النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 441

  1. #1

    اقلام واراء عربي 441

    اقلام واراء عربي 441
    4/7/2013

    في هذا الملف
    عباس إذ يعيد «كرة السلاح» إلى ملعب اللبنانيين
    عريب الرنتاوي/الدستور
    بين مصر وحماس
    فاروق جويدة/بوابة الأهرام
    معركة ‘الخط’ وحرب الاختراق أم الاختناق؟
    د. صبري صيدم(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    إخفاقات كيري المتكررة
    د. فوزي الأسمر(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    كيري متفائل بمن؟
    نواف ابو الهيجاء/السفير
    الرئيس عباس «متفائل» .. يا بختك!
    حسن عصفور/الدستور
    الكيان الصهيوني ويهودية الدولة
    أسامة عبد الرحمن/دار الخليج
    عساف المقاوم.. وغزة الجديرة بالإنصاف
    بكر عويضة/الشرق الأوسط
    إسرائيل تراقب الحدث المصري عن بُعد
    حلمي موسى /السفير
    مرسي ضيع اللحظة التاريخية
    عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط
    ليت ضباط مصر يقتدون بالجيش التركي
    الياس حرفوش/الحياة اللندنية
    غروب شمس «الإخوان» قبل استكمال انبلاج فجرهم!
    صالح القلاب/الشرق الأوسط
    عيون وآذان (العسكر والأزمة في مصر)
    جهاد الخازن/الحياة اللندنية
    الجيش في لبنان ومصر: هل من عودة إلى الانقلابات؟
    رغيد الصلح (كاتب لبناني)/الحياة اللندنية
    انقلاب عسكري بوجه مدني وغطاء ديني
    عبد الباري عطوان/القدس العربي
    لا تحشروا الإسلاميين فى الزاوية
    عماد الدين حسين/الشروق المصرية
    ذكر بعض ما جرى
    فهمي هويدي/الشروق المصرية
    رهانات الإخوان
    عمرو الشوبكي/المصري اليوم
    دين العبيد
    ثروت الخرباوي/المصري اليوم
    خبر يجسد مأزق الإخوان!
    سليمان جودة/المصري اليوم
    يا مرسى يا وش النملة
    حمدي رزق/المصري اليوم



    عباس إذ يعيد «كرة السلاح» إلى ملعب اللبنانيين
    عريب الرنتاوي/الدستور
    في زيارته الرسمية للبنان، وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس المخيمات الفلسطينية، تحت سقف الشرعية والسيادة اللبنانيتين، أمناً وسلاحاً ... وحث الفلسطينيين في “قوس الأزمات العربية” إلى النأي بالنفس عمّا يجري في هذه الدول، فقد اكتوى الفلسطينيون حد الاحتراق بالمشكلات الداخلية والمحاور المحتربة وحروب داحس والغبراء التي أكلت الأخضر واليابس في عالمنا العربي.
    من حيث الشكل، بدا المشهد الفلسطيني موحداً خلف الرئيس، خرج ممثلو مختلف الفصائل الفلسطينية بمن فيها حماس والجهاد، لاستقباله ... لكن من حيث المضمون لا تبدو الصورة كذلك ... فهناك من بين الفلسطينيين، من لا يزال يراهن على إدماج القضية الفلسطينية تحت إبط هذا المحور أو ذاك، بل ومن يدعو الفلسطينيين للانخراط في ساحات الجهاد وميادينه، بعيداً عن فلسطين ... هناك من خاض معركة القذافي في ليبيا ومعركة صدام حسين في الكويت، ومعركة الأسد في سوريا، مثلما هناك من تورط ويتورط في عدد من أزمات المنطقة وملفاتها، وإن من بوابة المعارضات للحكومات والأنظمة القائمة.
    لا مصلحة للفلسطينيين في تحويل قضيتهم الوطنية، إلى سلعة في بازار المزايدات والمناقصات ... لقد دفعوا الثمن باهظاً جراء ذلك، وفي محطات عديدة ... ولأن الاستقطاب في المنطقة، بلغ ذروة غير مسبوقة هذه الأيام، فإن المقامرة بالانحياز لهذا الفريق أو ذاك، ستكون مكلفة للغاية، وربما أكثر من أي وقت مضى ... كما أن الحفاظ على “النأي بالنفس” سيكون صعباً للغاية، وربما أصعب من أي وقت مضى كذلك.
    قد لا يعجب كثيرا من الفلسطينيين في لبنان، أو قليل منهم (لا أعرف)، قول الرئيس بأن “سلاح المخيمات” في عهدة الرئيس وحكومته، وأن “الفلسطينيين سيصدعون لما سيؤمرون به” ... وسوف تساق لذلك أسباب ومبررات عديدة، أهمها الحرص أو ادعاء الحرص، على استمرار مسيرة “الكفاح المسلح الفلسطيني” ... لكن هذا الادعاء بحاجة لما يثبت جديته وجدواه ... ولعل سؤال: متى استخدم فيها هذا السلاح لآخر مرة ضد إسرائيل، يمكن أن يحسم الجدل في هذا المجال.
    من بين جميع المبررات التي تساق لـ”شرعنة” التمسك بالسلاح، ثمة واحدٌ منها فقط، ينطوي على قدر من الوجاهة والصدقية: حماية الذات ... فإن توفر للفلسطينيين في مخيماتهم وخارجها، شبكة الأمانة (الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية)، كفّ هذا السلاح عن أن يكون متطلباً ضرورياً للحماية والدفاع الذاتي.
    كنا قبل سنوات، قد قلنا في هذه الزاوية بالذات، أن السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها قد اعتلاه الصدأ، ولم يعد صالحا لممارسة “المقاومة” ضد الاحتلال الإسرائيلي ... ودعونا الإخوة اللبنانيين للتوافق على صيغة تكفل أمن المخيمات وسكانها، وتوفر لهم الحد الأدنى من حقوقهم المدنية والاقتصادية والاجتماعية، وبعد ذلك، وفي أثناء ذلك، فلتُفتح المخيمات للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، فالفلسطينيون في لبنان، لا ينشدون وطناً غير وطنهم، وبكل تأكيد، لا يبتغون العيش في جزر ومعازل ومربعات أمنية منفصلة عن جوارهم.
    اليوم نجدد الدعوة ذاتها، وبقدر أعلى من الإلحاحية، فالسلاح الفلسطيني، والأمن الذاتي الفلسطيني، والانقسام الفلسطيني، والأصولية الفلسطينية، باتت جميعها عناصر جاذبة لكل قوى التطرف والتشدد والجهاد والأصولية (دع عنك الفقر والبطالة واليأس والإحباط)، حيث نمت على أطراف المخيمات وامتداداها، معاقل ومعازل ومربعات، تهدد أمن الفلسطينيين في مخيماتهم، مثلما تهدد امن لبنان واستقراره.
    والسلاح الفلسطيني، أخذ مؤخراً يتوزع على الطوائف والأجهزة والأحزاب اللبنانية، حتى بات “حاجة لبنانية” بدل أن يكون “حاجة فلسطينية” ... وكم كان مؤسفاً أن نجد من بين المعتقلين على “ذمة قضية الأسير” في صيدا، ومن قبلها “فتح الإسلام” في نهر البارد، فلسطينيين جرفتهم الدعوات الجهادية وأبعدتهم عن قبلة شعبهم وبوصلته: فلسطين المحتلة.
    لكن ثبت اليوم، أن مشكلة السلاح الفلسطيني، هي مشكلة لبنانية بامتياز ... اللبنانيون ليسوا متوافقين على هذا الأمر ... ولا هم في عجلة من أمرهم لحسم هذا الملف وإغلاقه ... لا بل أن بعضهم من فريقي الانقسام اللبناني، يريد لهذا السلاح أن يظل مشهراً حتى إشعار آخر، وينظر إلى المخيمات فيرى فيها خزاناً احتياطياً من المقاتلين والمقاومين والمجاهدين (غبّ الطلب)، ولقد ظهر في حوادث بيروت وطرابلس وصيدا خلال الأعوام القليلة الفائتة، أن هذا السلاح، بات مطلوب لبنانياً، وأنه تداخل بشكل لا فكاك منه، بسلاح المقاومة والميليشيات.
    حسناً فعل الرئيس عباس، إذ أعاد الكرة إلى الملعب اللبناني ... “تريدون سلاح المخيمات، خذوه” ...ولكن من يريد سلاح المخيمات، ومن يريد انتزاعه، ومن يريد تحييد المخيمات ...مختلف الأطراف تريد طي المخيمات بسلاحها وخزانها البشري، تحت إبطها، وخدمة لمشروعها ... أما المشروع الوطني الفلسطيني، فما عاد بحاجة لهذا السلاح، بعد ثلاثين عاماً من صمته وانتهاء صلاحيته، وحرب الفلسطينيين مع الاحتلال، انتقلت إلى الداخل، وبأدوات مختلفة، وربما أكثر أهمية، ليس السلاح سوى واحد منها.

    بين مصر وحماس
    فاروق جويدة/بوابة الأهرام
    أخذت القضية الفلسطينية نصف عمر المصريين احلاما والنصف الآخر حروبا‏,‏ ولا يوجد بيت مصري إلا وكان فيه شهيد او مصاب من اجل فلسطين‏..‏
    اقول ذلك وانا اتابع ما ينشر أو يقال عن اشتراك قوات من حماس في صفوف جماعة الإخوان المسلمين الذين يحاربون الأن الشعب المصري.. وانا لا اتصور ان تقع قيادة حماس في هذا الخطأ التاريخي الرهيب لآن ذلك الموقف سوف يترك اثارا سيئة للغاية علي مستقبل العلاقات بين الشعب الفلسطيني والشعب المصري.. إنه نقطة سوداء في تاريخ العلاقات لأن كل نقطة دم مصري تسيل علي يد مواطن فلسطيني تمثل جريمة متعددة الأركان في حق علاقات اخوية جمعت الشعبين.. لقد جاء في حيثيات وشواهد قضية اقتحام سجن وادي النطرون امام محكمة الإسماعيلية اسم حماس اكثر من مرة.. ثم جاء ذكرها مرة اخري في الأحداث الدامية التي دارت حول مقر الإخوان المسلمين في المقطم واخيرا تردد اسم حماس في احداث بين السرايات وهذا يعني ان جماعة الإخوان المسلمين تستعين بمقاتلين من حماس لقتل الشعب المصري.. إن المصريين يقدرون تاريخ حماس ونحمل تقديرا عميقا للشهيد الشيخ احمد ياسين ونعرف ان حماس فصيل من فصائل الإخوان المسلمين والتنظيم العالمي للإخوان ولكننا لم نكن نتصور يوما ان يجيء مقاتلو حماس لاغتيال المصريين في بلادهم لقد سقط آلاف الشهداء المصريين في حروب متعددة مع إسرائيل دفاعا عن الشعب الفلسطيني ووقف المصريون طوال تاريخهم مع القضية الفلسطينية ولا شك ان إشتراك قوات من حماس مع الإخوان المسلمين في الاعتداء علي الشعب المصري سوف يمثل صفحة سوداء في تاريخ العلاقات المصرية الفلسطينية وهو يعتبر تدخلا صارخا في الشأن المصري وهو يتعارض مع ابسط الثوابت الدينية التي تحرم دماء المسلم علي اخيه المسلم.. من حق الشعب المصري ان يعرف حقيقة التواطؤ بين حماس والإخوان ومن واجب حماس ان تكشف حقائق ذلك كله حتي لا ينعكس ذلك علي علاقات تاريخية بين المصريين والشعب الفلسطيني.
    مطلوب من قيادة حماس ان تبرأ نفسها من دماء المصريين.

    معركة ‘الخط’ وحرب الاختراق أم الاختناق؟
    د. صبري صيدم(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    أعبر في هذا المقال عن وجهــــة نظري الشخصية من مجــــمل الحراك الأمريكي الهادف لإنهاء الصراع العــــربي الإسرائيلي، من باب التكهنات والتوقعات لا من باب المعلومات.
    فالحراك الكبير الذي يقوده رأس الدبلوماسية الأمريكية، لإحداث اختراق ما في الصراع العربي الإسرائيلي، يزداد سخونة وتعقيدا بفعل التصرفات الإسرائيلية، ما جعل جون كيري كمن يمشي في حقل إلغام إسرائيلي يزداد اتساعاً وخطورة وتكبر فيه أحجام تلك الألغام وتركيبتها التفجيرية.
    إسرائيل التي عكست تصريحات ليبرمان الأخيرة ومن قبله نائب وزير دفاع الاحتلال دانون، التي سبقت صدور قانون النقب العنصري وعاصرت الإعلان عن تسريع بناء المستوطنات، هي القاتل الأوحد لخطوات كيري وغيره ممن يحاولون احداث اختراق ما، بغض النظر عن تباين المواقف بين البعض حول هذا الجهد. لكن كيري المتمسك بالاختراق يبدو وكأن معركته لم تعد المستوطنات والقدس والأمن والمفاوضات، وما تسعى إسرائيل لقتله يومياً، بل أصبحت معركته وكما هو ظاهر، تتمحور حول رسم الخط الفاصل ما بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية، أي أن رسم الحدود الفاصلة سينهي بمفهوم البعض النقاش وسيحسم كل ما يدور في فلك تلك القضايا حول المستوطنات والقدس والترتيبات الأمنية اللازمة.
    هذه الحزمة أو حتى ما نستطيع أن نسميه معركة ‘الحزمة’، التي ربما وأقول ربما من باب التكهن لا المعلومة، يرغب كيري الوصول بها إلى اتفاق نهائي يحدد معالم الدولة المنتظرة، ستشكل بالنسبة لإدارة أوباما الاختراق المنشود، وهي التي صرحت بأن حل الدولتين يمتلك من الصلاحية عامين فقط ستنقضي مع انقضائهما المساحة الجغرافية التي سيستطيع عليها الفلسطينيون إقامة دولتهم في حال عدم الوصول للاتفاق.
    لكن حرب ‘الاختراق’ ستحاول معها إسرائيل دفع الأمور نحو ‘الاختناق’، الذي سيشعر به كيري وكثيرون قريباً، جراء رؤية حكومة الاحتلال الحالية القائمة على كسب الوقت واللعب على عامل المناورة لحسم الصراع حسب الوصفة الصهيونية.
    مؤشرات الأمور تؤكد أن الاستعصاء والاختناق سيكونان المحطة الوحيدة التي ستواجه أية جهود لدفع الاحتلال نحو الاقتناع بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه.
    إسرائيل ببساطة لن تعطي كيري أو غيره أية فرصة للحل أو الاختراق وهي الدولة التي لا تعيش أي ضغط يذكر كونها أكبر من القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
    إسرائيل لن تتحرك إلا بمفهوم القوة القائمة على الوحدة الفلسطينية، وتفعيل سلاح المقاطعة عالمياً، وتعزيز المقاومة الشعبية والمقارعة القانونية للاحتلال، والتوجه لمؤسسات الأمم المتحدة وتغيير آليات إدارة الصراع، وتفعيل الأثر الأكبر لكل من صوت لصالح فلسطين في الامم المتحدة، عندها لن يواجه الاختناق إلا باختراق على الطريقة الفلسطينية والأممية هذه المرة.

    إخفاقات كيري المتكررة
    د. فوزي الأسمر(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
    وجد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن يقوم بزيارة للمنطقة ومحاولة جلب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات، في الوقت الذي يثور فيه الشعب المصري ضدّ النظام القائم ويطالب باستقالة الرئيس محمد مرسي، وفي نفس الوقت يتهم الشعب المصري حكومته ورئيس جمهوريته بتقديم الخدمات للأمريكيين.
    ففي هذه الحالة، يستطيع كل من كيري ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، استغلال الوضع، بحيث يضعان ضغطا نفسانيا على الجانب الفلسطيني، مؤكدا بصورة غير مباشرة أن مصر لن تتخذ موقفا لا ترضى عنه الولايات المتحدة، التي تنسق خطواتها بالنسبة للحل مع إسرائيل. ومن ناحية أخرى يرى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن الأمور تسير في اتجاه مصالح إسرائيل، ولذا فإنه ليس على عجل في اتخاذ أية قرارات قد تؤثر على شعبيته. وبالتالي فإن موقف نظام الإخوان في مصر بخير طالما أنه يرضي السياسة الأمريكية ـ الإسرائيلية.
    ولكن الذي فات السيد كيري هو النظر الى مجريات الأحداث في المنطقة ككل، حيث نرى تساقط السياسة الأمريكية فيها، من دون تحقيق أي من أهدافها الأساسية، بما في ذلك ما خططته لمصر. ويظهر ذلك جليا في التناقضات الصادرة عن مسؤولين كبار في إدارة الرئيس باراك أوباما. وأكبر فشل واجهته هذه السياسة كان فشل العقوبات التي فرضت على إيران، وفشل في إسقاط النظام في سورية وحرب طائفية في لبنان ودعم النظام في تركيا، وغيرها من التحركات الأمريكية ـ الإسرائيلية، وهذا الفشل ساعد في فشل مهمة كيري الخامسة في المنطقة، منذ توليه منصب وزير الخارجية في شهر شباط/ فبراير2013.
    وعندما وصل السيد كيري إلى المنطقة في رحلته الأخيرة، أطلق تصريحا مفاده أنه يجب على الأطراف ‘اتخاذ القرارات الصعبة’، من أجل الوصول إلى حالة سلام. وجاء الرد الإسرائيلي سريعا، حيث أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا يقول انه قد تقرر بناء 68 وحدة سكنية على الأراضي المحتلة. وخيم الصمت على السيد كيري. فبالنسبة لنتنياهو فإن قراره هذا يصب في عداد القرارات الصعبة، إنه تحد ليس للفلسطينيين فحسب، بل تحد سافر للولايات المتحدة ولرئيسها باراك أوباماوباما ، والرأي العام العالمي، ربما قرار صعب لنتنياهو ولكنه لا يؤدي إلى سلام أو حل بين الطرفين، بل يؤدي إلى مزيد من الكراهية والحقد ومن ثم الحروب.
    ويعرف الوزير الأمريكي أن البناء الاستعماري على الأراضي الفلسطينية هو حجر العثرة الحقيقي لأي تقدم في مباحثات السلام بين الطرفين، وأن الفلسطينيين اتخذوا القرار، وهو ان إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين ووقف البناء الاستعماري هما الأساس لتجديد المباحثات، على الرغم من أن معظم دول العالم تعارض بناء المستعمرات اليهودية في الضفة الغربية، وتعتبرها غير شرعية، حيث يبلغ عدد هذه المستعمرات حوالي 120 مستعمرة.
    فعندما يصرح كيري بأنه يجب على الطرفين أن يتخذا القرارات الصعبة من أجل السلام، يطرح السؤال البديهي نفسه: هل يريد كيري من كل طرف أن يتخذ القرارات الصعبة بنفسه، أي أن يتنازل الفلسطينيون عن مطالبهم القومية، وتتنازل إسرائيل عن استمرارها في البناء على الأراضي الفلسطينية؟ وتصدر الإدارة الأمريكية التصريح وراء الآخر حول عملية بناء المستعمرات اليهودية، ولكن بدون اتخاذ تحركات عملية، وقد كان آخرها (حتى كتابة هذه السطور) بيان البيت الأبيض يوم 30 /6/2013، الذي جاء فيه أن ‘أعمال البناء التي تقوم بها إسرائيل وراء الخط الأخضر تعرقل عملية السلام وتقوض الجهود التي تُبذل من أجل تحريكها من جديد’.
    لقد برهن تاريخ إسرائيل منذ قيامها على أنها تضرب عرض الحائط بكل، ليس فقط ما تطلبه أمريكا، بل ما تقره الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، وتنجح عادة بتحقيق مبتغاها. فالقرارات الصعبة يجب أن تواكبها قوة تجبر الأطراف على تنفيذها أو مساعدتها على تنفيذها، فهل في استطاعة كيري القيام بهذه المهمة؟
    وعندما يسرب وزير الخارجية كيري خبرا يقول انه يحمل في جعبته مشروعا جديدا لكسر الجمود القائم بين الطرفين، تكشف صحيفة ‘واشنطن بوست’ (1/7/2013) عن لب هذا المشروع الذي يتلخص في أن ‘الولايات المتحدة تدفع في اتجاه تركيز على أمن إسرائيل’. فهل الترتيبات الأمنية هذه ستعطي الفلسطينيين تحت الاحتلال حصة تحفظ أمنهم؟ وأمن إسرائيل يعني، بمفهومه العريض ضمان أمن المستعمرات اليهودية غير الشرعية التي أقيمت على الأراضي التي احتلت في عام 1967؟ هذا المشروع الذي في جعبة كيري هدفه نشر غبار لتعطيل السلام وليس العكس.
    لقد استطاعت السياسة الأمريكية في المنطقة إدخال معظم القادة العرب في غيبوبة، والفصل بين مطالب شعوبها والسلطة الحاكمة، وتسييرها حسب مصالح ومتطلبات القوة الموجهة. هكذا بقي مبارك في الحكم أربعين سنة وزين العابدين بن علي والقذافي وغيرهم. ومن ناحية أخرى فتحت الدول الغربية، وفي مقدمتها أمريكا خطا مباشرا مع الإخوان المسلمين لتهيئتهم لاستلام السلطة في عدد من الدول العربية. ولكن الأمور لا تسير كما يهوى الغرب، فسقط القناع عن وجه الإخوان الحقيقي، وها هي أكبر دولة عربية تسير نحو حرب أهلية تخدم الغرب وإسرائيل.

    كيري متفائل بمن؟
    نواف ابو الهيجاء/السفير
    استقبلت تل ابيب زيارة جون كيري الأخيرة بالاعلان عن الشروع ببناء نحو سبعين وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية وودعته بالاعلان عن خطة بناء 930 وحدة استيطانية جديدة في القدس الشرقية ايضا. وفي جولته الخامسة في المنطقة خلال ثلاثة اشهر جال الوزير الاميركي مكوكيا بين تل ابيب وعمان واجتمع مع كل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني ثلاث مرات. وانتهى به المطاف الى عقد مؤتمر صحافي مقتضب اعلن فيه سروره لأنه احرز تقدما حقيقيا هذه المرة. واتم انه يمكن ان يعود في زيارة جديدة للمنطقة اذا اقتضت الضرورة مؤكدا ان الفنيين المساعدين له باقون لاستكمال ما كان قد تحقق في الجولة الخامسة تلك.
    الجانب الفلسطيني وبلسان كل من صائب عريقات ونبيل ابو ردينة اعلن ان اختراقا في جدار العودة الى المفاوضات لم يتحقق، واقرا بحدوث نسبة من التقدم في هذا المجال.
    ماذا تحقق فعلا ان نحن حذفنا المكالمة الهاتفية الاولى منذ شهور بين الرئيس الفلسطيني ونتنياهو؟ المعروف ان تصريحات نتنياهو كانت تحمل الصراحة التي اعتدناها حين يدور الحديث عن الاستيطان وعن الاسرى وعن حدود الرابع من حزيران العام 67. انها شروط، وهو لن يذهب الى المفاوضات بشروط. هو مستعد كما كان قد سرب عبر الصحافة الاسرائيلية للذهاب فورا الى طاولة المفاوضات ولكن من دون شروط مسبقة. الطرف الفلسطيني يقول بأن ما يريده استحقاقات لا شروطا مسبقة.
    اين الحقيقة في التفاؤل الاميركي والتشاؤل الفلسطيني والعنت الصهيوني؟
    اذا كانت الادارة الاميركية تريد تحقيق اختراق قبل أيلول، موعد اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، فهي تريد الا يخرج الملف من بين يديها الى الامم المتحدة. بالتالي فالمتوقع ان تبذل الادارة الاميركية المزيد من الجهود لترغم الطرف الفلسطيني اولا على الجلوس الى طاولة التفاوض مجددا. وهي لن تبخل عليه بوعود جديدة قديمة ان هو قبل بالتنازلات المطلوبة. والوعد المتسرب من نتنياهو يقول انه يمكن ان يتخلى عن 90 في المئة من اراضي الضفة الغربية في المفاوضات ولكن الثمن سيكون باهظا، أي البقاء العسكري الاسرائيلي على طول نهر الاردن ـ الاغوار تحديدا. وبالطبع لا يعني ذلك انه مستعد للتفاوض على حدود 67 ـ لكنه مستعد لتبادل طفيف في الاراضي ولتفكيك عدد محدود من المستوطنات التي باتت تضم نحو 700 الف من غلاة العنصريين الصهاينة في القدس وعموم الضفة الغربية. وبالتأكيد فان ما اوردته «معاريف» وكذلك غيرها من الصحف الصهيونية تؤكد ان نتنياهو يدرك تماما ان حل الدولتين يصب في النهاية في مصلحة اسرائيل (دولة يهودية).
    كيف سيكون الاختراق فلسطينيا؟ هل تتنازل السلطة الفلسطينية عن أي من مطالبها التي تقول بضرورة الافراج عن مئة وعشرين معتقلا فلسطينيا في السجون الاسرائيلية لهم اكثر من عشرين عاما فيها وهم الذين سجنوا قبل توقيع اتفاقية اوسلو، ام انها ستتنازل عن شرط البحث في الانسحاب الاسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران 67، ام تراها تذهب الى طاولة التفاوض مع استمرار الصهاينة في بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية؟
    هنا ينبــغي ان نتســاءل عن سر تفــاؤل الوزير الاميركي وان كان يعني ان التقدم خطوة يسبق بالتأكيد عملية الاختراق ربما من خلال مفاوضات وراء الابواب او الجدران المغلقة. لكن في نهاية المطاف فالسلطة الفلسطيــنية مرغمــة داخليا على عــدم تقــديم تنازلات يمكن ان تزيد الصف الفلسطيني انقساما وتعمق الهوة بين السلطة ذاتها والشعب الفلسطيني.

    الرئيس عباس «متفائل» .. يا بختك!
    حسن عصفور/الدستور
    لولا أحداث مصر التاريخية، والتي ستقرر اليوم ليس مصير مصر وحدها بل المشهد العربي العام، فهي وليس غيرها ستكون العامل الحاسم في رسم “خريطة المنطقة العربية”، ومستقبل المشروع التقسيمي – التدميري الذي تخطط له أمريكا وتحالفها الاستعماري مع أطراف عربية، وقوى ظلامية تعتقد أن “الدمار والفتنة” طريقها للحكم وكأن “الفتنة هي الحل”..لولا ذلك المشهد المصري لاحتلت تصريحات الرئيس محمود عباس عن المفاوضات التي أجراها الوزير الأمريكي جون كيري في المنطقة خلال جولته المكوكية الخامسة، مكانة بارزة جدا في الاعلام بكل ابعاده ومستوياته.
    تصريحات تعلن ما لم يلمسه فلسطيني، بل ولا تتفق مع جاء من الطرف الاسرائيلي، فالرئيس عباس تحدث بأن كيري قدم “طروحات مفيدة وبناءة” لاستئناف مفاوضات السلام، وعليه “نحن متفائلون لأن كيري جاد ومصمم على الوصول إلى حل، ونأمل بأن يأتي الوقت القريب جداً للعودة إلى طاولة المفاوضات وتناول كافة القضايا الأساسية بيننا” ويسترسل الرئيس وصفا لما حدث:”عقدنا مع كيري في الأيام الأخيرة ثلاثة اجتماعات للوصول إلى أرضية للبدء في المفاوضات، وقدم كيري طروحات مفيدة وبناءة، وليست سيئة، لكنها تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتفسير حتى نتمكن من العودة إلى المفاوضات”..
    وطبعا لم يفت الرئيس عباس استكمالا لفرحه وتفاؤله الخاص جدا بأن يطلق “البشرى الكبرى” للشعب والأمة بأن مبعوث “الرعاية الأمريكية” سيعود ثانية خلال أقل من 10 ايام، بعد أن ترك خلفه “فريق خبراء” لمتابعة الاتصالات بين الجانبين..وهنا يعلمنا الرئيس أن الاتصالات متواصلة مع الطرف الاسرائيلي، ولم تغلق حركة الطرق أمام مفاوضيه، ولكنه لم يقل هل تتم “لقاءات ثلاثية” اي فلسطينية – اسرائيلية برعاية “المعلم الأمريكي”، أم تقتصر على “الثنائيات”..ولذا علينا أن نبقى على أتم الاستعداد لاستقبال مفاجآت سياسية، بل قل “قنابل كيري” العنقودية خلال زمن أقصر كثيرا مما يعتقد الجميع، لو جرت الإمور وفقا لأقوال الرئيس..
    من المفارقات المثيرة أن تأتي تصريحات عباس في ذات يوم نشر تقرير عن استطلاع مشترك لمركز فلسطيني مع جامعة عبرية يؤكد أن أكثر من ثلثي الاسرائيليين والفلسطينيين (بالتوالي 68 و69 في المئة) ان فرص قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل في غضون خمسة اعوام ضئيلة او معدومة - طبعا باتفاق سياسي وليس عبر تنفيذ قرار الأمم المتحدة الأخير-، وكي لا نفسد فرحة الرئيس بما نتج عن الجولة الأخيرة، لننسى هذا الاستطلاع الذي قد يراه “الحواريون” استطلاع ضلالي لافساد منتجات “كيكي” وافكاره “العميقة جدا”..
    ولكن ألم يكن هناك قارئ في “فريق الرئيس” لما صدر عن كل مؤسسات الحكم في دولة الاحتلال من رأس الطاغية الفاشي بيبي، الى الشركاء الأهم في التشكيل الحكومي وعناصر ليكودية بارزة منهم وزير الحرب ونائبه، الذي تم مكافئته ليصبح رئيسا لمركز حزب الليكود بالتزامن مع تصريحات الرئيس عباس المتفائلة جدا، أن لا مجال لقيام دولة فلسطينية في المدى المنظور، بل أن المعارضة الاسرائيلية اصيبت بصدمة سياسية كبرى من جراء موقف نتنياهو، والمفترض أنه الطرف الثاني لتنفيذ “افكار كيري العبقرية” للعودة التفاوضية، ولن نقف أمام الفعل اليومي فوق أرض “فلسطين” من نشاط استيطاني لم يتوقف، ولو من باب النصب والخداع” خلال الجولة المكوكية الأخيرة، بل أن حكومة نتناهو أعلنت عن بناء آلاف وحدات استيطانية جديدة في القدس المحتلة وكيري يتباحث مع عباس وفريقه السياسي المقلص جدا..
    من حق الرئيس عباس أن يرى ما لايراه الآخرون، باعتباره دون غيره يعرف ويمسك بخيوط اللعبة وأدواتها وكل معلوماتها، ولذا يحق له أن يخرج بتلك المخرجات التي نطقها في رام الله عن تقييم رحلة كيري، حتى لو كان كل العالم يقول غير ذلك، بل أن كيري نفسه لم يكن بذات الدرجة التفاؤلية التي كان عليها الرئيس عباس، وهو ما يجبرنا على السؤال: ماهو مصدر تفاؤل الرئيس كل هذا التفاؤل، وهل للشعب الفلسطيني أن يعرف أي مناطق تفاوضية حدث بها هذا “الإختراق”، بل السؤال الذي يسبق ذلك ما هو موقف الرئيس عباس من قرار الأمم المتحدة الأخير بخصوص “دولة فلسطين” وحدودها وعاصمتها، هل لا زال القرار الدولي موجودا على الطاولة، أم تم حذفه من “الذاكرة التفاوضية”، وعادت “ريما لقضاياها القديمة” ..امن وحدود وما يماثلها..
    الحديث العام عن افكار “مفيدة وبناءة وغير سيئة” لا تمنح الانسان قدر التفاؤل السياسي الذي يمكن ترويجه اعلاميا، كي لا يصبح شكلا من أشكال التضليل والخداع على شعب يرى ويلمس ويعيش غير ذلك تماما، بل أن غالبية مطلقة من أهل فلسطين لن يشاركوا الرئيس وفريقه تفاؤلهم العجيب، وهم قبل الآخرين يدركون خير ادراك من يكون نتنياهو وحكومته..
    من عايش الزعيم الخالد ابو عمار يتذكرون تعليقه لكل من يبدي “تفاؤلا” في غير موضعه، بقولته الشهيرة” يا بختك يا خويا”.. وهو ما يمكننا قوله للرئيس عباس وفريقه ايضا.. يا بختكم!
    ملاحظة: فجأة عادت حماس لتتحدث عن “مفاجآت” تمتلكها ضد اسرائيل.. يا ريتكم تسارعوا بها لان أهل فلسطين محتاجين لأي مفاجأة تعيد ثقتهم بفصائل “النكبة الثانية”!
    تنويه خاص: إزاحة حمد بن جاسم عن كل ما كان له من مناصب سياسية واقتصادية هو المؤشر الأهم لاكتشاف أن ما حدث في قطر «انقلاب أبيض» بفعل فاعل!

    الكيان الصهيوني ويهودية الدولة
    أسامة عبد الرحمن/دار الخليج
    يكرر رئيس حكومة العدو الصهيوني شرطه بضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة . وقد صرح في إبريل/نيسان الماضي أن مشكلة الفلسطينيين ليست الأرض وإنما الاعتراف بيهودية الدولة .
    وبديهي أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني ترحيل الفلسطينيين من الكيان الصهيوني، كما يعني إلغاء حق العودة . وهو أحد ثوابت وطنية تقع في صلب القضية الفلسطينية ولا يمكن لأي طرف فلسطيني أن يخل بهذه الثوابت .
    إن العدو الصهيوني يدرك أن الفلسطينيين داخل الكيان خطر على وجوده، لأنهم يمثلون نسبة ليست باليسيرة، وفي الوقت ذاته فإنها تتعاظم بصورة كبيرة، الأمر الذي قد يجعلها النسبة الأكبر في مستقبل السنوات . وهو أمر يهدد وجوده، ويقوض مشروعه الاستعماري العنصري . ولذلك فهو يسعى ما وسعه الجهد إلى ممارسة سياسات الإقصاء والتهجير والتشريد والتهويد ومحاولة أسرلة المعالم والمآثر، واستقطاب أكبر عدد من المهاجرين اليهود من شتى أصقاع الأرض، ويوفر لهم الإمكانات والحوافز لتوطينهم داخل الكيان، بل التعدي على الأرض الفلسطينية خارج الكيان ببناء المستعمرات الصهيونية والتوسع في إنشاء الوحدات الاستعمارية.
    وهذا يوضح أن مشكلة الفلسطينيين مع الكيان الصهيوني متعددة الجوانب وأحد جوانبها الأرض بل الجانب الأهم والأساسي، في وقت يحاول فيه الفلسطينيون التعلق بأمل الدولة الفلسطينية على أرض فلسطينية مترابطة تكون ذات سيادة وإرادة، بينما يحاول الكيان الصهيوني ابتلاع الأرض الفلسطينية لكي يقضي على فكرة الدولة الفلسطينية ويرسخ مشروعه الاستعماري العنصري .
    وهذا ما حدا بالقيادة الفلسطينية إلى اشتراط وقف الاستيطان كمدخل لأي مفاوضات مع الكيان الصهيوني بعد تجربة مريرة تجرعت فيها خيبة الأمل من مفاوضات عبثية دار الطرف الصهيوني بالطرف الفلسطيني في ردهاتها سنين طويلة دون الإفضاء إلى أي محصلة ملموسة، في وقت واصل فيه الكيان سياسته الممنهجة في قضم الأرض الفلسطينية ببناء المستعمرات الصهيونية .
    إن يهودية الدولة تعني أيضاً إلغاء حق العودة، وهو حق قانوني صادر عن الأمم المتحدة ويتعلق به الفلسطينيون في الشتات والمنافي وإن طال الأمد وبعدت الشقة . ولا يستقيم مع القانون والعدل والمنطق استقطاب المهاجرين اليهود من شتى أصقاع الأرض إلى الأرض الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من العودة إلى أرضهم .
    ولعل الكيان الصهيوني يفرض بغطرسة القوة وقوة الغطرسة التي تمكنه بها الولايات المتحدة ركائزه على الأرض وتنفيذ سياساته الاستعمارية العنصرية في وقت يتعلق فيه الفلسطينيون بالحق والعدل والمنطق ونبل القضية، ويستصرخون المجتمع الدولي ولكنهم يظلون بعيدين عن فرض شيء على أرض الواقع بحكم أن الولايات المتحدة تسخر كل إمكاناتها ووسائلها لخدمة الكيان الصهيوني والنأي به عن أي ملاحقة أومساءلة أو إدانة على جرائمه المتواصلة على الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني، الأمر الذي يجعله يتطاول على القانون الدولي والشرعية الدولية والمجتمع الدولي، ويفرض ما شاء من الوقائع على الأرض الفلسطينية سعياً إلى استكمال مشروعه الاستعماري العنصري .
    ولقد جاء تصريح أوباما في مارس/آذار الماضي أثناء زيارته الكيان أن على الفلسطينيين أن يعترفوا بدولة يهودية، ليؤكد تناغمه مع الموقف الصهيوني، ويبرز بوضوح مدى تخندق الولايات المتحدة مع الكيان الصهيوني بحيث لا تنظر للقضية الفلسطينية أو أي جانب من جوانبها إلا من خلال المنظور الصهيوني .
    إن الولايات المتحدة تدرك أن يهودية الدولة تعني ترحيل الفلسطينيين من الكيان الصهيوني، كما تعني إلغاء حق العودة، وهو أحد ثوابت وطنية في صلب القضية الفلسطينية لا يمكن لأي طرف فلسطيني أن يخل بها .
    صحيح أن الكيان الصهيوني يحاول ممارسة التهويد بكل الوسائل وخصوصاً في القدس وقد اتخذ قراراً في أكتوبر/تشرين الأول 2010 يعتبر القدس منطقة أفضلية قومية أولى، بمعنى حصول الصهاينة على حوافز لبناء المستعمرات فيها، وهذا يعني مزيداً من التهويد، كما اتخذ قراراً في نوفمبر/تشرين الثاني ،2010 يعتبر القدس عاصمة للشعب اليهودي وليس مجرد عاصمة له .
    إن هذا النهج يوضح سعي الكيان الصهيوني إلى دولة يهودية . وما يجري في القدس صورة واضحة لهذه الممارسة الاستعمارية العنصرية . وبحكم أن القدس هي في جوهر الصراع فإن النهج الصهيوني الاستعماري فيها شديد الوطأة، ويتم بشراسة في محاولة لاقتلاع المقدسيين وتوطين اليهود من خلال هدم المنازل ومصادرة الممتلكات والإقصاء والتشريد والتهويد، وكل هذا يصب في مسعاه لتحقيق الدولة اليهودية على أرض الواقع .
    إن الكيان الصهيوني لن يحقق هدفه في يهودية الدولة إن ظل الفلسطينيون داخل الكيان على صمودهم، لأن صمودهم سيفشل مخططه، وهم يمثلون الخطر الحقيقي على وجوده أصلاً .

    عساف المقاوم.. وغزة الجديرة بالإنصاف
    بكر عويضة/الشرق الأوسط
    الليس من الإنصاف النظر إلى محمد عساف كما لو أنه طلْع جميل العطاء في صحراء كانت من قبله جرداء. في الآن نفسه، ثمة خطر أن نجم «آراب آيدول» قد يغر خلال بضع سنين، فيخيل له أنه لم يعد كغيره من البشر.
    أبدأ بالمكان، وأعود للشخص. بقدر ما هو مفرح حجم الفرح الذي رافق محمد عساف، منذ إطلالته الأولى، وحتى لحظة الفوز، بدا من المحزن أن يتجاوز البعض تميز موهبة الشاب الفائز الغنائية، إلى اعتبار المفاجأة في أنه من غزة.
    لماذا؟ ليس ثمة سبب يبرر سوى التقصير في المعرفة. ذلك أمر يحدث لأي فرد. من المستحيل إلمام المرء بتفاصيل تاريخ كل مدينة على وجه الأرض. ولعل في تكرار ذكر غزة، غير المصحوب هذه المرة بحروب ودماء، ما أوجب الدهشة، فالتساؤل، والبحث، بغرض المعرفة.
    الواقع أن غزة أعطت في حقول الإبداع كافة عبر مختلف العصور. ومثل غيرها من المدن تزهر الفنون أو تذبل في مروجها وفق أجوائها. لقد عشت صباي في غزة المزدهرة بآفاق جمال متعددة الأطياف، وما محمد عساف سوى حلقة اتصال مع من تفوق قبله في غير فن على مسارحها. لكن غزة الستينات، كما العالم المنتمية إليه في ذلك الزمان، لم تكن تعرف الـ«يوتيوب»، الـ«فيس بوك»، و«تويتر». إنما عرفت موليير، مثلا، وشهدت خشبة سينما السامر رائعة «البخيل» يقدمها للجمهور ممثلون يتقدمهم محمد صوان، بطل المسرحية ومخرجها، ومن بين أولئك تخرج خليل طافش في المعهد العالي للفنون المسرحية في القاهرة، ومنهم طلع عبد الوهاب الهندي، المخرج السينمائي. وعلى مسرح مدرسة فلسطين الثانوية عرضت خالدة شكسبير «روميو وجولييت»، بلغته وبإشراف أستاذ الإنجليزية، كامل عبيد، الآتي من مصر إلى غزة مدرسا، ليستوطنها بعدما يصاهر إحدى عائلاتها. ومن غزة الستينات صدح مهدي سردانة بصوت تردد عبر إذاعة القاهرة، وفيها كتب علي زين العابدين الحسيني الشعر الغنائي، وردد كثيرون معه.
    «جدف يا مراكبي وودينا
    على يافا وهدي في المينا
    الشط هناك مستنينا
    وموج البحر ينادينا».
    تلك إطلالة عابرة، ليست تذكر شيئا عن غزة الشعراء معين بسيسو، هارون هاشم رشيد، علي هاشم رشيد، محمد حسيب القاضي، وغيرهم، أو كتّاب قصة مثل درويش عبد النبي وعبد الكريم السبعاوي، أو صحافيين روادا في مقدمهم زهير بشير الريس، ومنهم محمد زكي آل رضوان، إلياس عزام، أسامة علي شراب، وآخرون غيرهم.
    قبل إحدى وعشرين سنة، اكتشفت قطع أثرية في عسقلان، جارة غزة من جهة شمال ساحلها المتوسطي، وأثبت ذلك الاكتشاف أن ظلما لحق بقوم اسمهم في القواميس philistines وهم قدماء الفلسطينيين في زمن ما قبل الميلاد، الذين نظر إليهم باعتبار أنهم معادون لتذوق الفنون. في عددها الصادر يوم الخميس أول أكتوبر (تشرين الأول) 1992 خصصت جريدة «التايمز» اللندنية إحدى افتتاحياتها لذلك الحدث، فضمنتها ما يلي: «على النقيض من تشويه استمر أكثر من ألف سنة، يطل أولئك الفلسطينيون من تحت رمال الماضي قوما ذوي شفافية وحس فني، كانوا يسكنون القصور، يتجرعون النبيذ، يأكلون من أوان مزخرفة بالرسوم، في حين أن نظراءهم الإسرائيليين كانوا يقطنون الأكواخ، يشربون من جرادل خشبية، ويستخدمون الأواني الصلبة».
    ربما يكون في اكتشاف محمد عساف ما يوفر لغزة بعض الإنصاف، فلا ينظر إليها من منظار أحادي الرؤية. وفي الآن نفسه، يبقى الأمل ألا يؤخذ شاب يذكّر كثيرين بشباب نجم «كامل الأوصاف» الراحل، بإغراء الشهرة وسطوتها، فيرضى بأوصاف من قبيل «معبود الجماهير»، وينسى بساطة التواصل مع الجماهير ذاتها. لقد احتل محمد عساف مكانه في قائمة الذين يرقون إلى مصاف الظاهرة في مجتمعاتهم، ومنها ينطلقون إلى العالم. وكما أكد أنه بإبداعه الفني يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، مهم جدا له الصمود في مقاومة إغراء غرور النجومية، والاحتفاظ بأعلى درجات التوازن بين الفنان النجم.. وبين الفرد الإنسان.


    المصلحة في غياب الديموقراطية.. و«فزاعة» الإسلاميين
    إسرائيل تراقب الحدث المصري عن بُعد
    حلمي موسى /السفير
    منذ بدأت التطورات الأخيرة في مصر ومطالبة التظاهرات الكبرى برحيل الرئيس محمد مرسي، احتلت الأخبار المصرية عناوين الصحف الإسرائيلية. وطفحت وسائل الإعلام الإسرائيلية بالتقارير والتحليلات، التي تغطي التطورات من الجوانب كلها تقريباً.
    ولكن بالرغم من تلك التغطية، يغيب الموقف الرسمي الإسرائيلي عن كل ما يجري هناك، باستثناء إشارات عابرة إلى أن تحريك القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء وقرب الحدود تم بموافقة إسرائيلية.
    ولكن غياب الموقف الإسرائيلي الرسمي لا يعني أن حكومة بنيامين نتنياهو لا تتابع الوضع والتطورات في مصر بشكل مكثف، فثمة إدراك واسع في الأوساط الإسرائيلية الرسمية بأن الوضع في مصر كفيل بأن يترك أثراً بالغ الأهمية على كل ما يجري في المنطقة العربية، فمصر كانت ولا تزال الحجر الزاوية في النظام الإقليمي والعربي عموماً، وركيزة الاستقرار أو اضطراب الأوضاع.
    ولكنّ الصمت الرسمي ينطلق في الغالب من إيمان بأنه من الأفضل لإسرائيل، ألا تظهر البتة في الصورة المصرية، خصوصاً أن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، لا ينفكان عن إطلاق المواقف. ولا شك في أن المواقف الأميركية والأوروبية لا تجري بعيداً عن التشاور مع إسرائيل.
    ومع ذلك، فإن المواقف الإسرائيلية تجاه التطورات في مصر ليست مجرد تحليل ولا توصيف، وإنما هي في الأصل تعبير عن مصلحة. وهنا لا بد أولاً من الإشارة إلى نقاط عدة تشكل مدخلاً لتعريف المصلحة وسبل التعاطي معها. وأول هذه النقاط هي الموقف من حكم «الإخوان المسلمين». إذ ترى إسرائيل في هذه الجماعة خطراً يصعب التعاطي معه، وأنه لا ينبغي قياس خطرهم وفق كلامهم اليوم، وإنما وفق أفعالهم في المستقبل. وبالعكس ترى إسرائيل في الجيش المصري، على الأقل كما هو حتى الآن، خصوصاً في ظل علاقاته الأميركية، جهة يمكن التعامل معها راهناً ومستقبلاً.
    وفي المقابل فإن التيارات الليبرالية والعلمانية ليست جهة مجربة، وبالتالي لا يمكن الركون إليها. وبين هذه وتلك تكمن مصلحة إسرائيلية في عدم شيوع الديموقراطية في مصر وبقاء الخطر الإسلامي كفزاعة وكجسر للعلاقة مع حلفاء إقليميين ودوليين مؤقتين ودائمين.
    وفي كل الأحوال، من المؤكد أن إسرائيل الرسمية تنطلق من زاويتين تبدوان ظاهرياً وكأنهما متناقضتان، لكنهما تكملان بعضهما بعضاً. الأولى تقول بعدم الظهور انطلاقاً من الرغبة في حصر اهتمامات الشعب المصري بنفسه وعلى قاعدة أن مشاكله الداخلية أكبر من أن تحلّ، على الأقل بالسرعة التي ينتظرها الكثيرون. فقد أشار يؤآف ليمور في «إسرائيل اليوم»، وهي الصحيفة الأقرب لنتنياهو، في مقالة بعنوان «بقاؤنا خارج الصورة أفضل لنا». وكتب بوجوب أن تعرف إسرائيل حجمها وتترك للولايات المتحدة محاولة إعادة بناء مكانتها في الشرق الأوسط في ظل خشية أميركية وإسرائيلية من شيوع الفوضى والتطرف في مصر.
    وبحسب عمير ربابورات في «معاريف»، فإن الإسرائيليين في مداولاتهم الداخلية قالوا منذ البداية إن حكم «الإخوان المسلمين سيفهم الشعب أن ليس القرآن ما سيحل مشاكل البطالة والمجاعة». وفي محاولته الرد على سؤال إن كان فشل «الإخوان» في مصر ضاراً أم مفيداً لإسرائيل، كتب ربابورات أن الجواب مختلط «ففشل حكم الإخوان جيد لإسرائيل على المدى البعيد نظراً لخط الإخوان الأيديولوجي والخطر الذي يحيق باتفاق السلام مع إسرائيل إن استقر حكمهم. غير أن الجواب على المدى القصير ضار بإسرائيل، لأن الفوضى خطرة والإخوان أثبتوا براغماتيتهم، وكانوا حتى الآن عامل استقرار».
    أما الزاوية الثانية فعبر عنها بوضوح رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق الجنرال غيورا آيلاند في مقالة نشرها في «يديعوت أحرنوت». ومعروف أن هناك نصاً توراتياً يقول بأن «عمل الصديقين يقوم به الأشرار»، بمعنى أن أفعال الأعداء كثيراً ما تخدمنا ليس أقل من فعلنا. وبعدما عدّد مخاطر الفوضى في مصر، يشير إلى أن الفوضى لا تشكل خطراً استراتيجياً على إسرائيل، وأنها على العكس تحسّن وضعها الاستراتيجي كما هو الحال حالياً إزاء سوريا.
    ويوحي آيلاند، انطلاقاً من الحالة السورية، بأن الجيش سيُصاب بالشلل ويخسر أسلحته مثلما سيخسر الاقتصاد قاعدته، وكل ذلك يسهم في زيادة الانقسام العربي. واعتبر أن إسرائيل نفضت يدها من الحديث عن إعادة هضبة الجولان جراء ما يجري فيها حالياً. وفي المقابل، فإن حال الجيش المصري مختلفة لأنه في كل الأحوال، مع مرسي وبعده، سيبقى وبسبب علاقاته الأميركية، يحاول منع «انتقال الأحداث إلى أرضنا».
    وشدد آيلاند على أن كل من سيحكم في مصر سيبقى مشغولاً بالتطورات الداخلية ولن يكون خطراً كبيراً على إسرائيل من التحوّل ضدها. وخلص إلى «أننا قبل سنة كنا نبكي لتولي الاخوان المسلمين الحكم وخشينا دعمهم لحماس، وها هو ذا حكمهم يتضعضع، ويمكن أن نبدأ بسحب تعبيرات القلق من العام الماضي».

    مرسي ضيع اللحظة التاريخية
    عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط
    في خيمة «الإخوان» معسكران؛ صقور وحمائم، لكن تاريخيا الكلمة العليا للصقور الاستعلائيين: لا تتنازل، لأن التنازل سيهدد التنظيم بالانهيار، وسيحتاج «الإخوان» إلى 50 عاما للعودة مرة أخرى. كانت هذه رسالة صقر «الإخوان» خيرت الشاطر إلى الرئيس الإخواني محمد مرسي. نهاه عن القبول بدعوة الجيش المصري قبل عشرة أيام، وحذر العسكر بأنهم لن يسمحوا بالتأزم أن يهدد أمن البلاد، وتمنوا عليه أن يتوصل إلى حل سياسي مع القوى السياسية الأخرى.
    الرأي الثاني براغماتي تصالحي، طالبوه بأن يكون من الحكمة بالقبول بمطالب المعارضة. قيادات إسلامية خارجية دعت لمثل هذا التعاون، وينسب للشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، أنه حث على التصالح، حتى لا تضيع الفرصة «هرمنا في انتظار هذه اللحظة التاريخية».
    خسر «الإخوان» اللحظة والتاريخ، وأضاعوا حكم أكبر دولة عربية، والذي جاءهم سهلا على طبق من ذهب. وكان الثمن المطلوب منهم للبقاء التعايش والمشاركة والقبول بنظام ديمقراطي متكامل. مرسي والشاطر والمرشد عجزوا عن السير في هذا الطريق، بعد أن فازوا في الانتخابات وصار من حق «الإخوان» الرئاسة، كحزب مصري لا يمكن إنكار وجوده، وشعبيته، ومعاناته بسبب إقصائه. مشكلة «الإخوان» يمكن اختصارها في كلمة واحدة: الفاشية. وبقدر ما أن هذه الكلمة موجعة ومؤذية فإنها بكل أسف تصف بشكل صحيح الفكر الذي يقود التنظيم الإخواني. فالنازية كانت حركة وطنية في ألمانيا، والموسولينية كذلك في إيطاليا، وفازت في انتخابات ديمقراطية لولا أن هتلر وحزبه في ألمانيا ألغى المؤسسات وقرر تصفية منافسيه زاعما أن المشروع الوطني يبرر له إلغاء منافسيه.
    «الإخوان» ظلوا يتحدثون أنهم يؤمنون بالتعايش مع أصحاب الأفكار الأخرى، وهم مستعدون للقبول بنظام تداول السلطة سلميا، والأهم العمل ضمن المؤسسات. إنما فور بلوغهم السلطة تعجلوا بالصدام مع القوى السياسية التي قامت بالثورة. أقصوا القوى التي صوتت لهم، من شباب وناصريين وغيرهم، والذين تحالفوا مع «الإخوان» جميعا ضد المرشح المنافس لهم الفريق أحمد شفيق. ثم دخل «الإخوان» بعد وصولهم للرئاسة في عراك مع مؤسسات الدولة: أرادوا إبعاد مفتي الجمهورية، وطرد شيخ الأزهر، وعزل النائب العام، وتغيير كل قيادات القضاء، وعزلوا حتى المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع، الذي وقف مع الثورة ومكّن «الإخوان» من الرئاسة. كل هذه القوى المجروحة شكلت جبهة ضد «الإخوان»، بالتحالف مع المبعدين أصلا، مثل الأقباط، ومن يسمون بالفلول، وهم يقدرون بعشرات الآلاف من أعضاء الحزب الوطني، والأقاليم، والمؤسسات الحكومية. ثم عادى «الإخوان» وسائل الإعلام، برفع دعاوى ضدها بالاعتقال والغرامات، وقبل أسبوعين أصدروا قرارات بإيقاف أكبر خمس محطات تلفزيونية خاصة معارضة، بذريعة حجج استثمارية واهية. بإغضاب الجيش، وتهديد القضاء، وإبعاد الحلفاء من شباب ويسار، ومعاداة القطاع الأكبر من الإعلام، كان حتميا أن يسقط مرسي برغبة أو رضا من معظم الشعب، الذي عاش وضعا اقتصاديا وأمنيا أسوأ مما كان في عهد حسني مبارك، بخلاف وعود لهم بأنها ثورة خبز وحرية. مشكلة «الإخوان» فكر وسلوك. هم ليسوا مستعدين بعد للتحول إلى تنظيم مدني ديمقراطي، لا يزالون بنفس الفكر الفاشي، حيث يؤمنون بصوابية موقفهم، مدعين أنهم وحدهم يمثلون الإسلام، ويرفضون التعايش سياسيا مع الآخرين!.. سلوكهم منذ أول يوم عبر عن جهل بأولى مهارات الحكم: البراغماتية.
    خسروا أعظم فرصة لهم لحكم مصر، الدولة الأهم والأكبر في العالم العربي، بسبب استعلائهم. كما أفقدوا الشعب المصري أعظم فرصة في انتقال تاريخي نحو نظام ديمقراطي مدني سلمي يغير البلاد. وهم ليسوا وحدهم، بل تجارب جماعات الإسلام السياسي متماثلة، تعتقد أن الديمقراطية وسيلة للاستيلاء على الحكم، وهذا الذي دفن حلم حركة «فيس» الجزائرية، وهو الذي مكن الديكتاتورية من حكم السودان بسبب جبهة الترابي هناك، ونظام الحكم الفاشي في إيران أعطى أسوأ صورة عن الإسلام السياسي، والآن «الإخوان» المهزومون المطرودون في مصر.




    ليت ضباط مصر يقتدون بالجيش التركي
    الياس حرفوش/الحياة اللندنية
    بين ساحة تقسيم في إسطنبول وميدان التحرير في القاهرة اكثر من وجه للمقارنة. الساحتان تحولتا الى عنوانين للاحتجاج على أسلمة الدولة او «أخونتها». في الساحتين وقف الجيش سنداً للأحزاب الليبرالية والعلمانية في وجه الحركات والتنظيمات الإسلامية. في تركيا بقي صوت الجيش خافتاً واقتصر دوره على حماية المؤسسات العامة وإتاحة المجال للتظاهرات لتعبر عن نفسها، من غير اللجوء الى أسلوب القمع الذي اعتاد عليه تاريخ الاحتجاجات في المدن التركية. لم يعتبر الجيش التركي ان تلك التظاهرات التي كانت تطالب بإسقاط حكومة رجب طيب اردوغان تمثل فرصة للانقضاض من جديد على الحكم، بحجة حماية النظام، كما فعل الجيش التركي في مرات سابقة. فقد نجح حزب «العدالة والتنمية» خلال عشر سنوات في اعادة الجيش الى بيت الطاعة السياسية، وقلّم اظافر تدخله في الحكم، وفرض عليه احترام شرعية العملية الانتخابية بصرف النظر عن نتائجها.
    اما في مصر فقد اظهر الجيش من خلال مواجهته القائمة الآن مع حكم «الإخوان المسلمين» انه لا يزال يعتبر نفسه القوة الوحيدة التي يمكن الوثوق بها لحماية الدولة وللدفاع عن مصالحها العليا، وإنه المؤتمن الوحيد على مستقبل البلد، كما ان دوره يتجاوز دور المؤسسات الدستورية المنتخبة، بما في ذلك دور رئاسة الجمهورية.
    وعندما يتحول الجيش إلى «مرجع» لحسم الخلافات الحزبية ولتدبير امور الدولة فإن ذلك لا يعني سوى انهيار العملية السياسية وإشارة أكيدة إلى فشل السياسيين في إدارة شؤون بلدهم. وبهذا المعنى فإن السياسيين المصريين الذين يعتبرون الجيش «منقذاً» من أزمات مصر لا يخدمون الجيش ولا يخدمون مصر. ولعلّ عليهم ان يتذكروا الدور الذي لعبه الجيش المصري في ظل الأنظمة الثلاثة التي تعاقب خلالها على الحكم منذ انقلاب «الضباط الأحرار» الى اليوم.
    فكما كان الدور المديد الذي لعبه الجيش التركي في قمع الأصوات المعارضة وفي مسلسل الانقلابات العسكرية هو «الحاضنة» الطبيعية لنمو حركات الإسلام السياسي في ذلك البلد، والتي انتهت بوصول حزب «العدالة والتنمية» الى الحكم في تركيا بأغلبية كبيرة، كذلك كان القمع التي تعرضت له التيارات المعارضة في مصر، ومن بينها «الإخوان المسلمون»، والتزوير المستمر لأصوات الناخبين ورغباتهم، هو الذي فجر ثورة 25 يناير، وانتهى الى قيام حكم «الإخوان» الذي يشكو منه معارضوهم اليوم.
    صحيح ان «الإخوان» اخطأوا في الإسراع الى الإمساك بكل مفاصل الدولة، وباعتبار النسبة البسيطة التي فاز بها محمد مرسي بالرئاسة توكيلاً «شرعياً» لهم للسيطرة الكاملة على اجهزة مصر، القضائية والتشريعية والإعلامية. لكن الجيش ليس المؤسسة الصالحة لحماية العملية الديموقراطية، سواء كان ذلك في مصر أو في أي بلد آخر.
    ترتكب المعارضة المصرية خطأ كبيراً عندما تستنجد بالجيش في وجه خصومها الإسلاميين. فهي أولاً تستنجد بالجيش ضد نتائج صناديق الاقتراع، وثانياً تتجاهل الدور السلبي الذي لعبه الجيش (في ظل الرؤساء «المدنيين») على مدى عقود كحاضن وحامٍ لعمليات قمع الحريات ولزج المعارضين في السجون، ومن بينهم رموز من المعارضة من الذين يعتبرون الجيش نصيراً لهم اليوم. هل لنا ان نذكّر هنا ان الجيش المصري لم يتدخل مرة لحماية حرية صوت معارض واحد، او لإنقاذه من الموت أو السجن، سواء كان هذا الصوت ليبرالياً او إسلامياً!
    وبالنتيجة فإن الكلفة التي يرتبها تحمّل ثلاث سنوات اخرى من حكم محمد مرسي تبقى اقل من كلفة قيام الجيش بلعب دور سياسي من جديد في مصر. لأن هذه ستكون الضربة القاضية للعملية الديموقراطية، التي كلفت المصريين الكثير قبل بلوغ 25 يناير.

    غروب شمس «الإخوان» قبل استكمال انبلاج فجرهم!
    صالح القلاب/الشرق الأوسط
    قبل عام واحد، وفي مثل هذه الأيام، كان الإخوان المسلمون، ليس في مصر فقط، وإنما في العالم كله، وفي الدول العربية كلها، التي لهم فيها وجود فعلي وحقيقي أو رمزي وشكلي، يعيشون نشوة انتصار لا تزال تحوم حوله الشبهات كانوا قد حققوه بالابتزاز والتهديد، وبأنهم سيُغرِقون مصر بالحرائق والدماء إن لم يُحسم الفوز في الانتخابات الرئاسية لمصلحة مرشحهم محمد مرسي، الذي كان قد خاض معركة كتف إلى كتف مع المرشح المستقل الفريق أحمد شفيق، الذي ووجه شعبيا باتهامات «مفبركة»، أقلها أنه حصان سباق «فلول» المرحلة السابقة التي عنوانها حسني مبارك ورموز الحزب الوطني الحاكم، الذي وُصِف ولا يزال يُوصف بأنه غرق في الفساد إلى ما فوق رأسه.
    بعد انتصار مرسي في تلك الانتخابات الرئاسية، المشكوك في نتائجها، بادر «الإخوان» في كل مكان إلى رفع شعار «إننا قادمون»، وكان الاعتقاد؛ اعتقاد الولايات المتحدة والدول الغربية عموما واعتقاد الرأي العام العربي والإسلامي، أن ما جرى في مصر وفي تونس سوف يجري في دول عربية أخرى، وكانت عيون «المراقبين»، الذين جاءوا إلى هذه المنطقة بالألوف ومن كل حدب وصوب مركّزة على الأردن، الذي يوصف بأن «إخوانه» من أسوأ «إخوانهم» وأكثرهم أُميَّة سياسية وقصر نظر، وعلى سوريا، التي كان هؤلاء قد اقتُلِعوا منها في حملات «تطهير» وإبادة متلاحقة، أولها كان في فبراير (شباط) عام 1982، التي نفذها حافظ الأسد وسط صمت دولي وعربي كان غريبا ومستغربا.
    لقد ساد اعتقاد لدى «الإخوان» في مصر وفي كل مكان بعد فوز محمد مرسي في انتخابات رئاسة الجمهورية بأن الدور أصبح دورهم، وأن «أمرا» قد وصل إليهم، بعد 85 عاما من المكابدة والانتظار والتضور جوعا للحكم والسلطة، يجب أن لا يفلت من أيديهم، ويجب أن يحتكروه ويحافظوا عليه، حتى وإن اضطروا للتحالف مع «النقيضين»؛ إيران والولايات المتحدة الأميركية، وحتى ولو اضطروا إلى «الذود عن حوضهم بسلاحهم»، واللجوء إلى ما كانوا لجأوا إليه سابقا، واستخدموه من خلال تنظيمهم السري الذي كان اسمه «النظام الخاص»؛ إن في الاغتيالات ضد خصومهم ومناوئيهم، وكان من بين هؤلاء رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا، وإن في محاولات التمرد المتعددة المعروفة.
    كان الخطأ القاتل الذي ارتكبه هؤلاء هو أنهم، لقصر نظرهم ولاستقتالهم في الإمساك بالحكم الذي بقوا يتضورون إليه جوعا لنحو 85 عاما، لم يقرأوا تجربة حزب البعث بجناحيه؛ جناح العراق وجناح سوريا، قراءة صحيحة، وتجربة عبد الناصر، التي بدأت في عام 1952 وانتهت عمليا بكارثة هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967، وأيضا تجربة الماركسيين في اليمن الجنوبي، وأنهم لم يحددوا الأخطاء التي ارتُكبت خلال كل هذه التجارب الفاشلة، كي يتجنبوها ويحققوا إنجازات تاريخية لم يحققها هؤلاء الذين سبقوهم، والذين انتهوا بالنتيجة نهايات مأساوية كلفت بلدانهم، وكلفت العرب كلهم خسائر سياسية لا حصر لها ستبقى تشكل عبئا ثقيلا على التاريخ العربي المعاصر، وعلى مستقبل الأجيال العربية ولحقب طويلة مقبلة.
    لم يقرأ الإخوان المسلمون تجارب من سبقوهم إلى الحكم القراءة المطلوبة الصحيحة، ولذلك فإن أول «حماقة» سياسية ارتكبوها هي أنهم بادروا إلى الاستفراد بالسلطة، وإبعاد كل القوى الأخرى، حتى بما في ذلك القوى والتنظيمات التي خاضت معركة الانتخابات الرئاسية بحماس شديد لمرشحهم محمد مرسي، أكثر من حماسهم لأنفسهم، وفعل ما فعله البعثيون وما فعله عبد الناصر باتباع سياسة إقصائية واستحواذية، وعلى أساس أن كل من هو ليس «إخوانيا» عدو مبين يجب عدم «التفضل» عليه، ولو بفتات كعكة النظام الذي اعتبروه نظامهم، والذي لا يجوز أن تشاركهم فيه حتى بعض تشكيلات الإسلام السياسي، التي كانت تعتبر أن هذا النظام هو نظامها أيضا.
    وهكذا، وفي وسط ارتباكات وأخطاء لا حصر لها، لجأ محمد مرسي، الذي من المفترض أنه رئيس جمهورية مصر العربية، وأنه للجميع موالاة ومعارضة، إلى انضباط غير جائز لأوامر وتعليمات وتوجهات المرشد العام محمد بديع كانضباط محمود أحمدي نجاد بتعليمات وقرارات الولي الفقيه علي خامنئي الذي له «عصمة الأنبياء»!! والذي يستقبله المحيطون به، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية، على أنه كلام منزل من السماء.
    إن محمد مرسي الذي من المفترض أنه رئيس جمهورية مصر العربية، وأنه للجميع وللمعارضة كما هو للموالاة وللأحزاب كلها، لم يدرك حقيقة موقعه وأهميته، ولذلك فإنه بقي يتصرف كأحد القادة الصغار في الإخوان المسلمين، وأنه قَبِلَ على نفسه أن تكون مرجعيته ليس المرشد العام وفقط، وإنما خيرت الشاطر أيضا، كما أنه قَبِلَ على نفسه أن يتحدث إلى الشعب المصري بكل قواه واتجاهاته، وكأنه ليس رئيسا لهذا الشعب، بل عضو صغير في «الجماعة الإخوانية»، وحقيقة أن هذا هو سبب ابتعاد المصريين عنه وسبب خروجهم بعشرات الملايين ينادون ويطالبون بسقوطه وبإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لانتخاب من سيكون رئيسا لهم، وليس موظفا لدى محمد بديع وغيره. وهنا، وبينما تعيش مصر كل هذه التطورات «الدراماتيكية» الخطيرة جدا، فإنه يمكن القول إن شمس الإخوان المسلمين قد غربت قبل استكمال مرحلة انبلاج فجرهم، وإنه إذا كانت حركة ما يسمى «اليسار القومي» قد سبحت ضد التيار منذ بدايات خمسينات القرن الماضي، وحتى انهيار حكم البعث في العراق في عام 2003، وانهياره الفعلي والعملي الآن في سوريا فإنهم، أي الإخوان المسلمين، قد فشلوا كل هذا الفشل الذريع منذ الأيام الأولى بعد اختيار مرشحهم محمد مرسي، وأنهم أثبتوا أنهم قد أتقنوا عملية الهدم على مدى عمرهم الذي استطال لمدة 85 عاما، لكنهم لم يتقنوا إطلاقا عملية البناء، وبالتالي فإنهم قد خسروا جولة هي في حقيقة الأمر جولتهم الأولى والأخيرة.
    وبالطبع فإنه لا بد من الإشارة إلى أن «جبهة الإنقاذ» هذه قد ارتكبت هي أيضا خطأ فادحا، عندما تصرفت بغباء سياسي منقطع النظير، واتخذت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إن ليس الانحياز إلى محمد مرسي، فالوقوف على الحياد السلبي بينه وبين الفريق أحمد شفيق المشهود له بنظافة اليد واتساع الأفق وبالقدرة الإدارية، وبأنه لم يكن ولا في أي يوم من الأيام من الزمرة الفاسدة المفسدة التي كانت تحيط بالرئيس السابق حسني مبارك، والتي أصبحت تتخذ كل قراراته الصعبة عندما خارت قواه وأصبح في أرذل العمر.
    ومثل هذا الخطأ الذي ارتكبته «جبهة الإنقاذ» وارتكبته المعارضة المصرية عموما، فإن الولايات المتحدة بدورها قد ارتكبت هي أيضا «حماقة» سياسية فادحة عندما، بحجة الخوف من فراغ سياسي قد يؤدي إلى فوضى مدمرة في بلد استراتيجي وله كل هذه الأهمية، كمصر، اختارت الانحياز إلى الإخوان المسلمين إن عشية وإن بعد تنحي حسني مبارك، وهذا كان فعل مثله الأميركيون في عام 1952، عندما، وبالحجة نفسها، فرضوا شهر عسل استمر لنحو عامين بين جمال عبد الناصر وهذه «الجماعة» الإسلامية التي ما لبثت أن انقلبت على حليفها هذا، وحاولت اغتياله في عام 1954 في تلك الحادثة الشهيرة المعروفة.
    وتجدر الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة كانت قد ارتكبت مثل هاتين الحماقتين السياسيتين وأكثر، وأيضا بحجة الخوف من «الفراغ» السياسي الذي ستخلِّفه بريطانيا في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية بانسحابها في عام 1949 من تركيا واليونان لحساب الاتحاد السوفياتي والمد الشيوعي، عندما خططت وأشرفت على أول انقلاب عسكري عربي في عام 1949، وهو انقلاب حسني الزعيم الذي أدخل سوريا في دوامة انقلابات عسكرية متلاحقة، وصل عددها بعد انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في عام 1970 إلى 11 انقلابا، كلها كانت انقلابات مدمرة وذاق الشعب السوري خلالها ويلات كثيرة، وانتهى بعدها «القطر العربي السوري» إلى هذه النهاية المأساوية الحالية.

    عيون وآذان (العسكر والأزمة في مصر)
    جهاد الخازن/الحياة اللندنية
    للمرة الأولى في حياتي، وأنا في هذا العمل منذ كنت في التاسعة عشرة، أدعو الى تدخل عسكري في حكم مدني.
    أكتب قبل ظهر الأربعاء، بحكم توقيت طبع الصفحة الأخيرة من "الحياة"، ولا أعرف ما سيحدث مع إنذار الجيش المصري بعد الظهر، وأطالب الجيش بتسلم الحكم في مصر لمدة أقصاها سنة يعدَّل فيها الدستور وتجري انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة.
    لا أدعو الى إنقلاب عسكري، وحتماً لا أريد لمصر 60 سنة أخرى من حكم الكولونيلات والجنرالات، إلا أنني أطالب بفترة إنتقالية أقصاها سنة لأن الوضع الحالي في مصر، بلد كل العرب، لا يمكن أن يستمر.
    الرئيس محمد مرسي يقول إنه الرئيس المدني الأول المنتَخَب شرعياً في مصر، وهو يرفض أن ينظر حوله ليرى أن غالبية من شعب مصر سحبت بساط الشرعية من تحت قدميه.
    هو في سنة واحدة خسر ثقة الغالبية، فقد انتقل من خطأ الى خطأ أكبر الى فشل. أكتب وليس لي أي موقف ضد الأخوان المسلمين فهم جزء مهم من مكونات الشعب المصري، ولكن أحاسب الرئيس محمد مرسي على ما وعد ولم يُنجز، وأقول إن خيرت الشاطر كان حتماً سيُظهر معرفة أوسع وأعمق بإدارة الحكم، إلا أن سجله القضائي حال دون ترشيحه. وكنت أفضل لو أن الجماعة اختارت عصام العريان مرشحاً للرئاسة، فعنده خبرة سياسية وممارسة عملية، إلا أن الجماعة، كالعادة، قدَّمت الولاء على القدرة والآن مصر كلها تدفع الثمن.
    الرئيس طلع على المصريين ليل الثلثاء بخطاب أصرَّ فيه على أن "لا بديل عن الشرعية الدستورية القانونية الانتخابية"، وهذا صحيح إلا أنه لا ينطبق على رئيس وعد وعوداً محددة ولم ينفذها، بل زاد الوضع سوءاً على يديه، حتى أننا رأينا حسني مبارك وقد استرد صحته وبسمته الساخرة، تشفياً بالرئيس الذي خلفه.
    وعرض الرئيس مرسي في خطابه مبادرة تتضمن تغيير الحكومة وتشكيل حكومة إئتلافية من الطيف الوطني ولجنة وطنية متوازنة لصياغة الدستور، واتخاذ إجراءات لضمان نزاهة الانتخابات القادمة وشفافيتها.
    لو قدم الرئيس مرسي مبادرته هذه قبل ستة أشهر أو ثلاثة لربما كانت قُبِلَت، إلا أنه تأخر وقاوم ورفض الاعتراف بتحوّل الرأي العام المصري ضده، وهو طلع بالمبادرة بعد أن أجمعت الجهات المعارضة على رفض الحوار معه.
    لاحظت مرة بعد مرة في خطاب الرئيس إشارته الى "الشرعية" من دون أن يدري أن الشرعية تقوم على الانجاز، وهو ما لم يحصل فما رأيت مع المصريين أن الرئيس لا يتخذ قراراً حتى تقول له المحاكم أن قراره غير قانوني، من انتخابات مجلسي البرلمان الى تعيين المدعي العام الى الدستور وكل قرار أساسي آخر.
    وأقول مرة أخرى إن الحزب الديني، سواء كان في مصر أو تركيا، يقدم الولاء على القدرة، لذلك رأينا الجماعة تعيّن أعضاءها في الوزارات ودوائر الدولة كلها، ولذلك رأينا الفشل العام في الأداء الحكومي، وفي تحقيق مطالب الشعب وهي "شرعية" بكل المقاييس لا تتجاوز لقمة العيش والضمانات الصحية والاجتماعية والتعليم.
    القوات المسلحة المصرية اليوم أمام اختبار كبير، فهي لم تحارب منذ 40 سنة، وميزانيتها السنوية أكبر بند في الميزانية العامة للدولة. واجب القوات هذه أن تثبت أن استثمار الشعب في جيشه كان استثماراً حكيماً يؤتي ثماره في الأزمات.
    المصريون لا يستطيعون أن يتظاهروا مع هذا أو ضد ذاك ليل نهار، فهم لو عملوا جميعاً تظل أوضاع مصر صعبة بسبب عدد السكان. والتظاهر بطالة مكشوفة وغير مقنَّعة أو مقنِعة.
    أطالب بتدخل القوات المسلحة لأجَل محدود، ولا أريد إنقلاباً عسكرياً، ثم أرجو أن يكون طلبي هذا الأول والأخير من نوعه في حياتي العملية.


    الجيش في لبنان ومصر: هل من عودة إلى الانقلابات؟
    رغيد الصلح (كاتب لبناني)/الحياة اللندنية
    احتلت أوضاع المؤسسة العسكرية في كل من مصر ولبنان خلال الأسابيع الأخيرة حيزاً واسعاً ومتسارعاً من الاهتمام العام في البلدين وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد انتشرت تساؤلات عديدة في أوساط الرأي العام حول دور المؤسسة العسكرية وعلاقتها بالسلطات المدنية المنتخبة. وازدادت أهمية هذه التساؤلات مع تفاقم الأزمة السياسية في البلدين، وخروج الصراع بين أطراف النخب الحاكمة عن ميادين التنافس السياسي والديموقراطي، واستفحال النزعات الاستئثارية والإقصائية لدى بعض هذه الأطراف والفصائل، وتراجع الشأن الوطني أمام احتدام العصبيات والتشنجات الفئوية المهددة للاستقرار ولوحدة البلدين الوطنية والترابية. في ظل هذه الأجواء يتطلع الكثيرون، بل ربما الأكثرية من المواطنين، إلى القوات المسلحة كمؤسسة وطنية قادرة على إخراج البلاد من الأزمات المستفحلة التي تمر بها.
    تقترن هذه التطلعات وما يعبر عنها من نداءات ومواقف بالاقتناع بأن للمؤسسة العسكرية الخصائص والقدرات الكافية للمساهمة في معالجة هذه الأزمات وفي مقدمتها الحيادية المطلوبة تجاه المتنافسين، والابتعاد عن الأغراض السياسية. ولئن كان هذا التقييم في محله أو لا، فالمهم أن هناك نسبة عالية من المعنيين بأوضاع البلدين تعتقد أن المؤسسة العسكرية تمتلك الشروط الكافية للقيام بدور نشيط في احتواء الصراعات التي تواجه المصريين واللبنانيين. لقد عبر زعماء محليون في مصر ولبنان، ومسؤولون أميركيون وأقرانهم في الاتحاد الأوروبي وفي عدد من الدول الكبرى عن هذه النظرة بخاصة بالنسبة إلى القوات المسلحة اللبنانية. إن انتشار هذه النظرة «الرغائبية» - إذا صح التعبير- لا يعني أنها تحظى بالإجماع، إذ إنه إلى جانب هؤلاء الذين يضعون ثقة عالية في القوات المسلحة في البلدين فإن هناك قيادات سياسية مصرية ولبنانية تتخوف مما تعتبره انحيازاً من قبل هذه القوات إلى افرقاء منافسين، او نزوعاً إلى الاستيلاء على السلطة والتفرد بها.
    هذه المخاوف ليست أمراً طارئاً ولا هي من صنع مصري أو لبناني. إنها نشأت مع نشوء وتطور الأنظمة الديموقراطية في العالم حتى أن البعض اعتبر أن هذه الأنظمة ولدت في خضم الحروب، وتلبية لحاجاتها وضروراتها. فالنخب الحاكمة لم تكن قادرة على تمويل الصراعات المسلحة والفتوحات لولا إشراك الإقطاعيين، كما أثبتت تجربة «الماغنا كارتا». ولكن نسبة عالية من الانقلابات العسكرية في عصرنا الراهن لم تعد من فعل أمراء حرب يسعون إلى تمويل جيوشهم التي تقف على جبهات القتال، بل هي اليوم من صنع انقلابيين يسعون إلى الوصول إلى السلطة وما تمثل من منافع وحسب. وفي اغلب الأحوال فإن هؤلاء هم من الذين يعزفون عن خوض الحروب وليسوا من الذين يسعون إلى تمويلها. هل يعني ذلك أن كل تحرك للقوات المسلحة سوف يكون في إطار حلف جهنمي يضم «المؤسسة العسكرية-الصناعية» التي حذر الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور خلال الخمسينات من مصالحها الفئوية وأضرارها؟
    النظرة الليبرالية التقليدية تميل إلى تأكيد هذه المخاطر وإلى وضع خريطة واضحة لتجنبها إبان الانتقال إلى الديموقراطية. تشمل هذه الخريطة تحديد دور القوات المسلحة في الأنظمة التي تخوض معركة الانتقال. في هذا السياق يؤكد صموئيل هانتنغتون «أن السياسة تتجاوز صلاحيات العسكريين» وإن على العسكري أن يكون حيادياً في المعترك السياسي وأن يخضع لأوامر القيادات السياسية الحاكمة. كذلك يؤكد غيره من العلماء والمفكرين الليبراليين، «أن العسكريين تابعون للحكومة كما هي حال الموظفين الآخرين التابعين لها ولا يملكون أي مسوغ نظري أو عملي، وعملهم لا ينطوي على أية قيمة مضافة تسمح لهم بالقفز من فوق السلطة السياسية لإقامة صلة ملتبسة مع الدولة تبرر لهم تجاوز التعليمات الحكومية».
    انتشرت هذه النظريات انتشاراً واسعاً خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبخاصة خلال ما دعي بالموجة الثانية للتحول الديموقراطي في العالم، وساعدت على تحديد العديد من المواقف والسياسات تجاه الأدوار التي تضطلع بها القوات المسلحة في دول العالم. وباستطاعتنا أن نلمس أثر هذه النظرات في المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي من اجل انضمامها إلى الاتحاد. ذلك انه كان من المتوقع ان تستأنف هذه المفاوضات قبل ايام. ولكن الاتحاد آثر ارجاءها الى نهاية فصل الصيف الحالي. وهذا الإرجاء يدل على ان مسألة التحديد الدقيق لدور القوات المسلحة في مراحل الانتقال الى الديموقراطية وترسيخها قد لا يكون سهلاً.
    ففي تركيا نجح حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تقليم اظافر المؤسسة العسكرية، وفي تقليص هيمنة الكماليين عليها. بذلك استوفى الحزب التركي الحاكم شرطاً رئيسياً من «شروط كوبنهاغن» - كما دعيت - للانضمام الى الاتحاد الأوروبي. ذلك ان المؤسسة العسكرية لجأت مراراً، بقيادة الكماليين، الى التدخل ضد ارادة الناخبين الأتراك. من هذه الناحية فإن تقليص دور القوات المسلحة التركية في الحياة العامة يستجيب إلى شروط الدمقرطة التي وضعها الاتحاد الأوروبي على انقرة كممهد لانضمامها الى الأسرة الأوروبية. من ناحية اخرى، يبدي العديد من القادة الأوروبيين خشيتهم من ان يكون إقصاء الكماليين عن المؤسسة العسكرية مقدمة لترسيخ سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على تركيا، وأن يتم الشق الأخير من هذه العملية خارج المسار الديموقراطي. ومن المتوقع انه حتى ولو قدمت انقرة أدلة على خطأ هذا الانطباع، فلن يتخلى الاتحاد الأوروبي كلياً عن مخاوفه. والأرجح ان يستمر تأجيل المفاوضات حتى تبرز بوضوح معالم النموذج «التركي الإسلامي» للديموقراطية بانتظار ان يتضمن هذا النموذج تطبيق شروط كوبنهاغن كاملة.
    من المؤكد ان المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا سوف تتضمن مناقشات وحوارات مهمة حول المسألة الديموقراطية، ولكنها لن تكون في مثل اهمية الحوارات التي تدور بين المعنيين بمستقبل الديموقراطية في مصر ولبنان والبلدان العربية الأخرى. فهنا تتزامن جولات الحوار مع اجواء العنف المتفجر والمتصاعد. ومن الصعب ان يضع المرء مسؤولية تصاعد لغة العنف هذه على عاتق فريق واحد من الفرقاء المصريين او اللبنانيين. كذلك من الصعب ان يعتبر المرء ان الذي يمارس العنف هو الفريق الذي يحمل السلاح، بينما يعفى من لا يملك السلاح، او من لا يملك قدراً كافياً منه، من مسؤولية دفع البلاد إلى شفير الهاوية.
    اذا اردنا ان نحدد المسؤول عن الوصول بالبلاد الى هذه الأوضاع وإلى شفير الانفجار، فإنه ليس من قبيل المبالغة القول إن القوات المسلحة في البلدين باتت اقرب الى ان تكون، في نظر المواطنين العاديين، بمثابة صمام امان ضد الانفجار. وبالمعيار الديموقراطي فإن هذا الوضع يزود القوات المسلحة بالعذر الوحيد المقبول من اجل التدخل في السياسة، الا وهو انقاذ الديموقراطية نفسها. هذا التدخل قد يكون ممكناً في مصر، ولكن لأسباب كثيرة هو غير ممكن - في الظرف الراهن على الأقل - في لبنان. أما التدخل في مصر فإنه إذا حدث سوف يكون جزئياً، وعلى الأرجح موقتاً ولأسباب ذاتية وموضوعية. ذلك أن من وجهة نظر العسكريين في العديد من الدول النامية مثل مصر ولبنان، باتت كلفة الاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها اكبر بكثير من كلفة الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعلى مكانتها في المجتمع.
    في كل الحالات، من الخطأ أن تترك مصائر البلاد إلى المسلمات النظرية أو إلى التكهنات، فعندما يقف بلد من البلدان أمام ثلاثة خيارات: حرب أهلية، العيش في ظل نظام استبدادي بعد أن دفع البلدان ثمناً غالياً للخلاص من هذا الاستبداد، صيغة حكم ائتلافي وتضميني، يبقى الخيار الأخير، رغم مذاقه المر هو الأقل ضرراً على المصريين واللبنانيين وعلى الأسرة العربية والمجتمع الدولي.


    انقلاب عسكري بوجه مدني وغطاء ديني
    عبد الباري عطوان/القدس العربي
    اثبت الفريق اول عبد الفتاح السيسي انه الرئيس الفعلي للبلاد، مثلما اكد ان المؤسسة العسكرية هي الوحيدة المتماسكة والقادرة على قلب نتائج صناديق الاقتراع في اي وقت، تحت عنوان ‘تلبية طموح جموع الشعب والحفاظ على مصالحه الوطنية’.
    انه انقلاب عسكري بوجه مدني، وبغطاء ديني ووعد ديمقراطي، وهذا ما يفسر اشراك شيخ الازهر وبابا الاقباط في عملية اتخاذ قرار عزل الرئيس مرسي وحركة الاخوان المسلمين، والقذف بهم الى المجهول، وربما الى غياب السجون في زنزانة مجاورة لزنازين الرئيس مبارك ورهطه.
    وعندما نقول انه انقلاب بوجه مدني، فإننا نقصد بذلك ان المؤسسة العسكرية اختارت رئيسا مدنيا مؤقتا وهو رئيس المحكمة الدستورية العليا، ودعت لانتخابات رئاسية وبرلمانية بعد ستة اشهر، وتشكيل لجنة من الخبراء لوضع دستور جديد.
    الفريق اول السيسي لم يسر على نهج استاذه المشير حسين طنطاوي ويتزعم مجلسا عسكريا، وفضل ان يظل صانع ملوك، يجلس في مقعد القيادة دون ان يكون قائدا، تماما مثل المرشد العام للاخوان المسلمين، او المرشد الاعلى للثورة الايرانية.
    ‘ ‘ ‘
    من المؤكد ان المؤسسة العسكرية انحازت للطرف الاقدر على جمع الملايين في ميادين مصر وشوارعها، حسب ما جاء في البيان الذي اذاعته مساء امس، ولكن من المؤكد ان حركة الاخوان المسلمين التي انتظرت تسعين عاما للوصول الى السلطة ستشعر انها الضحية، وان الرئاسة سُرقت منها، مهما اختلفنا مع هذا الطرح او اتفقنا.
    انصار حركة تمرد الذين نزلوا بالملايين الى ميدان التحرير وقصر الاتحادية احتفلوا بطريقة اكبر من احتفالهم باطاحة الرئيس السابق حسني مبارك، وهذا من حقهم، فقد تحققت طموحاتهم، وجرى تلبية مطالبهم في اطاحة ‘حكم المرشد’، مثلما كانوا يهتفون طوال الايام والاسابيع الماضية.
    الجيش المصري خطط لهذا اليوم جيدا، ولعله استفاد من تجربة نظيره التركي في لعب دور الحامي للدولة المدنية، ومنع المتشددين الاسلاميين من الوصول الى الحكم ولو من خلال صناديق الاقتراع، مثلما حصل لحزب الرفاه والسعادة بزعامة نجم الدين اربكان.
    وعندما نقول خطط لذلك جيدا، فاننا نقصد انه ضمن ولاء ودعم مؤسسة الازهر والكنيسة القبطية، وجبهة الانقاذ المعارضة، وحركة تمرد التي تضم جيل الشباب، ووظف كل هؤلاء وانصارهم لدعم تدخله الحاسم.
    السؤال الآن هو حول كيفية تسويق الفريق اول السيسي لخريطة الطريق التي طرحها على الجانب الآخر المتضرر، اي حركة الاخوان المسلمين، ثم كيف سيكون رد فعلها؟
    من المؤكد ان الحركة التي تملك شعبية كبيرة لا يمكن التقليل من شأنها، خاصة في الريف المصري، وقالت مسبقا على لسان الرئيس مرسي والدكتورين محمد البلتاجي وعصام العريان، انها لن تسكت وستقاتل من اجل الدفاع عن الشرعية حتى آخر نقطة دم.
    هناك جناحان في الحركة، الاول جناح الصقور الذي يمثله مرسي ومحمد البلتاجي، وجناح الحمائم الذي يضم شخصيات مثل خيرت الشاطر، وسعد الكتاتني زعيم حزب الحرية والعدالة، وان كان البعض يقول انه لا فرق بين الجناحين والمسألة مسألة تبادل ادوار فقط، وما زال من المبكر القول بان ايا من الجناحين سيغلب الآخر، لكن عندما يقول الرئيس مرسي انه سيموت واقفا حاملا كفنه على كتفه، وعندما يؤكد الدكتور البلتاجي انه سيقاتل دفاعا عن الشرعية حتى آخر نقطة دم، ويدعو انصاره الى الشهادة فإن علينا ان نتوقع الاسوأ.
    ‘ ‘ ‘
    مصر كانت منقسمة قبل صدور بيان المؤسسة العسكرية، والآن اصبحت اكثر انقساما، ولا نستغرب او نستبعد تبادل الادوار، اي ان ينسحب المعارضون من الميادين ليحتلها المتضررون وربما بأعداد اكبر.
    سابقة الجزائر تتكرر حرفيا في مصر، مع فوارق طفيفة، وهي ان المؤسسة العسكرية الجزائرية اجهضت عملية انتخابية فاز فيها اسلاميون قبل ان تعلن نتائجها، بينما اقدمت المؤسسة العسكرية المصرية على اجهاض عملية انتخابية بعد ظهور نتائجها.
    شيخ الازهر قال امس ‘مصر الآن امام امرين، واشد الامرين سوءا هو سيلان دم الشعب على التراب لذلك وعملا بقانون الشرع الاسلامي القائل بان ارتكاب اخف الضررين واجب شرعي’.
    نتفق مع شيخ الازهر احمد الطيب في توصيفه هذا، ولكننا لا نعتقد ان تفاؤله في محله، فأخف الضررين ربما يصبح اخطرهما او سببا في اشعال فتيل حرب اهلية.
    نحن ضد سفك الدماء، وضد الاحتكام الى السلاح مهما كانت مبرراته، ولذلك نتمنى ان ترجح كفة العقل، وان يتقبل الاخوان المسلمون الامر، وان يتجرعوا كأس السم، ويستعدوا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، ويؤكدوا بذلك على سلميتهم، وحرصهم على مصر، وحقن دماء ابنائها، وان يفعلوا ما لم يفعله خصومهم، اي الاحتكام الى صناديق الاقتراع.
    نبالغ في تفاؤلنا.. نعم.. نطرح طرحا ساذجا في نظر البعض.. ايضا نعم، ولكننا ننطلق من كل هذا من حبنا لمصر، وحرصنا على حقن دماء شعبها، ونحن نرى ما حدث في دول الجوار، سورية والعراق وليبيا على وجه الخصوص.




    لا تحشروا الإسلاميين فى الزاوية
    عماد الدين حسين/الشروق المصرية
    أحد الاحتمالات المطروحة للمستقبل ان تكون هناك فترة انتقالية ما بين عام وعامين. إذا حدث هذا الأمر فهناك طريقان الأول أن يكون الإخوان والتيار الإسلامى ضمن مكونات هذه الفترة، والطريق الثانى أن يكونوا خارجها.
    على كل عاقل ومحب لهذا الوطن ان يقاتل من أجل عدم اقصاء الإسلاميين او غيرهم من المشهد، لأن حدوث ذلك ــ لا قدر الله ــ يعنى أننا دخلنا فى السيناريو الجزائرى فعلا.
    اختلفوا كما تشاءون مع التيار الإسلامى لكن لا تنسوا انه مكون أصيل فى المجتمع المصرى، ونجح فى حصد غالبية البرلمان، وأفرز رئيسا للجمهورية وبالتالى لا يمكن لعاقل ان يفكر فى اقصائه.
    هذا التيار ــ وبالأخص الإخوان المسلمين ــ فشل بالثلث فى الاختبار وحقق اخفاقا يحسده عليه عتاة الفاشلين، وكانت النتيجة ان غالبية الشعب خرجت عن بكرة أبيها فى أعظم استفتاء شعبى ــ من دون صناديق ــ لتقول له كفى.
    الديمقراطية ليست هى الصناديق فقط كما قال أوباما لمرسى، ولكنها الاستماع أيضا لصوت الملايين فى الشوارع.
    ورغم ذلك فإن فشل الإخوان فى الحكم لا يعنى اقصاءهم حتى لا يتحولوا هم وبقية حلفائهم إلى نمور جريحة.
    الإخوان لن يعترفوا بسهولة انهم فشلوا، وسوف يصرون لوقت طويل على ان الفلول والثورة المضادة والمؤامرة الإقليمية الكونية الشاملة ضدهم هى السبب، ورغم ذلك فإنه لا ينبغى حشرهم فى الزاوية.
    تطبيق خيار الاقصاء، واجبار الاسلاميين على التوارى والانزواء ومطاردتهم فى حياتهم وارزاقهم قد يدفع بعضهم لليأس والاحباط لكن بعض الشباب البرىء والثائر منهم قد يفكر فى انتهاج سبيل العنف، وهو أمر مدمر للمجتمع بأكمله وسيدخلنا فى حقبة وربما حقب من العنف والعنف المضاد يدفع الوطن الى دوامة بلا نهاية.
    الخيار الأول يعنى ان يتكاتف الجميع لإقناع الإخوان بأنه لا توجد أى روح انتقامية ضدهم فى المستقبل إضافة إلى تقديم وعود جادة وحقيقية تضمن ألا تكون هناك ملاحقات ثأرية ضدهم بما يخالف القانون.
    فى هذا الإطار لا يمكن تفهم بروز نجم الفريق أحمد شفيق وتحوله إلى ناصح أمين وموزع لصكوك الوطنية والمناصب فى المستقبل، إضافة إلى بقية نجوم مرحلة مبارك.
    ليس من مصلحة القوى الوطنية ان يتحول عكاشة وغيره إلى ثوار المرحلة، خصوصا ان الملايين الذين ثاروا على مرسى وجماعته هم أنفسهم الذين ثاروا على مبارك وعصابته.
    إذا كان الإخوان قد فشلوا بمهارة فى قراءة مشهد يوم 30 يونيو، فإن الفلول أيضا يبدو أنهم توهموا أن الذين خرجوا فى هذا اليوم من أنصار الفريق أو المذيع.
    كارثة ان يضيع الشباب الذين أبهروا العالم للمرة الثانية فى خلال عامين وأربعة أشهر بين نظامين ثبت فشلهما «مبارك ولجنة سياساته ومرسى ومكتب إرشاده».
    من مصلحة مصر أن تستوعب الإخوان وكل الإسلاميين وسائر القوى الوطنية وكل الراغبين فى المساهمة فى مستقبل مشرق. بعيدا عن اللصوص والفاسدين والفاشلين والإرهابيين.

    ذكر بعض ما جرى
    فهمي هويدي/الشروق المصرية
    قبل نحو عشرة أيام اتصل بى هاتفيا الأستاذ نبيل مرقس خبير التنمية المخضرم قائلا إن هناك فكرة توفيقية وتصالحية لحل أزمة الانقسام السياسى الحاصل فى مصر تستحق البحث. وفى شرحه للفكرة ذكر أنها تقوم على ركيزتين أساسيتين هما إجراء الانتخابات البرلمانية والاستفتاء بعد ذلك على بقاء الرئيس محمد مرسى فى منصبه. وهى بهذه الصيغة تستجيب لحرص الرئيس على انتخاب مجلس تشريعى وتشكيل حكومة جديدة تعكس الخريطة التى تسفر عنها الانتخابات، وفى نفس الوقت فإنها تلبى مطلب حملة «تمرد» الذى تبنته أحزاب المعارضة لاحقا لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
    وأثناء حديثه أخبرنى أنه ناقشها مع الدكتور سمير عليش (أحد الخبراء الناشطين فى الساحة السياسية والمشغولين بتنمية المجتمع المدنى) واتفقا على أن أهم ما ينبغى أن تحرص عليه القوى الوطنية فى الوقت الراهن هو الحفاظ على سلامة وكيان الدولة المصرية، وتقديم نموذج للتحول الديمقراطى السلمى، الذى تتم فى ظله المصالحة الإيجابية بين السلطة والمجتمع والحيلولة دون استسلام القوى الوطنية للاستقطاب والاحتراب.
    لم يكن المستشار محمود الخضيرى رئيس محكمة الاستئناف السابق بعيدا عن الاقتراح، وكان قد سبق أن دعانى لاجتماع مع عدد من المثقفين للتفكير فى مخرج من الأزمة. وقد ظلت أفكار ومبادرات البحث عن حل موضوعا لحوارات لم تتوقف معى ومع غيرى من المستقلين المعنيين بالشأن العام. إلا أننى وجدت فيما قدمه الأستاذ نبيل مرقس صيغة تسهم فى تمكيننا من العبور من الأزمة بسلام. ولأننى فهمت أن اتصاله بى لم يكن هدفه فقط إقناعى بالفكرة. ولكنه أراد أيضا أن أنقلها إلى من أعرف من المسئولين فى دوائر السلطة. ولسابق معرفة بالدكتور محمد على بشر وزير التنمية المحلية، ولأننى أعرف صلته الوثيقة بالرئيس محمد مرسى، فإننى نقلت إليه الاقتراح أملا فى أن يوصله إلى الرئيس، وحين خرجت مظاهرات المعارضين حاشدة يوم الأحد 30 يونيو فإننى أعدت الاتصال به بخصوص الموضوع، وقلت له إن فى الشارع أعدادا غفيرة من المعارضين، وهؤلاء ينبغى أن يسمع صوتهم وأن يعلن الرئيس استلامه لرسالتهم.
    بعد ساعات قليلة اتصل بى الدكتور بشر بعدما كان قد دون مضمون الاقتراح فى أربع نقاط، وقال إنه عرضه على الرئيس محمد مرسى الذى كانت أمامه مقترحات أخرى. وقد اقتنع به. وسيعرضه فى اجتماع يعقد لهذا الغرض فى الثانية عشرة والنصف من صباح اليوم التالى (الاثنين). ولأن الاتصالات حول الموضوع ظلت مستمرة مع مختلف الأطراف طوال الليل، فإننى هاتفت فى منتصف الليل المهندس أبوالعلا ماضى رئيس حزب الوسط لكى أستفسر منه عن بعض التفاصيل، فأبلغنى بأن المكتب السياسى للحزب مجتمع، وأنه أيد فكرة الدعوة لانتخابات برلمانية فور الانتهاء من قانون مباشرة الحقوق السياسية، وأن أعضاء المكتب يبحثون فى صياغة الدعوة للاستفتاء على رئاسة الجمهورية بعد ذلك.
    فى صباح اليوم التالى (الاثنين) أبلغنى الدكتور محمد على بشر بأن المبادرة تبلورت لدى الرئيس وأنه سيدخل بها إلى اجتماع الثانية عشرة والنصف ظهرا. وبعد قليل تلقيت اتصالات من الدكتور طارق وفيق وزير الإسكان الذى أبدى قلقه من أن ترفض أحزاب المعارضة المبادرة خصوصا أنها فى تصعيدها للمواجهة لم تعد مستعدة لاستقبال أى رسالة من الرئيس مرسى. وكان رأيه أنه يفضل أن يحمل المبادرة من طرحوها فى البداية، لتجنيب الرئيس الحرج، ووجدت وجاهة فى الفكرة فقلت إننى سأتشاور مع أصحاب المبادرة لتشكيل مجموعة منهم لتولى المهمة. تبادلنا بعض الأسماء المرشحة بسرعة، ثم تواعدنا على استكمال القائمة بعد ذلك. وبالفعل اتصلت بالأستاذ نبيل مرقس الذى اقترح علىّ بعض الأسماء وأضاف إليها أسماء أخرى فى اتصالين لاحقين. وسألنى عما إذا كان عليه أن يشرع فى إبلاغ من اقترح أسماءهم بالدور الذى سيقومون به، فقلت إن علينا أن ننتظر حتى ينتهى اجتماع الرئيس بالمجموعة السياسية التى سيلتقيها فى الثانية عشرة والنصف، وفهمت من الدكتور محمد على بشر أن الرئيس دعا وزير الدفاع ورئيس الوزراء لاجتماع فى الثالثة والنصف عصر لإطلاعهما على المبادرة قبل أن تخرج إلى المجال العام. ولست أعرف ما الذى جرى فى الاجتماع، لكنى حين وجدت أن القيادة العامة للقوات المسلحة أعلنت بيانها فى الساعة الرابعة، أدركت أن الحديث عن أية مبادرات فات أوانه، بعدما أمسكت القوات المسلحة بزمام المبادرة.
    لا أعرف ما إذا كان الجيش قد تعجل فى الدخول على الخط أم لا، لكننى أعرف جيدا أن الرئيس مرسى تأخر كثيرا فى الإنصات إلى صوت الشارع.

    رهانات الإخوان
    عمرو الشوبكي/المصري اليوم
    ردود أفعال رئيس الجمهورية، ومعه قيادات الجماعة، على التظاهرات الحاشدة وغير المسبوقة التى شهدتها مصر أمس الأول كانت صادمة وكارثية، وحتى المتحدث باسم الرئاسة فقد كان حديثه كارثيا و«بهتت» عليه ثقافة الجماعة الحاكمة، لا تقاليد وزارة الخارجية العريقة.
    تجاهل الرئيس غضب الملايين، فطالما هم من خارج العشيرة والجماعة فليسوا مهمين، وتجاهل هو وحاشيته استشهاد العميد محمد هانى رجل الشرطة العظيم الذى استشهد وهو يؤدى واجبه على يد عصابات الغدر المسلحة فى سيناء، واكتفى بإدانة جريمة اغتصاب الصحفية الهولندية.
    والسؤال: ماذا بعد أن تجاهل إخوان الحكم احتجاجات المصريين، بل إطلاق رجالهم النار على من ارتكبوا اقتحام مقر الإخوان فى المقطم، فيساوون بين الحجر والنفس ويقتلون 12 مواطنا فى جريمة بشعة يندى لها الجبين؟.
    كل ذلك يجرى والجماعة تكتفى بالمؤتمرات الصحفية والرئاسة منتظرة أوامر مكتب الإرشاد ولا تتحرك، ولا تقوم بأى رد فعل على ما جرى وكأنها أحداث تجرى فى بلد أو كوكب آخر.
    إذا كانت هذه الصورة تعكس عزلة حقيقية تعيشها الجماعة عن الشعب المصرى، فإنها لا تمثل الصورة كلها، فهناك جوانب أخرى تراهن عليها الجماعة تدعم تجاهلها لما يجرى فى الشارع، وهو اعتقادها أن هذه الأحداث لن تستمر كثيرا، وأن متظاهرى التحرير والاتحادية وباقى المدن المصرية سيسأمون من التظاهر بعد أسبوع، ويعودون إلى بيوتهم استعدادا لشهر رمضان الكريم.
    وقد دعم من هذه النظرة قناعه الإخوان بأن المعارضة منقسمة على نفسها، وهى مجرد صوت احتجاجى غير قادر على العمل المنظم أو تقديم بديل، وأن الصوت الاحتجاجى لن يستطيع أن يسقط بمفرده النظام السياسى، ولعل تجربة سقوط مبارك خير دليل على ذلك حين لعب الجيش دورا حاسما فى تنحيه عن السلطة.
    ومن هنا يتصور الإخوان أن الصوت الاحتجاجى غير كاف لتغيير المعادلة السياسية فى مصر وهو أمر سيخفت مع الوقت، وحتى لو استمر فإنه لن يستطيع إسقاط النظام القائم.
    إن حسابات الإخوان بأن المعارضة ضعيفة واحتجاجية، وأن هناك ثمنا يمكن تحمله ستدفعه الجماعة فى سبيل تحقيق هدفها فى السيطرة على الحكم، ولذا عليها ألا تلتفت لاحتجاجات الملايين فى الشوارع حتى تحقق هدفها، فالجماعة تعتقد أنها على الطريق الصحيح حتى لو خسرت الجانب الأكبر من شعبيتها وتعرضت لهجوم الملايين، فيكفيها دعم رابعة العدوية من الأهل والعشيرة.
    المخاطرة التى أخذها الإخوان فى تجاهل احتجاجات الملايين فى الشوارع حيدت مجموعة من العوامل الأخرى التى قد تحسم مستقبل السلطة فى مصر، منها فشل الرئيس وجماعته فى مواجهة المشكلات الصعبة والعميقة التى تعانى منها مصر بعيدا عن قوة المعارضة أو ضعفها، فسوء الأوضاع الاقتصادية وغياب التوافق السياسى قلص من حجم الاستثمار بصورة كبيرة، وتراجعت السياحة حتى وصلت لدرجة الانهيار، وتراجع الجنيه المصرى بصورة دراماتيكية أمام العملات الأجنبية، كما أن حالة الانفلات الأمنى الذى تعيشه البلاد باتت غير مسبوقة، حتى صارت مصر على أعتاب نموذج الدولة الفاشلة ولا حكم.
    إن الصوت الاحتجاجى الذى تحول إلى غضب هادر كان بالتأكيد سيتراجع (ولن يختفى) داخل المجتمع، فى حال أجرى الإخوان الحد الأدنى من التوافق السياسى، أو الإنجاز الاقتصادى أو الاجتماعى.
    رهانات الجماعة خاسرة وستثبت الأيام إلى أى حد كانوا مخطئين.

    دين العبيد
    ثروت الخرباوي/المصري اليوم
    نجد فى الطبيعة أشياءً غريبة، «دولفين» يقود سربا من الدلافين للانتحار، حوتا يقود جماعة الحيتان نحو الموت، ولكن الأعجب كان من رجل أمريكى اسمه «جيم جونز» أسس جماعة دينية أطلق عليها «معبد الشعوب»، ثم كان أن أخذ أفراد جماعته إلى الأحراش، وعاش معهم فى أحلام وردية، فهم فى عقيدتهم الذين سينشرون السلام فى العالم، وسيخلصونه من الأشرار، كانت السمة الطاغية على الجماعة هى السمع والطاعة بصورة مطلقة لجيم جونز سيدهم ومرشدهم، لا أحد يفكر إلا من خلاله، وفى عام 1978 قال لأتباعه: سنقوم بعمل عظيم يرضى الله، إن القوات الأمريكية تريد أن تقضى علينا لتستأصل أفكارنا، ونحن سنثبت لهم أننا أهل الحق، سننتحر وستنتشر فكرتنا بعد انتحارنا، لأن الناس سيعلمون أننا أبطال، فإذا بالأتباع ينتحرون، مات يومها أكثر من تسعمائة إنسان!
    خلق الله لنا عقولا وأعينا وآذانا، وطلب منا أن نستخدمها، ولكن بعضنا آثر أن يُغلق عينيه، ويصم أذنيه، ويسلم عقله لغيره ليفكر بدلا منه، لذلك قال الله سبحانه وهو يذم الإنسان الذى يفعل ذلك «لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل * أولئك هم الغافلون» وما ذم الله هذه الخصال إلا لأنها تسلب من الإنسان حريته فيكون تبعا لسيدٍ يأمره وينهاه، فلا يفكر إلا كما يفكر سيده ولا يرى ولا يسمع إلا بعين وأذن هذا السيد، هذا هو مجتمع العبيد، حيث تنهزم طائفة العبيد نفسيا أمام السيد، فترى أنه المُخَلـِّص، وأن ما يقوله هو الصواب، فإذا قال أحد من غير سادتهم كلمة حق تخالف قول «السيد» فإنها عندهم باطل، وإذا اصطفت الجماهير بالملايين ناقمة على سادتهم، دلس عليهم السادة وقالوا: «إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون» ساعتها لن ترى أبصارهم إلا إنهم شرذمة مستأجرة من أجل محاربة دين سيدهم الذى هم عليه، فإذا ارتفعت أصوات الجماهير غاضبة منهم ومن سيدهم فأصبحت كالهدير «جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوْا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا» هم فى الحقيقة لا يسمعون إلا سيدهم ولا يفهمون إلا منه ولا يرون غيره، ولكن هل سيكون سادتهم معهم يوم القيامة عندما يقفون بين يدى الله سبحانه وتعالى؟ هل سيدافعون عنهم كما دافعوا هم عنهم فى الحياة الدنيا؟ هذا هو اليوم الذى يفر فيه المرء «من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» سيقول كل واحد من سادتهم لهم فى هذا اليوم: نفسى نفسى.
    كن على يقين أنك ستأتى أمام الله يوم القيامة وحدك، ليس معك إلا عملك، لن تصطحب معك آنذاك جماعتك أو أهلك أو عشيرتك لتنوب عنك فى الحساب، ولكن كلهم «آتيه يوم القيامة فردا» فلا يجمح خيالك ويسول لك أنه فى هذا اليوم سينادى مناد من قبل الله قائلا: فليتقدم الممثل القانونى لجماعة كذا أو كذا حتى يُحاسب نيابة عن جماعته، ولا تغرق فى الأحلام وتركن إلى خيالك الجامح فتظن أن مسؤولك أو سيدك الأعلى سيخرج من عند الله وسيقول لكم: أبشروا فقد أدخلنا الله جميعا الجنة صالحنا وطالحنا لأننا كنا جماعة تدعو إلى الإسلام، لن نسمع يومها من يصيح فينا: فلتتقدم دولة مصر للحساب، أو تتقدم جماعة الإخوان، الحساب لا يكون للدول ولا الجماعات ولكنه يكون للأفراد الذين فى الدول والجماعات، الله يا أخى لا يحاسب حسابا جماعيا بحيث الحسنة تعم، لا والله ليس هذا هو الإسلام الذى عرفناه فأحببناه واعتقدناه، ولكننا عرفنا من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن كل واحد من بنى آدم سيسأل أمام الله سبحانه عن عمله، فإذا ترتب على أوامر سادتهم لهم إهدار الدماء التى هى عند الله أعظم حرمة من الكعبة، فإنهم سيتحملون كفلا منها «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره».
    وفى يوم الفصل بين الخلائق سيكون المشهد رهيبا عندما تقف طائفة العبيد لتقرأ كتابها، سيرى كل واحد منهم ذلك اليوم الذى أطاع فيه سادته فارتكب إثما، حتى ولو كان بزعم الدفاع عن الإسلام، فالإسلام لا ندافع عنه بالذنوب والخطايا والتفريق والتحريش بين الناس، سيرى هذا العبد الذى أغلق قلبه وسمعه وبصره وهو فى الحياة الدنيا ذنوبا وآثاما لم ترد على باله، حينئذ سيعلم أن السادة أضلوه، وهو استجاب للضلالة حينما أغلق عقله وسلمه لهم، لا تظن يا أخى أن هناك ظلما عند الله فـ«لا ظلم اليوم» أنت ارتكبت الضلالة بإضاعتك نعمة التفكير والتدبر وإعمال العقل فلا تلومن يومئذ إلا نفسك، هل تعرف يا أخى ما الذى ستقوله لله ساعتئذ؟ اقرأ القرآن لتعرف، فكر وحدك دون أن يهيج ضميرك جماعة أو مجموعة، فرب العزة أمرنا أن نفكر فرادى، لأن الركون إلى التفكير الجمعى لن يصل بك إلى الحق، اسمع أو اقرأ أو افهم يا من عبدت نفسك للناس قول الله سبحانه «إنما أعظكم بواحدة * أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا» الحد الأقصى للإنسان وقت التفكير هو أن نكون مثنى، والحد الطبيعى هو أن نكون فرادى، لأن التفكير الجمعى يورث الضلال.
    ترى ما الذى سيقوله العبيد لله سبحانه وتعالى يوم القيامة، سيقولون «ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا» لن يعتذر العبيد لله إلا بركن الطاعة، والثقة فى السادة، سيتهمون أنفسهم بالغفلة، سيبكون أمام الله وهم يقولون: إن مشكلتنا كانت فى السمع والطاعة، لم نعقل ولم نفهم ولم نستخدم التفكير ونحن مثنى أو فرادى، وضعنا عندما فكرنا تفكيرا جمعيا.
    هذا هو حال من جعل من نفسه عبدا لسيد يقوده ويضعه كيف يشاء وكما يشاء، ولكن هذه الكلمات لن تصل إلى من أعنيهم، فمن أعنيهم استمرأوا العبودية وظنوها دينا.

    خبر يجسد مأزق الإخوان!
    سليمان جودة/المصري اليوم
    فى ذيل الصفحة الأولى من صحيفة «الشرق الأوسط»، الصادرة فى لندن، صباح أمس، خبر صغير، ولكنه مع صغره يصور على أدق ما يكون أزمة الإخوان مع البلد على مدى عام كامل مضى، ثم مأزقهم فى اللحظة الراهنة.
    الخبر يقول إن الكندى مارك كارنى، البالغ من العمر 48 عاماً، قد تولى قبل 24 ساعة، مسؤولية البنك المركزى الإنجليزى، فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ البنك الذى كان قد نشأ منذ 319 سنة!
    فهذه هى أول مرة يجلس فيها اقتصادى أجنبى على قمة بنك البنوك فى إنجلترا، ومن بين ما قيل فى ثنايا الخبر أن «مارك» تولى موقعاً مماثلاً فى كندا، وأنه حظى بالإعجاب بين مواطنى بلده، بسبب أدائه الرفيع، وأن هذا وحده هو الذى دفع الحكومة فى لندن إلى أن تستعين به لكفاءته لا لشىء آخر أبداً، إذ المهم عندها كحكومة تدرك معنى أن تكون مسؤولة عن مواطنيها، أن تختار أنسب شخص، لأى منصب، بصرف النظر تماماً عن اسم هذا الشخص، أو انتمائه السياسى، أو حتى جنسيته!
    وهذا بالضبط هو أساس مشكلة مصر، بل أزمتها مع جماعة الإخوان على امتداد 12 شهراً كاملة، بما أدى بها إلى موقفها المأزوم الحالى، وبما جعل كل مصرى يكره أن يسمع عن أى إخوانى، أو يراه.. لقد كانوا طوال العام لا يكتفون فقط بأنهم لا يعرفون كيف يحكمون، ولا كيف يديرون البلد، ولا يفقهون شيئاً فى السياسة، وإنما كانوا، وهذا هو الشىء المؤلم، يرفضون أن يستعينوا بالذين يعرفون، ويفهمون، ويستوعبون!
    حدث هذا بالطبع لأنها كجماعة إخوانية تصمم على أن تبقى مغلقة على نفسها، وترفض أن تتعامل مع الآخرين، وتشك فيهم طول الوقت، ولم تنتبه «الجماعة» إلى أن هذا كان جائزاً، وقت أن كانت «محظورة» فى أيام النظام الحاكم السابق، والأنظمة الحاكمة التى سبقته، ولكنه لا يجوز أبداً، ولا ينفع ولا يجدى، وهى فى الحكم!
    لم تدرك هذه البديهة، ولو أدركتها لكانت قد تصرفت على الفور، بالمنطق الإنجليزى فى الاستعانة بالأجنبى.. نعم أجنبى.. ليكون محافظاً للبنك المركزى، لأنه شخص ناجح فى مجاله، وفقط!
    لم تفعل الجماعة هذا، ولو فعلته لكان حال البلد الآن أفضل بكثير، ولكان الإخوان قد نأوا بأنفسهم عن أن يكونوا محل رفض عام، كما هو حادث أمامنا، وإذا كان هناك من يراهن على أن يتصرفوا بالمنطق الإنجليزى إياه مستقبلاً فهو مخطئ، لأن طبعهم الذى نشأوا عليه يوجههم إلى العكس دائماً.. إنهم لا يرحمون ولا يريدون لرحمة الله أن تنزل!.

    يا مرسى يا وش النملة
    حمدي رزق/المصري اليوم
    مين قالك يا مرسى تعمل دى العملة، تقتل المصريين السالمين الآمنين الطيبين، مين قالك يا مرسى تكفّر المصريين العابدين الراكعين الساجدين، مين قالك يا مرسى تستعلى على المخلصين المحترمين المعتبرين، مين قالك يا مرسى تستذكى على الأذكياء النابهين الفاهمين الواعين، مين قالك يا مرسى تستعلم (من العلم) وتعين من نفسك - الأمَّارة بالسوء - خوجة على المصريين، وتعلم شعبا علم الدنيا الحضارة، شعب العلماء والمفكرين والمبدعين، مين قالك يا مرسى تستعبط شعب يعبى الشمس فى قزايز، ويخرم التعريفة، شعب عارف القرد مخبى ولاده فين، وتسأل ببلاهة: لما القرد يموت القرداتى يشتغل إيه؟! يشتغل رئيس يا أبوجلد تخين.
    مين قالك يا مرسى أن تستقوى على المصريين الجبارين بالحمساويين، المصريون خير أجناد الأرض يا من قُطِعَ منكم الخير، لا خير فيكم، ولا نبتت جذوركم، مُنْبَتَّة جذوركم فى العالمين، انتهيتم إلى أبد الآبدين، إن شاء رب العالمين، آخرتها حماس تقتل المصريين، لا عهد لهم ولا خَلاق أولاد الإخوان المسلمين، أتقتلون المصريين، ويْحَكُم، قاتَل الله المعتدين.
    وعاملى فهيم، وحويط، وغويط، وفاتح صدرك فى التحرير، إنت فين يا مرسى، اظهر وبان عليك الأمان، امثل أمام شعب الجبارين، ولتكن محاكمتك على رؤوس أشهاد العالمين، خُنْتَ الأمانة، إنَّا عرضنا الأمانة، متآمر على أهلك وناسك، واكل أهلك وناسك، أأنت بدران، أم يهوذا، خيانتك عنوانك، وويل للخائنين.
    انتهى الدرس يا مرسى، ليست نهايتك وحدك، نهاية الأهل والعشيرة، نهاية مأساوية، نهاية درامية، نهاية 87 عاما تضيعها فى سنة واحدة، يا لك مِن شِنْقيط، إن البَنَّا فى قبره ليحزن، يتألم، إن البَنَّا فى قبره يمقتك، يلعنك، فلتتبوأ مقعدك فى أسفل سافلين من الإخوان المسلمين، مع السندى وآخرين، لقد أتيت أمرًا إدًّا يا عياط، أمرًا خطيرًا، لقد كتبت بيديك نهاية جماعة الإخوان المسلمين، نهاية ما كان أشد المتحمسين يحلم بنهاية سريعة كتلك، ولا نهاية فظيعة كتلك، نهاية ما كانت فى الحسبان، وليتحدث بها الركبان، نهاية عصر من الظلام والإظلام، نهاية الإخوان، يبقى الإسلام شجرة وافرة الظلال، رحمة للعالمين، شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء.
    مين قالك يا مرسى تعمل دى العملة، ماذا دهاك، ماذا أصابك، أهو مَسّ من الجنون، جنون العظمة استولى عليك وعلى مرشدك وإخوانك، استعليتم بعد ضعف، واستقويتم بعد هوان، هُنْتُم على أنفسكم، فهُنْتُم على الناس، مين قالك يا مرسى يا وش النملة، مين قال لك تعمل دى العملة، لقد كرهتكم الناس، لقد لفظتكم الجماهير، لقد رفضكم الطير الطاير فى السماء، إن المصريين يُحسْبِنون عليكم فى العشى والإبكار، يدعون عليكم أن تفنوا كما فَنِيتْ عاد وثمود، إنهم كانوا يستعلون ويستكبرون فى الأرض، ألا شاهت وجوه الإخوان المسلمين.
    مين قالك يا مرسى تعمل دى العملة السودة، أتتحدى إرادة الشعب، أتستقوى على جيش الوطن بقتَلة متقاعدين وإرهابيين سابقين، وحمساويين فاشلين فى تحرير الأرض، أتستكبر على من ألبسك لباس رئيس ولَسْتَ برئيس، ووَسَّدك كرسى الحكم وأنت لست أهلا له، ونصَّبك وأنت لا تجيد من أدوات النصب سوى ادعاء العلم، لَسْتَ بعالِم ولن تكون، ولَسْتَ رئيسا ولن تكون، ولَسْتَ زعيما ولن تكون، ستعود من حيث أتيت سجينا كما كنت وحيث تكون.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 391
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-07, 11:41 AM
  2. اقلام واراء عربي 293
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 11:59 AM
  3. اقلام واراء عربي 292
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 11:56 AM
  4. اقلام واراء عربي 291
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 11:55 AM
  5. اقلام واراء عربي 290
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 11:54 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •