اقلام واراء حماس 327
5/5/2013
وكالة الرأي الفلسطينية للإعلام ( الرأي )،،، د. فايز أبو شمالة
- جون كيري .. سبعيني يبيع الوهم
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، د.عصام شاور
- حنان يهودي وجحود عربي إسلامي
فلسطين الآن ،،، د. فايز أبو شمالة
- هويدي يكتب: من يكون التالي؟
فلسطين الآن ،،، فهمي هويدي
فلسطين الآن ،،، فهمي هويدي
|
ما ذنب أمير قطر؟
وكالة الرأي الفلسطينية للإعلام ( الرأي )،،، د. فايز أبو شمالة
لن أدافع عن أمير قطر، فهو جزء من منظومة جامعة الدول العربية التي أعطت ما لا تملك من أرض فلسطين، لمن لا يستحق من اليهود، وإنما سأعترض على توجيه السهام الاتهام إلى شخص أمير قطر، وتحميله وحيداً مسئولية قرار تعديل مبادرة السلام العربية، والتنازل عن الأرض المحتلة، والتفريط بالثوابت الفلسطينية.
إن الحقيقة أوضح من تصريح أمير قطر في واشنطن، وأسطع من تأييد الوفد الوزاري العربي لما جاء على لسان رئيس وفدهم أمير قطر، الحقيقة هي أن السيد محمود عباس قد اتفق مع أهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيل سنة 2008 على تبادل الأراضي، وأعلن ذلك صراحة وعلانية، بل إن السيد عباس طالب نتانياهو بان يلتزم بما تم الاتفاق عليه مع خلفه أهود أولمرت، فهل يوجد فلسطيني واحد ينكر ذلك ؟.
إذن، لماذا تلومون أمير قطر الذي يلتزم حرفياً بما تطلبون منه؟ هل رفعتم البنادق وأنزلها من أيديكم؟ أم أن الرجل قد أمسك بالمغرفة، ووضعها في القدر العربي، وأخرج من داخلها الوديعة التي خبئها محمود عباس، وقدمها للوفد الوزاري العربي ؟.
وكيف تثورون على نسبة 2% تقريباً من أراضي الضفة الغربية؛ سيتم تبادلها مع المغتصبين الصهاينة، وأنتم قد وافقتم على التنازل عن 78% من أراض فلسطين حين اعترفتم بدولة إسرائيل، هل نسبة 2% من أراضي الضفة الغربية أغلى لديكم من 78% من أراضي يافا وعكا وحيفا وبيت دراس وحمامة واسدود والجورة، أم أن القديم عليه رديم، وحسبتم أن اليهود سيكتفون منكم بما اغتصبوا، وسيتركون لكم الضفة الغربية وغزة؟
مسلسل التنازل لن يتوقف عند حدود دولة إسرائيل، والتنازلات أكبر من طاقة قطر وأمير قطر، وإذا كانت مبادرة السلام العربية لم تف حاجة الأمن الإسرائيلي، فإن الواجب العربي يقضي تعديل المبادرة، كسراً للشر، وحباً للسلام، فجاء التنازل عن بنسبة 2% من أراضي الضفة الغربية تمهيداً للعودة إلى طاولة المفاوضات، فقد سقط شرط وقف الاستيطان، ولم يعد استئناف الاستيطان معيقاً لاستئناف المفاوضات.
أما الغريب في أمر التنازل العربي الجديد أنه جاء في زمن الثورات العربية، وفي الوقت الذي يشغل فيه منصب أمين عام جامعة الدول العربية السيد نبيل العربي، وهو سياسي مصري وطني، وفي الوقت الذي يشغل فيه منصب وزير خارجية مصر محمد كامل عمرو، فأين الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي من هذا التزلف الرخيص لليهود؟ أين مصر الثورة من نتانياهو الذي استخف بالتنازل العربي، فقال بصلف وغرور: إن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ليس على الأراضي، بل على وجود دولة إسرائيل نفسها، إن أصل النزاع هو عدم اعتراف الفلسطينيين بأن إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي.
على السلطة الفلسطينية أن تبلغ لسانها، لأنها الجهة الرئيسية التي سبقت الجميع، ووافقت على تبادل الأراضي، وعلى السلطة الفلسطينية أن تطلق لسانها قبل الجميع، وأن تعترف صراحة بيهودية الدولة، طالما اختارت المفاوضات طريقاً، وما عدا ذلك، ليس أمام السلطة الفلسطينية إلا أن توقف التنسيق الأمني فوراً، وأن تطلق يد المقاومة.
فهل تقدر السلطة الفلسطينية على ذلك؟
جون كيري .. سبعيني يبيع الوهم
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، د.عصام شاور
رغم بلوغه السبعين فإن جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مفعم بالحيوية والنشاط ومتفائل جدا بإمكانية تحقيق إنجازات على العملية السلمية بين العدو الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، يظن أن لديه خيارات كثيرة ومسارات متعددة للسير بها.
فيما يخص الأراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني، أعلن كيري عن وجود ثلاثة مسارات من أجل تحقيق السلام بين " إسرائيل" والسلطة الفلسطينية: السياسي والاقتصادي والأمني، أما السياسي فيعني العودة إلى مفاوضات عبثية مع السلطة الوطنية للتغطية على جرائم الاحتلال ،وفي ظلها سيزدهر الاستيطان في الضفة الغربية، وكذلك فإن المسار الاقتصادي يعني المزيد من الأكاذيب والوعود الأمريكية للشعب وللقيادة الفلسطينية، وما نسينا مؤتمري فرنسا وشرم الشيخ والمليارات التي وعدت الإدارة الأمريكية ومعها العشرات من الدول الأوروبية بتقديمها من أجل دعم السلطة وإعمار قطاع غزة، أما المسار الأهم فهو الأمني الذي تعمل أمريكا من خلاله لحماية أمن دولة الاحتلال (إسرائيل) فقط، ولا أمن للفلسطينيين، وهو المسار الوحيد الذي يحقق الإنجازات في العادة لصالح الاحتلال كما هو شأن خطة خارطة الطريق التي لم يطبق منها سوى الشق الأمني.
بعد التنازلات المجانية التي قدمتها جامعة الدول العربية المتمثلة بموافقتها على تبادل الأراضي، طرح جون كيري فكرة سير العملية السلمية بمسارين؛ العربي والفلسطيني،أي السعي لإقامة سلام عربي _إسرائيلي بموازاة " السلام" الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه خدعة أمريكية تهدف منها الولايات المتحدة إلى تسريع عملية التطبيع مع بعض الدول العربية وفتح أبواب كانت مغلقة في وجه العدو الإسرائيلي، وقد تنجح أمريكا في رعاية اتفاقات سلام منفردة بين " إسرائيل" و" العرب"، إلا أن المسار الفلسطيني الإسرائيلي سيبقى متاهة لا نهاية لها ولا أفق وهذا ما تريده " إسرائيل" و" أمريكا".
بقي لدينا مسار واحد وضع عليه الدجال الأمريكي يافطة كبيرة ومخيفة، مكتوب عليها " إلى جهنم" وهو مسار المصالحة الداخلية بين فتح وحماس، محفوف بالفيتوهات الأمريكية ومعبد بألغامها،وعلى الفلسطينيين ترك كل المسارات المهلكة والخادعة وسلوك سبيل المصالحة التي لا غنى لمنظمة التحرير الفلسطينية عنها، أما جون كيري فهو مجرد موظف يبيع الأوهام في منطقتنا للفلسطينيين والعرب خلفا لـ" كلينتون" و " رايس" و" أولبرايت ".
حنان يهودي وجحود عربي إسلامي
فلسطين الآن ،،، د. فايز أبو شمالة
تفاخرت علينا صحيفة يدعوت أحرونوت العبرية بالحنان اليهودي، والسماحة الإسرائيلية، ونشرت تقريراً عن الطفل العربي المريض محمد أشرف الفرا؛ الذي تخلى عنه والداه بسبب حالته الصحية المتردية، ومن ثم تخلت عنه عائلته، وتخلت عنه السلطة الفلسطينية، التقرير اليهودي يهزأ بالقلوب العربية والإسلامية الجاحدة، التي تخلت عن إنسانيتها، وتركت طفلاً صغيراً مريضاً في مستشفى تل هشومير الإسرائيلي دون أدنى تحمل مسئولية.
ولم تنس الصحيفة أن تشير إلى تبرع جهات يهودية بمبلغ 28 ألف دولار لعلاج الطفل، بالإضافة لما يتحمله مستشفى تل هشومير من مسئولية إنسانية في علاج الطفل.
فما أكرم اليهود! لقد اغتصبوا أرضنا الفلسطينية، وتفضلوا علينا بالعيش على أطرافها، وحاصروا المدن والقرى بالحواجز والطرق الالتفافية، ونتمنى عليهم وقف الاستيطان كبادرة حسن نية، واستباح اليهود أعمار شبابنا، ونطالبهم بالإفراج عن بعضهم كبادرة حسن نية، وقد قتل اليهود بدم بارد أطفالنا، ليظهروا إنسانيتهم حين يسلموننا الجثمان، وقد كسر اليهود عظامنا، ليحملونا أمام الكاميرا للعلاج في أرقى مستشفيات إسرائيل، وقد شردنا اليهود، ليتفضلوا علينا بعد ذلك بلم شمل بعض العائلات، وقد أزهق اليهود أرواحنا في المعابر، لنشكرهم بعد ذلك على شربة الماء البارد، وأهلكوا النسل أمام الحواجز الإسرائيلية، لنتغزل في رحمة الجندي الذي سمح بمرور سيارة الإسعاف، ولما انعدم غاز الطهي في غزة، تكرم اليهودي فسمح بإدخاله!
فما رأيكم بهذا اليهودي الرحيم الطيب الإنسان الذي يعرف متى يفر المرء من أخيه، ويتخلص المذبوح من أمه وأبيه، ومتى يترك المحتاج صاحبته وبنيه؟
إنه السؤال الذي يعرف إجابته كل يهودي، وتعرف إدارة مستشفى تل هشومير لماذا تخلى والد الطفل الفلسطيني عن ابنه؟ وما حجم المبالغ المالية التي تطلبه إدارة المستشفى بتسديدها؟ في الوقت الذي يعجز والد الطفل محمد الفرا عن توفير أبسط حاجيات البيت لأسرته، فكيف يمكنه تسديد فاتورة العلاج التي بلغت مئات آلاف الدولارات، تحملت السلطة الفلسطينية جزءاً منها، وسددت للمستشفى عشرات آلاف الدولارات من تكلفة علاج الطفل، ولكن عندما أدركت السلطة أن كل أموال التسول من الدول المانحة لن تكفي علاجاً للمرضى الفلسطينيين في مستشفيات إسرائيل، توقفت عن دفع المبالغ المستحقة لعلاج الطفل.
سأضرب بنفسي مثلاً على إنسانية اليهود:
لقد كسر اليهود ظهري في الأيام الأولى للتعذيب، حتى صرت مقعداً في السجن بلا حركة لسبع سنوات، ثم تكرموا على بالعلاج، وأجروا لي عملية جراحية ناجحة في مستشفى أساف هروفيه.
وقد أصدر اليهود بحقي حكماً جائراً لمدة ثمانية عشر عاماً في السجن، ولكنهم تكرموا علي، فأطلقوا سراحي قبل انقضاء المدة ابتهاجاً باتفاقية أوسلو، ولأنهم يعشقون السلام.
فهل يستحق اليهود الشكر أم يستحقون الجهر بسوءتهم، وفعالهم الدنيئة؟
هويدي يكتب: من يكون التالي؟
فلسطين الآن ،،، فهمي هويدي
في مثل هذا الوقت من العام الماضي كان السؤال المطروح في أوساط المثقفين والناشطين: ما هي الدولة العربية المرشحة للانضمام إلى الربيع العربي، بعد مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا؟ ما خطر ببالنا أن النظام السوري سوف يكمل العام، وما خطر ببالنا أن يتوقف الإعصار الذي ضرب المنطقة في عام 2011. وكانت الجزائر الدولة الأكثر ترشيحا للانضمان إلى دول "الربيع"، إلا أن الأحداث المتلاحقة أدت إلى هبوط سقف التوقعات حينا بعد حين حتى شحُب الحديث عن الثورة وطموحاتها، وأصبحنا نتحدث عن نوعية جديدة من الأسئلة. أصبحنا نتحدث عن احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظامها، وتقسيم العراق إلى ثلاث دول أو أقاليم. ونسي الناس صراعات المنطقة ضد الاستبداد والتخلف والظلم الاجتماعي، والاستيطان الإسرائيلي، بعدما لاحت في الأفق صراعات أخرى بين السنة والشيعة والإسلاميين والليبراليين، وبين المسلمين والأقباط والسلفيين والإخوان، إضافة إلى تقاطعات بين الإخوان والجيش وبينهم وبين القضاة، وبينهم وبين الأزهر. بل إننا قرأنا لمن بدأ بتشكك في ملابسات نجاح الثورة في مصر، والدور الذي لعبته الأطراف الخارجية في إنجاحها، الأمر الذي أعطى انطباعا بأن الذي حدث ليس ثورة كبرى، ولكنه يكاد يعد غلطة كبرى، ومع هذه التحولات برز الحنين إلى الماضي، ولاحت في الأفق إشارات حاولت تحسين صورة النظام السابق في مصر وفي تونس أيضا. وقرأنا أمس -الذي وافق يوم ميلاد الرئيس المصري السابق- أن بعض أنصاره سوف ينشرون على صفحتهم بهذه المناسبة سجلا بـ"إنجازاته" و"بطولاته"؛ لتذكير الرأي العام بالوجه المشرق في تجربته الذي حاولت الثورة أن تطمسه وتسقطه من الذاكرة.
هذا التحول يستدعي سؤالا حول أسبابه، وأحسب أن السبب الأول يكمن في سوء الإدارة الذي أصاب الناس بإحباط ظل يتزايد حينا بعد حين. وسوء الإدارة هذا تتحمل مسؤوليته السلطة القائمة في مصر الآن التي لم تنجح في احتواء الآخرين، والحيلولة دون انفراط عقد الصف الوطني، كما لم تنجح في ترتيب أولويات العمل الوطني، أو إقناع الرأي العام بالرؤية التي تتبناها. وحين انضافت قلة الخبرة إلى سوء الإدارة، فإن ذلك أوقع القرار السياسي في أخطاء عدة، تصيدتها الأبواق الإعلامية المعارضة والمتربصة، فبالغت فيها واستثمرتها في تعبئة الشارع ضد سياسة الحزب الحاكم؛ الأمر الذى لم يقف تأثيره عند دوائر الناشطين والذين أحسنوا الظن بالثورة وعلقوا عليها الآمال، وإنما امتد ذلك التأثير إلى قطاعات أخرى في الدولة مثل الأجهزة البيروقراطية والمؤسسة القضائية. وفي أجواء البلبلة المخيمة بدا أن الكل يتعاركون مع الكل، فانشغل البعض بالمطالب الفئوية، وانشغل الآخرون بالصراع على السلطة، وكانت أحزاب المعارضة هي الطرف الأساسي في ذلك، حين رفضت الاحتكام إلى قواعد اللعبة الديمقراطية واختارت أن تتحدى السلطة وتحاول إسقاطها من خلال الشارع. وحين تزامن ذلك مع الضغوط الخارجية التي مارست مختلف الأساليب والحيل للتضييق على المصريين أو تحريضهم وإثارتهم، فإن الأفق بدا مسدودا، ومن ثم تراجعت أحلام الناس وتوقعاتهم، بحيث لم تعد أهداف الثورة شاغلهم الأساسي، حتى إن البعض فقد الأمل في الحاضر كله، وبدؤوا يتطلعون ويراهنون على ثورة أخرى. إلا أن أخطر ما حدث كان تلك الخيوط التي بدأت تنسج في هدوء، وبعيدا عن الأعين بين عناصر المعارضة وأنصار النظام السابق، التي أريد بها تعزيز جبهة الاحتشاد في مواجهة النظام القائم.
بالتوازى مع ذلك، وجدنا أن الأطراف الخارجية أصبحت تمارس في مصر الآن أدوارا علنية لا تبعث على الارتياح والاطمئنان، لا أتحدث عن أجهزة المخابرات التي قال لي مسؤول كبير إنها تواجدت في مصر بكثافة غير مألوفة خلال الأشهر الماضية، ولكني أتحدث أيضا عن الإعلانات التي تنشرها الصحف عن أدوار يقوم بها البعض في مصر، ممن يقومون بدور الوكلاء الحصريين الذين بيدهم مفاتيح التواصل مع الجهات الأجنبية. وقد نشرت صحيفة الشروق أمس تصريحات لواحد من هؤلاء، سبق له أن أعلن أنه أوصل بعض الإخوان بالأمريكيين. وذكر في الحوار المنشور أن ممثلا لحزب النور السلفي وسّطه في الاتصال بالأمريكيين وفتح قناة حوار مباشر معهم. وقال إنه نقل الرسالة إلى واشنطن بعد أن قدم إليها تقريرا عن الحزب ودوره في الساحة السلفية. وقد اعتبر صاحبنا أن ذلك التواصل مع الأمريكيين هو «من بركات ثورة يناير".
لقد أصبحنا بحاجة إلى أن نذكر الجميع -حكومة ومعارضة- أن في مصر ثورة، وأن المعارك الدائرة الآن لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتلك الثورة. من ثم فإن استمرار العراك من شأنه أن يقلب الآية، فلا يكون السؤال عن الدولة العربية التي ستنضم إلى الربيع، وإنما سينصب السؤال على الدولة العربية التي ترشح فيها الثورة للانتكاس.
مبارك لم يحاكم
فلسطين الآن ،،، فهمي هويدي
استوقفني تعليقان على ما نشرته في هذا المكان قبل أيام عن التسهيلات التي قدمها الرئيس السابق للأمريكيين في ميناء رأس بيناس المطل على البحر الأحمر، وهي القصة التي عايشها وأورد تفاصيلها في مذكراته السفير إبراهيم يسري المدير السابق للشؤون القانونية بالخارجية المصرية. الأول من قارئ بدا متشككا في الرواية، وتساءل قائلا: إذا صحت فلماذا لا تعلن ذلك حكومة الثورة وتقوم بإلغاء تلك التسهيلات. التعليق الثاني جاءني من دبلوماسي مخضرم، وقد اختزله في ثلاث كلمات هي: وما خفي كان أعظم.
الرسالتان عكستا موقفين في مصر هذه الأيام. موقف فريق لم يتح له أن يعرف حقيقة ما جرى خلال الثلاثين عاما التي أمضاها مبارك في الحكم لأنه كان بعيدا عن الصورة طول الوقت. وفريق يضم أناسا آخرين كانوا في الصورة أو قريبين منها، والأولون غير مستعدين لتصديق ما يقال عما جرى في تلك المرحلة. والآخرون يعرفون جيدا لكن منهم من آثر الصمت لسبب أو آخر، ومنهم من لم تتح لهم الفرصة لكي يتكلموا، وما زلنا في أمس الحاجة لأن نسمع شهاداتهم.
صاحبنا الذي لم يكن مستعدا لتصديق ما أعطاه مبارك للأمريكان من تسهيلات معذور وله الحق في تساؤله وتشككه، فضلا عن أنني أزعم أنه يمثل بعضا من الذين باتوا يتعاطفون مع مبارك هذه الأيام.
صحيح أن أغلبية الشعب هتفت لسقوط النظام قبل عامين استجابة لشعور جارف بالظلم والفساد اللذين أشاعهما نظامه، إلا أن الجميع وجدوا بعد ذلك أن مبارك حوكم على أمور أخرى مغايرة لتلك التي ثاروا من أجلها. فقد اختزل الظلم والاستبداد الذي مارسه في موقفه خلال الثمانية عشر يوما التي استغرقتها الثورة، والتي سقط فيها نحو ألف من القتلى، وأسقطت من لائحة اتهامه ممارساته خلال الثلاثين سنة السابقة. وقد برأه القضاء من تهمة القتل، أما الفساد فقد اختزل في بعض المخالفات المالية التي رصدها جهاز الكسب غير المشروع والتي يتعلق بعضها بنفقات القصور الرئاسة. وهذه أيضا لا أستبعد أن يبرأ منها.
هذه الصورة تعنى أن مبارك لم يحاكم على جرائمه الكبرى، الأمر الذي لا أستغرب معه أن يتشكك مواطن كذلك الذي تلقيت رسالته في فكرة أن يكون قد قدم تسهيلات عسكرية للأمريكيين في ميناء مطل على البحر الأحمر.
إن أحدا لم يعرف حقيقة التعهدات التي قدمها مبارك للأمريكيين ولا المساعدات التي قدمها لهم في حروبهم القذرة بالمنطقة، خصوصا في غزو العراق. كما أننا لم نعرف عمق وأبعاد علاقاته مع الإسرائيليين التي جعلتهم يعتبرونه «كنزا استراتيجيا» لهم. كذلك لم نعرف تفاصيل تحيزاته ضد الفلسطينيين ودوره في حصار غزة. وليس بوسعنا أن نحدد مدى إسهامه في انفصال جنوب السودان عن شماله. أو تقزيم دور مصر في العالم العربي.
الأسئلة المثارة حول سياسته الداخلية أصعب وأخطر. إذ يتعلق بعضها بنظامه البوليسي والقوائم الطويلة للذين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء القسري، فضلا عن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وبعضها الآخر يتعلق بانحيازه إلى الأغنياء وسياساته الاقتصادية التي دمرت الطبقة الوسطى وأدت إلى تصفية القطاع العام وتوزيع تركته على الانتهازيين والمحاسيب. ناهيك عن جرائم تزوير الانتخابات وتدمير الحياة السياسية وتركيزه على توريث السلطة لابنه، ثم تعطيله خطط التنمية في البلاد، أما مسؤوليته عن انهيار التعليم وتدهور الخدمات الأخرى في قطاعات الصحة والنقل والإسكان. وإهدار نظامه الثروة العقارية لمصر، فهي أيضا تحتاج إلى تحرير، ولا نستطيع أن نتجاهل في هذا السياق مسؤولية نظامه عن حرق الفنانين في قصر ثقافة بنى سويف، وغرق 1300 مواطن مصري في جريمة العبارة، وإبادة 400 مواطن مصري في قطار الصعيد، وفي النهاية تحويل ذلك البلد الكبير إلى مجموعة من الخرائب والأنقاض.
تلك مجرد أمثلة لما لم يحاسب عليه مبارك، وما لم يعد ممكنا مساءلته عليه إلا في ظل محكمة خاصة توضع أمامها كل تلك الملفات، لا للانتقام منه ولكن لاستيفاء حق الشعب الذي دفع ثمن الثورة كاملا من دماء أبنائه، ليفاجأ في نهاية المطاف بتبرئة ساحة رأس النظام الذي ثاروا عليه. وقد تعرضت لهذه النقطة من قبل وأشرت إلى المادة 150 من الدستور التي تعطي رئيس الجمهورية الحق في ان يستفتي الناخبين في المسائل التي تتصل بمصالح الدولة العليا، ورأى المستشاران حسام الغرياني وطارق البشري أن ذلك لا ينطبق على الحالة التي نحن بصددها، في حين قال المستشار سمير حافظ رئيس الاستئناف السابق ان تشكيل محكمة خاصة لمحاسبة مبارك تدخل ضمن مصالح الدولة العليا. وهو ما يزال عند رأيه، كما أنني عند رأيي في ضرورة اتفاق القانونيين على حل للإشكال.