا نقع في تناقضات يستغلها المحتل عالميا، لأننا اليوم معترف بنا دولياً كدولة تحت الاحتلال وحدودها معترف بها لدى الأمم المتحدة، وليس كما كنا في السابق كمنظمة تسعى لتحرير ارضها.
ان على «حماس» مسؤولية انضمامها لمنظمة التحرير الفلسطينية كي نقوي الجبهة الداخلية الفلسطينية وتكون كلمتنا واحدة أمام الأمم المتحدة التي تدعمنا في كل المحافل الدولية، ولا نترك لاعدائنا اي فرصة لاتهامنا بأننا مجرد عصابات لا نلتزم بما نوقع عليه، كما يفعل المحتل الاسرائيلي.
كما ان على «فتح» ان تدرس بكل دقة حدود تعاونها الأمني كي لا تصطدم بأمن قطاع غزة والذي هو المكمل لدولتنا العتيدة.
ولا شك ان الشعب الفلسطيني سيواجه شتى انواع ردات الفعل الاسرائيلة من حجز أموال الى زيادة في التعديات اليومية على مقدساتنا وخصوصا ما نراه يوميا من الهجوم على المسجد الأقصى الذي يمس كرامتنا وكرامة المسلمين داخل وخارج الارض المحتلة، وهذه الأفعال سنتصدى لها بكل قوة وشجاعة، خصوصا بعد ان اصبحت الوحدة الفلسطينية حقيقة واقعية على الارض الفلسطينية، وما من شك ستكون جميع الدول العربية والإسلامية داعمة لنا. هذا ناهيك عن هدم البيوت واعتداء قطعان المستوطنين على مزارعنا وقرانا ومخيماتنا مما يزيدنا قوة بالرد على هذه الاعتداءات.
لذلك على كل الفصائل والشعب الفلسطيني المستقل ان يدرس بكل عناية التوقيت اللازم لانتفاضة شعبية سلمية عارمة داخل الاراضي المحتلة، وداخل الخط الاخضر.
وعلى السلطة ان لا تترك مؤسسة دولية الا وان تكون عضوا فاعلا بها، وبذلك نكون قد أكملنا مسيرتنا الوطنية الواحدة الموحدة، وكفى بمقولة السلطة في الضفة والسلطة في غزة، بل نقول الحكومة الفلسطينية.
فقط وهذا يعني الوحدة الوطنية وما من شك أن بعض ضعفاء النفوس من كلا الفصيلين سيعملان على افشال هذه المصالحة طمعاً في ارضاء جهات اجنبية، لذلك على قيادتي فتح وحماس الانتباه لكل عضو له علاقات خارجية يتعامل معها ، لئلا نصدم كما صدمنا سابقاً من اتفاقات ومن ثم انقلبنا على هذه الاتفاقات ، لأننا بذلك نصبح مهزلة امام الاعداء والأصدقاء وتكون كارثة علينا جميعاً لا سمح الله.
ان المحتل يتربص بنا وينتظر أي خطأ نقوم به ، لذلك يجب ان تكون خطواتنا مدروسة بحيث لا يلومنا أحد وخصوصا من الذين وقفوا مع قضيتنا العادلة من إخوتنا العرب او من دول العالم اجمع.
بارك الله في هذه المصالحة التي اعطت الشعب الفلسطيني القوة لزيادة صموده امام المحتل.
ما بعد اتفاق المصالحة الفلسطيني..
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
هل يبدأ العد التنازلي للانقسام السياسي الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس" والساقط على الأرض بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد الاتفاق على المصالحة وتشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات تشريعية؟
السؤال على هذا النحو عاد للحضور في أجواء لقاء غزة الذي جاء لأول مرة بمبادرة وتحرك فلسطينيين، وبدا المشاركون ومن أول وهلة في إجماع على قضايا عدة تصب في اتجاه وضع نهاية لهذا الوضع الكارثي الذي نجم عن استغلال اسرائيلي لمغارم السلطة، لتكريس هذا الوضع الانفصالي الذي كرس نفسياً وسياسياً في "الشطرين" في ممارسة استحواذية من كل طرف غاب خلالها التوافق الوطني والعملية التمثيلية الديمقراطية وامتد على الفصائل الأخرى في كل شطر في النيل من حقوقها للتعبير عن وجودها المستقل ومواقفها ورؤاها السياسية إلا في نطاق ضيق محفوف بالتضييق والمنع .
ومن بين ما كرسه الجانب الاسرائيلي في تواز مع هذا الوضع رفع الحواجز الصفيقة بين القطاع والضفة ومنع التنقل بين الشطرين إلا على نطاق ضيق جداً، والحؤول دون أي تواصل لتعميق الانقسام وتحويله إلى واقع انفصال .
من بين أبرز القضايا التي تداولها المشاركون في مستهل لقائهم:
- أولاً: إن استمرار الانقسام لم يعد محتملاً بطبيعته وتداعياته الخطرة والضارة وطنياً، ومنها الاحتقانات والأحقاد والضغائن والكراهية بين أبناء الشعب الواحد وشراكة مصيرهم الوطني .
- ثانياً: إن اللقاء ليس بغرض إعادة التداول في القضايا المرتبطة بإنهاء الانقسام السياسي أو إنجاز المصالحة الوطنية الراسخة، بل الشروع في تنفيذ التفاهمات والاتفاقات، وفي الأبرز اتفاقية القاهرة التي أكدت سلطة واحدة وقانوناً واحداً وشعباً واحداً، وقامت على تشكيل حكومة وطنية وإجراء الانتخابات العامة وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير بانضمام حركة "حماس" والجهاد في إطارها، واتفاقية الدوحة التي وضعت على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس محمود عباس مسؤولية تنفيذ اتفاقية القاهرة وإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي .
بيد أن ما كان غائباً، وعلى الأقل بصورة علنية من جانب المشاركين في اللقاء يفرض أهمية الإشارة إليه، لأن جانباً منه يشكل دافعاً لإعادة مواجهة الانقسام، وجانباً آخر له أهمية لوضع نهاية موفقة لحالة الفلتان السياسي بحوافز السلطة ومغرياتها التي لا تستقيم كما حدث من انقسام في ظل الاحتلال وهذا يتمثل ب:
- أولاً: إن المعارضة السياسية للانقسام التي بدأت مبكراً ولم تحظ بآذان صاغية أو بالاهتمام اللازم من المنقسمين الذين هاجروا، تحولت إلى مجرى الرفض والغضب الشعبي الفلسطيني للانقسام الذي كان يتضاعف مع مرور الوقت، وهذا ما أدركه المنقسمون، ولكن بعد أن تحول إلى تيار له شأن فاعل وبخاصة في أوساط الشباب والمنظمات المدنية التي وجهت رسائلها بعدم الاستسلام أمام ما يحيق بالوحدة الوطنية والقضية الفلسطينية من خراب .
- ثانياً: إن السلطة الفلسطينية وجدت نفسها في مأزق الضغوط الأمريكية والابتزاز الاسرائيلي في المفاوضات وخياراتها، في ظل أوضاع عربية محدودة إن لم نقل معدومة، حيث بات استمرار الانقسام السياسي يضعفها جراء اللعب الأمريكي والتلاعب الاسرائيلي على هذا الانقسام .
- ثالثاً: وجدت حركة "حماس" بعد التطورات الأخيرة في المنطقة العربية نفسها، فضلاً عن مأزق مسؤوليتها في غزة المحاصرة، في وضع أقرب إلى المعزول، وهي فعلاً باتت في حاجة للخروج من الوضع المنقسم، بعد أن كانت قد بنت مشاريع خيالية لمستقبل سلطتها في غزة .
والسؤال الآن هل هذا كاف للبناء عليه من أن العد التنازلي للانقسام السياسي الفلسطيني سيبدأ؟
قد يكون مناسباً القول إن الأمور لا تمضي في هذا الشأن لمجرد النيات أو الحاجة وحسب، بل إن ما حدث يتطلب جهوداً كبيرة لإعادة إطلاق مسيرة العمل الوطني الفلسطيني ببرنامجها وآلياتها، والأهم قبل هذا وذاك تأسيس قاعدة الثقة التي بها تتوطد قوة الوحدة الوطنية .
هنا لابد من أن يقدم المنقسمون على خطوتين للتأكيد أن إعلان انتهاء الانقسام لن يصير مظلة للتقاسم على حساب الشراكة الوطنية:
الأولى: أن تغير حركة "فتح" من تعاملها ورؤيتها للسلطة، باعتبارها سلطة وطنية تقوم على شراكة ووفاق وطني، والعمل على هذا الأساس من شأنه إرساء الأسس لبناء الدولة الفلسطينية بمؤسساتها وأجهزتها ونظمها وقوانينها .
الثانية: أن تتراجع حركة "حماس" عن نزعة وصايتها على المقاومة، لأن الشعب الفلسطيني بأسره مقاوم للاحتلال، ولأن المقاومة المنظمة بفصائلها سبقتها بعقود لها دورها وتضحياتها، كما ل"حماس" مكانتها وإمكانياتها وتضحيات من خيرة قياداتها وكوادرها كغيرها من فصائل المقاومة .
وعلى "حماس" أن تراجع التسويقات من أنها جاءت البديل لغيرها من قوى المقاومة باتجاهاتها المختلفة، لأن "حماس" لن تكون سوى البديل لنفسها إذا ما غلّبت تجذرها الوطني الفلسطيني على انشدادها الحزبي الإخواني الذي حولها من حركة تحرر وطني إلى حركة سياسية وفي ظل الاحتلال .
فصيل وسياسته: "قل كلمتك وامش" !
بقلم: حسن البطل – الايام
فهمتُ من مواقع فيسبوكية شيئاً، ومما نشرته "الأيام" شيئاً مكملاً في المجلس المركزي للمنظمة أي برلمانها، اتهمت عضو المجلس التشريعي، والمكتب السياسي للجبهة الشعبية، رئيس السلطة (والمنظمة والدولة.. والحركة كمان) بالخيانة.. وليس مباشرة، بل لأن أوسلو كانت خيانة، وبالتالي سياسة السلطة الناشئة عنها.
أعجبني رد رئيس السلطة على هذا، مستخدماً منطقاً ساخراً: هي خيانة، والمجلس التشريعي المنبثق عنها، أيضاً، وأنت عضو منتخب فيه.. فانسحبت من الجلسة الختامية، دون أن يتبعها الأمين العام المساعد والمستقيل للجبهة، عبد الرحيم ملوح، عضو اللجنة التنفيذية.
ما نشرته "الأيام" في اليوم التالي كان تصريحاً للنائب ـ عضو م/س الجبهة قال إن الانسحاب كان لأن البيان الختامي تحدث عن مفاوضات برعاية أميركية، وهي تطالب بوقف المفاوضات (إسرائيل أوقفتها!) ونقل الملف الفلسطيني إلى الأمم المتحدة.
كان عرفات، رحمه الله، يصف ما يشبه هذا الاتهام في حياته أنه "ديمقراطية سكّر زيادة" (هل تتذكرون الغلاف الشهير لمجلة "الهدف"؟ صورة عرفات وعبارة "المنبوذ").. وكان يصف مواقف تشبه الانسحاب (التجميد) الفصائلي من عضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة (هل تتذكرون قيادة الشعبية لجبهة الرفض الفلسطينية) بأنها على غرار "قل كلمتك وامش".. أي "تسجيل موقف"!
طول عمرها كانت للشعبية بطولة تسجيل المواقف أو حمل السلّم بالعرض.. وبعد ذلك صعود درجاته بالطول (مشاركة القائد التاريخي ـ المؤسس للجبهة، جورج حبش، في جلسة المجلس الوطني ـ قصر الصنوبر 1988 لإعلان استقلال فلسطين).
الجبهة رفضت أوسلو؛ وسلطة أوسلو عملت على دخول عناصرها إلى مناطق السلطة، بما في ذلك الأمين العام الشهيد أبو علي مصطفى، وكذلك تعيين كوادرها في إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية، وسرى هذا على كوادر بقية الفصائل المعارضة لأوسلو.
كانت الجبهة الديمقراطية (المنشقة عن الشعبية) هي العماد الثاني لبرنامج السلطة الوطنية.. وعندما تحققت السلطة على الأرض، رفضت الجبهة أوسلو، وكذا المشاركة في انتخابات المجلس التشريعي الأول 1996 تحت عنوان مشترك مع الشعبية: هذه الانتخابات تقسّم الشعب!
كان عرفات قد ناضل لتحويل مجلس مقلص لسلطة الحكم الذاتي إلى برلمان حقيقي منتخب، وكان البرلمان الأول، رغم غالبيته الفتحاوية، برلماناً حقيقياً أدار نزاعاً قانونياً مع رئيس السلطة، وكاد يسقط حكومة الرئيس.. والمهم أنه شرّع وقونن، وصاغ القانون الأساس ـ الدستور المؤقت.
شاركت "حماس" و"الشعبية" و"الديمقراطية" .. وأحزاب وفصائل أخرى، في انتخابات البرلمان الثاني 2006 ذي الغالبية الحمساوية، لكنه أخفق في عمله التشريعي بين الغالبية والأقلية ثم صار خارج القوننة والتشريع، ولم يضف قانوناً نافعاً واحداً لما أنجزه البرلمان الأول. لا يمكن إلقاء اللوم كله على اعتقال إسرائيل لأعضاء في البرلمان، لكن رئيس البرلمان الفتحاوي الأول كان ناجحاً، ورئيس البرلمان الحمساوي الثاني كان فاشلاً.. حتى في كفاءة أعضائه، الذين ما أضافوا طوبة إلى مدماك القوانين.
لا مبرّر لانسحاب الشعبية من الجلسة الختامية للمجلس المركزي، لأنه قرّر مواصلة العمل للانضمام للمنظمات الدولية، وشكّل لجنة لتكريس المركز القانوني الدولي لدولة فلسطين.
.. وأيضاً، لأن أميركا "جمّدت" جهودها ومساعيها ومشاريعها للحل، لكنها حاولت ما استطاعت تجنب إلقاء اللوم على طرف دون آخر، وانتقدت نكوص إسرائيل عن تحرير الدفعة الرابعة، ورأت أن "المصالحة" مع حماس "غير مفيدة".
على الأغلب، قد تترشح النائب خالدة جرار للمجلس التشريعي الثالث وتفوز بمقعد ربما جراء "تسجيل موقف" آخر، لكن التشهير بسلطة أوسلو ورئيسها، لا يزيد شيئاً إلى التشهير الإسرائيلي بأوسلو ورئيسها. ماتت أوسلو؟ حسناً.. تذكّروا محاسن موتاكم!
وربما يرفع الرئيس الأمر للقضاء بتهمة القذف والتشهير، ولكن كمواطن بعد الانتخابات الرئاسية الثالثة.
كأننا عدنا إلى زمن المنظمة من الاتهامات الفصائلية، ومن عودة الشعبية، بعد الصلحة مع "حماس" لدور المعارضة والمشاكسة.. و"تسجيل المواقف".
هل ننسى أفعالنا ؟
تعقيباً على عمود الأمس، من سليمان فيومي:
الانشقاقات في الجسم الفلسطيني وفصائله هي صناعة فلسطينية بحتة قبل أن تصبح صناعة مخابراتية عربية وغير عربية. الانشقاقات وبدون استثناء فعل فلسطيني فصائلي. الانشقاق الوحيد الذي جرى عام 1983 كان بدور مخابراتي عربي. هل نحمّل المخابرات العربية كل هذه الانشقاقات التدميرية وننسى أفعالنا؟
اتفاق الضرورة وضرورة الاتفاق
بقلم: هاني المصري – الايام
بعد توقيع "اتفاق مكة" وتشكيل حكومة وحدة وطنية توقّعتُ ألا تستمر هذه الحكومة أكثر من ثلاثة أشهر، وبالفعل انهارت الحكومة بعد مرور هذه المدة ووقع الانقسام المدمر منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
لم يكن توقّع سقوط حكومة الوحدة نوعًا من التنجيم، بل بسبب أن "اتفاق مكة" حمل عوامل انهياره.
فلقد تجاهل مصر راعية المصالحة، والبعد السياسي، والموقف تحديدًا من شروط اللجنة الرباعية، وبرنامج الحكومة كان مبهمًا وحمّال أوجه، وحاول إرضاء كل الأطراف ولم يرضِ أحدًا على الإطلاق؛ وذلك من خلال الإشارة في عبارة إلى "الالتزام" بالاتفاقات، وفي عبارة أخرى جاءت كلمة "احترام"، وبين الاحترام والالتزام ضاعت حكومة الوحدة.
وأسهم في فشل "اتفاق مكة" تجاهله كليًّا لمنظمة التحرير، وللأمن الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
إضافة لما سبق فإن عدم توفر القناعة العميقة لدى "فتح" و"حماس" بأهمية الشراكة واستحالة انفراد أي منهما بقيادة الشعب الفلسطيني، ومراهنة كل منهما على المفاوضات من قبل طرف وصعود الإسلام السياسي من الطرف الآخر، ومراهنتهما على أطراف ومتغيرات عربية وإقليمية وخارجية؛ لعبت دورًا في انهيار اتفاق مكة وحكومة الوحدة بسرعة قياسية، خصوصًا في ظل المقاطعة الدولية والإسرائيلية للحكومة التي ترافقت أيضًا مع وقف تحويل العائدات الجمركية للسلطة.
أنا في حيرة من أمري بعد توقيع "اتفاق الشاطئ" ومثلي الكثير من الفلسطينيين الذين عملوا من أجل الوحدة وتعاملوا معها كضرورة وطنية وليست مجرد خيار من الخيارات. وأتساءل: هل سيصمد هذا الاتفاق أم سينهار كسوابقه؟
فمن جهة، معظم الأسباب التي أدت إلى فشل الاتفاقات الوحدوية السابقة لا تزال قائمة، فالمحتوى السياسي للاتفاق مفقود، بدليل حديث أبو مازن عن أن حكومة الوفاق القادمة حكومته وبرنامجها برنامجه، ما أدى إلى ردود عليه من عدد من قادة "حماس" بأن الحكومة ليست حكومة شخص أو حزب، بل إنها حكومة كفاءات لا برنامج سياسيًا لها، وإن السياسة من اختصاص منظمة التحرير.
كما أن "اتفاق الشاطئ" لم يتطرق إلى الأمن ولا إلى توحيد المؤسسات، وركز على تشكيل الحكومة وإجراء الانتخابات بعد ستة أشهر على الأقل، ما يعني إما أن الانتخابات لن تحدث قريبًا، خصوصًا في ظل ما تضمنه الاتفاق من إشارة إلى الانتخابات المتزامنة للسلطة والمنظمة، التي من غير الممكن إجراؤها في الأردن ولبنان وسوريا في المدى المنظور على الأقل، وفي ضوء حديث الرئيس المتناقض أمام المجلس المركزي عن تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال، وفي نفس الوقت طالب بدراسة: هل ستُجرى انتخابات للرئيس والمجلس التشريعي للسلطة أم انتخابات لرئيس الدولة وبرلمانها التزامًا بالاعتراف الدولي بدولة فلسطين كدولة مراقبة؟ وهذا إن حدث ستعارضه إسرائيل إلى حد قد يصل إلى منع إجراء الانتخابات، أو ستُجرى انتخابات للسلطة في ظل التزامات أوسلو المجحفة التي تقادم عليها الزمن وتجاوزتها الأحداث، وما يعنيه ذلك من إعطاء الشرعية للوضع القائم الذي أكد الرئيس أنه لا يمكن أن يستمر، وما سيؤدي إليه من إذكاء حمى التنافس الانتخابي وإلى تغليب التناقضات الثانوية بين الفصائل وفي صفوف الشعب على التناقض الرئيسي مع الاحتلال.
وأيضًا، كرس "اتفاق مخيم الشاطئ" تجاوز ما هو وارد في "اتفاق القاهرة" من نص على ضرورة قيام لجنة تفعيل المنظمة بدور الإطار القيادي المؤقت المنصوص على صلاحياته، وأن قراراته غير قابلة للتعطيل، من خلال الإشارة إلى عقد لجنة تفعيل المنظمة، وما يعنيه ذلك من فتح الباب لتفسيرات متباينة جدًا في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى إطار قيادي مؤقت يقود الشعب الفلسطيني بما لا يمس شرعية ودور مؤسسات المنظمة، الذي يمكن أن يتم حفظه من خلال اعتماد اللجنة التنفيذية لما يتفق عليه في الإطار القيادي المؤقت.
يضاف إلى ما سبق أن حوالي ثماني سنوات على الانقسام أدّت إلى تعميقه أفقيًا وعموديًا، وأوجدت ما يمكن تسميته "جماعات مصالح الانقسام" التي ازدادت نفوذًا وثروة وليس من مصلحتها إنهاء الانقسام، وستعمل كل ما تستطيع لإفشاله أو تفريغه من مضمونه وتحويله إلى نوع من أنواع إدارة الانقسام، من خلال وجود حكومة فوقية لا توحّد المؤسسات ولا تعيد بناء وهيكلة وتوحيد أجهزة الأمن، التي من دون أن تصبح أجهزة للدولة وتخدم الشعب وتخضع لسيادة القانون لا يمكن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.
كما أن إسرائيل والولايات المتحدة لن تكفا عن ممارسة الضغوط وتنفيذ العقوبات التي تستهدف إبقاء السلطة أسيرة اتفاق أوسلو رغم المصالحة، ومواصلة العمل لإجبار القيادة على تمديد المفاوضات من دون الشروط التي أعلنها الرئيس، والتي يؤدي التمسك الواجب بها في ظل واقع تعنت وتطرف الحكومة الإسرائيلية إلى وقف المفاوضات وإطلاق رصاصة الرحمة على ما تسمى "عملية السلام".
من جهة أخرى، هناك أسباب وعوامل تدفع باتجاه إنجاح اتفاق المصالحة، منها اختلاف البيئة السياسية العربية والإقليمية والدولية بشكل كبير عمّا كان عليه الوضع عند توقيع "اتفاق مكة" والسنوات التي تلته لجهة تراجع تأثير الدور الأميركي، وتراجع تأثير الأطراف الخارجية على الوضع الفلسطيني، بدليل توقيع "اتفاق الشاطئ" في غزة من دون تدخل من أحد تقريبًا، وبروز دور روسيا وأطراف إقليمية وعربية بعد سقوط نظام حسني مبارك، وانشغال مصر وسورية والمنطقة برمّتها بما جرى من تغيّرات وثورات ومؤامرات، وإهمال القضية الفلسطينية، بما فيها تراجع الاهتمام بملف المصالحة.
ولعل الترحيب العربي والدولي الواسع باتفاق مخيم الشاطئ بما في ذلك الترحيب الأوروبي الحذر والموقف الأميركي الإسرائيلي المرتبك؛ يدل على أنّ إمكانياتهما على التعطيل خاصة بعد الفشل الذريع لجهود كيري أقل من السابق بشكل ملموس.
إن من أهم العوامل التي ساعدت على توقيع الاتفاق ويمكن أن تساعد على إطالة عمره وجود وإلحاح مصالح آنيّة ضاغطة على طرفي الانقسام دفعتهما إلى توقيعه.
لنبدأ بـ"حماس" التي تعاني من أزمة لم يسبق لها مثيل بعد أن خسرت حلفاءها في سورية وإيران وحزب الله، وتحول دول الخليج ما عدا قطر إلى الخصومة إن لم نقل العداء معها، وسقوط حكم محمد مرسي المتحالف معها وحلّ محلّه حكم يشن حربًا لا هوادة فيها على الإخوان المسلمين وعلى "حماس" بوصفها امتدادًا لهم، إلى حد منع أفراد وقيادة "حماس" كليًّا من السفر عبر معبر رفح، وهدم غالبية الأنفاق التي كانت مصدرًا للبضائع والأسلحة ولكل شيء، ما أدى إلى خسارة ما كانت تدرّه من أموال على حكومة "حماس" وطائفة من تجار الأنفاق الذين أصبح العديد منهم مليونيرات، الأمر الذي أدى إلى عدم قدرة "حماس" على دفع رواتب موظفي حكومتها بانتظام.
إن تشديد الحصار على قطاع غزة دون التعاطف السابق ولا تقاطر وفود التضامن ولا قوافل المساعدات، وفي ظل التهدئة وحصر المقاومة في مجال الدفاع عن النفس والسلطة في غزة؛ أدّى إلى أزمة اقتصادية ومالية شديدة انعكست في تردي الأحوال المعيشية وأزمات المياه والكهرباء والوقود وغيرها، الأمر الذي لم يجعل أمام "حماس" سوى طريق المصالحة لوقف الحصار والخروج من أزمتها، خاصة أزمة علاقتها مع مصر، الرئة التي تتنفس منها "حماس" وقطاع غزة.
إذا انتقلنا إلى "فتح" سنجد أنها تمر بأزمة لا تقل عن أزمة "حماس" وجذر هذه الأزمة ينبع من الفشل الذريع لـ "اتفاق أوسلو" والتزاماته المجحفة، وانسداد أفق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية انفرادية.
وكل من استمع إلى خطاب الرئيس أبو مازن في افتتاح المجلس المركزي لاحظ المرارة والإحباط جرّاء مسيرة المفاوضات التي تحطّمت بسبب التعنّت الإسرائيلي رغم إبقائه للحبل السريّ مع هذا الطريق.
وما فاقم من أزمة "فتح" أن الاحتلال استغلّ استئناف المفاوضات لاستكمال تطبيق المخططات الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية التي تجعل الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًّا.
يضاف إلى ذلك تردي الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية، وانتشار حالة من الإحباط واليأس، وازدياد حدّة صراع الأجنحة في "فتح" على المراكز والمصالح وعلى خلافة الرئيس الذي قارب على الثمانين ويمكن أن يسلم الراية - خصوصًا كما قال في اجتماع عمان الذي عقد في بيت طاهر المصري - إذا لم تنجح الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات، ما سيؤدي إلى اشتعال حمى المنافسة بين المرشحين لتولي منصب أو مناصب الرئيس في "فتح" والسلطة والدولة والمنظمة.
أبو مازن يريد من المصالحة الحصول على الشرعية من خلال الوفاق الوطني التي لن يحصل عليها بإجراء الانتخابات في ظل الانقسام، وما يمكن أن يفتح الطريق لتجديد الشرعية عبر الانتخابات، كما أن المصالحة يمكن أن تعزز موقفة التفاوضي وفرص استئناف المفاوضات، ولو بعد حين، خصوصًا إذا غضّت "حماس" النظر كما يبدو عن إعلانه بأن الحكومة الوفاقية ستعترف بإسرائيل التي لا تعترف بالدولة الفلسطينية، وتلتزم بالاتفاقات التي لا تلتزم بها الحكومة الإسرائيلية، وتنبذ العنف و"الإرهاب"، بالرغم من أن الاحتلال وجرائمه المختلفة يمثل ذروة العنف والإرهاب.
اتفاق المصالحة مفتوح على عدة احتمالات، بما فيها احتمال النجاح والفشل، والنجاح يتوقف على بلورة إستراتيجيات جديدة بديلة من الإستراتيجيات المعتمدة سابقًا، خصوصًا إستراتيجية المفاوضات كطريق وحيد والمقاومة المسلحة كطريق وحيد، اللتين وصلتا إلى طريق مسدود أدى ويؤدي إلى تآكل الأرض والقضية والحقوق والوحدة على مذبح الدفاع عن سلطتين بلا سلطة: الأولى تحت الاحتلال المباشر، والثانية تحت الاحتلال من خلال الحصار والعدوان.
قيادات الكهولة "الوطنية"!
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
أول ما يلفت انتباه المتابع أن السمة العامة التي غلبت على اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، هي كهولة أعضائه وقدم سن هيئة رئاسته.
في الحقيقة، هذا أحد مظاهر الحياة السياسية في العالم العربي كله، ولكن، ليس فقط لأن الشعوب العربية تثور على مثل هذا الوضع، ولكن، لأن هذا أحد أشكال السكون والركود وعدم الجديد السياسي، بل وأحد مظاهر عدم التقاط هموم الشباب وما وصلت إليه الحياة الحديثة من تطورات، طبعاً، في المشهد العام للصورة العربية، نرى عبد العزيز بوتفليقة، يقوم بالتصويت على كرسي متحرك، ويتقدم للترشح للرئاسة وهو على مشارف الثمانين من عمره، كذلك حال الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأولياء عهده، حيث مات منهم اثنان تباعاً، قبل ان يتولوا العهد، وكذلك هو حال أمير الكويت .
في الحقيقة، ليس التقدم في العمر هو المشكلة الوحيدة، ولكن أيضا وحيث ان كل الأنظمة العربية، إنما هي أنظمة حكم للفرد، أي أنظمة حكم مركزية جداً، فإن المشكلة تتضاعف، حيث يبقى هؤلاء المتقدمون في العمر، في مناصبهم لسنوات طويلة، فمنذ أقل قليلا من ثلاثين سنة، أي منذ المجلس الوطني التوحيدي في دورته السادسة عشرة، ورئاسة المجلس هي هي، أي أن مظاهر الديكتاتورية العربية والفلسطينية لا تقتصر على بقاء رأس النظام في منصبه للأبد، بل تشمل أيضا أركان النظام وأعمدته، لذا نعود ونكرر القول، بإنه إذا كان هذا حال الأنظمة العربية، التي بسيرها على هذا الطريق أفرغت حركة التحرر العربي من مضمونها، وأفشلت أهدافها، فإن هذا سيكون حال الثورة الفلسطينية، التي كانت تتمتع بالحيوية والتجديد حين كانت شابة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، والآن سارت على طريق "التعقل" السياسي، وباتت أقل ميلا لقيادة "ثورة" جديدة تقود الشارع.
على رغم أهمية الأداء السياسي، وقيادة، بل وحتى إدارة العملية السياسية، بالحنكة والخبرة والعقلانية، لكن من المهم جداً القول، بأنه لا يمكن كسب المعركة ولا حتى الحرب مع الإسرائيليين بالشطارة السياسية، وبحسن الإدارة، ولكن من الضروري تغيير المعادلة على الأرض، لا بد من الضغط على الاحتلال ميدانياً من خلال : ثورة، انتفاضة، حراك، ودون ذلك عبث، والإسرائيليون مستعدون لاستمرار التفاوض دون نتائج الى ما شاء الله، لكن لو "اندلعت" الأوضاع الداخلية، وانفتحت بوابة المواجهة السلمية، على طريقة الانتفاضة الأولى، عام 1987، فان إسرائيل ستسارع على الفور، في استجداء التفاوض الجدي، بل وإن انقلاباً داخل إسرائيل سيحدث فوراً، يكون من شأنه تراجع اليمين واليمين الإسرائيلي المتطرف عن الواجهة السياسية الإسرائيلية.
تجدد الخطأ الآن، حركة فتح، حين تفكر في إعادة ترشيح السيد الرئيس محمود عباس، وهو الآن في عمر التاسعة والسبعين، وبعد عشرة أعوام في منصب رئيس السلطة ورئيس حركة فتح ورئيس م.ت.ف ورئيس دولة فلسطين، لهذه المناصب كلها، ليس لأن أبو مازن ليس كفؤاً، بل على العكس تماماً، ولكن لقد آن الأوان، أن نفتح الباب لتوافد الأجيال، وللإقلاع نهائياً عن تقليد كل مفاتيح الشأن العام للأشخاص.
لا أظن أن أحداً يعتقد أن هناك في الشرق الأوسط، شعباً أو دولة أكثر قلقاً من إسرائيل على مصيرها، الذي يبقى رغم مئات القنابل النووية، ورغم الدعم والانحياز الأميركي، في مهب الريح، على المدى البعيد، وحتى القريب، نظراً لعدم شرعية الدولة، ولوجودها في منطقة تلفظها، ولا تقبلها، لألف سبب وسبب، ورغم ذلك فإن إسرائيل وحتى في عهد مؤسس الدولة ديفيد بن غوريون، لم تسلم مقاليدها للأفراد ولا حتى للأحزاب، فلم يمض زمن طويل حتى كان بن غوريون يجد نفسه، يعيش حياته كأي مواطن في النقب، وبعد أقل من عشرين عاماً كان حزب العمل، وريث المابام، خارج السلطة، وفي المعارضة.
وحتى يتم وضع حد لأمرين : تقدم المسؤولين في العمر، وعدم بقائهم سنين طويلة في المنصب، لا بد للقانون الأساسي، وهو بمكانة الدستور أن يحدد شروطاً تمنع الترشح للمناصب العامة لمن تجاوزوا سنا معينة ( 60، 65، وبالقطع 70 سنة ) وتمنع الاستمرار في المنصب العام _ رئيس، وزير، نائب، لمن تجاوز الخامسة والسبعين حتى لو كانت صحته جيدة، ولا يعاني من اي مرض، وإلا لم هناك سنٌ للتقاعد من الوظيفة العامة؟ الأمر الثاني، عدم الترشح لأكثر من ولايتين متتاليتين لأي منصب، وعدم جواز شغل المنصب لأكثر من عشرين سنة، حتى لو كانت متقطعة، وكذلك ضرورة أن يرفق الترشح للرئاسة بمنصب نائب للرئيس، ويا حبذا لو أن النظام نص على ان يكون فارق السن بينهما لا يقل عن عشر سنين.
علينا إذن ان نستعد للمشهد، الذي نرى فيه رؤساء سابقين يعيشون بيننا كمواطنين، وللحظة التي تقبل فيها حركة فتح وحتى حماس، أن تقود السلطة والدولة والمنظمة، فصائل او أحزاب أو قوى سياسية أخرى، هذا هو احد مظاهر الحياة الديمقراطية، وهذا أحد وجوه وصفة التحرر والحرية، وإذا لم تكن أرواحنا طليقة، وأجسادنا ممتلئة بالحيوية، وأفكارنا متجددة، هل يمكن أن نكون نحن مؤهلين للثورة وللحرية، وقادرين على انتزاعها من الآخرين؟!
المصالحة والمصارحة..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
يدور أحياناً كلام عن "المصالحة"، ويخفت في أحيان أخرى.
في الحالة الأولى يدبّج معلقون مقالات و"تحليلات" المديح، وفي الثانية مقالات و"تحليلات" الشكوى.
ولكن ما لنا وهؤلاء، المهم في الحالتين أن أحداً لا يتوقف أمام كلمة "المصالحة"، التي تحتاج الآن وهنا لعلامتي تنصيص، وإلا أصبحت كلمة مضللة.
"للمصالحة" سقفان أعلى وأدنى، الأعلى برنامج للحراك السياسي في الإقليم والعالم، والأدنى برنامج للترتيبات الداخلية الإدارية والتنظيمية والمالية والأمنية والوظيفية، في كلا السقفين تناقضات وبينهما أكثر من تناقض صريح.
على المستوى السياسي: إذا اقتربت السلطة من برنامج حماس الرفضوي حكمت على نفسها بالشلل في الإقليم والعالم.
وإذا اقتربت حماس من برنامج السلطة التفاوضي جابهت مشكلة مع جمهورها وحلفائها في الداخل والخارج.
وعلى الرغم من حقيقة أن برنامج المستوى السياسي أكثر أهمية من برنامج الترتيبات الداخلية، إلا أن تجربة خمس سنوات مضت توحي بأن السقف الأدنى "للمصالحة"، الذي يعني في أذهان "المتصالحين" اقتسام البنية التحتية لحقل السلطة يتجلى كعقدة حقيقية صعبة الحل.
ولا ضرورة، بطبيعة الحال، للتذكير بالتأثيرات المتبادلة بين السقفين، وباختفاء أحدهما وراء الآخر، أي بالعلاقة النفعية المتبادلة بين الذاتي والعام، والتي غالباً ما يتم تمويهها بتعبيرات أيديولوجية، تزداد ضجيجاً كلما استدعت الحاجة اختفاء أحدهما وراء الآخر.
فلنقل، إذاً، إننا نجابه حالة من الاستعصاء، ولكن ما مصدر هذا الاستعصاء؟ ثمة اجتهادات كثيرة، ومن المؤسف أن كلمة الانقسام، التي يُفترض "بالمصالحة" أن تضع حداً لها لم تنل ما تستحق من تفكير وتدبير. هل نجم الانقسام، مثلاً، عن انقلاب حماس في غزة، أم كان الانقلاب تتويجاً للانقسام؟ وهل وقع الانقسام داخل الحقل السياسي الفلسطيني نفسه أم نجم عن محاولة للاستيلاء عليه من جانب قوّة جاءت من خارجه؟ وهل الحقل السياسي محكوم بموازين القوى بين الفاعلين أم رهينة موازين قوى خارجية؟
لن نتمكن من فهم معنى ومبنى الاستعصاء دون التفكير في أسئلة كهذه.
هذه الأسئلة لا تحتمل التبسيط، بمعنى أن فيها إحالات سوسيولوجية وأيديولوجية وسياسية، إذا سقطت من الحسبان اختل الميزان.
وكما يتبادل سقفا "المصالحة" لعبة التجلي والخفاء، تتبادل العوامل الاجتماعية والأيديولوجية والسياسية الأدوار في سياق اللعبة نفسها.
بداية الانقسام أصل والانقلاب فرع، وبقدر ما يتعلّق الأمر بأبعاده السوسيولوجية، فإن في جوهر الانقسام، الذي تُوّج بانقلاب، تعبيرا عن ممانعة شرائح واسعة من الفلسطينيين في المخيمات، وأحياء المدن المريّفة، والمناطق الريفية المُهملة، إزاء السلطة الفلسطينية (وفي الواقع إزاء كل سلطة) بما تعنيه من سياسة وثقافة وأنماط حياة وسلوك، وأحلام غير قابلة للتحقيق.
وهذه الممانعة عابرة للجغرافيا، بمعنى أنها لا تنحصر في غزة، وقد أصبح التعبير عن الممانعة بالانقلاب ممكناً نتيجة توّفر أداته السياسية والتعبوية والعسكرية، وهذا ما وفرته حماس، وما تبقى وفرته جغرافية قطاع غزة، ورهانات الاحتلال.
إذا استخدمنا لغة مباشرة، وفجة نوعاً ما، فلنقل إن الانقلاب يعني ثأر المخيم من المدينة، وثأر الداخل من الخارج، وهذه كلها مؤثرات قوية إذا انسد أفق الحل التفاوضي والسياسي. هذا أولاً.
وثانياً، فلسطين بالمعنى الأيديولوجي مشروع قابل للإنتاج وإعادة الإنتاج، طالما بقيت المسألة الفلسطينية دون حل.
حماس مشروع لإنتاج وإعادة إنتاج فلسطين بطريقة مغايرة لما مارسته الحركة القومية الفلسطينية منذ أواسط الستينيات وحتى أواسط التسعينيات.
رأت الحركة القومية الفلسطينية في نفسها جزءاً من حركة الثورة العالمية، وحركة التحرر القومي العربية، كما تصرفت كوريث لتقاليد الوطنية الفلسطينية قبل النكبة.
وفي هذا السياق بلورت صورة عن الذات والعالم استناداً إلى تحالفات واستراتيجيات نجمت عن هذه الرؤية.
في المقابل ترى حماس في نفسها جزءاً من حركة الإسلام السياسي المجاهد الصاعد منذ أواسط السبعينيات في مناطق عربية مختلفة، وقد بلورت رؤية الذات والعالم استناداً إلى تحالفات واستراتيجيات نجمت عن هذه الرؤية.
القومية (بالتعريف المتداول في اللغات الأوروبية، وكثيراً ما يُستعاض عنها في الأدبيات العربية بمفردة الوطنية) ليست قاسماً مشتركاً بين الجانبين. والدليل أن الدولانية مارست دور القاطرة في مشروع الحركة القومية الفلسطينية، التي اعتبرت أن إخراج الفلسطينيين من غياهب النسيان بعد النكبة، ووضعهم على سكة التاريخ، من أهم وأعظم إنجازاتها.
وقد كان النـزوع الدولاني، مصحوباً بالذعر من السقوط مرّة أخرى في غياهب النسيان، في صميم مشروع الحل التفاوضي.
في المقابل لا تحظى الدولانية بمكانة يعتد بها في حماس كمشروع بديل لإنتاج وإعادة إنتاج فلسطين.
لم تكن إعادة إنتاج المجتمع الفلسطيني بقيم جديدة جزءاً مركزياً في مشروع الحركة القومية الفلسطينية، كان المركزي موضوع الهوية الفلسطينية، وتفردها، واستقلاليتها السياسية والثقافية، وعمقها التاريخي، بينما إعادة تشكيل هوية الفرد والمجتمع استناداً إلى تصوّرات دينية في صميم حماس كمشروع.
أخيراً، وثالثاً، ألمحنا في المقدمة إلى السقف الأعلى "للمصالحة" كبرنامج للحراك في الإقليم والعالم، وإلى خوف السلطة (وهي محقة) من الشلل، وخشية حماس من فقدان جمهورها وحلفائها.
وينبغي أن نضيف، هنا، مصدراً جديداً للاستعصاء: اقتراب هذا الطرف أو ذاك من برنامج الآخر جزء من عملية اقتسام الحقل السياسي، ودلالة على مكانته، وعلى حقيقة موازين القوى، بمعنى أن الذاتي يتفوّق على العام. وهذا ما يتجلى في سلوك حماس.
وإذا كان في هذا الدليل على مدى ما وصلنا إليه، فإن فيه الدليل، أيضاً، على أن المصالحة غير ممكنة، حتى وإن تحققت بطريقة شكلية في يوم ما.
ملاحظة: نُشرتْ هذه المقالة في "الأيام" يوم 15 مايو (أيار) 2012، ولا أجد ما يبرر إعادة النظر في خلاصاتها الرئيسة، طالما أن في كل كلام عن المصالحة ما يستدعي المصارحة.
الحقيقة والمصالحة
بقلم: عدلي صادق – الحياة
سوف تحزن واشنطن وتستنكر، لو أن طرفاً دولياً أيد وشجع على انفصال شرق أوكرانيا لكي يتكامل مع الروس. ذلك علماً بأن مواطني أوكرانيا من ذوي الثقافة الروسية، لم يضمروا شراً للمواطنين من شركائهم في الوطن الأوكراني، ولا يريدون التعدي على حرية الناس وأرضهم وكرامتهم. كل ما في الأمر، أن الأوساط الجديدة الحاكمة في كييف، أول ما شطحت نطحت، إذ قبل أن تلتقط أنفاسها بعد قطع المسافة من الميدان الى القصر؛ أصدرت مراسيم التنكر لثقافة الأقليات ولغتها وخصوصيتها، على النحو الذي جعل الأقلية في الشرق، تتحسس الأعظم الآتي، بعد أن يستريح الحاكمون الجدد الذين وقعوا في غوايات صهيو أميركية أجزلت لهم وعود الرخاء مثلما أجزلت لغيرهم ثم تنكرت لهم أو اعتصرتهم!
وعندما ساندت أميركا حركات انفصالية عميلة وحثتها على الانفصال، اتكأت دائماً على التنوع الديني والمذهبي، وكانت مصلحة إسرائيل عندها، هي قاعدة القياس. فما هي مصلحة واشنطن في عدم وحدة الكيانية الفلسطينية على الأراضي المحتلة في العام 1967؟ ولماذا كانت ردة فعل الولايات المتحدة على إقصاء "الإخوان" في مصر جارحة لغالبية المصريين، ومتعاطفة مع "الجماعة" وشاجبة لتطور الأوضاع في مصر، ومتباكية على الديمقراطية؟
إن إسرائيل ومصالحها هي ميزان القياس عند الأميركيين. هم يعرفون أن تجارب الشعوب التي فيها التنوع، أثبتت أن وحدة مكونات المجتمع هي التي تعزز السياسة، وتصنع الموقف الوطني والمفاوض العنيد أو المقاوم بالسبل المتاحة، دفاعاً عن حقوق شعب بأكمله.
الأميركيون يريدون أن تظل غزة تئن، وكانوا يراهنون على أن تظل تئن، الى أن تستجدي أقراص التسكين لا الشفاء الى الأبد، أي أن تتحول الى كيان صغير منفصل، يساعده "الإخوان" على فتح جغرافيته وتوسيعها، لتنشأ أبشع خارطة لأغرب كيان في العالم. كان الحديث في هذه الوجهة، يدور في الغرف المغلقة، ووُضعت التوطئة له، في الاتصالات والزيارات بين الطرفين "الإخواني" والأميركي، وقد حَسَم الأميركون أمرهم بمساندة "الجماعة" لأن الملف الأعقد في القضية الفلسطينية هو حقوق اللاجئين في أرضهم وممتلكاتهم، ولا حل في رؤيتهم إلا بممتلكات وأراض بديلة، تتوافر من خلال حكم يمتلك الفتوى ويحرك الأحداث لصالحها. وعلى الأرجح لم تكن "حماس" تعلم، وربما معظم مكتب إرشاد "الجماعة" في مصر لا يعلم، لكن الممسكين بالقرار "الإخواني" يعلمون وكان القطريون كانوا الأرجح يعلمون لأن التمويل المفترض سيكون منهم!
للأسف، نجح "الإخوان" في الاختبار الأميركي قبل أن يحكموا، وهذا ما جعل سفيرة الولايات المتحدة تتحمس للرئيس مرسي. فقد زار فريق من "الجماعة" واشنطن قبل انتخابات الرئاسة، وكان عليهم أن يجيبوا عن أسئلة تمهيدية، وبالفعل أجابوا ووافقوا على ضمان استمرار اتفاقية المناطق الصناعية "كويز" (qiz) التي تفرض على مصر، كشرط للسماح لبضائعها بدخول السوق الأميركية دون جمارك، أن تشتري مصر من اسرائيل 11% من المواد الأولية والمعدات. وفي تلك الاتفاقية، التي تغطي نحو 60% من حجم انتاج المنشآت الصناعية، وتستوعب نحو 64% من العمالة المصرية في الصناعة؛ تلتزم مصر بذلك الحد الأدنى من التعاون مع إسرائيل. كذلك أجاب "الإخوان" بما يُطمئن الأميركيين عن أسئلة التطبيع والعنف والتحالفات وغيرها. لذلك كانوا يريدون مصر مستقرة تحت حكم "الإخوان" لكنهم الآن أداروا البوصلة، ويجافون حق الفلسطينيين في حكم وطني يشمل كل مكونات المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي، بما فيه الحلقة الفلسطينية من "الإخوان" أنفسهم.
إن الموقف الأميركي من ردة فعل نتنياهو على التوطئة التي سمعناها عن المصالحة الوشيكة، يمثل اختباراً جديداً لواشنطن. ولأن الولايات المتحدة سقطت في كل اختبارات العدالة والصدقية، كلما كان الأمر يتعلق بإسرائيل؛ فإنها اليوم إما أن تظل تتماشى مع الظلامية والجنون وتتمسك بازدواجية المعايير، فتفقد آخر نفوذ لها أو احترام لدى أصدقائها، أو أن تتعامل بالحد الأدنى من المنطق، فترد لنتنياهو بضاعته الفاسدة!
مرحى... للاتفاق الفلسطيني
بقلم: سمير الحباشنة – الحياة
في خضم المعترك الوعر الذي نمر به كعرب، بأزمته المغرقه بالتعقيد-المركبة، العقائدية، السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، التي تعبر عن نفسها في اغلب أقطارنا وبالذات الاقطار ذات التأثير كما هي مصر والعراق وسوريا وغيرها، والتي أفضت الى حالة ضعف عام في الجسد العربي، وانشغال أقطارنا المأزومة بمعاناتها الداخلية، وسعي نخبها الى الخروج من السياق الاستثنائي الذي يتميز بالانفلات الأمني أو التراجع الاقتصادي أو الانقسام المذهبي أو الطائفي أو العرقي، والتي أدت بالتالي الى تراجع الاهتمام في القضايا ذات البعد العربي، بل وتراجع مفاهيمنا التقليدية التي تجمعنا كالأمن العربي والمصير الواحد والقضية الفلسطينية، باعتبارها كانت على الدوام العنصر الذي يجمع العرب ويوحد همومهم ويحسسهم بأن الخطر الذي يهددهم جميعا هو خطر واحد.
وفي خضم التعنت الاسرائيلي والاحساس بالسيطرة المطلقة امام أمة منشغلة بقضاياها الداخلية، بل واحساسها بأنها القوة التي لا تقهر والأقوى في الاقليم، وبالتالي خروجها عن كل القوانين والأعراف الدولية، وتنكرها الكامل للحقوق التاريخية المشروعه للشعب الفلسطيني برفضها الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 67، وايغالها في الاستيطان، والتنكر لحق العودة، والاستمرار في بناء جدار الفصل العنصري الذي صدرت بحقه قرارات واضحة من المحكمة الدولية، ورفضها الحديث عن حق العودة، بل وضعها لشروط اضافية افشالا لخطة الوزير كيري خطة السلام، ورهانها على الوقت على اعتبار انه لصالحها وعلى افتراض انه كفيل بتمكينها من فرض الأمر الواقع والتهام كل فلسطين، بل وتهديداتها الدائمة لأي امكانية نهوض فلسطيني او عربي.
في هذا الخضم المؤلم يأتي اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي أعلن في غزة الخميس الماضي بحضور كافة الفصائل الفلسطينية، والاعلان عن انتهاء مرحلة الانقسام، واعادة اللحمة للشعب الفلسطيني ومؤسساته، منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وهيئاتها، يأتي هذا الحدث التاريخي ليضيء مصباحا في زمن العتمة الذي يخيم على المحيط العربي والفلسطيني في آن معا، فمرحى لهذا الاتفاق الذي أعتقد انه يشكل حجر زاوية أساسية لانطلاقة فلسطينية قوية تعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية، وتدفعها كأولوية في الاهتمامين الدولي والعربي على حد سواء. مع التأكيد على ضرورة أن لا يقف البحث في تفاصيل تنفيذ هذا الاتفاق حائلا دون تنفيذه، ولنتذكر بأن عمر الانقسام الفلسطيني هو أقل من عقد من الزمن وبالتالي فان امكانية لملمة الجراح وتوحيد المؤسسات سواء كانت في منظمة التحرير أو السلطة لأمر ممكن اذا ما توفرت الارادة والاستعداد لتنازلات جريئة متبادلة من الجميع، ولنتذكر بأن الألمانيتين الغربية والشرقية قد انفصلتا لمدة تزيد عن اربعة عقود، في اطار دولتين متضادتين كل منهما تتبع الى معسكر يختلف جذريا مع المعسكر الآخر، وبينهما جدار برلين الشهير الذي قسم الجسد الألماني الى قسمين، ومع ذلك فحين توفرت اللحظة التاريخية والارادة الشعبية والرسمية اتحدت الألمانيتان وتم اعادة ادماج الشعب الألماني ومؤسساته، وتم هدم جدار الفصل.. حتى أضحت ألمانيا اليوم دولة واحدة وأصبح انقسامها ليس الا صفحة في عهدة التاريخ لا غير.
وبعد فاننا كعرب وكأردنيين ننظر الى انجاز أشقاء روحنا وشركائنا في المصير الواحد الى ما تم في غزة كانجاز تاريخي يرتقي الى مستوى التحديات ويظهر الفلسطينيون كشعب وكقوى نشطة بحجم المسؤولية الملقاة عليهم، وهم بذلك يمتلكون ارادة الانتصار والاصرار على حياه ملؤها الكرامة والكفاح من أجل الانعتاق ودحر الاحتلال واظهار الكينونة الفلسطينية الى حيز الوجود كدولة مستقلة على ترابها الوطني، فيحقق الفلسطينيون أشواقهم التي يرنون اليها.
فمرحى للاتفاق وتحية لمن خطووه.
قراءة في واقع المصالحة والواجب العربي نحوها
بقلم: أ.عبد الرحمن صالحة - معا
في تطور مفاجئ شهده ملف المصالحة الفلسطينية في الأيام القليلة الماضية بين حركتي حماس وفتح على أرض الوطن وليس في عاصمة عربية، زفه إعلان إنهاء الانقسام من قلب مخيم الشاطئ للاجئين بعد توقيع كلا الأطراف فتح وحماس على توقيع "الموقع منذ سنوات" في القاهرة والدوحة.
ما حدث من توافق على إنهاء الانقسام منذ أيام قليلة أشعل غضب قادة الكيان والحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة الأمريكية وبدأوا يهددون بخطورة الخطوة التي قام بها أبو مازن نحو التوافق والتصالح مع حركة حماس، فكانت أبرز التهديدات تكمن حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن وقف المفاوضات وفرض عقوبات اقتصادية على السلطة الفلسطينية وأن أي صاروخ يطلق من غزة اتجاهها سوف تتحمل رام الله مسؤولية وعواقب ذلك وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن موقفها تمثل في وقف المساعدات المالية عن السلطة الفلسطينية في حال تم تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تمثل حركة حماس جزء منها، وهذه التصريحات تذكرنا بالتصريحات التي نشرتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بعد تشكيل حكومة الوحدة الفلسطينية في عام 2007م بعد فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية .
كل المؤشرات التي صدرت عن الكيان بعد توقيع تنفيذ المصالحة تدلل على أن هناك حراك قوي تقوده اسرائيل لإجهاض المصالحة الفلسطينية كان أخرها نزع الشرعية عن أبو مازن واتهامه بالتوافق والمصالحة مع منظمات إرهابية تهدد وجود الكيان.
وعند استطلاع الموقف الفلسطيني ومدى قدرته لمواجهة هذه التحديدات التي من الممكن أن تطيح بالمصالحة الفلسطينية أن لم يتوفر بديل عن الدعم الأمريكي والأوربي وعن أموال السلطة المحتجزة لدى إسرائيل، حيث نجد أن هناك موقف فلسطيني قد حمل شقين الشق الأول تعلق بمخاطبة إسرائيل وأمريكيا وأروبا ولم نعلم مدى جدية وموافقة حركة حماس عليه كما يثير جدلاً واسعاً ألا هو تعهد أبو مازن بأن اتفاق المصالحة مع حماس لن يطبَّق إلا ضمن التزامات منظمة التحرير الفلسطينية السابقة بما تشمله من اعتراف بإسرائيل ونبذ للعنف واحترام الاتفاقات السابقة بينما الشق الثاني والذي يتمثل في موقف حركة حماس والحكومة بقطاع غزة الذي بذل بعد أن تم التوقيع على ورقة المصالحة الذي طالب العرب بتوفير شبكة أمان مالية وسياسية واحتضان حكومة الوحدة الفلسطينية.
لقد جاء إعلان إنهاء الانقسام في موقف حساس وجسيم ومرحلة تتسم بالدقة وفي ظل حراك ثوري عربي مشتعل يتسم بالصعود وهبوط للأنظمة العربية، و توقيت يتسم بعجز عملية التسوية والمفاوضات بين السلطة والكيان، وأزمة مالية وسياسية تشهدها حركة حماس والحكومة بعد الأزمات التي لحقت بحلفائها، وبالتالي المصالحة بحاجة لترميم المواقف العربية والقيام بواجبهم العربي والاسلامي تجاهها لاستعادة القضية الفلسطينية لمكانها الصحيح التي تتطلب توحيد الخطى وتسديد المواقف ونزع الغل والغبطة والعمل العربي المشترك للدفاع عن القدس والأسرى والأرض ورفع الحصار عن غزة، فالقضية الفلسطينية التي تعتبر قضية العرب والمسلمين ، دون دعم وموقف عربي مشرف كطفل يتم قتل كافة أقاربه ولا يبقى علي قيد الحياة إلا هو فتتقاذفه الحياة من أزمة لأخرى وماله سوى الله.