اقلام واراء عربي 392
7/5/2013
في هذا الملــــف:
عقيدة عنصرية صهيونية ومواقف عربية مهادنة
يوسف مكي/دار الخليج
تنازلات في زمن الثورات
محمد السعيد ادريس/دار الخليج
إسرائيل تهزأ من تنازلات العرب.. وتدفنها
حلمي موسى/السفير
جاء دور الاعتراف بيهودية اسرائيل
رأي القدس العربي
‘الاقلام الفلسطينية و’القدس العربي’
د. المهندس حسام الوحيدي/القدس العربي
فلسطين بأي ذنب تقتل؟
ميلاد عمر المزوغي/القدس العربي
خطة «برافير» الإسرائيلية وغاياتها
رأي الوطن القطرية
الضربات الإسرائيليّة: الموت كمطلب لذيذ
حازم صاغيّة/الحياة اللندنية
«ما لم ينشر» عن الاتحاد الخليجي!
جميل الذيابي/الحياة اللندنية
الأسد وإسرائيل.. على رسلكم!
طارق الحميد/الشرق الأوسط
العراق أخطر من سوريا؟
عماد الدين أديب/الشرق الأوسط
بعد هجمات اسرائيل والانتحار السياسي ـــــ الاخلاقي لادعيائها: نحو إعادة تفكير جدي في جدلية ‘المقاومة’
د. عبدالوهاب الأفندي(كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن)/القدس العربي
القنبلة السورية.. عملية سحب النابض
سلطان الحطاب/الرأي الأردنية
«الأزعر» الإسرائيلي يوجه رسائل متفجرة.. وطهران بانتظار دورها
رومان حداد/الرأي الأردنية
العدوان الإسرائيلي يدفع بالمنطقة إلى الحرب
رأي الدستور الأردنية
إذا كان المعلن «عظيماً» فالمخفي أعظم
طلال عوكل/البيان الإماراتية
عدوان الربيع الإسرائيلي تحد للعرب جميعاً
رأي الجمهورية المصرية
فى الطريق إلى «خناقة»!
حمدي رزق/المصري اليوم
عقيدة عنصرية صهيونية ومواقف عربية مهادنة
يوسف مكي/دار الخليج
الموقف العربي الأخير الذي يعيد مجدداً صياغة المبادرة العربية، التي اعتبرت في حينها حداً أدنى، وآخر تنازل عربي، أمام سياسة الغطرسة الصهيونية، يعيد إلى الذاكرة، مقولة أثينية، خلاصتها “أن النصر إذا كان مستحيلاً ينبغي احتقاره” . وقد وجدت هذه المقولة قبولاً بعد سقوط مدينة أثينا، ومعها سقوط الفلسفة اليونانية التي أسهمت في رقي الفكر الإنساني وتطوره .
سادت في تلك المرحلة المدارس الرواقية والأبيقورية، والحث على القبول بالأمر الواقع، وخلالها سوقت مقولات الاستسلام، والاستعاضة عن الطموح بالخضوع للذة، وسادت مقولات مثل “إذا كان ما لديك لا يكفيك، فلن تصبح سعيداً حتى لو ملكت العالم بأسره” .
أثار التنازل العربي الجديد الذي يقترح تبادل الأراضي، بين الفلسطينيين والصهاينة، ليستعيض الفلسطينيون عن الأراضي التي احتلت من قبل “الإسرائيليين”، في حرب حزيران ،1967 بأراض أخرى يختارها الصهاينة، ربما من صحراء النقب، أو من مناطق أخرى، تساؤلات وتداعيات في المعنى كثيرة .
فكلمة الحد الأدنى ذاتها، أصبحت عديمة المعنى لفرط استخدامها، ولفرط تزامن هذا الاستخدام بتقديم المزيد من التنازلات لمصلحة المشروع الصهيوني . ومن باب التذكير فقط، ومن غير الرغبة في استحضار التاريخ، كان القبول بتقسيم فلسطين بين سكانها الأصليين واللصوص الوافدين، من كل أصقاع الأرض، هو أول حد أدنى، وكان في حينه موضوعاً خلافياً بين العرب .
وفي النصف الثاني من السبعينات، نشط مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لندن، سعيد حمامي في نشر مقالات باللغة الإنجليزية في مجلة “نيوزويك”، قالت بحد أدنى آخر . تحدث حمامي في مقالاته عن تاريخ القضية الفلسطينية، وعن معاناة أهله، وأوضح أنه لم يسبق في التاريخ، أن طلب من ضحية أن يعتذر لقاتله، إلا في حالة الصراع العربي- الصهيوني .
وقال إن التوازن الدولي والإقليمي لا يسمح للفلسطينيين بالمطالبة بكامل أرضهم . وإنه لذلك، يطالب المجتمع الدولي والعرب جميعاً بقبول قيام دولة فلسطينية، على الأراضي التي احتلها “الإسرائيليون” في حرب حزيران، وأن يتحقق السلام بين الفلسطينيين واليهود . وفي معرض تبريره لدعوته، أشار إلى أن قيام دولة فلسطينية، سيفتح الباب، للمطالبة العربية، بتطبيق جميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، بما فيها قرار التقسيم، وأن ذلك سوف يصب في محصلته الفلسطينيين، سيسهم في الدفع بحق العودة إلى الأمام . وقال حمامي إن ما قدمه من اقتراحات، هي في النهاية محاولة للوصول إلى حل ظالم وغير عادل بحق العرب، ولكنه الوحيد الممكن وربما المتاح، وإن على العالم أجمع أن يدرك أن ذلك، هو آخر ما يمكن للفلسطينيين أن يقدموه من تنازل، عن حقوقهم .
وتم التراجع عن هذا الحد الأدنى، إلى حد أدنى آخر، في مسلسل لا ينتهي، كان آخره، مشروع تبادل الأرض . وهو مشروع إن كتب له أن يدخل من بوابات التفاوض، فإنه يحمل نذر التنازل عن القدس الشريف، ومدينة الخليل . لتصبح القضية ليست فقط تنازلاً عن الأرض، بل تنازلاً أقسى وأمر . إنها تضحية بالذاكرة التاريخية، وبالحقائق الزاهية التي صنعت تاريخ العرب وأمجادهم . وهي في هذه الحالة، تعني التنازل عن الماضي والتضحية بالحاضر والمستقبل .
والأخطر من كل ذلك، أنها تهيئ للتضحية بفلسطين، كل فلسطين . لأن الأمر لم يعد متعلقاً باستعادة أرض بعينها، ولكنها استبدال أرض بأرض . وما دام القانون كله خاضعاً لتوازنات القوة، فما الذي يمنع أن يتم هذا الاستبدال خارج فلسطين، فيتحقق في مكان آخر، لا يكون في الأصل من الحصة التي اغتصبها الصهاينة .
وعلى الضفة الأخرى، يقف الموقف الصهيوني، قوياً ومتغطرساً وصلباً . وفي هذا السياق، لسنا بحاجة إلى كبير عناء لندلل على عنصريته . فالأصل في العقيدة الصهيونية، هو عنصريتها، وما عداه من مؤسسات تحمل طابع الدولة المدنية الحديثة، هي رتوش تجميلية، لا تسمن ولا تغني، ولا تغير من واقع الأمر شيئاً .
فمنذ البدء، استند البرنامج الصهيوني، لحيازة فلسطين، إلى نفي الآخر . فالفلسطيني في العقيدة الصهيونية، إما غير موجود أصلاً، وإما أنه أقل إنسانية، وأنه في أحسن حالاته قربان للحضارة . والإجهاز عليه، ومصادرة أرضه وممتلكاته، هو تحقيق لنبوءة الأرض الموعودة . وهو من جهة أخرى، تطبيق لمقولة البقاء للأفضل، حيث الأرض لمن يزرعها أما الآخرون، فمصيرهم التشريد والنفي، والقتل إن اقتضى الأمر . وكما قال أحد زعماء الصهاينة في هذا السياق، “لا يوجد فلسطيني جيد . . الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الذي فقد حياته” . هذه المنطلقات الصهيونية، ليست مواقف عابرة، فرضها تدشين المشروع الصهيوني على أرض السلام، ولكنها شيء ماثل أبداً، في صلب عقيدة المغتصب .
وبنيامين نتنياهو، اليمنى المتطرف، ورئيس حكومة الكيان الغاصب والرافض لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، هو الأجدر، في التعبير عن عنصرية كيانه . ولذلك، يأتي تكريمه للحاخام يوسف الشريف الذي دعا إلى قتل غير اليهود، “الأغيار”، في اتجاه منطقي وموضوعي .
وللأسف فإنه في الوقت الذي يطرح بعض العرب، مشروع تبادل الأراضي، “كحد أدنى” “وآخر التنازلات”، في القائمة المذلة، نشرت صحيفة “هآرتس” في 23 من شهر إبريل/ نيسان الماضي، مقالاً لسافي راخلفسكي، ناقش فيه، تأبين رئيس الحكومة، نتنياهو للحاخام العنصري، الذي طالب طوال حياته بقتل الفلسطينيين، ونفيهم عن أرضهم . وقد وضع سلوك نتنياهو هذا، ووضعه العلم الصهيوني، فوق قبر الحاخام، حكومة الكيان الغاصب، في مصاف الشريك في جريمة المناداة بسحق “الأغيار” .
لقد وصف الكاتب “الإسرائيلي” راخلفسكي، تصرف نتنياهو بالمثير للقشعريرة، وبأنه “نقل “إسرائيل” من دولة إلى شركة عنصرية” . وتصريحاته في هذا الشأن مستفزة ومقرفة، حيث وصف الحاخام العنصري، باليهودي الطاهر، ووجه تحيته لعظيم من عظماء التوراة، وفقيه في الشريعة اليهودية ومفت كبير . وأنه حاخام اعتقل لأنه وقف “خلف نظرية الملك، وشريعة قتل الأغيار” .
أثار الحاخام يعقوب يوسف الشريف، أثناء حياته غضب جميع قوى السلم في العالم، وكانت فتاويه العنصرية، موجهة ضد العرب، وقد واصل دعواته العنصرية حتى آخر يوم في حياته . وكان بالإمكان التعلل بأن مواقفه العنصرية هذه، تخصه وحده، ولا تتحمل وزرها حكومة العدو، رغم أن ذلك مناف لأبسط الأمور . فسلوك الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ممثلة في الزحف المستمر على ممتلكات الفلسطينيين، وبناء المستوطنات فوقها، وهدم البيوت وإقامة المعابر والجدران العازلة، كلها تصب في خدمة تنظير هذا الحاخام، وتنفذ ما جاء في فتاويه، وهي في النهاية تتجانس مع اعتباره مفتياً كبيراً، كما صرح بذلك نتنياهو .
أما آن لمسلسل تقديم التنازلات أن ينتهي، وأن تقفل إلى الأبد أكذوبة “الحد الأدنى” ليستقيم ميزان العدل، في مواجهة الحركة الصهيونية؟ فليس أقسى من الهزيمة سوى تكيف المهزومين معها، والقبول بها كمسلمة نهائية، وحقيقة مطلقة، فموازين القوى الحالية، ليست شيئاً راسخاً، وأن يبقى الحق معلقاً، يتم التمسك به، وينتظر فرصته، خير من التفريط بالتاريخ والوجود . وتلك حقائق سجلتها المدونات التاريخية، فهل حان موعد استيعاب دروسها؟
تنازلات في زمن الثورات
محمد السعيد ادريس/دار الخليج
السؤال المهم الذي مازال يشغل الكثيرين منذ إعلان جامعة الدول العربية رسمياً للمرة الأولى في تاريخها، استعدادها المبدئي لتبني مشاريع تبادل الأراضي في إطار اتفاقية سلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني هو الذي دفع وفد جامعة الدول العربية الآن، وفي ظل هذه الظروف شديدة الصعوبة والغموض الخاصة باحتمال اللجوء الأمريكي أو الأطلسي إلى الحل العسكري في سوريا استناداً إلى معلومات استخباراتية “إسرائيلية” وغربية تروّج لتجاوز النظام السوري للخط الأحمر الذي سبق أن حدده الرئيس الأمريكي باراك أوباما للتدخل عسكرياً في سوريا لإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، وهو استخدامه أسلحة كيماوية ضد المعارضة .
وفد الجامعة العربية سافر إلى واشنطن للقاء أقطاب الإدارة الأمريكية ولم يسافر إلى نيويورك لمناقشة ما لديه من جديد مع المنظمة الدولية كمرجعية لها علاقة بجوهر الموضوع، وهي قضية الحدود التي يجب أن ينسحب “الإسرائيليون” منها، أي حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 لتكون حدوداً فاصلة بين الدولة الفلسطينية المقترحة والكيان . فوفد الجامعة العربية كان يستهدف الإدارة الأمريكية وليس المنظمة الدولية، والسؤال هنا أيضاً لماذا؟
هل ما ذهب به وفد الجامعة العربية من تنازلات جوهرية جديدة تخصّ الشعب الفلسطيني دون غيره، وتتعلق بقبول مبدأ تبادل الأراضي استكمالاً لما تضمنته المبادرة العربية من إقرار لمبدأ “الأرض مقابل السلام”، أي إقرار مبدأ “الأرض مقابل الأرض”، ثمنٌ قررت الجامعة العربية أن تدفعه، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني لإغراء الولايات المتحدة بقبول الحل العسكري للأزمة السورية؟
خطورة السؤال تجيء في ظل توجه أمريكي جديد بإعادة هندسة النظام الإقليمي للشرق الأوسط، لاستيعاب التداعيات الحالية والمحتملة لموجة الثورات العربية، وتأمين المصالح الأمريكية في المنطقة في ظل توجه أمريكي جديد بالتركيز على إقليم الشرق الأقصى لمواجهة الخطر الصيني المتصاعد، واحتمالات تشكيل تحالف دولي يضم الصين وروسيا والهند لمواجهة الولايات المتحدة .
هذا التوجه بدأ بالمصالحة الشهيرة التي أجراها الرئيس الأمريكي أوباما بين كل من رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية وبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة “الإسرائيلية” التي اعتبرت خطوة جوهرية لإعادة ترميم التحالف الاستراتيجي المتداعي منذ ثلاث سنوات بين تركيا و”إسرائيل”، لتأسيس مركز التحالف الإقليمي الجديد الذي يضم الولايات المتحدة وتركيا و”إسرائيل”، لاحتواء التداعيات المحتملة لموجة الثورات العربية عامة والمخاطر المتوقعة لسقوط النظام السوري، أو اللجوء إلى الخيار العسكري لإسقاط هذا النظام على وجه الخصوص .
فقد كشف أليكس فيشر معلق الشؤون الأمنية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، أن كثافة التحركات الأمريكية في المنطقة في الأشهر الأخيرة كان هدفها “بلورة حلف غير رسمي بين ثلاث دول عربية والسلطة الفلسطينية مع تركيا و”إسرائيل” والولايات المتحدة” في مواجهة إيران وسوريا، وأن هذا الحلف يحمل اسماً مشفراً في وزارة الخارجية الأمريكية بعنوان “دول 4+1” أي الأطراف العربية الأربعة مع تركيا، كطرف حليف للولايات المتحدة و”إسرائيل” .
هذا التوجه سيفرض حتماً لجوء روسيا وإيران وسوريا إلى تأسيس تحالف مناهض مدعوم من الصين والعراق، ما يعني أننا أمام حالة استقطاب عربي - إقليمي جديدة بديلة لما كان من محاور أسقطتها الثورات العربية، خاصة “محور الاعتدال” و”محور الممانعة” .
هل مبادرة جامعة الدول العربية بإقرار مبدأ “مبادلة الأراضي” إلى جانب مبدأ مبادلة الأرض بالسلام الذي سبق تضمينه في مبادرة السلام العربية، يجيء ضمن خطوات تأسيس هذا التحالف الذي تشارك فيه السلطة الفلسطينية التي أعلنت دعمها لخطوة وفد جامعة الدول العربية، بإيجاد حل للقضية الفلسطينية على النحو الذي يتوافق مع مفهوم “السلام الإسرائيلي”، أي السلام الذي يحقق كل متطلبات الدفاع عن الكيان الصهيوني، كخطوة داعمة لتأسيس ذلك التحالف ضد إيران وسوريا؟
الأسئلة كثيرة، لكن، لا توجد إجابات محدّدة ورغم ذلك، فإن قادة الكيان الذين لم يحترموا مبادرة السلام العربية وتعمدوا تجاهلها، ما زالوا يتطلعون إلى المزيد رغم تساقط الخطوط الحمر العربية الواحد تلو الآخر . فقد أسقط الرئيس الفلسطيني محمود عباس حق العودة، ولم يعد أحد يتحدث فعلياً عن القدس، أو منع التوسع الاستيطاني والتهويد ووقف ما يتعرض له المسجد الأقصى من تدمير ممنهج بهدف إسقاطه لإقامة “الهيكل المزعوم”، والآن يسقط الخط الأحمر الخاص بالانسحاب “الإسرائيلي” إلى حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 .
فقد أكدت صحيفة “هآرتس” أن نتيناهو ومستشاريه المقربين لا يتحمسون للإعلان العربي، ويخشون من احتمال تبني وزير الخارجية الأمريكي جون كيري موقف ممثلي جامعة الدول العربية من حدود الدولة الفلسطينية ومبدأ تبادل الأراضي . هذا الرفض يؤكد أن حكومة الكيان ليست مع حل الدولتين حتى لو كان ذلك وفقاً للتنازلات العربية الأخيرة، فهذه الحكومة تراهن على حلول بديلة تكون فلسطين كلها “دولة يهودية” .
هذا الواقع يكشف بدوره سقوط الرهانات العربية الواحد تلو الآخر، وهذا التنازل الجديد الذي أسمته حركة الجهاد الفلسطيني ب”وعد بلفور عربي”، كما رفضته قيادة “حماس” في الداخل والخارج، واعتبرته “إمعاناً في سياسة التنازلات”، لم يخرج عن كونه مبادلة أرض عربية بأرض عربية بكل ما يعنيه ذلك من إقرار بالاغتصاب الصهيوني القديم واعتراف بالاحتلال الصهيوني الجديد، وكلا الأمرين هو تفريط بالحقوق الفلسطينية والعربية وبكل المواثيق والقرارات العربية والدولية، فضلاً عن أن أهل هذه المبادرة قد نصبوا أنفسهم أوصياء على الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وتكشف “المبادرة” أيضاً إلى أين وصل الحال بالنظام العربي، ولمصلحة من يعمل، وكيف يخطط أصحاب هذه المبادرة لإسقاط كل الأحلام العربية .
إسرائيل تهزأ من تنازلات العرب.. وتدفنها
حلمي موسى/السفير
أكدت غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية أن وزيرة العدل المسؤولة عن ملف المفاوضات تسيبي ليفني، أبلغت وزير الخارجية الأميركي جون كيري عدم قبول إسرائيل استئناف المفاوضات على أساس خطوط العام 1967 مع تبادل أراض. وجاء هذا الموقف الإسرائيلي بعد التصريحات والتسريبات من ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية حول عدم الرضى تجاه إعلان وفد الجامعة العربية إلى واشنطن قبل أيام قبوله بتعديلات حدودية طفيفة لخطوط حزيران العام 1967، وتأييده تبادل أراض في إطار التسوية النهائية.
وهكذا فإن الآمال التي أحياها التراجع العربي الرسمي، تحت الإلحاح الأميركي، بقرب استئناف المفاوضات تبددت دفعة واحدة جراء الموقف الإسرائيلي المعارض لخطوط العام 1967، والمتحفظ من المبادرة العربية حتى بعد التعديل. فقد أوفدت إسرائيل إلى أميركا الوزيرة ليفني التي رحبت بالإعلان العربي لتبلغ أميركا عدم القبول جوهرياً بهذا الإعلان. ودفع هذا التناقض البعض للإيحاء بأن الموافقة من جانب بعض المسؤولين الإسرائيليين على الإعلان العربي تعني أولاً، وقبل كل شيء، قبول أمر فتح المواضيع للنقاش، وأن ليس هناك ما هو مقدس، وخصوصاً خط حزيران 1967. كما أنه عنى أن بعض الإسرائيليين يشجعون الأميركيين على مواصلة الضغط على الفلسطينيين خصوصاً، والعرب عموماً من أجل دفعهم لتليين مواقفهم والاقتراب من الموقف الإسرائيلي. وفي كل حال أكدت ليفني أنها تعمل بالتعاون مع كل من نتنياهو وكيري بقصد استئناف المفاوضات. وأضافت أن هناك محاولات تجري وأن أحداثاً تدور.
وأشارت «هآرتس» إلى أن اللقاء بين ليفني وكيري، الذي حضره أيضاً مبعوث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المحامي اسحق مولخو لم يتم الإعلان عن محتواه وتفاصيل ما دار فيه. ولكن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن اللقاء مع كيري كان جيداً وموضوعياً، واهتم بسبل حث المفاوضات مع الفلسطينيين. وأضاف أنه طرحت في اللقاء مسألة مبادرة السلام العربية، والبيان الأخير لوفد الجامعة العربية بشأن حدود الدولة الفلسطينية.
وأضافت «هآرتس» أن ليفني ومولخو سعيا لفهم موقف كيري من بيان ممثلي الجامعة العربية في بداية الاسبوع في واشنطن، وكيف يريد أن يتقدم في الاسابيع القريبة المقبلة في كل ما يتعلق باستئناف الاتصالات بين اسرائيل والفلسطينيين. وعرض مولخو في اللقاء تحفظات نتنياهو على بيان الجامعة العربية.
وقاد إعلان وفد الجامعة العربية إلى واشنطن، برئاسة رئيس الحكومة القطرية الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني بتأييد تبادل الأراضي والتعديلات الحدودية، إلى نشوء انطباع بأن مساعي وزير الخارجية الأميركية لاستئناف المفاوضات تؤتي أكلها. وتهافت مؤيدو التسوية في إسرائيل على تأييد المبادرة واعتبارها منطلقاً صالحاً، غير أن ذلك لم يرق لليمين عموماً ولنتنياهو خصوصاً. وأعلن هؤلاء أن الإعلان العربي ليس سوى خدعة عربية جديدة لتقريب الموقف الأميركي من الموقف العربي، وأنها في جوهرها لا تنطوي على جديد.
ويعتقد معلقون في إسرائيل أن الموقف الرسمي الإسرائيلي من المبادرة العربية وضع عراقيل كبيرة وجديدة أمام استئناف المفاوضات. ولاحظ بعضهم أن هذا الموقف ينطوي حتى على تراجع جوهري عن موقف اتخذه نتنياهو في ولايته السابقة عندما أيد إعلاناً للرباعية الدولية كان سيصدر وتضمن خطوط العام 67 وتبادل أراض، وأيضاً اعتراف الفلسطينيين بالدولة اليهودية. ومع ذلك فإن موقف نتنياهو هذا لم يرق لبعض الأوساط الأشد يمينية، والتي لاحظت تركيزه مؤخراً على الخطر الديموغرافي، وهو ما اعتبرته هذه الأوساط تدحرجاً نحو تبني تعابير اليسار الإسرائيلي.
ووجهت «هآرتس» يوم أمس افتتاحيتها لتحمل على حكومة نتنياهو، وتعلن أن «اسرائيل ضد السلام».
وكتبت إن «مساعي الرئيس (الأميركي باراك) أوباما لدفع المسيرة السلمية الى الامام لا تنتهي في الحملة المكوكية لوزير خارجيته جون كيري، او في لقاءاته مع الاسرائيليين والفلسطينيين. فالتطورات المهددة في الشرق الاوسط، الازمة في سوريا والتهديد الايراني، تستدعي من الرئيس الأميركي توسيع دائرة الشركاء لتشمل زعماء الدول العربية».
وبعدما وصفت الصحيفة تجاوب القيادة العربية مع المسعى الأميركي، وصولاً إلى الإعلان عن القبول بتبادل الأراضي والتعديلات الحدودية، أضافت أن «إسرائيل ردت بتهكم لاذع على المبادرة الجديدة. ورئيس الوزراء لم يجد حتى من الصواب أن يبارك التغيير الهام في الموقف العربي، واكتفى بكلام عمومي عن وجوب الوصول الى تسوية «تحول دون تحّول إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، ولكن تعطي الاستقرار والأمن».
وخلصت «هآرتس» أن وزراء حكومة نتنياهو يرون في «كل مبادرة جديدة للدفع الى الأمام بالمسيرة السياسية تهديداً يجب صده. وأن إسرائيل تصر على إدارة مفاوضات على جملة مواضيع، وترفض الطلب المحق لـ(الرئيس الفلسطيني محمود) عباس بإدارة مفاوضات على الحدود ومواضيع الامن أولا. وهكذا فإن الحكومة تعزز صورتها كرافضة بالذات حين تبدأ المناطق بالاحتدام. حكومة كهذه هي خطر على مواطني اسرائيل».
وكررت حركة حماس رفضها للطرح العربي. وقال رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية إن «ما سمي بمبادرة عربية جديدة هي مبادرة مرفوضة من شعبنا وأمتنا ولا يمكن لأحد أن يقبلها، مضيفاً «إنها مبادرة تحمل مخاطر كثيرة وعديدة على شعبنا في الأرض المحتلة في العام 1967، وشعبنا في الأرض المحتلة في العام 1948، كما على شعبنا في الشتات». وتابع «إلى من يتحدثون عن تبادل أراض نقول: فلسطين ليست عقاراً للبيع أو المبادلة أو التجارة».
من جهة ثانية، بدا لافتاً يوم أمس إعلان الحكومة الصينية استعدادها لترتيب لقاء بين نتنياهو وعباس. ويأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تستعد فيه الصين لاستقبال كل منهما قريباً. وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية إن بلاده ستسر للمساعدة في إجراء لقاء كهذا «إذا ما أبدى الطرفان رغبة في ذلك».
ومعروف أن عباس يصل غداً الأحد إلى الصين ويغادرها يوم الثلاثاء، في حين يصل نتنياهو يوم الاثنين في زيارة رسمية تستمر ثلاثة أيام. وتحاول الصين القيام بدور في التسوية، وعينت مبعوثاً خاصاً للشرق الأوسط قد زار تل أبيب ورام الله عشر مرات في السنوات الأربع الأخيرة.
جاء دور الاعتراف بيهودية اسرائيل
رأي القدس العربي
الامة العربية تقف على ابواب حرب مدمرة، ومع ذلك ما زالت شهية دولة الاحتلال الاسرائيلي مفتوحة لحلب المزيد من التنازلات من الجانب العربي حتى قبل بدء المفاوضات.
وفد متابعة مبادرة السلام العربية المنبثق عن مجلس وزراء الخارجية العرب زار واشنطن والتقى بوزير الخارجية الامريكي جون كيري من اجل ‘تحريك’ عملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، فبينما كان من المفترض ان يقدم الجانب الاسرائيلي الذي زرع الارض بالمستوطنات والمستوطنين على مدى عشرين عاما تنازلات للعرب لاغرائهم بالعودة الى المفاوضات حدث العكس تماما، وبادر الوفد الى تقديمها متمثلة بالقبول بمبدأ تبادل الاراضي وادخال تعديلات على المبادرة العربية.
نتنياهو لم يرحب بهذه التنازلات العربية على اهميتها، وبادر بارسال وفد برئاسة تسيبي ليفني وزيرة العدل في حكومته الى واشنطن لتقديم سلسلة من التحفظات، ابرزها ضرورة الاعتراف باسرائيل دولة يهودية.
المؤسف ان جون كيري تجاوب مع هذا الطلب ومارس ضغوطا على الجامعة العربية ووفدها، للقبول به تحت ذريعة قطع الشجرة التي تسلق عليها نتنياهو، وسحب كل الاعذار من بين يديه.
لا نستغرب هذه الضغوط الامريكية على الجانب العربي، فالرئيس باراك اوباما طالب الفلسطينيين بالاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية، مثلما طالب الحكومات العربية بتطبيع العلاقات دون شروط مع هذه الدولة، كل هذا مقابل ان يجلسوا الى مائدة المفاوضات مع الاسرائيليين.
كنا نتمنى لو ان محنة مبادرة السلام العربية هذه تجنبت تقديم تنازلات للاسرائيليين عبر البوابة الامريكية خاصة في مثل هذا الوقت الذي تقف فيه المنطقة على حافة حرب مدمرة، وتتراجع فيه قضية السلام الى ذيل اهتماماتها، في ظل العدوان الاسرائيلي على سورية، وتفاقم الازمة السياسية في العراق واضطراب الاوضاع السياسية والاقتصادية في دول الربيع العربي.
اعتراف العرب باسرائيل دولة يهودية يعني نزع الشرعية عن مواطنة مليون ونصف المليون من فلسطينيي الارض المحتلة عام 1948، والغاء حق العودة لاكثر من ستة ملايين فلسطيني.
السيدة ليفني طالبت اكثر من مرة ليس بتبادل اراض وانما بتبادل سكان، اي طرد هؤلاء الفلسطينيين من وطنهم وسحب جنسيتهم وتوطينهم في الدولة الفلسطينية المفترض قيامها على اساس حل الدولتين.
وكون السيدة ليفني هي المسؤولة عن ملف المفاوضات فلا نستغرب ان تكرر الطلب نفسه، بل ما هو اكثر منه في ظل هذا الاستعداد العربي المتفاقم لتقديم تنازلات مجانية لاسرائيل باسم الجامعة العربية ومبادرتها للسلام.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس يرتكب خطأ كبيرا عندما يقول انه اعترف باسرائيل عام 1993 اي قبيل توقيع اتفاق اوسلو بايام، وعلى الاسرائيليين ان لا يطالبونا بالاعتراف بيهودية دولتهم، ولهم الحق ان يسموها كما شاؤوا.
هذا موقف خاطئ ولا يجب ان يكرره الرئيس عباس، بل هو مطالب بان يعارض هذه العنصرية الاسرائيلية بكل قوة، وان يقف الى جانب حقوق اهلنا في المناطق المحتلة عام 1948 في المساواة والعدالة والبقاء على ارضهم وارض اجدادهم.
اخيرا نطالب لجنة متابعة مبادرة السلام العربية هذه ان تتوقف عن تقديم اي تنازلات حول تبادل الاراضي او الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية او تعديل حدود عام 1967، لان ليس من صلاحياتها تقديم هذه التنازلات، وهي ليست مخولة بذلك، مهمتها محصورة في محاولة يائسة لاحياء عملية سلام ماتت وتعفنت ولم تلق الا الاحتقار من الجانب الاسرائيلي منذ اطلاقها قبل 11 عاما.
‘الاقلام الفلسطينية و’القدس العربي’
د. المهندس حسام الوحيدي/القدس العربي
تزدحم الارض بما رحبت بالإعلام المرئي والمقروء من كل حدب وصوب، وتعج الشبكة العنكبوتية بمواقع متعددة، بعضها ينقل قارئها الى واحات المعرفة والعلم، والبعض الآخر ينقل مشاهده الى ظلمات الجهل والوهم. كثيرة هي التي تُعرف بالصحف الصفراء التي لا تمت للواقع بأي صلة، وكثيرة التي تعرف بمواقع الطابور الخامس. ما بين هذه وتلك، وما بين الجهل والمعرفة، وما بين العلو والانحطاط، وما بين الظلمة والنور، من بين كل هذه المتناقضات تخرج الاقلام الفلسطينية المتخصصة التي سمت وتسمو عاليةً خفاقة لتضيء سماء فلسطين والعالم بالمعرفة اللامحدودة والسياسة المتنوعة والكلمة الحرة والاخبار الهادفة والاتجاهات المفتوحة.
ناضل شعبنا الفلسطيني من اجل حريته بكل اشكال التصدي والتحدي، بجميع صوره ومسمياته، انه الشعب الذي لا يقهر مهما بلغت قوة العدوان. فقد شارك القلم الفلسطيني مدافعاً عن ثرى وطنه، متخذا لنفسه موقعاً وتخندق بين تلال فلسطين وخلف اشجار زيتونها وعلى ضفاف ساحلها وعلى اسوار قدسها وبين مآذن مساجدها وفي حرم جامعاتها، فكتب’ القلم الفلسطيني وخطط ورسم وابدع، تخندق القلم الفلسطيني مع الاخ الزعيم القائد الشهيد ياسر عرفات وسكن في طائرته، بل بين اصابعه، فكانت خطبته الشهيرة في الامم المتحدة ‘لا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي’. فحياة الشعوب بحياة اقلامها، تنوعت اقلامنا الفلسطينية فكانت وما زالت شاملة وشمولية، فكانت وما زالت اكثر دهاءً’ وحكمة ممن قيدها بقيد من حديد، حتى وصل السجان الى مرحلة الافلاس، فسقط من سقط شهيداً من اقلامنا الفلسطينية الحرة الجريئة، فكان ناجي العلي شهيد القلم الفلسطيني. ولكنها لم تفقد بوصلتها بعد استشهاد الكثير من كتابنا واقلامنا الفلسطينية الحرة، ولم تفقد بوصلتها بعد استشهاد زعيم القلم في حياتنا المعاصرة الرئيس ياسر عرفات، بل وزاد الكتاب وزادت الاقلام ضراوة، وحولها القلم الفلسطيني الى ساحة مفتوحة. فأصبح من في الارض جميعاً يقرأ للكاتب الفلسطيني عرباً وعجماً، وعلى سبيل المثال لا الحصر الكاتب الوطني المناضل عبد الباري عطوان، احد ابرز الكتاب في علوم التسلسل، قلم فلسطيني وعالمي بامتياز، ينقلك بخفة بين السطور في اسلوب بحثي اكاديمي، يجعل القلم ينطق، الحقيقة نفخر بالقلم الفلسطيني فخر باريس ببرج إيفل وفخر لندن بساعتها الشهيرة.
ونفخر بكل الاقلام الفلسطينية الحرة الواعدة، حيث تتميز بالتنوع والابداع. ولا ننسى الاقلام الفلسطينية المهاجرة حيث تخندقت في بلاد المهجر ولكنها جعلت فلسطين بوصلتها والقدس عنوانها أمثال صحيفة ‘القدس العربي’، الصحيفة التي حملت القدس في حلها وترحالها، فالقدس عنوان بركتها، فأقـــــلامها حطت بهدوء في عاصمة الضباب، فَعربت المدينة العجمية، ولفتت الانظار بعنوانها ومحتواها الى عاصمتنا المقدسة القدس، وتعانقت صحيفة ‘القدس العربي’ مع مطعم الميرمية الفلسطيني الموجود في قلب لندن ليشكلا سمفونية فلسطينية، فهنيئاً لصحيفتنا المقدسية في بلاد الاغتراب بعيدها الخامس والعشرين.
فلسطين بأي ذنب تقتل؟
ميلاد عمر المزوغي/القدس العربي
لا يختلف اثنان على ان القضية الفلسطينية كانت ولعقود مضت الشغل الشاغل لجميع العرب وأنظمتهم المختلفة، قوميين ورجعيين، ملحدين ومتدينين، وخاض العرب المعارك (48 ـ67) وقدموا آلاف الضحايا وأعدادا كبيرة من المعوقين، احتل العدو اجزاء جديدة من الوطن، ورغم ذلك لم يفرط العرب بقضيتهم المركزية وبالقدس وما تمثله من مكانة روحية لكافة الاديان السماوية.
بوفاة عبد الناصر (الذي قال عن المقاومة الفلسطينية انها انبل ظاهرة في التاريخ) انحصر التيار القومي ولم يعد القادة العرب مستعدين لخوض حروب جديدة لأجل فلسطين، فكانت حرب 73 حرب تحريك لأجل استرداد الاراضي المحتلة العام 67، لا حربا لتحرير فلسطين، تركوا الفلسطينيين وشأنهم لإدارة معركة وجودهم بالمنطقة.
تقدم العرب بمشروع الارض مقابل السلام (مبادرة بيروت للسلام مارس 2002. تدعو المبادرة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل) لم يرض العدو بذلك واخذ بسياسة قضم الاراضي وإقامة المستوطنات، تنفيذا لسياسة الأمر الواقع، حيث يهدف الاحتلال إلى التوسع الاستيطاني داخل القدس والضفة الغربية، تنفيذا لخطة وضعت العام 1979، تهدف الى وجود اكثر من مليون مستوطن بالضفة الغربية، وإقامة الجدار العازل الذي التهم اكثر من ثلث اراضي الضفة، كما اقامت مستوطنات متناثرة على حدود كل من لبنان وسورية ومصر ليتم توسيعها مستقبلا، وفقا لاتفاق اوسلو 1993 الذي يجيز توسيع المستوطنات لتحقيق آماله في السيطرة على الأرض الفلسطينية، التي لم يبقى منها سوى القليل كخطوة في مشوار الوصول إلى دولة اسرائيل اليهودية.
منذ انطلاقة الربيع العربي التي طالت انظمة دول لها وزنها الاقليمي لم يعد من يتحدث عن فلسطين، فكل دولة حديثة منشغلة بهمومها او لنقل بأن الزعماء الجدد يسعون بكل ما اوتوا من جهد لتثبيت انفسهم بالسلطة بعد طول عناء. اما الشعوب فإنها منشغلة بتوفير قوتها اليومي وتتطلع الى استقرار الاوضاع وتتمنى ان تبقى دولها دونما تقسيم، وبالتالي وجد العدو الفرصة لتهويد المزيد من الاراضي، ولتعلن قطر (التي تقود الثورات العربية) ان العرب مستعدون لتقديم المزيد من التنازلات للعدو- مبادلة الاراضي (وعد بلفور جديد) لأجل اقامة الدولتين المزعومتين.
ولنسفه تضحياتنا في سبيل تحرير فلسطين على مدى العقود الماضية وتعويض الصهاينة عما لحقهم من اضرار بسبب ‘جرائمنا ‘ التي لا تغتفر، أليسوا ابناء عمومة لنا؟
يبدو ان العرب يريدون التخلص من فلسطين بشكل نهائي، حيث أنه لن يكون هناك ترابط بين الاراضي الفلسطينية الموعودة، اشلاء ممزقة وستتكون فلسطين من كانتونات تفوق عدد ولايات الولايات المتحدة. وسيغادر عديد الفلسطينيين مناطقهم ليزداد عددهم بالشتات. وإحداث عملية ترحيل ‘ترانسفير’ للفلسطينيين لتوطينهم بالأردن كوطن بديل لهم، وهو ما كنا نسمع عنه منذ أمد بعيد ولم نصدقه وبالتالي يتحقق حلم الصهاينة في اقامة دولة لهم على كامل التراب الفلسطيني.
اما عن القدس فبإمكان الناس الغلابــــــة الذين لا يـــــزالون يحلمـــون بالصلاة في مسجدها ان يقيموا آلاف المساجد والعمائر والميادين والأحياء في كافة ربوع الوطن العربي تحمل اسمها. والسؤال هو: هل يملك العرب التحدث باسم الفلسطينيين والتفريط بأرضهم. ام ان الفلسطينيين راضون، ذلك ما ستنبئنا به الايام القادمة.
خطة «برافير» الإسرائيلية وغاياتها
رأي الوطن القطرية
تواصل الدولة العبرية إحداث تغييرات بنائية وديموغرافية في كل الأراضي العربية التي في حوزتها والتي تخضع لسيطرتها، ومنها استعدادها لتنفيذ خطة «برافير» التي تنطوي على إخلاء عشرات القرى العربية بالقوة الجبرية من سكانها، والتي بمقتضاها ستغير إسرائيل هوية النقب تماما، بعد إخلائه من سكانه العرب الذين يسكنون في هذه الصحراء منذ قرون طويلة خلت، لتمسح عنهم استحقاق المواطنة على أرض يمتلكونها، ولم يغادروها أو يفرطوا فيها.
في واقع الأمر إن لجوء إسرائيل إلى هذه التغييرات الديموغرافية لا تقتصر غايته عند محاولة اقتلاع سكان عرب من أرض تمتد جذورهم غائرة في أحشائها، ولكن لأن حركة الاستيطان النشطة حاليا في إسرائيل تستهدف التغول على الأرض في كل الاتجاهات، وكذلك لأن إسرائيل تسعى إلى تنفيذ عدة مشروعات في النقب، من بينها مشروع إنشاء خط للسكك الحديدية وأنبوب للغاز يربط بين ميناءي أسدود على البحر الأبيض المتوسط، وميناء إيلات على البحر الأحمر، فالدولة العبرية تتطلع إلى الالتحاق بنادي الدول المصدرة للطاقة، بعد بدء الإنتاج من حقول النفط والغاز المكتشفة حديثا في أعماق المتوسط، ومن ثم فإن إسرائيل التي لا يهمها إلا مصالحها، تعصف الآن بالسكان العرب في النقب، وتدفع بهم إلى أن يهيموا على وجوههم، ربما بلا مأوى بديل، ولتنشط في تغيير كل وجوه الحياة في هذه الصحراء، ولتمسح عن الأرض أحد أهم ملامحها التي بقيت عبر التاريخ، وهو سكانها العرب الذين لم يبارحوها، ولم تضعف وشائجهم بها، ولم تتبدل ثقافتهم التي تمسكوا بها رغم كل الضغوط، ومن ذلك فإن خطة «برافير» هي خطة استيطانية، وعنصرية بامتياز، لأنها لا تسلم بحقوق السكان العرب في البقاء على أرضهم، وتمضي في خططها الخبيثة لابتلاع الأرض وثرواتها.
الضربات الإسرائيليّة: الموت كمطلب لذيذ
حازم صاغيّة/الحياة اللندنية
حين تقصف إسرائيل، دفعة واحدة، 40 هدفاً في ضواحي دمشق، وحين تكون هذه الضربات الثالثة من نوعها في غضون أشهر، والثانية في غضون أيّام، وذلك من دون ردّ سوريّ عليها، فهذا يعني شيئين متلازمين: أنّ سوريّة لن تردّ، لا غداً ولا بعد غد، وبغضّ النظر عن كذبة اختيار المكان والزمان الملائمين، وأنّها، حتّى لو أرادت أن تردّ، غير مهيّأة لذلك، لا غداً ولا بعد غد، وإلاّ لما كان قد قُصف لها 40 هدفاً دفعة واحدة، ومن دون ردّ.
يترافق هذا العجز المعلن، وذو السوابق الكثيرة، مع استئساد بعيد تمارسه السلطة السوريّة على شعبها، يضطلع فيه سلاح الجوّ السوريّ (الذي لم يردّ على الإسرائيليّين) بدور بارز.
بيد أنّ المقارنة هذه التي لم تفت معظمَ السوريّين المعارضين، تدفع إلى الجزم في أمر واحد: إنّ هذا النظام وجيشه مصنوعان لهدف وحيد هو التحكّم بالشعب السوريّ ومنعه من الحرّيّة. وإنّما في الإطار هذا تعمل لفظيّة الصراع مع إسرائيل كواحدة من ديناميّات التحكّم المذكور.
يصحّ هذا التقدير لا في النظام السوريّ فحسب، بل أيضاً في منظومة الممانعة كلّها أنظمةً وتنظيمات: ذاك أنّ إيران شاركت في الردّ بعرضها التدريب على الجيش السوريّ! وحين ندرك كم تستغرق دورات التدريب من وقت، نفهم أنّ العرض الإيرانيّ إنّما يكتفي بإضافة الملهاة إلى المأساة. أمّا «حزب الله» الذي لم يعد يتستّر على مساعدته للنظام في معارك القصير وحمص، فيمتنع عن مساعدته في مواجهة الضربات الإسرائيليّة، علماً بأنّ خطب الأمين العامّ لـ «حزب الله» كادت تقنعنا بأنّ إسرائيل كلّها غدت في مرمى نيرانه وصواريخه.
المقارنة بين السلوكين ترقى إلى دعوة تُوجّه إلينا، للمرّة المليون، كي نغادر عالم الأكاذيب الملوّنة التي لا يزال بعضنا يعيش فيها. وحين يظهر معارضون سوريّون يقولون إنّ الضربات الإسرائيليّة جاءت للتغطية على ارتكابات النظام، فهم لا يفعلون سوى تجديد انتسابهم إلى تلك الأكاذيب، ولو من موقع سياسيّ مغاير. وبهذا فهم يردعوننا عن التوصّل إلى الاستنتاجات الجذريّة التي آن الأوان لتحصين عقولنا بها. ذاك أنّ الوطنيّة والقوميّة في أشكالهما الأكثر احتقاناً، البعثيّ منها وغير البعثيّ، ليستا سوى وصفة لإذلال الشعوب العربيّة والحؤول بينها وبين السير على طريق التقدّم. هذا ما كان معمولاً به في 1967، وما هو معمول به اليوم على نطاق أوسع. وما يصحّ في تلك الوطنيّات اللفظيّة المهتاجة، آنذاك واليوم، يصحّ في الأدوات التنفيذيّة التي تمتلكها تلك الوطنيّات جيوشاً ومخابرات وأجهزة أمن.
ولا يخلو من دلالة، فعليّة ورمزيّة في آن، أنّ «الفرقة الرابعة» التي استُهدفت إحدى وحداتها بالقصف، تحتلّ موقعاً متقدّماً جدّاً في البطش بالسوريّين وإذاقتهم الموت والهوان. لكنّ ذلك لم يحل دون ظهور الأصوات التي تطالب السوريّين بالتعبير عن الحزن والمرارة بسبب ما أصاب تلك «الفرقة الرابعة» لمجرّد أنّ إسرائيل، ولأغراض تخصّها وحدها، هي من نفّذ هذه العمليّة!
هكذا تصل المتاجرة بالأكاذيب والأوهام، أو إيديولوجيا الأكاذيب والأوهام عند الصادقين، إلى حدّ المطالبة بالتعامل مع الموت الآتي من «الفرقة الرابعة» كمجرّد محطّة لذيذة بين كذبتين.
«ما لم ينشر» عن الاتحاد الخليجي!
جميل الذيابي/الحياة اللندنية
«صمت» دول مجلس التعاون الخليجي وعدم إعلان نتائج ما توصلت إليه اجتماعات اللجان المعنية بمناقشة الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد يثير أسئلة وتعجباً!
هناك إصرار رسمي على تغييب المعلومة، وكأن الأمر لا يعني المواطن الخليجي!
لا أحد يريد أن يتحدث من المسؤولين. الكل يفضّل الصمت، والتهرب من الإجابة. يتسول الصحافي الخليجي المعلومة من «أفواه» وزراء الخارجية، وكأن الواحد منهم يريد من الصحافيين الإمعان في تسول معلومة من حق كل مواطن خليجي.
قبل شهر ونيف، تحدثتُ هاتفياً مع مسؤول خليجي حول ما وصلت إليه اللجان في شأن الاتحاد، وقبيل إنهاء المكالمة قال لي: «كل ما قيل ليس للنشر، وإنما لاطلاعك فقط». حينها نزع لحظة «السلطنة» الصحافية، فزاد الصحافي هو المعلومة التي تُنشر ولا تُحجب، وإلا فالصحافيون يعرفون أكثر مما يكتبون.
وقبل أيام عدة تحدثتُ مع مسؤول خليجي آخر، وحاصرته ببعض الأسئلة، وشعرت بأنه يريد التهرب مني، وإنما يتجاوب معي مجاملةً، وقبل إنهاء المكالمة ردّد عبارة المسؤول الأول نفسها: «أخ جميل، أرجوك تذكر أن ما دار بيننا ليس للنشر وإنما لك فقط».
عزمتُ النية على نشر ما لديّ كخبر في هذه الصحيفة، ثم راجعت نفسي، وحتى لا أحمّل صحيفتي وزر نشر تلك المعلومات، وقد يخرج من ينفيها على رغم صحتها، فضّلت نشرها في افتتاحيتي الأسبوعية لإطلاع القراء عليها، علماً بأنها قد تتغيّر بناء على تغيّر «مزاج» الحكومات وتشكل العلاقات.
الأسبوع الماضي، زار الأمين العام لمجلس التعاون عبداللطيف الزياني قادة دول المجلس في أبوظبي، المنامة، مسقط، الدوحة، ثم الكويت، وأطلعهم على التحضيرات الخاصة بالقمة التشاورية الـ15 لقادة دول المجلس التي ستعقد في جدة. الحقيقة أن القمة التشاورية تعقد من دون جدول أعمال، لكن الزياني أطلع القادة على التحضيرات، وعارضاً في الوقت نفسه طلب الرياض تأجيل موعد القمة إلى شهر تموز (يوليو) المقبل، إذ كان من المزمع عقدها في شهر حزيران (يونيو). يُتوقع أن تركّز القمة التشاورية على قضايا الأمن في الخليج، والعلاقة مع إيران، والأوضاع في سورية، مع استعراض سريع لنتائج اجتماعات اللجان في شأن التحوّل للاتحاد الخليجي.
هل تعثر «الاتحاد» الخليجي؟!
حتى الآن مرّ 17 شهراً منذ دعوة العاهل السعودي لقادة دول المجلس إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، والانضمام في كيان واحد، ولا تزال هناك مشاورات سياسية ونقاشات قانونية وخلافات بينية، وبعض الدول لم تحسم أمرها. مع العلم، بأن المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون (تأسس عام 1981)، تنص على هدف مهم هو: «تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين، وصولاً إلى وحدتها، وتعميق وتوثيق الروابط والصلات، وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات».
بحسب ما علمتُ، فإن القمة الخليجية الخاصة سيتم التحضير لها لاحقاً في قمة تعقد بالرياض تركز على موضوع الاتحاد فقط، بعد التوافق على موعد محدد، ولا تتوقع المصادر أن تتحوّل القمة التشاورية المقبلة إلى قمة خاصة لمناقشة موضوع الاتحاد!
تقول المصادر إن 3 دول خليجية موافقة على الاتحاد الخليجي منذ البداية، موضحة أنها السعودية والبحرين وقطر، لافتة إلى أن دولة أخرى لم تسمها لا تزال تتريث ولم تحسم قرارها، على رغم أنها لا ترفض فكرة الاتحاد، (يبدو أنها الإمارات). وأوضحت المصادر أن موقف الكويت تغيّر وأصبحت في منطقة الوسط وراغبة في الاتحاد أكثر من السابق. وكشفت أن قطر مؤيّدة، والبحرين أكثر تأييداً، فيما سلطنة عمان ترفض الانضمام للاتحاد الخليجي. مشيرة إلى أن مسقط ترى الأولوية لإنجاز مراحل التعاون كاملة بين دول المجلس قبل التحول إلى «الاتحاد».
وأوضحت المصادر أن هناك مشاورات وتساؤلات ومبررات عند بعض دول المجلس، ما يجعل هناك تفاوتاً وتبايناً في الرؤى ووجهات النظر، إلا أنه على رغم ذلك، الأمور ليست سيئة.
لم تُخفِ المصادر تفاؤلها، على رغم اعترافها بوجود تباين وتمايز في الآراء والأفكار، مشيرة إلى أن هناك تطابقاً حول القضايا المصيرية، وحجم التحديات الخارجية والداخلية، وضرورة الاستمرار في المسيرة نحو إعلان «اتحاد» كونفيديرالي خليجي ولكل دولة سيادتها واستقلاليتها.
يبلغ عدد سكان دول الخليج 45,9 مليون نسمة، بناتج محلي 1,37 تريليون دولار، يشكّل الشباب ما نسبته 65 في المئة، ولا تزال الأحلام تنام في الأقفاص، والشباب ينتظرون أنصاف الفرص، ما يوجب على الأنظمة الخليجية المسارعة في مواجهة التحديات الخارجية وكرة الثلج المتدحرجة عبر تحصين الداخل والانضمام تحت مظلة اتحادية (كونفيديرالية)، بالتزامن مع تدشين حزم إصلاحات حقيقية لا إعلامية - استهلاكية، وتنفيذ مشاريع وطنية جريئة تعزز بناء دول المؤسسات والقانون، وتشجع المشاركة الشعبية، وتكرس العدالة الاجتماعية وإطلاق الحريات!
الأسد وإسرائيل.. على رسلكم!
طارق الحميد/الشرق الأوسط
أن تكون الرؤية «مشوشة» لدى البعض في حرب 2006 حين «غامر» حزب الله لتقوم إسرائيل بضرب لبنان فهذا مفهوم، والأمر نفسه في حربي غزة الأولى والثانية، أما أن تكون الرؤية مشوشة الآن بسبب الغارات الإسرائيلية على الأسد، وإلى حد أن يقال بأن إسرائيل تدعم الجيش الحر والثورة، فهذا عبث يوجب القول لهؤلاء: على رسلكم!
الغارات الإسرائيلية على النظام الأسدي ليست الأولى، بل منذ سنوات، وكان أسد «المقاومة» و«الممانعة» الكاذبة يقول إنه يحتفظ بحق الرد «في الوقت والمكان المناسبين» ولم يطلق لا هو ولا إيران رصاصة واحدة على إسرائيل، كما لم يطلقا رصاصة واحدة دفاعا عن لبنان وغزة حين حاربا عنهما بالوكالة، فكيف يقال الآن إن إسرائيل تتدخل لنصرة الثوار؟! فقد كان الأولى بمن يتباكون على العروبة الآن أن يدينوا ويستنكروا اعتداءات إيران وحزب الله على السوريين، ومنذ عامين، بدلا من هذه البكائيات، فتدخل إيران وحزب الله ليس بالسر؛ فطهران تجاهر، وحسن نصر الله يهدد العرب والسوريين كل يوم! بل أين المتباكون من الإخوان المسلمين الذين زاروا موسكو وعقدوا الصفقات معها رغم الدعم الروسي للأسد، هذا عدا عن إعلان طهران مرارا عن تطابق مواقفها مع «الإخوان» تجاه الأزمة السورية!
والمثير أن بعض المتباكين العرب لم يتنبهوا، مثلا، لمراسل التلفزيون النظامي وهو يوجه سؤالا بمثابة الصفعة حين سأل وزير الإعلام الأسدي في المؤتمر الصحافي بدمشق متى سيرد النظام على إسرائيل؟ قائلا، أي المراسل، إن الشارع محبط! كما سألت مراسلة أخرى عن اتفاقية الدفاع المشترك مع إيران، فهل سيزايد المتباكون على المحسوبين على الأسد نفسه وهم يتساءلون أين «المقاومة» المزعومة؟ بل أين المتباكون العرب من إعلان النظام الأسدي سماحه للجماعات الفلسطينية بحق فتح جبهة من الجولان ضد إسرائيل، فهل قدر الفلسطينيين أن يكونوا سلاح الأسد وإيران؟ ما تفعله إسرائيل الآن ليس نصرة للثورة، فهذا آخر ما يفكر فيه الإسرائيليون، بل إنها تتحرك لضمان أمنها بعد أن خالف الأسد قواعد اللعبة، وبات مصدر تهديد لإسرائيل باستخدامه الأسلحة الكيماوية، والسماح لإيران وحزب الله بتحويل سوريا لمسرح عمليات إيراني لقوات فيلق القدس ومقاتلي حزب الله، وباتت الأسلحة تتنقل بين دمشق ولبنان، وعبر أجواء العراق. هذا هو ما دفع إسرائيل للتحرك وليس نصرة للثورة السورية، كما يقال الآن زوراً.
ولذا فيكفينا نفاقا، وليصدم من يصدم، فهذا نتاج عقود من الكذب والتضليل، من «الممانعة» الكاذبة، إلى «المقاومة» المزورة، وامتهان الأوطان العربية لإيران، فإذا كانت دماء قرابة المائة ألف قتيل سوري على يد قوات الأسد ليست ذات قيمة، ولا دمار سوريا كلها، فهذا دليل على أزمة أخلاقية كبيرة في منطقتنا، وبمثابة وصفة لكل طاغية بأن اقتل شعبك وعادِ إسرائيل لتنجو، وهذا أمر معيب ومؤسف.
العراق أخطر من سوريا؟
عماد الدين أديب/الشرق الأوسط
قد يعتقد البعض صادقا أن القضية الفلسطينية هي الأهم والأخطر والأكثر تأثيرا على الأمن القومي العربي.
وقد يعتقد البعض الآخر أن الملف السوري يفرض نفسه بقوة على مائدة الأحداث في المنطقة أكثر من غيره بسبب حالة الحرب الأهلية وازدياد تورط القوى المحلية والدولية في الصراع الدائر.
ولكن، رأيي المتواضع، أن الوضع الحالي في العراق يفوق التأخر في حسم التسوية الفلسطينية وأكثر خطورة من الوضع المتدهور في سوريا.
وقد يسألني سائل على أي أسس بنيت بهذا التصور؟
والرد عندي يعتمد على العناصر التالية:
أولا: أن الوضع في سوريا هو في بداية الأمر ونهايته يعكس نظاما مواليا لإيران وروسيا في طريقه للذهاب بينما الوضع الحالي في العراق يعكس نظاما مواليا لإيران في طريقه للاستمرار في البقاء.
ثانيا: في سوريا نظام طائفي في طريقه للخروج وفي العراق نظام طائفي في طريقه للبقاء والتوسع في دعم طائفته ودعم وجودها وامتداده الإقليمي.
ثالثا: أن العراق دولة نفطية بامتياز وتنبئ باكتشافات غاز جديدة وقدرتها التطويرية في ازدياد مطرد، بينما سوريا تستهلك معظم إنتاجها المحلي.
رابعا: أن العراق يعكس فشل مشروع أميركي كلف واشنطن تريليوني دولار ويصعب تخيل عودة القوات الأميركية إليه رغم ازدياد النشاط الاستخباري الإيراني فيه وازدياد وجود عناصر الحرس الثوري مما ينذر بعدم عودة قريبة للوجود العسكري الأميركي مهما كان النشاط المعادي للولايات المتحدة الأميركية.
ذلك كله يجعل العراق في ظل حكومة المالكي وتحالفاته السياسية والطائفية هو الأكثر خطورة على استقلال الدولة المدنية الحديثة في العالم العربي.
إن العراق في ظل حكم المالكي يتجه بقوة نحو المشروع الإيراني، الطائفي، القائم على العقلية الأمنية المذهبية غير الراغبة في التعاون الإقليمي الجاد من أجل منع التدهور الآتي من التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون المنطقة.
أما منطق الدولة المركزية الموحدة التي عرفناها في العراق فهو الآن معرض للانهيار بعدما يتم إعداد البلاد والعباد لقبول منطق دولة كردية مستقلة، ويتم دعم جهود القوى الشيعية لتركز الشيعة في الجنوب العراقي بدعم من الحكم في وسط بغداد.
وها هم السُنة لا أحد يعرف مستقبلهم في العراق ولا أحد يعرف هل يكون المطروح الوحيد أمامهم هو حمل السلاح عبر جماعات دينية متطرفة أو الجلوس على مقعد المشاهد السلبي وسط نخبة سياسية لم تنجح في إيجاد شكل تنظيم سياسي يعبر عن مصالحهم؟
العراق بالتأكيد هو الملف الأكثر خطورة على حاضر المنطقة ومستقبلها.
بعد هجمات اسرائيل والانتحار السياسي ـــــ الاخلاقي لادعيائها: نحو إعادة تفكير جدي في جدلية ‘المقاومة’
د. عبدالوهاب الأفندي(كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن)/القدس العربي
في ذكرياته التي يعيد روايتها هذه الأيام في برنامج ‘شاهد على العصر’ على قناة الجزيرة، يحكي الرئيس السوري الأسبق أمين الحافظ كيف أنه طلب من سجنه (حيث كان يقبع بعد الإطاحة به عام 1966) الالتحاق بالجبهة عندما سمع باندلاع الحرب مع إسرائيل، وجمع ملابسه استعداداً للالتحاق بالخدمة. وغني عن الذكر أن عرضه لم يجد القبول ممن أدخلوه في السجن. وهناك روايات مماثلة عن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في السجون المصرية مع اندلاع حرب السويس عام 1956، حيث عرضوا الالتحاق بالجبهة. وبالطبع لم يلتفت أحد لعرضهم.
تطرح مثل هذه الواقعة أسئلة مهمة عن السبب الذي يعرض فيه المعتقلون أن يصبحوا جنوداً في جيش الدكتاتور الذي نكل بهم. بحسب الحافظ فإن الوطن مقدم على كل شيء، والأولوية هي لصد العدوان. وهذه هي نفس العقلية التي دفعت بالإخوان المسلمين لأن يعرضوا خدماتهم على عبدالناصر. ولكن مثل هذا التفكير يتناسى أن نفس العقلية التي قررت أن تضع أعداداً كبيرة من المواطنين في السجن بسبب خلافهم في الرأي هي التي خلقت ظروف الهزيمة. وإذا كان المعتقلون في وضع ـ مهما يكن غير طبيعي- يجعلهم يعرضون القتال مع سجانهم، فإن المئات الذي أبيدوا في البيضا وبانياس خلال اليومين الذين سبقا الهجوم الإسرائيلي، ليسوا في وضع يسمح بتقديم عرض مماثل.
وكما هو معروف فإن الجماعات الإسلامية التي خرجت إلى الوجود في السبعينات أعادت النظر في هذه التوجهات، خاصة بعد أن استغلت الأنظمة نصف النصر (أو ربعه، حتى لا نقول نصف الهزيمة) في حرب أكتوبر 1973 لتتجبر أكثر. وقد مال خطاب هذه الجماعات إلى الحديث عن أولوية الصراع مع ‘العدو القريب’، ممثلاً في الأنظمة الاستبدادية، لأن استهداف العدو الأبعد تحت عنوان ‘المقاومة’ يصب في مصلحة الأنظمة التي ستستغل الانتصارات لتعزز مواقعها في السلطة. ولكن قطاعاً من هذه التنظيمات، ممثلاً في القاعدة وتوابعها، سرعان ما عاد إلى فكرة إعطاء الأولوية لمنازلة العدو البعيد، خاصة بعد أن أصبح البعيد قريباً مع وصول القوات الأجنبية إلى الخليج، وظهور الدعم الأجنبي غير المشروط للأنظمة المحلية.
كان لهذه الحوارات مقابل خارج نطاق الحركات الإسلامية، تمثلت في الافتتان برموز المقاومة من عبدالناصر إلى صدام حسين، مروراً بالقذافي، مع استعداد لغض النظر عن كثير من الأخطاء والخطايا لأنظمة كانت وبالاً على شعوبها أكثر بكثير من الاستعمار الأجنبي. وإذا كان يمكن تبرير مثل هذه المواقف مع صعوبة ذلك حين يتعلق الأمر بجرائم التعذيب، بل والإبادة الجماعية- لو كانت هذه الأنظمة تحقق الانتصارات وتعيد الأراضي المغتصبة، إلا أن تبريرات المؤيدين تصبح ظاهرة مرضية حين تتواصل بعد أن تجرع الجميع الهزائم بعد الهزائم. فقد ارتفع خطاب المقاومة حينما كانت سيناء والضفة وغزة والجولان عربية خالصة، والعراق حراً مستقلاً ولبنان مزدهراً، ثم تأمل أين نحن اليوم بعد كل تلك ‘الانتصارات’.
في التسعينات ونهاية العقد الماضي اتخذ هذ الحوار منحى جديداً ذا طابع فكري، تمثل جزء منه في السجالات التي دارت بين المفكر العراقي كنعان مكية ومؤيديه من جهة، والبروفيسور إدوارد سعيد وأنصاره من جهة أخرى حول غزو العراق وما سبقه. وكان مكية قد انتقد في كتابه ‘القسوة والصمت’ (1993) طائفة من المفكرين، من بينهم إدوارد سعيد، متهماً إياهم بالصمت عن بربرية الأنظمة العربية بدواعي الممانعة والمقاومة وإعطاء أولوية للقضية الفلسطينية. وقد احتفل الليبراليون الجدد وأنصار إسرائيل بكتاب مكية، وخاصة تهجمه على إدوارد سعيد والمثقفين العرب، ومهد هذا للتعاون بين الطرفين في التحضير لغزو العراق والتبرير له. من جانبه رد سعيد ومعسكره الصاع صاعين لمكية، خاصة بعد ظهور تورطه في غزو العراق، متهمين إياه بأنه وأسرته تربحا من نظام صدام حسين (وهو ما يعترف به مكية) وأنه أساء إلى مفكرين عرف عنهم، بالعكس منه، مقاومتهم الدائمة للطغيان. وفوق ذلك فإن دور مكية في التمهيد لغزوالعراق أثبت على نفسه التهمة التي رمى بهما خصومه من المثقفين العرب، حيث أنه غض النظر عن كثير من الجرائم التي ارتكتب بالاحتلال وخلاله، فكان نموذجاً لكثير من ‘القسوة والصمت’ تجاه جرائم الاحتلال، فضلاً عن تمسحه بإسرائيل وصمته على جرائمها.
تكتسب كل هذه السجالات أبعاداً جديدة أمام ما يحدث في سورية اليوم، لأنه يكاد يضع معادلة بين حرية الأوطان وحرية المواطن. ذلك أن الأنظمة التي ظلت تدعي الممانعة دأبت على ارتكاب فظائع ومجازر في حق شعوبها، ثم تدهورت في الآونة الأخيرة حتى أصبحت أنظمة شبه ملكية، بل هي أشبه بأنظمة المافيا، من حيث تضافر العامل الأسري والفساد المالي مع الإجرام المنظم عبر الأجهزة المخابراتية لخلق حالة من الرعب لإخضاع الشعب لإرادة الحاكم الأوحد وبطانته. وقد جعل هذا موقف ‘المثقفين’ الداعمين لهذه الأنظمة تحت دعاوى المقاومة والممانعة في غاية الصعوبة، حتى قبل أن تنتفض الشعوب رافضة للذل والهوان.
أما بعد الانتفاضات، فقد انقلبت الأمور، وتكشفت ‘مثقفي’ التبرير عن عري أخلاقي كامل. ذلك أن الافتراض بأن الشعوب لا بد أن تساق سوق العبيد إلى’المقاومة’ المزعومة تحت قبضة الزعيم الممانع الأوحد، وأنه لو تركت لها حريتها فإنها سترفض المقاومة، تكشفت عن زيف واقعي يضاف إلى خلله الأخلاقي المتأصل. فمن جهة، أثبتت الجماهير أنها المستودع الأوحد والأصيل للعزة والكرامة، بينما أثبتت الأنظمة أنها نموذج الجبن والتخاذل.
وهذا يعيدنا إلى الضربة الإسرائيلية الأخيرة، وهي ضربة تتميز بأنها استهدفت النظام لا الوطن رغم دعاوى إسرائيل. فقد توجهت الضربة بخاصة إلى القطع التي كان النظام يعدها لمعركته الأخيرة، وهي الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري. ولهذا فإن النظام سيتحرك بلا شك، ليس لأنه يغار على الوطن، الذي لم يحركه من قبل احتلال الأرض ولا ضرب المنشآت الدفاعية الحيوية، بل لأنه لم يسكت عن استهداف الوطن إلا رجاء الحفاظ على النظام. أما وقد استهدفت إسرائيل النظام، فإن الأمر يختلف كما قال صادقاً وزير إعلام النظام الذي قل ما يصدق.
هذا بدوره يضع المعارضة في موقف حرجً، خاصة وأنها كانت تطالب تحديدا بتوجيه مثل هذه الضربات لمراكز قوى النظام. ولكن كما هو معروف، فإن أي دور لإسرائيل في الصراعات التي تدور في المنطقة يعتبر من المحرمات، حتى لو كان في الحروب ‘الاستعمارية’ مثل حرب الكويت عام 1991. فكما هو معروف فإن القوى الدولية والإقليمية قدمت لإسرائيل وقتها رشاوى متعددة لإقناعها بعدم الرد على صواريخ صدام حسين، وهو أمر غريب. فإسرائيل لم تكن في حاجة لضرب العراق، خاصة وأن دولاً أخرى على رأسها الولايات المتحدة (وفي صحبتها قطب المعارضة الأكبر، سورية الأسد) كانت تقوم بالواجب على أتم وجه. ولكن كان هناك إدراك بأن الضرب لمقومات البلدان العربية حين يأتي من غير إسرائيل، وبمباركة إيران وسورية، يكون من قبيل ‘الذبح الحلال’.
كل هذا يفرض إعادة النظر في أسلوب التفكير الذي يسود في الوسط العربي، بما في ذلك خطوط الاستقطاب التي شكلته. فليس من المفيد أن توضع الجماهير العربية بين خيار الاستعباد الداخلي أو التبعية الخارجية، خاصة وأنه قد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاستعباد الداخلي يؤدي بالضرورة إلى تبعية للأجنبي، كما أن التبعية للأجنبي لا تتحقق إلا بالقمع الداخلي، حيث لا توجد دولة عربية ديمقراطية تنتهج نهج التبعية. ذلك أن هوس الأنظمة القمعية ببقائها في السلطة يجعل أجهزة مخابراتها وجيوشها مشغولة أكثر بمراقبة المعارضة وقمعها. وهكذا تضعف البلاد بتوجيه جل مواردها لحماية النظام من الشعب، ويقسم المجتمع ويضعف، ويعوق الفساد والقمع التنمية والتقدم. ولكن حتى لو تم غض النظر عن كل هذه العوامل، فإن الانهيار الجزئي لهذه الأنظمة، كما حدث للعراق بعد حرب الكويت، أو كما حدث في سورية بعد الثورة، يخرج مثل هذه الأنظمة من معادلة الفعل، فضلاً عن المقاومة. وهكذا يصبح استمرار مثل هذه الأنظمة الكسيحة مصدر استنزاف كبير، حتى لو نجحت جزئياً في تثبيت نفسها كما حدث للعراق بعد قمع الانتفاضة الشيعية واحتواء المشكلة الكردية جزئياً. عندها يصبح إسقاط هذه الأنظمة هو الطريق الأقصر إلى الأمام، لأنها في حالة موت سريري يجعل من دعاوى المقاومة من قبلها مثاراً للسخرية.
هذا بالطبع إذا لم ترتكب هذه الأنظمة من الجرائم ما يخرجها من دائرة الإنسانية، وهو من المستحيل إذا كانت تواجه انتفاضات شعبية عارمة، فضلاً عن تميزها في الأصل بانتهاج أساليب قمعية. ولكن النظام السوري تجاوز كل الخطوط الحمر في انتهاك المعايير الأخلاقية والإنسانية، منتهجاً أساليب لم تعرف حتى في الدول التي شهدت جرائم بشعة استدعت الإدانة الدولية والتدخل الحاسم، كما حدث في يوغسلافيا ورواندا والكونغو. فتعذيب وقتل الأطفال والتمثيل بالجثث والتصفيات الطائفية ومظاهر الإذلال والاستهتار بكرامة البشر أحياء وأمواتاً كلها أخرجت النظام السوري من حظيرة القبول في العالم المتحضر، فضلاً عن المحيط العربي والإسلامي، وأهم من ذلك داخل سورية التي لم يعد لمثل هذا النظام مكان فيها.
نحن نرجح أن ترد سورية بخجل أو على استحياء على الضربة الإسرائيلية (ولعلها تفعل ذلك عبر عملية لتنظيم وهمي ‘على صلة بالقاعدة’ لضرب عصفورين بحجر) ولكنها لن تدخل في مواجهة مع إسرائيل تعرف أنها ستعجل بانهيار النظام. حزب الله أيضاً لن يدخل في معركة مع إسرائيل، فقد تحول بدوره إلى نموذج سوري للمقاومة المؤجلة والانشغال بالمعارك الداخلية، كما أنه فقد رصيده الأخلاقي بانحيازه للنظام الإجرامي السوري في عملية اغتيال الحريري أولاً، ثم في جرائمه ضد شعبه ثانياً.
والأصل في حركات المقاومة التي نشأت منذ قيام منظمة التحرير في الستينات، هو أنها وجدت لستر عورات الدول العربية العاجزة تماماً عن مواجهة إسرائيل. ولكن هذا الدور لا يمكن لعبه في إطار دولة تعيد انتاج العجز العربي، إلا أن تكون دولة فاشلة أو منهارة، أو دولة تقدم شهادة عجز و’براءة’، مثل لبنان فؤاد السنيورة.
في هذه الحالة، نشهد حركات ‘مقاومة’ تعيد انتاج شكل الدولة وعجزها، وبالتالي تعيدنا إلى المربع الأول. فقد تحول حزب الله إلى أداة قمع وتفرقة داخل لبنان، كما أصبح يلعب الدور نفسه في سوريا والمنطقة، مما يبعده عن أي دور مقاوم.
كل هذا يدعو إلى إعادة تفكير جذري في فقه المقاومة، تكون البداية فيه التخلص من ‘العدو القريب’، وهو الأنظمة القهرية الفاشلة، حتى تتوجه الأمة الحرة الموحدة بكاملها إلى حرب التحرير. وبدون ذلك فإننا لن نشهد سوى تكرار المشهد السوري-العراقي-الليبي بتنويعات متعددة- متشابهة.
القنبلة السورية.. عملية سحب النابض
سلطان الحطاب/الرأي الأردنية
هل ستفجر القنبلة السورية الآن؟ وهل سيكون التطور الذي أدخلته اسرائيل على المشهد السوري بقصف دمشق بالطائرات وفي أكثر من موقع وبكثافة لم تحصي خسائرها الجهات الرسمية السورية بعد بمثابة سحب النابض من القنبلة قبل القائها؟..ولماذا يجري هذا الخلط للأوراق؟ وهل الاعتداء الاسرائيلي على دمشق يخدم النظام اذ يجعله أمام الشعب السوري والعربي والدول التي تؤيد المقاومة وكأنه الضحية والمعتدى عليه ويجعل المقاومة وكأنها في خندق اسرائيل وكذلك كل من يؤيد الشعب السوري في مقاومته للنظام..
هذه اوراق جديدة يجري زجها وهي محاولة لفتح نافذة للنظام الذي أدمن التهديد لاسرائيل وهو قوي دون ان يفعل شيئاً مما هدد فيه اذ بقي يقول بعد كل هجوم أو عدوان على سوريا أن النظام سيرد في الوقت المناسب وفي المكان المناسب ومنذ ذلك الحين لم يأت الوقت ولم يحدد المكان بعد..
هل تصبح سوريا ساحة لصدام اسرائيل مع حزب الله كما جاءت الذرائع الاسرائيلية وكما فعل حزب الله بتورطه في المشكلة السورية باعتراف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في أن قواته موجودة في سوريا وانها تدافع عن مراقد أهل البيت (السيدة زينب) وقوله أن حزب الله لن يسمح وكذلك أصدقاء النظام السوري بسقوطه أو العدوان عليه..
العدوان الاسرائيلي على سوريا يفتح باب التداعيات العديدة ويدفع سيناريوات جديدة للتفكير بها وقد سبقه استقالة الأخضر الابراهيمي وتصريحات نصر الله وتحرك ايراني في المنطقة حيث وصل وزير الخارجية الايراني إلى عمان في زمن وصول مستشار الرئيس التركي أيضاً..
ماذا لو ردت سوريا ؟ ماذا لو استمر العدوان الاسرائيلي ؟ ماذا لو توسعت دائرة الاشتباك ؟ هل ستشتعل المنطقة بعد أن استعصى فيها حل المشكلة السورية حين وقف العالم متفرجاً بعد أن قررت الولايات المتحدة الأميركية حتى الآن بعدم التدخل واستنكفت دول أوروبية أساسية كانت متحمسة لتسليح المعارضة عن موقفها وعادت إلى سياسة التعويم وانتظار الأمريكيين وجرى تلخيص المشكلة السورية في أن النظام يمتلك أسلحة كيماوية وأن الدول الغربية تراقب استخدامه لها فإن استخدمها فلكل حادث حديث وإن لم يستخدمها فإن النار السورية ستبقى تأكل الشعب السوري وهي لن تأكل غيره، سواء كان هذا الشعب في موقع المؤيد أو المعارض..
القنبلة السورية الآن برسم التفجر وقد تنشر شظاياها لتصيب دول الجوار وتؤثر عليها زيادة على الأعراض التي حصلت حتى الان حيث ما زال اللاجئين السوريين يتدفقون وما زالت المنظمات الدولية تتراجع عن التزاماتها التي تتزايد..
الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ بالتصور الاسرائيلي في المشكلة السورية وهو التصور الذي يقوم على مبدأ دعوا سوريا تتآكل وتضعف وتذوي ولا يتدخل أحد لوقف تفاقم مشاكلها وعندها ستخمد وتدخل في اقتتال داخلي سيؤهل اسرائيل أن تفرض على الحالة ما تدعي أنها قرارات ومواقف لحماية أمنها..
ارتدادات الزلزال السوري مستمرة ويبدو أنها تجاوزت امكانيات الحيطة منها فالوقت يضيع ولا أحد يملك أسباب الوقاية الكافية لأن مصممي السيناريوات الدولية لايقاف حساباتهم ما يهم المنطقة وما تحذر منه الأطراف المتضررة من الأزمة..نابض القنبلة يجري فكه وهي برسم الانفجار..
«الأزعر» الإسرائيلي يوجه رسائل متفجرة.. وطهران بانتظار دورها
رومان حداد/الرأي الأردنية
الضربة الإسرائيلية للأراضي السورية تحتمل قراءات عديدة وتفتح مستقبل المنطقة على سيناريوهات متعددة، لا يستطيع أحد تبني أي سيناريو على إطلاقه، ولكنها في ذات الوقت تعطي مؤشرات واضحة لا يمكن تجاهلها، ويجب قراءتها أردنياً لأننا نحن من سنكون الأكثر ضرراً في حال انزلقت المنطقة من حافة الهاوية التي تقف عليها الآن.
بداية لا بد من تأكيد حقائق أساسية في قراءة المشهد، وأبرز هذه الحقائق هي أن إسرائيل قد ضربت بطيرانها أراضي عربية خلال فترة الأشهر الستة الماضية، الأولى حين حلقت لمسافة 1600 كيلومتر لضرب مصنع في عمق السودان، والثانية الغارات على سوريا، وفي كلا الحالتين لم تستطع الدولة المستهدفة الدفاع عن نفسها وإسقاط الطائرات الإسرائيلية أو الرد على الهجوم بهجوم معاكس.
الحقيقة المرّة الأخرى هي أن الجسم العربي تعاطى مع الحادثين بهدوء وبرودة أعصاب، والاستنكارات التي خرجت رداً على الهجومين الإسرائيليين استنكارات مستحية، وصرنا نتمنى سماع استنكارات (زمان) حين كانت تحمل التهديد والوعيد والحق بالرد، فحتى الكلام (اللي ماعليهوش جمرك) صار صعباً أن يقال، في هذا الزمن السياسي العربي الرديء.
الضربة الإسرائيلية الأخيرة حملت رسائل عدة إلى جميع دول المنطقة، فالرسالة لدمشق واضحة، وهي أن إسرائيل تراقب عن كثب الوضع السوري، وترفض تصدير الأزمة السورية عبر فتح جبهات قتال بالوكالة، وهي في حال تدخلها في الصراع السوري قادرة على قلب موازين القوى، وأن الجيش السوري بأسلحته جميعها قادر على مواجهة الاضطرابات الداخلية وليس دخول حرب إقليمية.
أما الرسالة إلى حزب الله فهي أنه قادر على القيام بمحاولات الدفاع عن وجوده عبر التحالف مع النظام السوري والاصطفاف مذهبياً وطائفياً، ولكن محاولاته لاستعادة عمقه العربي الإسلامي عبر افتعال معركة في مواجهة إسرائيل فذلك أمر محال، ولن تسمح به إسرائيل، فالاستثمار الغربي على مدى أعوام لتغذية النعرات الطائفية والمذهبية في المنطقة لا يمكن السماح بمحاولات هوجاء لتدميره.
أما الرسالة الموجهة لطهران فهي الأبرز، فطهران تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى أنها غير قادرة على فتح جبهات خارجية للهروب من الأزمات التي تواجهها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وأن الضربة العسكرية المتوقعة لأحد مواقعها النووية ستأتي خلال الفترة القادمة من الطيران الإسرائيلي، وأن الدول التي ستعبر الطائرات الإسرائيلية لضرب الأهداف الإيرانية هي دول حليفة لإيران (سوريا والعراق) وغير قادرة على منع الطائرات الإسرائيلية، وبالتالي فإن الضرب في عمق الأراضي الإيرانية سيؤزم القيادة الإيرانية وموقف الجيش والحرس الثوري الإيرانيين.
الضربة الإسرائيلية كشفت الحالة التركية التي في حقيقتها تبحث عن مصالحها وجاهزة للتحالف مع إسرائيل أو على الأقل غض الطرف عما تقوم به إذا كان السلوك الإسرائيلية يدعم الموقف التركي، ورأت تركيا في الضربة الإسرائيلية فرصة كي تعتبرها سابقة يمكن استخدامها لاحقاً مع النظام السوري إذا اضطرت تركيا التدخل المباشر لحسم الموقف أو ترجيح الكفة التي تدعمها على كفة النظام السوري.
في وسط هذه المناطق المتفجرة على الأردنيين أن يقرأوا بصورة صحيحة، فمن روّج سابقاً أن الطائرات الإسرائيلية تستخدم الأراضي الأردنية للتجسس على السوريين كان كاذباً وجاءت الغارات الاسرائيلية لتثبت كذبه، فهذه الطائرات ضربت أهدافها السورية في عمق الأراضي السورية عبر مرورها من الحدود السورية الإسرائيلية، وعلى الرئيس السوري أن يهدأ حين يقرأ المشهد، وأن لا يصاب بحالة رُهاب من الجميع ويبدأ بتوزيع اتهاماته وتهديداته باتجاه الأردن.
الأردن لا يتدخل بالصراع السوري، والاردن يريد الحل السياسي الذي يخرج سورية الدولة والشعب من حالة الدمار المستمر، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية والشعب السوري، ولكن على الاردن أن يكون حذراً من أن يتم استدراجه لمعركة لا يريدها ولا علاقة له بها، فرغم ثقتنا بالإدارة الحكيمة لجلالة الملك، إلا أن تسارع الأحداث وتغيير المسارات غير المتوقع يجعل اصطفافنا وتوحدنا ضرورياً على موقف محدد.
الأيام القادمة ستشهد تطورات متسارعة ويبدو أننا موعودون بصيف حارق، وطبول الحرب الإقليمية لإعادة تموضع الدول الكبرى عالمياً في الإقليم بدأت تزداد حدة، فالولايات المتحدة كشرطي للعالم وكلت حارتنا (الشرق الأوسط) للأزعر والبلطجي الإسرائيلي، فأي أمل ننتظر.
العدوان الإسرائيلي يدفع بالمنطقة إلى الحرب
رأي الدستور الأردنية
تأتي إدانة واستنكار مجلس النواب للاعتداء الإسرائيلي السافر على سوريا الشقيقة، تعبيرا صادقا عن إرادة الشعب الأردني والأمة كلها، بخاصة أن هذا العدوان يعد انتهاكا خطيرا لسيادة دولة شقيقة، ويشكل مخالفة واضحة لكافة المواثيق والقوانين الدولية، ويسهم بتدهور الأوضاع المتأزمة في القطر الشقيق، كما أن من شأنه أن يعرض المنطقة برمتها الى حروب متصلة، والى المزيد من الفوضى وعدم الأمن والاستقرار.
ومن هنا دعا المجلس المجتمع الدولي للنهوض بواجباته في حماية السلم العالمي، من خلال لجم التجاوزات والاعتداءات الإسرائيلية، على الشعب والأرض السورية.
وفي ذات السياق وضع المجلس يده على الجرح حينما دعا الدول العربية الشقيقة للتحرك الفوري من خلال مؤسسات الجامعة العربية المختلفة والاتحاد البرلماني العربي لوقف وضع تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على القطر الشقيق.
لقد استغل العدو الصهيوني الحرب القذرة التي تعصف بالأشقاء، ووصول الأزمة السورية الى مرحلة الاستعصاء بسبب الخلافات الدولية بين معسكري روسيا واصدقائها وامريكا وحلفائها فعمد الى مهاجمة مواقع علمية وعسكرية بهدف تدمير القوة الصاروخية للقطر الشقيق، والتي تشكل خطرا على منشآته الاستراتيجية. ان الخلاف مع النظام السوري يجب ألا يعني الاصطفاف مع العدو الصهيوني والتستر على جرائمه ومخططاته العدوانية التوسعية، والتي تهدف بالدرجة الأولى لنشر الفوضى في الأقطار الشقيقة، حتى يسهل السيطرة عليها بعد تمزيقها إربا إربا ومصادرة ثرواتها ومقدراتها.
إننا نقف مع الشعب السوري وحقه بالحرية والكرامة والديمقراطية وتداول السلطة احتكاما لصناديق الاقتراع، كسبيل وحيد لإقامة الدولة المدنية الحديثة، وندين قيام النظام بالاحتكام للحلول العسكرية والأمنية، ورفضه الاستماع لصوت الشارع، ورفضه الاستفادة من تجارب الدول الشقيقة التي خفقت فيها رياح الربيع العربي وأسقطت الحكام الطغاة في تونس وليبيا ومصر واليمن.
لقد دعا الأردن على لسان جلالة الملك عبدالله الثاني- أكثر من مرة- لضرورة حل الأزمة السورية حلا سلميا، محذرا من الحلول العسكرية، وتداعيات الحرب الأهلية القذرة التي فتحت الباب على مصراعيه للتدخلات الأجنبية، وعبور المتطرفين من انصار القاعدة ليمارسوا احقادهم وينشروا الموت والدمار في ارض الشام.
مجمل القول: ندين العدوان الإسرائيلي على القطر السوري بأقصى العبارات وندعو الشعب الشقيق من كافة الأطياف أن يتقى الله بوطنه، فالوطن هو المستهدف من قبل العدو الصهيوني، وأن يأخذ بالحلول السلمية بعد فشل الاحتكام لقوة السلاح التي فجرت الحرب الأهلية القذرة، وفتحت الباب على مصراعيه للقوى الطامعة والمتطرفين ليعيثوا تخريبا وتقتيلا.
وندعو الأمة كلها للخروج من الخنادق المتقابلة، وأجواء داحس والغبراء، فالأمة كلها مستهدفة والعدو الصهيوني لا يفرق بين عربي وعربي.
ورب ضارة نافعة.
إذا كان المعلن «عظيماً» فالمخفي أعظم
طلال عوكل/البيان الإماراتية
كما لو أننا أمام تطور عظيم، انشغلت الدوائر السياسية الأميركية والإسرائيلية والفلسطينية ووسائل الإعلام، خلال الأسبوع الماضي، بما تجري تسميته عن قصد بـ "تعديل مبادرة السلام العربية"، التي لم تحظ بالحد الأدنى من الاهتمام منذ إقرارها في قمة بيروت العربية عام 2002، وأكدت إسرائيل رفضها الاستجابة لها في حينه، عندما قامت القوات الإسرائيلية باجتياح الضفة الغربية.
والحقيقة أن العرض الذي قدمه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، الذي يترأس وفد اللجنة الوزارية العربية لمتابعة مبادرة السلام، لا يستحق كل هذا الاهتمام ولا الإطراء الملحوظ الذي صدر عن وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي اعتبره خطوة إيجابية كبيرة في اتجاه السلام.
فمسألة تبادلية الأراضي التي يصفها الكثيرون على أنها مبادرة أو تعديل مهم على مبادرة السلام العربية، هذه ليست مسألة جديدة، ولا هي تعديل ذو قيمة على جوهر مبادرة السلام العربية.
لقد سبق للفلسطينيين والإسرائيليين أن قبلوا بها من حيث المبدأ وعملياً، خلال تفاهمات طابا عام 2000، ولم يصدر عنهما بعد ذلك ما يفيد رفضهما لمعاودة اعتمادها مرة أخرى، في حال تم استئناف المفاوضات على نحو جدي، وقد أكد الرئيس محمود عباس ذلك مؤخراً، مشيراً إلى تطابق الموقف الفلسطيني مع موقف لجنة المتابعة العربية بهذا الخصوص.
على أن ثمة ما يستدعي كل هذا الاهتمام، فالولايات المتحدة معنية بتعزيز دور قطر في المنطقة، بما أنها تواصل دور العرب، الذي يخدم بوجه عام سياسات ومصالح أميركا وحلفائها، هذا فضلاً عن أن تقديم فكرة تبادلية الأراضي على أنها عنوان تعديل في المبادرة العربية، يعني أن المبادرة قابلة للتعديل، وأن العرب مستعدون لفتحها على تعديلات أخرى حقيقية إذا اقتضى الأمر.
الأهم في ما تسعى إليه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، هو أن تقبل المجموعة العربية بإدخال تعديل أساسي على المبادرة، يقضي بأن يبدأ العرب بتطبيع علاقاتهم بإسرائيل، لا أن يكون هذا الاستحقاق محصلة لتنفيذ بنود المبادرة العربية.
كيري كان قد دعا الدول العربية في تصريح علني، للإسراع في تطبيع علاقاتها بإسرائيل، وقطر التي تتزعم لجنة المتابعة العربية، هي من الدول التي قطعت شوطاً في هذا التطبيع.
ويبدو أن الدور القطري سيكون مطلوباً خلال الفترة المقبلة، في اتجاه إقناع حركة حماس بضرورة الموافقة على شروط الرباعية الدولية، أو التعاطي معها بإيجابية، بما يتيح للقيادة الفلسطينية العودة للمفاوضات، في ظل معارضة فلسطينية غير فاعلة وغير معطلة.
إذاً، كل هذه الضجة المبالغ فيها حول ما سمي بتعديل مبادرة السلام العربية، يتركز محورها على الفعل الذي ينبغي أن تقوم به لجنة المتابعة العربية، سواء لجهة الاستعداد لتقديم تنازلات حقيقية، أو لجهة تحضير الساحة الفلسطينية لدخول حلبة المفاوضات بغطاء عربي.
فعلى الجانب الفلسطيني، رفضت حركة حماس ما سمي بتعديل مبادرة السلام العربية، وطالبت ببناء استراتيجية كفاحية بديلة، الأمر الذي يؤكد استمرار الحركة على سياساتها المعروفة، مما قد يعرضها للضغط من قبل قطر، وربما من أطراف أخرى عربية وإقليمية، فيما لم ترفض السلطة الفلسطينية مبدأ تبادلية الأراضي، لكنها اعتبرت ذلك شأناً تفاوضياً.
أما على الجانب الآخر، فقد رحبت وزيرة العدل ومسؤولة ملف المفاوضات الإسرائيلية تسيبي ليفني، بما ورد على لسان رئيس الوزراء القطري، واعتبرته خطوة مهمة نحو السلام، فيما تحفظ عليه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي قال إن "أصل النزاع مع الفلسطينيين ليس الأرض، وإنما يهودية الدولة".
هكذا تبدو ليفني وكأنها مسؤولة علاقات عامة، تقوم مهمتها على تلطيف وتسويق السياسات المتطرفة التي تلتزم بها حكومة نتنياهو، التي توصف على أنها أكثر تطرفاً من الحكومة السابقة، وبأنها حكومة استيطان ومستوطنين.
وعلى العموم، يمكن للجهد الأميركي تفكيك الخطابات والشروط والمواقف التي تحول دون استئناف المفاوضات، ولكن الأمل ضعيف جداً بشأن إمكانية تحقيق السلام، حتى خلال السنتين اللتين تحدث عنهما كيري.
ليست ليفني هي التي تعبر عن حقيقة السياسات والمواقف الإسرائيلية، فلقد كان واضحاً من استعجال نتنياهو في استمالتها للانضمام لحكومته، وتكليفها بملف المفاوضات، أن الأمر يتعلق بقدرة ليفني على التسويق، وليس بقدرتها على إدارة مفاوضات حقيقية ناجحة مع الفلسطينيين، تؤدي إلى إنهاء الصراع.
ما ورد في تعقيب نتنياهو على ما يقال عن تعديل مبادرة السلام العربية، إثر لقاء لجنة المتابعة العربية يوم التاسع والعشرين من شهر أبريل المنصرم، إنما يشير إلى مضامين سياسات وأهداف تتبناها الحكومة الإسرائيلية، لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تقود إلى تحقيق السلام.
إن إصرار نتنياهو، وتأكيده على قبول الفلسطينيين شرط الإقرار بيهودية الدولة، إنما يدل على تصاعد السياسة العنصرية، وسياسة التمييز ضد الفلسطينيين الذين عليهم، وفق مضامين يهودية الدولة، أن يغادروا وطنهم، بالقوة والضغط إن لم يكن عبر اتفاق مع الفلسطينيين، وهو أمر لا يمكن لفلسطيني واحد أن يوافق عليه.
قد تقدم إسرائيل للفلسطينيين بعض الإغراءات والتسهيلات والعمليات التجميلية من باب مسايرة الأميركيين، لكنها لن تتوقف عن بناء المستوطنات، خصوصاً في القدس، وهي أيضاً لن تسجل اعترافاً واضحاً بحدود الرابع من يونيو 1967، كأساس لحل الدولتين، والأرجح أن تتعمد إطالة أمر المفاوضات، واستثمار الوقت لتكريس المزيد من الوقائع العنيدة على الأرض، بما يعقد ويمنع إمكانية تحقيق السلام.
ليس هذا وحسب، بل إن الوضع الفلسطيني أيضاً ينطوي على صعوبات، أولها أنه لا يستطيع الموافقة على استئناف المفاوضات في ضوء التعنت الإسرائيلي، وثانيها أن حركة حماس، على لسان إسماعيل هنية ومحمود الزهار، أعلنت موقفاً رافضاً حازماً لما اعتبرته المتاجرة بالأراضي، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أن على الحركة أن تجد لها حلاً بديلاً لإقامة رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في قطر، وأن تتوخى الحذر إزاء علاقاتها مع أطراف عربية وإقليمية تتبنى السياسات والمواقف الأميركية إزاء ما يتعلق بعملية السلام.
من ذلك، يتضح أن الأخطر مما ورد علنياً حول تبادلية الأراضي، هو المسكوت عنه، سواء في ما يتصل بإمكانية فتح المبادرة العربية على التعديل، أو بالضغوط التي ستمارسها أطراف عديدة، بما في ذلك عربية، على الفلسطينيين، سواء المعنيين بملف المفاوضات والعملية السياسية بغرض إسقاط أو تحجيم شروط استئناف المفاوضات، أو الرافضين لكل نهج التفاوض، وخصوصاً حركة حماس.
عدوان الربيع الإسرائيلي تحد للعرب جميعاً
رأي الجمهورية المصرية
تخطيء الدول العربية جميعها خطأ قاتلاً إذا تصورت العدوان الإسرائيلي الغادر علي سوريا موجهاً فقط إلي القيادة السورية وجيشها المتورط في حرب داخلية اشتعلت فجأة من جانب القوي المعارضة للنظام وتدخلت فيها اطراف اقليمية وأخري دولية لا تخفي مراميها علي أحد تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفاتها الغربيات التي تتبني قولاً وفعلاً مبدأ جعل اسرائيل أقوي دولة في المنطقة متفوقة علي ما عداها من دول الشرق الأوسط.
.إن عدوان "الربيع الإسرائيلي" الغادر الذي تم بضوء أمريكي أخضر يمثل تحدياً للعالم العربي بأسره بينما دول تواجه مشكلات داخلية خطيرة تتشابك فيها الخيوط المحلية مع الخيوط الأجنبيةپمما يجعل حل هذه المشكلات صعب المنال وقابلة للتصعيد مثلما حدث في ليبيا ثم سوريا. وقبل ذلك في العراق. بحيث يمكن القول بلا مبالغة إن الأمن القومي العربي علي وشك الانهيار. لولا وجود الجيش المصري القوي المتماسك.
فى الطريق إلى «خناقة»!
حمدي رزق/المصري اليوم
اطمأننا على الدكتور هشام قنديل. قلقنا زاد على مصر. نجا هو من مشهد كان يمكن أن يؤذيه. وُصف خبرياً بأنه محاولة اغتيال. تبين أنه لم يكن كذلك. أدعو الله ألا تدخل مصر تلك المرحلة. بيان تأكيد أنه لم يكن محاولة اغتيال أثار مخاوفى. تصريحات رئيس الوزراء صباح اليوم التالى أثارت رعبى!!
قال رئيس الوزراء إن الحادث عارض. يجيب عن سؤال لم يُطرح. السؤال هو: هل كانت هناك محاولة لاغتيالك؟. يقول: أنا لا يخطط مصرى لاغتيالى. لكن الحادث ليس عارضاً. اختراق موكب رئيس الوزراء ولو صدفة مظهر خطورة بالغة. كيف يتم اختراقه فى الأساس؟ لماذا هو موكب أصلاً؟ ليس المقصود من الموكب إظهار المكانة. استعراض الوضع الاجتماعى والسياسى. المفروض أن هدف الموكب حماية من فيه أولاً.
تفسير ما حدث كان مزعجاً. مجموعة أشخاص يركبون سيارة معهم خرطوش. أطلقوا النار حين استوقفتهم الحراسات. قالت الأخبار إنهم كانوا فى الطريق إلى خناقة فى المنيل. ليس لدىّ فكرة عن مسار الموكب لكى أطابق هذا مع المنطق. جغرافياً. لم يجد التفسير غضاضة فى أن يقول إنهم كانوا فى الطريق إلى خناقة. كما لو أنهم فى الطريق إلى عمل، إلى نزهة. لم يتوقف عند أنهم كانوا يحملون السلاح. بالعكس تعامل مع ذلك اعتياديا.
أخطر الأعراض هو الاعتياد. رئيس الوزراء سقط بدوره فى عَرَض الاعتياد. قال إنه حادث عارض. أىّ عارض هذا حين يكون المخترقون لموكبه فى الطريق إلى خناقة. متجمعون من حى فى الطريق إلى حى آخر لكى يتقاتلوا مع آخرين. ركبوا سيارة معاً. معهم سلاح. نجا رئيس الوزراء. اختراق موكبه سبب كافٍ لكى يستقيل. الوضع الأمنى منهار. ليس مشكلة الداخلية وحدها. مشكلة حكم وحكومة.
اخترق العابرون موكب رئيس الوزراء. تم التحقيق معهم. صدر قرار بحبسهم احتياطياً. لو لم يقابلهم رئيس الوزراء كانوا سيذهبون إلى خناقة. لو قابلهم شخص بسيارته كانوا سيواصلون التعدى عليه كما حاولوا التعدى على موكب رئيس الوزراء. إذا كان العابرون مسلحين ماذا يفعل الآخرون؟ رئيس الوزراء أنقذته حراسته. المواطن العادى كيف يأمن؟ لا أقول المستثمر!!


رد مع اقتباس