اقلام واراء عربي 406
23/5/2013
في هذا الملــــف:
تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية
شفيق ناظم الغبرا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت)/الحياة اللندنية
‘إسرائيل’.. مرحلة ما بعد العنصرية
د. فايز رشيد(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
الشعب الفلسطيني يمر باصعب مراحل مسيرته
احمد عليان زايد/القدس العربي
استعادة محمد الدرة
معن البياري/الدستور الأردنية
إحياء مبادرة السلام العربية
علي بردى/النهار اللبنانية
كيري على طريق هيلاري والقضية مهمشة سياسياً
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
حكومات «لا» تُشكّل.. حكومات «لن» تُشكّل؟
محمد خروب/الرأي الأردنية
إسرائيل: الحرب مع سوريا قد تندلع فجأة
حلمي موسى/السفير
عوارض الموقف الإسرائيلي إزاء سوريـا
انطـوان شلحـت – عكا/النهار اللبنانية
المفاوضات وعروض الفتات
أمجد عرار/دار الخليج
ثوار فوق أكتاف الزند.. ووطنيون فى ثياب الليكود
وائل قنديل/الشروق المصرية
صنعوا صنما وعبدوه
ثروت الخرباوي/المصري اليوم
تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية
شفيق ناظم الغبرا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت)/الحياة اللندنية
وسط الوضع العربي المتفجر والإقليمي العابر بين ثورة وأخرى يصح التساؤل عن حال القضية الفلسطينية. ففي الذكرى ٦٥ للنكبة لا يزال شعار الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة شعاراً رسمياً للفلسطينيين. لكن الحقائق على الأرض تثير الكثير من الأسئلة حول مدى إمكانية إقامة دولة فلسطينية. إن مناطق الضفة الغربية التي تصل مساحتها على وجه التقريب إلى 6 آلاف كلم مربع، اقتطع 60 في المئة منها للاستيطان الإسرائيلي الذي ارتفعت أعداده لتصل إلى أكثر من ٣٠٠ ألف مستوطن، بينما تمت عملية عزل القدس وضمها عملياً إلى إسرائيل وتطويقها بأكثر من ٣٥٠ ألف مستوطن إضافيين. إن الدولة الفلسطينية المرتقبة لا زالت على الورق وذلك لأن السلطة الفلسطينية تسيطر على مساحة صغيرة من المدن المحاصرة والبلدات والقرى المنفصلة عن بعضها بعضاً والمطوقة بجدار إسمنتي بنته إسرائيل لتدعيم سيطرتها واحتلالها وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني. إن المنطقة التي تقوم عليها السلطة الفلسطينية والتي لا تتجاوز 10 في المئة من مساحة فلسطين التاريخية، تضم غالبية سكان الضفة الغربية البالغ عددهم مليونين ونصف المليون شخص. وهذا يضع عبئاً كبيراً على السلطة الفلسطينية ويحملها مسؤولية السكان من دون أن تكون قادرة على السيطرة على الأرض والمياه والحقوق والاقتصاد والمعابر. فكما تحاصر غزة من إسرائيل تحاصر الضفة الغربية منها بأسلوب مختلف هو أقرب إلى الاحتلال الممزوج بالفصل العنصري.
لكن المعضلة التي تواجهها إسرائيل أن سلطة رام الله لا تستطيع أن تنفصل طويلاً عن سعي سكان الضفة الغربية لفك حصار المدن والقرى ولمواجهة الجدار وحماية الحقوق. فعلى رغم التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والذي فرضته اتفاقيات أوسلو، إلا أن خنق إسرائيل مدنَ وقرى الضفة الغربية في ظل استمرار الاستيطان المكثف يجعل السلطة في موقف صعب يتطلب منها عملاً سياسياً وكفاحياً يخفف الضائقة عن الناس كما يشجع على مواجهة الاستيطان وسياسات التهجير والمصادرة الإسرائيلية.
وللسلطة الفلسطينية أكثر من وجه وذلك بحكم ظروفها تحت الاحتلال، فهي تحوي في صفوفها مناضلين قدماء مجربين يحملون مبادئ عالية كما تحوي في الوقت نفسه من يسعون إلى سلطة وامتيازات ومناصب بينما تنقصهم الكفاءة والمعرفة. السلطة الفلسطينية تعاني من ضعف واضح في قدرتها على المساءلة والمحاسبة الشفافة في ظل غياب فصل السلطات (القضائي والتشريعي والتنفيذي والإعلامي). وهناك تساؤلات بين السكان حول الحقوق والحريات والفساد ما يضعف السلطة الفلسطينية في مواجهة ضغوط الاستيطان والاحتلال. إن معضلة السلطة الأساسية هي: كيف تعيد تشكيل وضعها لتكون حركة تحرر وطني تتبع وسائل جديدة للكفاح وتتصدى للفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي والاستيطان بكفاءة وفعالية؟
وبينما ما زال البعد المسلح قائماً في غزة، إلا أن الثورة المسلحة ليست مطروحة في الضفة الأخرى وذلك بعد الثمن الكبير الذي دفعته الضفة بكاملها نتيجة آخر حرب فلسطينية - إسرائيلية (انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠ والتي استمرت سنوات عدة). ما لا يعيه العالم العربي أن الثمن الذي دفعه الفلسطينيون نتيجة الانتفاضة الثانية كان كبيراً، فإسرائيل نجحت بتصفية واغتيال معظم الكوادر الذين شاركوا في قيادة العمليات المسلحة. لقد نجا بعض المقاتلين في الجبال من هذا المصير، لكن التصفية كانت شاملة، باستثناء بعض الذين أودعوا السجون بأحكام مؤبدة. وقد جاء جدار الفصل الإسمنتي بعد تلك الثورة ليقطع أوصال الضفة الغربية وليحاصرها اقتصادياً وأمنياً في ظل تكثيف الاستيطان في قلبها.
إن تمرد الضفة الغربية (شرق فلسطين) على واقعها ضمن المنظومة الفلسطينية سيعني ممارسة وسائل جديدة للنضال كما حصل مع باب الشمس وباب الكرامة عندما أقامت مجموعات شبابية فلسطينية مبيتها على أرض فلسطينية في القدس. إن باب الشمس وباب الكرامة وحملات مماثلة أخرى حول الخليل لإنشاء قرى سلمية تتمسك بالأرض يعني عملياً قيام شكل جديد للنضال الفلسطيني. هذا الوضع سيبرز عصباً جديداً للحركة الوطنية عموده الفقري حركات الشباب التي تناضل في عشرات المناطق الساخنة. مع الظلم تستمر المقاومة ويستمر منسوب النضال السكاني والشبابي في الارتفاع نحو أفق جديد. إن الضغط على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية يولد مقاومة دائمة لا نلمسها في وسائل الإعلام، إذ تستمر المواجهات المتقطعة حول الجدار المحيط بمناطق السلطة الفلسطينية. إن السعي الشعبي التراكمي يتحول مع الوقت إلى تعبير مستقل عن السلطة الفلسطينية، لكنه في الوقت نفسه سعي مقاوم لا يتصادم مع السلطة الفلسطينية بحكم أولوية المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
أما في الجزء الآخر من فلسطين في غزة فلا يزال منطق الكفاح المسلح هو الأقوى حيث تمسك حركة «حماس» بمقاليد السلطة وحيث يعيش مليون ونصف المليون فلسطيني على مساحة صغيرة من الأرض تشكل ١.٥ في المئة من فلسطين. فغزة المحررة محاصرة ومحاربة في الوقت نفسه. وفي الذكرى ٦٥ للنكبة أصبح وضع غزة أفضل مما كان عليه في زمن الرئيس حسني مبارك حيث كانت حدودها مغلقة مع مصر، وهذا أعطى غزة مرونة نسبية لم تكن تمتلكها في مواجهة إسرائيل. لقد أدت توازنات الربيع العربي إلى نجاح غزة في مواجهات مع إسرائيل مثل تبادل الأسرى عام ٢٠١١ والمواجهة العسكرية أواخر ٢٠١٢.
وتبقى غزة مخزوناً بشرياً قادراً على التحول إلى شيء أكبر منه، فغزة جزء حيوي من توازنات القضية الفلسطينية ولا يمكن إنجاز استراتيجية فلسطينية تحررية بلا إشراكها. لكن التساؤل حول غزة: كيف تتعامل قيادة «حماس» مع التجديد في صفوفها، ومع المختلفين معها سياسياً؟ وكيف تتعامل مع حريات المواطنين ومع الاقتصاد والتخطيط والتعليم والمرأة والتنمية والمساءلة وفصل السلطات؟ ثم كيف تتعامل «حماس» مع بقية فئات الشعب الفلسطيني ومع حركة «فتح» في الضفة الغربية ومناطق أخرى؟ هذه قضايا لا تستطيع حركة تحرر، أكانت «فتح» أم «حماس»، أن تؤجل البت فيها على أرضية حقوقية من دون أن تنتج من ذلك خسائر سياسية تؤثر سلباً في القضية الوطنية التي تحمل همها.
ولا يمكن التحدث عن واقع الشعب الفلسطيني من دون الحديث عن فلسطينيي ١٩٤٨ من حملة الهوية الإسرائيلية. فهذه الأقلية التي بقيت في ما أصبح إسرائيل، تكاثرت لتصل إلى مليون وسبعمئة ألف فلسطيني. هذا الجزء من الفلسطينيين الذين يمثلون ٢٠ في المئة من سكان إسرائيل هو الأكثر معاناة على الصعيد النفسي بين الفلسطينيين بحكم الاضطهاد والاستلاب والتهميش، لكن هذه المجموعة من الفلسطينيين هي الأكثر معرفة بالإسرائيليين شعباً وقومية وسياسة ولغة وثقافة. ولهذه المجموعة مكانة متزايدة في الحركة الوطنية الفلسطينية، فهي تملك مفاتيح رئيسة في تحديد وجهة النضال ومستقبل الحلول. وفي المراحل الأخيرة تزداد مبادرات هذا الجزء من الشعب الفلسطيني لحماية القدس، كما تتعمق مبادرات تقودها مجموعات شبابية لتطبيق حق العودة إلى قرى تم هدمها عام ١٩٤٨ كما حصل أخيراً عندما قام الشبان بإقامة مبيت في قرية إقرث المسيحية قرب الحدود مع لبنان. وبين فلسطينيي ١٩٤٨ يستمر الصراع ضد التمييز، ويستمر العمل لتحقيق العودة إلى قرى قديمة (كعين حوض)، والتمسك بحق دفن الموتى في مقابر عربية قديمة تسعى إسرائيل لمسح آثارها، ويستمر السعي للحفاظ على عروبة أجزاء رئيسة من مناطق وقعت تحت سلطة إسرائيل عام 1948 في الجليل الأعلى والمثلث ومدن مثل حيفا وعكا.
وبينما تقع على أرض فلسطين تفاعلات شتى يتطور الشتات الفلسطيني الذي تشكل نتيجة عمليات التهجير القسري التي تعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عام ١٩٤٨. فالشتات الذي يتجاوز ستة ملايين فلسطيني يمثل خزان العطاء الذي يمكنه أن يرفد فلسطين التاريخية بعناصر إضافية للصمود والبقاء. ومن جهة أخرى يواجه هذا الشتات حالات عدم استقرار ونكبات كما حصل مع فلسطينيي سورية بعد الثورة، وكما يحصل مع فلسطينيي لبنان والعراق ومع حملة الوثائق الصادرة عن وكالة غوث اللاجئين في كل مكان. فلسطينيو الشتات موجودون في كل أنحاء المعمورة ولديهم آمال بحقوق في الأرض التي سلبت منهم والأماكن التي هجروا منها، فهم نتاج النكبة ومخزون طبيعي للقضية الفلسطينية ولحق العودة.
وبحكم التجربة التاريخية والطبيعة الاستيطانية لإسرائيل، تتحكم بالميزان الفلسطيني عوامل كثيرة تجعله جزءاً من التيار العربي العام، لكنه يمتلك كذلك خصوصية كبيرة بحكم أن معركته ليست لتغيير نظام سياسي، بل هي مواجهة طويلة الأمد مع الحركة الصهيونية بصفتها حركة عنصرية تسعى للتهويد واقتطاع الأرض وطرد السكان. والعلاقة بين القضايا العربية والفلسطينية قائمة بجدلية متدفقة، فهناك جيل شبابي فلسطيني يتأثر بالتغيرات العربية الثورية، وهناك وسائل نضال تتنامى بين الجيل الجديد من الفلسطينيين لمسنا بعضها في العام الأخير. لكن، يجب أن نعي أن عشرات السنين مضت على النضال الفلسطيني وذلك منذ أن تفجرت الثورة الفلسطينية عام ١٩٦٥.
إن السنوات المقبلة ستشهد ارتفاعاً في منسوب العنصرية والفصل والتعدي التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بهدف حماية الاستيطان وتطوير تمدده. لكنها ستشهد في الوقت نفسه تكثيفاً للنضال الفلسطيني ضد العزل ومصادرة الأراضي والسيطرة على المقدسات والاستيطان. سيبقى النضال مشتعلاً وعلى الأخص بوجهه المبتكر والسلمي. فالظلم يخلق المقاومة ويعمقها ويطورها، لكن طول مدة الظلم (عشرات السنين وكثرة الحروب والثورات) يؤدي إلى تنوع وسائل المواجهة وفترات من إعادة ترتيب الصفوف. في الذكرى ٦٥ للنكبة يسير الشعب الفلسطيني في طريقه لإعادة اكتشاف قدراته وصوغ حركته التحررية.
‘إسرائيل’.. مرحلة ما بعد العنصرية
د. فايز رشيد(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
الأنظمة العنصرية كما الأخرى الدكتاتورية، تصل إلى مرحلة من الاشباع في عنصريتها، بعد استنفاد كل ما تستطيعه من وسائل وقوانين عنصرية ضد فئات معينة فيها، إلى الحد الذي تبدأ فيه اختراع وسائل وقوانين جديدة، حيث تكون هي السبّاقة فيها،على مستوى التاريخ، إذ لم يسبقها أحد في كل مراحله إلى الإمساك بقوانين كهذه، حينها يجوز توصيف هذه الأنظمة والحالة هذه بأنها أصبحت في مرحلة جديدة: ما بعد الظاهرة المعنية ألا وهي العنصرية، أي بمعنى آخر، في مرحلة ما بعد العنصرية، وهذا توصيف جديد للعنصرية الصهيونية.
إسرائيل خير تمثيل لهذه المرحلة، فقد تفوقت على كل الأنظمة الشبيهة في التاريخ في عنصريتها، لذا وعن جدارة تحتل المرتبة الأولى في مرحلة ما بعد العنصرية. في الكيان الصهيوني، ووفقاً للمنظمة المعنية بحقوق (الأقلية العربية) 20 قانوناً تمييزياً تتحدث بشكل واضح عن التمييز ضد الفلسطينيين العرب في المنطقة المحتلة عام 1948، تسمى’قوانين أساس′ بدلاً من الدستور، 12 منها تنص بشكل مباشر على التمييز، أما الثمانية الأخرى فهي غير مباشرة في عنصريتها، لكن المقصود من بين سطورها، ممارسة العنصرية ضد أهلنا هناك. إسرائيل ومنذ إنشائها عام 1948 وحتى عام 2010 سنّت 32 قانوناً تمييزياً. أما في العامين 2011 – 2012 فقد قامت بتشريع 8 قوانين عنصرية ومنها: منع فلسطينيي 48 من إحياء ذكرى النكبة، وحق وزير الداخلية الإسرائيلي بسحب الجنسية من العرب، وغيرها وغيرها.
ليس مصادفةً أن يطلب نتنياهو والقادة الإسرائيليون الآخرون من الفلسطينيين والعرب الاعتراف ‘بيهودية إسرائيل’، وذلك لأخذ المبررات الكاملة مستقبلاً للتخلص من فلسطينيي منطقة 48 بكافة الأشكال والطرق، المعروفة منها والمجهولة، والقيام خلال مرحلة الاعداد للترانسفير، بحصارهم قانونياً من خلال أدلجة العنصرية وقوننتها، لخلق وقائع حياتية تصعّب معيشتهم، لدفعهم الى البحث عن حلول منها: الهجرة إلى الخارج.
التمييز في إسرائيل ضد العرب يطال حقوق المواطنة، الحقوق السياسية، التعليم، البناء والسكن، سلب الأراضي العربية ومصادرتها بكافة الوسائل والسبل، توزيع الموارد وميزانيات مجالس القرى والبلديات، الحقوق الدينية وغيرها، وغيرها.
من الملاحظ أن القوانين العنصرية والممارسات التمييزية ضد العرب تتناسب بشكل طردي مع مضي السنوات على إنشاء الكيان الصهيوني، هذه هي الحقيقة الأولى. أما الحقيقة الثانية التي هي ليست بعيدة عن الأولى فهي التناسب الطردي بين العمر الزمني للكيان وسيطرة الاتجاهات الأكثر تطرفاً على الحكم فيه بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات: العدوانية، المجازر ضد الآخرين، الفوقية والاستعلاء، اعتماد الأسس والمبادئ التوراتية الصهيونية في التأسيس للعنصرية من خلال تشريع القوانين.
خلال الأسبوعين الماضيين، وتحديداً الأربعاء 7مايو/أيار الحالي أقّر الكنيست من حيث القراءة الأولى، قانونين يدخلان في مجرى القوانين العنصرية، الأول اتخذ تسمية ‘قانون استقرار الحكم’ ويستهدف تقليص الحقوق السياسية (المقلصة أصلاً) للفلسطينيين في منطقة 48، والتخلص من الوزن الانتخابي لهم. أما القانون الثاني فهو يدعو إلى توسيع نطاق ‘قانون القذف والتشهير’ بحيث يمنع مهاجمة وانتقاد جيش الاحتلال الإسرائيلي والأجهزة الأمنية كافةً.
بدايةً من الضروري القول ان إسرائيل استفادت وما تزال تستفيد من مشاركة فلسطينيي 48 في انتخابات الكنيست، فهي تسّوق نفسها دولياً بأنها ‘دولة ديمقراطية’! هذا مع العلم أن النواب العرب في الكنيست محاصرون، ومقيدون، ويجري إسقاط العضوية عن بعضهم في الكثير من الأحيان، وهم بعددهم القليل الذي يظل في حدود (10 نواب) لا يتركون أية تأثيرات لا في التشريع الإسرائيلي ولا في الحياة السياسية. ومع ذلك، الاتجاهات الأكثر تطرفاً في الأحزاب الإسرائيلية تدعو باستمرار إلى محاكماتهم وإلى طردهم من الكنيست.
قبل بضعة أسابيع، جرى تقديم مشروعين عنصريين الى الكنيست، يستهدفان الحد من حقوق أهلنا في منطقة 48. مشروع القانون الأول ‘استقرار الحكم’ تقدم به نواب حزب ‘إسرائيل بيتنا’ بزعامة الفاشي ليبرمان، يدعو إلى رفع نسبة الحسم لدخول الأحزاب في الكنيست من 2′ إلى 4′ (بمعنى ألا يسمح للحزب الذي ينال أقل من 4′ من جميع الأصوات، بدخول الكنيست)، وهذا بالطبع لضرب مشاركة الأحزاب العربية في الكنيست، فهي كلها أحزاب صغيرة بالكاد تتجاوز نسبة الحسم الحالية، وهي 2′. الأمر الآخر في هذا المشروع يتعلق بحجب الثقة عن الحكومة، فوفقاً له يحظر على أية كتلة نيابية أو تجمع كتل تقديم اقتراحات للكنيست بحجب الثقة عن الحكومة القائمة، إلا إذا نجحت (هذه الكتلة أو الكتل) أولاً: في تشكيل حكومة بديلة بأغلبية 61 صوتاً من 120. هذا يقصد نواب عرب منطقة 48 تحديداً، فهم في المعارضة دوماً، لكنهم لا يشاركون في أية حكومة إسرائيلية قائمة أو بديلة، لذا فهم في العادة يصوتون ضد الحكومة البديلة (الجديدة) مما يجعل الأغلبية المقصودة هي أغلبية يهودية للأحزاب الإسرائيلية، وهذا يضعف من تأثيرات ووزن النواب العرب.
مشروع القانون الثاني حول ‘القذف والتشهير’، فقد جاء بعد فيلم ‘جنين….حنين’ للمخرج الفلسطيني من منطقة 48 المعروف محمد بكري، الذي يحكي عن المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني في مخيم جنين عام 2003.
بعد الفيلم حاول إسرائيليون كثيرون رفع دعاوى قضائية على بكري، لكن لا يوجد نص في القانون الإسرائيلي يجرّم من يتناول الجيش، لذا بادر المشرعون الإسرائيليون إلى تلافي هذه الثغرة القانونية، بإدراج مشروع جديد على جدول الكنيست، وجاء بصيغة إعطاء الحق لأي إسرائيلي بمقاضاة شخص آخر بتهمة ‘تشوية سمعة’ الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية، وليس فقط عن طريق الأفلام وإنما أيضاً عن طريق الكلام والخطابات والمقالات. هذا جزء من حقيقة إسرائيل، الكيان الذي تدعي الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً بانه واحة للديمقراطية في المنطقة العربية. يبقى القول ان الحكومة الحالية مهيأة ومرشحة لسن قوانين عنصرية جديدة في دولة الكيان الصهيوني، وأن الدولة الاسرائيلية تجاوزت العنصرية الى مرحلة ما بعدها.
الشعب الفلسطيني يمر باصعب مراحل مسيرته
احمد عليان زايد/القدس العربي
عانى ويعاني الشعب الفلسطيني من ازمات مختلفة وعلى امتداد مسيرته التحررية وما قبل فقدانه لارضه وتشرذم شعبه على كافة بقاع الارض وقد استطاع بارادته واصرارة الحفاظ على هويته وقدسية قضيته رغم الفقر والجهل ومتطلبات الحياة التي لم تعفيه يوما منها ورغم انتظاره ما يقارب عشرين عاما لاطلاق ثورته الا انه عمد الى تثقيف نفسه واتجه للتعليم من اجل القضية ولم يكن يفكر بالوظائف بل بالتحريرورغم عفوية انتهاله للعلم الا انه خرج باعداد متميزة من الجامعيين والعلماء والاطباء والمهندسين وتوزعوا في بقاع الرض من اجل التعمير والبناء وبالتالي دعم الثورة. ولم يكن التعليم منحصرا على الاغنياء والمتنفذين.
انطلقت الثورة باجابياتها والتحق الشعب بها بعد ان وصلوا الى حقيقة ان عملية التحرير لن يقوم بها الا ابناء فلسطين وتعددت التنظيمات وتسابقت على التدريب والتسليح استعدادا لمعركة التحرير وتعانقت البندقية مع معول الفلاح وكتاب الطالب وسماعة الطبيب وفرجار المهندس وابرة الخياط وريشة الرسام ولبس الجميع السفاري وتلاشت الرتب واصبحت الاخوة والنضال والثورة عناوين لتك المرحلة والتحم الشعب مع قيادته لحمة ظننا انها ابدية.
فجاة تتبدل الادوار ويرتقي الانقى لبارئهم وينتحي بعضهم جانبا ويعزل اخرين وتطفوا على الوجه طبقة جديدة مستوزرة مستطبعة مستقبحة مستخفة بالشعب والقضية ويجيرون العديد من اهل الهوان والباعه وصناع اجهزة المخابرات العالمية ويقوضون فلسطين بشعبها وقضيتها لمصالحهم الذاتية يغازلون المحتل ويحسنون عشرته ويؤمنون له الحماية ويقضون اجمل اوقاتهم على بلاط اغلى وافخم انديته وباراته وتصبح التجارة ورأس المال عنوانا لقضيتنا والمؤتمرات والزيارات الرسمية حلت محل الرشاش والبندقية والجامعات اصبحت مرتعا للاحزاب والفصائلية وكادت تذوب القضية على اعتاب الفصائل التي اصبحت لا تملك سو مكاتب فخمة واساطيل ومرافقين ولهو وبذخ وميزانيات شهرية.
مقاومة جميلة عرابوها دخلاء على ثورة شعبنا سلاحها من الورود والابتسامات والخطابات النارية والاستنكارات والتنديد والشجب والمهرجانات المخجلة والتنازلات المستمرة والتطبيع اللامتناهي. واخطر ما يقوم به انصار هذه المدرسة الفكرية هو تفريغ الشعب من محتواه الفكري والهائه بالجري وراء الحصول على متطلبات العيش الرئيسيه من ماكل ومشرب وامور الحياة اليومية.
يمر الشعب الفلسطيني في اصعب مراحل مسيرته منذ بدء قضيته فاعداءه في احشائه وهم بني جلدته واستراتيجيتهم تصـــب على محــاربة الشعب بالفكر والثقافة ويعمــــلون على افــــراغه من محتـــواه الفكري والاخلاقي من اجل الوصول الى تجريد هذا الشعب من ثوريته وعروبيته وبالتالي اخضاعه وسلب حقوقة وتمرير المؤمرات الدولية المحاكة ضد هذا الشعب.
للاسف لقد تمكن اعداء قضيتنا من شعبنا وقضيتنا من خلال فئة مهزومة تمارس على شعبنا دورا قياديا وان كانت هي الفيروس الاشد فتكا.
استعادة محمد الدرة
معن البياري/الدستور الأردنية
عجيبٌ حرصُ إِسرائيل على سمعتِها، وطريفٌ في نتائج لجانِ تحقيقٍ تُشكّلها عندما تثور ضجةٌ بشأن جرائم يرتكبُها جنودُها أَو شرطتُها أَو عصاباتُها المستوطنون. والجديد في هذا الخصوص أَنَّ بنيامين نتانياهو تسلم، الأُسبوع الجاري، تقرير لجنة تحقيقٍ رسميةٍ بشأن قتل الطفل الفلسطيني، محمد الدرة، في غزة قبل 13 عاماً، بينما كان يحتمي بأَبيه وراءَ برميل، أَشهرته الصورة المدوية، والتي التقطها المصور طلال أبو رحمة، وبثتها، أَول مرة، القناة الفرنسية الثانية. انتهت اللجنة إِلى أَنها لا تستطيع تحديد من قتل الدرة، بسبب أَنها لا تعرف أَنَّه قُتل (!)، وقد يكون مات لاحقاً، لكنَّ أَيَّ إِسرائيليٍّ لم يُطلق النار عليه. واستحقّت هذه النتيجة، الموضوعية بحسبِ صحفٍ عبريةٍ، من نتنياهو، احتفاءً كبيراً لدى تسلمه تقرير اللجنة، فقال إِنَّ قضية الدرة شهَّرت بإسرائيل، في مثالٍ على نزع شرعيَّتها تعيشُه طوال الوقت، وزاد على أُزعومته هذه بخلاصةٍ (ثمينة؟!)، هي أَنَّ هناك سبيلاً واحداً لمحاربة الكذب، هو سبيل الحقيقة. ولا يدري المرءُ ماذا يفعل حين قراءةِ هذا التدليس، هل ينشغل بكشفِ تهافته، أَم يسخر منه ويمضي إِلى ما هو جدّي، فالمزحةُ، هنا، سمجةٌ في تحقيق لجنةٍ شكلها مجرم حربٍ معروف، اسمُه موشيه يعلون، قبل أَنْ يتولّى وزارة الحرب في حكومة نتانياهو الراهنة.
سخر المراسل التلفزيوني الفرنسي، شارل أَندلان، من “موضوعيّة” اللجنة التي أَطربت اليمين الإسرائيلي، لأَنها “كشفت الحقيقة الضائعة منذ 13 عاما”، وقال إِنَّ اللجنة المذكورة لم تتّصل به، في تقصّيها هذه الحقيقة، سيّما وأَنه صاحب التقرير المثير الذي أَقنع العالم بقتل محمد الدرة برصاصٍ إِسرائيلي. وفي البال أَنَّ غزارة الموضوعية في تقارير لجان التحقيق الإسرائيلية بشأن جرائم جنود العدو صارت توجب جهداً فلسطينياً، إِعلامياً وحقوقياً وقانونياً، يعملُ على حمايةِ الحقائقِ المؤكدة في هذه الجرائم من التمييع الممنهج، والذي تنشط فيه إِسرائيل بهمّةٍ ملحوظة. ومنه، للتذكير، أَنَّ لجنة التحقيق الرسمية بشأن قتل تسعة أَتراك على سفينةٍ في عدوان إِسرائيلي، مصوّرٍ ومشهور، حمّل المتضامين القادمين إِلى قطاع غزة مسؤولية استفزاز جيش الاحتلال. أما الاستهانة بحياة الصحافي البريطاني، جيمس ميلر (34 عاما) عند قتله برصاص جنديٍّ في رفح، فتبدّى بقرار جيش الدولة العبرية عدم ملاحقة المشتبه باقترافِه الجريمة في 2003، قبل أَيامٍ من قتل الناشط البريطاني، توم هورندال (22 عاما)، برصاص إِسرائيليٍّ في رفح أَيضاً، والذي لم يقبل أَيُّ ممثلٍ عن الجيش المذكور القدوم إِلى لندن للإدلاءِ بشهادةٍ في تحقيقٍ بريطاني في الجريمة. أَما الأَميركية راشيل كوري (26 عاما)، فقد أُودع قاتلها عمداً بمسنناتِ جرافةٍ كان يقودُها ثلاثة شهور سجناً. وهذه الوقائع عيّناتٌ دالةٌ على “الموضوعية” الإسرائيلية، البالغة الحرص على “الحقيقة” و”العدالة”.
ربما يكون محمد الدرة محظوظاً بأَنَّ قتله صار قضيةً عالمية، بفضل سلطة الصورة التلفزيونية في عالم القرية الكونية، على غير مئاتِ الأَطفال الفلسطينيين الذين استهدفتهم جرائمُ قتل إِسرائيلية منذ نشأة الكيان الغاصب، بل قبل ذلك، حيث دشَّنت العصابات الصهيونية الأولى هذه الجرائم، وكان منها قتل 11 فلسطينياً في بالرصاص، بينهم امرأَة وبناتُها الصغيرات الثلاث، ذات ليلة في تموز 1947. ... نظنُّ حمايةَ الرواية الفلسطينية في قتل الدرة صار واجباً ضرورياً، كما حمايتُها بشأن محدلة التمويت الإسرائيلية، منذ قبل قتل تلك المرأة وبناتها إِلى يومنا هذا.
إحياء مبادرة السلام العربية
علي بردى/النهار اللبنانية
تحاول الإدارة الأميركية انعاش عملية السلام في الشرق الأوسط. تعمل بهدوء على اقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس بالعودة الى طاولة المفاوضات.
لا يريد الرئيس باراك أوباما أن يضع خطة سلام أميركية يفرضها على القيادتين الإسرائيلية والفلسطينية. بيد أن وزير الخارجية جون كيري يسعى الى انجاز محددات التسوية القابلة للتنفيذ في حل الدولتين. يأخذ في الاعتبار كل الإخفاقات السابقة في بلورة عناصر القضايا الست الرئيسية للحل النهائي: الحدود والقدس والأمن واللاجئون والمستوطنات والمياه. تبين أنه ليس كافياً الكلام عن ضرورة التزام الأطراف مرجعيات عملية السلام. يجري البحث عن أدوات جديدة لإحداث اختراق.
أعادت الديبلوماسية الأميركية تسليط الضوء على مبادرة السلام العربية التي أطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 حين كان ولياً للعهد. ما لم يكن ممكناً قبل عشر سنين صار الآن أقرب الى التحقيق بفضل التغيير الكبير في المنطقة العربية. تغيّرت المخاوف عند الإسرائيليين وعند العرب. ألم يدع دان ميريدور أخيراً الى مفاوضات على أساس مبادرة السلام العربية؟ ماذا يعني قبول لجنة المتابعة العربية رسمياً مبدأ تبادل الأراضي؟
يعود البعض الى عناصر في مشروع أعده قبل سنوات أستاذان في جامعة هارفرد، الزائر اللبناني شبلي ملاط المعروف بدفاعه الأصيل عن القضية الفلسطينية والأميركي المقيم ألان ديرشوويتز الذائع الصيت في انحيازه الى السياسات الإسرائيلية. كتبا مشروعاً ينطلق من اقتناعهما الشخصي بامكان التوصل الى تسوية على أساس حل الدولتين. كانا يأملان في اصدار قرار جديد في مجلس الأمن يتصوّر دولتين ديموقراطيتين، اسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً الى جنب، كما تعبر عن ذلك القرارات 1397 و1515 و1850، على أن يشكل القراران 242 و338 أساس السلام العادل والدائم في مبدأ الأرض مقابل السلام. ويعترف المشروع بـ"اسرائيل دولة ديموقراطية للشعب اليهودي مع واجب مراعاة المساواة التامة للفلسطينيين في الدولة الإسرائيلية، وفلسطين دولة ديموقراطية عربية، مع المساواة التامة لغير العرب وغير المسلمين في الدولة الفلسطينية". ويشترط ترسيم الحدود وفقاً لما ورد في القرار 242، أي على أساس خطوط الأول من حزيران 1967، ولكن مع امكان تبادل محدود للأراضي بالمثل والقيمة. يشدد المشروع على المحافظة على "المكتسبات الايجابية" الناجمة عن اتفاق أوسلو لعام 1993، لتكون هذه البداية.
تضغط روسيا لابقاء دورها عبر الرباعية. تدخل الصين على خط السلام المفقود بخطة من أربع نقاط. تضع الولايات المتحدة حداً لاستراتيجية التدخل التي اعتمدتها طويلاً في العالم.
يتطلع الجميع الى أثر القوى الناعمة. ولكن ماذا تنفع النعومة في هذه المنطقة الخشنة؟
كيري على طريق هيلاري والقضية مهمشة سياسياً
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
بعد عمان سيتوجه وزير الخارجية الأميركية إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني والى القدس المحتلة للقاء رئيس وزراء إسرائيل، وستكون هذه المرة الرابعة التي يقوم بها بمثل هذه الزيارات منذ ان تولى منصبه قبل ثلاثة اشهر والهدف المعلن هو تحريك المفاوضات بين الفلسطينيين وبين الإسرائيليين، ومن اجل سد الطريق على أي حديث عن تغير في الموقف الإسرائيلي من هذه المفاوضات أعلنت حكومة نتنياهو عشية جولة كيري عن خطط استيطانية جديدة، بقي ان نتساءل هل سينجح كيري في حمل عباس إلى مائدة التفاوض مع نتنياهو في ظل الاستيطان والتهويد ما دام الرئيس الفلسطيني يبدو الأضعف في المعادلة ؟.
الجواب: لا. لن ينجح، او هذا هو المؤمل من أبو مازن، بل ان ما هو مؤمل منه ان يقلب الطاولة على اللعبة التفاوضية التي استخدمت لتدمير أسس الدولة الفلسطينية المنشودة من خلال الخطط المحمومة التي شرعت بها إسرائيل في السنوات العشر الأخيرة، من اجل حرمان الفلسطينيين نهائيا من القدس بالتدمير والاعتداء الممنهج على المقدسات.
الأميركيون لم يعد لهم أي دور في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خارج الدور الذي رسمته لهم إسرائيل وأصدقائها في الكونغرس. لم يعودوا يتحلون بالمصداقية في أحاديثهم عن إقرار السلام. وفي عهد أوباما يقتصر الدور الأميركي إن تجاه سوريا او تجاه السلطة الفلسطينية على جانب المساعدات والمعونات، أموال ترصد للاجئين السوريين لتكريس بؤسهم ولجوئهم فيما يترك مصير سوريا والسوريين إلى موسكو المتنمرة والى ايران وحروبها المذهبية التقسيمية القذرة. وأموال ترصد لدفع الرواتب للسلطة على مبدأ ( قوت ولا تموت ) في مساعدة مباشرة لخطة نتنياهو القائمة على ما يسمى السلام الاقتصادي في الأرض المحتلة، والواقع انه ليس سلام إنما ترويض على الاستسلام.
لقد همشت القضية الفلسطينية سياسيا على الصعيدين الإقليمي والدولي منذ أحداث ١١ أيلول سيتمبر في أميركا عندما وضعت الثورة والانتفاضة في قائمة الإرهاب بسطوة القوة الأميركية ونفوذ اللوبي والمحافظون الجدد، لم تدفن العملية السلمية منذ ذلك الوقت فقط إنما توالت ( وعود بلفور الجديدة ) إلى قادة إسرائيل، اولها كان وعد بوش لشارون وآخرها كان وعد أوباما بفلسطين دولة لليهود.
اما مواسم فتح الملف الفلسطيني تحت مسميات إعادة التفاوض او البحث عن سلام لم تكن جدية أبدا، لا في عهد هيلاري كلينتون التي انتهت جولاتها المكوكية في المنطقة إلى لا شئ بعد ان هزم نتنياهو أوباما في قلب واشنطن وأجبره على التخلي عن وعوده للشعب الفلسطيني بالسلام ووقف الاستيطان، وهذ الجهود لن تأت بنتيجة من جولات كيري الحالية لان زعماء إسرائيل المتطرفون التوسعيون يشعرون اليوم أكثر من أي وقت مضي بانهم الأقوى عسكريا ومرتاحون اقتصاديا وهم لا يواجهون أعداء او خصوم حقيقيين وليسوا في وارد التنازل عن شبر من احتلالهم لفلسطين ما دام هذا الاحتلال مريح وأريح من السكن في فندق خمسة نجوم.
المطلوب في هذه المرحلة التاريخية الصعبة والقاسية التي تمر بها فلسطين وضع خطة عمل من اجل أحياء القضية وبث روح ودماء جديدة فيها، بإعادة ترتيب أوضاع الشعب في الضفة والقطاع والمنافي في إطار ربيع فلسطيني يعيد الحضور والفعالية السياسية والتمثيلية لمنظمة التحرير بهدف جمع أوراق القوة التي يستطيع الفلسطينيون والعرب توظيفها لمواجهة تحد وجودي أن تبقى فلسطين على الخارطة او تغيب عنها كأندلس أخرى.
حكومات «لا» تُشكّل.. حكومات «لن» تُشكّل؟
محمد خروب/الرأي الأردنية
يفرض الفراغ واللاجدوى بل الضياع نفسه على «ساحات» عربية عديدة تكاد اصداؤه أن تعمي العيون والافئدة وليس فقط تصم الاذان وتفجر الغضب في نفوس الجماهير العربية التي تدفع ثمن كل هذا الفساد العميم والتبعية المُذلّة وغياب مفاهيم المواطنة والعدالة والنزاهة والشفافية وسيادة القانون عن معظم الدول العربية، فيما يعج خطابها الاعلامي بمصطلحات واوصاف «وردية»، حتى يخال المرء انه يعيش في «فراديس» وجمهوريات فاضلة على النحو الذي حلم به او تخيله افلاطون..
ما علينا
ثمة ما يلفت في المشهد العربي الدموي والمعقد والمترهل، هو عدم وجود حكومات في عدد من «الدول» العربية وبخاصة تلك التي تعصف بها ازمات سياسية ورياح تغيير»مُتَخيّل»، أسهم الغرب الاستعماري في تأجيجها ووضعها على طريق التفكيك والانهيارات كالذي تشهده مثلاً «المعارضات» السورية التي طبَّل الغرب وبعض العرب لها طويلاً، وبخاصة عندما تم الاعلان عن قرب تشكيل حكومة انتقالية او حكومة منفى جاءوا لها بالسوري الكردي الاميركي الجنسية المغمور غسان هيتو وتم التعامل مع «دولته» على ان دخوله على رأس القوات المُحرِرِة لسوريا هي مسألة وقت، فإذا به يغوص في بحور من الخلافات والصراعات وينتهي الامر بالذين «عومّوه» الى التخلص منه، بعد ان ثبت انه ليس فقط لا يوفر البضاعة بل وايضاً لأن مشروع الثورة ذاته، بات على طريق الانتهاء والتصفية نظراً لكثرة الطباخين والمتدخلين والطامحين بِشَرَهٍ الى لعب ادوار تفوق حجومهم وجغرافيتهم بل وحتى قدراتهم الذاتية والشخصية على حد سواء..
ليست تحولات الميدان السوري وحدها هي التي فرضت معادلات جديدة واصطفافات تكاد ان تكون غير مسبوقة، وانما ايضا لان المعارضات السورية قد سقطت في اختبار النتيجة، وبات كثيرون على قناعة بان ما تم تضخيمه والنفخ فيه طوال عامين ليس سوى جثة سياسية وبلا فاعلية شعبية مؤثرة، بعد ان اكتشف السوريون ان «تُجّار» الحروب هم الذين يأخذون الامور الى مربع الارتهان والتبعية والارتباطات الخارجية التي تريد شطب سوريا من الخريطة الراهنة وتحويلها الى مجرد امارات ودويلات طائفية ومذهبية وعرقية، تريح إسرائيل وتمنح مشروعها الاستعماري الاحلالي الشرعية والبقاء..
«دولة» رئيس الوزراء غسان هيتو، بات من الماضي وليس مهما ان كان اجتماع ائتلاف المعارضة الوشيك سيسمي غيره أم يمهله لانجاز «مهمته»، فجدول الاعمال اختلف والرعاة مرتبكون وعواصم التسليح والتمويل والفبركة الاعلامية متلعثمون وحائرون.
ثمة حكومة اخرى يبدو انها هي الاخرى لن ترى النور، والمقصود حكومة اللبناني المكلف تمام سلام الذي يستبد به اليأس الان، بعد ان ظن انه بدخوله نادي رئاسة الوزراء (من خلال الصدفة المحضة) بات قادرا على استيلاد حيثية شعبية لنفسه، فاذا به يكتشف انه غير قادر على حسم أي «خيار» حتى لو اخترع تسمية لحكومته العتيدة واطلق عليها وصف حكومة «المصلحة الوطنية» على طريقة والده، الذي لم يكن له من الوزن السياسي والتأثير سوى ارتمائه في احضان المارونية السياسية التي «شهّلته» وابقته متراسا «سُنيّاً» لتمرير مشروعها الانعزالي، والذي واجه هو الاخر الفشل كما انتهى الحال بصائب سلام الى المنفى بعد ان تخلى عنه حلفاؤه او من كان يعتبرهم كذلك..
تمام سلام لن يشكل حكومة، لا حكومة امر واقع ولا حكومة انتخابات وبالتأكيد ليس حكومة اقطاب او تكنوقراط، لأن المشهد اللبناني دخل مرحلة جديدة، ليس فقط في الاحتمالات الواردة لانتقال الحريق السوري الى اراضيه وبدء مرحلة حفر الخنادق، بل وايضا لان واشنطن ابدت قلقا مريبا ازاء تطورات الاوضاع التي لا تسير لصالحها على أي حال ولا لصالح حلفائها في المنطقة ورأينا كيف هاتف اوباما الرئيس اللبناني «وطالبه» بان تجري الانتخابات النيابية في «موعدها» ومذكراً (.. ) بضرورة استمرار لبنان في سياسة «النأي بالنفس» التي تتبناها في الشأن السوري، تلك السياسة التي انتقدها كل الغرب الاستعماري وعرب الجامعة العربية عندما تم الاعلان، عنها واذ «انقلبت» قواعد اللعبة، فانهم الآن.. يستدعونها.
ماذا عن السلطة الفلسطينية؟
سلام فياض استقال ورئيس السلطة قبل استقالته وما يزال في مرحلة تصريف الاعمال، ولا يلوح في الافق ان حكومة بديلة او جديدة، ستشكّل فالمراوحة سيدة الموقف وأهل السلطة في حيرة من امرهم بعد ان اضيء اكثر من «مصباح» احمر في وجه صاحب القرار(.. ) وبات الجميع في الدوامة غير قادرين على المغامرة أو المغادرة؟
هل نتحدث عن الجزائر والجدل الدائر حول صحة الرئيس بوتفليقة او الحديث المتصاعد حول مرحلة «ما بعد» الرئيس المريض، او الذي يكتنف حاله الصحية الغموض الشديد؟
.. يمّموا وجوهكم إذاً نحو «اليمن» فثمّة مفاجآت في الانتظار..
- هل تسألون عن الحكومات المأزومة وتلك المتأرجحة؟
.. القائمة تطول!
إسرائيل: الحرب مع سوريا قد تندلع فجأة
حلمي موسى/السفير
بعد يوم واحد من تهديد رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس الرئيس السوري بشار الأسد من عواقب تسخين جبهة الجولان، أعلن قائد سلاح الجو الإسرائيلي الجنرال أمير إيشل أن الحرب مع سوريا قد تقع بشكل مباغت. وكانت صحف قد نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن إيران تحث سوريا على الردّ على الهجمات الإسرائيلية. وبرغم التهديدات المتواصلة فإن خطر الحرب الإقليمية لا يدفع أحداً نحو التهور بسبب العواقب غير المحمودة على كل الأطراف.
وفي محاضرة ألقاها الجنرال إيشل، في مؤتمر الأمن القومي في معهد «فيشر للأبحاث الاستراتيجية» الاسرائيلي، قال إن صواريخ أرض ــ جو متطورة من طراز «إس 300» باتت في طريقها إلى سوريا. وحذّر مما وصفه بـ«الإفراط في الإدمان» على التكنولوجيا، مشيراً إلى أنه «إذا كان هناك من يعتقد أننا بكبسة زر يمكن أن ننتصر، فإنه مخطئ. فليست هناك وصفة جاهزة للحرب المقبلة، وسنضطر لمعرفة كيف نواجه أيضاً المفاجآت والإخفاقات».
وجاءت محاضرة إيشل في الذكرى السنوية الأربعين لحرب «تشرين 1973»، حيث بيّن أن «الحرب المباغتة يمكن أن تولد اليوم بأشكال كثيرة. أحداث متفرقة يمكنها أن تقود إلى تصعيد سريع جداً يلزمنا بأن نكون جاهزين خلال ساعات لتفعيل الحد الأقصى من قدرتنا. وإذا كنا في حرب لبنان الثانية قد استخدمنا فقط جزءاً صغيراً من قدراتنا هذه، فإننا سنضطر في الحرب المقبلة لاستخدام مئة في المئة من أجل أن يكون نشاطنا سريعاً وشديداً جداً».
وشدّد إيشل في معرض تفسيره لتعزيز الدفاعات الجوية السورية على أن «التفوق الجوي هو شرط للانتصار وللانتصار السريع، وهو ذو أهمية استراتيجية عليا. والطرف الآخر يفهم ذلك جيداً، لذلك فإن الأسد استثمر مليارات من ميزانيته المحدودة لشراء صواريخ متطورة مضادة للطائرات إس إي – 22، وإس إي - 17، وإس إي – 24، وأيضاً في صواريخ إس 300، وهي في الطريق إليه». واعتبر أن «نظام الأسد استثمر الكثير من أجل امتلاك قدرات الدفاع الجوي الأفضل التي يمكن شراؤها. وهذه المنظومات لا تشكل فقط خطراً عملانياً، بل هي تفضي إلى شعور بالثقة بالنفس يمكن أن يدفع دولاً لفعل أمور لا تفعلها عادة. والحديث يدور عن سلاح من جيل آخر، لا يشبه ما كان في الماضي. ولكن ليست هناك منظومة لا حل لها. السؤال فقط هو: ما هو الثمن؟»، لافتاً إلى أن «هذه ليست مشكلتنا فقط. إن التحدي الذي يتطور في الشمال لم يبدأ أمس وليس هناك تحد لا حل له».
ومع ذلك حذّر إيشل من أن سوريا قد تنهار قريباً، وهناك جهات مختلفة قد تسطو على ترسانة السلاح التي يملكها جيش الأسد. وأضاف إن «هذا لا يعني أنه علينا أن نعمل، لكنه يعني أننا ملزمون بأن نكون مستعدين بطائرات وبطاريات دفاع. فلن يقول أحد لنا: خذوا أسبوعين واستعدّوا لهذه الحرب. سنضطر أن نكون جاهزين لمواجهات في غزة ولبنان، وأيضاً على مدى أبعد. وإذا لم نستعدّ، فإننا نكون لم نستوعب درس حرب يوم الغفران».
وأشار إيشل إلى احتمالات الحرب الواسعة النطاق ووجوب الاستعداد المتزامن لها على ثلاث جبهات، قائلاً «يمكن للحرب أن تنشب فجأة بأشكال كثيرة، بما فيها أحداث منفردة تلزمنا بتفعيل كل مستويات سلاح الجو خلال ساعات. في العام 2013 يمكن تحقيق انتصار جوهري في الحرب، لكن لم تعد هناك انتصارات بالضربة القاضية، والصليات الأخيرة هم من سوف يطلقونها. ويركز الطرف الآخر جهده على تشويش قدراتنا. ونحن نعيش في فيلم آخر مقارنة بحرب يوم الغفران، وسوف نضطر لإبداء مرونة أوسع بشكل مكثف وخلال فترات قصيرة. يمكن الانتصار في فترة قصيرة، وهذا يُلزمنا باستخدام نيران مكثفة».
وأضاف قائد سلاح الجو «إننا نعيش في فيلم حرب مختلف عن ذاك الذي شهدناه في حرب يوم الغفران. فالجبهات مختلفة، وأنواع المخاطر، والمهل الزمنية، كل شيء يختلف وهذا يستلزم قدرات أخرى تماماً تترجم في حجم قدرات تفعيل نار جوهرية من جانب سلاح الجو، لأن الجبهة الداخلية ستُصاب، مهما دافعنا عنها، إنها ستتضرّر».
عموماً تشير الصحف الإسرائيلية إلى أن التوتر على جبهة الجولان يتصاعد، خصوصاً بعد الإعلان السوري الرسمي عن استهداف آلية إسرائيلية. ويرى الجيش الإسرائيلي الآن جانباً من مهمته إنجاز قاطع سياج أمني بطول 16 كيلومتراً على الحدود مع سوريا. ويرمي هذا السياج إلى منح المستوطنين في هضبة الجولان نوعاً من الشعور بالأمان.
عوارض الموقف الإسرائيلي إزاء سوريـا
انطـوان شلحـت – عكا/النهار اللبنانية
آخر التحليلات الصحافية الإسرائيلية المتعلقة بموقف حكومة بنيامين نتنياهو إزاء ما يجري في سوريا، يبرز وجود خلافات في الرأي بين تيارين أساسيين داخل المؤسستين السياسية والأمنية، في ما يتعلق بالمقاربة التي يجب تبنيها حيال مستقبل نظام بشار الأسد.
التيار الأول يرى أن سقوط هذا النظام يخدم الهدف الأسمى الذي تسعى إسرائيل نحوه حاليًا، وهو كبح البرنامج النووي الإيراني، وتفكيك "محور الشرّ" المؤلف من إيران وسوريا و"حزب الله" (لوحظ أن التشخيصات الإسرائيلية المستجدة لأطراف هذا المحور لم تعد تُدرج حركة "حماس" في إطاره).
والتيار الثاني يعتقد أن سقوط ذلك النظام سيؤدي إلى تعزيز قوة الجماعات الإسلامية المتطرفة في صفوف المتمردين السوريين، وإلى تفاقم التهديدات "الإرهابية" المتربصة بإسرائيل.
وثمة من يتهم المسؤولين في إسرائيل بانتهاج استراتيجيا مرتبكة إزاء هذا الموضوع، تعكس نفسها في سيل من التصريحات المتناقضة الصادرة عنهم، والتي يعرب بعضها عن الرغبة في سقوط النظام السوري، بينما يتمنى بعضها الآخر بقاءه.
وبرأيي، فإن المعبرين عن الرغبة في سقوطه، إنما يساهمون في تحقيق أمنية بقائه، من خلال حملات التجيير الحاصلة لتلك الرغبة في سياق شيطنة الثورة المندلعة في هذا البلد، وخلع "نظرية المؤامرة" عليها.
ومع ذلك، لا بُد من الإشارة إلى أن العوارض المهمة للموقف الإسرائيلي إزاء سوريا تبقى كامنة في "الجهود" الديبلوماسية والعملانية الرامية إلى الحؤول دون انتقال أسلحة متطورة من ترسانة الأسلحة التي في حيازة نظام الأسد إلى أيد أخرى، تعتقد إسرائيل أنها لن تكون "أمينة" عليها مثلما كانت سوريا منذ اتفاق فصل القوات بين الدولتين عام 1974، ولا سيما في كل ما يتعلق بزجّها في عمليات حربية ضد الأراضي الإسرائيلية.
والتوصيف الإسرائيلي الرائج لهذه الأسلحة هو أنها "كاسرة للتوازن"، وقد يترتب على انتقالها خطران:
أولاً، تآكل التفوّق النوعي الإسرائيلي في مجال منظومات السلاح التقليدي؛
ثانيًا، نظرًا إلى أن استقرار عدد من الأنظمة في الشرق الأوسط لم يعد أمرًا أكيدًا جراء ثورات "الربيع العربي"، فإن منظومات السلاح المتطور التي هي الآن تحت المراقبة والسيطرة قد تقع في أيدي جهات ذات نيات أخرى، ويمكن أن تشكل تهديدًا للإسرائيليين والأميركيين.
والسبب المؤسس، وإن لم يكن الوحيد، لهذا الموقف، هو أن تفوّق إسرائيل يشكل الضمان الوحيد لاستمرار بقائها، سواء في أوضاع الحرب، أو أوضاع السلم، أو حتى أوضاع اللاحرب واللاسلم القائمة حاليًا.
المفاوضات وعروض الفتات
أمجد عرار/دار الخليج
“إسرائيل”، قرّرت على لسان رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو، إعادة توسيع المنطقة المسموح لصيادي الأسماك في غزة الصيد فيها في بحر قطاع غزة إلى ستة أميال بدلاً من ثلاثة أميال قلّصتها في مارس/آذار الماضي في حلقة من مسلسل خروقاتها لاتفاق التهدئة المبرم مع المقاومة برعاية مصر في 21 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي .
هذا القرار “العظيم” الذي تَمُن به “إسرائيل” التي تحاصر، ومعها النظام المصري الإخواني، على قطاع غزة منذ ست سنوات، يستحق اجتماعاً عاجلاً للجامعة العربية للبحث في مكافأة “إسرائيل” عليه . ولأن العرب أشهر خلق الله في الكرم، فإن المكافأة يجب أن تتواءم مع منسوب “الكرم الإسرائيلي” . لكن الكرم العربي ينبغي ألا يقل عما تطلبه “إسرائيل” وتتوقّعه من جامعة عربية سبق لشمعون بيريز أن عرض انضمام كيانه إليها، وطالما كرّر إملاءاته لها كي تحشد جيشاً يحارب في سوريا . ولكي تكون المكافأة مجزية فإنها لا يجب أن تقل عن الاعتراف بيهودية “إسرائيل” أو القبول بتحويل جيشها إلى قوة سلام وتحرك سريع في أي بقعة عربية ترى فيها تهديداً لماركة “السلام” المسجّل باسمها والمفصّل على مقاس مشروعها .
ما عرضته الجامعة العربية من تعديلات على حدود ال 67 التي تمثّل سبعة عشر في المئة من فلسطين، أصبح وراء ظهورنا ولا بد من البحث عن عرض جديد يغري “إسرائيل” كي “تتفضّل مشكورة” بقبول دور المنقذ لكل من غاصت أقدامه في الوحل، والمسعف لكل جريح، والمغيث لكل ملهوف . الاعتراف بها “دولة للشعب اليهودي” دفعة مناسبة على الحساب، ولا ضير لو استكمل العرب تسديد الحساب على مراحل، كأن يأتي بعد الاعتراف بيهودية “إسرائيل” ومستوطناتها وعملتها الشيكلية وأحلامها التوراتية وخرافاتها بشأن القدس ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية .
وزيرا خارجية أمريكا وبريطانيا قادمان إلى “إسرائيل”، ومن الطبيعي أن يوظّفا الألعاب البهلوانية لنتنياهو من نوعية تجميد عطاءات البناء في المستوطنات وتوسيع منطقة الصيد في بحر غزة، في محاولة للحصول على المقابل من النظام الرسمي العربي على شكل ثمن تطبيعي، ودفعة أخرى من التنازلات في القضايا التي تشكل عصب القضية الفلسطينية مثل الأرض واللاجئين والقدس.
تحديد مناطق الصيد في بحر غزة والتلاعب بأرزاق الفلسطينيين هناك يذكّرنا بالمنهج الذي اتبعته “إسرائيل” على الأرض في الضفة الفلسطينية في فترة المفاوضات، حيث كانت تعمد لإقامة الحواجز الجديدة الخانقة قبل كل جلسة مفاوضات، لكي ينشغل المفاوضون بالقضية الجديدة على حساب القضايا الجوهرية، وكانت تشن حملة اعتقالات تطول المئات من الفلسطينيين لكي يصبح الموضوع قضية تفاوضية، حيث تبيع المفاوض الفلسطيني إفراجاً عن قسم من المعتقلين الجدد وتطلب المقابل .
هذا المنهج التسويفي الخبيث هو المتبع منذ انطلاق ما تسمى عملية السلام، ومن المؤلم رؤية البعض منا لايزال يروّج لمنطق المفاوضات والحوار مع كل ما تنطوي عليه من تنازلات وتضليل وتبخّر تدريجي لما تبقى من حدود . وفي ظل المعطيات الحالية على مسرح الصراع، سيكون من قبيل الكارثة الذهاب إلى أية مفاوضات مقابل عروض الفتات، لأنها ستكون غطاء على الجرائم “الإسرائيلية” .
ثوار فوق أكتاف الزند.. ووطنيون فى ثياب الليكود
وائل قنديل/الشروق المصرية
الهيستيريا مستمرة.. مكايدة ونكاية فى محمد مرسى لا يمانع بعض الرموز الثورية فى إحراق الثورة أو رهنها أو المقايضة عليها، لقاء ما يتيح لهم الاستمتاع بساعات من المرح فى مراجيح الزند.
بعضهم لا يجد غضاضة فى تسلق أكتاف زناديد مبارك لكى يهتف ضد محمد مرسى ويفرغ طاقته من الكيد والرغبة المستعرة فى إسقاط النظام، حتى لو سقط معه كل ما ناضلوا من أجله يوما.
إن المشهد فى المؤتمر الدولى العالمى الأممى الكونى بنادى القضاة أمس الأول كان ينتمى بالكلية إلى الفنتازيا السياسية، وبدا بعض الضيوف وكأنهم فى حالة انسلاخ تام عن كل ما اعتبروه يوما عقيدة ثورية لا تهتز.
ولو دققت فى ترتيب مقاعد الجلوس سيصدمك هذا الود الغزير بين أهل الثورة ورموز الثورة المضادة، فى لقاء حميم تأسس على الكراهية والمكايدة فقط، فى تجسيد كامل لمقولة تاريخية ذائعة مضمونها أنه عندما تكون الغايات والأهداف بعيدة عن النبل والاحترام تأتى الوسائل غير نبيلة وغير محترمة، بما فيها من ترديد أكاذيب وترويج معلومات فاسدة عن أممية ما يسمى بالاتحاد العالمى للقضاة، الذى لا يختلف فى بنيته وتكوينه عن «الاتحاد العالمى للفلكيين الروحيين» أو غير ذلك من تجمعات غير رسمية وغير معترف بها كمنظمات أو هيئات دولية مستقرة وراسخة فى المجتمع الدولى، فهو لا يرتقى مثلا من حيث الوضعية القانونية للاتحاد الدولى لكرة القدم.
والأمر لا يعدو كونه استخداما لكلمة «الدولى» فى لافتة كبيرة وضخمة تذكرك بسيل من الصحف القبرصية الصفراء التى كانت تحشر مفردة «دولى» مقترنة باسمها للإيحاء بطبيعة دولية عالمية مدعاة.
ومن هذه الزاوية فقط يمكن الاتفاق مع القول بأن هذا المؤتمر ليس تدويلا للأزمة أو استقواء بالأجنبى، لأن هذا الاتحاد ليس أكثر من تجمع عالمى يقوم على اشتراكات الراغبين فى الانضمام إليه ــ دون إلزام ــ وبالتالى هو ليس مظلة أممية رسمية للقضاء فى العالم.
ولم يكن هذا المؤتمر اللطيف وحده مجرد حلبة لممارسة رياضة المكايدات السياسية، بل تظل الملاهى الفضائية الليلية هى الساحة الأرحب لممارسة هذا النوع من الألعاب، وتواصل حلقات الزار الشامت المتشفى فى واقعة خطف الجنود دون كلل أو ملل من محاولات التثبيط والتحبيط ونثر بذور الفتنة والوقيعة بين القوات المسلحة وقائدها الأعلى.. غير أن بعضهم تفوق على نفسه وقطع شوطا أبعد وكشف عن وجود ما يمكن أن تسميه «عبدة الكامب» حين تركت إحداهن كل شىء وتصدت باستماتة ليكودية صميمة لنشر قوات مصرية فى سيناء لملاحقة الخاطفين من باب أن فى ذلك خرقا وانتهاكا لمعاهدة السلام.
غير أن الأبشع من ذلك هى تلك الأسئلة التى تفح سما وتفوح تحريضا للسفيرة الأمريكية ضد الجريمة التى يرتكبها النظام المصرى بسعيه للاكتفاء الذاتى من القمح، وانفتاحه دبلوماسيا على روسيا والصين.
لقد كشفت أزمة الجنود المختطفين عن نوع جديد من الوطنية لدى بعض النخب المصرية تبدو معها ليكودية أكثر من الليكود.
صنعوا صنما وعبدوه
ثروت الخرباوي/المصري اليوم
قال لى أحد الإخوان وهو ينفخ أوداجه وقد احمرّ وجهه وتميّز من الغيظ: لماذا تنتقد الإخوان أيها الخائن وقد كنت منهم؟ ثم لماذا تنتقدهم علنا! أليس من الأجدى أن تحمل انتقاداتك وتذهب بها إليهم سرا فى مقرهم حتى لا يشمت فينا أعداء الحل الإسلامى، ولأننى أعلم نفسيات كثير من الإخوان وقدرتهم غير العادية على إغلاق عقولهم حتى لا يصيبها «الفكر» فقلت للذى لامنى وأنا أسايره: معك حق يا أخ، أرانى وقد أفرطت فى النقد، ولكنك تعرف معى تلك الكلمات الجميلة التى قلناها ذات يوم ونحن معا فى الإخوان، قال الأخ وهو يقدح زناد فكره: أى كلمات تقصد؟
قلت له وأنا أعيد إليه ذاكرته المفقودة: يوم أن حضرنا اجتماعا مع المستشار مأمون الهضيبى وكان الحوار يدور حول الدكتور سليم العوا حينما قبل أن يكون حارسا قضائيا على نقابة المحامين، وأنت تعلم قيمة الدكتور العوا قبلها عند الإخوان كانت فى أى مكانة؟ أظنها كانت فى مكانة سامقة؛ إذ كان الإخوان يعتبرونه من علمائهم الكبار، هل تتذكر ماذا قال الهضيبى يومها؟ ازدرد الأخ ريقه وقال: نعم، قال إن الحق لا يُعرف بالرجال ولكن الرجال يعرفون بالحق، حمدت الله ثم قلت له: إذن يا أخى ينبغى أن نكون مع الحق أينما كان، ثم استطردتُ: وقد قرأت لكثير من كبار الفقهاء عن حق النقد أو قل «فريضة النقد وإبداء الرأى» وقد أصَّلوا فى كلمات عذبة رقراقة تفيض علماً وخشوعاً هذا الحق، واعتبروه من الركائز التى تقوم عليها الدولة، ويتملكنى العجب ممن يجهلون هذا الأمر أو يرفضونه، ففى غياب النقد العلنى غياب للشفافية، وقد يدفع هذا التعتيم إلى استمراء البعض لخطئهم، كما قد يحوِّل هذا الأمر أولئك الرجال إلى مستبدين باسم الإسلام وباسم الأخوة، وهو الأمر الذى حدث فعلا للإخوان إذ إنهم صنعوا تنظيما ثم عبدوه، فأصبحوا عُبَّاد التنظيم، وعُبَّاد المرشد.
ولا يخدعنك أحد فيقول لك إن النصيحة ينبغى أن تكون فى السر! لأن من تصدى لأمر الأمة وانشغل بحالها ينبغى وفقاً للقواعد الأصولية الصحيحة أن ننصحه فى العلن، فإذا لم ينتصح فإننا يجب أن ننصح الأمة ونحذرها من هذا المستبد الذى استمرأ الخطأ باسم الإسلام، ولست مبتدعاً فى ذلك ولكننى أقتفى أثر أساتذتى وأشياخى الكبار، النقد فى السر أو النصيحة فى السر يا عزيزى تكون فى الخصوصيات، كأن أنتقد أخى أو أنصحه فى أمور حياته الشخصية، أما إذا نصحنا جماعة أو حكومة أو حزباً أوحركة تتصدى لمصالح الأمة فإننا ينبغى أن ننصحهم علناً وعلى رؤوس الأشهاد، وما تقدم الغرب إلا بذلك، وما تأخرنا إلا عندما جهلنا هذا الحق، لذلك أصبح الحكام لدينا مقدسين مبرَّئين من الخطأ، وأصبحت كلمة الحاكم أو الزعيم أو المرشد حكمة وإشارته عبقرية، وبما أن أفراد جماعة الإخوان من هذه الأمة ـ جدلا ـ ويزعمون أنهم يبحثون عن مصالحها، فضلا عن أنهم أصبحوا حكاما فإننا يجب أن نخرق آذانهم بالنقد.
أما عن الانتقاد فحدّث ولا حرج؛ فهو من الحقوق التى تعلمناها فى الإسلام، ولكننا غفلنا عنه فأصبح كل انتقاد يوجه إلى حركة تنسب نفسها للإسلام مجرد «سب» فى عيون أنصار هذه الحركة، بل إن بعض من مسخ التعصب مشاعرهم يعتبرون أن من ينتقد جماعتهم وقادتهم إنما ينتقد الإسلام!.
ونظراً لأننا فى مجتمع شرقى لم يجرب عبر عقود طوال الحق فى الانتقاد، والحق فى المراجعة، فإننى سأواجه حتماً بمن سينظر إلىّ نظرة الاعتراض لأننى فى زعمه «أفشيت سر جماعة كنت فيها» مع أن هذا الفهم يتناقض مع تعاليم الإسلام الذى يحث ويحرض على المراقبة والمساءلة والانتقاد بشكل علنى، ونظراً لأننى باحث أبحث عن الحقيقة أينما كانت فإننى سأغض الطرف عن «أصحاب الشكوك» وسأناقش وأسائل وأنتقد وأرفض.
وحين أختلف معهم فإنه لا يجوز لهم أن يتوغلوا فى ضميرى ويحاسبوا نيتى لأننى أختلف مع حركة أو تنظيم ولا أختلف مع الإسلام... لا تعتبروا الإخوان إقنوماً مقدساً لا ينبغى الاقتراب منه أو «يوتوبيا» فاضلة لا ينبغى المجاهرة بانتقادها، فالصنم «العِجْل» حينما صنعه أصحابه قدّسوه، ومن بعد أن قدّسوه عبدوه، وما زالت صناعة الأصنام قائمة إلى الآن.


رد مع اقتباس