النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء اسرائيلي 448

  1. #1

    اقلام واراء اسرائيلي 448

    اقلام واراء اسرائيلي 448
    26/9/2013

    في هــــــذا الملف


    مركز الثقل في الشرق الاوسط يتغير
    بقلم: عاموس هرئيل،عن هآرتس

    اوباما رفع علما أبيض
    بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم

    فرصة للدبلوماسية
    بقلم: أسرة التحرير،عن هارتس

    النووي مقابل فلسطين
    بقلم: باراك رابيد،عن هارتس

    ‘سورية هي العدو.. لكنني ما زلت أحبها’
    بقلم: سمدار شير ،عن يديعوت








    مركز الثقل في الشرق الاوسط يتغير

    بقلم: عاموس هرئيل،عن هآرتس
    بعد أكثر من شهر من الانشغال الدولي المكثف في أزمة السلاح الكيميائي في سورية، يتغير جدول الاعمال الاقليمي. فالانتباه سيتركز على البرنامج النووي الايراني وبالاساس على ما يجري هذه الايام حول الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك. خطاب الرئيسين الامريكي والايراني، اللقاء الاول لوزيري خارجية الدولتين والمساعي لايجاد حل وسط يوقف تقدم طهران نحو تحقيق سلاح نووي. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي وضعه خطابه عن ‘الخط الاحمر’ في الجمعية العمومية قبل سنة في مركز الساحة العالمية، سيتعين عليه أن يكتفي هذه المرة بدور هامشي أكثر. فاسرائيل توجد منذ الان في الموقف الذي اعدت له في المعركة الحالية فهي المشتكية الدائمة، الممتعضة، المراقبة من الجانب لما يجري. ‘نحن الولد الذي يصرخ ان الملك عارٍ’، ادعى هذا الاسبوع الوزير يوفال شتاينتس، المقرب من نتنياهو، غير أن احدا لا يعتزم الانصات لهذا الولد.
    حسن روحاني، الرئيس الايراني حديث العهد، سيكون نجم الجمعية العمومية. في الاسابيع الاخيرة أدار حملة مخططا لها جيدا، هدفها عرض وجه جديد، معتدل، للنظام في طهران. لقد انتصر روحاني في الانتخابات في حزيران/يونيو الماضي بالاساس لانهم ينتظرون منه أن يجلب للشعب الايراني انجازا واحدا، وهو تخفيف كبير من عبء العقوبات الدولية التي كان تأثيرها على الاقتصاد في السنة الاخيرة أشد مما قدروه في البداية. وقد اضطر آيات الله، الذين لم يتدخلوا هذه المرة في تزوير النتائج، الى الانسجام معه. وتعتقد الصفقة التي يقترحها روحاني على الغرب، بايجاز، تخفيف العقوبات مقابل كبح جماح التطلعات النووية.
    ويسعى النظام الى الحفاظ على قدرة تخصيب اليورانيوم، ولكنه يؤشر الى استعداد للمساومة في مسائل تعزيز الشفافية في مواقع النووي وتوثيق الرقابة الدولية.
    لم تجتز ايران هذه السنة الخط الذي’رسمه نتنياهو في خطابه العام الماضي، والذي عرض لاحقا بانه مراكمة 250 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 في المئة (كمية تكفي لانتاج قنبلة نووية واحدة، بعد التخصيب الى مستوى نحو 90 في المئة). حتى الان راكمت نحو 190 كيلوغراما. ولكن التقارير الاخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تفيد بان الايرانيين وجدوا التفافا على الخط. فتركيب أجهزة طرد مركزي أسرع للتخصيب، قصر المسافة نحو انتاج القنبلة، وطرح تخوفا لدى أجهزة الاستخبارات في اسرائيل وفي الغرب، بانه في حالة أن تقرر ذلك يمكن لايران أن تتقدم الى الامام في غضون أشهر قليلة، وأن الاستخبارات من شأنها أن تلاحظ التغيير فقط بعد أن يكون الاوان قد فات.
    في هذه الاثناء يتخذ روحاني خطوات في الجبهة الداخلية ايضا لتبرير الخط الجديد، باسناد جزئي على الاقل من الزعيم الروحي الاعلى علي خامنئي. والى جانب تحرير استثنائي لسجناء سياسيين، يشدد قادة النظام في طهران على الحاجة الى اظهار ‘مرونة بطولية’ يشرحها خامنئي نفسه بالاستعداد للمساومة من أجل هدف مقدس، الحفاظ على عظمة ايران. وكل هذا يجري في ظل علاقة وثيقة بما يجري في الحرب الاهلية في سورية، حيث يغرق الايرانيون في حرب من أجل بقاء نظام الاسد والحفاظ على نفوذهم الاقليمي. واقتبس عن رجل دين ايراني كبير مؤخرا كمن ادعى بانه ‘اذا فقدنا دمشق، لن نتمكن من الحفاظ على السيطرة في طهران’. ولكن الحل الوسط في السلاح الكيميائي الذي بلورته روسيا تحت تهديد الهجوم الامريكي على سورية اخراج كل المخزونات من سورية ونقلها الى رقابة أجنبية ـ يعتبر ايضا بمثابة تمرين عام على معالجة البرنامج النووي الايراني. ونجاح الغرب في فرض تطبيق خطة ناجعة لتصفية مخزونات السلاح الكيميائي كفيل بان يكون ـ رغم الفوارق الكبيرة بين وضع سورية وايران، سابقة مشجعة نحو بلورة حل وسط عملي في البرنامج النووي.
    في نظرة من اسرائيل، يتم التشديد على المخاطر التي لا بأس بها، والتي انكشفت في الاداء الامريكي في الازمة في سورية: تخوف ادارة اوباما من التدخل العسكري، تردد وتذبذب واشنطن في ظل بلورة موقفها، عدم قدرتها على بلورة خطوات مشتركة مع حلفائها في المنطقة ومع القوى العظمى الغربية الاخرى، التحدي البارز من جانب موسكو. وفي تسريب الى ‘نيويورك تايمز′ هذا الاسبوع فصل نتنياهو المطالب المتشددة التي سيطرحها على ايران في الامم المتحدة: وقف تخصيب اليورانيوم في كل المستويات، اخراج كل اليورانيوم المخصب من نطاق ايران، اغلاق المنشأة التحت أرضية في بوردو واخراج اجهزة الطرد المركزي الجديدة من المنشأة في نتناز. وفي أحاديث غير رسمية، يبرز الشك المتعاظم في تل ابيب تجاه واشنطن، على خلفية خطوات اوباما في المسألة السورية.
    لقد وجد نتنياهو في احداث الشهر الاخير ذخيرة لا بأس بها لخلافه الداخلي المستمر مع كبار مسؤولي جهاز الامن في اسرائيل، في مساعيه لاقناعهم بتأييد هجوم اسرائيلي احادي الجانب على مواقع النووي في ايران. ورئيس الوزراء على قناعة بان اسرائيل لن تتمكن من الاعتماد على الغرب في ان يزيل التهديد الايراني ومن هنا تكراره المتواتر مؤخرا، في خطاباته العلنية، لرسالة ‘إن لم أكن أنا لي، فمن لي’. ولكن عمليا، يخيل أن احتمالات الهجوم الاسرائيلي المستقل تقل بالذات، ولا تزيد، كلما مر الوقت، منذ انتصار روحاني في الانتخابات. وكانت لنتنياهو، بعد كل شيء، في سنوات سابقة فرص للامر بالهجوم، فوتها. في المزاج الدولي الحالي سيجد صعوبة في قيادة خطوة عسكرية لهجوم في السنة القادمة، حتى لو تحقق حل وسط لا يروق لاسرائيل.

    حرب استنزاف سورية

    توصف روسيا بانها المنتصرة الاكبر من الحل الوسط السوري. الرئيس السوري بشار الاسد هو الاخر (الذي يحتفظ حاليا بحكمه، بثمن التنازل عن السلاح الكيميائي) وحتى الامريكيون سجلوا لانفسهم فضائل معينة. ما لم يقل تقريبا هو أن اسرائيل هي الاخرى تكسب من ذلك وبقدر كبير، فهي في هذه الاثناء الرابح الاكبر من الحرب الاهلية في سورية. فاذا ـ وهذه بالطبع ‘اذا’ كبيرة جدا ـ نجحت الولايات المتحدة في أن تفرض التطبيق الكامل لاتفاق نزع السلاح الكيميائي، يكون قد أزيل عن اسرائيل تهديد كامن كبير، تم ضده بالاساس بناء منظومة الدفاع ضد الحرب الكيميائية، في الجيش وفي الجبهة المدنية، على مدى عشرات السنين.
    وسينضم نزع السلاح الكيميائي السوري الى ربح استراتيجي هائل حققته اسرائيل من دون أن تحرك ساكنا: الانهيار المستمر للجيش السوري. قائد المنطقة الشمالية، يئير غولان، قال الاسبوع الماضي في مقابلة مع اسرائيل اليوم ان الجيش السوري تآكل في الحرب الاهلية الى قرابة النصف، من حيث مخزون الصواريخ والمقذوفات الصاروخية لديه، قدرة اخرى بنيت في الاصل ضد اسرائيل. والى جانب الضريبة اللفظية الاخلاقية اللازمة التي تدفعها القيادة الاسرائيلية في دعوتها الى وقف المذبحة بحق مواطني سورية، يمكن قول الحقيقة: المعركة في سورية تجري بين معسكرين معاديين جوهريا لاسرائيل. والاستنزاف المتبادل بينهما، من دون حسم في الافق، مجدٍ لاسرائيل. ان عدم الاستقرار في سورية خطير، وكذا احتشاد ناشطي الارهاب من منظمات الجهاد العالمي على الحدود في الجولان مقلق، ولكنه لا يوازي المنفعة التي تنشأ عن تآكل القدرة العسكرية السورية، التقليدية وغير التقليدية. لا يوجد لاسرائيل اي سبب يدعوها الى تمني انتصار أي من الطرفين الصقريين.
    تنشر مجلة ‘نيو يوركر’ الامريكية هذا الاسبوع تقريرا طويلا ومشوقا يرسم صورة الجنرال قاسم سليماني، قائد جيش القدس، الذراع الطويلة للحرس الثوري’والحكم الايراني. كما أن سليماني، هو الرجل الذي قاد جهود ايران وحزب الله التي رجحت الكفة هذه السنة في الحرب الاهلية في سورية ومنعت انهيار نظام الاسد. ايران، التي رأت في سقوط الاسد تهديدا وجوديا، اقرضت سورية 7 مليارات دولار، بعثت الى هناك مئات المستشارين العسكريين والاف المقاتلين من حزب الله، وهي تحرص على أن ترسل كل يوم طائرات نقل، تنزل وسائل قتالية في دمشق. ويدير سليماني في الاشهر الاخيرة نشاطه من نطاق محصن داخل دمشق ويوزع من هناك التعليمات لرجال الاسد، لقادة حزب الله ولمقاتلي ميليشيات شيعية في العراق، جاءت لتساعد في معركة بقاء النظام العلوي. سورية هي خط جبهة المقاومة، قال سليماني مؤخرا، ‘سندعمها حتى النهاية’.

    اشتعال محلي

    وفي ظل المتابعة الاسرائيلية لايران وسورية اشتعلت هذا الاسبوع لزمن قصير الساحة الفلسطينية، حين قتل في الضفة الغربية جنديان من الجيش الاسرائيلي. وفي هيئة الاركان يتعاطون حاليا مع هذه الاحداث كمصادفات ويأخذون الانطباع بانها لا تبشر بتصعيد واسع في الضفة. وعلى خلفية هذا التقرير اتخذت خطوات رد فعل محدودة نسبيا: اقامة حواجز وتعزيز قوات في الخليل، الى جانب مطاردة استخبارية لمطلق النار هناك. نتنياهو ووزير الدفاع بوغي يعلون صادقا على توصيات الجيش لانهما غير معنيين بان تخرب اجراءات العقاب في المناطق على الادعاء الاسرائيلي في الساحة الدولية، الذي يركز على التحريض في جهاز التعليم الفلسطيني. وفي هذه الاثناء القيت بعظمة للجناح اليميني في الحكومة، في شكل تعهد باسكان بيت المكفيلا الذي اشتراه المستوطنون من فلسطينين في الخليل، وان كانت مصاعب قانونية كفيلة بان تعيق الاسكان.
    وادعى مسؤولون كبار في جهاز الامن أول أمس بان السلطة الفلسطينية تبدي ‘عجزا تاما’ في مكافحة الارهاب، وان كل احباطات العمليات هذه السنة تمت على ايدي اسرائيل وحدها. وهذا خروج واضح عن الخط الاسرائيلي السابق، الذي بشكل عام اعترف، حتى من دون شهية، بنجاعة التنسيق الامني مع السلطة. فهل تغيير النبرة مقبول ايضا من المهنيين، أم ان الحديث يدور عن ادعاء اعلامي في اساسه قبيل الجمعية العمومية للامم المتحدة؟ المهنيون غير مستعدين لان يجيبوا بشكل مباشر، ولكن يمكن الاشارة الى أن احدا لم يسمع مؤخرا من رئيس المخابرات، او من ضباط الجيش الاسرائيلي في المناطق شكاوى استثنائية عن التدهور في التنسيق مع الفلسطينيين، بينما الادعاءات الاسرائيلية بمشاكل عن قدرة الحكم في السلطة والمخاوف من اظهار قوتها في مخيمات اللاجئين في الضفة، تذكر قليلا بمصاعب الشرطة والجيش في فرض القانون والنظام في مستوطنات مثل يتسهار.
    محظور تجاهل العمليات المقلقة في الضفة هذا الاسبوع. ولكنها لا تزال تقف في ظل تغييرات استراتيجية اقليمية بعيدة المدى. وتستمر صدمات الربيع العربي وتجلب معها تغييرات مستمرة وغير مرتقبة. وهذا يجد تعبيره ضمن امور اخرى في توثيق متجدد للعلاقة الاسرائيلية مع مصر بعد الانقلاب العسكري في القاهرة، في التحسن الثابت للعلاقات مع الاردن، وفي الضغط الشديد الذي تمارسه مصر على حكومة حماس في قطاع غزة. وللسلطة الفلسطينية ايضا توجد الان، حاليا، عدة مصالح مشتركة مع اسرائيل، ويخيل أن الصراع ضد حماس لا يزال في الاولوية من ناحية رام الله، مقارنة مع امكانية استئناف الانتفاضة. وحاليا، تبقى الضفة ساحة ثانوية مقارنة مع السياقات الجارية في جبهات اخرى في المنطقة.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ



    اوباما رفع علما أبيض

    بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
    كانت خطبة الرئيس اوباما أمس في الجمعية العمومية للامم المتحدة مُعلمة بعلامة الصحوة والتسليم بهبوط الولايات المتحدة من قمة القيادة العالمية وحدها.
    وكان الكلام رسالة واضحة، وهي أن القوة العظمى الامريكية لم تعد قادرة على أن تحمل وحدها عبء المسؤولية عن النظام الدولي، وأن طموحها كله هو أن تعمل مع المجتمع الدولي في شراكة، مع الاعتماد على وسائل دبلوماسية. وفي السياق السوري اختفت دفعة واحدة رقصة السيوف مع نظام الاسد، وحل محلها تأكيد مجلس الامن، باعتباره الجسم الذي يفترض أن يطبق ‘اتفاق جنيف’. في الوقت الذي بقي فيه تناول الرئيس لعقوبات دولية على دمشق في المستقبل، اذا نكثت بالتزامها التجرد من سلاحها الكيميائي، عاما لا أسنان له. ويُقال الشيء نفسه في المجال الايراني ايضا. فقد كرر الرئيس هنا وبصورة حرفية تقريبا رسالة المصالحة التي أرسلها في 2009 الى الشعب الايراني وقيادته، لكن الكلام بخلاف الماضي قد صدر هذه المرة عن موقف ضعف واضح، وذلك لأنه بسبب الفشل المدوي لمحاولته (التي لم يكن لها داع) أن يُجند دعم مجلس النواب لعمل عسكري محدود على سورية، وعلى خلفية معركة العمالقة التي يقوم بها البيت الابيض في مواجهة مجلس النواب في قضية الميزانية العامة، لا أمل في أن يحصل اوباما من مجلس النواب بتشكيلته الحالية على موافقة على عملية عسكرية على ايران مهما تكن الظروف. وهكذا وجد الرئيس الضعيف اوباما نفسه، وهو الذي رفع في خطبته علما ابيض، في ما يتعلق بقدرة الولايات المتحدة على تشكيل المحيط العالمي، واقفا أمام العدو الايراني، الذي ضعف هو ايضا بسبب عقوبات مُشلّة. وتم التعبير عن نتيجة هذا التلاقي تعبيرا مكررا في الخطبة الرئاسية التي وافقت على المسيرة السياسية على الأنغام المتسقة التي تصدر في هذه الايام عن العاصمة الايرانية. والسؤال الذي يُسأل هو: أيوجد في هذه الظروف، ولا سيما على أثر الفشل في السياق السوري احتمال حقيقي لأن تترجم الموسيقى الخلفية الليّنة التي يعزفها ‘كل أناس روحاني’ الى قرار استراتيجي على تجميد مشروع السلاح الذري؟
    إن مسار التفاوض الذي يفترض أن يقوده وزير الخارجية الذي لا يكل جون كيري من الجهة الامريكية، قد يلقي ضوءا على هذه المسألة الجوهرية. يمكن فقط أن نأمل بأن يكون نجاحه في هذا الصعيد أكبر من نتائج جهوده لتهيئة القلوب لعمل عسكري موجه على سورية.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ





    فرصة للدبلوماسية

    بقلم: أسرة التحرير،عن هارتس
    الاشتباه والتخوف في كل ما يتعلق بسياسة ايران مفهومان: هل الرئيس الجديد يعتزم بالفعل تجميد تخصيب اليورانيوم؟ هل الخطاب الجديد الذي يعرضه وزير خارجيته يعكس مواقف الزعيم الاعلى؟ هل القلق من النووي الايراني يمكنه أخيرا أن يتبدد؟ ان التجربة المريرة في المفاوضات مع ايران تبرر هذه الشبهات، والاختبار الحقيقي ليس الخطابات التي القاها هذه الليلة حسن روحاني أو التصريحات العلنية لوزرائه. وليست اسرائيل وحدها هي التي تنتظر أفعال الحكم الجديد في ايران، بل ان الدول الغربية لا تتحلى بالاوهام أو تعاني من سذاجة زائدة. الرئيس باراك اوباما، الذي اعلن ان ‘ايران ستُفحص بافعالها وليس باقوالها’ أوضح مرارا وتكرارا ان ليس في نيته التراجع عن قراره الا يدع ايران تمتلك سلاحا نوويا.
    وفي نفس الوقت، سيكون من الخطأ الجسيم ان تتجاهل اسرائيل والاسرة الدولية التصريحات الاخيرة الوافدة من طهران، والتغيير الذي طرأ في الحكم الايراني. تصريحات علي خامنئي في ان الدبلوماسية هي الوسيلة السلمية لحل الازمة؛ تصميم روحاني على المضي قدما في الحوار مع مجموعة الخمس زائدا واحدة من اجل الوصول الى اتفاق حول تخصيب اليورانيوم. المقابلة التي منحها وزير الخارجية جواد ظريف وشجب فيها نفي الكارثة؛ تهنئة رأس السنة التي بعث بها روحاني الى الشعب اليهودي، وبالاساس اللقاء التاريخي المرتقب غدا بين وزير الخارجية الايراني ووزير الخارجية الامريكي جون كيري، تدل جميعها على أن سور المعارضة الذي اقامته ايران حتى الان في وجه الحوار المباشر آخذ في التشقق. واضح للطرفين ان مساحة النشاط الدبلوماسي ليست غير محدودة، وانه من دون تواصل عملي وجدي سينهار بصخب شديد الانطباع الذي تجتهد ايران لخلقه. وفي نفس الوقت، فان الطرفين على علم بالمخاطر الكامنة في البديل. فالهجوم على ايران، سواء باجماع دولي أم من دولة واحدة سواء كانت هذه اسرائيل أم الولايات المتحدة، من شأنه أن يدفع المنطقة الى أن تعلق في حرب شاملة.
    رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يواصل التمسك بالخط الكفاحي، غير مستعد على ما يبدو لتقبل الاحتمال الذي في المسعى الدبلوماسي المتجدد. وهو يعجل الى المقايسة بين ايران وكوريا الشمالية، وتحذير العالم من الوقوع في الفخ الذي تعده ايران. ولكن البديل العسكري هو الاخر، الذي يؤيده، لا يعد بحل مطلق للتهديد الايراني. وبالتالي ينبغي الاستماع بانصات شديد للاقوال التي تأتي من طهران والمتابعة الشديدة لافعال النظام الايراني، ولكن مع منح الفرصة المناسبة للخطوة الدبلوماسية.

    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ



    النووي مقابل فلسطين

    بقلم: باراك رابيد،عن هارتس

    عرض الرئيس الامريكي باراك اوباما في خطابه أمس هدفيه المركزيين في الشرق الاوسط، في السنة القريبة القادمة حل ازمة النووي الايراني وتحقيق اتفاق سلام اسرائيلي فلسطيني. وقال اوباما ان ‘هذين الموضوعين ليسا السبب في كل مشاكل المنطقة، ولكنهما المصدر المركزي لعدم الاستقرار على مدى زمن طويل جدا. حلهما كفيل بان يشكل اساسا لسلام أوسع′.
    في قوله هذا لم يضع اوباما فقط المسألة الايرانية والمسألة الفلسطينية على رأس سلم اولويات السياسة الخارجية الامريكية في المنطقة، بل ربط بينهما ايضا. الرسالة، الموجهة اساسا الى اذني رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كانت، أن حل المسألة الاولى يرتبط بحل المسألة الثانية.
    وحدد اوباما صفقة الرزمة التي يحاول بلورتها منذ تسلمه مهام منصبه في بداية 2009. ذات الصفقة حظيت في اسرائيل بجملة من الالقاب، ‘يتسهار مقابل بوشهر’ او ”، هي بعض من هذه الالقاب. اوباما يمنع ايران من تطوير سلاح نووي وبالمقابل يمضي نتنياهو قدما في اقامة دولة فلسطينية.
    لم يكن نتنياهو ابدا معجبا كبيرا بصفقة الرزمة هذه، ولكن يمكنه أن يكون راضيا من الطريقة التي تناولها اوباما في خطابه. قبل أربع سنوات ادعى الرئيس الامريكي وكبار المسؤولين في ادارته بان اقامة دولة فلسطينية ستسرع حل المسألة الايرانية. وقد عارض نتنياهو هذه الفرضية بقوة شديدة مدعيا ان العكس هو الصحيح: من دون نزع التهديد النووي الايراني، لن يكون سلام ابدا.
    يبدو ان نتنياهو نجح في التأثير على الرئيس الامريكي، فمن خطابه أمس بدا واضحا أنه اقترب من موقف نتنياهو. اوباما لا يعتقد انه يجب تأجيل حراك في الموضوع الفلسطيني حتى تفكيك أجهزة الطرد المركزي في نتناز وفي بوردو، ولكنه يفهم انه من دون كبح البرنامج النووي الايراني فان نتنياهو لن يتنازل عن ملمتر في الضفة. وبالمقابل، فان الرسالة لنتنياهو كانت بأنه اذا نجحت الولايات المتحدة في ادارة عجلات النووي الايراني الى الوراء، فستكون اسرائيل ملزمة بان تقدم نصيبها وتتخذ خطوات لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية.
    لقد أعرب اوباما عن التزامه بأمن اسرائيل، ودعا الفلسطينيين والعرب الى الاعتراف بها كدولة يهودية، ولكن جملة واحدة في خطابه أخرجت الكثير من وزراء اليمين في الحكومة عن اطوارهم، ‘اؤمن بانه يوجد اعتراف متزايد في اسرائيل بان احتلال الضفة الغربية يمزق النسيج الديمقراطي للدولة اليهودية’ قال. لقد تضمن خطاب اوباما بادرات طيبة للايرانيين. وبالمقابل، اوضح اوباما ان واجب البرهان ملقى على طهران، وأن الكلام الجميل لا يكفي، مطلوب افعال تثبت ان وجهة ايران ليست لتطوير السلاح النووي. ومع أنه لاول مرة منذ بداية ولايته لم يهدد اوباما الايرانيين بعملية عسكرية، فقد أوضح ان ‘الولايات المتحدة ستستخدم كل الوسائل، بما في ذلك قوتها العسكرية’ لمنع تطوير سلاح نووي.
    لقد أوضح الخطاب الى اي حد استند فيه الفزع الذي ألم بنتنياهو من مغبة وقوع الولايات المتحدة واوروبا سُجدا أمام روحاني، الى جنون الاضطهاد بالاساس. وفي نفس القدر، فان تعليمات نتنياهو للوفد الاسرائيلي بمقاطعة خطاب الرئيس الايراني أظهر بان رئيس الوزراء لم ينجح في ايجاد رد ناجع وذكي على النبرة الجديدة التي تطلقها طهران. ويحدد خطاب اوباما لنتنياهو المسار الذي يكفل له دخول التاريخ كمن جند العالم لازالة التهديد الايراني وثبت أمن اسرائيل، وفي نفس الوقت كمن أقام دولة فلسطينية وثبت مكانة اسرائيل في العالم. فهل سيستغل نتنياهو الفرصة الناشئة هذا لا يزال موضع علامة استفهام.

    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ



    ‘سورية هي العدو.. لكنني ما زلت أحبها’

    بقلم: سمدار شير ،عن يديعوت
    إن سورية بالنسبة الى ايتسيك وهيلل ج.، وهما أخوان يخدمان في الوحدة 8200، ليست هدفا استخباريا فقط. إن سورية هي خليط من المناظر الطبيعية والطعام والألوان والروائح، وذكريات من المدرسة والكنيس أو هي بكلمة واحدة، ‘الوطن’، وهما يؤمنان بأنهما سيحظيان في يوم من الايام بالعودة الى البلد الذي فرا منه على عجل مختبئين كي يهاجرا الى اسرائيل. لكن في هذه الايام، والحرب الأهلية تمزق سورية وقد تُحدث واقعا يؤثر فينا ايضا سنين طويلة، يستعين ايتسيك وهيلل بلغتهما الأم وبخبرتهما بالثقافة السورية كي ‘يُقدما جوابا صادقا وناجعا وسريعا للقادة. فعلنا لا مرة ولا مرتين اشياء سببت هدوءا وطمأنينة لمتخذي القرارات. ونقول من دون أن نُظهر الغرور إننا أنقذنا حياة ناس′، يشهدان.
    ليس ايتسيك وهيلل ج. وحدهما. ففي صفوف وحدة جمع المعلومات الاستخبارية الفخمة الشأن التابعة لسلاح الاستخبارات تعمل عدة ‘حمائل’ سورية. فقد جُند جنود ونقباء وضباط هاجروا في طفولتهم من سورية للوحدة 8200 وجلبوا بعدهم الى الوحدة إخوة وأبناء عمومة وجيرانا. ويرى الجيش الاسرائيلي أن كل واحد منهم كنز لا يُقدر بثمن. ويتجلى إسهامهم بقدر يفوق كثيرا سيطرتهم المطلقة على اللغة العربية. فالجنود ‘السوريون’ من الوحدة 8200 يعرفون ويفهمون عقلية العدو كما يعرفون قادته وثقافته. لهذا فانهم اليوم محُتكرون لكل شيء في المجال السوري في الصناعة الاستخبارية: من تدريس اللغة العربية باللهجة السورية للجنود الذين لا يتكلمونها، الى جمع معلومات استخبارية ثم تحليلها، بل إن عددا ممن أُجريت معهم اللقاءات لاعداد هذا التقرير اختيروا بفضل إسهامهم لأجل المتميزين لهيئة الاركان العامة.

    خبأنا القبعات الدينية

    ‘قد تعلمنا في طفولتنا استعمال الرموز الشيفرية’، يتذكر الوكيل ايتسيك ج. (41) الذي يخدم في الوحدة الى جانب أخيه المساعد الكبير هيلل ج. (38). وقد وُلد الأخوان في حلب، وهي ثاني أكبر مدينة في سورية. ‘إن العائلات التي أرادت الهرب من سورية أرسلت رسائل مشفرة الى أقربائها في الولايات المتحدة فنقلتهم الى اسرائيل. وكان من انشأوا اتصالا سريا بيهود في تركيا أرسلوا إليهم المهربين الذين قادوهم الى خارج سورية. فقد شعر اليهود في سورية بأنهم رهائن. وعاشوا هناك كما في غيتو، بل إنهم لم يستطيعوا أن يقطعوا مسافة ثلاثين كيلومترا من دون رخصة، والذي أراد أن يسافر الى مدينة اخرى كان يجب عليه أن يحصل على موافقة المخابرات السورية’.
    كان يعيش في حلب الى مطلع ثمانينيات القرن الماضي نحو من ألفي يهودي لم يُسمح لهم بالعمل في وظائف حكومية، خشية أن يستغلوها للتجسس لاسرائيل. وكان والد ايتسيك وهيلل يبيع أدوية تنظيف كان يُعدها بنفسه. وأمهما ربة بيت ربت أربعة أولاد درسوا في المدرسة اليهودية ‘غمرا صموئيل’. ‘كان يوجد في المدرسة في كل صباح صف كنا ننشد فيه النشيد الوطني السوري. وكنا ندخل بعده الى الفصل لدرس الغمرا، وفي آخر النهار قبل أن نخرج الى الشارع كنا نُخبئ القبعات الدينية في الحقائب كي لا يعلموا أننا يهود. وعرفوا من نحن حقا في حي جبلية فقط الذي سكنا فيه’، يتذكر ايتسيك ج. ‘إن المسلمين كرهونا نحن والمسيحيين بنفس القدر، لكن عائلتنا كانت ذات مال والمال هناك له كلمة’، يضيف هيلل. ‘لا يمكن شراء حب السوريين لكن يمكن شراء الاحترام’.
    وقد مكّنت المكانة الاقتصادية أبناء عائلة ج. من قضاء العطل والخروج في رحلات في أوقات متقاربة. ‘تبين لنا مرة أنه في الوقت الذي غبنا فيه عن البيت داهمه رجال استخبارات وأجروا فيه تفتيشا ليفحصوا هل هربنا’، يقول ايتسيك ج. ‘وفي مرة اخرى أخذوا الوالد لتحقيق دام يومين أُفرج عنه في النهاية. وشعرنا بأن عيون جهاز الأمن السوري علينا طول الوقت. فهم لم ينسوا أنه بعد حرب الايام الستة حاول والدنا أن يهرب من سورية مع رفاقه وضُبط وأُرسل الى السجن وعُذب’.
    كان ايتسيك ج. يرى مستقبله محاميا أو طبيبا، وظن هيلل أن يشتغل بالتجارة، لكن كلمة ‘اسرائيل’ كانت تحيط بهم طول الوقت. ‘علمنا أن دولة اليهود هي أرض حليب وعسل كما ورد في الكتاب المقدس′، يُبين. ‘لا أزعم أن الشباب اليوم يحبون اسرائيل بقدر أقل مما كانوا في الماضي، لكنهم يتقبلون الدولة على أنها شيء مفهوم من تلقاء نفسه أما عندنا فلم يكن هناك شيء مفهوم. ولهذا تدمع عيناي في كل مراسم ومسيرة حينما نصطف لنشيد ‘الأمل’ ونرفع العلم. لم نكن شعبا حُرا. وعرّضنا أنفسنا لخطر الموت كي نصل الى هنا’.
    حدث هذا في 1982. الاخوان المسلمون الذين تمردوا على حكم الرئيس حافظ الاسد هاجوا وماجوا في شوارع حلب. واختبأ اليهود في بيوتهم خشية على حياتهم. وقد اغتصب أحد ناشطي الاخوان المسلمين يهودية شابة كانت تسكن جارة لعائلة ج.، فقد عرض نفسه على أنه من رجال المخابرات وأقنعها بذلك بأن تفتح له الباب. ‘وبعد الاغتصاب ببضعة ايام جاء الى بيتنا عميل آخر للمخابرات وطلب اجراء تفتيش في البيت’، يقول هيلل. ‘وضمت أمنا أختنا الصغيرة التي كانت آنذاك في الثالثة آملة أن تثير شفقته. ومن حسن حظها أنه كان رجل أمن غير متنكر في الحقيقة’. وعقب هذه الحادثة التي توتر الأعصاب طلبت الأم الى زوجها أن يبدأ الاعداد للهرب.

    المخابرات في الكنيس

    انشأ الأب صلة بأقرباء في تركيا باستعمال كلمات شيفرة. وبعد اسبوع في منتصف الليل جاء الى بيتهم رجل غريب أُرسل لمساعدتهم. وأرشدهم الى بيع البيت ومحل العمل للتزود بالمال. وقبل أن يمضي مزق قطعة مال ورقية وأعطى الأب نصفها واحتفظ بالنصف الآخر علامة. وبعد بضعة ايام حينما جاء المُهرب عرض على والد العائلة نصف قطعة الورق المالية برهانا على أنه يمكن الوثوق به.
    كان ايتسيك ج. الابن البكر آنذاك في العاشرة من عمره: ‘لم يُشركوني في التفصيلات، لكنني شعرت بأن شيئا ما يُطبخ لأن أمي ألبستني سراويل تحت السراويل وأعطتني قميصا آخر وحذاء آخر. وحينما سألتها لماذا أحتاج الى هذا القدر من الملابس همست لي سرا أننا مسافرون في رحلة’. ويُبين هيلل الذي كان آنذاك في الثامنة من عمره أن السرية كانت حاسمة: ‘فقد اعتاد رجال المباحث أن يأتوا في ايام السبت الى الكنيس. وعلموا في أي كرسي يجلس كل مُصلٍ. وحينما كانوا يرون أن شخصا ما غير موجود كانوا يأخذون كل المُصلين للتحقيق. وكانوا في حالات اخرى يطرقون أبواب البيوت في منتصف الليل ولم يتجرأ أحد على ألا يفتح. وكانوا يصرخون: ‘الويل لكم اذا لم تُبلغونا أن أحدا يريد الهرب’. وفي الاعلانات التي عُلقت في المدارس والكُنس هددوا من لا يكشف عن معلومات بالسجن، ولهذا لم نودع الجيران كي لا نُعرضهم ونُعرض أنفسنا للخطر’.
    لكن قبل خروج العائلة من البيت بلحظة تقدم منهم جار يهودي وقال لهم: ‘أرى أنكم تغادرون. فاذا لم تدعوني أنضم إليكم فسأُبلغ عنكم’. ووافق الوالدان غير مُختارين على ضمه الى الرحلة ايضا. وقاد مُهرب عربي اليهود الفارين في البرد والوحل. ‘بكت أختاي الصغيرتان وتعبت أمي ايضا’، يتذكر ايتسيك ج. ‘جاءت بنعلين عاليين وقالت في مرحلة ما ‘ستوب’، لم أعد قادرة على الاستمرار’. وأعطاها المهرب نعليه وأخذ نعليها وكسر الكعبين واستمر يقود المسيرة. وسرنا في هدوء وأعطونا ‘أرقام حديد’ كي لا نضيع في الظلام. وحينما مررنا بالقرب من برج حراسة سوري كان يستطلع المنطقة بمصابيح قوية انبطحنا على الوحل الى أن مر الخطر. وحينما وصلنا الى النهر قسمنا المُهرب لمجموعتين. فاجتازت النساء والاولاد أولا. وفي منتصف النهر أفلتت يدي يد المُهرب وكدت أغرق. ولا أشك في أن موجودا ما حرسنا من أعلى. كانت هناك قوى عليا.
    هيلل: ‘بعد أن اجتزنا النهر جلسنا في الظلام نرتجف من البرد، وكنا جائعين حتى الموت. وأدخل أبي يده في جيبه وتبين له أن كل المال الذي خُصص للمهربين قد ابتل. وخشي ألا يوافقوا أن يقودونا لانهم لم يساعدونا إلا للمال لا حباً بالصهيونية’. والى اليوم ما يزال في ظهر هيلل أثر من جدار الأسلاك الذي اجتازه لدخول تركيا، حيث حصل المُهربون على الأوراق المالية التي كانت قد جفت. ونام أبناء العائلة عند عائلة محلية واستمروا في طريقهم في سيارة الى مدينة اسكندرون حيث انتظرهم مبعوث الوكالة اليهودية الذي أخذهم الى فندق. وبعد أن ارتاحوا قليلا سافروا في حافلة الى اسطنبول، لكن أوقفهم في الطريق رجال شرطة أمروا الرجال بأن يعرضوا وثائقهم.
    ‘لم أنس تلك اللحظة’، يستعيد ايتسيك ج. ‘كنت أجلس بالقرب من النافذة، ورأيت أن رجال الشرطة يوقفون الرجال في صف وقلت في نفسي: انتهى الامر، اجتزنا السوريين بسلام كي يُمسك بنا الاتراك’. وبعد نصف ساعة حينما عاد الرجال الى الحافلة كشف لي أبي عن أن مبعوث الوكالة رشى الضابط’.
    بعد ذلك بيومين حصلوا على جوازات جديدة وركبوا طائرة وهبطوا في تل ابيب. ‘كانت أضواء اللد أجمل منظر رأيته في حياتي’، يقول ايتسيك ج. متأثرا. ‘لم يخطر ببالنا أننا حينما نذهب الى المدرسة سيشير الاولاد إلينا ويسموننا ‘عربا’. وقد تحرشوا بنا لأننا فقط لم نعرف العبرية’، يقول مُتذكرا.
    ‘سمونا نحن ايضا ‘عربا’، لكننا ضربنا كل من تجرأ على فتح فمه ضربا شديدا’، يشهد الوكيل ايتسيك د.، إبن عم هيلل وايتسيك ج. الذي يخدم هو ايضا في 8200. وهو ايضا من مواليد حلب جاء الى البلاد في 1980. وكان آنذاك في التاسعة من عمره وكان الأصغر بين ثمانية إخوة: ‘كان عند أبي دكان وكان وضعنا الاقتصادي جيدا. لكننا شاهدنا في التلفاز صور اريك شارون وموشيه ديان وقلنا إننا نريد أن نكون معهما. وفي اليوم الذي غادرنا فيه أبلغني والداي أننا خارجون في نزهة. وبعد 11 ساعة كنا في اسرائيل. وكانت الكلمات الاولى التي سمعتها في الارض المقدسة هي ‘سيكون على ما يرام’، لكنه لم يكن أي شيء على ما يرام في البدء. واليوم وأنا في السن التي كان فيها أبي حينما نهض وخرج من سورية، اسأل نفسي كيف كانت عنده الشجاعة ليترك حياته خلفه. وأقول بكامل الصدق إنني لست على يقين من أنني أستطيع ذلك’.
    يُعرف ايتسيك د. نفسه بأنه ‘ متيم بالدولة’، لكن في أعياد تشري (العبري) تثور فيه الأشواق الى الكنيس في حلب. إن ابن أخيه يوم طوف، الذي استمع منه للحكايات عن 8200 يسير في طريقه ويوشك أن يتجه الى الضابطية. ‘كان واضحا عندي أن هذا هو مكاني’، يعلن. ‘تشبعت بتراث الوحدة من سن الصفر’.

    ذكريات عن ايلي كوهين

    تزوجت احدى شقيقات هيلل وايتسيك ج. في البلاد ابنا للعائلة س. التي هاجرت من دمشق. وقدمت العائلة الى سلاح الاستخبارات ثلاثة أبناء: الوكيل ايتسيك س. (43)، زوج الشقيقة، وهو يخدم خدمة دائمة مع أخويه يهوشع (40) ويوسي (41)، وكلاهما برتبة مساعد أعلى. وقد رضعوا الصهيونية من قصص البطولة الشخصية لأبيهم الذي حاول أن يهرب من سورية عندما كان في السادسة عشرة. ‘هرب أبي مع اصدقائه الى لبنان. لكن سائق سيارة أجرة عرف أنهم ليسوا محليين، سلّمهم الى الشرطة اللبنانية. وكشف المحققون اللبنانيون عن أنهم يهود هربوا من دمشق وأعادوهم الى سورية. وطُرح أبي واصدقاؤه في السجن وعُذبوا بالصعق الكهربائي’. يقول ايتسيك. س الذي ولد وترعرع في حي اليهود (حارة اليهود) في العاصمة السورية.
    عال الأب النجار أبناءه الخمسة بكرامة. وقد عاشوا في بيت خاص ذي ساحة كبيرة. ودرس ايتسيك. س في المدرسة اليهودية موسى بن ميمون. ويقول شاهدا: ‘كان وضعنا حسنا، لكن كل الجماعة اليهودية في دمشق كانت صهيونية. وفي الكنيس كانوا يتحدثون عن بيغن وعن اريك شارون البطل الذي يجعل العرب يهربون، وعن الجاسوس ايلي كوهين ايضا الذي كان يشتري الأدوات النحاسية من دكان المصنوعات القديمة لعائلة أمي.
    وحينما اعتُقل ايلي كوهين اعتقل رجال أمن أبناء عائلتها واقتلعوا أظافرهم على أمل أن يستخلصوا معلومات منهم’.
    ونُفذ هربهم بالفعل في 1987 بفضل زوجة الجار التي احترقت بحادثة سيارة وحصلت على رخصة للذهاب جوا الى سويسرا كي تُجرى عليها جراحة لزرع الجلد. ‘توجه زوجها هناك الى سفارة اسرائيل وقال إنه توجد في دمشق عائلات يهودية تريد الهرب. وبعد وقت ما جاء إلينا شخص غريب، وعرّف نفسه بأنه مُهرب وأعطانا نصف ورقة مالية لتكون علامة تعريف’، يقول ايتسيك. س ‘أتذكر آخر سبت لنا في سورية.
    كان يوجد توتر في الجو. وقد نقلنا الكتب المقدسة التي كانت في بيتنا الى الكنيس، لأن أبي خشي أن يحرقوا البيت حينما يتبين أمر الهروب. وحينما استدعى سيارتي أجرة ذكر أسماء مسيحية كي لا يثير الشُبهة. فتحول يوسي الى جوجو، وايتسيك الى زوكي ويهوشع الى جوشوع.
    وسأل السائق: ‘الى أين تسافرون؟’ وأجبنا بالاجماع: ‘الى عرس أقرباء في حلب’. وحينما وقف السائق خشي أبي أن يكون قد اتجه ليهاتف السلطات لينم عنا، ودعا الله بصوت عال الى أن عاد السائق الى سيارة الأجرة يحمل السجائر التي اشتراها’.
    ما زال ايتسيك ويهوشع ويوسي يتذكرون الهدوء المخيف الذي صاحب خطواتهم (‘لم يسقسق عصفور كما كانت الحال حينما أُنزلت التوراة، حتى إن الاطفال الصغار فهموا أنهم اذا بكوا فسنموت جميعا’) الى أن اجتازوا الحدود الى تركيا.
    وبنصيحة من المُهربين توجهوا الى الشرطة التركية وعرّفوا أنفسهم بأنهم لاجئون من سورية يطلبون اللجوء. ولم يكشفوا لرجال الشرطة عن مسار الهرب كي لا ‘يُحرقوه’ على اليهود الذين سيأتون بعدهم.
    واختبأ أبناء العائلة مدة اربعين يوما في فندق عرّفوا أنفسهم فيه بأنهم مسلمون. ‘احتفلنا هناك برأس السنة سرا’، يقول يوسي. ‘وفي مساء يوم الغفران حينما جاءت جوازات السفر طرنا الى اسرائيل.
    وسكنا في بات يام ولم ألقَ هناك ظواهر عنصرية موجهة الينا، لكننا علمنا أن أبانا يتعذب. فقد تحول من شخص ذي طبيعة زعيم الى انسان عاجز. وكيف يُطعم أولاده حينما لا يوجد عمل ولا مصدر رزق؟’.
    بعد سنتين من هجرة يوسي الى البلاد جُند للجيش الاسرائيلي ووصل الى الوحدة 8200. ‘قدمنا أسهامات للوحدة وكافأتنا بحسب ذلك. وترعرعت فيها.
    ولولا أنني أُدمجت فيها لما كان شك في أنني كنت سأصبح شخصا آخر. أنا فخور بحقيقة أننا نحن الثلاثة أنا وأخويّ تم اختيارنا ممتازين لهيئة القيادة العامة. وليس هذا شيئا يمكن الافتخار به على مسامع الرفاق، لكن من يعرف يعرف وحسبُنا ذلك’.

    أشواق الى دمشق

    لم تكف أصابع يوسي العشر كي يعد أبناء العائلة الآخرين الذين ساروا على آثارهم: ‘هذه عندنا قاعدة ذهبية. فكل من يبلغ سن التجنيد يتجه الى هذه الوحدة. إن التحدي هو أن نكشف في أسرع وقت ممكن عما يخطط له العدو ويكون الرضا حينما ننجح في الكشف عن أسرار العدو قبل أن يستطيع أن يخطو الخطوة الاولى. وحينما يسأل الاباء ‘ما الذي تفعلونه بالضبط؟’ نُجيب ‘نفعل شيئا مهما’. وهم لا يُصرون على أن يعرفوا فهم الذين علمونا الحفاظ على الأسرار’.
    في كل رحلة الى الشمال تقودهم أقدامهم وكأنما من تلقاء نفسها نحو هضبة الجولان. فيقتربون من الحدود ويحاولون النظر الى ما وراء الجدار. يقول ايتسيك ج.: ‘لا نرى شيئا بالمنظار، لكن ذلك يصنع لي شيئا ما فيثير الذكريات. إنني أشتاق الى الاماكن التي أمضيت طفولتي فيها؛ والى الحدائق الواسعة التي كنا نقضي العطل فيها. وأقول للاولاد إنني ولدت هناك وأُحدثهم عن حسن حظهم لأنهم ولدوا في ارض حرة كاسرائيل. إن سورية دولة عدو لكنني ما زلت أحبها كما يعشق مخطوف خاطفه. وحينما يشارك منتخب كرة القدم السوري في بطولة آسيا أشجعه’.
    ‘ هل كنتم تريدون العودة لزيارة سورية لو استطعتم؟
    ‘ يوسي: ‘أريد الزيارة لكنني لا اؤمن بأن هذا سيحدث في الفترة القريبة. لا نستطيع أن نعلم الى أين ستقود الحرب الأهلية سورية. ويبدو هذا الآن بعيدا عن الأفق’.
    ايتسيك س: ‘اؤمن بأن المتمردين سيحاولون تحويل سورية الى دولة ديمقراطية، لكنني أشك في أن يصمد ذلك. لا اؤيد الاسد ولا المتمردين، بل اؤيد الانسانية’.
    ما الذي تشعرون به حينما ترون الصور الفظيعة التي تأتي من هناك؟
    يوسي: ‘أنا مثل كل انسان زعزعتني صور الاولاد الذين قُتلوا بالهجوم الكيميائي. وفُجر كنيس ‘النبي الياهو’ في حي جوبر في دمشق، وهو أقدم كنيس في سورية، حيث مسح الياهو اليسع نبيا بحسب ما يقول التراث، وسُلب. وأريد أن أزور سورية زيارة خاطفة لأراه فقط’.
    هل من أجل كنيس فقط؟ أما كنت تريد أن تأكل الحمص السوري في دمشق؟ أليس هذا حلم السلام؟
    يبتسم يوسي: ‘أصبح الحمص الاسرائيلي موجودا عميقا عميقا في فمي، لكنهم كانوا في المقبرة في المدينة في فطومة يبيعون ألذ حمص، لم يكن حبا بل كان مطحونا مع الطحينية ومُتبلا بصورة جيدة’. ويخالفه أخوه ايتسيك بقوله: ‘من الواضح أن مأكولات سورية ولبنان أفضل بكثير من مأكولات الدول الاخرى في العالم. كنت في مطعم المدرسة أشتري بعد الدراسة فلافل رائعة. لم تكن على صورة كرة كالفلافل الاسرائيلية بل كانت مستديرة وفيها ثقب’.
    اذا قرأ أحد ما في سورية هذا التقرير فماذا تريدون أن تقولوا له؟
    ايتسيك س: ‘أقول له إن أيدينا ممدودة للسلام وإننا مستعدون لتقبل كل انسان يأتينا بصورة صادقة. لكننا من جهة ثانية متأهبون دائما’.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء اسرائيلي 365
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-16, 12:31 PM
  2. اقلام واراء اسرائيلي 364
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-16, 12:30 PM
  3. اقلام واراء اسرائيلي 363
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-16, 12:29 PM
  4. اقلام واراء اسرائيلي 362
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-16, 12:28 PM
  5. اقلام واراء اسرائيلي 323
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-24, 09:29 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •