النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 565

  1. #1

    اقلام واراء عربي 565

    اقلام واراء عربي 565
    5/12/2013

    في هذا الملــــف:

    1. جهود ملكية موصولة لدعم قضايا الأمة

    رأي الدستور

    1. ورقة الفيدرالية الكردية تخدم نظام الأسد

    رأي القدس

    1. شاعر حي الزلازل

    الشرق الاوسط / سمير عطا الله

    1. قيصرية روسية جديدة لم تغر العرب بعد

    دار الخليج / فيصل جلول

    1. الخليج لن يبقى ساكتا عن الاتفاق الأميركي ـ الإيراني!

    الشرق الاوسط / هدى الحسيني

    1. مفاتيح دمشق

    ج الحياة / زهير قصيباتي

    1. السودان: مشكلة دارفور وآفاق حلها

    ج القدس العربي / د. يوسف نور عوض

    1. الداخل والخارج في المخاض العربي

    ج دار الخليج / سليمان تقي الدين

    1. صعود التحالفات السياسية وانفراطها

    ج الحياة / سلطان العامر

    1. فعلناها يا سيد «مهاجراني»

    الشرق الاوسط / مشاري الذايدي

    1. من «ورَّطنا»؟!

    ج القبس / أنور جمعة

    1. مؤشرات أمريكية

    دار الخليج / محمد عبيد

    1. علي صالح أذكى من الأسد

    ج الحياة اللندنية / حسان حيدر

    1. «جنيف 2» مناورة أم مؤامرة.. وهل سيعقد أم لا؟!

    الشرق الاوسط / صالح القلاب

    1. الشعب يريد عودة النظام

    الشرق الاوسط / بكر عويضة





















    جهود ملكية موصولة لدعم قضايا الأمة
    رأي الدستور

    تأتي زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى بروكسل والمباحثات التي يجريها مع كبار المسؤولين البلجيك والأوروبيين، في نطاق جهود جلالته الموصولة لتعميق العلاقات الثنائية بين الأردن والدول الصديقة وفي مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي، لتحقيق النهوض المأمول في كافة المجالات والمضي قدماً بمسيرة الإصلاح، إلى جانب بحث القضايا الراهنة في المنطقة، بخاصة سبل تحقيق السلام وتطورات الأزمة السورية.

    وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة الى حرص جلالة الملك على وضع الدول الصديقة في صورة الرؤية الأردنية لحل الأزمة السورية والمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والعقبات التي تعترضها، في ضوء إصرار سلطة الاحتلال على استمرار المفاوضات، واستمرار تهويد القدس والأقصى، ورفض حكومة نتنياهو الاستجابة للنداءات الدولية بضرورة وقف هذا العدوان، والذي من شأنه نسف العملية السلمية من جذورها.

    لقد حذر جلالة الملك أكثر من مرة وآخرها في رسالته بيوم التضامن مع الشعب الفلسطيني من خطورة استمرار الاستيطان وتدنيس الأقصى، داعياً المجتمع الدولي لضرورة أن ينهض بواجباته وأن يقنع إسرائيل بوقف إجراءاتها الأحادية بخاصة الاستيطان، والذي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي والمعاهدات ذات الصلة، وفي مقدمتها معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر إجراء أية تغييرات ديمغرافية أو جغرافية في الأراضي المحتلة.

    إن استمرار الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وتهويد القدس والأقصى، كلها ستؤدي في النهاية الى فشل المفاوضات، والعودة بالصراع الى المربع الاول، وهو ما تتحمل نتائجه عصابات الاحتلال التي ترفض أن تخرج من عقلية القلعة، وتصرّ على استغلال المفاوضات لتكريس الأمر الواقع، وهذا ما تثبته الحقائق والوقائع على الأرض الفلسطينية، إذ تضاعف عدد المستوطنات والمستوطنين منذ اوسلو 1993 إلى اليوم، فبعد أن كان حوالي 240 ألف مستوطن أصبحوا اليوم في حدود 450 الفاً يعيثون في الأرض الفلسطينية فساداً وينشرون الموت والرعب في كل زاوية من زواياها، وقد امتهنوا اقتلاع الاشجار وحرق المساجد والاعتداء على المواطنين الأبرياء.

    من ناحية أخرى فإن جلالته حريص أيضا على وضع المسؤولين البلجيك والأوروبيين في صورة العبء الثقيل الذي يتحمله الأردن جراء تدفق اللاجئين السوريين الذين تجاوز عددهم 600 الف لاجئ وعدم وفاء المجتمع الدولي والمنظمات المعنية بالتزاماتها بدعم الأردن، وتقديم معونات مالية عاجلة تسهم بتمكينه من تقديم المساعدات الانسانية للاشقاء، وتسهم بتجاوز المحنة الثقيلة التي تثقل اقتصاده المرهق أصلا بأعباء اضافية تسهم بزيادة عجز الموازنة.

    مجمل القول: زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني الى بلجيكا ولقاءاته مع المسؤولين البلجيك والأوروبيين من شأنها أن تسهم بتمتين علاقات الأردن بالاتحاد الأوروبي وتضع المسؤولين الأوروبيين في صورة الأوضاع بالمنطقة, ورؤية الأردن لحل الأزمة السورية حلاً سياسياً بعد سقوط الحلول العسكرية والأمنية، وضرورة تدخل المجتمع الدولي لوقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف كسبيل وحيد لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ونزع فتيل الانفجار القادم.


    ورقة الفيدرالية الكردية تخدم نظام الأسد
    رأي القدس

    مطالبة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بطرح الفيدرالية في سوريا على طاولة المفاوضات في مؤتمر جنيف 2، المقرر عقده الشهر المقبل من شأنها زيادة تعقيد المفاوضات، التي من الضروري ان تركز على اسقاط النظام.

    فالاقتراح الذي يعتزم رئيس الحزب صالح مسلم طرحه على المجتمعين في المؤتمر بضرورة انشاء اقليم كردي مستقل في اطار سوريا يأتي في توقيت حرج، ويعيد خلط الاوراق سوريا واقليميا، ولن يخدم سوى الرئيس بشار الاسد.

    وقد ذهب الاتحاد الديمقراطي الكردي بعيدا في خططه للحكم الذاتي، حيث اعلن في تموز/يوليو الماضي عن تشكيل لجنة لاعداد دستور وقانون انتخابي لاقليم كردستان الذي سيقسم الى ثلاث محافظات تتمتع بحكم ذاتي، هي كوباني (وسط) وعفرين (غرب) والقامشلي (شرق)، وكانت احزاب كردية في شمال شرق سوريا اعلنت قبل ايام قيام ادارة محلية انتقالية لترسيخ وجودهم السياسي والجغرافي بعد تقدم ميداني في مواجهة المجموعات الجهادية التي تقاتل الاسد.

    مطالب اكراد سوريا التي تأتي بدعم مبدئي من اقليم كردستان العراق، مستغلة الحرب وحالة الفراغ السياسي، تثير تحفظات محلية واقليمية.

    فعلى الصعيد المحلي تعيش الثورة السورية فترة حرجة، وما زالت بحاجة لتكثيف جهود وتوحيد مطالب كافة القوى لتستطيع مواجهة خطط النظام السوري وآلته العسكرية المدعومة من قوات حزب الله وابو الفضل العباس. وفتح الباب امام مطالب الحكم الذاتي، لن يتم وقفه عند الاكراد بل سيتعداه سريعا للعلويين والدروز، وهو ما يعني تقسيم البلاد، كما ان تصريحات مسلم حول اعادة عرب موجودين بمنطقة الاكراد، جاء بهم حافظ الاسد قسرا الى كردستان اعتبارا من 1974 بهدف تعريب المنطقة، الى مناطقهم الاصلية تثير مخاوف من حملات قد يتعرض لها المواطنون العرب بالمنطقة، رغم انهم عاشوا سويا لعشرات السنين.

    وعلى المستوى الاقليمي تثير الانجازات التي حققها الاكراد على الارض في شمال سوريا، مخاوف تركيا التي بدأت بانشاء جدار على حدودها مع سوريا. وتركيا التي يقيم على اراضيها 56 بالمئة من الاكراد في العالم لن تسمح باقامة امر واقع على حدودها.

    الحديث الذي بدأ يتزايد عن منطقة كردستان الكبرى والتي تضم اضافة الى كردستان العراق، المناطق الكردية في كل من سوريا وتركيا وايران، من شأنه ان يثير حفيظة الدول العربية اضافة لتركيا، خاصة انه يترافق مع تدريب اكراد سوريين بمخيمات داخل اقليم كردستان، كما ان كردستان العراق استقبلت العديد من الاكراد الذين فروا من الجيش حيث تتم اعادة تأهيلهم استعدادا للمستقبل واستباقا لأي تطور في المنطقة.

    امام هذه المخاوف، والحديث عن طرح قضية الفدرالية، فان من شأن ذلك تعقيد مهمة المعارضة في جنيف 2، والتي من الضروري ان تنصب على موضوع مصير الرئيس بشار وصلاحيات الحكومة الانتقالية. اما مطالب الفدرالية وصورة الدولة في المستقبل فليس من الحكمة طرحها قبل تحقيق الثورة لاهدافها.

    في أي حال، هذه الورقة الكردية التي تخدم النظام، ومن المرجح ان يكون النظام هو الذي يحركها من خلال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، هي الخطة ‘ب’ لدى النظام في حال فشل مؤتمر جنيف 2 بتوفير حل سياسي يضمن بقاء النظام مع بعض الصلاحيات، ولكن النظام يعرف ان المفاوضات ستكون خاضعة للتفاهمات الامريكية ـ الروسية، وهذه لم تتطرق حتى الآن الى اي ترتيبات تغير الخريطة السورية بما في ذلك تسوية اوضاع الاكراد، وقد سبق لوفود كردية ان سمعت من الامريكيين والروس كلاما يفيد بأن المسألة الكردية يمكن تسويتها باطار الاتفاق السياسي الذي سيولد النظام الجديد على اساسه، سواء بصيغة حكم ذاتي او صيغة فيدرالية تشمل اكثر من منطقة.

    وبالتالي فان اللعب بهذه الورقة الآن يبقى مناورة من نظام الاسد لابتزاز القوى الدولية والمعارضة السورية على حد سواء.


    شاعر حي الزلازل
    الشرق الاوسط / سمير عطا الله

    لم يتقيد أحمد فؤاد نجم بشيء: لا بضوابط الشعر ولا بحدود النقد. عاش ظاهرة شعبية بكل المعاني: في كلامه. في نظمه. في ملبسه. في بيته. وباختصار، في كل حياته. يكتب ويعشق ويتزوج ويطلق، ولا يغير شيئا واحدا: جلابية ابن البلد وفقره. أدرك أحمد فؤاد نجم أنه إذا غير تفصيلا بسيطا في شخصيته، ضاعت برمتها. ترك نفسه كما أحبه الناس، يوم هاجم عبد الناصر ويوم هاجم السادات على السواء. فهو يكتب فقط لمصر: «مصر يا امّه يا بهية - يا أم طرحة وجلابية - هو رايح وانتي جايه». دخل السجن منشدا وخرج مغنيا. سماه الكاتب صلاح عيسى «شاعر تكدير الأمن العام». عرفه العالم بـ«الفاجومي» الذي لم يهادن أحدا، ولا قبل الانضمام إلى حزب أو تنظيم سياسي، مفضلا أن يبقى كما هو، ديكا يطلع الفجر على صياحه، في «حي الزلازل» أو السجن، أو في المقاهي الشعبية.

    آخر ما قرأت لأحمد فؤاد نجم، ولا أدري إن كان آخر ما وضع، القولية التالية:
    «كليوباترا.. انتحرت.
    قطز.. اتقتل.
    بيبرس.. قتل.
    المماليك.. اتدبحوا.
    شجرة الدر.. اتشبشبلها.
    العثمانيين.. قتلوا بعض.
    محمد علي.. خرّف.
    عباس حلمي الأول.. اتقتل في بنها.
    الخديوي إسماعيل.. اتنفى واتحبس.
    الخديوي عباس حلمي الثاني.. بريطانيا خلعته.
    الملك فاروق.. اتنفى.
    محمد نجيب.. اتذل.
    جمال عبد الناصر.. اتسمم.
    السادات.. اتقتل.
    مبارك.. مرمي في السجن.
    محمد مرسي.. اتخلع.
    حد تاني عايز يحكم مصر؟».

    كان أحمد فؤاد نجم ظاهرة من ظواهر مصر: شعبية واسعة النطاق مع أن شعره لا ينشر. وعندما غنى له الشيخ إمام، كانت الأغاني الأوسع انتشارا، من دون أن تسجل على أسطوانة أو أن توزع على شريط أو أن تذاع من إذاعة. كان مؤسسة إعلامية قائمة بذاتها من دون مدير أو سكرتير أو ضابط مواعيد. ابن بلد فقير يفرح أهل النخبة بالتقرب منه، ويخشى أهل السياسة الاقتراب منه خوف أن يعرف بوجودهم.

    مثل الساخر الآخر محمود السعدني، عاش أحمد فؤاد نجم يتحدث بمحبة عن شخص واحد هو ابنته. محزنا كان مقال علي سالم يوم الأربعاء عن قتل البنات في مصر. وأد البنات في الجاهلية كان أرحم بكثير.

    قيصرية روسية جديدة لم تغر العرب بعد
    دار الخليج / فيصل جلول

    قبل سنوات معدودة كانت أوكرانيا وجيورجيا تستأثران بعناوين الصحف العالمية بوصفهما البلدين الأكثر اضطراباً على حدود روسيا الاتحادية . وكان هذا الاضطراب يقدم بوصفه مخاضاً ديمقراطياً محموداً بعد سنين من "العسف السوفييتي"، بالمقابل كانت موسكو تنظر إلى ما يجري في البلدين وفي البلدان التي كانت تابعة لها بوصفه استهدافاً لها وتدخلاً غربياً مباشراً في حديقتها الخلفية وبما أن المخاض الروسي نفسه لم يكن قد استقر بعد على البوتينية ذات الملامح القيصرية الحديثة فقد صمت الروس وابتلعوا ما اعتبروه إهانة بانتظار ظروف أفضل .

    وكان رهانهم صائباً تماماً فقد ضعف الغرب جراء حروب بوش الغبية التي تسببت بأزمة الأسواق وبركود اقتصادي منهك وطويل الأمد، ومن هذا الضعف انطلقت إدارة بوتين تستعيد ليس فقط نفوذاً تاريخياً على حدودها المباشرة وإنما أيضاً دوراً أساسياً في الشرق الأوسط والعالم .

    ولا مبالغة في القول أن استراتيجية عزل روسيا وتطويقها بديمقراطيات مزعومة قد انتهت إلى فشل ذريع يمكن الوقوف على آخر مظاهره في القمة الأوروبية الأخيرة التي عقدت في ليتوانيا وضمت ممثلين عن 28 بلداً أوروبياً وست دول سوفييتية سابقة هي أوكرانيا ومولدافيا وجيورجيا وأذربيجان وأرمينيا وبيلوروسيا .

    وكان من المفترض أن توقع أوكرانيا خلال القمة اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي بيد أن الرئيس الأوكراني فيكتور لوكاتشنكو امتنع عن التوقيع بفعل ضغوط روسية، الأمر الذي اعتبره الأوروبيون إهانة وأعربوا عن رفضهم "للفيتو الروسي" ولنظرية "السيادة المحدودة" التي اعتمدتها موسكو السوفييتية في العام،1970 وتقضي بامتناع الدول التي تدور في الفلك السوفييتي عن توقيع اتفاقات دولية من دون مباركة الروس الذين أعطوا لأنفسهم الحق في فحص الاتفاقات المفترضة لمعرفة ما إذا كانت تتعارض مع مصالحهم .

    ويتعدى فائض النفوذ الروسي المستعاد حدود روسيا السابقة ففي يوم واحد أعلن بوتين أن بلاده ستطلق خمسة أقمار اصطناعية حربية، وفي اليوم الذي سبقه كانت طرفاً في تحديد موعد لمؤتمر جنيف حول الأزمة السورية، وعن نيته في حماية مسيحي الشرق الأوسط لا سيما أقباط مصر وكاثوليك سوريا، وفي أيام قليلة سابقة كانت طرفاً أساسياً في الاتفاق الغربي مع طهران حول الملف النووي الإيراني، وكانت أيضاً تعمل على حل مشكلتها المزمنة مع اليابان حيث لم يوقع البلدان اتفاق سلام منذ الحرب العالمية الثانية .
    وإذ نتحدث عن اليقظة البوتينية القيصرية فإننا لا نهمل بطبيعة الحال الموقع الروسي الاستراتيجي الذي ينطوي على حدود مع 18 دولة تجمع بين تخوم أوروبا واليابان والصين والهند والشرق الأوسط .

    وتتمتع روسيا بمساحة جغرافية أشبه بالقارة وتنطوي هذه المساحة على مصادر أولية استراتيجية كالغاز والنفط والمعادن المختلفة وهي تحتفظ بقوات مسلحة مليونية وبسلاح نووي استراتيجي فضلاً عن موقعها الدائم في مجلس الأمن وعلاقاتها الوثيقة بعدد كبير من دول العالم في مختلف القارات، لا سيما تلك التي تبحث عن شريك دولي لا يخضع للإملاءات الأمريكية .

    أما على الصعيد الداخلي الروسي الذي يحسب عادة في ضعف الدول وقوتها فالواضح أن المعارضة الداخلية تدور بمعظمها حول خيارات بوتين في الداخل والخارج وما تبقى من رموز "الديمقراطية الغربية" . يقتصر على مجموعات صغيرة معزولة تكاد النزعة الوطنية الروسية الجارفة أن تحيلها إلى خانة الارتباط المباشر بالأجنبي .

    يفضي ما سبق إلى خلاصة مفادها أن "قيصر" روسيا الجديد فلاديمير بوتين رفع بلاده خلال سنوات قليلة من الحضيض إلى مرتبة سامية على المسرح الدولي بل إلى لاعب أساسي في النظام العالمي المتعدد القطبية المرتقب . وبالتالي صار بوسع العرب الذين اضطروا زمناً طويلاً للخضوع لإملاءات القطب الاوحد ان يراهنوا على القطب الروسي العائد ولكن هذه المرة بلا أيديولوجية ماركسية وبلا نظام مركزي بيروقراطي وبلا أطماع جيوستراتيجية متوحشة؟

    الجواب عن السؤال بدأ جزئياً أو كلياً من طرف دول عربية أساسية، فمن المعروف أن سوريا حافظت على حلفها الاستراتيجي مع موسكو الممتد منذ الحرب الباردة وكان من الطبيعي أن تلعب روسيا دوراً مركزياً في الاتفاق حول الكيماوي السوري، وفي السياق أعلنت اليمن مراراً عن رغبتها في توثيق العلاقات مع الروس وقد زار موسكو مؤخراً الرئيس عبد ربه منصور هادي، أما مصر فقد أعلنت عن رغبتها في إقامة علاقات وثيقة على كل صعيد مع الروس من دون التخلي عن العلاقات مع الولايات المتحدة وتلك أيضاً حال الجزائر وتشذ ليبيا عن القاعدة في المغرب العربي بسبب اعتقاد الليبيين بأن موسكو كانت تقف على الضد من التدخل الأطلسي لإطاحة العقيد القذافي، وتبقى روسيا

    القطب الدولي الأبرز في دعمه ودفاعه عن القضية الفلسطينية .

    ويظل الاندفاع العربي نحو روسيا العائدة بقوة إلى المسرح الدولي محكوماً برد الفعل على التغيير الذي طرأ على سياسة واشنطن الشرق أوسطية ما يعني أن العرب مازالوا بعيدين تماماً عن رسم مستقبل للشراكة الجدية مع دولة لم تستعمر يوماً أراضيهم وكانت مصدرهم الأهم في السلاح والتنمية ومعينهم الأبرز على الساحة الدولية فضلاً عن كونها الجار الأقرب لهم .


    الخليج لن يبقى ساكتا عن الاتفاق الأميركي ـ الإيراني!
    الشرق الاوسط / هدى الحسيني

    اتفاق جنيف منح إيران شيئا لم تحصل عليه من قبل، وهو الحق في تخصيب اليورانيوم. لم يشمل، للتفاوض لاحقا، طموحات إيران للهيمنة الإقليمية أو التدخل في الشؤون الداخلية لدول كثيرة قريبة وبعيدة. إنه اتفاق يشبه تماما الاتفاق على نزع السلاح الكيماوي من سوريا. تلك الأسلحة لم تعد تستخدم، لكن القتل مستمر من جانب الطرفين.

    الاتفاق مع إيران أثار القلق العربي، وبالذات الخليجي، وبمعنى آخر الجانب السني، وقد لوحظ بعد التوقيع، الترحيب الذي أبداه الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى استقباله العاهل المغربي الملك محمد السادس، فبدا حسب مراقبين سياسيين تمسكا أميركيا بطرف سني عربي، كأنه يدعم الاتفاق فتسقط بذلك واشنطن ما يقال، إنها خانت الجانب العربي.

    هناك حاجة الآن إلى الكلام بصوت عال عن هذا الاتفاق وعن نوعية النظام الإيراني الذي لا يختصر فقط بسلاح نووي، لأنه إذا اعتمد الجانب العربي المتضرر مبدأ الصمت والانتظار ستنعكس الأمور عليه، فيظهر كأنه الطرف الشرير في المعادلة.

    لا يجب نسيان أن حكم محمود أحمدي نجاد «الصاخب» أوصل إلى هذا الاتفاق وإلى تهالك واشنطن على التقرب من طهران.

    على مدار عشر سنوات، أصدر مجلس الأمن ستة قرارات تتعلق بإيران وتحديها المجتمع الدولي، انمحت تماما باتصالات سرية بدأت قبل سنة ونصف السنة، أشرف عليها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.

    مواجهة الطرف الذي استشعر قلقا من اتفاقية تمت وراء ظهره رغم كل الوعود الأميركية، جاءت بتوجيهات من البيت الأبيض عبر كتّاب محسوبين عليه، بالهجوم على الخليج والسعودية، وقد تناسى البيت الأبيض أن منطقة الخليج العربي وفرت لأميركا قواعد عسكرية وزودتها بالنفط بأسعار مخفضة، كما وفرت لأميركا الهدوء في المنطقة لسنوات طويلة، وأصغت لأكثر من 30 عاما إلى دعم المواقف الأميركية من النظام الإيراني الذي لم يتردد في الانتقام من هذه الدول بوسائل كثيرة. وبعد الاتفاق، إذا بكتّاب مثل ديفيد إغناتيوس وفريد زكريا «يشيطنون» منطقة الخليج العربي، ويصفون علاقة أميركا بالخليج كالعلاقة مع الشيطان، متناسين أن «الشيطان الأكبر» بنظر الحليف الجديد هو أميركا. لم يتوقف هؤلاء أمام «جرأة» الإيرانيين، حيث إن علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الإيراني، قال مباشرة بعد الاتفاق: «أن تتكلم أميركا عن الأمن، فهذا تماما مثل العاهرة التي تقول ليس هناك من امرأة شريفة في البلاد. أميركا هي من أشعلت النار والفتن».

    في هذه المرحلة، على الطرف العربي أن يتعظ ويراقب كيف أن الإيرانيين لا يتوقفون عن تحدي الأميركيين، ويراقبوا أيضا الموقف الأميركي الذي يرد بأن المشكلة هي في دول الخليج العربية.

    انتقاد المواقف الأميركية ضروري، فرغم كل ما يقال تبقى الولايات المتحدة في حاجة إلى دول الخليج، وليس العكس.

    لننظر إلى ما حدث في مصر، في البدء وقف أوباما ضد الجيش، وأراد أن يبقى الإخوان المسلمون في السلطة، رغم تحذير وزير الدفاع تشاك هيغل ووزير الخارجية جون كيري من أن أميركا ستدفع غاليا ثمن هذا الموقف. وأخيرا، قبل توقيع الاتفاق مع إيران، قال كيري: «إن (الإخوان) اختطفوا الثورة المصرية». إن مصر قوة استراتيجية، ثم إن واشنطن لا تتحمل أن تستعيد روسيا مصر.

    أما بالنسبة إلى الخليج، فالمصالح الأميركية أبعد بكثير. والسياسة الأميركية تجاه السعودية والخليج التي كانت متناقضة خلال سنوات أوباما، تبقى قائمة على دعامتي الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، والمصالح الأميركية في السعودية بالذات يعود تاريخها إلى اللقاء الذي جمع الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي فرنكلين روزفلت فوق الطراد «يو إس إس كوينسي»، وهي مستمرة حتى اليوم رغم «تذبذب» الرئيس أوباما. ثم ما دامت هناك استثمارات أميركية بمليارات الدولارات في السعودية والخليج، وما دامت هناك دول صديقة مثل الهند تحتاج للنفط والغاز من الخليج، فإن أميركا مضطرة إلى الاهتمام بهذه المنطقة.

    وبالنسبة إلى القاعدة في البحرين، فإنها ضمن منظومة الأسطول السابع وقيادة المحيط الهادئ منذ 45 عاما، وهذا مهم للغاية. ولا تتحمل المؤسسة الأمنية في واشنطن أن تطلب البحرين من الأسطول المغادرة أو أن تقترح نقل القاعدة إلى إيران مثلا، ثم إن تركيز أوباما على آسيا غير ممكن من دون هذه القاعدة في البحرين غير التابعة للقيادة المركزية «سنتكوم» بل للـ«باكوم». لذلك، لا تستطيع واشنطن أن تدعم تغيير السلطة في البحرين، ومن غير الممكن أن يدعم رئيس أميركي تغييرا في الحكومة قد يؤدي إلى سلطة شيعية في دولة خليجية أخرى بعد العراق. وتجري القيادة العسكرية الأميركية توسعة للقاعدة بقيمة 500 مليون دولار للسماح للسفن الكبيرة بالرسو، وسينتهي العمل عام 2015. كيف تغامر المؤسسة العسكرية باستثمار هذا المبلغ إذا كان البيت الأبيض يريد إدارة ظهره لعلاقة قائمة منذ 65 عاما مع البحرين ذات الموقع الاستراتيجي؟

    حتى القاعدة في قطر تساعد أوباما في أفغانستان وباكستان. ويبدو أن الرئيس الأفغاني حميد كرزاي تعلم الدروس من إيران وقرر تحدي واشنطن. واشنطن تريد إبقاء 10 آلاف جندي أميركي في أفغانستان بعد الانسحاب عام 2014. كرزاي طالبها باعتذار. هو يقول إنها اعتذرت وهي تنفي، لكن المؤكد أنه اعتذر عن التوقيع على اتفاق يبقي القوات الأميركية، وأحال الأمر إلى العام المقبل رغم تهديد مسؤولة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس له خلال زيارتها الأسبوع الماضي إلى كابل. هو يطالب بشروط جديدة.

    إن أميركا لا تتحمل ضياع مصر والسعودية منها، إذ سيواجه أوباما ثورة داخلية. إن للعرب قوة، وليس كما يصورهم بعض الإعلام الأميركي بأنهم بائسون. إن شركات السلاح أو شركات النفط أو غيرها لا تتحمل خسارة طرف عربي.

    كل أميركي يعرف أن الرئيس أوباما يخطئ، من هنا على العرب ألا يتوقفوا عن كشف الوقائع، وبصوت عال. والسؤال الأهم المفروض طرحه هو عن الطرف الذي اختار أوباما أن يسلمه الشرق الأوسط؛ نظام ديني متطرف لا يحيد عن آيديولوجيته، يعمل على تحريض حركات انفصالية في كل دولة مجاورة، حاول اغتيال السفير السعودي في واشنطن، أقام علاقات مع دول في جنوب أميركا (الحديقة الخلفية لأميركا) ليثير قلق واشنطن. لم تتغير مواقف النظام الإيراني أو طرقه منذ انتصار الثورة، فهل مع هذا النظام تتحالف أميركا أوباما!

    كأن في مقال الكاتب الاميركي من اصول هندية فريد زكريا، غضبا بسبب ما تردد عن تقارب نووي سعودي - باكستاني، وهو مثل إغناتيوس، اتهما السعودية والخليج العربي بتحريك الفتنة المذهبية، وكأن إيران تتدخل لنشر العلمانية والديمقراطية والحرية في المنطقة. دولة يقول رئيسها حسن روحاني إنه لم يستطع إطلاق سراح السجناء السياسيين البارزين (حسين موسوي ومهدي كروبي) لأن الجناح المتشدد يرفض ذلك، ثم يقول إنه آت لإنقاذ الاقتصاد الإيراني وليس لتغيير آيديولوجية ذلك النظام. ثم كيف يمكن لنظام أنفق 200 مليار دولار حتى الآن على برنامجه النووي أن يوافق على تدميره.

    بعد الاتفاق وبعد التنازلات الأميركية، تستمر إيران في مهاجمة واشنطن يوميا، وقد لاحظنا ما قاله علاء الدين بوروجردي رئيس اللجنة الخارجية والأمنية في مجلس الشورى: «خرجنا أبطالا منتصرين وأعطينا الأميركيين درسا».

    يبدو أن الرئيس أوباما يريد إعادة العلاقات الجيدة مع إيران، ولا تهمه أي مسائل أخرى، لذلك على دول الخليج ألا تلتزم الصمت. فالكلام هنا مثل الأفعال. الكونغرس الأميركي لا يستطيع أن يقبل على عمل جذري إذا لم تكن هناك أصوات تطالب بذلك.

    هناك من يقول إن واشنطن تتطلع إلى علاقة استراتيجية مع طهران. هذا إذا حصل يستدعي تغيير النظام في إيران، ثم إذا كانت أميركا، بالاتفاق الأخير مع إيران، تعتقد أنها ستصل إلى السلام والاستقرار في المنطقة، فإن العكس قد يحصل. ويبدو أن الإدارة الأميركية لا تفهم الشرق الأوسط. لن تبقى دولة في المنطقة قابعة تتفرج والحبل يلتف حول عنقها، فسباق التسلح النووي قد بدأ، والسلام يبتعد، والفوضى ستكون سيدة الموقف.

    مفاتيح دمشق

    ج الحياة / زهير قصيباتي

    انشغال القوى الكبرى بمتابعة ملف تدمير الترسانة الكيماوية السورية، وترك مسار الصراع بين النظام في دمشق والمعارضين المسلحين منفلتاً بوتيرة القتل والتدمير، كراً وفرّاً، لا يوحيان بأن الروس والأميركيين خصوصاً يسعون بجدية للتحضير لمؤتمر «جنيف2». فقطبا المؤتمر، واشنطن وموسكو لا يمكن أن يراهنا على غلبة واضحة لواحد من طرفي الصراع في سورية، فيما الفترة الباقية حتى 22 كانون الثاني (يناير) تتآكل سريعاً، وأنباء القتال لا تقرّب مسرح المفاوضات.

    لا أحد يصغي، ولا أحد يستجيب، قال المبعوث الدولي- العربي الأخضر الإبراهيمي بعدما سئم التحذير من صومال كبير في سورية، يتنازعه «أمراء حرب»، إن لم يتفاوض السوريون على الحل السياسي. لم يمضِ يومان حتى عاجلت دمشق الإبراهيمي مجدداً بما يحبط آماله بسورية «جديدة ديموقراطية، تعددية غير طائفية».

    والحال أن محاولات النظام تتكرر في سعيه الى قصف مسرح المفاوضات في «جنيف2» الذي لا يريده إلا بشروطه، فيما هو المطالَب بالتنازل أمام مرحلة انتقالية، وبأن يقتنع بأن الثورة لم تكن إلا لتجريده من احتكار القرار على الأقل... واحتكار تقرير مصير السوريين.

    قبل «جنيف2»، حسمت دمشق مسبقاً نتيجة المفاوضات، لأن «الرئيس بشار الأسد هو قائد المرحلة الانتقالية... إذا وصلنا إليها». والوجه الآخر لهذا الإصرار، لا يعني عملياً سوى تخيير المعارضة بين الانتحار و... الانتحار، بعد كل الأثمان الفادحة التي دُفِعت من دماء السوريين، مدنيين ومسلحين معارضين، ومن أرواح الذين ينتمون الى مؤسسات الدولة وأجهزتها.

    لسان حال المعارضين سخرية من عبث النظام الذي ما زال يستقوي بالمظلة الروسية- الإيرانية وبحلفاء من العراق ولبنان. والسؤال هو بعد كل ما حصل خلال الثورة والحرب ومآسي المجازر والتهجير والنزوح، إلى أين سيقود الحكم البلد إن تُرِك له مجذاف مرحلة انتقالية إلى برّ سورية الديموقراطية؟.

    الأكيد أن طرح خيار من هذا النوع، لا يشي إلا بمسعى دؤوب لتخريب «جنيف2» قبل انطلاق قطار التفاوض فلا ينعقد إلا بحسم عسكري، فيما قبول موسكو رغبة النظام السوري ليس مضموناً، فكيف بقبول إدارة الرئيس باراك أوباما ترك حبل إملاء الشروط معلّقاً على ما يريده الأسد؟ وإن كان يشبه الخيال انصياع «الائتلاف الوطني»، فذاك يرجّح أيضاً فرضية إقدام دمشق على إحباط الجميع، كلما بدا أن احتمالات انعقاد «جنيف2» تتبلور على سكة توافق إقليمي. فالنظام يدرك أن غالبية المعارضين لا يمكنها النوم على حرير جنيف، لتصحو على «أشواك» انتصاره... وهذه لدى كثيرين منهم أمّ الكارثة.

    قصف آخر على جنيف، اعتماد وزير الإعلام السوري عمران الزعبي المندد بأوهام «تسليم مفاتيح دمشق»، لغة التصعيد في المعادلة الإقليمية، بل أقصى تصعيد للإيحاء بأن النظام ما زال قادراً على إملاء لائحة المشاركين في المؤتمر. وهو إذ يرفض حضور السعودية، يحبّذ مشاركة إيران التي ترفضها المعارضة.

    في التصعيد ذاته الذي يعود إلى الذروة، مؤشران: الأول يستبعد انعقاد المؤتمر في موعده، ما دامت لائحة المشاركين لم تُحسم، والثاني يطرح أكثر من سؤال حول الافتراق الظاهر بين ما تعلنه إيران عن نيتها فتح «صفحة جديدة» إقليمياً، خصوصاً مع السعودية، وبين ذهاب «حزب الله» بعيداً في انتقاده مواقف المملكة من الصراع في سورية. فهل هو توزيع أدوار بين إيران والحزب أم «صدمة» لدى حلفاء طهران ودمشق، أم هواجس خفية وراء كل الضجيج الاحتفالي بالاتفاق النووي بين إيران والغرب، وارتياح قيادة خامنئي- روحاني إلى بدء فصل التطبيع مع «الشيطان الأكبر»...؟ «الشيطان» الذي انتزع الأسنان الكيماوية السورية فأرضى إسرائيل، ونزع أي أمل لدى المعارضة بالرهان على دعم أميركي لتغيير النظام في دمشق، فأرضى حليفها الإيراني.

    حتى الآن، ما يثير الارتياب على طريق جنيف التي قد لا يصل إليها قطار التفاوض، هو تصفية حقوق الثورة كلما تآكلت قضاياها بفعل تفرّج الكبار، وكذلك نُذر مواجهة إقليمية مكشوفة أول مَنْ يتضرر منها لبنان المتأرجح على تخوم الحرب السورية... كلما نأى بنفسه، لفحه لهيب الفتنة، متواطئاً مع الخراب ومحنة اللاجئين الكبرى.



    السودان: مشكلة دارفور وآفاق حلها

    ج القدس العربي / د. يوسف نور عوض

    ربطت بيني وبين كثير من الإخوة من دارفور علاقة صداقة خلال وجودهم في العاصمة البريطانية لندن – وكانت تلك فترة لجوء الكثيرين منهم إلى بريطانيا – وحاولت من خلال تلك العلاقة أن أتفهم جوهر المشكلة في دارفور، غير أنني لم أتمكن من ذلك بصورة كاملة لأن حديث الأصدقاء كان يتركز دائما على تناول بعض عناصر المشكلة بعد تغليفها بالأسباب التي دعتهم إلى اللجوء، لكن فكرتين ظلتا تشدان انتباهي، الأولى قول الأصدقاء إن مشكلتهم هي من أجل المشاركة في السلطة، والثانية، قولهم إنهم يريدون لإقليمهم أن يشارك في ثروة البلاد ، وأثار ذلك بعض التساؤلات عندي، هل يحتاج هذان المطلبان إلى نزاع مسلح لتحقيقهما ؟

    فالمعروف لدي في تلك المرحلة هو أنه لم يكن هناك استبعاد لأهل دارفور من المشاركة في السلطة إذ كان كل فرد يستطيع الوصول إليها دون اعتراض، وأما بالنسبة للثروة فالحقيقة الأولى هي أن السودان بلد ظل يصنف حتى تلك المرحلة بأنه من البلدان الفقيرة، وبالتالي فإن ما يفيض من احتياج الأقاليم ليس كبيرا بحيث يصدر إلى أقاليم أخرى، ومع ذلك، فلا يمانع أي إقليم بمشاركة أي إقليم آخر في ما يفيض من ثروته ، غير أن تفاقم مشكلة دارفور من ناحية أخرى جعلني أرى أن الأمر يحتاج إلى شيء من العمق والبحث في تفاصيل الأحداث التي أدت إلى تفاقم تلك المشكلة ، ولا شك أن الدراسات في هذه القضية كثيرة جدا، لكني وقعت أخيرا على دراسة رفض صاحبها أن يعرف نفسه، على الرغم من أن دراسته تقدم تصورا واضحا لقضية دارفور، وذلك ما جعلني اتجه إلى استعراض بعض أجزائها في هذا المقال . .

    أكد صاحب هذه الدراسة في البداية على أن مساحة إقليم دارفور تعادل ثلث مساحة السودان بعد انفصال دولة الجنوب، وأما عدد سكانه فيبلغ نحو ربع سكان البلاد، ومعظم هؤلاء من المسلمين السنة الملتزمين بتعاليم الدين الإسلامي، وشكل سكان الإقليم القاعدة الأساسية التي ساعدت الإمام المهدي في ثورته على الحكم التركي في القرن التاسع عشر، ومن جانب آخر .فليس صحيحا أن الحركات العسكرية المعاصرة في دارفور كان سببها معارضة حكم الإنقاذ القائم لأن هذه الحركات بدأت في سبعينيات القرن الماضي وذلك قبل قيام حكم الإنقاذ الحالي، لكن الأمر ازداد تفاقما في عام ألفين وثلاثة وهو الوقت الذي أصبحت فيه قضية دارفور ذات بعد عالمي وأثارت كثيرا من التساؤلات يأتي في أولها، هل يريد إقليم دارفور الانفصال من الكيان السوداني الكبير أم هو مقيد بمطالب محددة؟ ويزداد هذا السؤال أهمية بعد انفصال جنوب السودان وظهور بعض القيادات التي تعتقد أن إقليم دارفور يمتلك من الإمكانات ما تؤهله لأن يكون دولة مستقلة، ومنها على سبيل المثال امتلاكه لثروات نفطية ومخزون من اليورانيوم، ومن جانب آخر ذهبت الدراسة إلى أن ترويج الغربيين إلى أن مساحة إقليم دارفور تبلغ مساحة فرنسا أعطى إحساسا في داخل السودان بأن الغربيين يشجعون سكان الإقليم على الانفصال وإقامة دولتهم المستقلة.

    وترى هذه الدراسة أن طبيعة القبائل التي تسكن إقليم دارفور تثير غير قليل من القلق، إذ على الرغم من أن معظم هذه القبائل من المسلمين فإن هناك اختلافات بينها بسبب اختلاف الأعراق والمصالح الاقتصادية، ذلك أن نسبة كبيرة من سكان الإقليم ينتمون إلى الأصول الأفريقية بينما تنتمي نسبة أخرى إلى الأصول العربية وهي تمارس حياة الرعي والتنقل بحسب المواسم.

    كذلك تركز الدراسة على أن إقليم دارفور لم يكن في الأساس جزءا من الكيان السوداني وجاء ضمه بواسطة الإنكليز في عام 1917وذلك ما قد يشجع الحركات الانفصالية للسير في طريقها، إذا لم تكن هناك حلول عملية للمشاكل التي يعاني منها الإقليم في علاقته مع الدولة الموحدة .

    وتركز هذه الدراسة على أن هناك تدخلات غربية وصهيونية في إقليم دارفور خاصة من جهة فرنسا وإسرائيل، إذ تريد فرنسا ضم الإقليم إلى الحزام الفرانكفوني، كما تستهدف إسرائيل إضعاف دولة السودان . وظهر ذلك من خلال استضافتها لبعض الزعماء من الإقليم.

    ولا تعفى الدراسة حكومات السودان المتعاقبة من إهمال إقليم دارفور، خاصة مع التركيز على مشكلة الجنوب وقصور برامج التنمية في الإقليم. وتذهب الدراسة إلى أن ضعف الجيش السوداني شجع عصابات ‘الجنجويد’ على النهب والسلب في المنطقة، وكانت حكومة السودان قد اتهمت بأنها هي التي تدعم هذه العصابات، غير أن الحكومة السودانية ظلت تنفي ذلك ويعتبر الكثيرون ذلك في الحالين من مظاهر الضعف، لأنه إذا كانت الحكومة هي التي تدعم عصابات الجنجويد حسب ما تسمى فمعنى ذلك أنها ليست قادرة على بسط الأمن بنفسها، وإذا كانت لا تدعمهم فإن ذلك دليل آخر على ضعفها بكونها غير قادرة على السيطرة على تلك الجماعات.

    وترى الدراسة أن حل مشكلة دارفور يكمن في تقديم مساعدات من العالمين العربي والإسلامي وأيضا تقديم البرامج التي تحدث حالة من القبول عند سكان الإقليم وتبعد عنهم الإحساس بالتهميش. ولا يتم ذلك إلا بفهم قضية السودان بصفة عامة، من أجل تقديم البرامج التي تطور إقليم دارفور وتجعله بعيدا عن القلاقل.

    ولا بد من أجل تحقيق هذا النوع من التقدم أن يحدث تحول في الرؤية سواء كان ذلك من جانب الجبهة الثورية أو من جانب الحكومة، لأن الأمر لا يحتاج إلى التقاتل بين الجانبين بل يحتاج إلى التفاهم، فمن جانب الجبهة الثورية يجب أن يكون هناك تفهم على أنها غير مكلفة بمواجهة الحكومة السودانية بالإنابة عن الشعب السوداني، كما أن المواجهة العسكرية لنظام الحكم لا تخدم غرضا، ذلك أنه حتى لو تمكنت الجبهة الثورية من تحقيق أهدافها فإن السؤال الذي سيظل قائما هو ما البديل؟ هل البديل هو سيطرة مجموعات مسلحة على نظام الحكم في السودان؟ وإذا تحقق ذلك فما التحول الذي يمكن أن تحققه مثل تلك السيطرة؟ ومن جانب الحكومة فلا معنى للدخول في مواجهات عسكرية مستمرة مع الحركات الخارجة على نظام الدولة والتي تطلق عليها الحكومة حركات حاملي السلاح، والأجدى من كل ذلك التوصل إلى تفاهم مع سائر الجهات المعارضة والمؤيدة انطلاقا من أن السودان بلد متعدد الأعراق والثقافات، ولا يتحقق ذلك إلا بالجلوس إلى مائدة واحدة تتحدث فيها جميع الاتجاهات بصراحة ووضوح ويتفق الجميع على أن المهم في جميع الأحوال هو إدراك أن الهدف ليس هو الوصول إلى الحكم أو النجاح في تمزيق السودان، بل الهدف هو الوصول إلى تفاهم يحقق لسائر الأقاليم تنميتها في إطار نظام وحدوي شامل، ذلك أن السودان كما قلت سابقا بلد تحكمه وحدة جغرافية وهي الوحدة التي شكلت الكيان السوداني القائم، ولا يقتصر ما قلته على الحركات المناهضة للحكومة وحدها بل يجب أن يكون هناك فهم من جانب الحكومة ذاتها بأن مشاكل السودان لا تحل بالسلاح وحده بل تحل بالتفاهم والوفاق، ذلك أن طبيعة السودان تفرض ذلك.

    والمهم في كل ما ذهبت إليه هو أن مشكلة دارفور ليست مشكلة عصية على الحل بل هي مشكلة تحتاج إلى وضوح في الرؤية، فإذا كانت القضية تتركز في المشاركة في الحكم وتقاسم الثروة فيجب أن يكون هذا الهدف واضحا وتقدم المقترحات من أجل كيفية تحقيقه، وإذا كان الهدف هو تحقيق نوع من الاستقلالية أو الانفصال فيجب أن تناقش السلبيات والإيجابيات في وقت واحد، ومن الخطأ أن تبنى التوجهات على أسس عرقية أو قبلية في وقت نرى فيه العالم الحديث يسعى من أجل التوحد تحت قيم الحضارة والتقدم بعيدا عن المناكفات العرقية والطائفية.

    الداخل والخارج في المخاض العربي
    ج دار الخليج / سليمان تقي الدين

    رسمت التسويات الدولية سقوفاً للصراعات الدائرة في المنطقة . فليس من طرف إقليمي يستطيع أن يتجاوز هذه السقوف . لكن التسويات الدولية مسار عام ووجهة وإطار لاحتواء النزاعات التي يمكن أن يستمر منها ما هو متعلق بشؤون البلدان الداخلية .
    لا شك أن التفاهمات الدولية وضعت هيكلاً للنظام الإقليمي الذي دخل في فوضى عارمة منذ عقد من الزمن . لم تعد هناك منظومة عربية واحدة ولا مؤسسة عربية جامعة، ولم ينشأ نظام "شرق أوسطي" على نحو ما بشرت به الإدارة الأمريكية . ولم ينشأ كذلك نظام "شرق أوسطي" بهوية إسلامية واحدة أو مشتركة كما حاولت بعض دول الإقليم النافذة السعي إليه .

    في مرحلة سابقة على الانتفاضات العربية استدارت تركيا نحو المنطقة بسياسة انفتاح وجدت أصداء إيجابية وفتحت أبواب التعاون معها وذهب البعض للقول: أن احتمال نشوء تعاون وتكامل بين مكونات المنطقة التاريخية الثلاث يمكن أن تتحقق . والقصد هنا: العرب والفرس والترك . وإن هذا الأمر إذا تحقق يشكل إنجازاً لشعوب المنطقة في ظل النزوع الدولي لإقامة منظومات إقليمية قوية . بل إن مثل هذا التعاون يشكل مدخلاً مهماً لمعالجة القضية الفلسطينية بما له من مكانة دولية، وبما يخلقه من بيئة عربية وإسلامية مستقرة، أساسها تشبيك المصالح والتنمية الاقتصادية، ما يساعد على ردم الهوة بين الأوضاع الاجتماعية في هذا الإقليم . لكن هذا المسار سرعان ما انتكس بقوة مع تقدم المشاريع الأيديولوجية وغلبة المصالح القومية وتظهيرها لدى إيران وتركيا .

    ومنذ ثلاث سنوات دخلنا في صراع حاد لاستقطاب النفوذ في العالم العربي وليس لصياغة تعاون على حل المشكلات . وأكثر من ذلك كله، بدا العالم العربي هو الطرف الذي تدور النزاعات على أرضه وبين مكوناته، فظل الطرف المهمّش في هذه المعادلة التي يحاول رسمها الأطراف الإقليميون والدوليون . وفي كل حال لم يبق مستقراً في العالم العربي إلاّ دول الخليج التي حافظت على قوتها، ولم يظهر بعد الانتفاضات العربية إلاّ دولة مصر تتجه رغم الأزمات إلى استعادة حيويتها في وجهة تعزز الموقف العربي . فإذا ما جاءت التسويات الدولية، لم يكن العرب قد حضروا بقوة بعد في المعادلة وهم على شعورهم بالضعف والإحباط .

    على المستوى الجيوسياسي وتوازنات القوى الإقليمية جرى اختراق المنظومة السياسية العربية والمجتمعات بكثافة من القوى الإقليمية، ووقعت خسائر عربية هائلة جراء الحروب الداخلية والأزمات يصعب تعويضها في مدى زمني قصير .

    فإذا نحن أحصينا المشهد في هذه اللحظة فهو بلا شك مشهد يبعث على القلق من تعاون إقليمي على حساب العرب . ولعل هناك دلائل على أن قطبين أساسيين، إيران وتركيا، أخذا بالتواصل من أجل التفاهم على قضايا مشتركة عملياً هي جزء من قضايا العرب أنفسهم في العراق وسوريا .

    لا مجال إذاً للتفاؤل على هذا المستوى من تشكيل إرادة عربية واحدة وفاعلة الآن للجلوس على مائدة التفاوض الدولي التي ستحاول التقدم في حل المشكلات الأخرى بعد حسم الملف الكيماوي والملف النووي واستبعاد الحرب .

    العنصر الإيجابي الذي يمكن الرهان عليه هو التعاون الخليجي المصري الذي يمكن أن ينعكس على المناخ العام . فإذا استطاعت مصر أن توقف النزف الاقتصادي وأن تعالج الموقف السياسي الداخلي بحيث توقف احتمالات
    اتساع العنف، فهي بذلك تضيف موقعها إلى أي دور عربي آخر .

    إن ما يحكى عن "سايكس- بيكو" جديد، أو عن "يالطا" جديدة من خلال تسوية "كيري-لافروف" ليس قدراً على المنطقة بالمعنى الذي يشاع عن اقتسام النفوذ وإهمال مصالح الشعوب العربية . لا شك أن المصالح الدولية تتأمن من خلال هذه الاتفاقات خاصة في النفط والغاز وطرق إمدادهما وفي التوازنات الأمنية الكبرى . لكن الحديث عن تشكيل أنظمة المنطقة وطريقة إدارة شؤونها ليست مجرد انعكاس لهذه التفاهمات وحدها . على الأقل لم يدخل العالم العربي في مرحلة خلق كيانات جديدة أو تفكيك الدول ولو أنه دخل في أزمات سياسية داخلية تحتاج إلى تسويات أو عقود وطنية تؤمن الاستقرار وتعيد صياغة الوحدة الوطنية لكل بلد . المسألة الآن هي في معالجة الشروخ الكبيرة التي وقعت داخل هذه الدول بفعل عدم استجابة الأنظمة لمطالب شعوبها . ومن الأسف أن التسلّطية السياسية لهذه الأنظمة اتخذت أشكالاً من الانقسام الأهلي عززته السياسات الإقليمية التي استثمرت على هذا الانقسام لتوسيع نفوذها وتدخلها في الشؤون العربية . فهل تبدأ معالجة الشؤون العربية من إيجاد تعاون هدفه وقف هذا المسار؟

    صعود التحالفات السياسية وانفراطها
    ج الحياة / سلطان العامر

    لماذا تتحالف دولة مع غيرها من الدول؟ ولماذا تتحالف هذه ضد البعض الآخر؟ تعتبر هذه من الأسئلة الكبرى في العلوم السياسية، أي ذلك النوع من الأسئلة الذي يحدد الإجابة عنه سلوك الدول وتوقعاتها وتقديرها للمواقف.

    في كـــتابه «أصول التحالف»، يقول ستيـــفن والتز إن الدول تتحالف، إما لتوازن سويـــة خطر يهددها جميعاً أو تتحالف مع الأقــــوى. لنفترض أن هناك دولة ما تستشعر أن دولــــة أخرى قوية، فهي إما أن تتحالف مع الـــدول الضعيفة المحيطة، لتشكل سويــــة قـــــوة رادعة لهذه الدولة القوية، أو أن تتحـالـــف مع هذه الدولة القوية، راضية بما يفرضــــه هذا التـــحالف من نفوذ لهذه الدولة، لاتقائها. عندما صعدت قوة ألمانيا النازية في أوروبـــا كــــان أمام بريطانيا خياران: إما أن تنشئ تحالفات مع الدول الأضعف المحيطة بها، لتوازن الخطر الألماني أو أن تتحالف مع ألمانيا، يقول تشرشل: «إن سياسة إنكلترا لأربعة قرون كانت مواجهة أكثر القوى قوة وعدوانية وهيمنة في القارة الأوروبية. لقد، كان وسيكون أمراً سهلاً ومغرياً التحالف مع القوى ومشاركته ثمار انتصاراته، إلا أننا دوماً نختار التحالف مع الأقل قوة»، لموازنة خطر هذه الدولة الأقوى. والسؤال الآن هو متى وكيف تختار الدول أي الطريقين للتحالف، فعلى سبيل المثال متى تختار دولة مثل إيران التحالف مع قوى صغيرة ودول أقل قوة، سورية، «حزب الله»، «حماس»... إلخ، لموازنة خطر قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية؟ ومتى تقرر الانضمام إلى معسكر هذه القوة وقابلة بما يمثله هذا الانضمام من شروط؟

    يضع والتز، ابن المدرسة الواقعية، أربعة محددات لمعرفة أي القرارات أكثر احتمالاً، وهذه المحددات تلعب دوراً في تحديد دولة مدى تهديد دولة أخرى لها. يأتي على رأس هذه المحددات القوة الكلية، عدد السكان والقدرات الصناعية والعسكرية ومدى التفوق التقني وحجم النمو الاقتصادي... إلخ. الدول القوية قد تكون خطراً تلجأ الدول الأخرى إلى التحالف سوية من أجل موازنتها، أو تكون حليفاً قوياً تتهافت الدول لكسب وده.

    بعد القوة الكلية يأتي محدد القرب الجغرافي، فقدرة الدول على ممارسة قوتها تتأثر ببعدها وقربها عن الموضع الذي تريد فيه ممارسة هذه القوة. ومن هنا يصبح تصور التهديد مختلفاً. فبرنامج كوريا الشمالية النووي قد يمثل تهديداً لكوريا الجنوبية، لكنه لا يمثل أي شيء يذكر بالنسبة إلى دول الخليج، وجزء من السر هنا هو الموقع الجغرافي.

    أما المحدد الثالث المرتبط بشدة المحددات السابقة، فهو القوة الهجومية أو قدرة دولة على شن هجوم على دولة أخرى من عدمها، فقدرة ألمانيا النازية الهجومية مثلت محفزاً قوياً لتحالف الدول من حولها ضدها، كما أنها أيضاً مثلت محفزاً لدول مثل إيطاليا للتحالف معها.

    آخر هذه المحددات هو النوايا العدائية، فكل ما بدت الدولة أنها ذات نوايا عدائية، كل ما كان هذا محفزاً لغيرها للتحالف ضدها، ولأن النوايا لا يمكن معرفتها، ولأنه لا يمكن التفريق بين الخطابات العدائية للاستهلاك الجماهيري وبين الخطابات العدائية الجادة، فإن تقديرات الدول لوجود نوايا عدائية لهذه الدولة أو تلك يختلف بشدة، وهذا الاختلاف يؤثر بشدة في قرارات التحالف مع أو ضد هذه الدولة، هل نوايا إيران عدائية؟ من يجيب عن هذا السؤال بـ «نعم» فهو سيعتبر كل خطواتها إما اكسب الوقت أو محاولة لمد النفوذ أو سعي إلى الهيمنة... إلخ، ومن يجيب عنه بـ «لا» فإنه سيجد فرصاً في كثير من المجالات لبناء تحالفات.

    وبناء على هذه المحددات السابقة، يقرر والتز مجموعة من التعميمات، كلما كانت الدولة ضعيفة كلما كان قدرها أن تنضم إلى قوى أكبر، لا أن تسعى إلى إنشاء تحالفات لموازنتها، ستلجأ الدول إلى الانضمام للدول القوية، إذا لم يكن هناك حليف متاح تستطيع أن توازن معه خطر هذه القوى... إلخ.

    إلا أن السياسة ليست فيزياء، والدول ليست أحجاراً، بل مثل أي شيء بشري آخر يخضع سلوكها لسياقات ثقافية وقيمية وأخلاقية وتاريخية، فبناء على افتراضات والتز الواقعية هذه، فإن أكثر التحالفات معقولية هو أن تتحالف إيران مع إسرائيل، فكلتاهما قويتان، وليستا متجاورتين، تتشاركان مع دول تمثل تهديدات متنوعة، وهذا ما كان عليه الأمر أيام الشاه، إلا أن ما نراه منذ الثورة الإيرانية أن هاتين الدولتين تنتميان إلى معسكرين متصارعين، كيف نفهم ذلك؟ السياق التاريخي والفضاء العام بوجدانه القيمي وأفكاره وهوياته هو من يحدد.

    وعلى رغم هذا العيب الجوهري في المدرسة الواقعية، إلا أن النصيحة الرئيسة التي تقدمها للدول ولا تفتأ تكررها وتذكر بها، هي التالي: لا توجد تحالفات دائمة، فمصر كانت حليفة للاتحاد السوفياتي ثم انتقلت إلى المعسكر الأميركي، وإيران كانت تعتبر يوماً شرطي الولايات المتحدة في المنطقة، والعراق خاض حرباً مع إيران، والآن هو حليف لها.

    لهذا، فإنه في الأزمنة الاستثنائية والتحولات الكبرى، أي في الأزمنة غير العادية، يصبح من غير الحكمة التصرف في شكل عادي، أو افتراض أن كل شيء سيكون على ما هو عليه. وإن كان الربيع العربي لم يغير كثيراً من توازنات القوى في المنطقة، إلا أن الأزمة السورية وتطورات المفاوضات الإيرانية - الغربية حول الملف النووي تجعل من زماننا هذا زماناً غير عادي. وبالتالي، تستلزم منا سلوكاً غير عادي.

    فعلناها يا سيد «مهاجراني»
    الشرق الاوسط / مشاري الذايدي

    الأستاذ عطاء الله مهاجراني، من أرقى المثقفين الإيرانيين الذين تشرفت بمعرفتهم، هو زميل لنا في هذه الجريدة، ومقالاته تتسم ببهاء المعاني ورشاقة المباني.

    كتب في الجريدة مؤخرا، مقالة مميزة حول العلاقات السعودية الإيرانية، قيمة كلام الأستاذ مهاجراني تأتي - مع اعتبار وعيه الرصين - من كونه مسؤولا سابقا في الجمهورية الإسلامية، فقد كان وزيرا للثقافة.

    خلاصة ما ذكره مهاجراني هو أنه لا مناص من تقارب سعودي إيراني لحل مشكلات المنطقة، وأن هذا التقارب هو مفتاح الحل للمشكلات كلها، وأن ثمة تاريخ ثقة يمكن البناء عليه. هو ركز - عن حق - على جهود الرئيس السابق رفسنجاني، فهو «أيقونة» التودد مع السعودية، خاصة مع خادم الحرمين الملك عبد الله، منذ اللقاء الشهير في قمة السنغال الإسلامية، حين كان الملك عبد الله وليا للعهد، ثم استمرار هذه العلاقة الودية متوجة بقمة طهران 1997 التي دعمتها السعودية.

    الملك عبد الله ردّ التحية بأحسن منها، وبادر إلى تعميق هذه العلاقات مع إيران، رغم الخلاف بين سياسات السعودية وسياسات إيران الثورية، والتي كان من مظاهرها، لا مظهرها الوحيد، الحرب العراقية الإيرانية.

    1998 استقبلت السعودية هاشمي رفسنجاني، وعائلته لأداء العمرة والزيارة، وكان وعائلته موضع ضيافة خاصة من الملك عبد الله، وحين تهور خطيب بالإساءة للطائفة الشيعية أمام رفسنجاني، عوقب فورا بالإيقاف. وكان نهج الملك عبد الله هو فتح الحوار على المستوى المذهبي بين الشيعة والسنة، وعلى المستوى السياسي مع إيران.

    ليست السعودية، وتحديدا الملك عبد الله، السبب في الانصراف عن إيران والشك بها، بل سياسات إيران نفسها وذيولها في المنطقة.

    على ذكر حزب الله اللبناني فقد انفلتت أعصاب أمينه حسن نصر الله قبل أيام وهاجم السعودية بضراوة، تبخّرت دبلوماسيته المعتادة، لكن الجميل أن نصر الله قال في لحظة «كشف صوفي» كما جاء في قناة «أو تي في» اللبنانية: «مشكلة السعودة مع إيران لست مذهبة». يقصد أنها مشكلة سياسية وصراع مصالح. وهذا بالضبط ما يجب أن يحصر النقاش فيه، المشكلة في الدنيا لا في الدين، لكن رهط نصر الله في كل مكان يعطون الخلاف طابعا دينيا، ومثلهم في الضفة السنية، لتترسخ المشكلة عميقا. دول خليجية رحبت بـ«رائحة» التحول الإيراني مع روحاني، والكل يتحدث عن السعودية، من نبيه بري إلى ظريف إلى نصر الله. ولكن ما من سؤال عن ملفات الخلاف الحقيقية حول سوريا والعراق واليمن ولبنان والبحرين؟

    الخلاف حقيقي وعميق، لكن ما من شيء غير قابل للتفاوض، بشرط «سلامة النوايا» كما قالت السعودية.

    المشكلة فيما «لا» يقال وليس فيما يقال!

    من «ورَّطنا»؟!
    ج القبس / أنور جمعة

    حكومتنا «الرشيدة» قدّمت خطة تنموية تشير الى أننا مقبلون على خطر مالي حقيقي بحلول عام 2030. هذه المرة حكومتنا صادقة، وأي «عليمي» في الاقتصاد يستطيع إدراك هذه الحقيقة، فقليل من البعد السياسي الاقليمي على «شوية» عمليات حسابية بسيطة للعرض والطلب النفطي العالمي على «شوية» مقارنات لأسعار النفط المنشورة، يُطرح جميع ما سبق من اجمالي الإنفاق العام للبلد، مع احتساب الزيادة العالمية الطردية.. «ما يبيلها ذكاء نادر»، فجميع طلاب الجامعات والمعاهد قادرون على «تبشيرنا» بأننا مقبلون على إفلاس وكارثه مالية في السنوات القليلة المقبلة.

    هنا سؤال مستحق: من المسؤول عن هذه الكارثة؟! ولنُرجع الأمور الى نصابها، أي: من المسؤول عن السياسة الاقتصادية في الدولة، وعن سياسة الإنفاق العام، وعن إيجاد فرص الاستثمار والبدائل الاقتصادية، والاستغلال الأمثل لموارد الدولة، والنمو الاقتصادي وتعظيم الوفر المالي وعدم استهلاك وإهلاك الاحتياطي؟ بموجب الدستور كل هذه الامور وغيرها من سياسات اقتصادية، الحكومة هي مسؤولة عنها، وبالتالي هي المسؤولة عن أي اخفاق اقتصادي أو تراجع مالي، ومن حقنا أن نتهمها بأنها السبب في ضياع أموال البلد وثرواته. هي التي تملك قوة وصلاحية إصدار التوجهات والقرارات، وأهمها تعيينات المسؤولين عن هذه الاجهزة المالية الحساسة وعن قراراتهم تجاه سياسات الصرف والإنفاق.

    التعذر بأن مجلس الأمة «تأزيمي» ويعيق عمل الحكومة بات أسطوانة مستهلكة كثيراً. فمَن يقبل بالمسؤولية فعليه أن يتحملها كاملة، فالوظيفة العامة ليست ترفا أو مشروعا تجاريا، يستغله بعض المسؤولين، بل هي صك أمانة تُؤدى بصدق واحترام ومهنية. نعلم أن للوزير حقوقاً ومزايا، ونعلم - كذلك - أن عليه واجبات، ومن حق النائب - مثلاً - أن يراقب أداءه، فهو - كذلك - عليه واجبات شعبية، كما من حق الصحافة ومؤسسات المجتمع المدني المشاركة في هذه الرقابة وفق دورها المهني. مشكلتنا منذ الأزل انه ليس لدينا مجلس وزراء بالمفهوم «العلمي»، لدينا مجلس يتم اختياره لاستكمال الشكل المنصوص عليه في الدستور، والجميع يعلمون أن الوزارة باتت ربما مشروعا تجاريا صرفا، حيث أغلب من يتوزرون يستنفعون وينفِّعون مَن حولهم، لذلك يتم أحياناً الحرص على أن تختار هذه «المجموعة» وفق نظام المحاصصة العائلية والقبلية والطائفية، وأحياناً الحزبية، وذلك لضمان أكبر قدر من التضامن مع الحكومة، حيث ينعكس ذلك بشكل واضح على سلوك الوزراء وأدائهم داخل مجلس الوزراء، الذين يتسمون - من دون تعميم - بأنهم «بصّامة».
    ***

    تفاعل بعض النواب بعد نشر الصحف تقارير ديوان المحاسبة المعنية بتجاوزات الوزارات المالية والادارية «يغث». البعض قد يصدقون نحيبهم على المال المسكوب! وهنا نذكر انه سنوياً تقوم الصحف بنشر هذه التجاوزات، وللعلم %99.9 من هذه التجاوزات مكررة، وأغلب نواب اليوم هم نواب سابقون، أي مرت هذه التجاوزات على مسامعهم ومشاهدهم مراتٍ ومراتٍ!

    النواب شركاء في وجود وبقاء واستمرار هذه التجاوزات وغيرها، وما هذا الا لــ «تبريد» صمتهم وتقاعسهم تجاه الحق والواجب.

    مؤشرات أمريكية
    دار الخليج / محمد عبيد

    استطلاع أخير للرأي في صفوف الأمريكيين كشف واقعاً لم يتكرر منذ رئاسة جورج بوش الابن، حين رأت أغلبية من المستطلعة آراؤهم أن بلادهم تفقد من نفوذها، وأكدت أغلبية أخرى أن على الولايات المتحدة الاهتمام بشؤونها على المستوى الدولي، ما يعني بكلمات أخرى أن هناك شعوراً بدأ يعم في أوساط الأمريكيين بضرورة تغيير النهج، ووقف السياسات الخارجية التي قللت، حسب وجهة نظرهم على الأقل، من احترام بلادهم في العالم .

    الاستطلاع الذي أجراه معهد "بيو" للأبحاث وشمل أكثر من ألفي شخص، في الفترة بين 30 أكتوبر و6 نوفمبر الماضيين، أن 53% من الأمريكيين رأت في سابقة هي الأولى خلال أربعين عاماً أن بلادهم تفقد من نفوذها وتمارس سلطة أقل مما كانت عليه قبل عقد من الزمان، في العالم، وأنه يجدر بالولايات المتحدة "الاهتمام بشؤونها" على الصعيد الدولي، كما أن 70% من المستطلعين اعتبروا أن قدر الاحترام للولايات المتحدة في العالم تراجع ووصل إلى مستويات مماثلة لما كان عليه في نهاية ولاية جورج بوش الثانية .

    ونسبة المعارضين لسياسة الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة باراك أوباما، تبدو أكثر تعبيراً من غيرها، على حجم الانتقادات التي تطال سياستها الخارجية، إذ يعارضها 56% مقابل 34% يؤيدونها، كما أن 52% من الأمريكيين يعتبرون أن على بلادهم الاهتمام بشؤونها الخاصة على الصعيد الدولي، وترك الدول الأخرى تحاول تدبر أمورها، ما يعني نزعة معروفة إلى الانعزال في صفوف المجتمع الأمريكي، وهذا له ما يدعمه، خصوصاً أن الاستطلاع ذاته وجد أن 51% من الأمريكيين يعتبرون بصورة عامة أن المسائل المحلية ولا سيما الاقتصاد ينبغي أن تشكل الأولوية الرئيسية للإدارة الحالية .

    الأرقام التي وصل إليها الاستطلاع تؤكد الكثير من التحليلات التي كانت مجرد توقعات وتحولت مع الزمن إلى وقائع، فكثيرون من رأوا أن الانخراط الأمريكي الكامل في شؤون العالم من دون إيجاد صيغة سياسة خارجية أكثر توازناً سيؤثر في صورة هذه القوة العظمى سلبياً، وقد يؤثر كذلك في هيبتها ونفوذها، خصوصاً إن تكاثرت الجهات المعادية لنهجها أو سياستها في أكثر من قضية عالمية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن غطرسة القوة والهيمنة التي تغطي أعين الساسة الأمريكيين في إداراتهم المتعاقبة أيا كان لونها السياسي، يلتفتون بإمعان إلى مثل هذه التوجهات التي أخذت تتعاظم رداً على سياساتهم المحسوبة والمحسومة لمصلحة أطراف معلومة سلفاً، وفي كثير من الملفات شديدة الحساسية التي تتطلب قدراً كبيراً من الحياد الإيجابي .

    الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، بالغت في تقدير وضع القوة والنفوذ الأمريكيين في العالم، وغرقت أكثر وأكثر في صراعات كانت في غنى عن التدخل فيها، أو على الأقل كانت قادرة على لعب دور في إدارتها وحل أزماتها، بدل أن تكون طرفاً فيها .

    أكبر الأمثلة مسيرة التسوية، والقضية الفلسطينية، التي غرقت الإدارة الأمريكية في انحيازها للمحتل على حساب صاحب الحق فيها، فلم تدر صراعاً ولم تحلّ أزمة .


    علي صالح أذكى من الأسد
    ج الحياة اللندنية / حسان حيدر

    مع اقتراب الموعد المحدد لمؤتمر «جنيف -2»، اذا سمحت الظروف بعقده، يأتي إعلان الأمم المتحدة عن امتلاكها أدلة حازمة وكثيرة على تورط مسؤولين حكوميين سوريين وبينهم رئيس الدولة بشار الاسد في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ليطرح سؤالاً عما اذا كان هذا الاتهام يزيد الأمور تعقيداً على تعقيد، ام انه يمثل ربما اشارة الى اقتراب تطبيق الحل اليمني في سورية؟

    فالعقبة الأولى امام انعقاد المؤتمر هي تأكيد الحكم في دمشق انه سيذهب الى جنيف ولكن ليس لتسليم السلطة، بل للتفاوض مع معارضة تكون مقبولة منه، من دون ان يوضح على ماذا يريد ان يتفاوض، ومشدداً على ان الاسد سيبقى رئيساً يقود المرحلة الانتقالية ويترشح مجدداً الى الرئاسة في نهايتها. اما المعارضة فتعلن انها ستذهب الى المؤتمر للاتفاق على تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات ليس للاسد ولا للمقربين منه دور فيها.

    فماذا يعني الاتهام الأممي الجديد للرئيس السوري ودائرته الضيقة في اطار هذا التباعد الكبير في المواقف؟

    لا شك في انه يشكل رداً مباشراً على تعنت حاكم دمشق وتمسكه بنظامه، وكأن الحرب الاهلية – الطائفية لم تقع، ولم يسقط اكثر من 130 الف قتيل ومئات آلاف الجرحى في اكثر التقديرات تفاؤلاً، ولم يتهجر ملايين السوريين، ولم تتفتت سورية وتتقسم عملياً الى مناطق نفوذ واحتراب، ولم يقارب الاقتصاد السوري حد الانهيار لولا «الامصال» الايرانية والروسية.

    يتصرف الأسد كأنه معصوم ومنزه عن الخطيئة، ويكاد يصدق نفسه وهو يتحدث عن «الحرب الكونية» على نظامه. وهو في ذلك يبدو اقل ذكاء بكثير من الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح الذي رغم مقاومته الشرسة لمطالبة شعبه برحيله، كان يدرك في قرارة نفسه انه من الصعب ان يبقى رئيساً بعد كل الدماء التي سالت، ولهذا لم يرفض اطلاقاً علناً فكرة تسليم السلطة، بل أكد دوماً انه يقبل بالحل الانتقالي، ثم ظل يتهرب من توقيعه الى ان حصل على الضمانات الأكيدة بعدم ملاحقته ومساعديه المقربين امام القضاء.

    لم تحصل في اليمن مجازر من الحجم الحاصل في سورية، ولم يشن علي صالح حرباً مفتوحة على معارضيه بكل انواع الاسلحة، فلم يصل الامر الى حد اتهامه دولياً بارتكاب جرائم حرب، على رغم ان هيئات حقوقية يمنية اعدت ملفاً بهذا الخصوص وقدمته الى الامم المتحدة. ظل العنف اليمني «نسبياً» اذا جاز التعبير، وأظهر علي صالح انه يفكر في اليمن ككل وليس في نفسه ونظامه فقط، وجاء اتفاق المبادرة الخليجية ليؤكد على المصالحة وعلى فتح صفحة جديدة يحاول الحوار الوطني كتابتها حالياً، وبمشاركة من «المؤتمر الوطني العام»، حزب علي صالح نفسه.

    لكن الأسد ليس «يمنياً» مع انه زعيم «قبيلة» هو ايضاً. واتهامه من قبل المنظمة الدولية يعني انه لا يمكن ان يظل رئيساً في المرحلة الانتقالية، وان من يدافعون عن بقائه انما يتواجهون مع الامم المتحدة.

    فهل يستطيع الروس الذين يجهدون لإضفاء شرعية دولية على تجديد دورهم في العالم قطباً ثانياً الى جانب الولايات المتحدة ان يتجاهلوا هذه الحقيقة ويواصلوا رفض الاقرار بمسؤولية الأسد عما حصل؟ وهل نصدق وزير الخارجية الايراني عندما يؤكد ان المفاوضات السرية مع الاميركيين طوال اكثر من عام لم تتناول سوى الملف النووي؟.

    «جنيف 2» مناورة أم مؤامرة.. وهل سيعقد أم لا؟!
    الشرق الاوسط / صالح القلاب

    الأخضر الإبراهيمي لم يكن متشائما بكل هذا القدر منذ تكليفه بهذه المهمة، التي غدت بمثابة عقدة لا يستطيع حلها حتى ألف حلال، ونائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي، الذي يعرف عنه أنه بطبعه متفائل، قال كلاما يعني أنه لا يرى أي بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم وكذلك فإن العرب، باستثناء النظام السوري الذي يراهن ليس على قوته وإمكانياته وإنما على موسكو وطهران وعلى ميوعة المواقف الغربية، لا يتوقعون أن يصدق «المنجمون» هذه المرة وأن ينعقد جنيف الثاني ولو من أجل الانعقاد فقط وحتى إن لم يحقق ولو خطوة متقدمة واحدة في اتجاه حل هذه الأزمة المستعصية التي مع طول الوقت غدت أزمة إقليمية ودولية!!

    ولكن رغم كل هذا ومع ذلك فإن لاعبي لعبة الأمم الجديدة، أي الروس والأميركيين ومن لف لفهم ويخيط بمسلتهم، منهمكون في الإعداد ليوم الـ22 من يناير (كانون الثاني) المقبل، وكأنه لا وجود لكل هذه العقبات الكأداء التي تقف في طريق انعقاد «جنيف 2»، وكأن سوريا لم تصبح ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، وكأن هذا البلد بمعظم مدنه وقراه لم يتحول إلى أكوام من الأتربة والحجارة، وكأن أعداد القتلى لم تصل إلى 126 ألفا، وكأن أعداد اللاجئين إلى الدول المجاورة والبعيدة لم تصل إلى الملايين، وكأن هذا النظام الدموي لا يواصل حربه الطاحنة ضد شعب لم يتعرض لمثل ما تعرض وما يتعرض له أي شعب آخر في العالم بأسره.

    في تصريحاته الأخيرة توقع الأخضر الإبراهيمي أن تتحول سوريا، كالصومال، إلى دولة فاشلة وهو كمن ألقى حجرا في بركة آسنة راكدة قد تحدث عن «جمهورية سوريا جديدة» وكل هذا في حين أن أحمد بن حلي، ورغم تأكيده أن جنيف السويسرية ستستضيف في الـ20 من ديسمبر (كانون الأول) الحالي اجتماعا على مستوى كبار المسؤولين من الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة يعقبه اجتماع موسع للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ودول الجوار السوري بمشاركة الجامعة العربية لبحث انعقاد «جنيف 2» في موعده المقترح في 22 من يناير المقبل، إلا أنه أعرب عن تشاؤمه من إمكانية عقد هذا المؤتمر في هذا الموعد، وقال: «لست متفائلا بأن يكون هذا التاريخ موعدا لهذا الاجتماع؛ وذلك لأن هناك ترتيبات ما زالت جارية من جانب المعارضة السورية للمشاركة فيه».

    والمستغرب أن يتفق هذا المسؤول العربي مع كل الذين أعاروا ضمائرهم وبدل أن يحملوا نظاما دمويا قتل من شعب، من المفترض أنه شعبه، كل هذه الأعداد المرعبة، مسؤولية تعثر كل محاولات حل هذه الأزمة التي غدت مستعصية، ويحملّونها للمعارضة التي تكونت في ظروف في غاية الصعوبة وبقيت تعمل في ظروف في غاية الصعوبة والتي تخلى عنها الغرب الذي أشبعها مراجل فارغة في البدايات وتخلى عنها وعن شعبها في المراحل اللاحقة.

    إن هناك الائتلاف الوطني الذي اعترف به العالم بمعظمه «ممثلا شرعيا للشعب السوري» والذي يضم الجيش الحر، والمجلس الوطني، ومعظم قوى المعارضة المعتدلة و«المعقولة»، والمعروف أن هذا الائتلاف قد اشترط، ومعه كل الحق، على ضرورة حسم قضايا رئيسة من غير الممكن الذهاب إلى «جنيف 2» من دون حسمها، وفي مقدمتها أنه لا مكان لهذا الرئيس السوري بشار الأسد لا في المرحلة الانتقالية ولا في مستقبل سوريا، وأن الحكومة أو الهيئة التي يجب تشكيلها لإدارة الأمور في هذه المرحلة الانتقالية يجب أن تكون كاملة الصلاحيات بما فيها الصلاحيات الأمنية والعسكرية، وأنه لا يمكن القبول بحكومة تكون بمثابة تعديل وزاري على حكومة النظام الذي يجب أن يدفع ثمن كل ما ارتكبه من جرائم أكدتها تقارير واحدة من أهم الهيئات الدولية المعنية.

    فهل تريد الجامعة العربية، مثلها مثل الروس، أن تذهب المعارضة السورية، الائتلاف الوطني والجيش الحر تحديدا، إلى هذا المؤتمر مستسلمة ورافعة الأيدي؟ وهل تقبل الجامعة العربية أن تشارك إيران التي تغوص في دماء أبناء الشعب السوري حتى الركب من دون أن تسحب قواتها وميليشياتها المذهبية والطائفية من سوريا؟ هل الجامعة العربية يا ترى قد تخلت عن مواقفها السابقة، وتخلت عن عدم اعترافها بهذا النظام، وباتت تصب جام غضبها، مثلها مثل آخرين كثر، على الضحية وتغض النظر عن الجلاد، الذي لا يزال يقتل ويدمر ويشرد السوريين يوميا، رغم أن المفترض أن «جنيف 2» أصبح على الأبواب؟!

    قبل أيام صدر بيان إيراني - تركي وقعه محمد جواد ظريف وأحمد داود أوغلو يطالب بوقف لإطلاق النار في سوريا وكل هذا و«الشقيقة» تركيا تعرف تمام المعرفة بحكم عوامل كثيرة أن الذي يطلق النار في هذا البلد، الذي تحول إلى أكوام من الركام وإلى عشرات الألوف من المقابر الجماعية المجهولة، هم حراس الثورة الإيرانية، وفي مقدمتهم فيلق القدس السيئ الصيت والسمعة، ومع هؤلاء بالطبع ميليشيات حزب الله والميليشيات الطائفية العراقية، وبالتالي فإنه كان على وزير الخارجية التركي أن يطالب مضيفه ويطالب نظيره الإيراني بسحب هذه القوات الغريبة من الأراضي السورية.. وبعد ذلك لكل حادث حديث وعندها بالإمكان مطالبة المعارضة ونظام بشار الأسد بوقف فعلي لإطلاق النار وبإشراف دولي قبل الـ22 من يناير المقبل.

    ثم وحتى نرى كل هذا الذي نراه ونسمع كل هذا الذي نسمعه فهل هناك يا ترى شيء يجري وراء الكواليس؟ وهل الشعب السوري والمعارضة السورية وربما أيضا نظام بشار الأسد سيفاجأون باتفاق كاتفاق تدمير الأسلحة الكيماوية، الذي أبرمه الروس والأميركيون دون علم أي من أصحاب هذه القضية ومن وراء ظهور هؤلاء جميعهم؟ وهل سيفاجأون أيضا باتفاق كاتفاق «النووي» الإيراني، الذي فاجأ هذه المنطقة وأهلها، والذي لا تزال تدور حوله شبهات كثيرة، رغم كل الإيضاحات التي نقلها محمد جواد ظريف إلى بعض دول الخليج العربي، ورغم كل التطمينات التي أبلغها جون كيري لهذه الدول التي أبدت مخاوف محقة من أن هذا الاتفاق قد يخفي لعبة دولية جديدة قذرة؟!

    إنه لا يمكن أن يحقق «جنيف 2»، هذا إنْ هو انعقد في موعده في الـ22 من يناير المقبل أو في أي موعد آخر أبعد، أي نجاح وأن يجترح أي حل فعلي لهذه الأزمة المتفاقمة ما لم يجرِ الاتفاق مسبقا، وبين الروس والأميركيين بالأساس، على أنه لا بد من قيام جمهورية «سوريا جديدة»، كما قال الأخضر الإبراهيمي، وعلى أنه لا مكان لا لبشار الأسد ولا لنظامه في هذه الجمهورية، وأيضا على أنه لا يجوز ألا يحاسب المجتمع الدولي من خلال هيئاته المعنية هذا النظام على كل الجرائم التي ارتكبها وعلى كل هذا الخراب الذي حل بسوريا.. أما بغير هذا فإن الأمور ستذهب إلى تعقيدات جديدة ستكون أخطر كثيرا وأصعب من هذه التعقيدات الحالية، وإن هذا البلد سيصبح دولة فاشلة، كما قال الإبراهيمي، وسيتحول إلى حالة أشد خطرا على الدول المجاورة والمتاخمة وعلى العالم بأسره من الحالة الصومالية.

    إنه من غير الممكن معالجة هذه الأزمة السورية بكل خطورتها وكل تعقيداتها على أساس الحلول المفروضة؛ فهناك أنهار من الدماء سالت وهي لا تزال تسيل، وهناك بلد بات ممزقا ومحطما ومدمرا، وهناك ثغرات طائفية غدت تهدد هذا البلد بالانقسام والتشظي ثم وإن المشكلة، التي تتحمل مسؤوليتها أولا روسيا بوتين ولافروف، وثانيا أميركا وإدارة أوباما التي تعاني من ضعف حقيقي وفعلي غير مسبوق، هي أن سوريا أصبحت ساحة صراع إقليمي ودولي وأنها قد تصبح بؤرة إرهاب منفلت من عقاله، كما هو عليه الوضع في العراق وفي أفغانستان وأيضا في اليمن وليبيا، إذا لم يحسم «جنيف 2» المرتقب، هذا إنْ هو انعقد وأغلب الظن أنه لن ينعقد، أولا وقبل أي شيء آخر مسألة قيام جمهورية «سوريا جديدة» على أنقاض هذا النظام الذي في حقيقة الأمر لم يعد قائما وأنه يجب ألا يكون لبشار الأسد أي دور لا في المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها ولا في مستقبل بلد بقي محكوما بالحديد والنار لأكثر من 40 عاما من قبل هذه العائلة وحلفائها من الأعمام والأخوال.. ومن المؤلفة قلوبهم من غير أبناء الطائفة العلوية.

    الشعب يريد عودة النظام
    الشرق الاوسط / بكر عويضة

    كلا، ليس أنتم، لذا الأفضل ألا تسارعوا للفرح من جانبكم والشماتة في خصومكم صارخين: «لقد قلنا لكم هذا». من يكون أولئك؟ هم، بالطبع، بقايا كل نظام تهاوى بسرعة الرياح فور هبوب عواصف ما عرف بـ«الربيع العربي»، بدءا من تونس، في مثل هذا الشهر منذ ثلاث سنوات، وهم مَنْ أُطلِق عليهم وصف «الفلول» انطلاقا من مصر.

    ليس بوسع أي طرف مصادرة أماني الحالمين بأن يؤدي فشل مشروع التغيير إلى الرجوع للخلف، وعودة السلف للحكم مجددا. يمكنك أن تحلم ما شاء لك، وأي الضفاف تختار، سواء مع انتفاضات ثوار ربيع العرب، أو في خنادق انقلابات أكثر من صيف عربي.

    مع ذلك، حري بالحالم الاستعداد للصدمة؛ إذ يصحو فإذا بالواقع متصادم مع الأحلام.. تلك لحظة يوردها التعبير الإنجليزي الشائع على النحو التالي:

    now, face the music))

    وليس للمعنى أية صلة بالمتعة الموسيقية، بل القصد هو مواجهة النتائج الكارثية للأخطاء. أما في العالم العربي، فإن صدمة التنبه من خيال لم يتحقق، سرعان ما تحلق في فضاء الرومانسية:

    وانتبهنا بعد ما زال الرحيق
    وأفقنا ليت أنّا لا نفيق

    صحيح أن إبراهيم ناجي يرسم بالشعر لوعة العاشقين، لكنْ بين أبيات «الأطلال» لوحات تحكي عن أطلال الحالمين بتغيير ثوري للواقع العربي منذ ما قبل أن ينحتها الشاعر الطبيب (1966) ومن بعد، فما من «يقظة طاحت بأحلام الكرى» بكل ما كان يرجى من انقلاب عسكري صار ثورة شعبية، تبعها انقلاب ثوري، تلته حركة تصحيحية، أعقبتها انتفاضة جماهيرية، إلا وتوالت بعد كل منها بكائيات الندم على ما فات، وكأنما مأساة باكي الأحلام هي أنه أفاق..

    وإذا النور نذيرٌ طالعٌ

    وإذا الفجر مطلٌ كالحريق!

    أيُعقل هذا؟ أيمكن أن يستمر صنع أقدار الشعوب وأن يتواصل رسم مصائر الأمم والأمصار بالاندفاع من حلم إلى وهم، وبلا تدبر لما جرى، أو تفكر بما صار؟

    كلا، ليس هذا بالمعقول ولا هو بمقبول. المنطق يقول، والتاريخ يؤكد، أن صبر الناس قد يطول، لكن الغيظ لن يُكظم إلى الأبد، فسواء في مصر، حيث أنهت لجنة الخمسين مهمتها وانتهت من وضع مسودة دستور جديد، أو في ليبيا حيث جرائم ميليشيات القتل والإفساد في تزايد، أو في فلسطين حيث شقاق قيادات حركتي «حماس» و«فتح» يزيد معاناة الناس وآلامها، أو حيثما تمدد شبح الفوضى وتغوّل ليهدد أمن البشر ومصالحهم في أرزاقهم.. لا بد أن تنهض الشعوب من جديد لتطلب عودة نظام القانون (law and order) والأمن المفقود. ربما يتطلب الأمر المزيد من التضحية والمعاناة، لكن لا مفر من مواجهة حسم مع كل طرف يريد فرض شرع الغاب على أي شارع عربي.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 475
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-12-08, 12:30 PM
  2. اقلام واراء عربي 357
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:16 AM
  3. اقلام واراء عربي 356
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:15 AM
  4. اقلام واراء عربي 355
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:15 AM
  5. اقلام واراء عربي 354
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:14 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •