كلمة السيد الرئيس في مؤتمر القدس بالدوحة
كلمة السيد الرئيس في مؤتمر القدس بالدوحة
نص كلمة السيد الرئيس محمود عباس في كلمته بافتتاح 'المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس وحمايتها' في العاصمة القطرية الدوحة.
نقلا عن قناة الجزيرة
• تقدم بالشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على استضافة قطر لهذا المؤتمر المهم في الدوحة.
• وقعنا في رحاب الدوحة قبل فترة قصيرة إعلانا يسرِع خطوات تنفيذ اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، الذي سبق أن وقعناه في القاهرة وينهي النقاط العالقة.
• شكر معالي الأمين العام لجامعة الدول العربية وأمانتها العامة وطاقمها، وجميع من أسهم في التحضير لعقد هذا المؤتمر.
• ينعقد المؤتمر الدولي للدفاع عن القدس وحمايتها اليوم في ظل مرحلة دقيقة جداً واستثنائية، تتعلق بعاصمة فلسطين وقلبها النابض، وما تواجهه من تحديات وأخطار من غير المسموح بعد الآن تجاهلها وعدم التصدي لها.
• إن تقديم إجابات شافية على التحديات الماثلة أمامنا هي مسؤولية كبيرة، تفرض على كل الحريصين على القدس اعتماد السياسات، وتوفير الإمكانات لضمان النجاح في الحفاظ على طابعها العربي الإسلامي والمسيحي، فهي مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهي مدينة المسجد الأقصى المبارك، ومسجد قبة الصخرة المشرفة، ومدينةُ كنيسةِ القيامة ودربِ الآلام، والمدينةُ التي يجب أن تكون رمزاً للسلام.
• لا بد لنا من التركيز على قراءة ما هو عام ورئيس في ما تتعرض له القدس من مخططات إسرائيلية، حيث يمكننا ذلك من استخلاص استنتاجات محددة تثبت ارتقاء أدائنا إلى مستوى هذه التحديات.
• أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسرع وبشكل غير مسبوق، وباستخدام أبشع وأخطر الوسائل، تنفيذ خطط ما تعتبره المعركةَ الأخيرةَ في حربها الهادفةِ لمحو وإزالة الطابع العربي الإسلامي والمسيحي للقدس الشرقية، سعياً لتهويدها وتكريسها عاصمة لدولة الاحتلال، خلافاً لقرارات مجلس الأمن والتي يفوق عددها 15 ، قراراً تدعو إسرائيل إلى التراجع عن إجراءاتها وتعتبرها باطلة.
• إن محاولات سلطة الاحتلال تحقيق هدفها النهائي من هذه الخطط في القدس تتم على ثلاثة محاور مُتلازمة ومتداخلة ومُتزامنة:
المحور الأول: تعمل سلطة الاحتلال من خلاله على تغيير معالم وبنية المشهد المقدسي بأدق تفاصيله، معتقدين أنهم بذلك يستطيعون أن يمسحوا من ذاكرة العالم ووعيه ما يستحضره ذكر اسم القدس على الفور من صورةِ القبة الذهبية المتلألئة لمسجد قبة الصخرة المشرفة، وعمقِ ورسوخِ الصورة البصرية الباهرة لتجاور وتآخي مآذن المساجد وقباب الكنائس، في ظلالِ أسوار المدينة الشاهدة على تاريخ وذكريات ووقائع، ومتوهمين أنهم قادرون على استبدالها، وإحلال مشهد مغاير يخدم أوهام الخرافات وغطرسة القوة، وأنهم بحكم القوة الغاشمة تلك قادرون على ابتداع تاريخ وتثبيت مزاعم، وإلغاء حقائق دينية وتاريخية.
• تشهد القدس تسارعا غير مسبوق في الهجمة الاستيطانية، حيث يجري العمل ليل نهار، لاختلاق تفاصيل مصطنعة في المشهد المقدسي، تتناقض وخصائصَه المعمارية وجذوره الحضارية والثقافية العربية المؤسسة لهوية مدينة الأقصى وكنيسة القيامة.
• منذ أن أقدمت سلطات الاحتلال على إزالة حي المغاربة بعد حرب عام 1967 داخل البلدة القديمة في القدس، لا تزال تواصل هدم البيوت التي تحمل رمزية تاريخية مثل كرم المفتي وغيرها، وتبني المستوطنات في أكثر من موقع على أراضٍ تمت مصادرتها من مواطني المدينة المقدسة.
• بالرغم من الإمكانات الهائلة التي وضعتها سلطات الاحتلال تحت تصرف المتطرفين ليقوموا بالحفريات المتواصلة التي تُهدد بتقويض المسجد الأقصى، بهدف استخراج شواهد تدعم الرواية الإسرائيلية اليهودية، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً، لكن ذلك لم يمنعها من مسابقة الزمن بتنفيذ كل ما شأنه إضفاء الطابع اليهودي على المدينة، من بناء كنس لحجب مشهد الأقصى، وإعدادِ مجسَمات لما يسمونه الهيكل بهدف بنائه على أنقاض الأقصى، إلى إقامة ما يسمى بالحدائق التوراتية على حساب أراضي وبيوت المقدسيين.
المحور الثاني: استكمال خطة التطهير العرقي.
• بدأ الاحتلال منذ يومه الأول عام 1967 في تنفيذ مخططٍ هدفهُ دفع المواطنين الفلسطينيين إلى مغادرة مدينتهم، من خلال إرهاق المقدسيين بترسانة من الضرائب المتعددة والباهظة، المرتبطة بإجراءات عقابية، لإجبار التجار وأصحاب الأعمال ومجمل المواطنين على إقفال مصالحهم ومغادرة المدينة
• اتبعت سلطات الاحتلال سياسة رَفضِ مَنحِ رُخصٍ لبناء البيوت، والقيام بهدمِ البيوت التي ترى أنها بُنيت دون موافقتها.
• وصلت هذه المخططات ذروتها بإتباع سياسة مصادرةِ هويات المقدسيين وحرمانهم من الإقامة في مسقط رأسهم، بل إن الأمور أخذت منحىً تصعيدياً خطيراً خلال الشهور الماضية، عندما أقدمت السلطات الإسرائيلية على اعتقال نوابٍ مقدسيين، وإصدار وتنفيذ أوامرَ بإبعادهم عن مدينتهم وعائلاتهم، ومقابل ذلك يدفع الاحتلال بالمستوطنين للاستيلاء على البيوت العربية وإجبار سكانها على مغادرتها.
• إن ما تنفذه سلطات الاحتلال هو تطهير عرقي، بكل ما يعنيه ذلك، ضد المواطنين الفلسطينيين، لجعلهم في أحسن الحالات أقلية في مدينتهم، لهم صفةُ المقيم فقط، مقابل تعزيز الوجود اليهودي ببناء المزيد من المستوطنات.
المحور الثالث: تعمل سلطات الاحتلال من خلاله على إفقار المدينة المقدسة وتدمير بنيتها التحتية وضرب مواردها الاقتصادية، وهي التي كانت على الدوام وفي كل العصور عنواناً للازدِهار ومركزاً رئيساً للنشاط الاقتصادي والسياحي والطبي والتعليمي، وحاضنةً للنشاط الثقافي والفكري والفني في فلسطين
• لتحقيق ذلك أقفلت سلطات الاحتلال مقارَ العديد من المؤسسات الفلسطينية، كبيت الشرق ومقار النقابات المهنية والعمالية والغرفة التجارية، التي تأسست في ثلاثينات القرن الماضي، أي قبل نكبة 48 وقيام إسرائيل
• كما ترفض منح التراخيص لبناء المستشفيات والجامعات والمدارس والفنادق والبيوت والمراكز التجارية
• سَنَّتْ قوانين واتخذت إجراءات للسيطرة على حركة السياح الأجانب لإبعادهم عن فنادق المدينة التي يمتلكها الفلسطينيون.
• وكان الإجراء الأخطر إضافة إلى تطويق القدس بسلسلة مستوطنات لفصلها عن بقية أجزاء الضفة الغربية، هو نَصْبُ سلطات الاحتلال للحواجز الدائمة منذ التسعينات، والتي بموجبها أصبح المواطنون الفلسطينيون ممنوعين من دخول القدس سواء كان ذلك للصلاة أو للعمل أو للعلاج أو للدراسة أو للتسوق أو لزيارة أقاربهم وعائلاتهم إلا بتصاريح يكون الحصول عليها شبه مستحيل.
• لقد ولد و كبر في فلسطين، جيل ليس بإمكانه التوجه لزيارة مدينته المقدسة، التي تبعد عن مدينته أو قريته أو مخيمه مسافة يمكن قطعها في بضع دقائق أو في نصف ساعة من أبعد الأماكن.
• لقد أدى هذا الإجراء إلى ما يمكن أن نشبهه بتوقف تدفق الدم من الشرايين إلى القلب، فالقدس على مدى تاريخها كانت تستقبل يومياً عشراتِ الآلاف من أبناء المدن الفلسطينية الأخرى الذين كانوا يتدفقون إلى أماكنها المقدسة وأسواقها ومدارسها ومستشفياتها ومشاغلها وورشها.
• إن الاحتلال يهدف إلى حرمان القدس من أداء دورها التاريخي والديني، ويريد أن يلغي تَمَيُّزَها كمركزٍ حضاري طليعي وعالمي، لم يتوقف يوماً عن الإسهام في الحضارة الإنسانية وإغنائها، ساعياً لتحويلها إلى أحياء قديمة متداعية، ومساجد وكنائس مهجورة، وأسواق وشوارع خالية، يريد أن يعيد جوهرة فلسطين وزهرة مدائنها قروناً إلى الوراء.
• هذه هي التحديات المطروحة على الأمتين العربية والإسلامية والمسيحيين في جميع أنحاء العالم، وإذا اتفقنا على تحديد أهداف مخططات الاحتلال، يصبح من اليسير أن نحدد سبل المواجهة.
• إن أحد أهم استنتاجاتنا، الذي يرقى إلى مستوى التحدي، هو بالتشديد على أن المطلوب هو دعم صمود وثبات المقدسيين حماة المدينة المقدسة، الذين رغم الصورة المظلمة التي تولدها ضخامة ووحشية الهجمة الاحتلالية فإنهم يبقون شُعاعا للأمل وضمانة للنجاح والصمود، لأنهم أبناء القدس القابضون على الجمر في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، وهم أهل ارض المحشر والمنشر ومهما كانت المحاولاتُ والمخططات، ستبقى القدس عربية القلب والوجدان والروح واللسان، وسيبقى المقدسيون ومعهم أبناء شعبهم جميعاً يتحدون الظروف المستحيلة، يعيشون في مدينتهم، يعمرون ويحمون الأقصى ومساجد وكنائس المدينة
• عندما لوحت إسرائيل بمصادرة هويات المقدسيين غير المقيمين في المدينة سارع الآلاف للعودة إليها، وسكنت بعض الأسر بأعداد كبيرة في غرف صغيرة لإفشال مخطط الاحتلال.
• أشير إلى أن هناك العديدَ من الدراسات والمشاريع التفصيلية في مختلف القطاعات، والتي وضعت خلال العقود الماضية حول ما يتعين عمله لإنقاذ القدس
• أن هناك آلياتٍ فلسطينيةً معتمدة وكوادر مهنية شهدت على قدراتها وكفاءاتها وشفافية عملها كل المؤسسات المالية الدولية، قادرةٌ على تنفيذ أية مشاريع تطرح
• أُذَكِّر أيضاً بأن هناك قرارات اتخذت في القمم العربية، وآخرها قمة سرت الثانية حول دعم القدس والتي لم تجد طريقها للتنفيذ
• اتفقنا مع منظمة التعاون الإسلامي مؤخراً، التي تبنت الخطة التي أعددناها للقدس بأن نعمل سوياً حتى تقوم كل الدول العربية والإسلامية القادرة بتبني قطاعاً من قطاعات تعزيز صمود شعبنا في القدس كالصحة والتعليم والسكن والبنى التحتية والثقافة والأماكن الدينية والتجارة والاقتصاد وغيرها
• بالأمس أثناء لقائي مع الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الدكتور إكمال الدين إحسان أوغلو قمنا بالاتفاق على الخطة واليات تنفيذها، وسوف يقوم الدكتور أغلو شخصيا بمتابعة تنفيذ هذه الخطة التي نأمل أن تكون بمثابة أفعال لتعزيز صمود أبناء شعبنا في القدس الشريف
• بهذه المناسبة اشكر البنك الإسلامي على ما يقدمه من مشاريع لدعم صمود أهلنا في المدينة.
• بهذه المناسبة أود أن أعبر عن تقديرنا الكبير لـ وثيقة القدس التي أعلن عنها فضيلة شيخ الأزهر قبل أيام في اختتام المؤتمر الخاص بالقدس، الذي عقد في القاهرة، لما تضمنته من رؤية واضحة وما اقترحته من خطط وفعاليات. وأشير في هذا السياق إلى تقرير قناصل الاتحاد الأوروبي حول القدس.
• إن أساس أي عمل نقوم به يستند إلى إدراك وتثبيت مركزية القدس بالنسبة للقضية الفلسطينية، وانطلاقاً من ذلك يأتي تمسكنا بموقفنا المبدئي، بعدم استئناف المفاوضات طالما لم تنفذ سلطات الاحتلال التزاماتها بوقف الاستيطان وبخاصة في القدس.
• وهنا تقتضي الضرورة منا العمل على عدة محاور منها:
المحور الأول: إن قضية القدس يجب أن تصبح العُنوانَ المركزي والأساس والجوهري في علاقات الدول العربية والإسلامية السياسية والاقتصادية مع دول العالم
• ويتوجب علينا جميعا بلورة خطة عمل موحدة مع الكنائس المسيحية المختلفة المعنية بالحفاظ على الكنائس كأماكن للعبادة وليس أماكن للسياحة، بخاصة أن هناك عشرات الآلاف من المؤمنين المسيحيين يقومون بالحج سنويا إلى الأرض المقدسة
• من هذا المنبر نؤكد أن ما يسمى بقانون ضم القدس الذي سنته إسرائيل في السابع والعشرين من حزيران عام 67 هو باطل، باطل، باطل! إن القدس الشرقية هي العاصمة الأبدية لفلسطين.
المحور الثاني: السعي لتعزيز البنية التحتية للمجتمع المقدسي عبر تبني المشاريع المخصصة لدعم المؤسسات وغيرها من المشاريع في المدينة المقدسة، ويمكننا هنا توسيع مجال المشاركة لتشمل المؤسسات الأهلية إلى جانب الحكومات العربية والإسلامية، فهناك مجالات واسعة لبناء علاقات توأمة وشراكة بين مؤسسات متماثلة في مختلف القطاعات التربوية والتعليمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية
• هناك مجالات واسعة لإحداث فارق نوعي عبر سلسلة مشاريع صغيرة تُشرِك أكبر عدد ممكن من المواطنين العرب المسلمين والمسيحيين في الجهد المطلوب، ويبرز هنا الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه رجال الأعمال والقطاع الخاص من الدول العربية.
المحور الثالث: يرتبط بإبداع حالة تواصل دائم مع أبناء القدس لكسر الحصار المفروض عليها وعليهم، وأشير هنا إلى دورٍ طليعي يقوم به إخوتنا في مناطق 48 يقومون وبشكل متواصل بتنظيم زيارات تضم الآلاف منهم، حيث يتدفقون نحو المدينة المقدسة المحاصرة بالمستوطنات وجدار العزل العنصري وحواجز الاحتلال، فَتَعمُرُ مساجدُها بهم وتنتعش أسواقها، ويشعر أبناؤها الصامدون أنهم ليسوا وحدهم
• ومن هنا تبرز ضرورة أن نشجع كل من يستطيع وبخاصة إخوتنا من الدول العربية والإسلامية إضافة إلى إخوتنا العرب والمسلمين والمسيحيين في أوروبا وأميركا على التوجه لزيارة القدس.
• إن هذا التحرك سيكون له تداعياته السياسية والمعنوية والاقتصادية والإنسانية، فالقدس تخصنا وتمسنا جميعاً ولن يستطيع أحد منعنا من الوصول إليها.
• إن تدفق الحشود إليها وازدحام شوارعها والأماكن المقدسة فيها، سيعزز صمود مواطنيها، ويسهم في حماية وترسيخ هوية وتاريخ وتراث المدينة المُستَهدَفَيْن بالاستئصال، وسيذكر المحتلين أن قضية القدس هي قضية كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي.
• أؤكد هنا على أن زيارة السجين هي نصرة له ولا تعني بأي حال من الأحوال تطبيعاً مع السجان.
• نحن أهل الأرض المقدسة، ندرك حجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا، ويشرفنا حفظ الأمانة التي أودعنا إياها، ولنا الفخر أننا نقف في قلب المعركة وعلى خط الدفاع الأول عن القدس.
• القدس هي عنوان هويتنا، وهي البداية والنهاية، وهي مفتاح السلام، هي واسطة عقد مدننا، والقلب النابض لوطننا، ودرة تاجنا الفلسطيني والعربي والإسلامي والمسيحي، عاصمة وطننا التاريخية الأبدية، دولة فلسطين المستقلة.<hr>إضغط هنا لتحميل الملف المرفق كاملاً