1 مرفق
اقلام واراء عربي 03/06/2014
اقلام عربي 03/06/2014
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
افتتاحية الخليج: التهديدات “الإسرائيلية”
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
مرة ثانية عن «التعديل الوزاري» أو حكومـة «الوفـاق الوطـنـي»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
التنسيق الأمني غير المقدس
بقلم: لميس أندوني عن العربي الجديد
الخيار التونسي في غزة
بقلم: علي ابراهيم عن الشرق الأوسط
تشريح أوضاع الفلسطينيين في سوريا
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
تعقيبا على مقال د. فيصل القاسم: هل كانت اسرائيل نائمة عندما تغلغلت ايران في الشرق الاوسط؟
عن القدس العربي
خطاب أوباما وسياسة التبرير
بقلم: بشير هلال عن الحياة اللندنية
من يجرؤ على الكلام؟!
بقلم: علاء الأسواني عن المصري اليوم
لعنة الجغرافيا القطرية
بقلم: سالم حميد عن العرب اللندنية
افتتاحية الخليج: التهديدات “الإسرائيلية”
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
يهدد قادة الكيان الصهيوني السلطة الفلسطينية بكل ما في جعبتهم بسبب التوافق الفلسطيني . كما يطلبون من العالم عدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة لأن قيامها سيشجع "الإرهاب" .
هذا السعار المتدفق من هؤلاء المسؤولين قد يظهر لغير المتدبر أن الكيان مهتم حقاً أو خائف فعلاً من قيام هذه الحكومة . من ينظر فيما جرى يدرك أن الفلسطينيين لم ينقص حماسهم أو طلبهم للمفاوضات . كما أن التركيبة التي يوافق عليها الطرفان الفلسطينيان المتنازعان تعطي صدقية لأية مفاوضات قادمة، لأنها تتضمن ضمنا موافقة حماس عليها . خصوصاً أن الكيان الصهيوني طالما كان يصرخ بأن أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية ناقص لأنها لا تمثل كل الفلسطينيين .
حقيقة الأمر أن الكيان لا يريد الوصول إلى أي اتفاق سواء كان التمثيل الفلسطيني كاملاً أم منقوصاً . ما يريده هو تنفيذ خططه، والمفاوضات تشكل غطاءً لهذا التنفيذ . هذا التناقض في الموقف "الإسرائيلي" ليس تناقضاً في حقيقة الأمر . فالموقف نفسه لم يتغير لكن المتغير فيه هو خلق ما يلفت النظر عن حقيقة ما يجري . فحينما كانت السلطة الفلسطينية تفاوض كان الكيان يماطل ويفتعل الحجج، مثل أن التمثيل الفلسطيني ناقص، لأنه لا يريد أن يصل إلى أي اتفاق . والآن حينما يكتمل التمثيل الفلسطيني من أجل المفاوضات المقبلة، بدأ الصراخ بأن ذلك تشجيع على الإرهاب من أجل التعمية على عدم الوصول إلى أي اتفاق .
المفاوضات هي اللعبة، لكنها تصبح مكشوقة كلعبة لو أدى الكيان فيها دورًا متناسقاً . فلو جرت المفاوضات على نحو متواصل من دون التوصل إلى اتفاق فسيكون هذا كشفاً للمماطلة "الإسرائيلية" . فالمماطلة تحتاج إلى ما يشبه الصدقية، ولهذا فافتعال المشكلات هو الذي يعطيها اللون الذي تحتاجه . ولأن ما يفعله الكيان ليس إلا جزءاً من اللعبة، فكذلك تهديداته .
فقطع العلاقة مع السلطة خسارة له، إلا إذا تم القطع وفقاً لمتطلباته، أي تقطع العلاقة فيما لا يضر مصالحها، وتبقيها فيما ينفعها مثل التنسيق الأمني . كما ليس في مصلحة الكيان حل السلطة لأن عبء الاحتلال ونفقاته ستنتقل إليها بعد أن تكفل العالم بالنفقات . فالتهديدات "الإسرائيلية" جوفاء لأن تنفيذها ليس في مصلحتها . وهي ممكنة في حال واحدة وذلك إن قررت ضم الضفة الغربية أو معظمها، وهذا الأمر ليس وارداً الآن بهذه الصورة الفجة .
فما تفعله في ظل المفاوضات يتيح لها هذا الأمر من دون خسائر سياسية وأمنية كبيرة . الصراخ الصهيوني لعبة متقنة تشاركها فيها الإدارة الأمريكية بمجاراتها .
مرة ثانية عن «التعديل الوزاري» أو حكومـة «الوفـاق الوطـنـي»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
بعد طول انتظار، خرجت “حكومة الوفاق الوطني” إلى النور ... متخطية أزمة “وزير الخارجية” وحقيبة الأسرى ... وجاءت كما سبق لنا أن وصفناها بـ “تعديل وزاري” غير موسع على حكومة رامي الحمد الله ... الوزراء الأساسيون في حكومته السابقة، ظلوا في مواقعهم ... وحده وزير الأوقاف من بين الوزراء الإشكاليين، من تمت الإطاحة به ... بقي رياض المالكي على رأس وزارة الشؤون الخارجية، ولم يحظ الأسرى بوزارتهم في الحكومة الجديدة، بعد أن كلف رئيسها وزير الشؤون الاجتماعية بمتابعة ملف انتقال الأسرى من “الوزارة” إلى “الهيئة”.
تضاربت أسماء التشكيلة الوزارية وأعداد الوزراء من موقع إخباري لموقع آخر، ما اضطرني للعودة إلى وكالة “وفا” الرسمي، للاطلاع على المرسوم الرئاسي، وبما يدل على حجم التخبط والتضارب ... كما تضاربت الأنباء عن موقف حماس من الحكومة الجديدة، حتى أن سامي أبو زهري الذي شفّت تصريحاته الصباحية عن موقف مناهض لإعلان الحكومة من جانب واحد، ومن دون وزارة للأسرى، عاد ليقول بعد ظهر اليوم نفسه، أنها “حكومة الكل الفلسطيني”، ويبارك لشعب فلسطين حكومته الجديدة.
هي حكومة الرئيس عباس بامتياز ... ليست حكومة “وفاق وطني” إلا بالاسم فقط ... رئيسها ووزراؤها لم ترض عنهم حماس إلا مرغمة، فيما فتح تعارض بعضهم، إن لم نقل أغلبهم ... أما برنامج الحكومة، فهو كذلك، برنامج الرئيس بامتياز: حكومة الاعتراف بحل الدولتين، والمسار التفاوضي والتنسيق الأمني (المقدس) ... حكومة التظاهرات والمقاومة السلمية، حكومة الاتفاقيات المبرمة ونبذ العنف والاعتراف بإسرائيل ... ومع ذلك، فهي ستظل تحمل اسم: حكومة الوفاق الوطني.
لا معنى لكل التحفظات الجزئية والشكلية التي تساق، ولا لكل التبريرات التي يجري إدراجها لشرح الموقف ... انتهى الانقسام كما أعلن الرئيس، وتوحدت الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية حول حكومته وخلف برنامجه ... هذا هو التفسير الواقعي لما جرى، وكل ما عداه باطل، يندرج في سياق التسويق والتسويغ، التبرير لا التفسير.
ما الذي يعنيه ذلك؟ ... باختصار، إن خط الرئيس أساساً، هو الذي انتصر، مع أن كل ما سبق تشكيل الحكومة وصاحبها وأعقبها، كان يشير إلى أزمة خيار التفاوض، أو أزمة برنامج الرئيس، وانتصار الخيارات الأخرى: “المقاومة”؟ ... ولا أدري كيف يفسر “المقاومون” انتصار البرنامج النقيض لبرنامجهم، بل وتوقيعهم عليه، وتقديم التبريكات للشعب وفصائله بهذا الإنجاز العظيم... لا شك أن إعلان تشكيل “حكومة الوفاق” قد أنعش حركة فتح ... لا شك أنه سيخلق حالة من الجدل والتنازع داخل حماس، فحصيلة الحوار وتشكيل الحكومة، أسقطت بالجملة والمفرق، معظم إن لم نقل جميع، مطالبات حماس واشتراطاتها، وهذا في ظني لن يمر مرور الكرام في حركة تشهد منذ سنوات، جدلاً داخلياً محتدماً حول مستقبلها وخياراتها.
الفصائل الفلسطينية رحبت بالإنجاز، مع أنها طالما اشتكت من تجاوزها وإهمالها، وكثير منها قال بأنه لم يُستشر في أثناء المشاورات أو عند التشكيل، ولم تتقدم بأسماء للحكومة الجديدة ... ومع ذلك، بادر بعضها للاحتفاء بهذه المناسبة، وتقديم التهاني للشعب بمولوده الجديد وبانتهاء انقساماته.
الحكومة باتت أمراً واقعاً، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح ... برغم ما شابها ويشوبها من نواقص وعثرات ... وهي خطوة انتقالية، من المفترض أن تستمر لأشهر ستة، أو أزيد قليلاً، لكن أحداً لن يكون بمقدوره تأكيد ذلك، فكم من خطوة أو إجراء انتقالي تحول إلى دائم ومستدام، في التجربة الفلسطينية ... هل تذكرون كم سنة قضت حكومة سلام فيّاض في “تصريف الأعمال”؟ ... ما الذي يدعو الفصائل للاعتقاد انها حكومة انتقالية، وأن لها وظيفة واحدة: إجراء الانتخابات ومن ثم الرحيل ... هذه نهايات لا يعرفها سوى “عالم الغيب والشهادة”.
إسرائيل من جهتها، أعلنت الثاني من حزيران الجاري، يوماً أسود لعملية السلام ... وقررت اعتماد ثلاث عقوبات بحق الحكومة والسلطة: وقف التفاوض، تقليص الأموال المحوّلة للسلطة بما يديم التنسيق الأمني ومنع وزراء غزة من الوصول إلى الضفة .... ما الذي ستقرره السلطة في مواجهة هذه الإجراءات العقابية؟ ... هل سيظل التنسيق الأمني مقدساً، فيما تفرض حكومة نتنياهو أطواقاً من العزلة والمقاطعة على السلطة والمنظمة والحكومة؟
إسرائيل تحرّض المجتمع الدولي على “حكومة تعتمد على حماس وتستند إليها” ... لا أحد سيصغي لإسرائيل في نهاية المطاف، وسيتعين على إسرائيل أن تتصرف لوحدها حيال السلطة، حتى الولايات المتحدة، لن تجاري إسرائيل في موقفها التصعيدي هذا، فالكل يعرف أن حكومة نتنياهو تبحث عن ذريعة لتعطيل حل الدولتين، والتغطية على مسار الاستيطان المتسارع ... إسرائيل ستخسر هذه الجولة في مواجهة الفلسطينيين، والنصر في هذه المعركة “صبر ساعة”، لا أكثر ولا أقل، وثمة في إسرائيل على أية حال، من ينظر بعدم الرضي لمواقف نتنياهو تيار الصقور في حكومته ... ثمة من يرى أنها حكومة عباس وليست حكومة حماس، وأن من الحكمة التواصل مع حكومة نجحت في جذب حماس إلى مواقع السلطة والمنظمة، وليس العكس ... الصورة ستتضح كثيراً ... الصورة ستظهّر قريباً.
التنسيق الأمني غير المقدس
بقلم: لميس أندوني عن العربي الجديد
لا يعني تشكيل حكومة فلسطينية جديدة شيئاً، ولو كانت "حكومة مصالحة وطنية"، في غياب برنامج وطني، ليس على أساس محاصصة، أو تقاسم "سلطة منقوصة"، بين حركتي حماس وفتح، والأهمّ أَلا تصبح حكومة وفاق وطني، على أساس التنسيق الأمني لخدمة الاحتلال. وهذه مخاوف مشروعة، بعد أن أعلن الرئيس محمود عباس أن التنسيق الأمني مع إسرائيل "مقدس"، مجرِّداً، بالتالي، المصالحة والوفاق، وحتى توقف المفاوضات، من أي أهمية وطنية أو سياسية. فإذا كان التنسيق مقدساً، لم تبق لنا أي مُقدسات ولا محرمات.
لا يحتاج الشعب الفلسطيني حكوماتٍ وسلطات شكلية، بل يحتاج قيادة وطنية، تتذكر أنها في مرحلة تحرر وطني، وأن لا وزارات ولا مباني، ولا سيارات ولا مرافقين أو صوراً مع ذوي النفوذ العالمي تساوي شيئاً غير منفعة شخصية، وإمعاناً في الكذب على الذات.
لا ثقة لي، أو لغيري، بأن الحكومة الفلسطينية ستتحول، في ليلة وضحاها، إلى حركة ثورية، لكن، على الأقل، ألا تكون وحدة الفصائل، وأقول ذلك احتراماً لشهدائها وأسراها، ذريعة لإضفاء وطنية على التعاون الأمني من أجل راحة الاحتلال.
نعم، هناك حاجة إلى قيادة موحِدة وموحَدَة، ولكن قيادة تصوغ برنامج تحرر وطني وتقوده، ولا تتعلق بمظاهر سيادية زائفة، فيما تبتلع الجرافات الإسرائيلية أرض وطن تتناقص مساحة حرية شعبه وسمائه، وليس إلى قيادة لا تقود، وتحاول إثبات حسن النوايا أمام الإسرائيلي المحتل
في النهاية، وعلى الرغم من كل التهديدات الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية، وضد تشكيل حكومة مصالحة مع حركة حماس، الأساس هو أَلاّ يصبح التنسيق الأمني مع الاحتلال نقطة إجماع فلسطينية، وكأنها جزء من برنامج وطني، لا تصح مصالحة بدونها.
من الواضح أن استمرار التنسيق الأمني هو المطلب الأميركي الأهم للموافقة، أو على الأقل، لامتحان الحكومة الجديدة، فهي لا تخشى تأثير عدم عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات وتشكيل الحكومة على الملف الأكثر حساسية. لذا، من الضروري أن يكون قرار عدم العودة من المفاوضات جزءاً من رؤية جديدة، لا نعرف إذا كانت السلطة قادرة عليها، أو حتى تريدها أصلاً، حتى لا يتم تمييعه وتفريغه من محتواه، رفضاً لتسوية تصفوية للحق الفلسطيني.
لا يمكن التقليل من أهمية عدم العودة إلى طاولة المفاوضات، والأهم التمسك بالقرار، لكن ذلك ليس كافياً، لأن قراراً مثل هذا لا يحتمل التوظيف التكتيكي، والقضية لم تعد تحتمل وهماً أو أوهاماً؛ فالأميركيون لن يتوقفوا عن الضغوط، والإسرائيليون سيستمرون في مخطط إخفاء فلسطين والفلسطينيين.
الخشية أن تكون السلطة الفلسطينية، بكل مكوناتها، تنتظر الخطوة الأميركية الثانية، أو تزحزح إسرائيل عن تعنّتٍ لا يوجد ما يزيحه، أو حتى يعدله، ولو قليلاً، فقط من خلال الانتظار، على أمل أن تبرز خلافات بين الجانبين الإسرائيلي والأميركي، لصالح المطالب الفلسطينية.
يدلّ ردُّ فعل واشنطن على عدم عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات على أنها لم تتخذ قراراً بمعاقبة السلطة، على الرغم من الأصوات الداعية إلى لوم الفلسطينيين لفشل المحادثات، وإن كانت تلومهم، وحتى قطع المساعدات عنهم.
لكن، يجب فهم الموقف الأميركي بسياقه الصحيح: فاستمرار مشاورات وزير الخارجية الأميركية، مع محمود عباس، ليس من قبيل تفهّم الاعتراضات الفلسطينية وتوسيعها، بل لتجنب انتفاضة فلسطينية ثالثة، وعدم تكرار سيناريو ما بعد انهيار مفاوضات كامب ديفيد. فمن ناحية، الأميركيون والإسرائيليون مهتمون بتقيد الجانب الفلسطيني بالتنسيق الأمني، أي كبح الفلسطينيين وتقويض أسس مقاومة وطنية. ومن ناحية ثانية، لا تريد واشنطن من بنيامين نتنياهو أن يقوم بعمل استفزازي، على شاكلة دخول إرييل شارون مع قوات مدججة بالسلاح إلى المسجد الأقصى، يولع شرارة انتفاضة جديدة.
لذا، لا يعدّ توقف المفاوضات مع استمرار التنسيق الأمني، موقفاً مقاوماً، بل يخدم الأجندة الإسرائيلية الأميركية التي ترى هذا التعاون المذلّ الذي يحافظ على أمن الإسرائيليين وحريتهم في انتهاك أمان الفلسطينيين، ضرورياً لإذعان السلطة الفلسطينية والشعب معاً.
السيناريو الأخطر والأكثر بشاعة أن نرى حركتي فتح وحماس تتنافسان، من خلال السلطة، على تنفيذ الأمنيّ بشقه الداخلي، أي إسكات وقمع الأصوات المعارضة والمقاومة، ليس بالضرورة إرضاءً لإسرائيل، بل طمعاً في إثبات السلطة، ولكن النتيجة واحدة، فالمستفيد هو إسرائيل.
الخيار التونسي في غزة
بقلم: علي ابراهيم عن الشرق الأوسط
لم يكن هناك ربيع فلسطيني على غرار الموجة التي ضربت عدة بلدان عربية وأطلق عليها في بدايتها الربيع العربي، وبالتالي لم تكن هناك ضغوط داخلية تغير موازين القوى منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة وطردت ممثلي السلطة الفلسطينية قبل أكثر من ست سنوات، مسببة أكبر انقسام في الأراضي الفلسطينية التي أصبح فيها سلطتان على أرض الواقع.
وعلى مدار سنوات قاومت حركة حماس التي تصرفت كشبه دولة مستقلة بعلاقات وتحالفات إقليمية خارجية خاصة بها، حدوث مصالحة حقيقية على اعتبار أن أي اتفاق من هذا النوع سيعيد رجال السلطة إلى القطاع، وإلى الحدود والمعابر وفقا للاتفاقات الموقعة سابقا لتنظيم الحركة على الحدود مع مصر وكذلك مع إسرائيل.
التغيير الذي فرض نفسه وجعل حماس تقدم هذه التنازلات وتقبل بحكومة مشتركة وانتخابات بعد ستة أشهر وقبول عودة الحرس الرئاسي إلى المعابر الحدودية مع مصر جاء عبر الحدود، وهو انعكاس للتطورات التي شهدتها المنطقة منذ اندلاع موجة التغييرات في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن.
تغيرت التحالفات وموازين القوى، وطردت قيادة حماس من دمشق، وكان طبيعيا أن تضعف العلاقة مع حزب الله الذي يشارك بالمقاتلين في الحرب الأهلية السورية، وكان يستغل سابقا حركة حماس في خلق المشكلات في مصر لصالح إيران وسوريا، وأصبح مصطلح المقاومة والممانعة بغير ذي معنى بعدما ظهر وجهه الطائفي.
وكان التغيير الأكبر الذي فرض عمليا منطق المصالحة هو سقوط حكم الإخوان التنظيم الأم في مصر بعدما كانت الحركة قد اعتقدت أنها حققت هدفها الاستراتيجي في وجود حليف متماثل عقائديا في البلد الذي لعب أهم دور في دعم القضية الفلسطينية على مدار العقود الماضية، ولم تكن حماس بالحصافة الكافية لتبعد نفسها عن هذا الصراع، وعلى العكس انخرطت فيه، إلى الدرجة التي أصبحت فيه خطرا أمنيا على مصر نفسها عن طريق الأنفاق والتهريب المتبادل من خلالها، سواء كان ذلك سلعا أو سلاحا ومقاتلين، مما أدى إلى حملة أمنية مصرية لا تزال مستمرة حتى اليوم لهدم هذه الأنفاق التي يقال إنها كانت بالمئات.
كانت هذه الأنفاق بمثابة شريان الحياة إلى حكم حماس، فمن خلالها تجبي الضرائب لتمويل متطلباتها، إلى درجة تشكيل تنظيمات إدارية لإدارتها وتحصيل الرسوم وكأنها منافذ جمركية.
يقال إن حركة حماس التي أصبحت أمام طريق مسدود، وبوادر تململ واضحة من سكان غزة، قررت أن تسلك مسار الخيار التونسي الذي تخلت فيه حركة النهضة عن الحكومة، تفاديا لمسار صدام كانت فيه بعض ملامح الصدام الذي حدث في مصر، وقد يكون هذا صحيحا مع اختلاف ظروف وتوازنات المجتمعات، فحتى النهضة في تونس قيل إنها فضلت ترك الحكم دون التخلي عن القدرة، بعدما رأت الإخوان في مصر يفقدون الاثنين معا، مع انعدام أفق أي مستقبل سياسي.
أيا يكن الأمر فإن الأهم أن تكون النيات خالصة في اتفاق تشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية التي أدت القسم أمس، كما أن الظروف مختلفة، فحماس هي التي تملك القدرة والسلاح على الأرض في غزة، وسيكون مهما رؤية كيف ستتصرف مع الحرس الرئاسي، ورجال السلطة عندما يعودون إلى القطاع، كما سيكون مهما أن تكون الحركة استوعبت أن الجغرافيا السياسية تغيرت، ولن يكون هناك عودة إلى عصر الأنفاق مجددا، وبالتالي فإن الأفضل لها التركيز على مصلحة الشعب الفلسطيني.
ويتعين على القوى الخارجية المهتمة بعملية السلام أو ترعاها أن تعطي هذا الاتفاق فرصة، وتساعد السلطة الفلسطينية على تعزيز سلطتها بدلا من إضعافها، طالما أن هذه السلطة أكدت أن الحكومة الوطنية التي تشارك فيها حماس تحترم كل الاتفاقات الموقعة.
تشريح أوضاع الفلسطينيين في سوريا
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية، وامتدادها لعموم التجمعات والمخيمات الفلسطينية على امتداد الأرض السورية، أصدرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) قبل فترة قصيرة تقريرها الأول المُتضمن إجراء مسح هو الأول من نوعه عن برامج الوكالة في سوريا ومدى الضرر الذي لَحِقَ بها وببناها التحتية، ومنها برنامج التمويل الصغير التابع لها في سوريا، وخلص المسح إلى أن نتائج ماجرى ويجرى تجاه المخيمات والتجمعات الفلسطينية وتجاه البنى التحتية للوكالة كالمدارس والمستوصفات ومختلف المراكز الخدمية وغيرها «ساحق وصادم« وأن «الغالبية العظمى من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أصبحوا نازحين وبحاجة إلى مساعدات إنسانية».
فحالة النزوح والدمار المادي والنهب قد أخذت مكاناً لها على أرض الواقع وبدرجة كبيرة بحيث إن (13 %) من فقط الأعمال والمشاريع التي دعمتها وكالة الأونروا قد تمكنت من النجاة، فيما أصبح الوضع الخاص لفلسطينيي سوريا واحداً من أخطر التحديات التي واجهتها وكالة الأونروا طوال ستة عقود عملت خلالها مع لاجئي فلسطين حسب ما أفادت به نتائج المسح الذي أصدرته الوكالة.
ففي الوقت الذي يستمر العنف فيه، فإن أثره على لاجئي فلسطين في سوريا قد زاد وأدى إلى نزوح أكثر من (85 %) من إجمالي عدد اللاجئين المسجلين، بما في ذلك ما يزيد على 270,000 لاجئ نزحوا داخل سوريا نفسها خصوصاً من مخيم اليرموك الذي كان يضم نحو (250) ألف لاجىء فلسطيني.
وقد أجري المسح في يونيو 2013 بدعم من الاتحاد الأوروبي، وهو يُركز على الأوضاع والظروف المعيشية لحياة الناس من لاجئي فلسطيني في سوريا، وبرنامج الأونروا للتمويل الصغير في دمشق وحلب، واستند على مسح بسيط لما مجموعه (8,000) مواطن فلسطيني.
وهنا أعرض نتائج المسح الذي أجرته الوكالة من موقع الأهمية التوثيقية والعلمية، مع أنني أعيش النتائج بعينها على الأرض وبشكل مباشر ويومي منذ اندلاع الأحداث، حيث لم أغادر المنطقة على الإطلاق بالرغم من كل الأهوال، خصوصاً بالنسبة لمخيم اليرموك، ولبناية عائلتي التي سويت بطوابقها الخمسة بالأرض تماماً في المربع الأول من مخيم اليرموك والقريب جداً من جنوب حيي الميدان والزاهرة الدمشقيين.
إن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها للوكالة في مسار عملها في معمعان الأزمة السورية، وهي تُقدم دليلاً إحصائياً ملموساً على الأثر المأساوي والمُستشري للنزاع في سوريا.
إن نتائج النزوح والدمار كانت كارثية على فلسطينيي سوريا، ومازالت تلقي بظلالها القاتمة على أوضاع وحياة الناس.
تعقيبا على مقال د. فيصل القاسم: هل كانت اسرائيل نائمة عندما تغلغلت ايران في الشرق الاوسط؟
عن القدس العربي
لا يوجد للغرب عدو دائم
بقلم: عبد الكريم البيضاوي- السويد
«بعد تناول وجبة ثقيلة من الأسماك»، هي الأسماك صحية أكثر، الوجبة كانت ربما من اللحوم الحمراء، سياسة التوازنات، خيوط خفية يلعبون بها في المنطقة، ليس للغرب صديق أو عدو دائم، شيء مفروغ منه ( بالنسبة لعلاقتهم مع العرب بالتحديد) ماعلى العرب إلا أن يستوعبوا دروسهم يفهموها جيدا، هذا هو المنطق وإلا فمفاجآتهم سوف لن تعد ولن تحصى.
مايقال علنا غالبا ما يكون ستار دخان للتغطية على أمور أخرى تدار في الخفاء. هم لا يعيرون إهتماما للكلام الفاضي مثلنا، «تحرير القدس» إغراق إسرائيل بالماء، كلام فارغ، بالقضاء على صدام ألم يخطر على بالهم بأنهم سيفتحون الباب على مصراعيه لإيران؟ لماذا فعلوا؟ ولماذا ساعدهم العرب على ذلك؟ واليوم يتباكون على تمدد إيران الجغرافي هنا وهناك.
العرب ككتلة قد يخلقون قلقا كبيرا للغرب، ليس بالصورة الحالية لكن ربما عند تنامي الظاهرة الإسلامية المعادية لهم، يعلمون أن إسرائيل لوحدها لن تقدر على المهمة، يعلمون أن الفكر المتطرف ينمو ويكبر ويشكل خطرا كبيرا على الجميع، يعلمون أن الدول العربية إما غير قادرة وإما غير راغبة في التعاطي مع المشكلة، ماذا تبقي لهم في المنطقة؟ بالطبع إيران، هي سياسة التوازنات، ضرب زيد بعمرو عند الحاجة والضرورة.
المتاجرة بالقضية الفلسطينية
بقلم: محمود
شكرًا أستاذ فيصل على هذا المقال الرائع الذي يصف التغلغل الإيراني في العالم العربي على حقيقته، النظام الإيراني مثل جميع الأنظمة العربية تاجرت وولولت على قضية فلسطين مع انها هي وأدواتها قتلت من الفلسطينيين الكثير ممثلة بالنظام السوري وحركة أمل وبشكل غير مباشر حزب الله.
ولو نظرنا ان الخاسر الأكبر من غزو العراق واحتلال ايران لسوريا اولا بالطبع شعوب البلدين، ما عدا الأكراد، ولكن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هم من اكبر المتضررين من هذه الحروب، بدأ المخطط منذ ان دخل صدام الكويت مغرورا ومغرراً به، (اقرأ كتابات المحلل الامريكي جيفري ريكورد في الثمانيات) اكثر من نصف مليون فلسطيني تشردوا بعد ان كانوا يعيشون حياه كريمه سواء في الكويت او سوريا، كان فلسطينيون في الكويت يدعمون إخوانهم في فلسطين بملايين الدولارات.
آلاف الفلسطينيين وصلوا الى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبيه واستقروا هناك، المخيمات الفلسطينية في سوريا حوصرت وجوعت تحت أعين المحتل الإيراني وهذا لم يحدث تحت الاحتلال الاسرائيلي، اسرائيل بدت وكأنها حمل وديع بالمقارنة مع إيران وأذنابها، أمريكا وإسرائيل يخططون والدور بعد ذلك سيكون على ايران بعد ان تؤدي دورها، اما الذي ينام او بالأحرى في غيبوبة هي الأنظمة العربية.
اخطاء نرتكبها بحقنا
بقلم: طعس بن شظاظ الصميدي
بإختصار شديد: متى سنتوقف يوما عن إلقاء اللوم على أعدائنا ونتهمهم بتسليم رقابنا وبلادنا إليهم نتيجة أخطائنا التي نرتكبها في حقوق أنفسنا وضد بعضنا بعضا، و نبدأ بالتصرف السليم المسبوق بالفكر السليم الذي نبني عليه كل شيء يمكن بناءه؟! الذي يتوقع الرحمة من الأعداء حاله حال المتواكل، للأسف الشديد الخونة والمنافقين بين العرب كثيرون جدا!
محاولة لاحتواء المنطقة
بقلم: محمد العربي
نشأت قيادة الـ centcom في منتصف السبعينات في ولاية فلوريدا وكان الهدف من انشائها على حد قول قائدها حينه: هذه قوة تحارب في الصحراء بتكتيكات اسرائيلية وجنود مصريين وتمويل خليجي. بعد سنتين وصل الخميني الى الحكم في ايران.
وبعد سنتين ابتدأت الحرب العراقية الايرانية وبدأت شحنات السلاح من اسرائيل الى ايران عبر خط طيران يمر من اسرائيل الى قبرص ثم تطير فوق تركيا وجنوب روسيا الى ايران. وعندما سقطت طائرة تحمل عتادا الى ايران من اسرائيل عام 1981 انكشف الجسر الجوي.
عام 1983 ابتدأت المفاوضات الآمريكية الاسرائيلية من جهة وايران من جهة وكان نتيجتها قضية ايران غيت في النصف الثاني من الثمانينات. وفي التسعينات سعت امريكا الى تسليم المنطقة الى ايران وتوجت هذه الجهود بالحرب على العراق عام 2003 اذ أصبح العراق تحت قبضة ايران الدينية والسياسية. الآن تجري محاولة وضع سوريا في قبضة ايران نهائيا مع لبنان وبمساعدة جيش اقليمي نقال يتمثل بحزب الله.
علاقة استراتيجية بين امريكا وايران
بقلم:نمر ياسين حريري
نشرت مجلة « الشراع « اللبنانية الاسبوعية وكادت تؤدي بـ ريغن الى السجن، من مضامينها : على اثر ميل كفة الحرب بين العراق وايران لصالح العراق، قدّمت الولايات المتحدة دفعات من الاسلحة المتطورة الحديثة الى ايران، واسرائيل هي التي نقلتها على وجه السرعة الى ايران باقامة جسر جوي استمرّ لاسابيع برفقة خبراء عسكريين اسرائيليين لتدريب الجيش الايراني والحرس الثوري على هذه الاسلحة .
امّا فضيحة من خلق نظام الخميني في المنطقة فهي من اجمل واعقد القصص البوليسية بكيفية سهر المخابرات المركزية الامريكية ليل نهار على سلامة وحياة الخميني يقابله ضغط هائل على قيادات الجيش الايراني العليا حتى لا تتحرك ضد التجيش في الشارع لصالح الخميني، ذلك وغيره في كتاب رئيس المخابرات الفرنسية المتقاعد « د ـ اس ـ ت» في كتابه تحت عنوان « الملالي».
هذا الكتاب بقي في الاسواق لحوالي السنتين حتى سحبه رئيس وزراء فرنسا في حينه جاك شيراك بنتيجة الاتفاق الذي تمّ مع ايران بعد الموجة الارهابية بتفجيرات باريس مع حل مشكلة المليار دولار موضوع الخلاف على عقود البترول والغاز.
كذلك مؤخرا الطائرة الامريكية بدون طيار التي هبطت «او جذبوها مغناطيسيا بفعل سحرهم» سالمة معافاة بعد ان تعبت اجنحتها وخوت معدتها. لتكن نموذجا لصناعة الاسلحة الايرانية لصنع مماثل لها وهذا ما حدث، يبقى كيف سيتم ارسال صاروخ باتريوت كنموذج لاستكمال المهمة.
هذا ما استبان، وأمّا ما خفي من هذه العلاقة الاستراتيجية بين ايران وامريكا فالمستقبل كفيل بكشفه وليس بعيدا فيه ان نرى بأنّ ايران كانت قاعدة انطلاق للتوسع الامريكي في العالم القديم.
خطاب أوباما وسياسة التبرير
بقلم: بشير هلال عن الحياة اللندنية
بدل ان يرد على التساؤلات المفتوحة حول السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عهده، بدا خطاب الرئيس اوباما في أكاديمية «وست بوينت» العسكرية وما تمثله رمزياً، على مقدار عالٍ من التبريرية والشعور بالرضا، وهذا على رغم محاولة الإدارة الترويج قبل إلقائه بأنه سيكون خطاباً مفصلياً يتضمّن إعادة تعريف أهداف السياسة الخارجية وإطلاق مواقف «جديدة» من القضية السورية.
والحال أن الخطاب تضمن تبنياً لمفهومين ليسا جديدين في سياسته:
الأول، أن ليس «لكل مشكلة حل عسكري» مستشهداً لتأكيد ذلك بقول الجنرال الرئيس ايزنهاور بأن الحرب هي «الجنون الاكثر مأسوية والاكثر غباء في الطبيعة الانسانية» وبأن «بعض أخطائنا الأكثر كلفة منذ الحرب العالمية الثانية ليست ناتجة من امتناعنا، بل من إرادتنا المشاركة في مغامرات عسكرية من دون التفكير بنتائجها».
الثاني، أن الولايات المتحدة «لم تكن نسبياً أقوى مما هي عليه الآن»، وأن «مَن يعتبرون أن قوتها تتراجع يزيّفون التاريخ»، وأنها بهذه الصفة عليها «ان تقود الساحة الدولية، وإذا لم تفعل ذلك فلا احد سيفعله».
«التجديد» الوحيد الذي قدَّمه الرئيس أوباما جاء في مجال التحديد بالنفي لمحتوى العلاقة بروسيا البوتينية وتأكيده أن أحداث أوكرانيا ليست «حرباً باردة»، لكنه في المقابل تجنّب الإشارة إلى دلالات السياسة البوتينية في الملفيْن السوري والأوكراني بحيث بدا قوله «تمكّنا من عزل روسيا فوراً» وتجاهله أحداث شرق اوكرانيا كتبريرٍ ضمني لموقفه الموصوف بالضعف من خبراء وساسة اميركيين وأجانب، وكشرعنة لتقديره بأنه ما زال هناك «نظام دولي» فاعل. وهو ما أكده مستشاره بن رودس قبل يومين من الخطاب وتمهيداً له بأن قيادة الولايات المتحدة للعالم «يجب أن تكون في خدمة النظام الدولي»، على رغم أن الأخير موضع نزاع على توصيفه ومحتواه وأطرافه.
فهل هو نظام القطبية الأحادية الذي يمكن أن يوحي به تأكيد الخطاب بأن «لا غنى عن الولايات المتحدة على رأس القيادة الدولية، والسؤال ليس إذا كانت ستقود بل كيف ستفعل ذلك»، وأن الولايات المتحدة ستتابع استخدام القوة العسكرية بشكل أحادي «عندما تستدعي ذلك مصالحنا الجوهرية، ولدى تعرّض شعبنا لتهديد، وعندما يصبح رزقنا في خطر أو حين يتعرّض أمن حلفائنا لخطر». أو نظام القطبية الثنائية مع روسيا كما في عهد الحرب الباردة التي «لم تعُد»؟ او التعددية القطبية التي تضم دول البريكس وربما ايران أيضاً؟
ومثلما انه لا يُحدِّد صفة هذا النظام، فهو لا يحدد طبيعة قواه، وهل إن بعضها صالحٌ فعلاً بشروط وجودها وأساليب عملها لإقامة «نظام» ما، كالقوة التعطيلية الروسية مثلاً أو النظامين الصيني والإيراني؟ وما سيكونه «النظام» في هذه الحالة؟
الإشكال الآخر أن الخطاب أضاف قرينة جديدة على عودة مواربة ومتدرجة إلى مصطلح «الحرب على الإرهاب» الذي كان أعلن شطبه قبل اربعة أعوام، حتى لو تضمنَّت العودة المذكورة تقليصاً لأدوات ممارسته وتخفيضاً لمحتواه الأيديولوجي البوشي. وإلا فما معنى قوله إن «الإرهاب هو التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المستقبل القريب» وإن واقع تحوُّله من مركزية تنظيم «القاعدة» إلى فصائل تابعة له يوجب فقط «على الردّ الأميركي أن يتغيّر أيضاً». وضمن هذا السياق أتت دعوته للشراكة مع دول تبحث تنظيمات إرهابية عن موطئ قدم فيها وتأسيس صندوق شراكة مقداره 5 بلايين دولار لـ «مكافحة الإرهاب» في أفغانستان والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
والحال أن «التغيير» الذي أعلنه الخطاب والمعلومات المسرَّبة قبله وبعده في القضية السورية بدا محصوراً بخطة متدرجة لتدريب «قوى المعارضة المعتدلة» وتزويدها بأسلحة نوعية مع شروط ضبطٍ وإشرافٍ صارمة. وإذا كان ذلك غير سيئ بذاته، إلا أنه يستدعي ملاحظات عدة:
- إنه يأتي بعد ثلاث سنوات قاسية اقتصر خلالها دعم واشنطن على تقديم «المساعدات غير الفتَّاكة» والامتناع الطوعي عن استخدام وسائل الضغط التي يفهمها النظام وحلفاؤه كما أثبتت تجربة الكيماوي.
- إنه يُقدَّم كبديلٍ لإرسال قوات عسكرية ولأي تحرك خارج مجلس الأمن لتأمين منطقة حظر جوي أو سواها من تدابير حماية المدنيين والمناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.
- إنه أتى منعاً لـ «تصدير الأزمة إلى بلدان الجوار».
- إنه مشروطٌ بالتكامل مع الحرب على إرهاب «القاعدة» وفصائلها، على رغم إقرار أوباما بأن الشعب السوري يناضل «ضد ديكتاتور يقصف شعبه ويجوّعه»، وبأن فشل أميركا «في التحرّك لمواجهة الوحشية في سورية أو التحريض الروسي في أوكرانيا لا ينتهك فقط ضميرنا، بل يجرّ إلى تصعيد أكبر مستقبلاً»... وعلى رغم أن الادارة الاوبامية مسؤولة جزئياً على الأقل عبر سلبيتها وصمتها عن التدخلين الروسي والإيراني وعن مسالك بعض حلفائها الإقليميين، في انتشار نفوذ المجموعات الجهادية المتطرفة.
لا تعني هذه الملاحظات انه لم يكن على الثورة السورية التصدي السياسي والعملي للمجموعات المتطرفة التي همّشت الجيش الحر وأفسدت صورتها وأساءت إلى علاقتها بحواضنها الشعبية، وأن هيئاتها القيادية مسؤولة نسبياً لأنه كان ممكناً لها التنبه للأمر في وقتٍ أبكر، ولكنها تعني ان الأفق السياسي لما يمكن ان تريده إدارة أوباما للثورة السورية وتشرطها به لن يكون بالضرورة التغيير الجذري للنظام الأسدي بل إسقاط رؤوسه وتهجينه بشكليات ديموقراطية في تسوية «توافقية» تضمن نجاح مواجهة «التطرف» والاندراج في نظامٍ إقليمي يُعاد تأسيسه بشروطٍ وبقوى مختلفة. وهذه الأخيرة قد يسفر عنها التفاوض الأميركي- الإيراني الذي يعطيه أوباما أولوية إقليمية واضحة.
اذا كانت الأوصاف التي أسبغها اوباما على القوة الأميركية صحيحة، وهي كذلك على الأرجح، فإن استخدامها للتشديد على صحة مواقفه في الملفين السوري والاوكراني بوجه الانتقادات الموجهة اليه في اميركا نفسها، يبدو غير منطقي ولا يتعدى حدود التمديد لمراوحة واشنطن الغالبة بين تطرفين: الانعزالية والتدخلية الجامحة، بما لذلك من دلالات على اختلال في آليات تشكل القرار السياسي الأميركي وليس في «النظام» الدولي وحسب.
من يجرؤ على الكلام؟!
بقلم: علاء الأسواني عن المصري اليوم
عشت مثل ملايين المصريين الأجواء التى سبقت حرب 1967.. مازلت أذكر اللافتات التى انتشرت فى الشوارع وهى تحمل الشعارات الآتية: «سنشرب الشاى فى تل أبيب» «مرور العقبة بقطع الرقبة» «سنلقى بإسرائيل فى البحر».. كنت آنذاك طفلا أعيش مع أسرتى فى حى جاردن سيتى وفى العمارة المقابلة كانت تعيش أسرة إيطالية مكونة من رجل وزوجته وثلاثة أطفال والجدة التى صارت مع الأيام صديقة لى نتحدث يوميا بالفرنسية عبر الشرفة، اندلعت الحرب فى يوم 5 يونيو وراحت وسائل الإعلام المصرية تذيع الأغانى الحماسية وتوالت البيانات العسكرية التى تؤكد تفوقنا الكاسح على الجيش الإسرائيلى، ظللت واقفا فى الشرفة أترجم البيانات أولا بأول لصديقتى الإيطالية العجوز. قلت لها إننا أسقطنا 23 طائرة إسرئيلية ثم ارتفع العدد الى أربع وخمسين، وعندما صدر بيان يؤكد أننا أسقطنا مائة طائرة إسرائيلية.. فوجئت بالسيدة الإيطالية تلوح بيدها معترضة وتقول:
- اسمع.. لقد حضرت الحرب العالمية الثانية. يستحيل أن تسقطوا هذا العدد من الطائرات الإسرائيلية.. إن حكومتكم تكذب..
أنهيت الحوار مع السيدة وأنا غاضب وتصادف وجود عم لى ولما حكيت له ما حدث قال:
- الأجانب لا يريدون لنا الخير. إنهم يؤيدون إسرائيل وهم غاضبون من النصر الكاسح الذى أحرزناه.
لم أسترح لهذا المنطق فقد كنت أعرف أن السيدة الإيطالية لطيفة جدا وأنها تحب مصر والمصريين. فى اليوم التالى عرفت أن الإيطالية العجوز على حق عندما تبين أننا هزمنا هزيمة منكرة غير مسبوقة فى تاريخ مصر، وتبين أيضا أن البيانات العسكرية كانت مجموعة من الأكاذيب لم يحاسب من كتبها إلى اليوم. صحيح أننا تمكنا من عبور الهزيمة بعد حرب الاستنزاف وحرب 73 لكننى طالما تساءلت:
كان جمال عبدالناصر زعيما عظيما ورجلا عسكريا فكيف تسبب لمصر فى هذه الهزيمة المنكرة؟! الإجابة أن ما هزمنا هو الاستبداد. ما هزمنا هو عبادة الحاكم وتنزيهه عن العيوب. ما هزمنا أن أحدا لم يكن يجرؤ على الكلام. كل من اعترض على سياسات عبدالناصر كان يتهم بأنه خائن وعميل. مع القمع وكبت الحريات حدث لعبدالناصر ما حدث للمستبدين جميعا، إذ فقد القدرة على رؤية أخطائه وأساء التقدير فوقعت الهزيمة. يقول أصدقائى الناصريون إن أمريكا كانت تتآمر ضد نظام عبدالناصر.. هذا صحيح ولكن هل أمريكا التى جعلت عبدالناصر يستبقى عبدالحكيم عامر فى قيادة الجيش وهو يعلم قدراته العسكرية المتواضعة؟! هل أمريكا التى جعلت المشير عامر ينتقل من غرام إلى غرام حتى طغت مغامراته العاطفية على اهتمامه بقيادة الجيش؟ هل أمريكا التى جعلت الطائرات المصرية رابضة مكشوفة على الأرض حتى دمرها الطيران الإسرائيلى؟ إن الحكم الاستبدادى مهما حقق من إنجازات لابد أن ينتهى بكارثة كما حدث فى عام 67..
يعلمنا التاريخ أن السلطة عندما تحتكر الحقيقة والوطنية وتتهم من يعارضها بالخيانة والعمالة فإنها حتما ستقود البلاد إلى كارثة. نفس الأجواء نعيشها الآن من جديد. كتبت فى هذا المكان أدعو المصريين إلى النزول فى 30 يونيو واعتبرت تدخل الجيش للإطاحة بعصابة الإخوان عملا وطنيا عظيما وكنت ومازلت أعتبر أن المشير السيسى قام بعمل بطولى لما انحاز لإرادة الشعب، لكننى لم أوافق على الطريقة التى أديرت مصر بها بعد 30 يونيو، فقد عادت الدولة القمعية وتم القبض على عشرات الألوف من الناس، كثيرون منهم أبرياء لفقت لهم التهم المعدة سلفا وعاد التعذيب كما كان أيام مبارك وربما أسوأ، وصدر قانون للتظاهر غير دستورى لا مثيل له فى العالم يعاقب على الوقفات الاحتجاجية بالحبس سنوات عديدة. ثم تم عمل قانون انتخابات مخالف للدستور بشهادة مجلس الدولة، ما يجعل الانتخابات الرئاسية غير مطابقة للمعايير الديمقراطية حتى إن كانت غير مزورة.
كتبت أن حملة السيسى الرئاسية يديرها ضباط عاملون فى الجيش، ما يجعله مرشح الجيش ويجعل الانتخابات غير ديمقراطية. كان هذا رأيى وانتظرت أن يناقشنى أحد فيه لكننى فوجئت بمجموعة من الشتامين يتهموننى فى الفضائيات بالعمالة والخيانة لمجرد أننى عبرت عن رأى لا يرضى المشير السيسى. الآن فى مصر لم يعد مسموحا إلا بتمجيد المشير السيسى والتسبيح بحمده وإعطاء الدلائل على عبقريته.
أما إذا جرؤت على نقد السيسى فسوف يخرج عليك الشتامون فى الفضائيات لكى يلعنوك ويشوهوا سمعتك ويتهموك بأنك طابور خامس وخائن وعميل للمخابرات الأجنبية.. إن مناخ القمع وكبت الحريات يتزايد كل يوم، وبعد أن عانينا من تكفير الإخوان لمن يعارضهم صرنا نعانى من تخوين أنصار السيسى لكل من يجرؤ على توجيه النقد له. بعد أن تخلصنا من فاشية الإخوان الدينية يحاول بعض أنصار السيسى بناء فاشية جديدة تحتكر الحقيقة والوطنية..
منذ أيام خرج أنصار السيسى ليعلنوا فى التليفزيون أن المقاطعين للانتخابات خونة وعملاء يريدون هدم الوطن. من حق أى مواطن أن يقاطع الانتخابات بغير أن نتهمه بالخيانة والعمالة، ومن حق أى مصرى أن ينتقد تصرفات السيسى بغير أن نطعن فى وطنيته. بعض أنصار السيسى يحاولون أن يصنعوا منه فرعونا جديدا ولو نجحوا فى ذلك، فإن مصر ستدفع ذات الثمن الباهظ الذى دفعته مع كل حاكم مستبد. منذ أيام أبلغت جهة سيادية صاحب جريدة خاصة استياءها مما يكتبه صحفى شاب. أراد صاحب الجريدة الاستغناء عن الصحفى الشاب تقربا للسلطة، لكن رئيس التحرير رفض ودافع عن الصحفى الشاب الذى استشعر الحرج فاستقال حرصا على كرامته. قبل ذلك ترك الكاتب المعروف بلال فضل جريدة الشروق بسبب مقالات كتبها فى نقد السيسى ومرت شهور فلم تتحمس جريدة أخرى لاستكتاب بلال فضل مع أنه من ألمع الكتاب المصريين وأكثرهم موهبة، لكن أصحاب الصحف يخافون من غضب أنصار السيسى.. برنامج باسم يوسف الذى يسخر من كبار المسؤولين تم منعه أكثر من مرة، وسعى أنصار السيسى فمنعوه من قناة إم بى سى بقرار من ملك السعودية. الدول الديمقراطية تحترم آراء المعارضين وتستمع إليهم وتدرك أن واجب المثقف الحقيقى أن يقول ما يعتقده حتى لو أزعج رأيه الجمهور، حتى ينبهه إلى مخاطر قد يراها المثقف قبل سواه.. فى عام 1906 نشبت مشاجرة بين ضباط بريطانيين وبعض الفلاحين فى قرية دنشواى وأقيمت محاكمة ظالمة قضت بإعدام أربعة فلاحين وحبس العشرات عندئذ اعترض الكاتب البريطانى جورج برناردشو على مذبحة دنشواى وكتب: «إذا كانت الإمبراطورية البريطانية تريد أن تحكم العالم كما فعلت فى دنشواى.. فلن يكون على وجه الأرض واجب سياسى مقدس وأكثر إلحاحا من تقويض هذه الإمبراطورية وقمعها وإلحاق الهزيمة بها».
لم يتهم أحد الكاتب شو يومئذ بالخيانة أو بأنه يعادى جيش بلاده، وإنما استجابت الحكومة البريطانية إلى نقده القاسى لها وعزلت اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر آنذاك.. فى الستينيات وقف الكاتب الفرنسى جون بول سارتر ضد الرأى العام فى فرنسا، وطالب بإعطاء الجزائريين حق تقرير المصير فلم يتهمه أحد بأنه يتآمر ضد بلاده. عندما شن جورج بوش الحرب على العراق وقف المخرج الأمريكى مايكل مور ليقول أمام العالم كله:
«إن بوش يجرنا إلى حرب لأسباب وهمية من أجل البترول. عار عليك يا مستر بوش».
لم يتهم أحد مايكل مور بالخيانة. إن الدول الديمقراطية تحترم من يخالفها فى الرأى بينما فى حكم الاستبداد يتم تحقير المعارضين والتنكيل بهم لذلك تتقدم الدول الغربية باستمرار بينما نواصل نحن انحدارنا نحو الحضيض. هذا المناخ القمعى الذى ينتشر فى مصر قد انتقل أيضا إلى تعاملنا مع العالم. هناك عشرات الألوف من المعتقلين فى السجون فإذا تحدث عنهم صحفى أجنبى سارع الإعلام المصرى باتهامه بأنه عميل إسرائيلى أو مأجور قابض من الإخوان. استدعت الحكومة المصرية بعثة من الاتحاد الأوروبى لمراقبة الانتخابات الرئاسية، وكانت الحكومة تأمل أن يجىء تقرير البعثة ليؤكد أن كل شىء عظيم ولعل المسؤولين المصريين توقعوا أن يرقص أعضاء البعثة الأوروبية على نغمات أغنية «بشرة خير». المراقبون الأوروبيون استجابوا لضمائرهم وكتبوا تقريرا متوازنا سجل الإيجابيات والسلبيات، وأكد أن هذه الانتخابات تتم وفقا لقانون مخالف للدستور، وأن هناك جوا قمعيا فى مصر بسبب قانون التظاهر الذى يعاقب المتظاهرين السلميين بالحبس سنوات..
هنا قامت الدنيا ولم تقعد وتوالت الاتهامات لأعضاء البعثة بأنهم موالون للإخوان ومعادون لمصر، وينفذون مخططا أمريكيا شريرا... إلى آخر هذه السخافات، وفى مشهد مؤسف قامت الدكتورة ميرفت التلاوى بطرد رئيسة البعثة من ندوة عن المرأة وسط تصفيق الحاضرين الذين راحوا يصيحون الله أكبر وكأنهم يخوضون حربا مقدسة ضد السيدة الأجنبية التى هى فى النهاية ضيفة على مصر لا يليق أبدا أن نعاملها بهذه الطريقة.. هل ندعو أعضاء البعثات الدولية ليراقبوا الانتخابات وإذا لم تعجبنا تقاريرهم نلعنهم ونطردهم من الندوات؟! هل هذا السلوك يفيد صورة مصر أمام العالم؟ فى وسط كل هذا القمع أصدر الرئيس المؤقت عدلى منصور قانونا يعاقب بالحبس والغرامة من لا يحترم العلم والسلام الجمهورى؟ هل يحتاج المصريون إلى قانون لكى يحبوا بلادهم وهل يحب الإنسان بلاده خوفا من الغرامة؟! إن احترام العلم والسلام الجمهورى شىء عظيم، لكن الأهم احترام المواطن. كما يعاقب الرئيس المؤقت من لا يقف لتحية العلم لماذا لا يعاقب من يعتقل المصريين ويعذبهم ويهين آدميتهم فى السجون كما تؤكد عشرات التقارير الموثقة.. إن المشير عبدالفتاح السيسى يتولى الآن رئاسة مصر رسميا، ومهما كان رأينا فيما حدث أثناء المرحلة الانتقالية فإن واجبنا أن نطوى خلافاتنا جميعا ونصطف حول الرئيس الجديد لنساعده على النجاح فى منصبه. أهم مساعدة نقدمها للرئيس السيسى أن نواجهه بالنقد الصريح الصادق مهما يكن قاسيا. يجب على الرئيس السيسى أن يتخلص من الجوقة العجيبة التى تشكلت حوله: طبالون وزمارون وعملاء للأمن وآكلون على كل الموائد وفلول نظام مبارك من كبار اللصوص.. يجب عليه إلغاء قانون التظاهر والإفراج فورا عن المعتقلين الذين لم يرتكبوا جرائم لأن نجاحه كرئيس مرتبط بتوفيره لمناخ من الحريات الحقيقية واحترامه لكل من يختلف معه فى الرأى. عندئذ فقط يبدأ المستقبل فى مصر.
لعنة الجغرافيا القطرية
بقلم: سالم حميد عن العرب اللندنية
للجغرافيا دور مهم في تحديد السلوك الخارجي للدولة، وعلاقاتها وأطر تحالفها، ومجالات وآليات نشاطها، وذلك منوط بقدرة النظام السياسي على توظيف المعطى الجغرافي في نزعته السلوكية. وتتحكم الجغرافيا بدورها في حجم المعطى الديمغرافي القادر على إدارة الدولة.
من ذلك، تعاني قطر مما يمكن تسميته بلعنة الجغرافيا، التي وضعتها بين قوتين إقليميتين في المنطقة، جعلتها تعيش هاجس الشك في كيانها كدولة، والخشية من محيطها، وهو ما دفعها إلى توظيف مقدراتها المالية في توسيع نشاطاتها الخارجية أكثر مما تتحمله مكانتها الجغرافية والديمغرافية، بل والمكانية في ظل أكثر المناطق تأزما على مستوى العالم.
كان من المفروض، أن تنتمي قطر إلى محيطها الخليجي، وتعمل على تعزيز المداخل المشتركة في ما بينها، مع أدوار خارجية تتوافق مع مقوماتها من جهة، ومع توجهات البيئة الخليجية من جهة أخرى، وتمثل الكويت والبحرين مثالين لذات الحالة، حيث استطاعتا الحفاظ على كيانهما، وتعزيز أطر التعاون الخليجي مع سياسة خارجية فاعلة تتلاءم مع ذات المعطيات. إلا أن لعنة الجغرافيا القطرية، دفعتها إلى أن تتحول إلى عبء على محيطها الخليجي، من خلال سلوك تحريضي، ولا يمكن اعتبار السلوك العدائي القطري تجاه هذا المحيط، إلا فقدانا للثقة بالذات من جهة، وعقدة انتماء تعود إلى عقود سابقة، لا ترى في نفسها إلا جزءاً فالتا من الجغرافيا الأم- الجغرافيا السعودية- أدت الظروف الدولية القائمة آنذاك إلى إعلانها دولة مستقلة. ذات العقدة التي دفعتها إلى التمرد على مفاوضات توحيد الإمارات العربية المتحدة، عوضا عن أن تكون إمارة ثامنة تخضع لسلطة أبوظبي الفدرالية. وهو ما دفعها إلى تبني سياسات عدائية تجاه الدولتين.
لم تتبلور تلك الإشكالية بشكل واضح إلا في العقدين الماضيين، حيث تحولت السياسة الخارجية القطرية من الانطواء على الذات، إلى نهج التضخم عبر التطاول على المحيط الخليجي، في اعتقاد أن ذلك هو ما يصنع منها دولة ذات مكانة إقليمية قادرة على فرض سلوك محيطي يخدم مصالحها. عبر جر دول الخليج إلى أزمات إقليمية ودولية ناتجة عن السلوك القطري غير المستقر.
وإن كانت علاقات قطر مع دول الخليج، مرت بتأزم خلال الأشهر الماضية، إلا أن التأزم الجديد، في ظل التغيرات المتسارعة في المنطقة، بعد تعزيز القوة الخليجية ومحاولة إحداث نمط تفاوضي مع إيران يبعد شبح الحرب عن المنطقة، يدفع إلى التساؤل عن دوافع قطر إلى تصعيد التوترات الخليجية، وعن المستفيد من تلك الإجراءات.
لاشك أن بنية خليجية متوافقة حول التوجهات الخارجية العامة، وعلى تنسيق أمني مشترك واضح الأبعاد، هي الكفيلة بصيانة أمن دول مجلس التعاون الخليجي، والخروج على ذلك هو بالذات ما تدفع إليه إيران في سعي يبقى قائما لاختراق البيئة الخليجية وتأزيمها داخلياً، يمهد لفرض معطيات تخدم المصالح الإيرانية بالمطلق.
وسواء كان التطاول القطري على الشقيقات الخليجيات، فعلا مستقلا مقصودا، بغية ترميم أزمة الهوية فيها، أو كان فعلاً موجها من قبل إيران، فإنها هي الخاسر الأهم في هذه المعادلة، عبر سلخ ذاتها عن محيطها، وفقدان الظهير الأمني الخليجي لها، في مواجهة قوة إيران التي تسعى إلى التغول في محيطها، ومن ثم تحولها إلى ساحة صراع خليجي- إيراني، تفقدها مكتسباتها التنموية وتذهب بأدوارها الخارجية، وتهدد وجودها ككيان.
ولا يمكن تفسير السلوك القطري العدائي، إلا ضمن هذا الفهم، باعتباره محاولة لشرخ أطر التحالف الخليجية، في تقصد مباشر لمجلس التعاون الخليجي الذي شكل إطارا تعاونياً بارزا منذ ثمانينات القرن الماضي، وكان له الدور الأبرز في ضبط الساحة البحرينية، وإبعاد النفوذ الإيراني عنها عام 2011، عبر جهازه العسكري “درع الجزيرة”. دون أن تدرك قطر أن عملية تجميد عضويتها أو إبعادها عن المجلس تبقى قائمة. كما تمتلك دول الخليج أدوات واسعة لمعاقبة قطر على سلوكها، سواء عبر المقاطعة أو فرض حصار جوي أو بري، أو غلق الأجواء أمام الطيران القطري، إذ لا يمكن الاستمرار في التعويل على الصبر السعودي طويلا.
كما تمتلك قطر من الإشكاليات ما يفتح عليها أزمات دولية عدة لا قبل لها بها منفردة، ليست بدءا بملف العمالة، ولا انتهاء بتورط في دعم الاضطرابات في دول الخليج العربي، وهو ما يدفعها إلى التفكير في إعادة عقلنة سلوكها في التعاطي مع محيطها، وضبط وسائل هذا التعاطي.
يبدو أن قطر قادمة على مرحلة قد تكون الأسوأ في تاريخها، لناحية علاقاتها العربية والدولية، بعد أن تضخم سلوكها الخارجي إلى درجة بات ينعكس سلبا عليها، أو بالأصح بلغ نقطة الانهيار، ولم يعد بإمكانها العودة عنه، إلا بعد أن تطالها تداعيات هذا السلوك. وخاصة أنها لم تكن قادرة على استيعاب الدرس السابق، بعد سحب سفراء الدول الخليجية منها. ولا يبدو أن الطاقم الحاكم حاليا قادر على قراءة المتغيرات المحيطة بقطر، بل ويعوزه كثير من الحنكة السياسية التي يفتقدها.
قد تشهد الأيام المقبلة عقوبات خليجية على دولة قطر، في حال عدم قدرتها على إحداث تغيير في سلوكها، وضبط الجهات المحرضة على تأزيم العلاقات البينية، والخروج من معادلات صراع المصالح الخليجية- الإيرانية، لصالح عزلة مؤقتة تعيد فيها تأهيل سياستها، وتتصالح مع محيطها وفق ضمانات حقيقية.