اقلام واراء عربي 480
24/8/2013
في هذا الملــــف:
- تمــرد غــزة مطلـوب ولكــن !!!!
- عمر كلاب-الدستور الأردنية
- نحو المصالحة مجدداً
- أمجد عرار-الخليج الإماراتية
- محاولة “أسرلة” الفلسطينيين المسيحيين
- مأمون كيوان-الخليج الإماراتية
- من فمك أدينك: أكذوبة الارتباط اليهودي بالقدس
- فايز رشيد-الشرق القطرية
- وما علاقتها عائشة؟!
- ماهر ابو طير- الدستور الأردنية
- حزب الله من شبعا إلى طرابلس!
- عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
- الإسلام ومصر بخير
- محمد الرميحي-الشرق الأوسط
- يا أهلاً بوجود الإخوان.. ولكن بضوابط وشروط
- محمد طرابيه-المصريون
- الأشطر يفوز فى حرب الجثث
- أكرم القصاص-اليوم السابع
- وهجمة أميركية وأوروبية !! ..
- سلامة العكور-الرأي الأردنية
- ابتسامتا مبارك والظواهري
- رأي القدس العربي
- حلبجه والغوطة.. العقلية واحدة
- حازم مبيضين-الرأي الأردنية
- الأردن والأزمة السورية ...
- عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
- الأردن وسط محيط ملتهب : تقدير موقف!
- حسين الرواشدة-الدستور الأردنية
تمــرد غــزة مطلـوب ولكــن !!!!
عمر كلاب-الدستور الأردنية
لم تُلهب حركة تمرد المصرية خيال شباب مصر فقط، بل الهبت خيال الشباب العربي بمجمله بوصفها ثورة على الثورة لاعادة تصويب مسارها، فبعد مصر ودرسها القاسي استوعبت تونس الشقيقة بمهارة الدرس المصري وتفاعلت مع الحلول السياسية المطروحة ولعل ذلك يؤكد ان الغنوشي الذي عرفناه شيخا سياسيا لا يستخدم الدين في السياسة ما زال على موقفه الانفتاحي وعلى مرونته في الاستجابة لواقعه الموضوعي اكثر من ساسة الدين في مصر الذين افقدوا تجربتهم مرونتها واستجابتها للواقع الموضوعي وان كان الانقلاب على الصناديق مرفوضا تماما .
ما فعله الغنوشي انه رفع القداسة عن الصناديق استجابة لحركة الشارع ولم يتمسمر عند الشرعية والرداء الشرعي الذي تحول من رداء مصنوع بأيدي الناخبين الى رداء سماوي او الهي كما في تجربة مرسي بدعم ساسة الدين الذين زيّنوا لمرسي السماء فيما اشاعوا النُدب على الارض، ولو قُيض للدكتور مرسي عقلاء كما في تونس لما وصلنا الى ما وصلنا اليه في مصر المحروسة بإذن الله ثم سواعد رجالاتها وعقولهم .
قطار تمرد يحط رحاله اليوم في قطاع غزة كامتداد طبيعي لمسار المتوسط على شواطئ مصر وتونس ولا اظن شيوخ حماس قريبون من نهج الغنوشي فهم امتداد جغرافي وفكري لجماعة مصر وتلاميذ نُجباء على مقاعدهم الدراسية التي اثمرت تجربة يستوجب التوقف عندها طويلا لقراءة احداثها وقراءة انقلاب مدعوم شعبيا وتحديد الموقف منه وهل من المسموح الانقلاب على مخرجات صناديق الاقتراع اذا توفر الدعم الشعبي وارتفعت الاخطاء السياسية من الحاكم ؟ وهل مسموح لمن فاز بالصناديق ان يحول الشعب الى قبيلة او جماعة او يحول الجماعة الى شعب ومواطنين ؟ .
غزة حالة خاصة بكل المقاييس فهي محكومة بالجغرافيا او بعقدة المكان، بحكم حصرها وحصارها بين مصر والكيان الصهيوني، وهذا يجعل من توفير الدعم لشباب تمرد في غزة شبه مستحيل، فالدولة المصرية مشغولة بترتيب اوضاعها وبسط هيبتها واجراء مصالحتها الداخلية، واي دعم او تسهيل من الكيان العبري هو خيانة بكل القواميس والمفردات، والاجراءات التي بدأت مشايخ حماس في اتخاذها ضد شباب تمرد توحي بعودة النظام الستاليني ولكنه بثوب ديني في غزة.
فقد تم تسريب وثيقة من قيادة الامن الوقائي الحمساوي تفيد بمطاردة واعتقال كل من يقوم بالدعوة لوثيقة تمرد وملاحقة كل من يقوم بالتوقيع ، ونعرف تماما مقدار قسوة الامن الوقائي الحمساوي على خصومه السياسيين والاخطر بترهم بحجة مخالفة الشريعة والانتماء الى ملّة الشيطان ولاحقا تم اصدار تهمة جديدة التخابر مع السيسي والمخابرات المصرية بعد ان وفرّت مصر مشروعية هذه التهمة في غزة إثر اقراراها في مصر وتوجيه الاتهام للدكتور مرسي بالتخابر مع حماس .
لا نَقصد احباط شباب حركة تمرد في قطاع غزة، بل نهدف الى دعمهم بتوفير القراءة الهادئة والموضوعية لواقعهم ، فهم محاطون بواقع جيوسياسي مشغول بنفسه من جهة وعدو من الجهة الثانية ولا يوجد جهاز سياسي داعم لهم لأن الرئيس عباس مشغول بحواره مع اسرائيل وسعيد بوقوع غزة تحت الحصار الاسرائيلي والانقلاب الحمساوي، لدرحة انه لا يتعامل مع قطاع غزة بوصفه بقعة فلسطينية لا بالتعيينات الحكومية والوزارية ولا بالدعم المعاشي، ولا يتوفر لشباب تمرد في قطاع غزة مؤسسة عسكرية تحميهم كما الامر في مصر وتونس نسبيا، بل ان المؤسسة الامنية الحمساوية ستبطش وتنكل بهم، كما لم يتوفر لشباب تمرد الغزّي حاضنة اعلامية تسهم بنقل اوجاعهم ونشاطهم او تفضح الاعتداءات عليهم فالقنوات العاملة في غزة متحالفة مع حماس وخاصة فضائية الجزيرة .
حركة تمرد في غزة بحاجة الى عمل نشيط وسرّي حتى يشتد عودها وتجد حاضنة قومية داعمة لها وعليها ان تعلن منذ الآن تمردها على حالة الانشقاق اولا قبل التمرد على حركة حماس فقبل الوصل بين الضفة والقطاع لن تعيش حركة تمرد بهناء او براحة بل ستعيش ملاحقة ومطاردة ومعتقلة اما في سجون السلطة او في اقبية حماس والشجاعة كما تقول الحكمة صبر ساعة وهم احتملوا كثيرا ولا ضير من صبر ساعة .
نحو المصالحة مجدداً
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
مطالبة بعض الفلسطينيين، ومنهم فصائل مهمة، بالتقاط دعوة رئيس وزراء حكومة غزة إسماعيل هنية للشراكة في إدارة قطاع غزة، تستند لوضع اليد على خطاب سياسي جديد منبعه معطيات جديدة يشهدها الوطن الفلسطيني، بل أدمن عليها، ومعطيات أخرى يشهدها محيطه العربي، وكلها تستحق أخذها بالاعتبار وعدم التقليل من شأنها، ما يعني ضرورة البناء عليها، بغض النظر عن دوافع الدعوة ومبرراتها، سواء كانت بدافع الإدراك أن التجديف المتعاكس في القارب لا يوصله إلى مكان، بل ربما يغرقه، أو كانت بحثاً عن طوق نجاة أو رغبة في النزول عن الشجرة، كما علّق ناشط فلسطيني .
الشعب تحرّكه العواطف، لكن السياسي ينبغي له أن يتقن الإمساك بالحلقة المركزية للسلسلة في كل مرحلة . صحيح أن قصة الراعي والذئب والغنم، هي الأقرب لحديث المصالحة الفلسطينية، لكن هذا لا يعني الارتكان لها، ودفن كل مبادرة من شأنها إحياء الأمل الميت سريرياً باستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية .
إذا كان هنية جاداً في دعوته، فإنه سيتابعها ويتغلّب على فقدان الثقة المتكدّس في مخزن التجربة، وسيقابل اللامبالاة المشروعة والمبررة بالإصرار على الدعوة وتكرارها وتحويلها إلى مبادرة مفصّلة وواضحة المعالم، حتى تخرج من دائرة العاطفة وتقطع الطريق على أي مشكّك منطلقه صادق . الكلام العام في السياسة يذهب مع أول هبّة ريح، ويتفكك في ذرات الهواء مع نزول صاحبه عن المنبر أو شاشة الغبار الفضائي أو محراب المسجد . أما الخطاب السياسي المبني على مصلحة الشعب والأمة، فهو رزين وذو شأن ويتفاعل ليجسد من يتفاءل .
الشعب الفلسطيني بحاجة إلى المصالحة واستعادة وحدته الوطنية أكثر من أي وقت مضى، وهو ليس بحاجة إلى جمهوريتين وهميتين في غزة والضفة، فيما يستمر الاحتلال في تنفيذ برنامجه التهويدي الاستيطاني تحت سمع وبصر العرب والمسلمين المقتتلين، والعالم المتآمر تفرّجاً أو دعماً للاحتلال ومشاريعه .
القوى السياسية الفلسطينية مطالبة بأن تلتقي كممثلة لأهداف الشعب الفلسطيني وحامية لثوابته التي تتبخر وتتبعثر في زحمة الخلافات على لا شيء . فلا المفاوضات أثبتت الحد الأدنى من الجدوى، ولا انكفاء كل من الضفة وغزة إلى نفسيهما، يقيم وطناً لشعب موحّد ويؤسس أرضاً وسيادة لسلطة حقيقية . على هذه القوى أن تعيد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، وأن تستوعب في إطارها كل الطاقات الفلسطينية التي نراها تباع وتشترى في معارك جانبية لا علاقة لها بفلسطين والأمة، وعلى قوى الشعب الفلسطيني عدم السماح بتحويل هؤلاء إلى حطب في موقد الشرق الأوسط الجديد .
الفلسطينيون يأملون في ترجمة الدعوة الأخيرة إلى واقع عملي ينهي الانقسام، وعندما ينتهي الانقسام ينتهي حصار غزة، لأن الهواجس المصرية من العلاقة العضوية بين “حماس” و”الإخوان” لن يعود لها وجود، وستنتفي معها بعض مظاهر الزج بالفلسطينيين في شؤون مصر الداخلية، بل ومنع هذا العبث المضر بالقضية الفلسطينية وبمصر في الآن ذاته . ويكفي أن يعود الفلسطينيون إلى الأوجه السلبية لتجاربهم في الأردن ولبنان وسوريا، ليستخلصوا العبر والدروس وإعادة القضية الفلسطينية لتكون منارة تتجه إليها أنظار العرب، وقطع الطريق على المتصهينين السعداء بإلقاء القضية المركزية في سلة مهملات “الربيع العربي” .
محاولة “أسرلة” الفلسطينيين المسيحيين
مأمون كيوان-الخليج الإماراتية
لم تكتف “إسرائيل” على مدار 65 عاماً بطردها للفلسطينيين من وطنهم وتحويلهم إلى “أقليات” في الدول المجاورة لفلسطين وجماعات هامشية في بلدان أخرى . بل تجاوزت ذلك إلى الفلسطينيين الذين صمدوا وأقاموا بوصفهم “أقلية” في وطنهم وفي دولة ليست دولتهم، أي فلسطينيي 1948 الذين تم تقسيمهم وفق التصنيفات الصهيونية إلى: مسلمين سنة وغير سنة ودروز ومسيحيين عرب ومسيحيين غير عرب وبدو وشركس .
وتنقسم التجمعات المسيحية في “إسرائيل” حالياً، وفق المذاهب المسيحية الأساسية إلى: الأرثوذكسية و الأرثوذكسية غير الخلقدونية و الكاثوليك والبروتستانت . وتعتبر البطريركية الأرثوذكسية اليونانية نفسها الكنيسة الأم لجميع الكنائس في القدس حيث تم منحها الصفة الرسمية من مجمع خلقدونية عام 451 ميلادي . وقد انفصلت هذه الكنيسة عن روما عام ،1054 وحالياً تعد الكنيسة الرئيسة في “إسرائيل” حيث تضم نحو 120 ألف مسيحي أرثوذكسي من إجمالي 190 ألف مسيحي تقريباً في “فلسطين 48” والضفة الغربية وقطاع غزة .
وتوجد إلى جانب الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية كنائس أرثوذكسية أخرى في “إسرائيل” هي: الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنيسة الأرثوذكسية الرومانية . أما الكنائس غير الخلقدونية فتضم الأرمن والأقباط والأثيوبيين والسوريين . وهي الكنائس التي تعترض على تعاليم مجمع غير خلقدونية حول الطبيعة المزدوجة لمسيح الناصرة حيث تؤمن بالطبيعة الواحدة له . ويرجع تواجد الأرمن الأرثوذكس في القدس إلى القرن الخامس الميلادي . وقد أعطى الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب صفة رسمية لرئيسهم أبراهام عام 638 . وأسست هذه الكنيسة بطريركية لها في القدس عام 1311 للميلاد . وخلال القرن التاسع عشر وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى نمت التجمعات الأرمنية في القدس بشكل غير مسبوق نتيجة للمذابح التي تعرض لها الأرمن خلال هذه الحرب في أرمينيا . حيث وصل عددهم قبل عام 1939 إلى ما يزيد على 15 ألف شخص . وكانت تعتبر ثالث أكبر تجمع مسيحي . إلا أن عدد المسيحيين الأرمن الأرثوذكس في “إسرائيل” لا يزيد حالياً على 4 آلاف شخص فقط، يتمركزون في القدس وحيفا وبيت ساليم .
وتتبع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا القبطي الأنبا شنودة في مصر . ويرجع تأسيس هذه الكنيسة في مصر إلى القرن الأول الميلادي . وقد أوفدت الكنيسة المصرية بعثة كبيرة إلى القدس وفق دعوة الملكة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين خلال الحكم المملوكي (1250-1517)، وخلال حكم محمد علي باشا أصبح لبابا الإسكندرية ممثل في القدس . . واليوم يضم التجمع القبطي الأرثوذكسي في “إسرائيل” نحو 1000 شخص فقط يتركزون في القدس والناصرة وبيت ساليم .
وتعرض المسيحيون الفلسطينيون منذ عام ،1948 للقمع والقتل والتدمير، وقد حاول الصهاينة أن يلعبوا على وتر الطائفية لإثارة المشاكل بين أبناء الشعب العربي الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين . و من أبرز الممارسات الصهيونية ضد المسيحيين الفلسطينيين نذكر ما يلي:
- في عام ،1953 وبعد قيام دولة الكيان على أرض فلسطين أقدمت قوات الاحتلال على الاستيلاء على أملاك قريتي إقرت وكفر برعم وجميع أهالي القريتين من المسيحيين الفلسطينيين الموارنة . وطردت القوات “الإسرائيلية” أهالي القريتين قسراً .
- يذكر السيد قسطنطين قرمش عام 1993 وكان وقتها الرئيس الروحي للروم الأرثوذكس في القدس أنه في عام 1922 كان في فلسطين 196 ديراً وكنيسة لم يتبق منها عام 1993 إلا 48 كنيسة و47 ديراً . فقد هدمت منها كنيسة البصّة وكنيسة الشجرة وفي 23/7/1992 هدم “الإسرائيليون” كنيسة القديسة بيلاجيه في جبل الزيتون . ودمروا دير شعار والكنيسة التي بداخله على طريق بيت لحم الخليل .
- صادرت السلطات “الإسرائيلية” العديد من الكنائس والأراضي التابعة لها مثل كنيسة المنصورة، وكنيسة إقرت وأراضي كنيسة البصة المهدومة . كما استولت على كنيسة الأرثوذكس في حيفا . ومنعت إقامة الصلاة فيها لثلاث سنوات وبعد إعادتها للمسيحيين الفلسطينيين أخذ المتطرفون اليهود بإلقاء القاذورات على رؤوس المصلين . وصادرت السلطات “الإسرائيلية” الكنيسة المسكوبية في الناصرة . وفي القدس تمت مصادرة أراضِ تابعة للكنيسة الروسية وبُني عليها مشفى هداسا في عين كارم . وفي عام 1948 صادرت السلطات “الإسرائيلية” عقارات وأملاك المجلس الملي الأرثوذكسي في حيفا وأجّرتها السلطات إلى يهود بأجور زهيدة .
- لحق التدمير المقابر المسيحية منذ 1948وقامت الجرافات بحراثتها وتحويلها إلى حقول وبيارات مثل مقابر سيرين، معلول، البصة، ومقبرة المنصورة التي حوّلت إلى مزبلة . وتعرضت كنائس أخرى للحرق المتعمد، فقد قامت عصابة يهودية بحرق الكنيسة المعمدانية في مدينة القدس بما فيها مكتبتها وذلك بتاريخ 8/11/1982 . وفي عام ،1987 اعتدت مجموعة من أنصار الحاخام العنصرية مائير كاهانا على الكنيسة الأسقفية الإنجيلية في عكا وأحرقوا محتوياتها .
وشملت الممارسات الصهيونية اعتداءات على رجال دين مسيحيين . ففي عام ،1948 قُتل راهبان أرثوذكسيان في القدس على أيدي عصابات يهودية . كما قتل طالب لاهوتي أرثوذكسي في دير القطمون بالقدس على أيدي يهود . وفي عام ،1979 أيضاً قُتل الأرشمندريت فيلو مينوس في الدير الأرثوذكسي في مدينة نابلس على أيدي يهود . وفي العام ،1983 قتلت راهبتان روسيتان في عين كارم بالقدس، كما تعرض عدد من رجال الدين المسيحي للنفي خارج البلاد واعتقل عدد آخر منهم، تعرضوا خلالها لأنواع مختلفة من التعذيب والإهانات . وكان على رأس المعتقلين المطران كبوشي الذي كان بطريرك القدس للطائفة الأرثوذكسية بحجة مقاومة الاحتلال .
ومؤخراً، وفي سياق مشروع فرض الخدمة العسكرية تحت تسميات مختلفة (“الوطنية”، المدنية) على الشباب الفلسطيني داخل ما يسمى “الخط الأخضر” أحد أركان مشروع “الأسرلة” . وتقع الخدمة المدنية أو “الوطنية” في دائرة الخدمة العسكرية . وبعد نجاحها النسبي والمحدود في فرض التجنيد الإجباري على العرب الدروز . فقد أمرت الحكومة “الإسرائيلية” بإقامة هيئة مشتركة تضم ممثلين من الحكومة والفلسطينيين المسيحيين لدفع عملية تجنيد الشبان الفلسطينيين المسيحيين، الذين يعيشون في الداخل الفلسطيني ويحملون جوازات السفر “الإسرائيلية”، للجيش “الإسرائيلي” والخدمة المدنية .
وتواجه هذا الأمر المبادرة المسيحية الفلسطينية (كايروس فلسطين)، وهي عبارة عن مجموعة من رجال الدين المسيحيين الفلسطينيين والعلمانيين الذين صاغوا “وثيقة وقفة حق”، وجاء فيها: هذه الوثيقة هي كلمة الفلسطينيين المسيحيين للعالم حول ما يجري في فلسطين . هي وثيقة كتبت في هذه اللحظة الزمنية التي نريد أن نرى فيها تجلي نعمة الله في هذه الأرض المقدسة وفي المعاناة التي نمر بها . وبهذه الروح تطالب الوثيقة المجتمع الدولي بوقفة حق تجاه ما يواجهه الشعب الفلسطيني من ظلم وتشريد ومعاناة وتمييز عنصري واضح منذ أكثر من ستة عقود . وهي معاناة مستمرة تمر تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الصامت والخجول في نقده لدولة الاحتلال “إسرائيل” . كلمتنا هي صرخة رجاء وأمل مغلفة بمحبة صادقة مقرونة بصلاتنا وإيماننا بالله نوجهها إلى أنفسنا أولا وإلى كل الكنائس والمسيحيين في العالم نطالبهم بها بالوقوف ضد الظلم والتمييز العنصري ونحضهم على العمل من أجل السلام العادل في منطقتنا داعين إياهم إلى إعادة النظر في أي لاهوت يبرر الجرائم المرتكبة ضد شعبنا ويبرر قتله وطرده من وطنه وسرقة أرضه .
وأعلنت المبادرة: “نحن الفلسطينيين المسيحيين في هذه الوثيقة التاريخية نعلن أن الاحتلال العسكري لأرضنا هو خطيئة ضد الله والإنسان وأن اللاهوت الذي يبرر هذا الاحتلال هو لاهوت تحريفي وبعيد جداً عن التعاليم المسيحية، حيث إن اللاهوت المسيحي الحق هو لاهوت محبة وتضامن مع المظلوم ودعوة إلى إحقاق العدل والمساواة بين الشعوب . هذه الوثيقة ليست عفوية أو وليدة صدفة” .
ورفضت المبادرة أن يتجند الفلسطينيون في الجيش “الإسرائيلي” لاعتبارات، أخلاقية ولاعتبارات تتعلق بانتمائهم وهويتهم الوطنية، “ولن يحمينا إلا تمسكنا بانتمائنا العربي الفلسطيني، ولن يكون خيارنا خياراً طائفياً بل خيار الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب العربي الواحد بكافة أطيافه الدينية والمذهبية . والمقاومة غير العنفية لهذا الظلم هو حق لجميع الفلسطينيين وواجب عليهم” .
من فمك أدينك: أكذوبة الارتباط اليهودي بالقدس
فايز رشيد-الشرق القطرية
ذكرت الأنباء: أن جماعات يهودية متطرفة تسعى لإقامة كنيس يهودي على جزء من المسجد الأقصى. تماما مثلما تخطط إسرائيل لهدمه وإقامة هيكل سليمان محله! القدس زهرة المدائن وهي تاج فلسطين. الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. القرار الذي أقرّه الكنيست في إحدى جلساته قبل زمن: باعتبار القدس (عاصمة) للشعب اليهودي. هو اعتداء صارخ على المدينة المقدسة وعلى تاريخها العربي الإسلامي. وعلى مسلميها ومسيحييها. وعلى التاريخ والحضارة الإنسانية. وعلى الفلسطينيين والعرب والمسلمين! الخطوة الصهيونية هي استكمال لخطوة ضم القدس. التي اتخذها الكنيست في نوفمبر عام 1967. وهي استكمال للتهويد الذي مارسته للمدينة وما تزال. إسرائيل تخطط لعزل القدس عن الضفة الغربية. وقد انتزعت مؤخرا مواطنة المقدسيين الفلسطينيين من مدينتهم واستبدلتها ببطاقات إقامة لمدة عشر سنوات. وبالمستوطنات التي تنشئها حولها. فإن إسرائيل ستفصل الضفة الغربية إلى قسمين. وستقضي بذلك على أية آمال بإمكانية قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67. هذه هي حقيقة إسرائيل.. نضعها برسم الذين ما زالوا يراهنون على إمكانية جنوح إسرائيل لإقامة ما يسمى بالسلام مع الفلسطينيين أو العرب. والذين تخلوا عن كل اشتراطاتهم وعادوا للمفاوضات معها في الوقت الذي تكثف فيه استيطانها وتصادر أراضي النقب وتشرد أهله وتهدم قراه وبلداته. وتقترف كل موبقاتها ومذابحها واغتيالاتها واعتقالاتها للفلسطينيين والعرب. وترتكب كافة أنواع الجرائم بحقهم.
من ناحية ثانية: اعترف أبو الآثار(وهو لقب يطلق عليه في إسرائيل). وهو عالم الآثار الإسرائيلي الأبرز: إسرائيل فلنكشتاين من جامعة تل أبيب: بعدم وجود أية صلة لليهود بالقدس. جاء ذلك خلال تقرير نشرته مجلة جيروزاليم ريبورت الإسرائيلية قبل مدة وللأسف لم يحدث ضجة في العالم العربي!. التقرير يوضح وجهة نظر فلنكشتاين الذي أكد للصحيفة: أن علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة. كانتصار يوشع بن نون على كنعان.
وشكك فلنكشتاين في قصة داوود الشخصية التوراتية الأكثر ارتباطاً بالقدس حسب المعتقدات اليهودية. فهو يقول: إنه لا يوجد أساس أو شاهد إثبات تاريخي على اتخاذ اليهود للقدس عاصمةً لهم، وأنه سيأتي من صلبهم من يشرف على ما يسمى بــ(الهيكل الثالث). وأنه لا وجود لمملكتي يهودا وإسرائيل. وإن الاعتقاد بوجود المملكتين هو وهم وخيال. كما أكد عدم وجود أية شواهد على وجود إمبراطورية يهودية تمتد من مصر حتى نهر الفرات وإن كان للممالك اليهودية(كما تقول التوراة) وجود فعلي. فقد كانت مجرد قبائل. وكانت معاركها مجرد حروب قبلية صغيرة.أما فيما يتعلق بهيكل سليمان. فلا يوجد أي شاهد أثري يدلل على أنه كان موجوداً بالفعل.
من جانبه، قال رفائيل جرينبرغ، وهو عالم آثار يهودي ويحاضر في جامعة تل أبيب:"إنه كان من المفترض أن تجد إسرائيل شيئاً حال واصلت الحفر لمدة ستة أسابيع، غير أن الإسرائيليين يقومون بالحفر في القدس لأعوام دون العثور على شيء".
من زاوية ثانية، اتفق البروفيسور يوني مزراحي وهو عالم آثار مستقل. عمل سابقاً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع رأي سابقيْه قائلاً:"لم تعثر إسرائيل حتى ولو على لافتة مكتوب عليها- مرحباً بكم في قصر داود- واستطرد قائلاً:"ما تقوم به إسرائيل من استخدام لعلم الآثار بشكل مخلّ يهدف إلى طرد الفلسطينيين الذين يعيشون في القدس وتحويلها إلى يهودية".
من المعروف: أن الدولة الصهيونية ومنذ تأسيسها حتى اللحظة حاولت تدعيم أساطيرها التوراتية بوجود آثار لليهود في فلسطين بشكل عام، وفي القدس بشكل خاص. في محاولة واضحة لربط قيام الدولة بالتاريخ القديم، ومن أجل الإثبات بوجود الممالك الإسرائيلية في فلسطين. وهيكل سليمان في القدس، على طريق تسويغ شعار:"أرض الميعاد" الذي رفعه المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897. وكذلك تسويق شعار"شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".
بالطبع. ما قاله العلماء اليهود الثلاثة، الذين يعيشون في إسرائيل. ليس جديداً. فكثيرون من علماء الآثار والتاريخ العالميين وصلوا إلى هذه الحقيقة المؤكدة. منهم عالمة الآثار كاتلين كينون في كتابها "علم الآثار في الأرض المقدسة". كذلك تصب في هذا الاتجاه دراسات المؤرخ بيتر جميس التي نشرها في كتابه "قرون الظلام". وأيضاً ما كتبه توماس تومسون في كتابه "التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي". والحقائق التي أكدها المؤرخ العالمي الذائع الصيت أرنولد تويبني. والمؤرخ غوستاف لوبون في كتابه "تاريخ الحضارات الأولى" وغيرهم وغيرهم.
إن من أبرز من اعتمد الأضاليل والأساطير الصهيونية حول الحق التاريخي لليهود في فلسطين هو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الحالي في كتابه"مكان تحت الشمس". كل ما أبرزه نتنياهو في كتابه المذكور هي دراسات لعلماء آثار عالميين مثل: ادوارد روبنسون، تيتوس توبلر، هــ.و.جرين، كلود كوندر، فمن وجهة نظره "فإن الدراسات العلمية لهؤلاء كان لها دور هام في تبديد الضباب الذي كان يعطي هذه الأرض(يقصد فلسطين) في الرأي العام الدولي. فلم تعد مملكة إسرائيلية خيالية بل حقيقة متجسدة، إذ لم تعد القدس منطقة مهجورة بل مدينة. وكذلك الأمر بشأن بيت لحم، الخليل، يافا".
الحقيقة، وباعتراف نتنياهو نفسه. مثلما أورد في كتابه كإثبات: أن هؤلاء العلماء رسموا خريطة حديثة للمنطقة من نهر الأردن حتى البحر المتوسط. ومن جبال لبنان حتى صحراء سيناء". بمعنى آخر حاول نتنياهو التلميح إلى أن هذه الحدود كانت لمملكة إسرائيل، غير أنه لم يقل ذلك صراحةً، بل أورد ما جاء في أبحاث هؤلاء العلماء في: "أنه جرى الاعتقاد بوجود مملكة إسرائيل ضمن هذه الحدود".غير أن وجود الخريطة لا تعني إثبات وجود مملكة إسرائيلية في هذه الحدود كما يدّعي نتنياهو في كتابه المذكور، والذي كان لي شرف تفنيد ما جاء به من أضاليل في كتابه. في مؤلفي بعنوان:"تزوير التاريخ في الرد على نتيناهو: مكان تحت الشمس" الصادر في طبعته الأولى في عمان 1997.
العلماء الإسرائيليون الثلاثة الذين أوردنا ما قالوه في بداية هذه المقالة، هو إثبات جديد من علماء يهود إسرائيليين ينكرون فيه وجود مملكة إسرائيل.
ما قاله هؤلاء: إثبات جديد على الأضاليل الصهيونية. ويصلح معه الأمثال القائلة:"من فمك أدينك" و "شهد شاهد من أهله" و"اعتراف من أهل البيت". وأجبنا أن لا نبقى مكتوفي الأيدي أمام الحقائق التي تصنعها الدولة الصهيونية وبالفعل كان على الإعلام الفلسطيني والعربي أن يقوم بضجة إعلامية كبيرة حول ما قاله العلماء اليهود الثلاثة. لكن للأسف..لم يحصل ذلك.
وما علاقتها عائشة؟!
ماهر ابو طير-الدستور الاردنية
يد الغدر التي امتدت إلى الضاحية الجنوبية في بيروت حيث الأغلبية اللبنانية شيعية، هي ذات يد الغدر التي امتدت إلى طرابلس البارحة حيث الأغلبية سنية، إذ يراد في كلا الحالتين جر لبنان الى حرب مذهبية بين السنة والشعية، لتدمير كل بناه الداخلية.
أبدعت قناة المنار البارحة بتغطيتها لتفجيرات طرابلس، إذ لم تتصرف بروح مذهبية مقيتة، ولم تتورط برد الفعل المطلوب، باعتبار أن الشهداء هنا في طرابلس أولئك السنة الخارجون من المساجد، بل قدمت نموذجا إعلاميا محترفا وذكيا ووطنيا إذ أدارت المشهد باعتبار أن المستهدف هو كل لبنان، بكل مسلميه ومسيحييه، وهذا أداء غير مذهبي، يستحق التقدير. في تفجيرات الضاحية الجنوبية التي تم الإعلان عنها باسم تنظيم يدعى أنصار عائشة للعمليات الخارجية، تدرك أن من أجرم بحق اللبنانيين في الضاحية الجنوبية يريد الإيحاء مسبقا أن اتجاها سنيا متشددا هو من قام بهذه الجريمة البشعة، مستعملا اسم السيدة عائشة بجريمته.
لا تعرف ما علاقة عائشة بهكذا جريمة بشعة غير مقبولة، يتم بعدها بأيام ارتكاب جريمة أخرى بيد ذات الفاعل ضد أهل طرابلس، ولا نستغرب أن يخرج تنظيم يسمي نفسه أبناء السيدة فاطمة، أو أنصار علي ليعلن أنه خلف الجريمة من باب رد الفعل على ماحدث في الضاحية الجنوبية؟!.
حين نقول للناس إن هناك حربا لا ترحم ضد المنطقة ومكوناتها الأساسية، لايصدقنا البعض، إذ يراد تقسيم المنطقة وتفتيت مكوناتها الاجتماعية عبر توظيف الثنائيات بأبشع صورة: سنة وشيعة في العراق، سنة وشيعة في لبنان، سنة وعلويون في سورية، مسلمون وأقباط في مصر، سنة وحوثيون في اليمن، أكراد وعرب في العراق، مسلمون ومسيحيون في لبنان، وغير ذلك الكثير من الثنائيات الجاهزة على الطريق. الثنائيات لا تغيب عن أي بلد، عبر الأصل والمنبت والدين والطائفة والمذهب، والمحزن أننا أمام شعوب هشة، لا تقاوم محاولات التشظية وتنجر وراء ردود الفعل السطحية وغير الوطنية، التي لا تخدم إلا إسرائيل التي تريد أن تبقى جزيرة آمنة معزولة وسط جهنم الحمراء التي أبتلي بها المشرق العربي، والتي تزداد اشتعالا يوما بعد يوم.
لماذا لا نرى هذه الخروقات إلا في العالم العربي؟! فلم نسمع أن لدى اليهود حربا على اساس الدين و العلمانية، ولا تفجيرات على اساس اليهود الشرقيين والغربيين، ولم نسمع في ذات السياق أي قدرة عربية لتجنيد مئات العملاء اليهود، مقابل قدرة الموساد على تجنيد آلاف العملاء العرب في كل مكان، وهؤلاء هم ذاتهم الذين ينفذون مخططات التشظية والتقسيم في المشرق العربي، ويجدون بيننا -للأسف الشديد- من يصدق العناوين المتداولة، وينجر الى ماهو مطلوب من كراهية وحقد بين أبناء أمة واحدة؟!.
تلك خروقات تثبت دوما أن بيننا جواسيس وعملاء، وأن القدرة على اختراقنا مرتفعة، وان تكويننا الديني والاجتماعي هش الى درجة كبيرة، وما دمنا قد تحدثنا عن المنار فإن الذكاء البارق في تغطيتها البارحة يعود الى معرفتها ان هناك مخططا لفتنة سنية شيعية، وقد تفوقت على غيرها من إعلام عربي تعامل ببرود فاضح مع تفجيرات الضاحية الجنوبية، باعتبار أن القتلى هناك شيعة، ودمهم حلال، فيما ذات الإعلام العربي استنفر مرؤته الغائبة امام تفجيرات طرابلس، والمنار هنا توسطت بذكاء لتقف ذات الموقف في تفجيرات بيروت وطرابلس، والتوسط هنا رسالة سياسية تقول للعرب واللبنانيين إن ما يتم التخطيط له سينال من الجميع.
آن الآوان أن يصحو الجميع وأن نخرج من مستنقع الطين الذي نتقاذف فيه الاتهامات على أساس ديني ومذهبي، فالمنطقة كلها مهددة بحرب دينية وطائفية ومذهبية، ولا يمكن أن نصدق أن العين التي لا تدمع على قتلى الضاحية الجنوبية تدمع على قتلى طرابلس، لأن العاطفة الإنسانية لا تتجزأ، والدين واحد وحرمة الدم واحدة.
كل جوار اسرائيل يتم تدميره، من فلسطين المحتلة بأهلها، الى لبنان وسورية والعراق ومصر بالحروب والاحتلالات، وغيره من دول مجاورة يتم تدميرها بالجوع والأمراض غير المفهومة وتدميرها اجتماعيا، وتجهيزها ايضا لاقتتال محتمل على اساس الدين او الأصل أو المنبت أو أي سبب آخر.
لا عائشة لها علاقة بدم اللبنانيين المسفوك، ولا فاطمة لها علاقة ايضا بذلك، لعلنا نصحو من هذه الغفلة التي جعلت بعضنا يستبدل عدوه الأساس -أي إسرائيل- بأعداء من ابناء هذه الأمة، وهو استبدال تتم شرعنته بعناوين كثيرة، لايخفي وجهها الكريه، كل هذا الكلام الجميل عن حسن النوايا!.
حزب الله من شبعا إلى طرابلس!
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
قد لا يكون حزب الله من أطلق الصواريخ على اليرزة والقصر الجمهوري قبل شهر، أو من نفذ تفجيرات طرابلس، أو من أطلق الصواريخ على شمال إسرائيل، لكن الكثيرين يظنونه الفاعل. والادعاء بأن تنظيم زياد بن الجراح، المنسوب إلى «القاعدة»، هو ما قصف إسرائيل، أيضا غير قابل للتصديق، ليس لأن الإعلام المحسوب على حزب الله هو ما روج للرواية فقط، بل لأن الجنوب اللبناني منطقة مغلقة يحكمها الحزب بحواجز وأجهزة أمنية واستخباراتية تجعل من شبه المستحيل لغيره أن يستطيع اختراقه، والقيام بعملية عسكرية، ثم الهرب! إسرائيل، نفسها، ليست في حاجة لمتابعة الإعلام المحسوب على الحزب لتعرف الحقيقة، فهي منطقة تخترقها بالكامل، تحت السمع والبصر.
أما انفجار طرابلس فقد كان منتظرا بعد انفجار الضاحية الثاني. وبالتالي حزب الله يرد بطريقته، قتل مدنيين مقابل قتل مدنيين، التي لن تؤدي سوى لتبرير قيام جماعات سنية متطرفة مسلحة موازية لحزب الله. واليوم يوجد جيش من الشباب المستعد للانخراط في مثل هذه الحرب الطائفية بكل أسف، بداية ضد حزب الله ردا على تورطه في الحرب السورية مساندا لنظام الأسد، ثم يصبح حزبا موازيا له.
وخارج برنامج الاقتتال اليومي السياسي والعسكري الذي وضع حزب الله نفسه فيه، السؤال الأهم كيف سيخرج حزب الله من هذه الحفرة التي وضع نفسه فيها منذ التصاقه بنظامي الأسد وإيران. حاليا، الجناح الأمني العسكري هو ما يحكم حركة الحزب، لكن كيف سيكون حاله بعد سقوط نظام الأسد، ولجم نظام طهران. حزب الله يعرف جيدا أن نظام الأسد ساقط لا محالة، وإن استغرق الأمر سنة، أو خمس سنوات أخرى، أو أكثر، وهو عمليا لم يعد يحكم سوريا اليوم. وفي إيران الوضع، رغم هدوئه، لن يستمر كما نراه عشر سنوات أخرى، بنفس الوجوه، ونفس السياسة، ونفس السطوة.
السؤال، كيف سيكون الحزب عليه لبنانيا، وإقليميا، ودوليا؟!
من المحتم أن تتغير موازين القوى في لبنان بسبب سوريا، ومن الطبيعي أن يجد حزب الله نفسه محاصرا أكثر في الزاوية الحرجة، والدليل أن جرأة ووصول من نفذ التفجيرين في الضاحية، المنطقة الأكثر أحكاما وسيطرة في لبنان، يعني أن لبنان تغير، وسيتغير أكثر لاحقا. والكل يعرف أيضا أن الحزب مرتبك على كل الأصعدة، وأن هناك حركة داخل الطائفة الشيعية لا تقر الحزب على أفعاله، إلى درجة لم يعد سرا أن حزب الله أسكت عددا من الأقلام المؤيدة له من الكتابة ناقدة الحزب!
علينا أن نعرف أن الأمور ستزداد سوءا، مع ضخامة الحدث السوري وتبدل قواعد اللعبة إقليميا، وحتى شيعيا. وربما لأن حزب الله لا يزال في حالة إنكار، أو أنه عاجز عن التفكير لأبعد من أحداث اليوم، يبقى السؤال ما هي «استراتيجية الخروج» لديه؟
لا أحد ينكر أنه لا يزال يمثل تسعين في المائة من شيعة لبنان، الذين يمثلون كتلة كبيرة من الشعب اللبناني، ولولا أن الحزب متكئ على البندقية أكثر من الصوت الانتخابي، لكان خياره السياسي أفضل من الاستقواء، وفي نفس الوقت التباهي بالسلاح. لم يعد أحد من العرب يصدق حقا رواية مواجهته لإسرائيل، ولم يعد أحد من الشيعة يبالي بالتزام الحزب بقضية المقاومة، وبالتالي لاحقا سيجد الحزب نفسه خاسرا قضاياه الدعائية، ومعها يخسر كل ما بناه!
نحن نعتقد أن حزب الله يستطيع التحول أكثر نحو العمل السياسي، وتعزيز وجود الدولة وشرعيتها وفق المفهوم السياسي الانتخابي الذي لا يزال في صالح الحزب. بمثل هذا المشروع السياسي، لا ينقذ الحزب نفسه فقط من الغرق في رمال التغيير المتحركة، بل أيضا سيكون داعما لبلد يحتاج إلى شرعية العمل السياسي لا السلاح ومزاعم المقاومة.
الإسلام ومصر بخير
محمد الرميحي-الشرق الأوسط
العدو الرئيس لأي سلطة حاكمة في مصر هو الفقر، وليس نقصا في التدين أو نقصا في الديمقراطية هو مكمن الخطر، والسلطة التي لا تضع نصب عينيها محاربة الفقر، وتهتم بدلا من ذلك بآليات ظاهرية لما يعرف بالديمقراطية أو كثرة الصلوات، تغيب عنها القضية المركزية.
تخفيف حدة الفقر وتجفيف منابعه لا يبحث عنها في «آيديولوجيا» معينة أو في شعارات سرعان ما ينكشف للجميع أنها لا تشبع ولا تغني. تخفيف حدة الفقر لها مدخلات معروفة تبدو سهلة في الظاهر وعصية على المنال في الواقع. لعل الأركان الخمسة التي تساعد على تجفيف منابع الفقر، والتي تم اختبارها بنجاح في أماكن أخرى، هي على التوالي: تجويد التعليم، تخفيف حدة البيروقراطية، محاربة الفساد، جذب استثمارات خارجية، منظومة قانونية مستقلة وحديثة. هذه الشروط الخمسة متداخلة ويخدم بعضها البعض الآخر، وتحتاج إلى رؤية وإدارة لتحقيقها.
لقد تم تحقيق هذه الشروط في بلاد شرقية كثيرة أصبحت اليوم بلادا مستقرة وحديثة ومنتجة، ومصر فيها من القدرات ما يمكن التعويل على نجاح مثل تلك الخطط إن هيئ لها إدارة تنتشلها من هذه الوهدة التي أراها مؤقتة.
أهل الآيديولوجيا يبيعون الوهم للبسطاء، ينشرون بينهم الرأي القائل إن فقرهم في الدنيا قد يتحول إلى غنى في الآخرة، فيجعل الجماهير تتدفق إلى عالم الأوهام، وهو وهم استمرأته قوى «الإسلام السياسي» ومررته على جمهور يتوق للخلاص. قطاع من هذا الجمهور – لسبب أو لآخر – صدق المقولة في غياب مشروع آخر. الأزمة الحاكمة أن قوى الإسلام السياسي لا تستطيع أن تنفك من مقولات بيع الوهم، لأنها إن فعلت ذلك خسرت ذلك الجمهور الذي تعول عليه في الحشد والمناصرة، فهي حبيسة له وحبيس هو لها. إنها تواجه أزمة ليس اليوم، بل منذ زمن طويل، حالة هيكلية من الاشتباك السياسي الديني لا يمكنها الخروج منها، وهذا ما أوقع حكم الإخوان المسلمين في التعثر سريعا في بلاد مثل مصر، لا ينقص أهلها التدين بكثرة ما ينقص أهلها التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الفريق عبد الفتاح السيسي لامس في خطابه الأخير الأسبوع الماضي، وهو ينقد الحكم السابق، كبد الحقيقة، حيث قال إن «مشكلات مصر ضخمة» لا يستطيع فريق منفرد أن يقوم بحلها، وكانت نصيحته للحكم السابق التي كررها أن أشركوا الآخرين كي يحملوا معكم السلة، ولم يستمع إليه أحد، حقيقة ما قاله السيسي: سوف تبقى مشكلات مصر ثقيلة، تحتاج إلى توافق اجتماعي، وإلى زمن وإلى استقرار، وقبل ذلك إلى حكم رشيد!
واحدة من القضايا التي وجب أن تحسم في مصر، وقد يتوق إليها آخرون في أماكن أخرى من عالمنا العربي والإسلامي، هي ما يمكن أن أسميه «نهاية السيندروم الإيراني»، وأعني به الخلط غير الصحي بين السياسة والدين، الذي جاء به المشروع الإيراني إلى المنطقة، وإن كان هاجس بعض من القوى السياسية النشيطة قبل ذلك، الصيغ التي اتبعت فشلت، حيث قامت بإزاحة زمانية مكانية افتقدت الحد الأدنى من الاجتهاد المعرفي.
فشل هذا المشروع في مصر قد يودي إلى صحوة سياسية في عموم المنطقة. لقد كان الفشل مركبا في مصر، كان هناك «مرشد» أو «مكتب إرشاد» مطلق الصلاحية وصاحب نفوذ، وهناك رئيس جمهورية منتخب ولكن محدود القدرة على التصرف، ويقع في التسلسل الهرمي السادس أو السابع! خلق ذلك ازدواجية عميقة سرعان ما التقطها الشعب المصري بإحساسه أن القرارات تتضارب وأن الدفة يتنازعها أكثر من شخص، فكان ما عرف لاحقا بحركة 30 يونيو (حزيران) التي أوقفت المشروع المتعثر، حتى لا يزداد تعثرا، وما كان له أن يوقف لولا ما حمله من ضعف في داخله.
فك الاشتباك بين الدين والسياسة عملية تاريخية مهمة في صيرورة التقدم العربي، وربما الشرق أوسطي، إن استطاعت مصر، دون مواربة ودون تردد، أن تؤكد ذلك في مشروع الدستور الجديد فهي قد خطت في سبيل المستقبل خطوة واسعة، مع إتاحة الفرصة للجميع في دولة مدنية أن ينظموا أنفسهم سياسيا، سواء كان هذا التنظيم له خلفية تراثية أو حداثية، لينطلق الجميع في أجواء تنافسية متعادلة.
الجدل العقيم الذي يخوضه البعض في الحالة المصرية بعضه هزلي إلى حد الضحك، فقد استمعت إلى أحدهم يقول إن «اعتصام رابعة العدوية كان به أربعون مليونا»! ما دام الأمر كذلك فلِمَ الخوف أو التردد السابق عندما طالب الشعب بانتخابات مبكرة، أو اللاحق وهو الذهاب إلى صناديق الاقتراع، التي وعدت بها خارطة الطريق؟! بعض المقولات لا يصدقها العقل السليم في هذا الجدل. جدل آخر قادم من الغرب بالتلميح بالتهديد لتأخير أو وقف معونات لمصر! أرى أن هذا التهديد للاستهلاك المحلي! وربما لن يتم في الواقع العلمي لأسباب كثيرة، وحتى على أسوأ الاحتمالات لو تم فقد يكون فرصة جديدة لمصر، تستدعى شعار مهاتير محمد في ماليزيا أول سني حكمه، حيث رفع شعارا مثلثا هو «حكومة نظيفة، انظر شرقا، تجويد التعليم». النخبة المصرية الحديثة تستطيع أن تقوم بذلك، وسوف يتبين أن الخسارة هي لمن قاطع في نهاية المطاف وليس على من قوطع!
لعل الأهم في هذه المناقشة أن يؤكد على أن «الإخوان» شيء و«الإسلام» شيء آخر، تفكيك الثنائية التي يلعب عليها الإعلام الإخواني ومناصروه لتمريرها على السذج والبسطاء لها أولوية، حيث إن خسارة الإخوان في السياسة هي ليست خسارة للإسلام، لا من قريب ولا من بعيد، بل على العكس هي تأكيد لعلو كعب المبادئ الإسلامية التي ترفض التطرف كما ترفض الاستحواذ. ليس الإخوان الجماعة الأولى ولن تكون الأخيرة في تاريخ المسلمين التي تلبست لبوس الدين في سبيل تحقيق مشروع سياسي، عشرات الجماعات تلبست ذاك اللبوس وانتهت إلى الخواء.
كلما زاد تزمت الإخوان المسلمين في رفض الانخراط في العمل السياسي المتاح، أبعدوا أنفسهم عن التيار العام السياسي المصري، وولجأوا، هم أو أنصارهم، إلى العنف الذي يبدأ باللفظي وينتهي بالدموي.
لست قلقا على مصر، كما لا يطوف بخاطر أحد أن يفكر بأن الإسلام في شبه خطر في بلادٍ الممارسة الإسلامية فيها متجذرة ومتمكنة، ما أحذر منه الغلو في الخصومة والتعنت في الرأي أو أخذ البريء بجريرة المخطئ.
آخر الكلام:
الممثل المبدع عبد العزيز مخيون في مسلسل «بدون ذكر أسماء» الذي عرض في رمضان الماضي يقول تعليقا على ما يشاهد في التلفزيون من احتفال: «إن انتصرنا خايبين، وإن خسرنا خايبين»!! يا له من معنى مبطن!
يا أهلاً بوجود الإخوان.. ولكن بضوابط وشروط
محمد طرابيه-المصريون
فى نفس هذا المكان كتبت فى الأسبوع الماضى مقالاً بعنوان (لهذه الأسباب فشل الإخوان سياسياً)، وشرحت فيه بإيجاز عدداً من الأسباب التى أدت إلى فشل الجماعة وخروجها من السلطة بعد عام واحد فقط من تولى محمد مرسى رئاسة الجمهورية.
ورغم خلافى السياسى مع توجهات قيادات الإخوان واقتناعى بما قاله صفوت حجازى القيادى بالجماعة، أنه لو عاد به الزمن لما انضم للإخوان لأنهم (ما بيعرفوش يشتغلوا ) – على حد تعبيره – .. إلا أننى أرحب باستمرار تواجد الجماعة على الساحة فى مصر بشرط أن تكون هناك شروط وضوابط لذلك، ومنها أن تمارس الجماعة عملها فى العلن بعد استيفاء إجراءات تأسيسها فى صورة جمعية أهلية – بشكل حقيقى وليس صوريًا كما حدث منذ عدة أشهر عندما تم إشهارها على الورق كجمعية أهلية – على أن تكون هناك ضوابط صارمة ومحددة ودقيقة للغاية على التبرعات والتمويلات التى تتلقاها الجماعة، وكذلك وجود رقابة من جانب أجهزة الدولة على أوجه إنفاق هذه التبرعات، سواء كانت من اشتراكات الأعضاء – كما يقولون دائماً – أو من التمويلات الخارجية.. وأن يقتصر دورها على العمل الدعوى أو فى مجالات العمل الخيرى فقط، بعيداً عن السياسة أو تقديم رشاوى فى مواسم الانتخابات كما كان يحدث أمام أعين الجميع طوال السنوات الماضية. والحقيقة أن عدم موافقة والتزام الإخوان بتلك الضوابط لا يعنى سوى أنهم يقودون جماعة لا تود العمل إلا فى الظلام، وهو ما لا يمكن قبوله خلال المرحلة القادمة.
وهنا أشير إلى أنه ليس مقبولاً أن تطالب الجماعة بكشف ميزانية القوات المسلحة والرقابة عليها، وفى نفس الوقت ترفض الجماعة الكشف عن ميزانياتها وأرصدتها وممتلكاتها، وأعتقد أن هذه الأوضاع لم يعد لها مكان فى مصر حالياً ومستقبلاً. فى هذا السياق، أطالب أيضاً بمراجعة أوضاع حزب الحرية والعدالة بصفته الذراع السياسية لجماعة الإخوان، والذى ثبت تورط الكثير من قياداته – المحبوسين حالياً – مع قيادات الجماعة فى التحريض على أعمال العنف والقتل فى أعقاب ثورة 30 يونيه. لذلك لا بد من عمل مراجعة شاملة للحزب وتطبيق كل الشروط والضوابط التى تضمن أن تكون مشاركته سياسية فقط بعيداً عن الخلفية الدينية وإقحامها فى السياسة مع ضرورة النص صراحة على حظر تأسيس الأحزاب على أساس دينى والقيام بحلها فى حالة مخالفتها لهذا الشرط.
ورغم أن الكثيرين يرون صعوبة تحقيق هذه الشروط، إلا أننى أؤكد أنه لا تنازل عنها سواء للإخوان أو لغيرها من الجماعات أو التيارات ذات الصبغة الدينية، وفى مقدمتها الجمعيات التابعة للتيار السلفى. إن الأحداث الماضية ووجود قيادات الجماعة الرئيسية فى السجون حالياً وخسارتها لشعبيتها وتأثيرها فى الشارع المصرى، أكدت أنه لا يوجد طريق آخر أمام الجماعة إلا الرضوخ والالتزام بهذه الشروط والضوابط لإقناع الجميع أنها تحولت بالفعل، وأنها ترغب فى أن تكون لها بداية جديدة فى مصر.. أما إذا تمسكت بفكرها الحالى فهذا سيجعل أمر حل وإغلاق مقرات جماعة وجمعية الإخوان المسلمين وكذلك حل حزب الحرية والعدالة وإغلاق جميع مقراته ومصادرة أمواله مثلما حدث مع الحزب الوطنى المنحل أمراً لا مفر منه ولا تنازل عنه.
وفى النهاية أقول إننى أرحب بوجود أى قوى سياسية حتى لو اختلفنا معها ومع سياساتها وتوجهاتها وقياداتها، بشرط أن تكون هناك مظلة قانونية تطبق على الجميع بدون استثناءات أو تنازلات إذا أردنا حقاً أن تكون لدينا حياة ديمقراطية وسياسية تليق بمصر وعظمتها التاريخية.
الأشطر يفوز فى حرب الجثث
أكرم القصاص-اليوم السابع
ومازلنا فى سياق معارك الصورة والفيديو، وهى معارك تحول الضحايا إلى صور وأرقام، وليس إلى لحم ودم. ومن حيث يرتدى البعض ملابس إنسانية وحيادية يقعون فى فخاخ العنصرية والتمييز. ومن حيث يرفعون رايات «الدم كله حرام» يتعاملون مع دم واحد، ولا نجد عند الإنسانيين نفس القوة فى التفاعل مع شهداء الشرطة والإرهاب، لأنهم لا يجلبون الشهرة. والأبرياء عادة يروحون فطيس الإعلام من كل الأطراف. مثلا ضحايا بولاق أبوالعلا الذين تم اغتيالهم، من قبل مسلحين منسوبين للإخوان، لمجرد أنهم كانوا يطلون من البلكونات. لم يهتم بهم أحد ولا بدمهم، وتجاهلهم هؤلاء الذين يعلنون أنهم يهتزون من كل الدم الحرام.
والحقيقة أن من يستطيع الوصول للإعلام هو فقط الذى يحظى بالاهتمام. حتى فى الاعتقالات، يهتم الحقوقيون بالمشاهير المعتقلين، ويطنشوا الغلابة، غير المشهورين وممكن تجد خمسين محاميا مع معتقل أو مسجون واحد مشهور، ولا تجد محاميا مع عشرين مسجونا مجهولا. ولا يمنع هذا من حملات لمساندة المعتقلين المجهولين من باب ذر الرماد. لا تنتهى لشىء.
فى قضية ضحايا رابعة، كان التركيز على الأرقام، يتحول القتلى إلى مجرد أرقام، يفضل أن يكونوا آلافا أو مئات، ومن الصعب أن تجد تركيزا على هؤلاء وحياتهم ومن هم، يتحولون إلى رقم ضخم فى قوائم الحملات الإعلامية، ويحتل المشاهير الصدارة من القتلى والجرحى، ابن فلان أو علان، لكن المواطن العادى الذى كان مجرد كومبارس فى الاعتصامات، يتم تجاهله حيا وميتا، كان فى حياته مجرد نقطة فى زحام الهتافات، وميتا مجرد جثة ضمن جثث مرصوصة باحتراف. وفى سياق الحروب الإعلامية الأشطر فى توظيف الجثث يفوز.
أما عن السياسى والمستقبلى، هناك من يصعب التعرف على وجهة نظرهم، فهم يقدمون أنفسهم على أنهم إنسانيون، لن تجد لديهم اهتماما كبيرا بضحايا غلابة من الشرطة والجيش أو المجهولين، ويفضلون إرضاء الخارج. سياسيا يريدون إرضاء الجميع، يشتم الواحد منهم الإخوان وإرهابها وأنانيتها، والسلطة بفاشيتها المحتملة، ومؤيدو الجماعة بوصفهم أغبياء، ومؤيدى الدولة بوصفهم مش فاهمين، وبعد أن يصدر للناس صورة المفكر العميق المتعدد المعارف، والأكثر قدرة على التكهن بمستقبل العالم، والقارئ الوحيد لكفوف الدينا يعتبر أنه أرضى ضميره وحصل على ما يكفى من «شير» وشهادات بالموضوعية.
هؤلاء بالرغم من إنسانيتهم المهولة، يقعون عادة فى فخ العنصرية والتمييز، يفشلون فى تقديم مخارج أو مداخل لما هو قائم، وغالبا يخاصمون الواقع ويقدمون رؤى مرتبكة يحرصون على أن تكون غامضة.
بين هؤلاء من هو صادق بالفعل، وحائر، ينقح عليه ضميره بصدق، فيدافع عن حقوق الإنسان بعمومها، ويعترف بالحيرة والارتباك. ومنهم من هو متورط سياسيا ومنحاز بحكم العمل. هناك منظمات اتضح أنها تتبع جماعة الإخوان، ولا يمكن التعامل مع ما تنتجه على أنه موضوعى، وكثير منها يخلط بين السياسى والحقوقى. وهناك قطاع يضطر للسير فى اتجاه الإدانة حتى لا يخسر التمويل، لأنه مرتبط بتمويلات أوروبية وأمريكية لديها اشتراطات أو مواقف تفرضها على تابعيها. والنتيجة أن الأشطر يفوز فى حرب الصور، بينما يخسر الضحايا والكومبارس والمضحوك عليهم.
وهجمة أميركية وأوروبية !! ..
سلامة العكور-الرأي الأردنية
من حقنا ان نستغرب هذا الهجوم الامريكي والاوروبي الظاهري على الدولة المصرية بنظام حكمها الجديد دعما ومساندة ظاهرية أيضا لنظام حكم الاخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي .. فالكونغرس الامريكي يمارس ضغوطا على الادارة لقطع المساعدات المالية عن مصر»5ر1» مليار دولار ..وحتى ادارة الرئيس اوباما تبدي تعاطفا مع « الشرعية « التي يمثلها مرسي .. وهي بصدد اتخاذ قرار بعدم بيع اسلحة لمصر وفقا لاتفاقيات سابقة .. والاتحاد الاوروبي ينشط سياسيا ضد ما يسميه نظام السيسي !!..ويندد باستخدام العنف المفرط ضد المعتصمين من الاخوان المسلمين في ميداني رابعة العدوية والنهضة .. بل ويعمل على قطع المساعدات العسكرية وغيرها عن مصر .. وبعض الدول العربية لا تزال تتباكى في الظاهر على عهد الرئيس مرسي وجماعته .. نقول من حقنا ان نستغرب هذا الموقف الامريكي والاوروبي المحير والمثير للريبة .. لأن هذه الدول الاستعمارية لا تزال تخوّف شعوب العالم من الاسلام ـ الارهاب ومن المسلمين الارهابيين.. فمنذ 11 ايلول 2001 م والولايات المتحدة الامريكية وحليفاتها في الاتحاد الاوروبي تحارب الاسلام علانية باعتباره إرهابا .. وشنت حروبا عنصرية بغيضة في المنطقة وفي افغانستان بدعوى مكافحة الارهاب !..وحتى المسلمون في الولايات المتحدة وفي الدول الاوروبية وبخاصة في بريطانيا وفرنسا والمانيا لم يسلموا من الهجمة العنصرية الكريهة عليهم ومطاردتهم واعتقالهم وتعذيبهم وتسفيرهم .
يقول البعض ان واشنطن قد اتفقت مع قادة الاخوان المسلمين قبل رياح الربيع العربي وخلاله على القبول بحكم الاخوان لعدد من الدول العربية مقابل دورهم في حماية المصالح الامريكية والأمن الاسرائيلي في المنطقة .. لذلك أيدت حكمهم في تونس وفي مصر وفي ليبيا وهاهي تدعمهم في حربهم ضد نظام الاسد في سوريا وتدعمهم في مصر .. والبعض الآخر يقول ان الادارات الامريكية ومنها ادارة اوباما قد اعتادت على نسج علاقات مع أطراف الصراعات والحروب في المنطقة بانتظار الطرف المنتصر حتى تعزز علاقاتها معه .
إنه النفاق الاستعماري البغيض الذي له مصالح دائمة وليس له اصدقاء او اعداء دائمون .. ان هذا التعاطف الامريكي والاوروبي الظاهري مع عهد الرئيس مرسي ليس حقيقيا أبدا .. فالاسلام سيظل عدوهم الاول .. وكذلك دعاة الاسلام .. لكن احيانا الظروف ومعطيات الواقع العنيد هي التي تضطر او تجبر هذه الدول الاستعمارية على التعامل مع اصحاب التوجهات الاسلامية .. والغريب في الأمر حقا ان الموقف الاسرائيلي من حكم الاسلاميين مختلف بل ومتناقض مع الموقف الامريكي والاوروبي .
فمثلا كبير معلقي صحيفة «اسرائيل اليوم « قال بالنص : سنبكي دما لأجيال إن سمحنا بفشل انقلاب السيسي .. ونتنياهو أبدى مخاوفه غير مرة من احتمالات اقتراب الارهاب ـ الاسلامي من حدود اسرائيل .. إن على المصريين في الحكم وفي المعارضة وفي الشوارع والميادين عدم الانخداع بهذه السياسة الاستعمارية الديماغوجية التي لا يهمها من امر المنطقة سوى الحفاظ على مصالحها ومصالح اسرائيل .. وعليهم نبذ العنف والعنف المضاد والتوجه للانضواء تحت راية مصر موحدي الصفوف وموحدي القوى والامكانات .. فالاختلاف في الراي يجب ان لا يثير الصراع .. ومصر المحروسة للجميع .. وتندحر جميع اشكال الخلافات امام هدف الحفاظ على امنها واستقرارها ومجدها وعزة شعبها العظيم ..
ابتسامتا مبارك والظواهري
رأي القدس العربي
مشهد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، وهو يتمتع بالحرية او يتابع وربما يسمع من غرفته في مستشفى المعادي العسكري اصوات العشرات الذين احتشدوا للترحيب به يوم الخميس، وربما شاهد مساء امس الالعاب النارية التي اطلقها ائتلاف ‘ابناء مبارك’، هذا المشهد كان كافيا لطرح تساؤلات حول جدوى ثورة 25 يناير، وانجازاتها بعد التضحيات التي قدمت للاطاحة به.
محاكمة الرئيس مبارك ستستأنف الاحد، حيث لا يزال يحاكم في ثلاث قضايا من بينها التواطؤ في مقتل متظاهرين قبيل سقوطه، وهي قضية سبق وان تقرر اخلاء سبيله فيها بسبب انقضاء المدة القانونية لحبسه احتياطيا (24 شهرا). وادت محاكمة أولى في حزيران/يونيو 2012 الى الحكم بالسجن المؤبد على الرئيس الاسبق على خلفية هذه القضية، لكن محكمة النقض امرت باعادة المحاكمة وقد بدأت المحاكمة الجديدة في 11 ايار/مايو.
وتم الافراج عن مبارك بعد الانتهاء من قضيتي هدايا الاهرام و’القصور الرئاسية’ اللتين كان يقضي فيها فترة حبس احتياطي.
ورغم احترامنا للقرار القضائي، الا ان الجانب الرمزي في المشهد في هذا الوقت يبقى فجا.
فقد ترافق اطلاق سراح مبارك من سجن طرة مع استقبال نفس السجن للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع ونائبيه خيرت الشاطر ورشاد بيومي واعضاء وقياديين بالجماعة اعتقلوا على ذمة تحقيقات ومحاكمة في قضايا اتهموا فيها بالتحريض على القتل (عدد المقبوض عليهم من جماعة الاخوان يتجاوز الالفي معتقل). وبينما اعتبر البعض المشهد مصادفة غير موفقة، رآه آخرون اجهاضا لثورة 25 يناير.
شهدت مصر بعد ثورة 25 يناير تغييرات وتحولات دراماتيكية للاحداث، ومن المشاهد التاريخية التي مرت خلال الواحد وثلاثين شهرا الماضية كان يوم الثالث من اب (اغسطس) 2011، يوم اعتقال ومحاكمة اول رئيس عربي، بينما اليوم يقبع معظم الذين تم انتخابهم بعد الثورة في السجن، واما الرئيس المعزول محمد مرسي فهو معتقل في مكان مجهول.
لكن التغيير الاكبر الذي شهدته هذه الفترة كان اعادة تقييم الاعداء والاصدقاء، ويبدو في هذه الايام، ان العدو الاول لحكام مصر الجدد اصبح حركة المقاومة الاسلامية حماس، بينما لم تعد اسرائيل عدوا، فعلى العكس من ذلك، ربما يسجل التاريخ، ان هذه المرحلة اهم مرحلة مرت للتنسيق بين الطرفين الاسرائيلي والمصري، خاصة بمواجهة الجهاديين في سيناء.
صورة هذه المرحلة تلخصت بابتسامة مبارك اثناء نقله يوم الخميس من السجن، ومن السخرية ان شخصا آخر نعتقد انه كان يبتسم في ذات الوقت في مخبئه على بعد الاف الكيلومترات في باكستان، انه زعيم ‘القاعدة’ ايمن الظواهري، الذي فاز الان بفرصة ذهبية لحشد الجهاديين في مصر.
وسبق للاخوان المسلمين نفي وجود اي صلة لهم بتنظيم ‘القاعدة’، كما ان التنظيم وزعيمه لم يتوانيا عن انتقاد الحركة وزعيمها والرئيس المعزول مرسي، الا ان عددا أكبر من المصريين سيكون بانتظار رسائل من الجماعات الجهادية ردا على ‘شيطنة’ الاخوان، وزجهم بالسجون.
عبد الفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ورمز المرحلة الجديدة، صرّح مؤخراً ان ‘مصر تتسع للجميع′، لكن المقصود بـ’الجميع′ على ما يبدو، عودة مبارك ونظامه السابق، فيما ‘تتسع′ السجون أكثر فأكثر لاستقبال قيادات الاخوان ومؤيديهم، وسيلحق بهم بعد قليل كل من يعارضون الدولة الأمنية التي كانت السبب الرئيس في قيام الثورة.
حلبجه والغوطة.. العقلية واحدة
حازم مبيضين-الرأي الأردنية
لم تكن الكآبة وحدها، ولا الغضب فقط، هما المُسيطران على غوطتي دمشق فجر الخميس، كان الموت يتجوّل بحُريّة مع نسمات الهواء، ليُفاجىء النائمين على خوف، ويترك خلفه أكثر من ألف قتيل، كانت صورهم مُرعبة، وإن لم تُثر مشاعر المُجتمع الدولي المُنشغل بمصالحه، والبحث عن فوائد ما يجري في بلاد الشام، فحرب النظام ضد شعبه قضت على «حماة الديار»، وأنهت قُدراتهم العسكريّة، ومزّقت النسيج الإجتماعي السوري، ورفعت حدّة التوترات الطائفيّة، ذلك أن طائفيّة النظام المُتخفية بثوب الممانعة والعلمانية، تواجه طائفيةً ظاهرةً وتطرفاً مُرعباً، ظهرت ملامحه في الطرف الآخر، ما يعني جرّ قوىً مطلوب إنهاكها، على مسرح السياسة الإقليميّة والدوليّة، كحزب الله من جهة، والتنظيمات التكفيريّة كالقاعدة من الجهة الأخرى، والنتيجة أنّ كُلّ الأعداء يضربون كلّ الأعداء بعيداً عن المس بإسرائيل وأمنها، وعن أيّ تهديد لآبار النفط وممراته.
تجلّى الرياء العالمي في «صدمة» بان كيمون، من التقارير حول الاستخدام «المزعوم» للسلاح الكيماوي، و»قلق» البيت الأبيض، صاحب خُزعبلات تجاوز الخطوط الحمر، مع عدم تأكده من حصول هجوم كيماوي، واعتبار موسكو هذه المجزرة مجرد «ادعاءات»، تُمثّل عملاً استفزازياً مخططاً له مسبقاً، وطلب باريس ولندن عقد اجتماع طارئ لمجلس الامن، وانتظار رئيس الفريق الدولي لمحققي الأسلحة الكيماوية، لقرار أممي لمتابعة الحدث المأساوي، البعيد عنه سفر عشر دقائق، مع أزمات السير الناجمة عن احتفالات الشبيحة بالنصر على أطفال الغوطتين، واكتفى العُربان سواءٌ في دول الربيع أو الخريف، بالدُعاء للقتلى بالرحمة والغفران، ومُطالبة المجتمع الدولي بمُمارسة مسؤولياته الأخلاقية، واكتفت جامعتهم العربية بالتنديد، أمّا الجماهير «الغفورة» فلزمت فضيلة الصمت، وظلّت تُحدّق ببلاهة في صور الشهداء ومدافنهم الجماعيّة.
فيما يمكن وصفه بالمباراة الوحشية، اتّهمت المعارضة كما هو متوقع النظام، وهو بدوره أنكر اللجوء للأسلحة الكيماوية، وشدّد على استمرار عملياته العسكريّة التقليديّة ضدّ التكفيريين، وعدد انتصاراته عليهم، وصدح أبواقه في الفضائيات بتهافت مثير للأسى، مُنكرين المجزرة، وإذ يبدو هذا الإنكار متوافقاً مع عقلية النظام السوري، فإن الاحتمالين الباقيين حول هوية مُرتكِب المجزرة، هما المعارضة أو الشيطان، وهنا تبدو المُقارنة واردةً بين حلبجة الكردية، التي قصفها صدام بالكيماوي، ولم يُواجه بغضب دولي يتناسب مع حجم جريمته، وبين غوطة دمشق، التي أُبيد فيها أطفال عرب بأسلحة عربية كيماوية، فنظام الأسد اليوم هو الطفل المُدلل لدولة كبرى، تماماً مثلما كان عليه حال صدام.
واليوم مع الاختلاط البذيء للنووي الإيراني بكيماوي الغوطة، واشتداد حمأة الحرب الطائفية، وضياع نداءات معارضي الأسد، بين ضعف سياسات واشنطن المتخاذلة، وتهافت موسكو على جني المكاسب، على حساب الدم السوري، نترك أحاديث السياسة، لنتوقّف عند الأحاسيس الإنسانية المفقودة تجاه مأساة السوريين، حيث لم يعد حتّى الدم قادراً على منح اللون لكرز الغوطة، وحيث يظل الياسمين فوّاحاً، لأنّ غاز السارين بدون رائحة، وحيث تصطف جثامين الأطفال القتلى، وسط إنكار النظام وتشكيك العالم، وغياب أيّ رد فعل عربي حقيقي، واستعادة حلبجة الكردية تحت أشجار الغوطتين. بالكيماوي يا بشار، بالكيماوي يا جربا، ليس مُهماً الفاعل، المُهم أنّ دمشق نُكبت بأطفالها، والعالم يتفرج، والشبّيحة يتبادلون أنخاب النصر، ولكن على من؟ سؤال لاإجابة عليه.
الأردن والأزمة السورية ...
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ثمة فيض من التقارير والمعلومات المتداولة في الصحافة والدبلوماسية الغربية، التي تتناول الموقف الأردني من الأزمة السورية، تلتقي غالبيتها، إن لم نقل جميعها، حول النقاط التالية: (1) الأردن بات أكثر اقتراباً (تماهياً) من المقاربة السعودية لهذه الأزمة ... (2) دخول أسلحة نوعية للمعارضة، ممولة سعودياً ومدعومة بضوء أخضر أمريكي، إلى سوريا عبر الحدود الأردنية ... (3) تدريب عدة آلاف من المتطوعين من الجنود المنشقين وأبناء العشائر المتطوعين في الأردن، وإرسال مئات منهم إلى سوريا ... (4) وجود غرفة عمليات مشتركة تضم مسؤولين أردنيين وأمريكيين وإماراتيين وسوريين (معارضة) على الأرض الأردنية، تدير هذا الملف وتشرف عليه مباشرة، وثمة تقارير تفصيلية تتحدث عن أسماء وأعداد وأرقام.
في المقابل، لا يوجد أي تعقيب أو توضيح رسميين لكل هذا الذي يجري تداوله من معلومات، لكن “النبرة” التي تطبع حديث المسؤولين ، تشي بأن تغييراً جوهرياً قد طرأ على المقاربة الأردنية الحذرة للملف السوري، وابتعاداً نسبياً، أو بالأحرى جوهرياً، عن سياسة “النأي بالنفس” ... مثال ذلك حديث رئيس الحكومة عن استعداد لاحتمالات اندلاع حرب كيماوية شمالاً، وتسريبات لمسؤولين عن استعدادات لتجهيز البنية التحتية لـ”المنطقة الآمنة” في جنوب سوريا، وما قد يمليه ذلك، من إعلانها منطقة “حظر طيران” في خطوة لاحقة. بعيداً عن تسريبات الصحافة و”همسات” الدبلوماسيين الأجانب، خرج وزير الخارجية السورية وليد المعلم قبل أيام، وفي حديث لكوادر إعلامية وحزبية وسياسية سورية، للتحذير من وجود محاولات لفتح “الجبهة الأردنية” في الحرب على سوريا، بعد أن تعثر مسار الجبهة التركية، واستعداداً لاحتمالات انسدادها في ضوء تفاقم مشكلات أردوغان وحكومته، وتعقد المشهد السوري في شمال سوريا وشرقها ... فيما المصادر العسكرية السورية، تتحدث عن وجود خمسة فرق عسكرية سورية منتشرة في المنطقة الممتدة من الحدود مع الأردن إلى جنوب دمشق، والتي لا تتعدى التسعين كيلومتراً، وتعد خاصرة رخوة في معركة العاصمة.
نحن إذن، بإزاء ما يشبه “إجماع المصادر” حيال ما يجري على الجبهة الشمالية وفي جنوب سوريا، وهو إجماع تؤكده ارتفاع حرارة الجبهات في درعا ومن حولها وفي أريافها، ودخول سلاح متطور إلى ميادين القتال فيها، بعد أشهر قليلة من نجاح قوات النظام، في إحكام سيطرتها على معظم هذه المناطق، وإعادة فتح طريق عمان – دمشق.
في ظني، أن تطورات كهذه، توجب علينا إعادة تعريف “المصالح الأردنية” في سوريا، وكيف يمكن صونها وتعظيمها في ضوء التطورات المتسارعة على الأرض، وفي مواقف الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، والأهم في ضوء ما يشاع عن تغير من موقف الأردن وموقعه من هذه التطورات.
وأحسب أن المصلحة الأردنية العظمى في سوريا، إنما تتمثل في حفظ وحدة سوريا وتماسكها، دولة ومجتمع، وصون مؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية ومنع انهيارها وتفتتها، والحيلولة دون انزلاق سوريا لحرب أهلية مديدة وفوضى شاملة، وقطع الطريق على محاولات تحويلها إلى ملاذ آمن ودائم للجماعات الجهادية، وضمان عدم وقوع الحكم فيها في أيدي الجماعات الإسلامية، بمن فيها الإخوان المسلمين، الذين لم يعد النظام الأردني، يرى فيهم حليفاً أو مشروع حليف.
وإذا كان تحقيق هدف/ مصلحة كهذه، أمراً يتخطى قدرات الأردن وطاقاته، فإن من باب أولى أن ترتكز الاهتمامات الأردنية على منع تحوّل جنوب سوريا إلى “أنبار ثانية” تتهدد أمن الأردن واستقرارها، كما حصل في الأعوام 2005 – 2008 في غرب العراق، حين اتخذت القاعدة بزعامة الزرقاوي من “الأنبار الأولى”، قاعدة انطلاق لضرب الأردن في قلبه وصميمه.
في العراق، كانت “الصحوات العشائرية” أداة الأردن والغرب (الولايات المتحدة) لمطاردة القاعدة واستئصالها من ملاذها الآمن ... أما في جنوب سوريا، فإن وحدات المتطوعين في “الجيش الحر” وبعض أبناء العشائر السورية من غير أصحاب الخلفيات الإسلامية، هم “فرس الرهان” لتحقيق هذه المهمة.
لا يستطيع الأردن الذي يعوّل كثيراً (عن خطأ أو صواب) على علاقاته مع السعودية والإمارات والولايات المتحدة، أن يحمي مصالحه في جنوب سوريا بالتنسيق مع النظام في دمشق والتعاون معه، فكلفة هذا الخيار الذي يدعو البعض للأخذ به، صعبةٌ عليه ... ولا يستطيع الأردن من جهة ثانية أن يقف متفرجاً فيما “النصرة” وعشرات الكتائب المسلحة تتخذ من هذه المنطقة قاعدة وحصناً لوجودها ... ولا يستطيع الأردن من جهة ثالثة، أن يتساوق حتى نهاية المطاف، مع “الأجندة السورية” للسعودية وحلفائها فهي تصطدم بما نعتقده مصلحة أردنية عليا ... لذلك كله نرى “تغيراً جدياً” في وجهة السياسة والمقاربة الأردنيتين لم يصل بعد، إلى مستوى “الانجراف” إليها و”الانخراط النشط” فيها: الأردن يقترب من السعودية من دون أن يتماهى معها، يصطدم بالنظام السوري من دون أن يقطع “شعرة معاوية” مع دمشق، يولي اهتماماً بجنوب سوريا بخاصة، من منطلق اهتمامه بأمن عمان وإربد والزرقاء وليس بمصير دمشق وحلب ودير الزور ومن سيحكمها (كما تفعل السعودية)... وكل ذلك بانتظار أن ينقشع غبار المعارك الميدانية والدبلوماسية، وتتضح معالم الوجهة التي ستسلكها التطورات في سوريا، حرباً وسلماً، وتتضح معها، مصائر النظام والمعارضة ومصير سوريا والمنطقة برمتها.
وفي كل الأحوال، فإن من حق الأردنيين جميعاً، أن يخرج عليهم من داخل الحكومة، من يضع الأمور في نصابها، وأن يتقدم بـ “رواية أردنية” واضحة لما جرى ويجري، بعيداً عن “الرواية الوعظية” التي لا تغني ولا تسمن من جوع، حتى لا نظل نهباً لروايات الآخرين وقراءتهم، وحتى يتوقف “موسم هجرة المقالات والكتاب” الأردنيين إلى الصحافة اللبنانية والعربية.
الأردن وسط محيط ملتهب : تقدير موقف!
حسين الرواشدة-الدستور الأردنية
الحرائق التي تشتعل في المنطقة، تحتل اهتمامات الاردنيين وتشغلهم، فما يحدث في سوريا – بعد الكيماوي في الغوطة – يفتح الباب واسعا أمام سيناريو التدخل العسكري الخارجي، ويدفع الجميع الى انتظار “حرب” اقليمية لا أحد يعرف مساراتها ولا نتائجها، لكنها ستؤثر على المحيط كله، وما يحدث في مصر من حالة “انقسام” واحتقان يثير – ايضا – هواجس الاردنيين الذين فاجأتهم محاولات الأطراف السياسية الفاعلة “تقمص” هذا الانقسام والتعامل معه وكأنه مشكلة داخلية.. أضف لذلك حمى الانفجارات التي يشهدها لبنان، وهي بالتأكيد امتداد “لمخاضات” الصراع الدائر في سوريا، بعد أن اصبح حزب الله جزءاً من المعركة هناك.
السياق الآخر الذي تجري فيه اهتمامات الأردنيين فهو ما جرى من تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية على صعيد الشأن المحلي، وهذا بالطبع يشكل اولوية بالنسبة للاردنيين، فبعد أكثر من عامين ونصف ورغم تغيير خمس حكومات ما يزال ثمة احساس لدى معظم المواطنين بأن “احوالهم” لم تتغير، ولا يتعلق مثل هذا التشخيص – فقط – بالانقسام على مستوى القوى السياسية، أو “بالمعاندة” التي أصابت العملية السياسية وحشرتها في زاوية “الجمود” والرهانات غير الصحيحة، وانما – ايضا – بالانقسام على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، إذ أن المقررات الاقتصادية ساهمت بدرجة كبيرة في اثارة مخاوف وهواجس الناس، كما أن احداث العنف التي تصاعدت أثارت مخاوفهم ايضاً، واعتقد – هنا – ان اجتماع حالتي “الانقسام” على هذا المستويات العامة وتزامنها ايضا ولّد “مزاجاً” عاما من الاضطراب والارتباك والشعور بعدم اليقين، وافضى ايضاً الى حالة من “الجمود” والسكون والهدوء المغشوش، ومع انه من المفترض ان يبادر الفاعلون في ميدان السياسة الى استباق مآلات هذه الحالة بحلول ومعالجات واقعية تأخذ بعين الاعتبار الواقع المحلي واضطرابات المحيط، إلا أن الاكتفاء بالتشخيص السطحي والرهان على وهم “العافية” وعلى امكانية احتواء واستيعاب مثل هذه المخاوف والتعامل معها بمنطق الاستهانة أو بمنطق التأجيل أو بالتخويف من انعكاس احداث الاقليم على الداخل، لا يبدو انه سيمنحنا فرصة للتفكير العملي بالالتفات الى “ملفاتنا” الداخلية، ولا الى البحث الجاد عن وصفة “توافقية” تحسم الجدل حول القضايا المعلقة التي تجعل الناس “مطمئنين” الى صحة مساراتهم واختياراتهم وقدرتهم على الصمود ومواجهة الاستحقاقات الصعبة التي تلوح في الافق.
حتى الآن نجحت الدولة في مسألتين احداهما اقناع المواطن الاردني بأن الحفاظ على الامن والاستقرار هو الاولوية، وبأن عليه أن يتحمل العبء الاقتصادي والتدرج في الاصلاح السياسي و”التعقل” في فتح ملفات الفساد، لكي لا تتكرر لدينا نماذج “الصراعات” والتجارب التي مرّت بها بعض الدول المحيطة بنا، واستيعاب خطاب المعارضة – والاخوان تحديدا – وفي ادامة حالة من “التوازن” المؤقت بين المطالب والمقررات الرسمية ضمن اطار “الاسترضاء” أو “الردع” أو جدولة الحلول أو غيرها.
اخطأنا – بالطبع – في مواقع اخرى، واهمها ربط الاصلاح بما يحدث في الاقليم، وعدم ضبط “الايقاع” داخل المجتمع الذي تأثر بدعوات التحشيد واثارة اجواء الكراهية والانقسام، وقد استخدمت هذه احيانا ووظفت لاهداف سياسية لا تبدو “بريئة” كما اخطأت بعض أطراف المعارضة في “ادارة” الصراع السياسي، وفي تقدير الموقف وفي توقعاتها ورهاناتها على احداث الاقيلم، والاهم من ذلك كله في عدم قدرتها على ابراز “اجماع” وطني حول مشروع سياسي جاذب للاردنيين وملائم مع امكانيات البلد وحالته العامة.
الآن لا بد أن نفكر جدياً في مسألتين احداهما أن ما يحدث من حولنا يجب أن يدفعنا – كاضطرار لا كخيار – الى “التوافق” على صيغة للمشاركة، والى عدم “الاستثمار” في ازماتنا لأغراض سياسية خاصة، والى اعتبار “الاصلاح” الحقيقي أولوية تسبق كل “الملفات” الاخرى التي نراهن عليها، سواء أكانت فيما يحدث في مصر أو سوريا أو العراق – مع اهمية التعامل معها باستراتيجيات واضحة – أو فيما يتعلق بملف “فلسطين” وصراعنا مع اسرائيل.
أما المسألة الاخرى فهي أننا بحاجة قبل ذلك الى “ترطيب” الأجواء السياسية بحيث تتوقف عمليات الشحن الاعلامي لدى كافة الاطراف، ونبدأ بإجراء حوارات “استكشافية” لمعرفة ما يفكر به كل طرف، وتحديد معالم لخارطة طريق قابلة للتنفيذ على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.


رد مع اقتباس