اقلام واراء عربي 428
19/6/2013
في هذا الملف
- حماس في استدارتها «النهائية».. أهي أوراق الاعتماد؟
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
- و"حماس" وراهم
بقلم: حمود الحطاب عن السياسة الكويتية
- وما همّ نتنياهو؟
بقلم: محمد عبيد عن الخليج الاماراتية
- ربيع التقسيم العربي
بقلم: نواف ابو الهيجاء عن السفير البيروتية
- رأي البيان: مصر وثورة التمرد على "الإخوان"
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
- بلدان «الربيع العربي» و«العدالة»: بين الثورية والانتقالية والعادية
بقلم: وليد محمود عبدالناصر عن الحياة اللندنية
- رأي القدس: الانذار الاخير لاردوغان
بقلم: عبد الباري عطوان عن القدس العربي
- تحولات غريبة!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
- زاوية حادة.. «الحاج» مرسي و«الشيخ» أوباما!!
بقلم: عصام داري عن تشرين السورية
- الرئيس والجيش؟
بقلم: عماد الدين أديب عن الوطن المصرية
- اللسان العربي.. المغتال في بلدي
بقلم: عبد الرزاق قسوم عن الشروق الجزائرية
- هل يكتب ثلاثين يونيو 25 يناير جديدة؟
بقلم: عبدالله الأيوبي عن أخبار الخليج البحرينية
- كيف ستصبح إيران بصعود روحاني؟
بقلم: سكوت بيترسون - ترجمة : الصباح عن صحيفة كريستيان ساينس مونيتر
حماس في استدارتها «النهائية».. أهي أوراق الاعتماد؟
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
لم يكن بيان حركة حماس الاخير، الذي طالب فيه حزب الله بسحب قواته «فوراً» من الاراضي السورية، مفاجئاً أو صادماً للكثيرين الذين رأوا الحركة وقيادتها (حتى لا ينسى احد) ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي قد تخندقتا في المتراس الاخر الذي ارست عليه واشنطن عطاء اختطاف هذه الثورات وادخالها في اتون الفرقة والانقسام وارغامها على القبول بمخطط الاخونة وتحويل الصراع الاساسي الى كل ما هو ثانوي وخصوصاً مذهبي وطائفي, ليس فقط في شأن تقديم الضمانات الشفوية المشفوعة بالقسم والمكتوبة بلغة الاصدقاء الاعزاء والتمنيات للدولة الجارة (...) وشعبها بالرخاء, وانما ايضاً في ادارة الظهر لكل ما هو مقاوم, وإن كانت الرطانة عن الكفاح المسلح وغيرها من المصطلحات لا تزعج اميركا وخصوصاً اسرائيل، لأن المعيار هو «الميدان» وما تفعله يدا حكومة غزة, التي تتفنن في قمع اهالي القطاع والتضييق على حرياتهم ولا يضيرها ان يُلْحِق نظام الجماعة الأم في القاهرة، الضرر بمصالح الغزيين وحقوقهم الاساسية في حرية الحركة والعمل, الذي بدأ في فترة ما وكأنه محصور في ما يسمى بـ «اقتصاد الانفاق», لكن الرئيس المؤمن (محمد الثالث وليس محمد الاول السادات) أقدم على ما أحجم عنه محمد الثاني (مبارك) فاغرق الانفاق بالمياه العادمة وفجّر ما استعصى على مياه المجاري بالديناميت، واغلق ما تبقى بالكونكريت المسلح, ولم يحاول رئيس حكومة غزة الذي هو نائب رئيس المكتب السياسي للحركة وكاد أن يكون هو (هنية) في الموقع لكن «ركايات» خالد مشعل كان لها القرار وكان لها ما ارادت،... حتى مطالبة الرئيس الاخواني بوقف هذه الحملة..
هل قلنا أنور السادات؟
نعم, فدائماً ما أخذت حركة حماس تحديداً على ياسر عرفات (رحمة الله عليه) انه كان جالساً عندما خطب الرئيس المؤمن خطابه الشهير أمام مجلس الشعب المصري وأعلن استعداده للذهاب الى آخر الدنيا بحثاً عن السلام بما في ذلك الذهاب الى الكنيست.. فلم يعترض عرفات ولم ينسحب, بل ذهبت حماس بعيداً في الغمز من قناة هذا القائد لتقول: انه كان على علم «مسبق» بما كان السادات ينتوي اعلانه..
الطريف، ان شيئاً مماثلاً حدث مع خالد مشعل وهو جالس الى جانب الشيخ يوسف القرضاوي في مؤتمر التحريض والشحن المذهبي الذي نظمه السلفيون عندما دعا الاخير في المؤتمر ذاته، الى الجهاد في سوريا وردع عدوان حزب الشيطان (..) على الشعب السوري، معلناً في صوت اشبه بالصراخ انه يحث على الجهاد في بلاد الشام وانه ينذر حزب الله بسحب قواته فوراً من سوريا لأنه لا مكان له ولا دور في ذلك البلد وهو – أي القرضاوي يعني ما يقول – (تماماً كما فعل وقال مرسي بعد ذلك بأيام معدودات)..
هنا دعونا نقرأ السطور وما بينها، ونقارن بين ما هو مُفتعل ومقصود وذلك الذي يراد به اطلاق بالونات الاختبار او تبرير الاستدارات والانخراط في لعبة «معلنة» من التحالفات والمحاور وترتيب اصطفافات وخرائط جديدة..
فالرئيس الاخواني الذي توسط بين حماس واسرائيل (ليس العدو الصهيوني وليس احفاد القردة والخنازير الذين سيسحقهم جيش محمد العائد، مذكراً اياهم بخيبر وما ادراك ما خيبر)، اراد لتلك الوساطة ان تجعل من عدوان «عامود السحاب» آخر «الحروب» تمهيداً لهدنة طويلة لا يعلم الا الله عز وجل مداها، تماماً كما اعلن السادات ان حرب اكتوبر 73 هي آخر الحروب، ولم يكن هذا صدفة او مجرد صمود من حماس افضى لانتصارها الذي اسهمت فيه طهران «حزب الله»، ولم يذكر أحد في حركات الاسلام السياسي وقتذاك انهما «شيعيان» وانهما يشكلان خطراً على «السُنّة» يفوق اخطار اسرائيل التي هي اقل كفراً منهما، وهو ما ذهب اليه من يوصف بأنه رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي، وهو الخطاب ايضاً الذي غرف منه «بيان» حماس الاخير.. عندما قال «.. إن تدخّل حزب الله في معركة القصير، اسهم في زيادة الاستقطاب الطائفي في المنطقة»..
ليس ثمة قطبة مخفية، فالبيان لا غموض فيه ولا كياسة ايضاً، بل يذهب عميقاً في الفجاجة واستخدام لغة لا تنجح في اقناع احد بأن حماس لم تسقط في الخندق الطائفي والمذهبي، قاطعاً الطريق على أي محاولة تجري وجرت داخل حركة حماس نفسها لرأب الصدع مع حزب الله وخصوصاً اولئك الذين يقودون الجناح العسكري ويدعمهم بعض اعضاء المكتب السياسي مثل محمود الزهار، الذي يتعرض لتهميش واقصاء ومطاردة والرسالة الشهيرة التي رشح انها أُرسلت الى خالد مشعل تقول له ان المال لا يأتي بالمقاومة بل بالسلاح والمواجهة، يبدو انها كانت السبب المباشر لصدور بيان كهذا يجعل من هؤلاء جناحاً معزولاً، او على الأقل يدفعه الى الصمت او الانشقاق والخيار الاخير (الانشقاق) لا يبدو متاحا، الان بعد أن امسك اسماعيل هنية بكافة الخيوط وراح يتصرف كرئيس للحركة مقيم في الداخل، فيما يتولى مشعل دور السندباد وحياكة التربيطات السياسية الجديدة التي تريد تحويل حماس الى حزب سياسي يتم تلزيمه قيادة السلطة الفلسطينية بعد أن يتم اسقاط او استبدال او اغتيال او «إمراض» محمود عباس، حيث الاخير يتعرض الان لحملة شيطنة وتشويه اسرائيلية غير مسبوقة لمن يتابع الاعلام الاسرائيلي وتصريحات اركان حكومة نتنياهو على النحو الذي تعرض له ياسر عرفات وإن كانت المقارنة بين الرجلين لا تنصف الاخير لأن عباس كان أحد منظمي حملة تشويه عرفات وشيطنته..
اين من هنا؟
حماس في «فصلها» الجديد، احدثت قطيعة معلنة مع ماضيها الذي تريد أن تتخلص منه في اسرع وقت قبل أن تأخذ موازين القوى الجديدة في فرض استحقاقاتها وتدفيع الخاسرين اكلاف المرحلة السابقة التي يبدو أن حماس ستكون في مقدمتهم حتى لو امتلأت خزائنها بالاموال، وحتى لو استُقبل مشعل في واشنطن او باريس او لندن, فرياح المنطقة لا تهب وفق ما تتمناه أشرعة الحلف الاميركي الاسرائيلي التركي، الذي يحاول بعض العرب اللحاق به ولكن عبثاً يحاولون..
كان الاجدر بحماس أن تعلن صراحة تخليها عن الكفاح المسلح بدل وعظ حزب الله بأن «يُبقي سلاحه موجهاً فقط ضد الاحتلال».. فهل هي مُبقية سلاحها نحو الوجهة ذاتها ام الى عصر الصفقات.. دُرّ؟
و"حماس" وراهم
بقلم: حمود الحطاب عن السياسة الكويتية
تهافت الدعاة هو عنوان هذه المقالة: فلم تبق للدعاة وبعموم مصداقية التفرد والاستقلال والحرية فكل منهم قد انكشفت مساحة حريته وقوته ورأيه, وكشفت الأحداث السورية طبيعة معدن هؤلاء الناس الذين اشترى بعضهم بآيات الله ثمنا قليلاً.
قلنا : الرئيس المصري محمد مرسي أعلنها وبشكل مفاجئ أنه لا يعمل شيئا ومن دون أن يسبقه إذن من الولايات المتحدة الأميركية, حتى ولو كان بالايحاء والإشارة, فها هو يطرد سفير النظام السوري بقرار غير مستقل حين تبع قرار باراك أوباما بتسليح المعارضة السورية, فأعلن هو طرد السفير السوري مما يوضح أنه أيضا لا يعمل الا في ظل الضوء الأخضر من مصدره, وكان سبقهم جميعا الشيخ القرضاوي فأعلن وبشكل لا يدل على صدق, انه لم يكن من قبل يعرف طبيعة حزب الشيطان وأنه الآن قد عرف طبيعته, ومن أين لنا أن نصدقه في كلمته, وهو رجل عالمي كثير الحل والترحال, كيف لا يعرف هذا الحزب اللعين طيلة حياته! من الكويت أعلن الشيخ جاسم المهلهل وهو قيادي "حدسي إخواني" أن الجهاد الآن قد أصبح فرض عين على كل أحد! "وي يا بو معاذ أتعلنها وأنت في مكتبك, كان يجب أن تعلنها وأنت تحمل رشاشك هناك أنت والشيخ عجيل النشمي وكل الذين يقاتلون وراء المكاتب, اعلان المشايخ في الكويت تبع موقف الولايات المتحدة الأميركية", و"ما فيها شي" تتبعون رأيها لكن اتركوا هذا في الضوء وفي النهار, وأخيرا تبعت الجميع "حماس" من غزة هي الأخرى أول من أمس فبعثت العتب الخفيف لحزب اللات الذي تتعاون معه ومع إيران وسورية ومن معسكرهم تعمل,وبشكل مكشوف.
وهكذا أعلن الإسلاميون جميعا أنهم غير مستقلين كالعديد من دولهم, مجرد دعاية استقلال اسمي,وأنهم في عباءة سياسة الولايات المتحدة الأميركية يعيشون ومن خلال مساحتها يتحركون, أين كانوا من قبل والشعب السوري يقتل بالمئات يوميا وقد قتل منه حتى اليوم نحو مئة الف شهيد?
وهكذا يشاء الله انكشاف تهافت الدعاة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
يامن أنتم على هامش الحياة أيها الدعاة المنبريون الورقيون :إن السياسة الأميركية لا تعبأ بكم ولا بإعلاناتكم. وكلوا واشربوا على حساب الدين وعيشوا في جلباب من تشاؤون فالله حسيبكم.
إذا كنا نعذر ولو نسبيا تأخر الولايات المتحدة الأميركية عن مساعدة أحرار سورية ضد نظامها القاتل, فلها نظرة في قرارها مرتبطة بتحرك دول منافسة لها قد تؤدي قراراتها إلى قيام حرب كونية ثالثة,فما هو عذركم أيها المتدثرون في عباءات الناس?
وما همّ نتنياهو؟
بقلم: محمد عبيد عن الخليج الاماراتية
القرار الأخير الذي اتخذه رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بالتساهل مع غلاة المستوطنين المتطرفين، المتورطين في العدوان على المدنيين الفلسطينيين ومقدساتهم وزيتونهم وأملاكهم، تحت شعار “جباية الثمن”، مع أن هذه الجرائم الكبرى بحق الإنسانية التي ترتكب بشكل يومي تأتي في جزء منها رداً على سياسة نتنياهو وحكومته تجاه التوسع الاستعماري غير المسبوق، تكشف حقيقة واضحة جداً، تتركز حول أن مجرم الحرب هذا متورط فعلياً وضمنياً في التشجيع على العدوان، ولا يهمّه من الأمر شيئاً سوى أن ذاك القطيع العنصري يطبق جزءاً من سياساته، ويشكل أداة تنفيذية لجرائمه .
ما يسمى “المطبخ الأمني”، وهو جزء من حكومة الكيان يختص بشأن أي عدوان أو جريمة، قرر خلال اجتماعه الأحد الماضي “التساهل” مع المستوطنين الأشد تطرفاً، ولعل كلمة “التساهل” لا تعدو كونها مصطلحاً “تجميلياً” لحقيقة وجه الكيان المحتل ومستوطنيه، إذ تعبر حقيقة عن التغاضي الكامل، والدعم والإسناد، والتشجيع على ارتكاب المزيد من الجرائم، من دون أدنى إمكانية لردع هذه الهجمات المسعورة، فغلاة المستوطنين ليسوا إلا أداة تنفيذية لسياسات حكومة نتنياهو المتطرفة، والأخيرة ليست إلا موجّهاً ومشرفاً على تنفيذ الجريمة .
تماهٍ ما بعده تماهٍ، ودعم مفضوح من مجموعة مجرمي حرب مارقين، لأمثالهم من الغارقين في الدم الفلسطيني، ومدنسي كل مقدس، والأكيد أن انتظار تحرك ممن يوجه ويحرك أدوات القتل والتنكيل والحرق والإرهاب، باتجاه وقف هذه الجرائم، لن يكون سوى ضرب من الجنون وانعدام المنطق، فكل من في الكيان مجرمون بالضرورة، كلهم ينتهجون الإرهاب والقتل والتدمير، وكلهم شربوا الكراهية والحقد واحتقار “الأغيار” أكثر من حليب أمهاتهم .
نتنياهو قرر إعلان هؤلاء “كتنظيم غير مسموح به”، وكأن هذا قد يغير في الحقيقة شيئاً، وكأن هذا قد يشكل “إدانة” لهذا التنظيم الإرهابي المدعوم من نتنياهو وحكومته، وقد أسهبت ماكينات الدعاية في الكيان في تصوير الأمر وكأنه مثار نقاش وجدل، وكأن هناك من يدعو إلى إدانة صريحة لهذا العدوان، ووصلت في مزاعمها إلى حد الحديث عن اقتراب الأوضاع إلى أزمة في الحكومة “الائتلافية” المشكّلة من مجموعة من المتشددين الذين لا يهمهم سوى دعم هؤلاء الإرهابيين وتوفير الغطاء اللازم لهم لمواصلة جرائمهم .
تكفي اعترافات مندوب نيابة الكيان أمام “الكنيست” لتأكيد أن هذا القرار لن يتجاوز في أثره وقيمته قيمة الحبر الذي خط فيه، فقد أكد أنه لم يتم تقديم أي من إرهابيي “جباية الثمن” إلى المحاكمة قط .
مسرحية جديدة تعد وتمثل في أروقة حكومة كيان محتل اعتاد التدليس وتزوير الحقائق، والمنتظر أن يشكل مثل هذا الإجراء مناسبة لاستمرار عدوان غلاة المستوطنين، وجيش الاحتلال الذي لا يفوت فرصة لارتكاب جريمة بحق الفلسطينيين .
ربيع التقسيم العربي
بقلم: نواف ابو الهيجاء عن السفير البيروتية
أين وصلت القضية الفلسطينية في زمن (الربيع العربي) الذي بدأ، ليقول إن العرب في اقطارهم تواقون الى الديموقراطية والحرية، والى السير في طريق تؤدي الى الوحدة القومية وتنأى بالعرب عن سايكس بيكو ووعد بلفور؟ هل هذا ما حدث في دول (الربيع العربي) ام ان الامور اتجهت الى ضفة اخرى معاكسة تماما لتطلعات وآمال الشعب العربي، بحيث انتجت فتح بوابات الجحيم على الوحدة الوطنية لكل دولة من دولنا العربية، التي ابتليت بالسير الحثيث نحو الهاوية؟
افضل ما انتجته (الثورات) في تونس ومصروليبيا هو ما نشهده اليوم من تغول للإسلام السياسي والدعوات التكفيرية والعمل على نسف النسيج الوطني والمجتمعي لكل من مصر وليبيا وتونس، ونضيف اليها اليمن ومن دون تردد ونقول إن ما يحدث في سوريا منذ نحو عامين وثلاثة اشهر هو بالتحديد محاولة تدمير الوطن وإزالة مقوماته التاريخية.
في مصر انقلاب اكيد وقع على مشروع «ثورة يناير». والاسلام السياسي ينخر في جسد وحدة اكبر دولة عربية. في ليبيا حكومة (الاطلسي) تحول الوطن الى دولة فاشلة في اقل تقدير، وهذا بالضبط ما فعله الحل الخليجي لليمن، وهذا ما يراد له ان يحدث في سوريا ولكن بوسائل اشد وطأة.
لم يتعظ العرب من تجاربهم المرة في العراق وفي الصومال. فجاءت عملية تقسيم السودان نتيجة فتنة طائفية/ عرقية مدبرة، لتأتي بعدها عمليات مشابهة يراد لها ان تطبق في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن.
في كل ما يجري، كانت الجامعة العربية أداة ومطية لتمرير المشاريع الغربية الصهيونية، ولا نقول بنظرية المؤامرة هنا، بل نقول بعملية التواطؤ وقبول الدور المرسوم لعمل او نتاج هو بالضرورة مناقض للجامعة وميثاقها على طول الخط.
ابرز القضايا التي تدفع ثمن ما يجري هي القضية الفلسطينية، التي كانت يوماً قضية العرب المركزية. اين مآل القضية؟ ما مصير القدس؟ اين الأقصى؟ أين رافعة العمل العربي المشترك؟ إن العمل العربي راهناً يتركز، منذ نحو ثلاثة اعوام، في كيفية ادارة الثورات المضادة، والكيد للأشقاء في الدول العربية، وتأليب الغرب على العرب، والسعي الى دور معاكس تماما لمنهج جهد الشعب العربي.
عرب الجامعة تركوا فلسطين فريسة للمطامع الصهيونية وللنهب المنظم للأرض والوطن، وللتهويد الممنهج للقدس والضفة الغربية، وأسهموا بطريقة او بأخرى في تعميق الانقسام الفلسطيني، فنتائج (الربيع العربي) اوصلت الى الحكم تيارات تسهم بتقوية مشاعر وعوامل الفرقة والانقسام لدى من هم بحاجة الى القبول بمنطق التقسيم والانقسام والضعف والهوان.
أهذه هي تطلعات الأمة وإبنائها؟ الصورة المزحومة بالقتل والتكفير والتدمير وإثارة الفتنة المذهبية والطائفية تنسف مقومات الأوطان في المشرق العربي كما في المغرب؟ فيا للكارثة!
رأي البيان: مصر وثورة التمرد على "الإخوان"
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
عبارة 30 يونيو تثير كثيراً من المخاوف لدى المصريين وكذلك من هم يريدون مصلحة هذا البلد من اندلاع المزيد من أعمال العنف التي تخللت فترة العامين ونصف العام منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك بعد ثورة غضب في ميدان التحرير بوسط القاهرة.
وبما ان نظام الاخوان المسلمين الذي سيطر على الحكم منذ الاطاحة بمبارك يبدو انه لن يتردد في فعل اي شيء من اجل البقاء في السلطة بحجة انه جاء عبر صناديق الاقتراع دون أن يعير أي اهتمام لمطالب الملايين من أبناء شعبه. في ظل إصرار الغالبية من الشعب المصري على الاطاحة بنظام تقول إنه سرق مصر، وبدأ ينخر في أركانها ليعزز سيطرته عليها من أجل تثبيت بقاءه لأكبر فترة ممكنة قد لا تكون الانتخابات المقبلة نهايتها، لأنه قد يعمد إلى تزويرها اذا اقتضت مصلحته ذلك حسب ما يرى الكثيرون.
فهل تواجه مصر ثورة جديدة يأملها الملايين الذين وقعوا على استمارات تدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وشعارهم «تمرد»؟. أم أنها ستدخل في دوامة عنف تسيل فيها كثير من الدماء؟ خاصة أنه رغم ما تجيش به نفوس المصريين من استياء إزاء «الاخوان» الذين أشرفوا على حالة الشلل السياسي والاقتصادي في البلاد، وهناك بضعة ألوف مستعدة للدفاع عن جماعة الاخوان المسلمين والرئيس المصري محمد مرسي المنتمي للجماعة. ويتهمون المعارضة التي تطالب بتنحية مرسي بأنهم من فلول النظام السابق، وبأنهم كفار ضد حكم الشريعة، وهي تهمة اثبت «الاخوان» في كثير من الاحيان انها تستحق فتوى بالقتل.
ولا يملك كثيرون التنبؤ بنتيجة يوم 30 يونيو وتداعياته، لكن أيا كان ما سينتهي اليه فسوف يساعد في تحديد «البداية» أو «النهاية» بالنسبة لحكم جماعة «الاخوان» ليس فقط بالنسبة لنحو 84 مليون مصري بل أيضا للدول التي شهدت ثورات انتهت بسيطرة نظام الاخوان على الحكم فيها. والاهم أننا نتمنى وندعو لمصر وشعبها الشقيق ألا تسيل قطرة دم واحدة، خاصة في ظل تهديدات من بعض قيادات الإخوان وحلفائهم من الجماعات الأخرى.
بلدان «الربيع العربي» و«العدالة»: بين الثورية والانتقالية والعادية
بقلم: وليد محمود عبدالناصر عن الحياة اللندنية
شهدت البلدان التي جرت فيها ثورات «الربيع العربي» جدلاً لم ينته، منذ انتصار تلك الثورات الجزئي أو الكامل، حول كيفية التعامل مع النظم السابقة ورموزها وقياداتها، وفي شكل أكثر تحديداً: أي قانون سيطبق على هؤلاء وأي قاضٍ سيتولى محاكمتهم وفي ظل أية مرجعيات قانونية. وربما يرى البعض أن هذا الأمر لا يستحق مثل هذا الاهتمام، وأن هناك أولويات أكثر إلحاحاً إلا أن مسألة التعامل مع النظم السابقة أثبتت أنها مسألة حيوية وأن تأجيلها لا يفيد لأن الزمن لا يمحوها من الأذهان، بل قد يترك تراكمات تزيد من صعوبة معالجتها وتجعلها أكثر تعقيداً. وهذا الحديث ليس نظرياً أو افتراضياً، بل أثبتته حالات دول أخرى نجحت في هذا المضمار على مدار السنين، ومنها دول أوروبية مثل إسبانيا بعد وفاة فرانكو، ودول من أميركا اللاتينية مثل تشيلي بعد تنحي بينوشيه، بل ودول أفريقية مثل جنوب أفريقيا بعد سقوط نظام الفصل العنصري ودول عربية مثل مصر بعد ثورة 23 يوليو (تموز) 1952، وكذلك المغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني، وغيرها.
وتنوعت سبل التعامل في هذه الحالات وغيرها مع النظم والقيادات السابقة، ولكن يمكن في شكل عام القول إن استراتيجيات التعامل تلك تراوحت بين ثلاثة بدائل: الاعتماد على آليات العدالة المتبعة في الظروف العادية، أو التوافق مجتمعياً وبشفافية على قوانين جديدة وآليات مستحدثة للتعامل مع حالات هؤلاء الحكام وكبار المسؤولين ودوائر السياسيين ودوائر كبار رجال الأعمال، المرتبطين بدوائر الحكم، أو تبني وسائل ثورية لا تحظى بشرعية القانون القائم ولا بمشروعية الإجماع الوطني، ولكن يتم تبريرها على أرضية الشرعية الثورية، وهي تكون عادة قوانين ذات طابع استثنائي، والمثال ما حدث عقب الثورة الفرنسية عام 1789، من محاكمات وإعدامات سريعة، وعقب ثورة رومانيا ضد الرئيس الراحل نيكولاي تشاوشيسكو، ثم المحاكمة السريعة التي أجريت له ولزوجته والتنفيذ الفوري لحكم الإعدام فيهما.
وهذا يعني من الناحية الفعلية حرمان من تنطبق عليه هذه القوانين إما من التعيين في الوظائف العامة أو من الترشح لأي منصب أو الإدلاء بصوته في أية انتخابات، أو الجمع بين اثنين أو أكثر من هذه العقوبات، وعادة ما تشترط هذه القوانين إما تأسيس محاكم خاصة لتطبيقها أو إيكال المهمة إلى المحاكم العادية، ولكن طبقاً لهذه القوانين فقط وليس غيرها.
كما أن هذه القوانين ذاتها تنص على سبيل التحديد على الجرائم التي يعاقب مرتكبوها بتطبيق جزاء العزل السياسي عليهم أو الجمع بين هذا الجزاء وبين جزاء مصادرة ما يثبت الحصول عليه من ثروات هذا المتهم المدان وأسرته. وعادة ما تكون الجرائم المنصوص عليها في هذه القوانين من النوع الذي أغفلته القوانين الجنائية العادية.
ولئن كانت مصر قد أصدرت قانوناً للعزل السياسي بعد ثورة 23 يوليو، صاغه أساسا الفقيه الدستوري والقانوني الراحل الكبير عبدالرزاق السنهوري، فإنها فشلت في تمرير قانون مماثل في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، على رغم المطالبة بذلك من جانب قطاعات شعبية وسياسية متعددة ومحاولة بعض الأحزاب والتكتلات السياسية التقدم بمشروعات محددة في هذا الصدد، بما في ذلك ما تم تقديمه لمجلس الشعب المصري الأول بعد الثورة قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بحله في حزيران (يونيو) 2012. وعلى الجانب الآخر تماماً، مرر المجلس الوطني الليبي واحداً من أكثر قوانين العزل السياسي تشدداً، حيث استبعد من الحياة السياسية والوظائف العامة كل من تولى منصباً عاماً خلال كامل فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، ما أدى فعلياً إلى استبعاد رموز مهمة ممن لعبوا دوراً قيادياً في إسقاط نظام العقيد الراحل. لكن قوانين العزل السياسي ليست الآلية الوحيدة لإنجاز العدالة بعد نجاح الثورات أو انتهاء الحروب الأهلية. فهناك، كما شهدنا في جنوب أفريقيا بعد الأبارتيد وسيراليون بعد الحرب الأهلية والمغرب بعد وفاة الملك الحسن الثاني، لجان الحقيقة والمصارحة، أو لجان المصارحة والمصالحة. وأياً كان المسمى، فإن هذه اللجان تستهدف عقد جلسات يتحدث فيها من أفسد الحياة السياسية في البلاد في السابق، حيث يقر كل منهم بما ارتكبه من الجرائم ويطلب العفو، سواء من ضحايا جرائمه أو من المجتمع صاحب الحق في الادعاء. وفي المقابل تستمع هذه اللجان إلى شهادات الضحايا التفصيلية وما تعرضوا له من مظالم، ويتم تعميم هذه الشهادات والاعترافات على الصعيد الوطني ليتعرف إليها القاصي والداني. وفي بعض الحالات يتم تطبيق العزل السياسي لفترات زمنية محددة على من مارس الاعتراف، أو تطبيق غيره من العقوبات أو الجمع بين الاثنين، وذلك في إطار المبدأ الحاكم لهذه اللجان، وهو التوصل إلى الحقائق ومصارحة الشعب بها وإتاحة الفرصة لمن أفسد الحياة السياسية للاعتراف بما اقترفه من ذنب وطلب للغفران. ولم تصل شعوب دول «الربيع العربي» بعد ثوراتها وحتى الآن إلى مرحلة إقامة مثل هذه اللجان أو تحديد مرجعياتها على نحو متفق عليه مجتمعياً.
رأي القدس: الانذار الاخير لاردوغان
بقلم: عبد الباري عطوان عن القدس العربي
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اعلن بالامس ان ‘المؤامرة’ التي اعدت ضد حكومته الاسلامية المحافظة من قبل متظاهرين احتلوا الشوارع والميادين على مدى اكثر من اسبوعين قد جرى احباطها بفضل تعبئة مناصريه، ولكن يجب عليه ان يدرك ان هذا قد لا يكون صحيحا في المستقبل المنظور، فربما يكون قد قطع جذعها، ولكن شروشها ما زالت عميقة، ويمكن ان تنمو مجددا اذا لم يغير ويتغير.
ما حدث في ميدان تقسيم في قلب مدينة اسطنبول هو بمثابة ‘جرس انذار’ للسيد اردوغان، لكي يفيق من اطمئنانه، ويبدأ في فك رموز الرسالة التي وجهها اليه المحتجون في معظم المدن التركية الكبرى، واولها ان عليه الابتعاد كليا عن ممارسته القديمة في التفرد بالسلطة، والبدء بالتشاور مع قادة حزبه وعقلائه قبل القادة الآخرين في الاحزاب الاخرى، حتى المعارضة منها، فتركيا للجميع ايا كانت معتقداتهم او مذاهبهم او ايديولوجياتهم السياسية.
نعم هناك مؤامرات كبرى تستهدف ‘تركيا اردوغان’ وتريد نسف او تذويب جميع انجازاتها الكبرى، والاقتصادية منها على وجه الخصوص، ولا نبالغ اذا قلنا ان معظم هذه المؤامرات من صنع اصدقاء اردوغان في امريكا واوروبا.
نشرح اكثر ونقول ان الدول الغربية الاوروبية التي وقفت وتقف حجر عثرة في طريق انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي مهما قدمت من اصلاحات، ومهما تجاوبت مع شروط العضوية، هذه الدول لا يمكن ان تنسى ان الجيوش العثمانية هي التي وصلت الى فيينا في قلب اوروبا واحتلتها.
اردوغان حقق معجزة اقتصادية في تركيا، وضعتها في المرتبة السابعة عشرة كاقوى اقتصاد في العالم، في وقت تعاني معظم دول الاتحاد الاوروبي من افلاس وكساد اقتصادي خانق، فمن هو هذا الزعيم المسلم الذي ينهض ببلد مثل تركيا ظلت لعقود غارقة في الديون، ويزاوج بين الاسلام والديمقراطية، ويستطيع ان يقدم نموذجا في التعايش بين الاكثرية والاقلية، هذه الانجازات ممنوعة على المسلمين، لانها حكر على الدول الغربية فقط؟
غلطة اردوغان الكبرى في نظر حلفائه الغربيين والامريكان تصديه للغطرسة الاسرائيلية والحصار الظالم لقطاع غزة، وهي غلطة لم يمحها مطلقا تدخله في سورية وتسخير كل امكانياته وزعامته لاسقاط النظام السوري.
نتمنى ان تكون نبوءة اردوغان بالانتصار على ‘المؤامرات’ صحيحة، ولكننا نحن الذين نؤمن بنظرية المؤامرة الغربية بعد ان شاهدناها في ابشع صورها في العراق وليبيا وسورية نعتقد ان تفاؤله في غير مكانه، فتركيا مستهدفة مثلما مثل كل بلد اسلامي يريد النهوض.
تحولات غريبة!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
يفرق أهل المنطق في الموقف من الشيء في «ذاته»، والموقف منه في سياق موضوعي آخر، ويمكن القول إن التحول الإخواني المتأخر جدا في الموقف من سوريا هو أمر «حق» في ذاته، إلا أنه تحصيل حاصل الآن يستدعي قراءة للسياق الذي جاء فيه.
الباعث على هذه القراءة هو البحث عن إجابة ما الذي تغير في الأزمة السورية ليغير طائفة كبيرة من دعاة الإسلام السياسي وعلى رأسهم الدكتور القرضاوي رأيهم ويتبعه في ذلك جمهرة من الدعاة السوبر ستار ويقوم الجميع بالدعوة للجهاد والقتال متناسين أن هذه الدعوة بتلك الطريقة المطلقة خطأ شرعي وخطيئة سياسية، فأصغر طالب علم قرأ الشريعة يدرك أن الفقهاء ينصون على احتكار الدعوة للجهاد بيد الحاكم، وهو الأمر الذي يفسر المفارقة بين رؤية من سماهم القرضاوي «علماء المملكة» وبين رموز الإسلام السياسي في الرؤية لمسألة المشاركة بالقتال وهو أمر يحيل إلى أن المحرك بين الطائفتين مختلف تماما بغض النظر عن الحكم عليه، فالمحرك في المدرسة التقليدية العلمية التي يمثلها علماء المملكة وطائفة من كبار علماء العالم الإسلامي الرسميين هو دافع شرعي مبني على رؤية لطبيعة العلاقة بين الشرعي والسياسي، بينما المحرك لتحولات رموز الإسلام السياسي والدعاة الجدد هو دافع سياسي مرتبط بالمتغيرات على الواقع، وفهم المحرك والدافع مهم جدا لقراءة منطقية للمواقف ليس من الأزمة السورية فحسب بل لعلاقة المؤسسة الدينية بالسلطة السياسية اتصالا وانفصالا.
من الناحية السياسية الدعوة للقتال في ظل واقع الدولة القُطرية خرق سياسي يعني التدخل في سيادة السلطة وعلاقاتها الخارجية التي تحكمها قواعد وأصول سياسية معقدة لا يمكن للدعاة الهواة أن يقوموا بإلغائها بخطبة ارتجالية منبرية.
الأزمة في عمقها هي أن الإسلام السياسي لا يعترف بواقع الدولة القُطرية المستقلة السيادة والحدود (وهو واقع لم يعرفه الفقهاء قديما حيث ارتبطت التشريعات بالإمبراطورية الإسلامية ودولة الخلافة) هذا الواقع الذي يتجاهله بالطبع دعاة الإسلام السياسي رغم الطابع الحداثي لرؤيتهم السياسية، ويلتزم به - ويا للمفارقة - الفقهاء التقليديون بحكم أنهم نقلوا الرؤية السنية المحافظة للعلاقة مع السلطة في الدولة القطرية الحديثة لأسباب تتعلق بالموقف من الفتنة والاستقرار وكل محددات السلم الاجتماعي التي يقدمها التيار العريض من أهل السنة على عكس مذاهب وتيارات كلامية وفقهية كانت تمثل وجهة النظر الثورية في طول تاريخ الإسلام الذي عرف جدلا واسعا على الموقف من «الشرعية».
ما سبق رغم دخوله في تفاصيل المتن العريض للإسلام السني فإنه مهم في فهم ما يجري الآن، لا سيما بعد التحولات التي يعيشها الإخوان في دول الربيع العربي وعموم دعاة الإسلام السياسي خارجها والتي توحي بالتراجع من الموقف في سوريا رغم أن المعطيات لم تتغير فالدعم الإيراني المباشر وعبر ذراعه حزب الله كان منذ البدايات وإن لم يكن بالمشاركة في القتال، كما أن تجاذبات حزب الله السياسية وعزلته وارتهانه للرؤية الإيرانية التوسعية المتمثلة في مرحلة تصدير الثورة قديمة، ولا علاقة للأمرين بالقناعات العقائدية أو «التشيع»، وإنما هي علاقات سياسية مدفوعة بالرافعة العقائدية وهو ما بات يعرف بـ«التشيع السياسي» والفرق بينهما كبير.
والسؤال لماذا يحرص دعاة الإسلام السياسي على جر المنطقة إلى حرب طائفية كبرى عبر الدعوة للقتال والجهاد والتركيز على التمييز العقائدي و«تديين» طبيعة ولغة الأزمة السورية؟
أعتقد أن ثمة عوامل كثيرة ومعقدة لفهم هذا التحول لكن يترشح في الأساس عاملان أساسيان الأول هو عدم رغبة الإخوان ودعاة الإسلام السياسي في فقدان الشرعية الدينية بعد أن اهتزت شرعيتهم السياسية كثيرا، لا سيما أن المنافس في سباق الشرعية الدينية أقوى بمراحل منهم وهم السلفيون وبقايا تيارات الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر ومجموعات السلفية الجهادية في باقي الدول، بينما ينافسهم في الشرعية السياسية المعارضة المدنية ذات الخطاب الهش والضعيف الذي لا يمثل أي ثقل في الشارع.
العامل الثاني أن ثمة متغيرات جديدة على الأرض بعد دخول حزب الله المباشر للقتال وبعد تحول جرائم الأسد وتنكيله لشعبه إلى درجة محرجة للمجتمع الدولي أجبرته على إعادة النظر في مسألة التسليح كما هو الحال في الموقفين الأميركي والأوروبي وإن بدرجات مختلفة، ولو ظل الإخوان على موقفهم الأساسي والذي أثار حفيظة إخوان سوريا قبل غيرهم لوضعوا أنفسهم في عزلة سياسية عن الحشد الدولي لإنهاء الأزمة السورية الآن.
سياسيا لماذا يبدو قرار مثل قرار الرئيس مرسي تحصيل حاصل رغم ما يقال عن أنه لم يكن مضمنا في الخطاب الأساسي وإنما جاء مرتجلا، لأنه لم يزد على ما توصلت إليه الجامعة العربية من استبدال نظام الأسد في تمثيل سوريا بالجامعة بالمجلس الوطني.
الدعوة للقتال والنفير كما يحدث الآن بشكل اعتباطي خارج منطق السياسة ومتغيرات الأرض ستكرر مطابخ الإرهاب التاريخية باكستان ثم أفغانستان فالبوسنة والشيشان وصولا إلى العراق وستفرز جيلا جديدا من العائدين بينما يتربع المحرضون على أرائكهم الوثيرة.
زاوية حادة.. «الحاج» مرسي و«الشيخ» أوباما!!
بقلم: عصام داري عن تشرين السورية
كدت أذرف الدموع وأنا أتابع «الحاج» محمد مرسي رئيس «إخوان مسلمي مصر» وهو يدعو إلى «الجهاد» والقتال «دفاعاً عن الأمة»!!
ظننت ـ وبعض الظن إثم ـ أنه يدعو إلى الجهاد لتحرير فلسطين وبيت المقدس, وأنه أعلن قطع علاقات مصر مع «إسرائيل» لكنني صحوت من غفوتي لأكتشف أن دعوته إلى «الجهاد» كانت للقتال في سورية وأن قطع العلاقات لم يكن مع «إسرائيل» بل مع سورية.. عندها حمدت اللـه الذي لا يحمد على مكروه سواه, لأنني تأكدت بأن ما ذهبنا إليه مراراً من وصف مرسي وعصابته, كان الأكثر صدقاً, ويستند إلى تحليل منطقي... وإن «ذنب الكلب أعوج» فكيف «للحاج» مرسي أن يدعو إلى الجهاد ضد «إسرائيل» وهو الذي خاطب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بعبارة «صديقي العزيز»؟
وكيف لعصابة الإخوان المسلمين أن تعادي «إسرائيل» وهي التي قدمت الضمانات مكتوبة للإدارة الأميركية بأن مصر في عهدها لن تتخلى عن التزاماتها والمعاهدات التي وقعها نظاما السادات ومبارك مع «إسرائيل» من كامب ديفيد وتوابعها إلى الاستمرار في تطبيع العلاقات؟
هذه الفورة التي ظهر عليها مرسي, وهذا الاندفاع في العداء لسورية, لم يكن بلا مقدمات بل جاء مباشرة بعد أن تبرع «الشيخ» باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة بتقديم السلاح للعصابات الإرهابية المسلحة في سورية كي لا يحقق الجيش العربي السوري نصراً مؤثراً على الإرهاب والإرهابيين.
نقول «الشيخ» أوباما لأنه بات أحد أبرز المساهمين في العدوان متعدد الجنسيات ضد سورية وأنه هو الذي قدم سابقاً السلاح للمجرمين القتلة سراً, وهو يقدم هذا السلاح اليوم في العلن مع إدراكه بأن قسماً من هذا السلاح الأميركي يصل إلى «جبهة النصرة» الإرهابية!
ومن يدري, فقد نكتشف في القريب العاجل أن «الشيخ» أوباما أحد أمراء «جبهة النصرة» أو القائد الأعلى «للجيش الحر» أو رئيس أركان ألوية كذا... وأنصار.. مذا... و.. المخفي أعظم.
لم يفاجئنا «الشيخ» أوباما بالقرار القاضي بتسليح من سماهم «المعارضة».. لأننا نعرف دائماً ومنذ بداية الأزمة, بل منذ بداية الصراع العربي- الإسرائيلي أن الولايات المتحدة هي رأس الأفعى وهي التي تقود الحروب نيابه عن «إسرائيل» أو بالتكامل معها ضد العرب والعروبة.. بل ضد النهج المقاوم أكان عربياً أم إيرانياً أم روسياً أم فنزويلياً و كوبياً..الخ
لم يختلف الأمر كثيراً... فالسلاح كان يصل عبر تركيا والأردن ولبنان, وسيظل يصل من البوابات نفسها.
وأمس قرأت مجموعة أخبار تقول ـ مثلاً ـ إن السعودية قدمت صواريخ مضادة للطائرات للعصابات الإرهابية. وإن قطر تمول والأردن يلعب دور الوسيط لإيصال السلاح إلى هذه العصابات، والأطرف أن «الهلال الأحمر القطري» هو من يقوم بتسليح العصابات, فهل يقدم الهلال الأحمر صواريخ لوجع الرأس, وقنابل للحفاظ على مستويات ضغط الدم, وبنادق للآلام المعوية؟!
للأسف, ما يقوم به آل سعود وآل ثاني لم تقم به «إسرائيل» بل هناك معلومات تؤكد وجود تنسيق قطري- سعودي- إسرائيلي في هذا المجال.. وفي مجالات أخرى عديدة, فهل نبالغ إذا قلنا: إن بعض الحكام العرب أشد عداوة لسورية من «إسرائيل» نفسها؟!
ماورد آنفاً غيض من فيض.. وهناك أخبار يشيب لها الوِلدان. عن حرب ضروس شرسة وقذرة ضد سورية.. بمشاركة من كان يفترض بهم الدفاع عن سورية لا إعلان «الجهاد» ضدها!
الرئيس والجيش؟
بقلم: عماد الدين أديب عن الوطن المصرية
من الواضح أن هناك عدم تطابق فى الرؤية الاستراتيجية بين الرئيس محمد مرسى وبين الجيش المصرى، وفيما يصرح الرئيس، بوصفه رئيس البلاد، وهو أيضاً القائد الأعلى تصريحاً علنياً حول موقف الجيش المصرى، فإن ذلك من المفروض أن يكون قد تم تدارسه وأنه منطقياً لا اعتراض عليه من قيادة هذا الجيش.
والمتتبع لتصريح الرئيس مرسى حول موقف مصر وجيشها من الأوضاع فى سوريا ورد الفعل المنسوب إلى مصدر عسكرى رسمى يعكس حالة الخلاف الحاد فى الرؤى والتوجهات فى مسألة شديدة الدقة.
قال الرئيس مرسى فى مؤتمر «نصرة سوريا» إن مصر وجيشها لن يتركا سوريا دون تحرر من حلم الاستبداد.
وجاء فى معنى هذا التصريح أن الرئيس يلمح أن مصر، بعد أن قطعت العلاقات الدبلوماسية، قد «تساعد» أو تتدخل عسكرياً فى الداخل السورى.
وجاء تصريح للمصدر العسكرى الرسمى فى وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية ليقول «إن الجيش المصرى لن يستخدم فى أى حرب خارجية ضد دولة شقيقة»، وأكد المصدر أن إمكانات الجيش المصرى لحماية مصر وأمنها القومى فقط.
مثل هذا التوجه الاستراتيجى لجيش البلاد يجب أن يكون محل توافق وفهم مع مؤسسة الرئاسة ومع الرئيس الذى يشغل منصب القائد الأعلى للقوات.
مثل هذا الخلاف فى الرؤى والتوجهات غير معقول، وغير منطقى، وغير مقبول فى شئون إدارة دولة عصرية من المفترض أن جميع المؤسسات فيها تعمل فى تناغم وتنسيق وتفاهم.
وإذا كانت الثورة قد غيرت فى العديد من المعادلات وأهمها أن رئيس البلاد كان دائماً ابناً لمؤسسة الجيش وليس بعيداً عنها، فإن ذلك لا يبرر لأى طرف من الأطراف أن يكون فريق قيادة سفينة البلاد فى حيرة حول إلى أين ترسو السفينة.
لا يمكن أن نركب قطاراً لا نعرف محطته النهائية... البلاد فيها ما يكفيها من تشرذم داخلى وهى الآن ليست بحاجة إلى اختلاف جذرى حول توجهات أمنها القومى.
اللسان العربي.. المغتال في بلدي
بقلم: عبد الرزاق قسوم عن الشروق الجزائرية
أبرأُ إليك _ربّي- مما يفعله الحاكم العربي برعيته، والسياسي الفلسطيني بقضيته، والمسؤول الجزائري بعربيتِه، والمواطن في بلادي بهويته وشخصيته، فالكلّ يَغتال بطريقته وبمنهجيته، والكلّ يُزايد بانتمائه وبوطنيته.
فالشعب المستبَدُّ به يُغتال أبناؤه، بشتّى أنواع الاغتيال، من التّعذيب، والاغتصاب إلى تسليط السِّلاح الكيماوي، ولا ذنب له، إلاَّ أنْ يُطالب بالحق في العمل والتّداوي، وتحرير اقتصاده من الفساد والرّشاوى، واختيار مسؤوليه في الحكم بالعدل والتساوي.
وهذا الشعب المشرَّد والمقسَّم، تُغتال إرادته بالعمالة والتَّقسيم، وبالتَّشرذم وسوء التَّنظيم، ورفض حكامه ما يفرزه الصندوق في التَّحكيم؛ لذلك طالت محنتُه، وتشوَّهت سَحنتُه، وتبدّدت طاقتُه وشُحنتُه، فطالت في المحنة مدّته، وهانت على الصديق والعدو قضيتُه.
وهذا المسؤول الجزائري الذي يغتال لغته، بعد مرور خمسين سنة من الاستقلال الوطني، وما علم أنّ الشهداء يُطِلون في الذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال، من علياء جنَّتهم، وعلماء أجِلاء، يتساءلون عمَّا فعلنا بغرس نبتَتِهم، وعطر وردَتِهم.
ويحك! أمَا تخاف أن تَهلَك يوم يقال، يا شهيد! إنّه ليس من أهلِك، ويا عالِم! إنّه ليس من نسلِك.
فبأيِّ منطق نبرِّر _في الجزائر- هذه الجرأة، على اغتيال لغة الجهاد، والاستشهاد، فنَدوسُ على مبادئ وأحكام الدستور، ونشجع بفعلنا ذلك المواطن والجمهور؟.
لقد صرنا _والله- نخجل من أنفسنا، عندما نرى اللّغة العربية تُغتال على واجهات المحلات، وهي التي كانت وسيلة تحرير التجارة والاقتصاد، وأداة تحرِّر البلاد والعباد، فماذا دهانا حتى عمَّ عقولَنا هذا الكساد؟ ومن يُحاكم التاجر الجزائري أو الأجنبيَّ الذي يَغتال لغتنا على واجهة محلِّه، ليكرسَ القُبح الثقافي في محيطنا، ويَلعن علماءنا وشهداءنا في مَخيطنا وهو لُبس وسيطنا وبسيطنا؟
ومن يُلجم هذه المعلمة المتحجبة التي تخاطب أطفالنا الأبرياء بلغةِ من قتلَ أجدادهم وأسلافهم؟ وسفَّه ذاكرة أمجادهم وأجدادهم؟.
تالله إنّها للعنة أبدية أصبناها، وما وجدنا لها من رقية سياسية أو دينية نرفع بها مقتها عنَّا، فالعنف اللّغوي تسلَّل _بعد ألسنتنا ومحلاتنا- إلى بيوتنا وغرف نومنا، فأصبحنا نغنِّي لأطفالنا بلغة "فولتير وموليير"، وتنكَّرنا للغة ابن باديس والأمير، فأيُّ مصير أصابنا، أسوأ من هذا المصير؟.
إنَّ مأساة العربية في الجزائر، هي القنبلة الموقوتة التي توشك أنْ تنسف استقلالنا وتوطئ للعملاء والخونة، ممن يتربصون باستقلالنا ويحلمون بعودة أسيادهم لحكمنا.
أصبحنا -في بلد المليون شهيد- ممن دعوا بحياة الجزائر العربية المسلمة واستشهدوا؛ أصبحنا نتوق إلى من يغرِّد في سماء بلدهم وأرضها بلغة جهادهم واستشهادهم، رمزًا للوفاء والإباء، وذكرى لجهد المجاهدين والعلماء.
إنّنا ونحن على أبواب الاحتفال بذكرى الخامس من يوليو؛ الذكرى الإحدى والخمسين للاستقلال الوطني، ندعو إلى عقد مؤتمر وطني شامل، يحضره كلُّ الفاعلين في الساحة الوطنية، الخائفين على الجزائر من الغد المظلم لدراسة هويتنا الوطنية المهدَّدة، بدءًا بلغتنا العربية المغتالة، وانتهاءً بوحدتنا الوطنية المقالة، يجب أنْ نخرج بمشروع سياسي، وطني، عملي، يعيد إلينا الأمل المفقود، ويحقِّق لنا الحلم المنشود.
وفي انتظار ذلك، يجب أن نبدأ من البداية، إكرامًا للعالم، والمجاهد، والشهيد، احتفالا بذكرى المجاهد المجيد، فنُفعِّل قانون اللّغة العربية، المجمَّد فعليًا، فنعطي المهلة لكلّ صاحب محلٍ لا يحترم لغتنا على واجهة محلِّه، بأنْ يغلَق محلُّه حتى يستجيب للمطلب الوطني الحتمي. كما نعطي توجيهات صارمة، لوسائل الإعلام المرئية والمسموعة، أنْ لا يبثَّ أيَّ رأي أو حديث يخلط فيه صاحبه أو صاحبته، في هجانة بين لغات مختلفة. إنَّ في ذلك لتشويهًا لإعلامنا، ومساسًا بمثقفينا، واستهتارًا بقيمنا وثوابتنا.
إنّ من العار على المنظومة التربوية، والثقافية، والإعلامية في الجزائر أن تعجز، بعد إحدى وخمسين سنة من الاستقلال عن إيجاد مواطن نشأ بين أحضان الاستقلال، ولا يستطيع أن يعبِّر بلغة بلاده المستقلة.
بل إنّني أذهب إلى أبعد من ذلك، فلا يولَّى المسؤولية الوطنية، كلّ من لا يقدِر على استخدام لغة الوطن في المحافل الوطنية والدولية.
إنّنا نرسل بخطابٍ واضحٍ لا شفرةَ، ولا لُبسَ فيه، إلى كلّ ذوي الضمائر الحرّة في وطننا، أن يدركوا بأنّ وجه الوطن قد شُوِّهَ، سياسيًا، واقتصاديًا، وثقافيًا وأخلاقيًا، وعليهم أن يتنادوا مصبحين فيعملوا على إنقاذ الموقف قبل أن يُضيِّع جيل الصغار ما بناه الكبار، وأوّل إجراء إسعافي، هو فكُّ أسر اللّغة العربية من سجنها الذي أدَّى إلا اغتيالها، فيعيدوها إلى الواجهات المشوهة، وإلى الألسنة المرَقعة، وذلك أضعف ما يمكن أنْ يقدموه للشهيد في الاحتفال بالذكرى الواحدة والخمسين للاستقلال الوطني.
هل يكتب ثلاثين يونيو 25 يناير جديدة؟
بقلم: عبدالله الأيوبي عن أخبار الخليج البحرينية
يترقب المتتبعون للشأن المصري يوم الثلاثين من شهر يونيو الحالي لما قد يشهده هذا اليوم من أحداث سياسية يتوقع البعض لها أن تشكل بداية لنقطة تحول في الأوضاع الداخلية المصرية التي لم تهنأ بالهدوء منذ الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك ومجيء الإخوان المسلمين عبر صناديق الاقتراع إلى سدة الحكم في مصر، ولم يكن اختيار المنظمين والواقفين مع تنظيم الفعاليات المرتقبة تحت شعار (تمرد) هذا التاريخ اعتباطا أو صدفة، وإنما له دلالة سياسية تعبر عن موقفهم من النظام السياسي الجديد في مصر مع تواصل اتهامهم للسلطة الحاكمة بحرف الثورة عن أهدافها الحقيقية بل واختطافها لصالح التيار (الإسلام السياسي) الذي تمثله والعمل على أدلجة الدولة بالصبغة الدينية التي يمثلها هذا التيار دون أي اعتبار للمكونات السياسية والدينية الأخرى.
هذا التاريخ والذي من الممكن أن يدخل قاموس النضال السياسي المصري تحت اسم (تمرد)، يصادف الذكرى الأولى لوصول مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي إلى سدة الرئاسة في انتخابات شهدت الكثير من الأقاويل وتأويلات بشأن صحة نتائجها وما إذا كانت هناك قوى خارجية (خاصة أمريكية) وقفت خلف إخراج النتائج بالصورة التي مكنت (الإخوان) من حكم مصر نتيجة لتلك الانتخابات وأثبتت الوقائع والنتائج التي تميزت بها هذه الفترة أنها سارت في غير صالح جميع مكونات الشعب المصري الدينية والسياسية.
على مدى عام كامل من حكم (الإخوان المسلمين) لمصر شهدت هذه الدولة العربية العزيزة على قلوب جميع أبناء الأمة العربية، خاصة في العهد الناصري، حين عبرت بحق عن الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها على مستوى المحيطين القومي والقاري حين تكون القيادة تمتلك إرادة وطنية صادقة، على مدى هذا العام شهدت مصر حالة من عدم الاستقرار السياسي والمجتمعي والأمني انعكست كلها سلبا على الأداء الاقتصادي لمختلف مؤسساتها العامة والخاصة، ويتحمل الحكم الجديد مسئولية هذا الإخفاق والتعثر لأنه عجز عن توفير المناخ الملائم لخلق الاستقرار المطلوب لعمل الأجهزة الحكومية والخاصة بالصورة التي تمكنها من تحقيق نتائج إيجابية.
قد لا يكون الثلاثين من يونيو الجاري نسخة مكررة من 25 يناير الذي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، ولكن ليس مستبعدا أن يضع هذا التاريخ الحروف الأولى لكتابة 25 يناير جديدة، فما تشهده مصر من أوضاع داخلية، سياسية واقتصادية، هي في غاية الصعوبة والتعقيد، وهي ليست بسبب «مؤامرات» تحاك من الخارج وليس وراءها عناصر مندسة تتلقى الأوامر والدعم من قوى خارجية تستهدف زعزعة «استقرار» مصر و«تعطيل» دورها القومي أو الإقليمي، وإنما هي نتاج عجز نظام الحكم الجديد عن فهم خصوصية وطبيعة الشعب المصري الذي لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن يقبل بقولبته قولبة عقدية وإصباغ حياته بلون واحد.
ما ينبئ بإمكانية أن يكون يوم الثلاثين من يونيو هو يوم بداية كتابة 25 يناير جديد في تاريخ مصر، هو أنه ومنذ الإطاحة بالنظام السابق وقبول جميع مكونات الشعب المصري باحتكام إلى صناديق الاقتراع، لم تهدأ الساحة المصرية يوما واحدا، بل وشهدت أعمال عنف وقمع شديدين من جانب السلطات ذكرت المحتجين بالأسلوب نفسه الذي اتبعته أجهزة النظام السابق في تعاملها مع خصومه السياسيين، واتهاماتها لهم بأنهم يسعون «لتعطيل» قاطرة التنمية الاقتصادية في مصر «خدمة» لقوى خارجية.
ولم تكن هذه الاحتجاجات أعمال شغب متعمدة لإفشال حكم (لإخوان)، كما يحلو للبعض أن يروج لذلك، وإنما هي تعبير وبوعي سياسي وحقوقي ومجتمعي عن رفض سياسة الاستفراد والإقصاء التي تكشفت معالمها بمساعي النظام الجديد المستمرة للإمساك بجميع مفاصل الدولة بحيث تدوم السيطرة السياسية على الحكم في البلاد وفي نفس الوقت السير على طريق نحو تأسيس الدولة الدينية التي مثلت بالنسبة (للإخوان المسلمين) هدفا يرفضون التنازل عنه حتى هذه اللحظة.
لن نسبق الثلاثين من يونيو القادم بتوقعات ربما يعتبرها البعض على أنها أمنيات بعيدة التحقق أو أنها رغبات يأمل خصوم نظام (الإخوان المسلمين) أن تتحقق وتخدم أهدافهم وأهمها تصحيح مسار الدولة المصرية ومنع اختطافها تنفيذا للأهداف الإستراتيجية لحركة (الإخوان المسلمين)، ولكن من المؤكد أن ذلك التاريخ لن يكون مجرد يوم من أيام شهر يونيو في حياة المصريين السياسية، فهناك تحضير يجري على قدم وساق وتنسيق متواصل بين مختلف القوى التي شعرت وأدركت أنها على طريق التهميش والإقصاء المتعمدين، وأن الوقت لم يفت بعد لإعادة الحراك السياسي المصري إلى الطريق الذي اختارته ثورة الخامس والعشرين من يناير، بحيث تكون مصر لكل المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو السياسية أو توجهاتهم الأيديولوجية.
كيف ستصبح إيران بصعود روحاني؟
بقلم: سكوت بيترسون - ترجمة : الصباح عن صحيفة كريستيان ساينس مونيتر
حقق رجل الدين المعتدل حسن روحاني فوزاً من الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية الإيرانية وهي نتيجة صاعقة تنبئ بقرب حدوث تغيير في الجمهورية الإسلامية، سواء في النغمة أو ربما حتى في التطبيق.
حصل السيد روحاني على ثلاثة أضعاف الأصوات التي حصل عليها أقرب منافسيه حاصداً بذلك نسبة 50,71 بالمئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة كافية لتجنيبه جولة الإعادة التي كانت متوقعة. وقد واجه في انتخابات يوم الجمعة الماضي مجموعة من المحافظين، وقال وهو يلقي بصوته في صندوق الإنتخاب انه قد جاء للقضاء على التطرّف.
أسس روحاني حملته على وعود بتخفيف التوترات بين إيران والغرب وإنهاء العقوبات الدولية والسماح بمجال أوسع من حرية الصحافة مع تقليل التدخلات الحكومية في الحياة الخاصة. قبل الانتخابات ادعى كثيرون أن الأمر لن يتعدّى عملية ترتيش خارجية سمح بها المرشد الأعلى في إيران آية الله علي الخامنئي من أجل رفع نسبة مشاركة الإيرانيين المحبطين في الانتخابات وإزالة ذكريات العنف التي صاحبت انتخابات 2009 التي حامت حولها شبهات التزوير.
أما الآن وقد أصبح الرجل رئيساً منتخباً لإيران بشكل رسمي، بعد أن أحسن استغلال تذمر الناخبين والانقسامات في معسكر المحافظين، فإن دهشة خامنئي لهذه النتيجة قد لا تقل عن دهشة سواه. هذا الاقبال على انتخاب روحاني بدأ زخمه بالتصاعد قبل 72 ساعة من انطلاق عملية التصويت، وكان العامل الذي أججه هو الدعم الذي قدّمه له الرئيسان السابقان محمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني، وها هي النتيجة الآن تصيب خامنئي بالصدمة ومعه كل مؤسسة المحافظين.
أصابت الصدمة أيضاً جميع الإيرانيين الذين كانوا ينوون مقاطعة الانتخابات لاعتقادهم أن أصواتهم "لن يكون لها وزن" في نظام معرّض للتلاعب، إلا أنهم عادوا فأدلوا بأصواتهم على أية حال رافعين نسبة الإقبال إلى نحو 72 بالمئة. دهش هؤلاء حين وجدوا أن النتائج قد عكست اختياراتهم بدقّة شديدة.
أعلنت صحيفة كيهان، المنتمية إلى الخط المتشدّد، الحدث تحت العنوان الآتي: "الملحمة السياسية تبلغ ذروتها .. والعالم يذهل من جديد." ولخّص أحد الإيرانيين شدّة دهشته بتغريدة قال فيها: "قبل أربع سنوات من اليوم كنا في الشارع نهتف غير مصدّقين .. أين صوتي؟ واليوم أيضاً نجد أنفسنا غير مصدّقين ولكن بشكل مختلف."
كان خامنئي قد دعا إلى مشاركة واسعة من أجل دحر من وصفهم بـ "أعداء إيران" وإعادة الشرعية إلى النظام الاسلامي الذي شابته شبهات التزوير في انتخابات العام 2009، تلك الشبهات التي جعلت ملايين الإيرانيين يخرجون إلى الشوارع في احتجاجات دامت أسابيع قبل أن يتم سحقها بعنف وسط هتافات "الموت للدكتاتور!".
تقول فريدة فرحي، وهي خبيرة في الشؤون الإيرانية من جامعة هاواي: "ما نراه الآن هو تأرجح البندول، مع فهمنا الكامل لما حدث من قبل." لقد كان الأمر الحاسم هو تلك القدرة التي أبداها السيدان خاتمي ورفسنجاني على العمل معاً، بمؤازرة ودفع من مختلف الشرائح في المحافظات، للقيام بشيء ما حتى لو حدث تلاعب بالانتخابات.
تقول فريدة: "ما أن اقتنع الرجلان بأن من صالح قوى المحافظين أن تسير الانتخابات بشكل عادل ونزيه .. وأن تكون انتخابات أصولية وفق آلياتها المقرّة .. حتى باتت اللعبة سياسية ستراتيجية خالصة. وقد مضى كل شيء على أحسن ما يرام ومن حق الرئيسين السابقين، اللذين هما الآن من قادة البلد، أن نقرّ لهما بالفضل بعد أن أثبتا أن بمقدورهما تحريك الناخبين."
في الأشهر التي سبقت الانتخابات أكد النظام أن ما أسماه "فتنة 2009" لن تتكرر.
وعلى هذا الأساس تعرض الصحفيون لإلقاء القبض أو المضايقة قبل أشهر، وأصدر الحرس الثوري تحذيرات من أي تدخل يأتي من داخل البلد أو خارجه.
أما الأشخاص الذين سجلوا اسماءهم للترشيح فقد تم تمحيصهم وغربلتهم على يد مجلس الأمناء إلى أن لم يبقَ من أصل 686 شخصاً سوى ثمانية مرشحين، وكان رفسنجاني من بين من تم استبعادهم بالإضافة إلى الشخص الذي اختاره الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي تنتهي دورته في شهر آب المقبل، كخلفٍ له.
كان علي خامنئي وآخرون من عناصر النظام الحاكم قد بينوا بوضوح أنهم يفضلون فوز أحد الستة المشاركين من الخط المتشدّد.
بين هؤلاء الستة نرى محافظ طهران محمد باقر قاليباف، صاحب الشعبية الواسعة، وسعيد جليلي المفاوض الحالي في الموضوع النووي، لذا كان أمل روحاني ضئيلاً جداً بمواجهة مثل هؤلاء الأنداد الأقوياء المقربين من المرشد الأعلى.
بيد أن الظروف اجتمعت فوفّرت "الأمل" و"الفطنة" اللذين كانا أبرز كلمتين ميّزتا حملة روحاني الانتخابية.
فقد انقسم المحافظون وتفرّقت أصواتهم فيما بينهم، وبعد المناظرة التلفزيونية الثالثة – التي ادعى روحاني انه لم يكذب فيها مطلقاً على الشعب الإيراني– انسحب زميله المرشح الإصلاحي الثاني محمد رضا عارف من السباق. عندئذ أخذ الدعم المؤثر القوي بالتدفّق والتجمّع لصالح روحاني رافعاً إياه إلى ذروة الموجة الشعبية.
قالت إحدى الأمهات من طهران، وكانت قد أقسمت قبل الانتخابات ألا تدلي بصوتها ما دام "بلا قيمة"على حد قولها: "مرّة أخرى نرى كيف أن الجمهورية الاسلامية تمتلك القدرة السحرية على جعل الانتخابات حدثاً وهي دائماً تخرج علينا بالمفاجآت."
هذه المرأة تنظر اليوم بمنتهى العجب لأن توزيع الأصوات جاء "موزوناً عالي الدقّة"، كما تقول، مقارنة بانتخابات العام 2009، وتضيف ضاحكة أن فكها بات يؤلمها من كثرة ما فغرت فاها دهشة وأصيب صدرها بالكدمات من كثرة ما ضربت عليه .. لأن هذه الانتخابات من وجهة نظرها ليست سوى مؤشر على أن المرشد قد خفف من صرامة موقفه بعد الدرس القاسي الذي تلقّاه جرّاء اختياره أحمدي نجاد (في 2005 و2009) لذلك هو مستعد الآن لأن يكون أكثر واقعية ومرونة من أجل إنقاذ النظام الإسلامي.
لم ينحُ المتشدّدون باللوم على خامنئي بسبب هذه النتائج ولكنهم في بعض الحالات لاموا أنفسهم.
وقد فسّرت افتتاحية نشرها مركز "تابناك"، الذي يديره المرشّح وقائد الحرس الثوري السابق محسن رضائي، أسباب تلك الخسارة تحت عنوان رئيس يقول: "لماذا كانت الهزيمة ضرورية؟"
قالت افتتاحية تابناك: "لقد قال ابناء الشعب الإيراني للأصوليين –لا- لأنهم مستاؤون من الطريقة التي أدير بها البلد فما عادت عليهم إلا بالضرر. لقد أراد الايرانيون رئيساً لا يكتفي بإطلاق الشعارات والهتافات داخل إيران وخارجها ثم لا يدخل على حياتهم في نهاية المطاف إلا التغييرات السلبية."
كان فرز الأصوات هذه المرة أبطأ كثيراً مما حدث في العام 2009، وعندما ظهرت النتائج تم إعلانها من خلال وكالة أخبار شبه رسمية ومراكز الاقتراع لا تزال مفتوحة، بعد ذلك سحبت ثم أعيد إعلانها في وقت لاحق بنفس الأرقام دون تغيير. المرشحان الإصلاحيان في الانتخابات السابقة، مير حسين موسوي ومهدي كرّوبي، وهما زعيما ما صار يطلق عليه "الحركة الخضراء " التي أعلنت احتجاجها على نتائج العام 2009 وتحدّت المرشد خامنئي، لا يزالان خاضعان للإقامة الجبرية في طهران، ولكن المرشد الأعلى قال أن النتائج التي أفرزتها هذه الانتخابات سوف تمحو أشباح 2009. وكان خامنئي قد امتنع عن أية تصريحات طيلة الفترة التي استغرقها عدّ الأصوات، إلا أن مكتبه بث تغريدة قال فيها: "في العام 2009 كانت الإثارة هي نفسها ولكن بعض الإساءات تخللتها، أما هذه الانتخابات فلم تشبها قلّة الاحترام.
وإنها لقيمة رفيعة أن نحرز كل هذا التقدّم في ظرف أربع سنوات."
ويبدو أن رفسنجاني نفسه متفق معه، إذ نسبت الأوساط الإعلامية إلى الرئيس الاصلاحي السابق في اليوم التالي لإعلان النتائج قوله أن هذه هي الانتخابات الأكثر ديمقراطية في العالم حيث لم تتخلل العملية أية شوائب أو أخطاء.
خلال الليل بث المرشحون الستة بياناً مشتركاً دعوا فيه مؤيديهم إلى عدم التظاهر أو القيام بأية احتفالات لحين ظهور النتائج. وفي وقت متأخر من المساء طلب روحاني من مؤيديه عدم القيام بأية تجمعات مخالفة للقانون وأن ذلك لن يكون إلا بعد الإعلان الرسمي عن النتائج وأخذ الموافقة الرسمية.
كتب "تريتا بارسي" رئيس المجلس القومي للأميركيين من أصل إيراني في تحليل له من واشنطن فقال: "إذا ما بقيت النتائج على حالها فإن المقولة الغربية التي كثيراً ما صدحت بأن آية الله علي الخامنئي والحرس الثوري هم الذين يمسكون بجميع أزمّة السلطة سينبغي مراجعتها. فرغم أن المتشدّدين لا يزالون مسيطرين على المرافق الأساسية في النظام السياسي الإيراني أثبت الوسطيون والاصلاحيون أنهم قادرون على تحقيق الغلبة بوجه الأوراق التي تصطف ضدهم بفضل الدعم الذي يحظون به بين مواطنيهم."
يقول السيد بارسي أيضاً أن من المرجح الآن أن يتحرك روحاني إلى موقع وسطي ليكون الرئيس الذي يوحّد البلد.
مع تمديد الوقت المقرّر للانتخاب مدّة خمس ساعات إضافية يوم الجمعة لاحت اختلافات بيّنة عن انتخابات 2009. فقد أذاعت قناة التلفزيون التابعة للدولة أن ممثلي المرشحين سمح لهم بالبقاء في محطّات الاقتراع إلى أن ينتهي عدّ الأصوات.
وصرّح رئيس الهيئة العامة للانتخابات "سيد سولات مرتضوي" انه سوف يحقق في التقارير التي زعمت أن حملة جليلي قد قامت بتوزيع مواد بين مراكز الاقتراع وأضاف: "سوف نتصدى لمثل هذه التصرفات ولن نسكت."
ولم يطرد الصحافيون من وزارة الداخلية عندما كانت النتائج قيد الإعلان كما حدث في انتخابات العام 2009.
تقول فرحي: "الناس مصابون بالصدمة لذلك يعتقدون أن السيد خامنئي هو الذي خطط لكل هـذه الأمـــور كي يعيد خلــق النظام الاســـلامي."
ولكن النتائج تكشف بدلاً من ذلك أن إيران كانت فيها سياسة حقيقية تأخذ مجراها على طول الطيف السياسي المتنافس وعرضه، وهذا يظهر مدى محدودية قدرة السيد خامنئي على تشكيل الأحداث.
تقول فرحي أن الجمهورية الاسلامية قد أنجبت عدداً كبيراً من المؤسسات والقوى السياسية المتنافسة بحيث لم يعد ممكناً إبقاء القوّة والنفوذ متركزين في يد المحافظين منــذ 2005.
تقول فرحي: "لقد أخفقت السياسات على مدى السنوات الثمان الماضية إخفاقاً واضحاً فيما يتعلق بتحسين أوضاع الإيرانيين بحيث اقتضى الأمر أن يكون هنالك تعديل.
ولو لم يحدث هذا لكان معناه أن ثمة خطأ ما."
رغم كل هذا لابد أن خامنئي مصاب بالدهشة مثلما أصيب بها غيره بسبب هذا النصر الذي أحرزه روحاني.
تمضي فرحي قائلة: "كان خامنئي هو الزعيم الذي اتخذ القرار في 2009 بالخروج والاعلان أن مواقفه متطابقة من مواقف أحمدي نجاد.
بذا أعلن انه لم يعد أباً للأمة، بل مجرّد لاعب بين بقية اللاعبين. لذلك هو الآن يدفع ثمن ذلك الخطأ السياسي. فهل معنى هذا انه يوشك على التلاشى من على المسرح وأن منصب المرشد لم يعد يمتلك نفس تلك القوّة؟ الجــواب هو كلا بالتأكيد."


رد مع اقتباس