مليون إسرائيلي مفقودون
جوزيف تشامي وباري ميركين - فورين بوليسي
ترجمة مركز الإعلام
"على مدى أكثر من ستة عقود على قيام إسرائيل، شددت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دائماً على مركزية الهجرة اليهودية وقانون "العودة" لجميع اليهود إلى إسرائيل وأهميته بالنسبة إلى أمن الدولة وبقائها وازدهارها. ومع ذلك، وبينما ينشر الشىء الكثير عن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، فإن المعلومات المتوافرة عن الهجرة اليهودية إلى خارج إسرائيل أقل من ذلك بكثير.
وتتنوع تقديرات الحكومة لأعداد الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج تنوعاً كبيراً وذلك بسبب عدم وجود نظام تسجيل كاف. ونتيجة لذلك فإن الدارسين وغيرهم يشكون في دقة الأرقام الحكومية. وإلى جانب النقص الاحصائي والمنهجي، فإن عدد المغتربين الإسرائيليين يخضع لنقاش وجدل واسعين بسبب أهميته الديموغرافية والاجتماعية والسياسية الهائلة داخل إسرائيل وخارجها أيضاً.
ووفقاً لوزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، فإن الحد الأدنى للتقدير الرسمي القائل بأن 750 ألف إسرائيلي – أي 10 في المائة من السكان – يعيشون خارج إسرائيل، وهي نسبة تعادل ما هي عليه في المكسيك والمغرب وسري لانكا. وتقدر الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو العدد الحالي للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج بما يتراوح بين 800 ألف ومليون شخص يمثلون 13 في المائة من السكان، وهي نسبة مرتفعة نسبياً بين البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويتفق هذا الرقم الأخير مع رقم ورد ضمن تقرير قدم في أول مؤتمر للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج عقد في كانون الثاني/يناير) من هذا العام وهو مليون شخص.
والتقديرات الحالية لعدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج أعلى بكثير من التقديرات في الماضي. فخلال العقد الأول من عمر إسرائيل هاجر نحو 100 ألف يهودي إلى خارج إسرائيل. وبحلول 1980 قدر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن 270 ألف إسرائيلي يعيشون في الخارج لأكثر من سنة، أي 7 في المائة من السكان. وبعد بضعة عقود من ذلك، تضخم عدد المهاجرين الإسرائيليين فبلغ 550 ألفاً – أي نحو مثلي ما كان عليه في خمسينات القرن العشرين.
ومن بين الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج يعتقد أن نحو 60 في المئة قد استقروا في أميركا الشمالية فيما استقر ربعهم في أوروبا ويتوزع 15 في المئة على بقية انحاء العالم. ويقدر أن حوالي 45 في المئة من المغتربين الإسرائيليين الذكور قد أكملوا على الأقل درجة جامعية مقارنة بـ22 في المئة فقط من السكان الإسرائيليين. ويعتبر المهاجرون الإسرائيليون علمانيين وليبراليين بنسبة أعلى من بقية السكان. يضاف إلى هذا أن المهاجرين إلى الخارج أصغر عمرا بصورة عامة من القادمين إلى إسرائيل، خصوصا اؤلئك الآتين من الاتحاد السوفيتي السابق، الأمر الذي يعجل في شيخوخة السكان الإسرائيليين.
وتتركز الأسباب التي كثيرا ما تذكر لهجرة الإسرائيليين إلى الخارج على السعي إلى مستوى معيشة وأحوال مالية أفضل، والحصول على فرص توظيف ومهن وتعليم عال وكذلك التشاؤم إزاء إمكان إحلال السلام. ومن بين أكثر الأسباب التي تذكر كمبرر لمغادرة إسرائيل القول بأن: "المسألة ليست لماذا غادرنا، وإنما لماذا بقينا كل هذه المدة قبل أن نغادر". وبينت استطلاعات حديثة للرأي أن حوالي نصف سكان إسرائيل الشباب يفضلون العيش في مكان ما في الخارج لو أتيحت لهم الفرصة. وأكثر الأسباب التي يذكرونها كمبرر للرغبة في الهجرة أن الوضع في إسرائيل "ليس جيداً".
وثمة عامل آخر مهم يساهم في تدفق الإسرائيليين اليهود إلى الخارج وهو الخبرة في الهجرة. فبالنظر إلى ان 40 في المئة من الإسرائلييين اليهود مولودون في الخارج فإن الهجرة ليست بالشىء الجديد بالنسبة إلى كثيريين في البلاد. يضاف إلى هذا أن المهاجرين الإسرائليين لا يستطيعون التصويت من الخارج، فإنه من المرجح أن يشعروا بأنهم مهمشين عن المجتمع الإسرائيلي في الداخل، الأمر الذي يسهم في قرارهم البقاء في الخارج وفي اجتذاب آخرين لعمل الشىء نفسه. وليس من المؤكد إذا ما كانت جهود حكومة نتنياهو في الكنيست للمصادقة على مشروع قانون يمنح الإسرائليين الموجديين في الخارج حق التصويت سيساهم في إبطاء هذا التوجه.
ومن الأمور التي تزيد من ضغوط الهجرة أن إسرائليين كثيرين قد اتخذوا إجراءات تمهيدية للمغادرة في نهاية الأمر. وأظهرت إحدى عمليات المسح أن ما بقرب من 60 في المئة من الإسرائيليين قد اتصلوا أو عازمين على الاتصل بسفارة أجنبية ليطلبوا الجنسية أو جواز سفر، وهناك ما يقرب من 100 ألف إسرائيلي جوازات سفر المانية بينما يقدم المزيد طلبات لجوازات على اساس انهم من نسل المان. ولدى عدد كبير من الإسرائيليين جنسية مزدوجة بما في ذلك نصف مليون إسرائيلي يحملون جواز سفر الولايات المتحدة (مع ما يقرب من ربع مليون طلب قيد النظر).
وتبين تنبؤات النمو السكاني أن الإسرائيليين اليهود سيظلون الغالبية في إسرائيل في المستقبل المنظور غير أنهم سيواجهون تحدياً للاحتفاظ بغالبيتهم المسيطرة بنسبة 75 في المئة تقريباً، ويعود هذا بصورة رئيسية إلى نسبة الخصوبة الأعلى في أوساط غير اليهود في إسرائيل – بما يقرب من طفل اكثر لكل امراة – ونضوب البركة الكبيرة للمهاجرين اليهود المحتملين، وهجرة الإسرائيليين اليهود على نطاق واسع. ونتيجة لذلك فإن التنبؤات الديموغرافية تتوقع استمرار هبوط نسبة اليهود في البلاد في العقود المقبلة إلى ما يقرب من ثلثي السكلن بحلول منتصف القرن بعد أن بلغت تلك النسبة أوجهها بـ89 في المئة في 1957.
وتشكل هجرة نسبة عالية من أي بلد، خصوصا المتعلمين جيدا وذوي المهارات العالية تحديا كبيرا لأي دولة غير أن الهجرة على نطاق واسع تعد إشكالية خاصة بالنسبة إلى إسرائيل بالنظر إلى عدد سكانها الصغير نسبيا وتشكيلتها العرقية الفريدة والسياق السياسي الإقليمي.
ثم إن الهجرة الإسرائيلية لا تزيد فقط أعداد اليهود الأرثوذكس وإنما تزيد أيضاً أعداد العمال الأجانب غير اليهود العاملين في مجالات الزراعة والبناء وتوفير الرعاية.
كما أن وجود أكثر من 20 ألف عامل أجنبي نصفهم تقريباً من آسيا (خصوصا من تايلاند والفيليبين ومن إفريقيا أيضا بشكل متزايد) يساهم كذلك في التشكيلية العرقية المتغيرة في البلاد.
وتساهم مغادرة الإسرائيليين اليهود أيضا في تقويض الأيديولوجية الصهيونية. فإذا كانت أعداد كبيرة من الإسرائيليين اليهود تختار الهجرة إلى الخارج، فلماذا يهاجر يهود مندمجون اندماجا جيدا ومقبولون في بلدان أخرى إلى إسرائيل؟. يضاف إلى هذا أن ربع الإسرائيليين الشبان في أوروبا يتزوجون بأشخاص غير يهود. ولا ينتمي غالبية هؤلاء إلى وسط يهودي كما أنهم لا يشاركون في أي نشاطات يهودية. وكما هو الحال بالنسبة إلى مجموعات المغتربين الآخرين في الدول الغربية، فإن الإسرائيليين في الخارج كثيرا ما يعلنون نيتهم العودة. إلا أنه من المرجح أن يبقى المهاجرون الإسرائيليون في البلدان التي تبنوها بالنظر إلى أنهم أصبحوا هم وعائلاتهم مستقرين ومندمجين في مجتمعات تلك البلدان بنجاح.
وقد اعتبرت الحكومات الإسرائيلية أن مستويات المهاجرين إلى إسرائيل منخفضة أكثر من اللازم بينما نسبة المهاجرين إلى الخارج أعلى مما ينبغي. ولدى إسرائيل، بالإضافة إلى سياسات تشجع على الهجرة للاستقرار الدائم، برامج وحملات إعلامية تروج بنشاط لعودة الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج. وتحافظ الحكومة على صلات مع المهاجرين من خلال تسجيل الزامي لدى القنصليات في الخارج وحوافز ضريبية للمواطنين الذين يعودون.
وبالرغم من هذه الجهود فإن من المشكوك فيه بناء على الاتجاهات في الماضي وفي الوقت الحاضر أن تكون هذه الحوافز كافية لعودة المليون إسرائيلي المفقودين. ولم تؤد الهجرة على نطاق واسع إلى حالات اختلال ديموغرافية واجتماعية– واقتصادية في البلاد وحسب ولكنها تمثل – وهذا هو الأهم – تحديات سياسية خطيرة وتعرض للخطر الطابع اليهودي لإسرائيل".


رد مع اقتباس