اقلام واراء محلي 448
15/7/2013
في هذا الملـــــف:
تغريدة الصباح - جنون الأرض
بقلم: محمد علي طه – الحياة
أوقفوا مشروع «برافر»
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
متى كانت القدس وكان الأقصى مكاناً لتمزيق الأمة؟
بقلم: باسم برهوم – الحياة
نظام دولي متهالك !
بقلم: حديث القدس – القدس
«حماس» والأزمة المصرية... السيناريوهات المتوقعة
بقلم: عصام بكر – القدس
حتى القدس... لماذا؟
بقلم: بركات شلاتوة – القدس
النقب.. لا أقل من "نكبة ثانية"؟
بقلم: حسن البطل – الايام
غزة ومصر: بين التوريط والزج
بقلم: د. عاطف أبو سيف – الايام
"رابعة العدوية" وضاحيتها "القدس"
بقلم: غسان زقطان – الايام
الاسير المحرر صالح أبو لبن في البيت الثالث
بقلم: عيسى قراقع - معا
قضيتنا والحلم العربي
بقلم: ضرغام أبوسليم- معا
تغريدة الصباح - جنون الأرض
بقلم: محمد علي طه – الحياة
تحجب عنّا الأحداث المتسارعة في بلادنا والمنطقة رؤية ما يحدث من ظواهر مهمة وحركات طبيعية خطيرة وقضايا مصيرية سوف يكون لها تأثير فعّال على حياة أبنائنا وأحفادنا، فالغليان والاقتتال ونزيف الدم في سوريا ومصر والعراق واليمن والسودان والجزائر وليبيا وتونس وفلسطين أيضاً يشغل عقولنا واهتمامنا ويطرح علينا عدة أسئلة صعبة قد يكون أسهلُها أعقدَها ألا وهو: ماذا بعد هذا التسونامي؟ ولكن هذا الغليان العربيّ الذي هو ثمرة عقود سوداء قاتمة من الظلم والاضطهاد لا يمنعنا من أن نأخذ إجازة قصيرة كي نفكّر في قضيّة مصيريّة قد تكون هي القضيّة الأخطر والأعقد في حياة البشريّة التي أطلق عليها عدد من المفكرين ومن العلماء اسما مرعباً هو «جنون الأرض» وخصص لها الكاتب الروائيّ اللبنانيّ المولد الفرنسيّ الجنسيّة واللغة أمين معلوف فصلاً في كتابه «اختلال العالم»، فبعد أن درس معلوف الاختلال الفكريّ والاختلال الاقتصاديّ في عالمنا عالج الاختلال المناخيّ الناجم عن فترة طويلة من ممارسات فرديّة وجماعيّة، حكوميّة وخاصة، ممارسات غير مسؤولة، خرج بالنتيجة القاسية التي تقول: إذا تركت البشرية الحبل على غاربه فسوف تحدث الكارثة الكبرى، فالتهديد الآتي من الاحتباس الحراريّ الناجم عن هذه الممارسات سوف يسبب في العقود المقبلة اختلالات كارثيّة هائلة لا تستطيع البشرية اليوم أن تتخيل ضخامتها وخطورتها ولن تستطيع أن تتحمل نتائجها، فذوبان الجليد في غرووانلاند والقطب الشمالي هو تهديد للحضارة الإنسانية، وهو سحق ومحق لمنجزات البشرية منذ فجر التاريخ حتى اليوم لأن هذا يعني ارتفاع مستوى المياه في البحار عدة أمتار، وعندئذ سيبتلع البحر العديد من المدن ومن الموانئ ومن البلدات الساحلية التي نطلق عليها اليوم اسم عرائس البحار والتي تعجّ بالحياة وتزدهر بالحضارة، كما أنّ هذا الانحباس الحراريّ سيؤدّي إلى زيادة نسبة الكربون في الجو وسوف يتغيّر نظام سقوط الأمطار على سطح الكرة الأرضية، وتجف أنهار كثيرة، وتتصحّر بلدان بأكملها كما أنّ قلة الأمطار وشحّها والتصحّر سيؤديان إلى صراعات وحروب على المياه وعلى الطعام.
أعتقد أنّ دولاً عديدة ومن قارتيّ آسيا وإفريقيا ومنها بلدان عالمنا العربيّ التي تعاني حالياً من شحّ المياه والتصحّر ستكون الضحية الأولى والكبيرة لهذا الخطر الداهم الماحق.
يتحدث العلماء المختصون كثيراً عن هذا الخطر ويعقدون المؤتمرات الدوليّة ويطلقون صراخهم وصياحهم في وجوه القادة السياسيين ورؤساء الدول محذرين من الكارثة التي ستحدث لعالمنا بعد ثلاثين سنة ويؤكدون أنّ الممارسات غير المسؤولة في الصناعة والمواصلات والكهرباء ستؤدي حتماً إلى دمار الحياة وتتحمل حكومة الولايات المتحدة الأميركية المسؤولية الأولى عن الاحتباس الحراريّ وعن فشل جهود هؤلاء العلماء لإنقاذ الكرة الأرضية من الخراب.
قبل تسعة عشر عاماً، بعد إقامة السلطة الفلسطينية مباشرة، جمعتني سهرة لطيفة مع مجموعة من المثقفين في مدينة رام الله وحدثني أحدهم عن جهوده مع مجموعة من أصدقائه الشبان لإقامة حزب الخضر الفلسطينيّ للمحافظة على البيئة وجمال الطبيعة ومحاربة الممارسات التي مصدرها وأساسها الاحتلال والتي تسبب الانحباس الحراريّ.
استمعت إليه يومئذٍ مستغرباً وكأنني أقول في نفسي: بأي شيء نفكر ونحلم اليوم وأين يقف صاحبنا؟ ( احنا بيش وصاحبنا بيش ).
كانت رؤية جليسي سبّاقة وسليمة، فهل قام حزب الخضر الفلسطينيّ؟ وهل يمارس النشاطات المتنوعة لينقذ الأرض من الجنون؟
أوقفوا مشروع «برافر»
بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
مذ شكلت حكومة إيهود اولمرت لجنة غولدبيرغ عام 2007 لتهويد ومصادرة اراضي الفلسطينيين العرب في منطقة النقب، التي تقدر مساحتها ثمانمائة الف دونم، والجماهير الفلسطينية في النقب والجليل والمثلث وقياداتها الوطنية بالتعاون مع القوى الديمقراطية الاسرائيلية (اليهودية) وهي تلاحق القيادات الاسرائيلية التنفيذية في حكومة نتنياهو ونواب الكنيست في الائتلاف المتطرف لاسقاط مشروع «برافر / بيغن» المستند الى توصيات لجنة غولد بيرغ.
اليوم الاثنين الـ 15 من تموز ستشهد المدن والقرى والبلدات الفلسطينية في داخل الداخل إضرابات ومسيرات تعبيرا عن رفضها للمخطط الاسرائيلي العنصري، الهادف لمصادرة اراضي العرب البدو في النقب، وتدمير (45) قرية وطرد سكانها، الذين يقدر عددهم ما بين ثلاثين واربعين الفا من المواطنين العرب، وهم جزء من إجمالي سكان النقب العرب، الذين يقدر عددهم (250) الف عربي.
المخطط الصهيوني العنصري يستهدف توطين (300) ألف إسرائيلي في إحدى عشر مستوطنة بالاضافة الى نقل مقرات الجيش الاسرائيلي للمنطقة، وكذلك إقامة مزارع فردية للعائلات اليهودية بتخصيص خمسة الاف دونم لكل عائلة ترغب بالمشاركة في تنفيذ المخطط الاستيطاني (حتى الآن اقيم ( 70) مزرعة ) على حساب ومكان العرب الفلسطينيين باسم «تطوير» النقب. ووفق الخطة الاسرائيلية مقدر ان ينتهي العمل بالمشروع العنصري عام 2018، ورصد لانجازه ستة مليارات دولاراميركي.
المخطط الجديد حلقة في سلسلة متواصلة من عمليات التطهير العرقية للفلسطينيين، وليس منفصلا عما بدأه المشروع الكولونيالي الصهيوني منذ إقامة إسرائيل عام النكبة الفلسطينية 1948. كما ان عرب النقب يواجهون صنوفا مختلفة من الممارسات العنصرية الاسرائيلية، فالعديد من القرى البدوية لم يتم الاعتراف بها، ولم يتم إدخالها في التخطيط الهيكلي لمنطقة بئر السبع والنقب عموما. ويأتي المشروع الاستيطاني الاجرامي الجديد ليميط اللثام مجددا عن الوجه البشع لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية، التي مازالت ماضية في تعميق برنامجها الاستيطاني على حساب ابناء الشعب الفلسطيني، الذين تجذروا في ارض الاباء والاجداد، ورفضوا اللجوء الى الشتات، وواجهوا التحديات الصهيونية منذ اللحظة الاولى لتأسيس دولة العار والارهاب المنظم الاسرائيلية.
مخطط "برافر / بيغن" لحظة نوعية متقدمة في مخطط الترانسفير الصهيوني، الذي تقوده قوى التطرف والعنصرية الصهيونية، التي رفضت تاريخيا، ومازالت ترفض القبول بمبدأ التعايش والسلم المجتمعي، وواصلت مشوار التهويد والمصادرة للاراضي العربية تحت حجج وذرائع واهية لا تمت للحقيقة بصلة. وخطورة القانون الجديد ايضا تكمن في انه يدفع العرب دفعا نحو المواجهة مع اجهزة امن الدولة الاسرائيلية، واستدراجهم لمعارك معها كي تتمكن من تنفيذ مخطط الطرد والترانسفير لاحقا.
وهو ما يفرض على القوى السياسية والمجتمعية والثقافية / والاعلامية داخل الخط الاخضر أولاً وفي كل الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفي الشتات والمهاجر التحرك على المستويات المختلفة الاسرائيلية من خلال مؤسسات الدولة والقضاء الاسرائيلي، والعمل على إستقطاب القوى اليهودية المعادية لخيار حكومتي اولمرت ونتنياهو، والمؤمنة بالتعايش الفلسطيني العربي / اليهودي، وخيار الدولة الديمقراطية، دولة كل مواطنيها. والتوجهه للمنابر واللجان الاقليمية والدولية لفضح وتعرية حكومة نتنياهو، وتجريدها من ورقة التوت، التي تتستر بها باسم «التطوير»، والتي ليس لها من التطوير إلآ الاسم او السم، الذي تسعى من خلاله لتضليل الرأي العام الاسرائيلي والعربي والاقليمي والدولي.
ولعل ما حصل في إجتماع الكنيست يوم 24 حزيران الماضي نموذجا للنضال الفلسطيني الرافض للمشروع الكارثة ضد ابناء شعبنا في النقب، عندما قام النواب العرب في الكنيست بتمزيق نص القانون من على منصة الكنيست، ووصفه بما يستحق من قبل محمد بركة واحمد الطيب وحنين الزعبي وغيرهم من النواب العرب. ولم يأبه اعضاء الكنيست من الكتل العربية بالطرد من ذلك الاجتماع، لانهم كانوا على قناعة بان اعضاء الائتلاف الحكومي الاسرائيلي، وهم الاغلبية سيصوتوا لصالح المشروع، وهو ما حصل، حيث حصل المشروع على اغلبية (43) نائب مقابل (40) نائبا ضد.
مواجهة مخطط الطرد والمصادرة والتهويد العنصري التطهيري الاسرائيلي يحتاج الى صرخة عالية جدا، والى حراك علمي ومسؤول ومثابرة للوصول الى ارفع مراكز القرار الاميركي والاوروبي والروسي والصيني والهندي وفي منابر الامم المتحدة المختلفة لنزع الغطاء عن المشروع الصهيوني، واستصدار قرارات بالضغط على حكومة نتنياهو لايقاف الجريمة قبل تنفيذها ووقوع الفأس بالرأس، الذي ستكون له نتائج خطيرة على مستقبل التعايش العربي / الاسرائيلي.
متى كانت القدس وكان الأقصى مكاناً لتمزيق الأمة؟
بقلم: باسم برهوم – الحياة
من دون شك أن كل وطني فلسطيني قد أصيب بالصدمة عندما شاهد يوم الجمعة الماضي تظاهرة مؤيدة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي ولجماعة الإخوان المسلمين في باحات الأقصى المبارك. لقد تناسى منظمو هذه التظاهرة أن الأقصى والقدس تحت حراب الاحتلال الاسرائيلي وأنهم نظموا تظاهراتهم تحت سمع ونظر قوات الاحتلال التي تطوق المكان.
منبع الصدمة لا يكمن في كون هؤلاء قد وضعوا قضية الأقصى والقدس جانباً، بل لأنهم انتهكوا أحد أخطر الخطوط الحمراء عندما حوّلوا الأقصى، اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، إلى بؤرة لتعميق الخلاف والانقسام في الأمة العربية، بعد أن كان وعلى مر العصور رمزاً للوحدة والتسامح ليس الإسلامي ـ الإسلامي بل والإسلامي مع الأديان الأخرى، وهنا تكمن رمزية القدس.
لقد وضع هؤلاء القدس والأقصى على خط المواجهة العربية العربية والاسلامية الاسلامية بعد أن كانت فقط وفقط على خط المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي، ونود أن نذكرهم أن التظاهرات في الأقصى المبارك لم تنطلق يوماً الا ضد الاحتلال الاسرائيلي ومن أجل حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله.
ولتوضيح خطورة ما قام به هؤلاء، لا بدّ من تخيل سيناريو قابل ليكون واقعياً، لنتصور معاً أنهم أعادوا الكرة ونظموا تظاهرة يوم الجمعة المقبل الا يمكن أن يشتبكوا مع حشود المصلين الذين يرفضون إقحام الأقصى المبارك وإقحام القدس في الخلافات العربية وفي عملية لتصفية الحسابات التي يرفضها كل عاقل فلسطيني. تخيلوا هذا السيناريو الذي يمكن أن نشهد خلاله اشتباكات وأعمال عنف فلسطينية ـ فلسطينية تحت حراب قوات الاحتلال. ألم نكن بذلك نسدل الستار بأيدينا على قضية القدس العادلة وعلى قضية الأقصى التي تهم أكثر من مليار عربي ومسلم، بل تهم الإنسانية جمعاء لاعتبارات تاريخية وحضارية أيضاً.
أتساءل ويتساءل كل الوطنيين الفلسطينيين وكل العرب إلى أين يأخذ هؤلاء القضية الفلسطينية؟ ألم يشعروا وهم يفعلون فعلتهم هذه، ويهدمون بمعاولهم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني والأمة العربية في القدس، ويقدمون هدية مجانية لدولة الاحتلال.
إن كل فلسطيني اليوم يوجه الدعوة لهؤلاء أن يتوقفوا فوراً عن اللعب بالنار، لأنها لن تحرق أصابعهم وحدهم بل ستحرق مصير الشعب الفلسطيني ومستقبله ووجوده على أرضه والقدس في مقدمتها. ان هناك أماكن كثيرة للتظاهر للاعراب عن التأييد لهذا الطرف أو ذاك ولكن يجب الا تكون القدس والأقصى والقيامة من بينها, فالتظاهر الوحيد المتفق عليه في المدينة المقدسة هو ذلك الذي يوجه ضد الاحتلال الاسرائيلي الغاشم.
يتساءل الفلسطينيون في كل مكان، أي أولوية هي أهم من مقاومة الاحتلال؟ ان ما جرى لا يثير الصدمة وحسب بل انه يثير الاشمئزاز أن وضع أي أولوية فوق أولوياتنا الوطنية والقومية هو أمر مرفوض، أي أهمية لشخص أو زعيم على حساب قضية القدس والأقصى والقيامة هو أمر مرفوض أيضاً. القدس توحد ولا تفرق والأقصى يوحد ولا يفرق لذلك حذارِ من استخدام القدس والأقصى لمزيد من الانقسام والفرقة. فالشعب الفلسطيني والأمة العربية لن يرحما من يرتكب هذا الخطأ الفادح.
نظام دولي متهالك !
بقلم: حديث القدس – القدس
الأزمات الساخنة التي تعيشها المنطقة في فلسطين وسوريا ومصر والعراق ولبنان والسودان، ومناطق أخرى مثل أفغانستان والباكستان وغيرها تدفع الى التساؤل حول دور ومسؤولية مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأمم المتحدة في إرساء السلم والأمن الدوليين وتطبيق قرارات الشرعية الدولية ، ولماذا تراجع هذا الدور بشكل كبير مما أدى الى دب الفوضى وبروز نزاعات وصراعات دموية سياسية وطائفية وعرقية في أكثر من منطقة في العالم من جهة والى تفرّد قوى غربية بعينها في لعب الدور الرئيسي فيما يجري من أحداث؟!
مع انهيار الاتحاد السوفياتي السابق في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي هللّ الكثيرون في الغرب وأنصارهم في هذه المنطقة وبشروا بولادة نظام دولي جديد، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم شهدنا العديد من الحروب الدموية والصراعات الداخلية والفوضى الهائلة دون ان يكون هذا النظام الجديد قادرا على ملامسة العدل او الشرعية الدولية وكان من اهم نتائج ذلك تدمير اكثر من قطر عربي ومخاضات عسيرة تشهدها ثلاثة أقطار الآن وهي مصر وسوريا ولبنان عدا عما حدث ويحدث من مآس وإراقة دماء في كل من افغانستان وباكستان.
والأهم من كل ذلك ان القضية الفلسطينية وهي قضية العرب المركزية تراجعت على أجندة النظام الدولي الجديد، وتحت شعار عملية السلام وتنكر الغرب لتعهداته أطلقت اسرائيل مخططات الاستيطان الكبرى في القدس العربية المحتلة وباقي أنحاء الضفة الغربية وسدت الطريق أمام أي مفاوضات جادة لحل سلمي عادل.
ان ما يجري اليوم، ويدفع ثمنه الشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، إنما يعكس بوضوح ذلك التدخل الغربي الفظ في شؤون هذه المنطقة بالتحالف مع الاحتلال الاسرائيلي وهو ما يؤكد الوجه البشع للنظام الدولي الجديد حيث تستطيع عدة دول غربية متحالفة شن حروب والتدخل في شؤون الغير كما تشاء وحيث يطل الاستعمار بأشكال جديدة - قديمة اعتقدنا ان لا مكان لها في عالم اليوم وهو ما ولد حنينا لدى الكثيرين الى النظام الدولي السابق، نظام التوازن والردع المتبادل.
ان ما يجب ان يقال هنا أن المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة تحديدا وخاصة مجلس الأمن قد تنكرت لمسؤولياتها ومواثيقها في حفظ الأمن والسلم الدوليين وحفظ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة عضو في الأمم المتحدة، كما تقاعست عن الوفاء بمسؤولياتها إزاء قرارات الشرعية الدولية وخاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني.
كما أن من الضروري تذكير كل اولئك الذين يؤمنون بجبروت القوة والتدخل الفظ في شؤون شعوب الارض أن هذه القوى المهيمنة تتجاهل اليوم دروس وعبر هزيمة الاستعمار في الكثير من أقطار هذه المنطقة في القريب الماضي بفعل إرادة الشعوب ورفضها للظلم والقهر واستعدادها للنضال دفاعا عن كرامتها الوطنية وحقها بالعيش بحرية وأمن وسلام.
هذه الشعوب بما فيها شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية، التي رفضت الاستعمار بكل اشكاله، لديها من الارادة والتصميم والقوة ما يؤهلها لمواجهة كل هذه التحديات طال الزمن أم قصر وهي رسالة واضحة لاسرائيل وكل القوى الغربية المتحالفة معها والتي تمعن اليوم في مغامراتها في الأقطار العربية بان ارادة الشعوب لا يمكن ان تقهر وان هذه الامة العربية لن تقبل العيش دون كرامة ودون سيادة حقيقية في مواطنها وعلى مقدراتها، وان هذا النظام الدولي الجديد الذي أثبت فشله في إرساء الحق والعدل والحرية لن يكون مستقبله أفضل من مستقبل أنظمة دولية سابقة سرعان ما انهارت أمام ارادة الشعوب ورغبتها في العيش بحرية وكرامة.
«حماس» والأزمة المصرية... السيناريوهات المتوقعة
بقلم: عصام بكر – القدس
تداعيات الأزمة المصرية اذا اتفق على تسميتها " بالأزمة " لأن نتائج ما جرى من تنحية الرئيس محمد مرسي وحكم الإخوان المسلمين الذي استمر زهاء العام ، وبمعزل عن اية ملاحظات حول استبداديه تلك الفترة أو ما سمي باختطاف الدولة المصرية لصالح جماعة أو حزب سياسي ، هذه التداعيات التي استخدم مصطلح "الزلزال " لوصفها والارتدادات التي من المتوقع أن يمتد صداها ليشمل ما هو خارج حدود مصر الدولة إلى الدول العربية..
ومن هنا فإن هذا التوصيف قد يكون مؤقتا ولا يخدم سيرورة العملية ككل واستشراف معالم الصورة الكلية بعد ، وما قد تتمخض عنه على المستوى المصري الداخلي او الاقليمي بشكل عام .
ولو عدنا قليلا للوراء على مدى الايام الماضية فإننا سنرى بوضوح ان الكل استل قلمه وخاض في صورة ما ستؤول اليه الاوضاع في مصر ، كما سنجد ان التباين في التحليل بين من يرى فيما حدث بأنه استمرار لثوره 25 يوليو ، وباعتباره إجراء إجباريا لتصحيح مسار الثورة وانقاذ البلد الغارق في ازمات متتالية على مستوى الاقتصاد والعلاقات الخارجية والامن الداخلي ، وحتى طبيعة العلاقات الداخلية التي تدهورت بشكل لافت في الآونة الاخيرة لتصل الى حافة الفوضى. ومن يدعي ان ما جرى هو انقلاب على الشرعية الدستورية وصندوق الاقتراع الذي اوصل جماعة الاخوان الى سدة الحكم ، وما بين الشرعية الثورية المستمدة من الشارع ورغبة الناس في التغيير بقوة الملايين التي خرجت «اكثر من 20 مليونا» وقوة ( القانون) او الدستور بون شاسع.
لكن المؤكد في هذا الجانب مسألتين ان ما جرى لم ينته بإسقاط حكم الاخوان اولا ، وان الامتداد والانعكاس سيطال دولا في الاقليم والمحيط العربي وتحديدا الفلسطيني .
وهنا مربط الفرس كما يقال فالتأثيرات المباشرة والملموسة ستنعكس على مسألتين ايضا ، تتعلق بالشأن الفلسطيني الاولى قضية المصالحة فالخروج من الدوامة التي تعيشها الشقيقة مصر ستشغلها عن الجهود لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الفلسطينية ولن يكون باستطاعتها على المدى المنظور ان توليها الاهمية الكافية رغم وجود الرغبة الاكيدة للعب الدور الطبيعي بما يمثله ثقل مصر في انجاز المصالحة لكن الظروف الموضوعية و الذاتية معا ستجعل الامر في غاية الصعوبة ، بما في ذلك تأثيرات زوال حكم الاخوان على طرفي الصراع فتح وحماس في معادلة التوازن والحفاظ على المسافة الواحدة بين مواقف الفرقاء في الساحة الفلسطينية..
لكن الاهم هو ما يتعلق بالحدود مع قطاع غزة من جهة ومستقبل العلاقات الفلسطينية المصرية من جهة اخرى فمنطقة سيناء وما تشهده من ازدياد الهجمات في الايام القليلة الماضية ستترك تداعيات ربما تمس الجغرافيا القائمة في تلك المنطقة على المدى البعيد .
حركة حماس التي ربطتها مع حكم الاخوان علاقات وطيدة رغم بعض الاختلافات الشكلية من فترة لاخرى ومع جماعة الاخوان في الاردن ايضا ستكون اكثر المتضررين بالنتائج الناجمة عن التغيير الذي شهدته مصر بعد 30 حزيران ، وهي اي حركة حماس لا تعيش في افضل حالاتها ولم تكن كذلك حتى قبل التغيير الذي اطاح بحلفاء الحركة في القاهرة ، فنظام الحكم في غزة المحاصرة والاوضاع اليومية كلها مؤشرات واضحة على تصدع ما في بنيان حماس كحركة حاكمة.
السيناريوهات المتوقعة على ضوء ما يجري في مصر ووفقا لكل تطور ميداني فيها يمكن حصرها في ثلاثة سيناريوهات ارتباطا بالتحولات الاقليمية عموما اولها ان يجري ارغام حماس امام ضغط القيادات العسكرية «حلبة المواجهة» كمخرج لكل الحالة الراهنة وللاطراف كافة - اي الى ما تريده اسرائيل وتبيت له عبر تصريحات قياداتها ومنهم ليبرمان وغيره حول إعادة احتلال قطاع غزة ، والمناورات المتواصلة التي تجريها اسرائيل استعدادا لاي مواجهة قادمة على الحدود الجنوبية او الشمالية او كلاهما معا بالاضافة لجبهة الجولان ايضا.
لكن قد تكون غزة هي الملعب المفضل في هذه المعادلة ، ودلالة على ذلك علينا قراءة ما صرح به احد ابرز القيادات العسكرية في الجيش الاسرائيلي من ان حماس تعمل بصمت لتطوير صواريخ بمقدورها ضرب العمق ومنطقة الوسط وهو ما يندرج في اطار المساعي والدعاية المتواصلة للتحضر لعملية عسكرية ضد قطاع غزة - بمعنى ان تقوم اسرئيل باختلاق مناوشات محدودة برا او بحرا يتسع نطاقها الى حالة الحرب والمواجهة المفتوحة مرة اخرى..
وبميزان الربح والخسارة فإن خريطة تحالفات حماس التي تقلصت بعد ازاحة مرسي ستعود باتجاه المحور ايران سوريا حزب الله بعد القطيعة التي سادت هذه العلاقات في اعقاب الموقف من الملف السوري ، وبذات الحساب فإن حماس معنية برفع اسهمها في الضفة الغربية عربونا لاية انتخابات قادمة قد تجري في الاراضي الفلسطينية في اطار الحفاظ على مكانتها في الشارع الفلسطيني الذي شهد بحسب الاستطلاعات الاخيرة تراجعا ملحوظا في حجم تأييدها.
السيناريو الثاني هو الذهاب عكسيا اي بالاتجاه الآخر والنقيض، فالحركة التي تمر بمخاض وربما التي شارفت على ان تكون جاهزة للسير نحو البراغماتية بحسب بعض التصريحات بما فيها لخالد مشعل نفسه وما تناقلته وسائل الاعلام عن لقاءات جرت مع جهات اوروبية وامريكية وحتى اسرائيلية لادخال الحركة في القفص الذهبي للعملية السلمية ، وتصريحات اخرى تشير بصراحة الى استعداد حماس للتفاوض في اطار عملية سلمية – بمعنى آخر المقايضة على غض الطرف عن ابقاء حكم حماس في غزة ورما توسيع منطقة النفوذ وفق ترتيبات مستقبلة وتكون بذلك بديلا للاستقلال الوطني الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا له طوال سنوات..
وهو سيناريو بات متوقعا ولا يبنى على تنبوءات واوهام وانما تحليلات وطروحات حقيقية يجري نقاشها في اروقة صنع القرار في اسرائيل منذ مدة طويلة وهي في نهاية المطاف تضاف الى ما يجري من تغيرات تطال خريطة دول عديدة ضمن التقسيمات المتوقعة للوطن العربي تقسيم المقسم والبحث عن انشاء دول اثنية او عرقية على انقاض الدول القومية القائمة.
واما السيناربو الثالث فهو ان تذهب حماس تحت ضغط ما جرى وامام التطورات الراهنة والوضع في غزة على وجه الخصوص الى استخلاصات جريئة وعميقة لصورة الوضع ومدى خطورته فتبادر الى اخذ زمام المبادرة وان تتحرك فعلا وبشكل جدي وسريع لعقد لقاء مع قيادة منظمة التحرير لانهاء الانقسام بخطوات جدية ، العودة للطاولة ليس للحوار وانما لخطوات ووضع آليات انهاء الانقسام والذهاب للانتخابات العامة رئاسية وتشريعية ومجلس وطني حيثما امكن ، وهي خطوات ينتظرها الشارع الذي انهكه الانقسام منذ زمن بعيد لاسدال الستار على صفحة الاتقسام البغيض..
حتى القدس... لماذا؟
بقلم: بركات شلاتوة – القدس
في الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك شهد المسجد الأقصى زحفاً بشرياً من المناطق الفلسطينية كافة، ورغم الإجراءات الاسرائيلية فقد صلى في رحاب الحرم القدسي الشريف 250 ألف شخص في مشاهد أثلجت الصدور، وأكدت أن الأقصى ليس وحيداً . لكن ما تفاجأ به المصلون والمتابعون هو صورة ضخمة للرئيس المصري المعزول محمد مرسي على الواجهة الأمامية للمسجد القبلي ممهورة بعبارة “القدس مع الشرعية . . ضد الانقلاب”، إضافة إلى لافتات حملها بعض الأفراد في الساحات كتب عليها “مرسي ليس رئيساً لمصر . . بل زعيم للأمة”، لا أحد يعلم لماذا؟
هذه المظاهر، أثبتت أن هناك خطأ يرتكب بحق أولى القبلتين ويتمثل في نقل الانقسام الذي يعم فلسطين والعالمين العربي والإسلامي إلى ساحاتها، ويزج بقعة طاهرة مقدسة في مزالق السياسة ومؤامراتها ودسائسها، ويقحمها في صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل، فمن فوّض واضعي هذه الصور بالحديث نيابة عن المدينة وأهلها وعن الشعب الفلسطيني أجمع؟
لقد أثارت هذه المشاهد حنق الكثير من الفلسطينيين، وفجرت نقاشات حادة بينهم في هذه “الظاهرة” غير المسبوقة في قدس الأقداس، كيف لا وقد ظلت على مر الزمن عنواناً للوحدة والتلاحم والتآخي ووحدة الصف في مواجهة الاحتلال ، وهي التي لم تحتضن يوماً صورة لزعيم أو شهيد أو بطل، فكيف لها أن تُرْفَع على مساجدها صور تمجد شخصاً لم يعمل شيئاً لأجلها؟
فمرسي لم يلغ “كامب ديفيد” أو يجمدها، وأبقى على المدن المصرية سداحاً مداحاً للسياح الإسرائيليين، وخاطب شمعون بيريس ب”الصديق العظيم”.
الأمر الجيّد أن الصورة لم تُزل أثناء وجود المصلين في الساحات، لأن ذلك لو حدث لتحولت ساحات الحرم، لا سمح الله، إلى ميدان من ميادين الانقسام والاشتباك المصري، وقد يكون ذلك أحد أهداف من وقف وراء وضعها .
الفلسطينيون، على وجه التحديد، عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن الشؤون الداخلية لأي دولة وأن يبقوا على الحياد الإيجابي في أي قضية تخص أي دولة جارة أو بعيدة، لأن التجارب الفلسطينية على هذا الجانب أثبتت أن التدخل لن يكون يوماً في مصلحة أي طرف وأن الخاسر الأكبر هو فلسطين وقضيتها وشعبها .
لذلك فإن الأمل أن تظل مدينة القدس وحرمها المقدس عنواناً للوحدة والإجماع ورفض الانقسام، ومكاناً لعبادة الله وتمجيده وحمده وأن تبقى البوصلة موجهة نحو الاحتلال، لا إلى أي شيء آخر .
النقب.. لا أقل من "نكبة ثانية"؟
بقلم: حسن البطل – الايام
الشاعر قال: "الأرض والفلاح والإصرار/ هذه الأقانيم الثلاثة كيف تُهزم"؟ لكن ثمة أقانيم ثلاثة أخرى تشكل نضال الشعب الفلسطيني في إسرائيل تحت شعار "السلام والمساواة".. إنها: الجليل والمثلث والنقب.
يمكن أن نرى في هذا اليوم، 15 تموز، يوم أرض ثانياً، بعد "يوم الأرض" في 30 آذار 1976، وكان دفاعاً ضد تهويد الجليل، وبالذات المنطقة (09) وجرى هذا اليوم التاريخي في مثلث: عرابة، سخنين، دير حنا، رداً على مخطط يسرائيل كونينغ.
منذ أيلول 2011، يدور صراع أراضٍ في النقب، وبدأ بمشروع باسم غولدبرغ، الذي أنكر واقع "الملكية التاريخية" لعرب النقب لزهاء 800 الف دونم، لكن لجنة غولدبرغ أوصت، مع ذلك، بشرعنة 40 قرية بدوية غير معترف بها.
لجنة أخرى هي لجنة "برافر"، نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، قررت مصادرة الأراضي.. وايضاً "تنظيم إسكان بدو النقب" وشدّدت توصيات لجنة غولدبرغ باتجاه هدم "القرى الأربعين" البدوية غير المعترف بها. بلا ماء أو كهرباء.
لاحقاً، قام الوزير بيني بيغن، نجل مناحيم، بدراسة مطولة وميدانية للتقريرين، وأوصى بحل وسط بين تقريري غولدبرغ وبرافر.. لكن بعد سقوط بيغن وبقية "أمراء الليكود" في انتخابات حزبية، عادت الحكومة إلى مشروع برافر الأصلي مع بعض التعديلات التجميلية من مشروع بيغن.
في 24 حزيران صادقت الكنيست بغالبية 43 ضد 40 على مشروع برافر ـ بيغن، الذي وصفه عرب النقب، وكذا الشعب الفلسطيني في إسرائيل، بقيادة "لجنة المتابعة المنبثقة عن اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربية" بأنه "نكبة ثانية".
لتقديم صورة عن صراع الأرض ـ المسكن في النقب، يكفي القول إن قرية العراقيب غير المعترف بها جرى هدمها 51 مرة وإعادة بنائها 50 مرة.
عدا ذلك تقوم طائرات الرش الزراعي بالمبيدات بإتلاف حقول القمح والشعير في أراضي النقب المهددة بالمصادرة، وذلك للحيلولة دون تعزيز "الملكية التاريخية" للأرض بقانون عثماني، أي منع مصادرة أرض مفلوحة ومزروعة لو سنة كل عشر سنوات.
يتعلق صراع الأرض والمسكن في النقب، بتصور بن ـ غوريون بأن مستقبل إسرائيل في تهويد الجليل والنقب، علماً أن بدو النقب صاروا 250 ألف إنسان، وهم أكثر فئات السكان في إسرائيل ازدياداً بحكم عادة الزواج بأكثر من امرأة.
في نقاش القانون بالكنيست، شن النواب الفلسطينيون انتقاداً شديداً للمشروع مع اعتراضات من 40 نائبا في المجموع، الأمر الذي دفع موشي آرنس للادعاء أن النواب الفلسطينيين يقومون بـ "فلسطنة" بدو لم يكونوا يوماً فلسطينيين، وليسوا جزءاً من ما سماه "الأمة الفلسطينية" التي كانت مجرد "عرب إسرائيل" أو"عرب المناطق".
وجه الخطورة في قانون برافر ـ بيغن هو أن بحجة تجميع و"مركزة" بدو النقب وتمدينهم ستتم مصادرة 800 ألف دونم، وأيضاً تهجير 70 ألف إنسان في "القرى غير المعترف بها" وهي القرى الأربعون، علماً أن إسرائيل لم تبن مجرد مدينة أو قرية جديدة للفلسطينيين في إسرائيل منذ 65 سنة على قيامها، ولا حتى جامعة أو كلية جامعية بينما أقامت كلية "أريئيل" الجامعية في الأراضي الفلسطينية بالضفة؟!
الفلسطينيون في إسرائيل دعوا إلى إضراب عام اليوم 15 تموز، وكذلك تظاهروا واعتصموا أمام الكنيست، لكن الأمر الجديد هو رفعهم شكوى للأمم المتحدة باسم الشعب الفلسطيني في إسرائيل تتهمها باتباع سياسة فصل وتمييز و"أبارتهايد" عنصرية.
كما هي الحال في الضفة، حيث تدعي إسرائيل أن معظم الأراضي "أرض دولة" فالأمر أدهى وأقسى بالنسبة لصراع الأراضي في إسرائيل، حيث تدعي أن كل الأراضي تقريباً هي "أرض دولة" علماً أن إسرائيل أقيمت بينما 6-8% من مساحتها كانت بملكية يهودية.
اجتهدت إسرائيل لتمييز فئات الشعب الفلسطيني، وخصّت بذلك الدروز والبدو وإلى درجة ما المسيحيين، لكن مشروع تهويد النقب بعد تهويد الجليل سيؤدي، عاجلاً، إلى تقويض تجنيد البدو في الجيش الإسرائيلي، وإلى أزمة شديدة في علاقتهم بدولة إسرائيل.
إنها 800 ألف دونم وتهجير 70 ألف إنسان وهي "نكبة ثانية" فعلاً، بينما يقوم المستوطنون اليهود في الضفة بإبادة مقومات الحياة في القرى المجاورة للمستوطنات، ومنها تجريف وسرقة التربة الزراعية ونقلها إلى المستوطنات.. أي سلخ أديم الأرض كما يسلخون جلد الشاة؟!
غزة ومصر: بين التوريط والزج
بقلم: د. عاطف أبو سيف – الايام
ليس صدفة أن تكون غزة في قلب النقاش المصري الداخلي منذ اللحظة الاولى لتفجر الأزمة مع سقوط نظام مبارك عقب ثورة يناير، فالارتباط التاريخي والجغرافي بين القطاع وبين مصر كان دائماً وثيقاً منذ الحكم المصري للشريط الساحلي الوحيد المتبقى من فلسطين بعد النكبة وما تبع ذلك من علاقات؛ ربما أهمها كون معبر رفح البري مع مصر هو منفذ القطاع الوحيد الى العالم الخارجي في ظل منع سكان القطاع من استخدام معبر بيت حانون (إيرز). كون الشيء ليس صدفة لا يعني أنه مقبول. فالطريقة التي وجدت غزة نفسها في هذا النقاش لم تكن حميدة، ولا كانت غاياتها كذلك ولا وسائلها.
لم تنتج هذه الحالة من فراغ بالطبع، بل هي تعكس علاقات وتراكمات ومصالح ومواقف، كما تصريحات وخطبا وبيانات. لقد شهدت السنوات الثلاث الماضية مستويات مختلفة في علاقة القطاع بمصر حكمها بالطبع حقيقة سيطرة الإخوان المسلمين على نظامي الحكم في المنطقتين. فحماس الذراع الإخوانية الفلسطينية تحكم قطاع غزة، كما أن الإخوان يحكمون مصر ليس منذ فوز الرئيس السابق مرسي بالانتخابات في حزيران العام الماضي ولا حتى منذ هيمنة الإخوان على مقاعد مجلس الشعب منذ بداية 2012 وبعد ذلك مجلس الشوري، بل منذ سقوط مبارك وظهورهم كقوة رئيسة في السياسة المصرية وفي التقرير بمستقبلها. هذه الحالة خلقت مجالاً واسعاً للتفاعل، للأسف كان في محصلته سلبياً.
علينا التمييز بين توريط غزة في الأزمة المصرية وبين محاولات الزج بها في أتون هذه الأزمة. فالتوريط للأسف ينبع من اجتهادات وتصرفات ذاتية يقوم بها بعض الأطراف الفلسطينية مسوقا بتبريرات كثيرة وبدوافع متباينة لكنها في المحصلة تقود إلى نتيجة ضارة. أما الزج فوراءه بعض الأطراف المصرية خاصة من الإعلاميين الذين يروق لهم تخيل أن غزة وراء كل ازمات مصر وأنه لولا تدخل بعض اطراف غزة لما حدث لمصر أي شيء. والنتيجة أن قطاع غزة وسكانه عليهم ان يدفعوا فاتورة هذه الاخطاء والمشاعر غير السليمة للطرفين، وأن يتحملوا الاجتهاد الخطير للبعض ومحاولة البعض الآخر ان يرمي بأزماته على غيره. اما الحقيقة فهي شيء آخر.
بعبارة بسيطة انتقل الصراع المصري في جزء منه إلى غزة، دون وجه حق، ودون أن يكون لسكان غزة البسطاء أي تقرير في ذلك، ودون ادنى اعتبار لحقيقة الموقف الفلسطيني من النقاش المصري الداخلي، ولا دون التفاتة لحقيقة المصالح الحيوية للشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة. تصرفات طائشة غير محسوبة، واجتهادات، ربما، في غير محلها من قبل بعض الأفراد وربما بعض التنظيمات. توهم أيضاً لا محل له من الإعراب من قبل بعض الإعلاميين المصريين لا يعبر عن حقيقة الموقف المصري الرسمي أيضاً. كل هذا جعل غزة تقع بين فكي الكماشة وكأنه مطلوب منها أن تدفع ثمن الأزمة المصرية وتتحمل أي نتائج غير مرغوبة لها.
بداية لقد تميزت السياسة الفلسطينية تاريخياً بارتكازها، حين يتعلق الامر بالشؤون العربية، على عدم التدخل في هذه الشؤون وبالوقوف على الحياد ليس لعدم وجود موقف أخلاقي للفلسطينيين تجاه هذه القضايا، بل لأن طبيعة الأزمة الفلسطينية وضرورات المصلحة الوطنية تقتضي أن لا يكون الفلسطينيون طرفاً في أي صراع غير ذلك الذي مع العدو المركزي الذي التهم أرضهم وصادر حقوقهم. وعليه فإن هذا الفهم حكم مواقف الفلسطينيين بشكل حاد، دون أن يعني هذا تبرئة للدول العربية من مسؤولياتها القومية تجاه فلسطين.
ما حدث في مصر ليس شاناً فلسطينياً، بل مصرياً بامتياز، وفلسطين ليس لها إلا أن تكون مع مصر وخير مصر. وإن أراد أحد أن يترجم هذا القول فهو يذهب لمساندة الإرادة الشعبية المصرية دون تردد. لأن مصر هي الدولة العربية الأكثر انشغالاً بالقضية الفلسطينية حتى لا يكاد بيت او شارع في مصر يخلو من ذكريات حروب فلسطين، ولأن مصر الوحيدة التي حافظت على اسم فلسطين بعد النكبة حين حافظت على قطاع غزة باسمه الحقيقي "فلسطين – قطاع غزة".
ولأشياء كثيرة تبدأ بعبد الناصر والجيش المصري ولا تنتهي بالأنفاق وتخفيف الحصار عن غزة.
هذا يتطلب أن يتم وضع حد للمواقف والتصرفات التي لا تعبر عن الإرادة الشعبية الفلسطينية ولا تترجم مصالح الشعب الفلسطيني. صحيح أنه لم يصدر عن حماس أي موقف رسمي تجاه الأزمة المصرية، وصحيح أن المشاعر قد تكون قوية في ذلك بسبب الرابط الإيدلوجي، لكن ثمة تصرفات لا حاجة لها حتى لو كانت شكلية أو نابعة من بعض الأفراد أو الجماعات، ويجب وضع حد لها.
إلى جانب ذلك يجب نبذ أي تصرفات يمكن لها ان تفسر أنها مساندة لاستمرار الازمة في مصر. مثلاً لا يوجد عاقل يمكن له أن يكون مع رفع صورة مرسي فوق أسوار الاقصى ليس لأنه لم يفعل شيئاً للقدس فحسب حتى على صعيد التصريحات اللفظية (ألم يحدث العدوان الاخير على غزة في عهده!!)، وليس لأن في رفع الصور توريطا لفلسطين في نقاش مصري لا علاقة لها به، بل من أجل مليون سبب إلى جانب ذلك. وحتى لا يقع البعض في مقاربات غير سوية وغير عادلة، فإن شهداء فلسطين كرمهم شعب فلسطين وسكان القدس بأعظم من ذلك فصورهم ليست فقط على الجدران وفي فصول المدارس وداخل كشاكيل الصبية بل أيضاً في القلوب لا يغيبون.
وعليه فثمة حاجة كي يخرج الكل الفلسطيني، خاصة في غزة، بموقف موحد تجاه الأزمة بمصر قائم على عدم التدخل وعلى مساندة استقرار وأمن مصر وسيادتها. ويمكن لبيان مشترك للفصائل الفلسطينية كافة بعد عقد اجتماع، ان يشكل مقاربة اولوية لاعادة توجيه البوصلة الفلسطينية واعادة موضعة الموقف الفلسطيني ضمن النسق الصحيح. يكون من تبعاته عدم وضع وسائل الإعلام الفلسطينية طرفاً في الأزمة المصرية.
"رابعة العدوية" وضاحيتها "القدس"
بقلم: غسان زقطان – الايام
في مقالة نادرة لـ "أحمد منصور" في "الشروق" المصرية، وهو كما هو معروف، احد اهم ادوات الإخوان المسلمين الاعلامية واكثرها تأثيرا وديماغوجية وتعصبا تحديدا من خلال دوره في قناة الجزيرة القطرية، يعترف منصور بفشل تجربة الاخوان في السلطة، ومستخدما تعبير " طوفان الكراهية"، في اشارة للملايين الغاضبة التي خرجت الى شوارع مصر في الثلاثين من حزيران الماضي مطالبة باستقالة مرسي والذهاب الى انتخابات مبكرة، محملا مسؤولية هذا الفشل للأداء المتخبط لممثلهم محمد مرسي، وسوء ادارته، معتبرا ان الخطأ بدأ مبكرا عندما اختارت الجماعة مرسي كبديل متسرع للشاطر، ومن بين اسباب الفشل، كما يشير المقال، عدم اصغاء اصحاب القرار في الجماعة لنصائح منصور نفسه، الذي اضطر لإرسال نصائحه عبر رسائل هاتفه النقال، دون فائدة!.
هذه المقدمة التي تستشهد بتحليل احد اهم اجزاء ماكينة الاخوان الاعلامية واباطرتها، وهو مصري الجنسية، جاءت لتعزيز غرابة واسفاف ما قامت به بعض الجهات من فروع جماعة الاخوان المسلمين وتشكيلاتها في فلسطين مؤخرا، في محاولة لتحويل المسجد الأقصى الى ضاحية لميدان رابعة العدوية في القاهرة، حيث يعيش انصار مرسي وايتامه خارج العالم تماما.
وهي مواقف معزولة، رغم الضجيج الذي تحاول احداثه عبر خروجها عن رأي الاغلبية واختيار وسائل فجة للتعبير عن رأيها، لعل ابغضها واكثرها استفزازا وتطاولا على مشاعر الفلسطينيين كان رفع صورة مرسي العياط على جدار المسجد الأقصى في الجمعة الأولى لشهر رمضان، تشير الاحصائيات إلى ان نحو ربع مليون مصل/ة تمكنوا من الوصول الى المسجد وباحاته لأداء الصلاة، حيث بدا الأمر كمحاولة بائسة لتزوير ارادة هؤلاء الذين وصلوا المسجد عبر حواجز الاحتلال من مختلف مناطق الضفة واراضي الـ 48، في تقليد عفوي يرتبط بعبادتهم وايمانهم ووطنيتهم، المجموعة التي حملت اللافتة والصورة جاءت من داخل الخط الأخضر، لم تحمل علم فلسطين ولا رفعت شعارات تندد بمخطط " برافر" الذي يهدد بنكبة ثانية للفلسطينيين عبر مصادرة 800 الف دونم وتهجير عشرات القرى البدوية، والتي من المفترض ان يكون اليوم هو موعد الاحتجاج الشعبي عليه، حيث تنادت جميع القوى الوطنية للتظاهر دعما لحقوق فلسطينيي النقب. في زاوية من باحات المسجد كان هناك من يهتف باسم بشار الأسد!! بينما علق حزب التحرير لافتة تحمل شعاره " الخالد " المطالب ب " الخلافة ".
فجأة تحول جدار الأقصى الى لوحة اعلانات لتعليق الأوهام والكوابيس، دون الإشارة، ولو من باب المجاملة الى التهديد الجدي الذي تواجهه القدس ويواجهه المسجد سواء من خلال الاقتحامات شبه اليومية لساحاته وبواباته من قبل جنود الاحتلال ومجنداته او المستوطنين، او من خلال الحفريات التي تنهش اساساته وجدرانه ووجوده ومكانته!
شخصان وشيخ وصلوا الى المسجد الأقصى في القدس المحتلة عبر اتباع ومريدين غامضين عزلتهم ايديولوجياتهم المغلقة عن شعبهم وعن قضيتهم وعن العالم، مرسي العياط وبشار الأسد و "خليفة " حزب التحرير الذي لم يتحقق حضوره حتى الآن ولم ييأس منتظروه بعد!.
المشهد سيذهب الى ابعد من المسجد الأقصى الذي جرت الإساءة له بتعمد لا يخلو من يأس، تحديدا الى مسيرة تحمل رايات حماس وجماعة الاخوان المسلمين وهي تطوف بعبثية مطلقة في شوارع غزة! مسيرة من عشرات المصدومين بالسقوط الذريع لمرسي امام طوفان من اكثر من ثلاثين مليون مصري زرعوا في 30 حزيران 2013 علامة لبداية نهاية حقبة الإسلام السياسي الذي حاول اختطاف ربيع الشباب العربي.
سيذهب المشهد الى الشيخ، نسيت اسمه فعلا، وهو "يخطب" في انصاره ومريديه في احدى البلدات الفلسطينية في مناطق الـ 48، ودون ان يرف له جفن، يعلن وقوف الشعب الفلسطيني الى جانب " شرعية مرسي العياط "!.
بصفته "قائد الأمة"! يمكن لنا ان نتخيل، من باب الكوميديا السوداء في هذا السياق " القائد " و "الأمة "!
في المقابل تشكل هذه التصرفات الغريبة فرصة تتغذى عليها الحملة التي يقودها بعض الاعلاميين في مصر، وهي مجموعة تضم في طيفها " اسفاف وضحالة " شخص مثل اديب عمر الى جانب " فجاجة وادعاء" يوسف الحسيني الثورية، بين هذين القطبين تتم شيطنة الفلسطينيين والسوريين، في حملة يتضح انها لا تفتقر الى التنظيم والتوجيه تذكر بحملة الاعلام الرسمي المصري صبيحة توقيع معاهدة " كامب ديفيد ".
لقد أضر هؤلاء بفلسطين وبقضيتها الوطنية ، وزوّروا بوعي ارادة شعبها ، وشوهوا بضيق افقهم وخيالهم المحدود وانعزالهم عن التاريخ والحاضر ثقافة شعبهم ودوره ومكانته، ولعل ما يجعل الأمر محتملا ومبشرا الآن هو انهيار نموذجهم وتفككه وانكشاف الكابوس الذي قضوا في توريته واخفائه اكثر من ثمانية عقود.
الاسير المحرر صالح أبو لبن في البيت الثالث
بقلم: عيسى قراقع - معا
الرواية التي نجت من المذبحة
شاء القدر أن ينجو الكاتب الاسير المحرر صالح أبو لبن ابن مخيم الدهيشة من المذبحة، لتنجو هذه الرواية بدمها ولسانها وقلبها الدافق، محافظة على حقوق جسدها وحقوق المؤلف ، لتروي ما حدث في هذا الصراع الطويل منذ أن بدأ التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في عام النكبة عام 1948، مرورا بصعود النشيد المقاوم ،واتساع صوت الضحية المفقود في البحث عن البيت الثالث خارج الصفيح في المخيم والمؤقت من أجل ختام آخر للنص والواقع.
بعد خمسة عشر عاما في سجون الاحتلال، وفي تاريخ الاحتلال الجديد والمتجدد ، ووسط هدير المجنزرات وأصوات الطائرات وسقوط الشهداء وشلالات الدماء خلال الاجتياحات الإسرائيلية للضفة الغربية عام 2002، يقف صالح أبو لبن مصلوبا مرة أخرى على الخشبة ، معتقلا يرى العذراء في كنيسة المهد في بيت لحم تقصف بالقنابل ، الدماء تشع على البلاط المقدس، والبرد والجوع والموت والسماء المعدنية لتخرج ذاكرة الكاتب من الأرشيف ، تجلس تحت شجرة الميلاد، وتبدأ بتجميع الصور كما تجمع الأشلاء المتناثرة في الحارات.
يلملم الكاتب البدايات ، يحاول أن يعدل النصوص ليبقى حيا قادرا على استيعاب عدد المحشورين في البركس في سجن عصيون، وقادرا على إطلاق اشتياقاته الحائرة لتكون الكلمات هي المواد الأولية لبناء البيت الثالث في الحلم، عندما تصبح الكلمات هي الوطن.
مشدودا هذا الكاتب كالوتر بين الماضي والحاضر والغد مختفيا في الرواية الموجعة، مندفعا إلى محتويات الأمام، إلى رواية لم تكتمل يبدأها، ثم تقوم هي بتولي مسارها من أزقة المخيم حيث سقط السياج وبلغ الجوع سن المقاومة والتمرد على الاحتلال متحولا من لاجئ إلى ند، يتناوب مع أقداره في المغامرة حتى لا يفقد التاريخ الذاكرة.
الكاتب الاسير ، المحمول من آثار النكبة إلى عين الصحفي المفكر المهموم المحاصر في مبنى بلدية بيت لحم في ساحة المهد ، المسافر في كل سجون ومعسكرات الاحتلال، الموشوم بالقيد واللغة ورائحة الحنين إلى جده الشيخ وخبز أمه الساخن، العصي على الصفر والغياب، الذي مات أكثر مرة، ونجا أكثر من مرة، يلتهم الحياة دون أن يسمح للحصان أن يخرج من السبق أو أن يطفأ القمر في السماء.
كلما ضاقت عليه الجدران، تتسع الرواية في ذاكرته المتهيجة، تشرح درسا في السياسة والتاريخ للقوى اليسارية في إسرائيل عن شعب النكبة الموزع بين المنافي والاحتلال، وعن أسرى لهم أسماء وتاريخ ميلاد وهوية ، يبحثون عن طريق أبعد أبعد للوصول إلى آثار حياتهم التي نهبت.
صالح أبو لبن كيف استطعت أن تكسر جرحنا المالح وتصرخ بهذا الصوت الأعلى وترشدنا في فصول روايتك إلى باب الخروج، الخروج: من السجون والحصار، وتتجاوز بنا الغموض السياسي بين الواقع والخيال، بين الشعار وبين الكابوس، دون أن تغرق في هيمنة زمن الاحتلال لترى غدك بعد قليل .
لجدك طريقة في شفاء الجروح واستيعاب اقتلاع المكان دون أن ينسى، ولك طريقة في تفقد أعضاء جسمك وحكايات الناس المعذبين في المخيم وهي ترتجف من أثر الذبح لتنهض بنا ذاكرة و نصا وتمنعنا من السفر والخطى المتعاكسة.
في السجن اخترت شمسك الأخرى لترى النهار، وحملت وطنك لتبنى الجهة المخطوفة في ذلك العدم، وعبرت جسر الغموض إلى الحرية، وبقيت مشغولا في تقريب المسافة بين قرية زكريا وباب البيت الأول ولتكون أنت الراوي والرواية والمؤلف والشهيد.
البيت الثالث.. أغنية قدت من صخر، شبحت أكثر من مرة، عذبت كثيرا، تنسمت الحرية ثم اختنقت، عادت مرة أخرى إلى مواجهة البرد والمحقق وسؤال المرحلة والفلقة والربط في ماسورة الاحتلال.
البيت الثالث... رواية مصلوبة علنا في وسط مخيم الدهيشة للاجئين، أبطالها موجودين، عذاباتهم تسيل على الأرصفة ، يقادون داخل مجنزرة، محمولين على خواطر طائرة في هواء ساخن.
البيت الثالث...وثيقة دم تؤرخ الحرب والسلام، وتبقيك في وسط الميدان والغبار، تنتظر منتفضا تحت الرصاص، ومتأملا في سلام ثقيل يجر وراء المستوطنات وروحا عسكرية عنصرية ، فتبقى النهايات مفتوحة على موعد ناقص في الحكاية .
قضيتنا والحلم العربي
بقلم: ضرغام أبوسليم- معا
منذ ما يقارب الثلاثة أعوام طافت بمحيطنا العربي موجة لم تكن العقول قادرة على تخيلها. أشار البعض إلى هذه الموجة "بالربيع العربي،" بينما فضل البعض الآخر أن يستخدم تعبير "مد الإسلام السياسي،" وفي نفس الحين أشار آخرون إلى هذه الموجة بتعبير "الإنقلاب" على الحكم.
تعددت الأسماء والأوصاف لواقع المحيط العربي، وفي كل إسم وصفة نجد مرجعية مفاهيم تعكس ما آلت اليه أفكار وقيم الشعوب بعد سنوات من الكبت والطغيان. تارة تجد الليبرالي الحر، وتارة أخرى تجد التقليدي المتشدد، وبينهما تجد بحر من التوجهات والأفكار والآراء والقيم فيما يخص المجتمع والسياسة والدين.
مع ذلك، وعلى الرغم من الإختلافات الحادة، تجد العالم العربي يتوافق في أمر قضيتنا: لابد من نصرة فلسطين يقول بعضهم، ولابد من الجهاد في فلسطين يقول البعض الآخر، ولازالت فلسطين عنوان الحلم العربي يصر آخرون.
عفوا أيها العرب، لازالت فلسطين محتلة، وتستمر معاناة شعب فقد ثقته في نصرتكم وجهادكم. كيف لي كفلسطيني أن أثق فيكم بينما لاتزال شعوبكم تبحث عن هويتها؟ كيف تطالبون بثقتي فيكم في نفس الوقت الذي تعاملونني فيه كأنني أسامة بن لادن حين أعبر حدودكم؟ أستغرب لأمركم.
هل تعتقدون أننا شعب ساذج لهذه الدرجة؟ هل فعلا تعتقدون أن إختزال قضيتنا إلى مجرد أغاني ومسلسلات ومؤتمرات وتصاريح إعلامية تحاكي الحلم والضمير والقهر والغد الواعد من شأنه أن يعزز ثقتنا فيكم؟
دعوني أقولها لكم: على مدار سنواتي الفتية كفلسطيني كان ولايزال حلمكم العربي المزعوم كابوسي الفلسطيني.
نعم، أنه حلم مزعوم لا أساس له في واقع حياتكم المرتبكة ذات الهموم المتراكمة دون وجهة واضحة إلى الحلم الذي تدعون.
أي حلم تتحدثون عنه وتاريخكم ملئ بالمساومات على فلسطين وطموحات شعبها؟
أي حلم تتحدثون عنه في نفس الحين الذي تختزلون فيه طموحي المشروع لخدمة مصالحكم الحزبية وتشتيت إنتباه شعوبكم عن الأخطار المحدقة بهم لأجل إستدامة حكمكم؟
كفاكم تلاعب بمصير شعب لا يريد لكم إلا كل خير، كفاكم مساومة وبيع وشراء بطموحات شعب إحترم ولازال يحترم سيادة قراركم.
من هم مرسي أو الأسد أو غيرهم لترفع صورهم في سماء عاصمتي؟ من هم في حياتي؟ من هم في مجتمعي الذي عانى الأمرين؟ من هم لكي نجعل من فلسطين وطموحاتنا المشروعة كبش فداء لأجلهم؟ من هم؟
من أنت أيها الشخص الذي تجرأت وحاولت أن تزج بقدسنا إتجاه معضلات لا شأن لفلسطين بها؟
أين أنت من طموحات الشعب؟ أين أنت من واقعنا السياسي الذي تحيط به المخاطر من كل ناحية؟
هل أنت فلسطيني؟ وهل فعلا كانت نيتك الصلاة في باحات مسجدنا، أم أردت المساومة والمراهنة عبر صلاتك؟
قد يختلف البعض الفلسطيني في هذا الأمر، وأنا مع الإختلاف والنقاش الواقعي فيما يخص سيادة العمق الفلسطيني.
كنا نحن الشعب الأول الذي مر بالتجربة الإنتخابية وبنزاهة في الشرق الأوسط، وكنا ولازلنا الشعب الوحيد في المنطقة المطالب بتوحيد سدة الحكم عوضا عن مطالبة القادة بالرحيل.
هنا، في تعددية أطيافنا السياسية تكمن قوتنا المطلقة. وبالتالي، لابد لنا من إسترجاع سيادة الرأي والقرار الفلسطيني.
على قياداتنا ونشطائنا الكف عن المراهنة على التغيرات التي نشهدها، والأفضل لهذه القيادات هو أن تقوم بترتيب البيت الفلسطيني للتعامل مع أي نتيجة.
فأنا لا أرى تركي، أو أمريكي، أو مصري، أو قطري، أو أردني، أو إيراني يعاني من إحتلال تعسفي ينافي الأخلاق والإنسانية.
لا أرى أي منهم يعاني من إنقطاع الكهرباء، والأدوية، والمواد الأساسية.
لا أرى أي منهم يعاني من ديون متراكمة، وبطالة مستفحلة، وسوق أنفاق سوداء.
لا أرى أي منهم غير قادر على التحرك بحرية داخل بلاده أو خارجها.
قد تتعدد أشكال التحالفات والعلاقات والمراهنات على هذا أو ذاك، لكن لا يوجد قوة قادرة على دحر إرادة وطموح شعب يرفض أن يختزله البعض لخدمة مصالح حزبية أو مصالح خارجة عن العمق الفلسطيني وإهتمامته.
في نهاية المطاف، نحن جسر المؤمنين إلى الأرض المباركة بكافة أطيافهم وتعدد ألسنتهم وأللوانهم، شاء من شاء وأبى من أبى.
فدون إسترجاع سيادة القرار والرأي والحق في التمثيل المشروع في الشارع الفلسطيني منه وإليه، سيستمر الكابوس.


رد مع اقتباس