في هذا الملف....

أيها الفلسطينيون .. هذا موسم المصالحة فازرعوا!

الكاتب: سلطان الحطاب_ الرأي الاردنية

حتى لا يقع جنوب السودان في حضن إسرائيل

الكاتب: ابراهيم العبسي_ الرأي الاردنية

“القضية” منسيّة والقدس تستغيث

الكاتب: بركات شلاتوة_ الخليج الاما راتية

هل هي حكومة مصالحة فعلاً؟

الكاتب: ناجي صادق شراب_ الخليج الاماراتية

السلفيون وإسرائيل.. تطوّر سياسي مدهش

الكاتب: طه خليفة_ الراية القطرية

أيشهد العام المقبل ربيعاً فلسطينياً؟

الكاتب: هاني المصري_ السفير اللبنانية

أقنعة «الإخوان»

الكاتب: خالد السعيّد _ الحياة اللندنية

الربيع الاخواني

الكاتب: عماد الدين اديب_ الشرق الاوسط

أيها الفلسطينيون .. هذا موسم المصالحة فازرعوا!

الكاتب: سلطان الحطاب_ الرأي الاردنية

قد لا تكون مثل هذه الفرصة متاحة من قبل، وقد توفر الآن للرئيس محمود عباس داخل البيت الفلسطيني ما لم يتوفر للرئيس الراحل ياسر عرفات..ففي الاطار الذي يعاد تجديده منظمة التحرير الفلسطينية ستكون فصائل أخرى حماس والجهاد الاسلامي اضافة الى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية_التقليدية واعضاء اللجنة التنفيذية والمستقلين..

انتظم الصف في قصر الامم في القاهرة الان وهذه لحظة تاريخية قد تصعد بالرئيس محمود عباس عالياً ليتم هذا الامر في عهده ويدخل به التاريخ من أوسع أبوابه ويكرس نفسه الزعيم الذي اعاد بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية..

انها استراحة الجميع سواء الذين أثقلتهم المقاومة لانعدام شروطها الموضوعية أو الذين أثقلهم التفاوض الذي فاقت كلفته كلفة القتال..تأتي القيادات الفلسطينية من الداخل والمنافي متعبة ومرهقة..خائفة ومهددة..كانت تعتقد انها أكبر من قضيتها حين أجلت المصالحة أو تهربت منها، وحين اعتقدت ان الاجتهاد السياسي والفتاوى الجاهزة أهم من وحدة الشعب والتراب والهدف..

ما اصاب الشعب الفلسطيني من انقسام وتمزق على يد ابنائه حين وقع الانقسام هو أفدح مما أصابه على يد اعدائه منذ وقوع النكبة ولذا فإن رهان عدو القضية هو على بقاء الانقسام وليس على أي شيء آخر لأنه يدرك أن هذه القضية لا تصفى ولا تنتهي الا بالانقسام الفلسطيني الذي وقع وقد أرادت أطراف داخلية وخارجية تأبيده وجعله القاعدة لا الاستثناء..

الغريب في الأمر أنه رغم النزف الذي أصاب القضية وما وصلت اليه من ترد والطريقة التي تتعامل بها اسرائيل من خلال احتلالها مع الشعب الفلسطيني وما لحق بهذا الشعب من دمار لم يدفع القيادة الفلسطينية لانجاز المصالحة..ولكن الأمل ما زال قائماً والخطورة أن لا ضغط شعبياً على القيادات الفلسطينية للقيام بذلك..

فالمراقب لا يرى أي مظاهرات عملية وهامة ومؤثرة ومستمرة في الداخل والخارج لانجاز ذلك وحتى هذه الخطوات الهامة والتاريخية التي تتخذ الآن في القاهرة لم تحرك الشارع الفلسطيني تأييداً وترحيباً ربما لعدم الثقة وليأس الشعب الفلسطيني من قياداته الآن وقد نهضت مصر بدورها القومي وأدركت خطورة الانشقاق الفلسطيني على أمنها القومي وبوابتها الشمالية ودورها العربي فانتظمت الجلسات وغابت عقلية المقايضة والصفقات التي أدارها نظام مبارك..الآن وقد جاءت حماس وفتح وكل الفصائل تبحث عن بيت العائلة الفلسطيني لتجد شرعيتها فإن المطلوب أن يتحرك الشارع الفلسطيني لدفع النتائج للأمام وتحقيق الوحدة الفلسطينية بأي ثمن فمهر هذه الوحدة مهما كان غالياً يجب دفعه فالخلافات السياسية والايديولوجية لا تبرر استمرار الانفصال لأن الانفصال في استمراره يعني موت قضية الشعب الفلسطيني وتعطيل تحررها..

يسجل للرئيس عباس بعد عمر مديد خطوة موفقة ان استطاع ان يجعل من هذا الحصاد نصراً للشعب الفلسطيني فقوة الفصيلين في توحدهما وتقريب الاهداف لتصبح في اطار واحد..

المنظمة هي بيت ووطن الشعب الفلسطيني إلى أن تقوم دولته وعلى كل الاطراف الدخول الى هذا البيت وتأهيله واصلاحه لان تجربة تعطيله والهروب منه والبحث عن سواه كانت تجربة مرة..

على الشعب الفلسطيني الذي عانى النكبة والاحتلال أن لا يقف متفرجاً فهذه فرصة أن يجمع شمله وشتاته وأن يعبر عن إرادته الكفاحية وروحه الحرة..

أعداء الشعب الفلسطيني وفي مقدمتهم اسرائيل ستعمل كل ما في وسعها لابطال المصالحة وتعطيلها والانقلاب عليها ولها أدوات عديدة تبدأ بالاعلام وتنتهي بالتهديد والقتل والعدوان..ألم يهددوا الرئيس عباس بالقتل ان انجز المصالحة واتهامه بتعطيل عملية السلام..هذا هو الخيار الصعب وأعتقد أن سيختار التضحية من أجل شعبه وعلى الآخرين ان يلاقونه على صناديق الاقتراع للاحتفال بولادة الوحدة الوطنية مهما كان لون لباسها وطريقة حديثها ورؤيتها لمستقبل الشعب الفلسطيني.

حتى لا يقع جنوب السودان في حضن إسرائيل

الكاتب: ابراهيم العبسي_ الرأي الاردنية

ليس صحيحا على الاطلاق ان بمقدورنا نحن العرب ان نثني سيلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان عن التوجه الى اسرائيل واقامة علاقات سياسية واقتصادية وتجارية وثقافية مع تل ابيب، ومساعدته في بناء دولته الجديدة من الصفر بعد حرب استمرت 38 عاما بين الخرطوم في الشمال وابوجا في الجنوب اكلت الاخضر واليابس، اذا ما فتحنا له ابواب عواصمنا وقدمنا له كل ما تحتاجه بلاده من دعم مالي وعمراني وتعليمي وسياسي واقتصادي. فالرجل من جهة غير معجب بالعرب ولا يميل اليهم وهو معروف بميوله الغربية، ومن جهة اخرى تربطه علاقات اكثر من قوية باسرائيل التي قدمت ل «الحركة الشعبية لتحرير السودان» بزعامة جون غارنغ وزعامته خدمات لا تعد ولا تحصى

من اجل تشجيع الجنوب على الانفصال والابتعاد عن المحيط العربي والاعتماد على اسرائيل في خلق دولة قابلة للحياة وقوية تستطيع الاعتماد على نفسها وعلى اسرائيل في استمرار وجودها ونهوضها وتقدمها وازدهارها.

ثم ان سيلفا كير الذي تربطه علاقات مميزة وحميمة باسرائيل يعرف جيدا ان تل ابيب هي التي ساعدت الجنوب على انفصاله عن الشمال في التاسع من تموز/ يوليو عام 2011 بما قدمته له من اسلحة وتدريبات عسكرية ومعلومات استخبارية و حتى خدمات قتالية، باعتراف رئيس دولة اسرائيل شمعون بيرس خلال زيارته لجنوب السودان بعد الانفصال، وباعترافه شخصيا حينما قال علنا وعلى رؤوس الاشهاد: بدون اسرائيل ما كان لدولة الجنوب ( جنوب السودان) ان تقوم. فكيف يمكن للعرب بعد ذلك ثني سيلفا كير عن اقامة علاقات قوية مع اسرائيل حتى لو لم تقدم له كل ما يطلبه منها، فيكفيه انها كانت العامل الحاسم في انفصال جنوب السودان وقيام دولة الجنوب التي تحاول بناء نفسها في قلب القارة الافريقية وفرض وجودها على دول حوض النيل.

ثم ان سيلفا كيرالرجل المتمرس في العلاقات الدولية، يعرف ان تل ابيب هي البوابة الحقيقية والمضمونة لابوجا لاقامة علاقات مع واشنطن ومع الغرب.

وان هؤلاء يمكن ان يقدموا لبلاده اكثر مما يتصور خصوصا اذا ما اثبتت

ابوجا انها حليف يمكن الاعتماد عليه ولا يتردد في الوقوف الى جانب السياسات الاميركية والغربية في المنطقة العربية والعالم.

زيارة سيلفا كيرلاسرائيل على رأس وفد كبير يضم وزير دفاع حكومة جنوب السودان ووزير الامن القومي ورئيس غرفة الصناعة والتجارة والتي تركزت على توفير التسلح العسكري والتدريب على السلاح والتعاون في مجال الاستخبارات واقامة مشاريع صناعية وتجارية اسرائيلية تعود فوئدها على الطرفين، كانت امرا متوقعا جدا وربما امرا لابد منه بالنسبة لبلد جديد مثل جنوب السودان، يتطلع الى بناء نفسه من نقطة الصفر، ولا يجد غير اسرائيل ليلجأ اليها في ظل الغياب العربي.

ولكن.

اذا كان ثمة من يتطلع الى اقامة علاقات صداقة مع جنوب السودان من العرب، تكبح جماح اندفاعه باتجاه اسرائيل، فعليه ان يسارع لنسج هذه العلاقة وتقديم كل ما يمكن تقديمه لحكومة جنوب السودان تقنعها باقامة علاقات متوازنة مع العرب ومع اسرائيل، وربما تكون مصر البلد العربي المعني اكثر من غيره لاقامة هذه العلاقة المتوازنة خصوصا وان حكومة جنوب السودان دخلت على خط مياه حوض النيل، ومن مصلحة مصر ان تقيم معها مثل هذه العلاقة لا سيما وان مصر لها خبرة سابقة في التعامل مع مشاكل السودان وتعرف جيدا كيف تدخل الى جنوب السودان.

“القضية” منسيّة والقدس تستغيث

الكاتب: بركات شلاتوة_ الخليج الاما راتية

“إسرائيل” تعدّ الأوضاع الحالية التي يمر بها العالم العربي، مثالية بالنسبة إليها كي تواصل عدوانها على الفلسطينيين وأرضهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، وبخاصة القدس ذات الحساسية العالية والمكانة العظيمة لدى الشعوب العربية والإسلامية .

فبعد أن كانت القضية الفلسطينية تحتل سلم الأولويات في التغطية الإعلامية في معظم وسائل الإعلام العربية والعالمية، وتأخذ حيزاً كبيراً فيها، أخذت تتراجع شيئاً فشيئاً، وتكاد تتلاشى وتتبخّر أخبارها من النشرات الفضائية وعناوين الصحف العربية والعالمية، نظراً إلى سخونة الملفات الأخرى المتعلقة بما يسمى “الربيع العربي” .

هذه الأوضاع وجدت فيها “إسرائيل” بيئة مناسبة للتمادي في عدوانها، ولتطلق العنان لعتاة التطرف من المستوطنين الإرهابيين كي يعيثوا فساداً في الضفة الغربية، وترفع من وتيرة عدوانها المتواصل على غزة، وتسرّع الاستيطان والتهويد في القدس، حيث لا حسيب ولا رقيب .

هذه السياسة العدوانية “الإسرائيلية” كانت واضحة في موضوع القدس، إذ سرّعت من حملتها التهويدية في المدينة، فعملت على طرد المقدسيين منها بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال سحب بطاقات الهوية والإبعاد عن المدينة حيناً، وتسريع بناء جدار الفصل العنصري لفصل الأحياء العربية وجعلها خارج المدينة حيناً آخر، كما يجري في مخيم شعفاط الواقع في الشطر الشرقي منها . كما أن حفرياتها أسفل المدينة تجري بشكل مطّرد لإضعاف أساسات المسجد الأقصى تمهيداً لانهياره في النهاية، كي تقيم مكانه هيكلها المزعوم . أما جسر باب المغاربة فهي تنتظر اللحظة الحاسمة لهدمه وبناء جسر معدني مكانه يسهّل على قواتها اقتحام ساحات المسجد الأقصى ونشر الموت فيها خلال لحظات من خلال الدفع بأكبر عدد ممكن من جنودها وآلياتها .

أما في موضوع الاستيطان فحدث ولا حرج، فمخطط “عشرين عشرين” في المدينة يجري على قدم وساق، وإقامة الوحدات الاستيطانية لم يتوقف . وبالمقارنة مع المشروعات الاستيطانية في السنوات السابقة يتضح أن العام الحالي يشهد حرباً استيطانية وبالذات في المدينة المقدسة، إذ أصبحت المستعمرات تطوقها تطويق السوار للمعصم، وتتذرع “إسرائيل” بربط هذه المستعمرات بالطرق للإجهاز على ما تبقى من حلم للفلسطينيين في إقامة دولتهم، فهذه الشوارع الاستيطانية تخالها مدارج لهبوط الطائرات، ما يؤكد النوايا الخبيثة للسيطرة ونهب الأرض الفلسطينية وإنهاء أي رابط بين الفلسطينيين ومدينتهم .

آخر ممارسات هذه السياسة كانت بتهجير بدو الجهالين من جنوب المدينة وهدم بيوتهم لتطبيق مخطط “إي-1” الاستيطاني في المدينة الذي يهدف إلى ربط شطريها الغربي والشرقي لتفويت الفرصة على الفلسطينيين في إقامة دولتهم وجعل الشطر الشرقي عاصمة لتلك الدولة .

كل ذلك يجري تحت سمع وبصر العالم “الحر” من دون أن يحرك ساكناً، بل إن المدينة ليست على جداول أعمال القيادات أو الجامعة العربية، وموضوع دعمها ودعم صمود أبنائها لا يخرج عن سياق خطب رنانة تلقى في المحافل، أما التطبيق وخاصة في الشق المالي فيبقى حبيس الخطب والأدراج، وتبقى المدينة تستغيث علّها تجد من يلبي نداءها .

هل هي حكومة مصالحة فعلاً؟

الكاتب: ناجي صادق شراب_ الخليج الاماراتية

تبدو المصالحة الفلسطينية لا تحتل أولوية عليا لدى كل من القوتين الرئيستين فتح وحماس انطلاقاً من فرضية أن كلاً منهما تعتقد أنها على صواب والأخرى على خطأ، ومن فرضية أن واقع الانقسام البنيوي الذي تجذر مع حالة الانقسام السياسي بين شطري الوطن الفلسطيني قد أوجد قوى ومنافع ليس من السهل التخلي عنها، من أجل مصالحة يرى أنها ليست مستعجلة في هذه المرحلة التي تمر بها المنطقة بتحولات كبيرة قد تدفع في اتجاه مصلحة إحداهما، إضافة إلى عامل الوقت لانتزاع مزيد من المكاسب السياسية التي يتم تحقيقها نتيجة الانقسام السياسي .

ومن هذه المنافع التي تثير جدلاً قوياً وتدور حولها لقاءات المصالحة في دائرة مفرغة وجود حكومة في غزة وأخرى في الضفة، وكل حكومة تعتقد أنها حققت إنجازات لا يمكن التنازل عنها بسهولة لمصالحة قد تعيد الوضع إلى الوراء، أو قد يترتب عليها فقدان لبعضها، وأهمها وهو رئاسة الحكومة في الحالتين .

ومن هذا المنظور تشكل عقبة الحكومة تحدياً خطراً قد يجهض أي محاولة لمصالحة حقيقية . وهنا التساؤل: هل الأولوية لبقاء الحكومة أم للمصالحة؟ الإجابة المعلنة أن الأولوية للمصالحة، وليست إلى أي من الحكومتين اللتين تحتاجان مثل بقية مؤسسات السلطة السياسية إلى تجديد للشرعية السياسية من خلال انتخابات شعبية حقيقية . وخروجاً من مأزق الحكومة والمصالحة تتعدد الرؤى والمقترحات والحلول وكل منها قد يشكل هروباً من الحل الجذري الذي يقوم على استئصال كل أسباب الانقسام تحت أي ذريعة من الذرائع غير المبررة . ومن هذه الاقتراحات بقاء الحكومتين مع الموافقة والتسليم بإجراء الانتخابات في موعدها المتفق عليه في مايو/أيار المقبل، وهي فترة قصيرة لإجراء الانتخابات، لأن المصالحة تحتاج إلى ما هو أبعد من التوقيع على ورقة مصالحة، لأنها تحتاج إلى مصالحة مجتمعية، وإجراءات ومواقف وسياسات متعدده تعالج كل التناقضات المجتمعية، وأبرزها إزالة العداوة والكراهية والتنافر المجتمعي بين أبناء الشعب الواحد . وهذه مشكلة وإن كانت ليست سهلة، لكنها في الوقت ذاته ليست صعبة الحل والعودة بالمجتمع الفلسطيني إلى فطرته الأولى من المصالحة مع الذات .

والمقصود بذلك عودة روح المصالحة إلى جسد مزقتة وسممته حالة الانقسام السياسي الطويلة، وغرست في داخله قيم الرفض والنفور والتصادم والاستعلاء تسببت بها سياسات أمنية قاسية، وروح من الانتقام والملاحقة لكل من ينتمي إلى أي من القوتين . وعلى الرغم من أن هذا اقتراح قد يعكس وجهتي نظر متعارضتين، الأولى تعطي المصالحة أولوية وترى أنه لا مانع من بقاء الحكومتين إذا كان وجودهما يقودها أو يحققها، والثانية التي قد تضمر نيّات غير تصالحية، التي ترى أن في بقاء الحكومتين ما يضمن أن تحافظ كل منهما على المكاسب التي حققتها على الأرض، وأن في بقائهما خط رجعة عن أي خطوة للمصالحة قد تتعارض مع المصالح التنظيمية الضيقة .

وحتى لا تكون عقبة الحكومة سداً لا يمكن زحزحته أمام قطار المصالحة المتعثر، فإن هذا الخيار في حد ذاته لن يحقق المصالحة في حد ذاتها بل قد يكرس حالة الانقسام البنيوي الذي أحد أهم سماته هذه التركيبة الحكومية المتناقضة بين الضفة وغزة، ولكن للتغلب على محاذير هذا الاقتراح، لا بد من تشكيل قيادة تنسيق عليا تكون مرجعية مؤقتة لحكومتين حتى يتم إجراء الانتخابات وتشكيل مرجعية سياسية شرعية جديدة . وحبذا لو تحولت الحكومتان إلى لجنتين ذاتي طبيعة إدارية فنية عليا تعمل تحت إشرافهما عدد من اللجان الوظيفية المتفق عليها في شتى المجالات، وتكون مهمة هذه اللجان الوظيفية العمل على تقديم الحلول والتصورات لحل كل التناقضات في المجالات الإدارية والوظيفية والقانونية التي أوجدتها حالة الانقسام . وفى الوقت ذاته يتم تفعيل دور المجلس التشريعي على أن تكون مهامه مراجعة كل القوانين السابقة التي من شأنها أن تعمق التضارب والفوضى القانونية، والعمل على إصدار قوانين ذات طبيعة تصالحية وتوافقية . وألا يقتصر الأمر على هذا النحو، بل أن يتم تفعيل مبادرة المصالحة التي تم التوقيع عليها من خلال تفعيل الدور المصري والعربي، من خلال جامعة الدول العربية لحل المشكلات المتعلقة بالبنية الأمنية المعقدة والمتنافرة والمتباعدة في كل من الضفة وغزة .

في إطار هذه المحددات يمكن تصور بقاء الحكومتين إذا كان الهدف الحقيقي هو المصالحة الوطنية . وليت تشكيل حكومة أو حتى هيئة فنية إدارية عليا مشتركة يتم تحت مسمى حكومة تجسد المصالحة الوطنية، وتعمل بأسلوب المنهاج الوظيفى وصولاً إلى المصالحة السياسية في شكل الانتخابات التي هدفها فرز شرعية سياسية جديدة الكل يفتقدها من دون المصالحة، وليتق الجميع مصلحة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية التي تبتلعها آلة الانقسام المتوحشة .

السلفيون وإسرائيل.. تطوّر سياسي مدهش

الكاتب: طه خليفة_ الراية القطرية

كل يوم يتطوّر السلفيون الذين دخلوا معترك السياسة، وعلى رأسهم حزب النور. من كان يتصوّر أن يتحدّث قيادي بهذا الحزب لإذاعة إسرائيلية، وهي إذاعة الجيش التي لها رمزية خاصة، فذلك هو الجيش المعتدي على مصر والعرب، والذي لا يزال يحتل أراضيَ فلسطينية وعربية، وما زال يُنكّل بالفلسطينيين، ولديه خطط جاهزة للحرب مع مصر في أية لحظة. فعلها السلفيون وتحدّثوا للإعلام الإسرائيلي، بينما أظن أن الإخوان لم يفعلوها حتى الآن.

كنت أشك أن يكون حماد قد تحدّث للإذاعة الإسرائيلية، لكن تصريحاته لصحيفة "الحياة " اللندنية وفضائية "دريم" أكدت الواقعة رغم محاولاته التملص منها واللف والدوران، إنه بدأ يلعب سياسة، وهذا أمر جيّد. ولما نفى حماد أن يكون تحدّث لتلك الإذاعة عن معاهدة السلام فإنه في كلامه لـ "الحياة " قال تمامًا نفس المضمون الذي نسبته إليه الإذاعة عن العلاقات مع إسرائيل والمعاهدة، حيث قال في تصريحه: "كحزب سياسي لا يلزمنا أي حوار مع الكيان الصهيوني، لكن المشاركة في الحكم لها ترتيبات أخرى. سننظر إلى مصلحة مصر واستقرارها ولن نسعى إلى خلق مشكلة مع الخارج". وأضاف: إن "جميع مواقفنا ستنبع من رؤية شرعية، لا من منطلق الحفاظ على قواعدنا الشعبية، وسنُراعي مصلحة بلد بحجم مصر، فلن ندخل في حرب لا طائل من ورائها، لكننا سنتعامل من واقع الشراكة لا التبعية".

هذا تطوّر سريع في خطاب هذا الحزب حديث العهد بالعمل العام والذي حقق مفاجآت مدهشة في الانتخابات البرلمانية أثارت قلق كثيرين في الداخل والخارج بسبب تصريحات متشدّدة وصادمة وغير واقعية لعدد من قادته. فهل بريق السلطة التي يسعى الحزب أن يكون شريكًا فيها هو الذي جعله يُقدّم أوراق اعتماد مقبولة إقليميًا ودوليًا، أم أنه الهبوط من برج العزلة إلى الأرض والحياة السياسية وإزعاجاتها وعراكها وتكاليفها وضرائبها وإدراك أن السياسة بلا أخلاق أحيانًا، وتتضمن ألاعيب أكثر من ألاعيب الحواة؟.

المثل يقول إن من يده في الماء ليس كمن يده في النار، والسلفيون يرفعون الآن أياديهم من الماء البارد ويستعدون لدخول نار السياسة الملتهبة، والهجمات التي يتعرّضون لها جعلتهم ينتبهون إلى أنها نيران حارقة ستؤذيهم إن لم يكونوا قادرين على احتمالها أو إطفائها باتخاذ مواقف معقولة وسطية غير راديكالية. ومن أهم تلك المواقف هو ما أعلنه حماد لتلك الإذاعة حتى ولو لم يكن يعلم أنها إذاعة إسرائيلية كما قال.

الرجل كان واقعيًا في حديثه، فليس هناك من سبيل له أو لغيره الآن أن يقول غير ذلك، فالسباحة في بحر السياسة الهائج يتطلب مهارة من نوع خاص للنجاة بمركب البلد الذي تريد أطراف عديدة في الداخل أو الخارج إغراقه. ربما جزء من تلك المؤامرة توريط مصر مع إسرائيل في أزمات ليس هذا وقتها.

لا أستغرب ما قاله قيادي حزب النور بخصوص إسرائيل ،كما لا استغرب ما قاله قبل ذلك حمدين صباحي أحد صقور الناصريين من أنه سيُحافظ على معاهدة السلام لأن معالجة قضية الفقر والبطالة والعدالة الاجتماعية أهم عنده من المعاهدة وإسرائيل، هذا تفكير عقلاني مطلوب في هذا الوقت الدقيق، والبديل مدمر لأنه يعني السير وراء الشعارات والعواطف.

النظام السابق ترك إرثًا ثقيلاً من المشاكل والأزمات تنوء بحملها الجبال، وهذا يتطلب عدم الانشغال بقضية المعاهدة كثيرًا أو التورّط بمغامرات قد تكون مكلفة بل كارثية، والمصريون لن يرحموا البرلمان أو الرئيس المنتخب إذا أخفق في حلّ ما هو ممكن من مشاكلهم بعد أن خرجوا من سجن الخوف وبعد أن أصبح لسان كل مصري طوله عدّة أمتار وبعد أن أصبح كل مواطن مؤسسة رقابية.

إسرائيل ليست قضيتنا الأولى الآن، ليُترك أمرها للجيش، أما السياسيون المنتخبون من برلمان ورئيس فدورهم التفرّغ للتخفيف عن المواطنين وليس سحب مصر إلى الوقوع في فخ مواجهة مبكّرة مع إسرائيل تحت أي اسم أو شكل، لكن هذا لا يعني التهاون معها في أي شأن سياسي له علاقة بمصر أو فلسطين أو الحقوق العربية.

الممارسة أهم معلم لفن السياسة. بعض السلفيين يتصرّفون بـ" غشم"، لكنهم الآن يتطوّرون ويتعلمون. الشيخ محمد حسين يعقوب تحدّث عن غزوة الصناديق فواجه هجومًا عنيفًا تعلم منه أن ينتقي ألفاظه وأن يُدرك أنه يعيش مع شركاء آخرين مختلفين عنه فكريًا وسياسيًا. المهندس عبدالمنعم الشحات تحدّث بنفس الطريقة عن نجيب محفوظ وأدبه فتعرّض لهجمات حادّة تجاوزت حدود النقد الموضوعي أحيانًا كلفته خسارة مقعده في مجلس الشعب على الأقل.

وفي السياحة يُطوّر السلفيون خطابهم تجاه هذا النشاط، فإذا كانوا يُرحّبون باستقبال السائحين ومنهم إسرائيليون، فالمعنى أنهم يُعيدون صياغة رؤيتهم تجاه هذا النشاط بمزيد من الفهم لطبيعة عمله.

هناك ما هو أهم للبرلمان والرئيس القادمين وكل القوى السياسية والمجتمع المدني وهو البطالة والعدالة الاجتماعية والفساد والتعليم والصحة والنقل والصرف ومياه الشرب وغيرها من الملفات الضخمة التي تستحق جهد الجميع لمحاولة حلّها، وهذه هي الأولويات، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

أيشهد العام المقبل ربيعاً فلسطينياً؟

الكاتب: هاني المصري_ السفير اللبنانية

بعد أيام قليلة يسدل الستار على عام 2011 الذي كان عامًا مختلفًا جدًا عن الأعوام التي سبقته، فهو عام بداية الربيع العربي الذي لم ينته بنهايته، ويحمل آمالاً بأن يزهر ربيعًا فلسطينيًا، وأن ينتقل إلى بلدان عربية جديدة.

لقد فُتِحت آفاقُ التغيير العربي ولنْ تغلقَ بالرغم من حالة المد والجزر، والتحديات والمخاطر والفرص، والسباق المحموم والتنافس ما بين الربيع العربي وبين المؤامرة لفرض سايكس بيكو جديد واحتواء الربيع العربي وتحويله إلى تغيير شكلي، وربما إلى بداية فتنة أو فتن، عنوانها الصراع ما بين السّنة والشّيعة، والإسلام المعتدل مع الإسلام المتطرف، والمسلمين والمسيحيين، والأغلبية والأقليات، والعرب وإيران في مساعٍ داخلية وخارجية لخلط الأولويات، وصرفًا للأنظار عن الصراع ما بين الشعوب العربية التي تتوق لأخذ مكانها تحت الشمس، والاستعمار والاحتلال الذي تشكل إسرائيل أداته الرئيسية.

لم يكن أحد يتصوّر حتى في أكثر أحلامه خياليةً، أن عامًا واحدًا سيحمل معه كل هذا القدر من التغيير، وأن ابن علي ومبارك والقذافي باتوا خارج الحكم، وأن اليمن بدأت بنقل السلطة، وسورية تشهد صراعًا عنيفًا دمويًا مفتوحًا على احتمالات مرعبة وواعدة عدة، وأن بقية الدول العربية، الخليجية تحديدًا، لن تبقى طويلاً بمنأى عن وصول رياح التغيير إليها، لذلك تحاول شراء صمت شعوبها بالرشى والعطايا وإجراء إصلاحات محدودة، والمساهمة في احتواء بلدان الربيع العربي حتى لا تغدو نموذجًا للتغيير قادرًا على الانتشار في عموم المنطقة العربية.

إن الإنسان العربي الذي خرج من قمقم الاستبداد والفساد والتبعية والتجزئة، وبات، لأول مرة منذ عشرات السنين، يُخِيفُ الحاكم بعد أن خاف منه مدةً طويلة، لا يمكن أن يعود كما كان لأنه أدرك أنه قادرٌ على تغيير واقعه البائس، وأنّ الثمنَ الذي سيدفعه جرّاء الثورة سيبقى مهما كَبُرَ أقل من ثمن استمرار الحال على ما هو عليه، فليس لدى المواطن العربي ما يخسره سوى القمع والفقر والبطالة والمرض والأمية والاستغلال والتمييز والظلم والتخلف.

وما يبعث على الأمل أن انتصار الإسلاميين لا يعني بالضرورة نشوء أنظمة دينية أحادية، وإنما هناك ما يشير إلى إمكانية قيام أنظمة ديموقراطية تعددية، ما يعني أن الإسلاميين صعدوا، ولكنهم يمكن أن يقيموا أنظمة ديموقراطية، ما يجعل انتصارهم ليس انتصارًا للنظام الذي بشّروا به ولا هزيمة خصومهم القوميين واليساريين والليبراليين هزيمة كاملة.

إن الإسلام السياسي كان المرشح للتقدم لأنه البديل المتوفر عن الأنظمة القومية الديكتاتورية بعد أن فشلت أو هزمت أو تحولت بعد فشل مشروع الوحدة العربية، وبعد أن ألقت راية التحرر الوطني والاستقلال والسيادة في الأقطار العربية التي شهدت ثورات قادها العسكر، ولكن هذا لا يسقط أنها في مرحلة الصعود التي استمرت حتى هزيمة حزيران عام 1967 أنجزت إنجازات تاريخية لا يمكن إنكارها بالرغم من أنها انتهت بعد ذلك إلى كوارث أدت إلى ما نحن فيه.

فثورة الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر، نقلت مصر من حال إلى حال، ولا يمكن مقارنتها بحكم السادات ومبارك اللذين قزّما مصر محليًا وعربيًا وإقليميًا ودوليًا.

في هذا السياق، فإن الثورات الديموقراطية العربية المندلعة تخطئ كثيرًا إذا أهملت مسألة التحرر الوطني والسيادة والاستقلال، وتصورت أن ما ينقص البلدان العربية فقط هو الديموقراطية، وأن الديموقراطية هي مجرد إجراء الانتخابات أو ديموقراطية سياسية فقط، بينما هي ديموقراطية يجب أن تشمل كل المستويات والقطاعات بما فيها العمل والإنتاج. فالديموقراطية هي شكل من أشكال ممارسة الحرية، والحرية مفقودة في البلدان العربية، سواء حرية المواطن أو حرية الوطن، ولا يمكن الاستغناء عن واحدة منهما بالأخرى.

لا يمكن قبول أن الثورات العربية بشكل عام أو في بعض البلدان مثل ليبيا وسورية بحاجة إلى تدخل دولي حتى تنتصر، «فالذي يستعين بالشيطان يصبح عبدًا له».

وبالانتقال إلى فلسطين التي لم تشهد ربيعًا فلسطينيًا بعد لأسباب ليس هنا مجال للخوض فيها، بالرغم من أن الشعب الفلسطيني كان سبّاقًاً دائمًا بإطلاق الثورات والانتفاضات، إلا أن هناك مقدمات وإرهاصات يمكن أن تؤدي إلى ربيع فلسطيني تجسّدت في:

أولاً: الحراك الشبابي الفلسطيني الذي بدأ ويمكن أن يظهر مجددًا، سواء الذي شهدته فلسطين ضد الاحتلال والانقسام، أو خارجها ضد الاحتلال، كما لاحظنا بالمظاهرات العارمة على الحدود في ذكرى النكبة 15 أيار وذكرى الهزيمة 5 حزيران.

ثانيًا: البدء في عملية المصالحة كما شاهدنا بالتوقيع على اتفاق المصالحة الوطنية في الرابع من أيار الماضي، وفي تأكيد الالتزام بتطبيقه في اجتماعات القاهرة في 18 و20 و22 من الشهر الجاري، فهناك بعد الربيع العربي والانسداد التام في طريق ما يُسمّى «عملية السلام» وتعليق المقاومة المسلّحة؛ تبلورت مصلحة للأطراف المتنازعة تدفع بالمصالحة وتدعم الفرصة المتوفرة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التي تستند إلى وصول كل الأطراف والاستراتيجيات إلى مأزق، وبروز الحاجة لشق طريق جديد وبلورة إستراتيجية قادرة على تحقيق ما عجزت الاستراتيجيات المعتمدة عن تحقيقه.

ولكن هناك خشية حقيقية من أن تتحوّل عملية المصالحة إلى عملية من دون مصالحة، وتنتهي إلى اعتماد خط سياسي واحد انتظاري يراهن على الآخرين وليس على الشعب الفلسطيني وما يمكن أن يبادر إليه وعلى عمقه العربي والدولي، وإلى إدارة للانقسام وصولاً إلى الاقتسام في وقت أصبح واضحًا فيه أنه من دون وحدة وطنية حقيقية لا يمكن أن يسير الشعب الفلسطيني في طريق قادر على تحقيق أهدافه ومصالحه وطموحاته.

ثالثاً: التوجه إلى الأمم المتحدة من خلال تقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين إلى مجلس الأمن، والخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة، الذي يمكن أن يكون بداية لمرحلة جديدة، أو مجرد تسجيل موقف للتاريخ، أو وسيلة للضغط لتحسين شروط استئناف المفاوضات.

وحتى يكون ما حدث في عام 2011 على الصعيد الفلسطيني نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة جديدة، يجب أن لا يكون الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، ولا إنجاز المصالحة، ورفع شعار المقاومة الشعبية، ولا الحديث عن حل السلطة حينًا وتغيير شكلها ووظائفها والتزاماتها حينًا آخر، مجرد شراء للوقت، ووسائل تكتيكية لحين استئناف المفاوضات التي فشلت فشلًا ذريعًا، وكان محكوماً عليها بالفشل، لأنها افتقدت للمقومات والشروط الكفيلة بإنجاحها، وأهمها وجود موازين قوى متكافئة، ووجود أوراق قوة وضغط وبدائل أخرى في يد الفلسطينيين يستطيعون أن يلجأوا إليها،

نأمل أن يكون عام 2012 عام الربيع الفلسطيني، عام اعتماد إستراتيجية جديدة بديلة عن إستراتيجية المفاوضات وحدها والمقاومة وحدها، بحيث انتهينا إلى وضع لا توجد فيه مفاوضات ولا مقاومة، إستراتيجية كفاحية تجمع كل أشكال العمل والنضال على أساس أن المقاومة تزرع والمفاوضات تحصد، ومن لا يزرع لا يحصد.

وفي الختام، اسمحوا لي أن أهنئ الشعب الفلسطيني وأمتنا العربية والأحرار في العالم كله بمناسبة عيدي الميلاد ورأس السنة وذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية المباركة.

أقنعة «الإخوان»

الكاتب: خالد السعيّد _ الحياة اللندنية

قبل تفجر الانتفاضات العربية، سئل عصام العريان، أحد قيادي جماعة الإخوان المصرية: هل سيقبل الإخوان بالتعددية الحزبية، في ما لو تولى «الإخوان» الحكم في مصر؟ فردَّ: بالطبع سنقبل! وفي سياق متصل، لخّص العريان الاتجاهات المعاصرة لجماعته بالقول: «الاتفاق على التعددية السياسية والموقف من المرأة، أمور فيها اجتهادات جديدة من جانب الإخوان، تتماشى مع المستجدات التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن»، وبالمثل، يرفع محمد السيد حبيب، أحد رجالات الإخوان البارزين، الشعار الآتي: «تبني الدعوة لإنهاء الخصومة بين الحكومات والشعوب، من خلال الإصلاح السياسي، وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني»... تلك مقتطفات اقتبستها من مقالة بعنوان «هل ستستعيد مصر الخلافة الإسلامية؟» للمفكر شاكر النابلسي في كتابه «الإسلام وجراب الحاوي: لماذا حولنا الإسلام إلى حجاب وإرهاب»؟ من كان يصدق أن تخرج مثل تلك الأقوال المُنكهة بمذاقات ليبرالية - والعياذ بالله - من أفواه عناصر إخوانية؟ من كان يصدق أن ينقلب التلامذة الصغار على إرث وفكر أساطينهم وشيوخهم الكبار من أمثال حسن البنا، والقطبان سيد ومحمد بدلاً من الانقلاب على الحكومات «الجاهلية» المعاصرة؟ هل تغير الإخوان من الداخل حقاً؟ هل تخلى الإخوان عن خرافاتهم وأفكارهم المستحيلة؟ الأيام المقبلة ستبرهن لنا ما إذا كان الإخوان صادقين أم كاذبين. في اعتقادي الخاص، الإخوان مضطرون إلى إلباس خطابهم قميصاً مفتوح الأزرار وبنطال جينز «ديرتي» بدلاً من الجلباب الأبيض الفضفاض، لكي يبدو خطابهم عصرياً وجذاباً.

الإخوان بحاجة إلى تملق الغرب، وإلى بث إشارات تطمينية للأحزاب الأخرى، بأنهم ليسوا كجماعة طالبان، وليسوا كملالي طهران. إنهم - ويا للعجب - منفتحون على الغرب وثقافته، ومؤمنون بحرية العمل الحزبي وبحقوق المرأة.

لا يمل الإخوان، ولا بقية جماعات الإسلام السياسي، من التغزل بالنموذج التركي الأردوغاني. هل ينوي الإخوان حقاً استنبات التجربة التركية على ضفاف النيل؟ لا يمكن للإخوان، ولا لغيرهم، استيراد النموذج التركي من دون استعارة أطره العلمانية ومكوناته الديموقراطية.

أتود رؤية وجه الإخوان الحقيقي بلا قناع؟ قبل شهور قليلة، استقبل المصريون، وأكثرهم من جماعة الإخوان، الرئيس التركي أردوغان استقبال الأبطال، في لحظات عفوية وصادقة، ساح «المكياج» الليبرالي من شدة الوجد وحرارة الشوق بلقاء «الخليفة التركي»، تخلى أنصار الجماعة عند لقائهم بالسلطان العثماني «أردوغان الأول» عن وقارهم الخطابي وعن أحلام «الدولة المدنية» التي كان يبشر بها العريان وإخوانه في النضال الدستوري، رفع شباب الإخوان لافتة كبرى تقول: «مصر وتركيا عاوزنها خلافة إسلامية»، حسبوا أن أردوغان هو السلطان سليم الأول قد بُعِث اليوم من قبره، أصيب الإخوان بلطمة عندما نصحهم أردوغان بتبني العلمانية طريقاً لمصر، وبضرورة وقوف الدولة على مسافة متساوية من الأديان والمذاهب، وبأهمية احترام حرية الفكر والضمير... أهذا أردوغان التركي أم ساركوزي الفرنسي؟! نزلت كلمات أردوغان كالماء على جمرة الشوق المشتعلة في صدور الإخوان لأيام الباب العالي وعصور الاستبداد التي عفا الزمن عليها.

من المتعذر ابتلاع وعود الإخوان من دون أن ترتشف أكواباً من الماء، تاريخهم العريض وباعهم الطويل يجعلك تشكك في ما يقولون ألف مرة ومرة، عندما تقرأ كتاباتهم وتسمع أقوالهم تشعر وكأنك تلاحق زئبقاً بلا طائل، لا تقدر أن ترصد لهم موقفاً واحداً حول قضايا شتى، مثل الأقليات الدينية، وحقوق المرأة، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان، والعلاقات مع الغرب، والحريات الفكرية.

ذات مرة، صرّح مرشدهم «محمد أبو النصر» قائلاً: «الإخوان يرحبون بوجود شيوعي»، ولكن خلفه «مصطفى مشهور» أصر على صد الأبواب في وجوه العلمانيين والشيوعيين لتأمين سلامة المجتمع من العلمانية الضالة والشيوعية المضلة، وفي منتصف القرن الماضي، حلف البنّا أيماناً غليظةً بأن أعمال التفجير والتقتيل لم تقترفها جماعته، فقال: «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»، واصلت الجماعة إنكارها لأي صلة لها بجرائم القتل، على رغم تراكم مئات الاعترافات من الكوادر الإخوانية التي قيل إنها انتزعت منهم عنوة، وبعد انقضاء عشرات السنين، سطّر زعامات إخوانية في مذكراتهم جرائم جماعتهم في تباهٍ وتفاخر. صفوة القول: الإخوان متقلبون... ومتلونون... ومتموجون... وحربائيون، سيشرب الإخوان في الغد وعودهم الوردية، وسيقرمشون شعاراتهم العصرية، إذ ليس من السهل على حزب أيديولوجي حتى العظم أن ينسلخ من جلده ويتنازل عن قناعته وفكره. أكثر ما أخشاه أن يكون المصريون مثل الذي يستجير بالنار من الرمضاء!

الربيع الاخواني

الكاتب: عماد الدين اديب_ الشرق الاوسط

فوز «الإخوان» في مصر أصبح مؤكدا، ونسبة الفوز في البرلمان عالية، وإذا دخلوا في ائتلاف مع التيارات السياسية الإسلامية الأخرى، فإن أغلبيتهم ستصبح كاسحة.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف سيقرأ الإخوان هذا الانتصار؟ وماذا سيفعلون به؟

هل ستدير نشوة النصر الأول لهم بعد 82 عاما من الحرمان السياسي رؤوسهم، أم سيتصرفون - كعادتهم - بحكمة وواقعية وعملية؟ إن إدارة شؤون مصر، تاريخيا، هي شرف عظيم ومجد كبير، لمن يتقلد المسؤولية، لكن مصر اليوم هي مجتمع مأزوم اقتصاديا واجتماعيا، له قائمة ومطالب وأحلام وشكاوى لا يقدر عليها كائن من كان.

هناك يصبح أمام الإخوان إما مطاوعة إغراء النفس بالانفراد بالسلطة السياسية، وذلك يعني أيضا الانفراد بالتصدي لجبال وتلال الأزمات العاجلة، وإما تتم مشاركة جميع القوى العاقلة الأخرى في تحمل المسؤولية من خلال ائتلاف وطني يهدف لإنقاذ البلاد.

قراءة مشهد النصر الإخواني يجب أن تستعين بتجربة صديق، وهو الصديق الغنوشي في تونس، الذي فهم قواعد اللعبة السياسية وقام طواعية بتقسيم كعكة النصر على الكثير من القوى المحترمة التي ليست بالضرورة عضوا في نادي الإسلام السياسي.

إن حجم التحديات والمطالب والمشاكل التي تتعرض لها مصر الآن من الضخامة والتحدي اللذين تنوء عن حملهما الجبال إلى الحد الذي يؤدي إلى أنه هناك استحالة نسبية لقيام أي طرف منفردا - كائنا من كان - بالتصدي لحل هذه المشاكل.

أثبت الإخوان من سلوكهم السياسي منذ ثورة «25 يناير» أنهم يتسمون ببراجماتية شديدة تذهب إلى حيث المصلحة بكل قوة، وهذا ليس عيبا أو عورة في لعبة السياسة المعاصرة.

على الرغم من لوم بعض القوى الثورية لهذا السلوك الإخواني، فإن ذلك سببه تراكم الخبرة العميق لدى جماعة الإخوان على مر السنين مقارنة بقصر عمر تجربة القوى الثورية الناقدة لهم.

إن التاريخ سوف يراقب، بعمق، أداء جماعة الإخوان وهم يتصدون - ولأول مرة - في إدارة شؤون البلاد في مصر، وسوف يحكم على مدى مصداقية الشعارات التي كانوا يصدرونها وهم إما في صفوف المعارضة وإما خلف أسوار المعتقلات.

الأمر المؤكد، مهما كنت «مع» أو «ضد» جماعة الإخوان، أنهم دفعوا فاتورة كفاح ونضال ونسج أقوى مشروع اجتماعي شعبي في تاريخ مصر، والآن حان الوقت لتحصيل نتائج هذه الفاتورة منذ عام 1928.