اقلام واراء محلي 575
21/12/2013
في هذا الملـــــف:
هل يمهد اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم لتمديد المفاوضات ؟
بقلم: حديث القدس – القدس
ملاحظات على مقترحات أوباما للتسوية بين فلسطين واسرائيل
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
أما من "جنيف فلسطيني"؟!
بقلم: عريب الرنتاوي – القدس
تأجير "مفروش" للأغوار
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
بائع الوهم والسراب
بقلم: صادق الشافعي – الايام
بكرا بذوب الثلج
بقلم: وليد بطراوي – الايام
العدالة للشعب الفلسطيني اولا
بقلم: حسيب النشاشيبي - معا
تغريدة الصباح - ثلج وكبريت
بقلم: عدلي صاد - الحياة
آفاق الترغيب والترهيب الاوروبي
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
هل يمهد اجتماع وزراء الخارجية العرب اليوم لتمديد المفاوضات ؟
بقلم: حديث القدس – القدس
يجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم بحضور الرئيس ابو مازن وبناء على طلب فلسطيني لبحث التطورات المتعلقة بالقضية والخطوات الواجب اتخاذها. والحقيقة ان اي متتبع للمواقف الرسمية العربية لا يتوقع شيئا جديا او عمليا من مثل هذه الاجتماعات بناء على التجارب الطويلة السابقة ولاسيما ما يتعلق بالمبادرة العربية الشهيرة والتي تكرر التأكيد عليها في اكثر من اجتماع ولم يهتم بها احد من اطراف العلاقة سواء في اسرائيل او الولايات المتحدة والغرب عموما.
كما ان الدول العربية لم تلتزم الا "ما ندر" بتنفيذ تعهداتها المالية للسلطة الوطنية وهي تدرك تماما ما نحن فيه من اوضاع مالية صعبة للغاية. وقد زادت الفوضى والاقتتال والتحزبات في كثير من دولنا الامور تعقيدا وقللت حتى الاهتمام السياسي بما يجري بالاضافة الى التقصير المادي.
ويجيء اجتماع اليوم في مرحلة جهود اميركية مكثفة من الاتصالات والضغوط والاغراءات المالية وسيزورنا جون كيري للمرة العاشرة خلال ايام قليلة. وكانت المفاوضات كما هو معروف قد تعثرت الى درجة استقالة الوفد المفاوض بعد ان اكتشفوا واقتنعوا هم انفسهم وهم الادرى بكل التفاصيل، ان اسرائيل لا تريد السلام وغير مستعدة للتجاوب مع المتطلبات الاساسية لأي اتفاق، وتواصل كل ما يعيق التقدم نحو التسوية بسياسة الاستيطان التي لا تتوقف وعمليات التهويد والتهجير بالقدس وغيرها، بينما الوقت يمضي والارض تضيع.
وكانت الولايات المتحدة قد حددت فترة تسعة اشهر للتوصل الى اتفاق لدى قبول السلطة الوطنية باستئناف التفاوض رغم استمرار الاستيطان، وهذه الاشهر التسعة تقترب من نهايتها ولا يبدو في الافق اي انفراج، وبدأت تسعى لتمديد فترة التفاوض وبتقديم المقترحات الامنية والسياسية، لكن هذه المقترحات وتحديدا الامنية، قوبلت برفض فلسطيني رسمي وفي رسالة من ابو مازن الى الرئيس اوباما وصارت المساعي تدور في حلقة تمديد فترة الاشهر التسعة والاحاديث عن "اتفاق اطار" يحتاج اشهرا من المفاوضات في حال التوصل اليه وهو امر غير محتمل، ومرفوض اساسا من غالبية القوى والفصائل والمواطنين لانه فيه مضيعة للوقت وتهربا من مواجهة الحقائق، على ضوء التجارب الكثيرة الماضية وابرزها الاتفاق المرحلي الذي ما نزال نفاوض عليه وحوله منذ نحو عشرين عاما دون جدوى.
الملفت للانتباه في اجتماع الجامعة العربية اليوم، ان الأمين العام للجامعة، نبيل العربي، استبق الاجتماع بالقول في مؤتمر صحفي ان المفاوضات لم تفشل، مع ان احدا لا يدري من اين جاء السيد العربي بهذه المعلومات في الوقت الذي يؤكد فيه الوفد المفاوض ان شيئا لم يتحقق وغير متوقع بسبب المواقف الاسرائيلية المعروفة. الا ان هذا التصريح قد يعطي الاشارة الى ما هو متوقع من اجتماع اليوم وهو اعطاء المفاوضات "فرصة" اخرى، اي تمديد فترة الاشهر التسعة، مع كل ما يعنيه ذلك رسميا وفلسطينيا ومبررا للقبول بما تطلبه واشنطن ... !!
ملاحظات على مقترحات أوباما للتسوية بين فلسطين واسرائيل
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
المقترحات التي قدمها الرئيس الاميركي باراك أوباما لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين خلال حديثه الأسبوع الماضي أمام "منتدى سابان" لسياسات الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن، تتضمن أموراً إيجابية تلبي الطلبات الفلسطينية وأخرى سلبية لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا بها لانها تتجاوز خطوطهم الحمراء التي وضعوها، وكذلك كونها تتعارض وثوابتهم الوطنية التي اتفقوا عليها والتي لا يمكنهم القبول بأي خروج عليها.
ويلاحظ في مقترحات أوباما أنها منحازة بشكل كبير للجانب الاسرائيلي وتتبنى العديد من مطالب اسرائيل التي لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوها. فالرئيس الأميركي يدعو الى تحقيق التسوية على مراحل وإلى أن تتم المسيرة تدريجيا. ولا شك أن هذا مرفوض كليا من الجانب الفلسطيني لأنه يعلم أن الوقت ليس لصالحه وإنما لصالح اسرائيل التي تستغل الزمن وتسابق من أجل فرض سياسة الأمر الواقع، ومن أجل خلق حقائق جديدة على الأرض تتمثل في الاستمرار في سياسة التوسع الاستيطاني ومصادرة المزيد من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، وكذلك الاستمرار قدما في خططها لتضع السيطرة على الأراضي الفلسطينية وتغيير طابعها الديمغرافي.
إن اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني مع حكومة اسرائيل في 13 أيلول من عام 1993 نص على فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، يتم بعدها مباشرة التوصل الى تسوية دائمة بناء على قراري الأمم المتحدة 242 و 338، بما لا يتعدى السنة الثالثة من الفترة الانتقالية أي أنه بموجب هذا الاتفاق كان يجب أن يتم التوصل الى التسوية الدائمة في العام 1998.
وقد مر اليوم أكثر من خمسة عشر عاما دون أن يتم الوصول الى التسوية الدائمة، وسبب ذلك أن الحكومات الإسرائيلية التي تعاقبت عقب اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين على يد يجئال عامير في الرابع من تشرين الثاني من عام 1995 رفضت الوفاء بما التزم به رابين في تلك الاتفاقية وأخذت تتنصل من تلك الالتزامات، ولو التزمت بها لكان السلام تحقق منذ أعوام عديدة.
لقد صبر الفلسطينيون عشرين عاما منذ توقيع اتفاقية أوسلو ورضوا بكل مقترحات التسوية المرحلية وأوفوا كل ما التزموا به في تلك الاتفاقية، فلماذا يقترح الرئيس أوباما مراحل جديدة للتسوية؟ خاصة وإنه خلال العشرين عاما التي أعقبت توقيع اتفاق أوسلو، لم تف الإدارات الأميركية المتعاقبة بالتزاماتها تجاه تحقيق السلام من عهد بيل كلينتون الذي رعى توقيع هذه الاتفاقية ومرورا بجورج بوش الإبن الذي طرح رؤية حل الدولتين، وأمضى فترتي رئاسته دون الوفاء بما تعهد به من تحقيق تلك الرؤية، وانتهاء بفترة الرئيس الحالي باراك أوباما، الذي بدأ ولايته الأولى بإعلان التزامه بتحقيق تلك الرؤية، ولكن ما لبث أن تراجع هو الآخر عن تعهداته تلك استجابة لضغوط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وخاصة منظمة "إيباك".
إن التسوية على مراحل انما تمثل تهربا اسرائيليا وأميركيا من تحقيق السلام، كما تمثل أيضا تأجيلا لحل هذه الأزمة المستمرة منذ أكثر من ستة عقود، والتي تزداد تعقيداً كلما طال حلها خاصة وأن الوقت لا يعمل لصالح حل هذه الأزمة، وفي ظل الظروف الخطيرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وما تشهده من توترات وأحداث جسيمة وعدم استقرار في الكثير من دول العالم العربي، فيما بات يعرف بالربيع العربي.
إن خطوط الحل العريضة ومرجعياته واضحة، ولا تنتظر المزيد من التأجيل ولا المزيد من المراحل، وإن الخطوط العريضة تتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967، وأما مرجعيات هذا الحل فقد أجمع عليها المجتمع الدولي وتتمثل في قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة واتفاقية أوسلو وخطة خريطة الطريق ورؤية حل الدولتين ومبادرة السلام العربية لعام 2002.
وأما الأمر الآخر الذي قدمه باراك أوباما في اقتراحه للتسوية والمتمثل في عدم انسحاب اسرائيل من غور الأردن، فإنه لن يلقى أي قبول من الجانب الفلسطيني الذي يصر على الإنسحاب الإسرائيلي من كافة الأراضي التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران عام 1967، والعودة الى خطوط الرابع من حزيران من ذلك العام، إن هذا المقترح الأميركي إنما يتبنى تماما الموقف الإسرائيلي الذي يرفض تماما الإنسحاب من غور الأردن، وقد أكد الرئيس محمود عباس أنه لن يوقع أي اتفاق سلام مع إسرائيل لا يتضمن انسحابها من غور الأردن، وأكد أن اصرار إسرائيل على عدم الانسحاب منه ليس نابعا من حاجات أمنية كما تدعي، بل لانها تجني من غور الأردن مليارات الدولارات من خلال استغلال ثرواته الزراعية الطبيعية والهائلة.
وأما مقترح أوباما بنزع سلاح الدولة الفلسطينية وتحت مراقبة أميركية، فلا شك أن الفلسطينيين سيقبلون به لأنهم طلاب سلام لا طلاب حروب، والدولة الفلسطينية في حال قيامها ستكون واحة للسلام والأمن والإستقرار وداعمة له ولن تهدد أحدا أبدا، وإنما يريد الفلسطينيون أن ينعموا بهذا السلام الذي يفتقدونه منذ أعوام طويلة، ويريدون بعد تلك المآسي والنكبات أن يذوقوا طعم الراحة والسكينة، وقد أثبتت القيادة الفلسطينية خاصة منذ أن تولى الرئيس عباس السلطة أنها قادرة على ضبط الأمن والإستقرار، وأنها ترفض أية محاولات للعنف والفوضى وإشاعة الفلتان الأمني.
كما أن الجانب الفلسطيني سيوافق على مقترح أوباما الخاص بحيازة الدولة الفلسطينية على قوة أمن قوية لاحتياجات الأمن الداخلي ومحاربة العنف، وإجراء نفس الترتيبات التي تطبقها الولايات المتحدة في مجال مراقبة اتفاقيات الفصل بين القوات الاسرائيلية والسورية في هضبة الجولان، بما في ذلك استخدام طائرات تصوير أميركية بدون طيارين لمراقبة الحدود المشتركة بين دولة فلسطين واسرائيل.
وبخصوص المقترح الأميركي بإبقاء المعابر الحدودية على نهر الأردن تحت السيطرة الاسرائيلية، مع إمكانية وجود مراقبين أميركيين، فإن الجانب الفلسطيني لن يقبل بأن تكون تلك المعابر تحت سيطرة اسرائيل فقط لأنها انتقاص من حقوق الدولة الفلسطينية التي ستقام ولكن قد يقبل أن تكون تلك المعابر تحت سيطرة فلسطينية اسرائيلية مشتركة مع وجود مراقبين أميركيين ولمدة محدودة زمنيا وذلك لضمان أمن اسرائيل وكذلك ضمان أمن الدولة الفلسطينية، ومن خلال مساعدة أميركية فعالة.
والمقترح الخاص بالانسحاب الاسرائيلي من معظم الضفة الغربية يجب توضيح أبعاده خاصة ماذا يقصد بمعظم وليس من كل الضفة الغربية، علما أن الجانب الفلسطيني سبق وأن أعلن موافقته على تبادل محدود جدا للأراضي وبنفس المساحة وبذات الأهمية.
ولا شك أن الجانب الفلسطيني سيرحب بمقترح الرئيس اوباما الخاص بعدم السماح لاسرائيل بحرية العمل داخل الدولة الفلسطينية من أجل تنفيذ مطاردات أو إفشال عمليات فيما يعرف بالمطاردة الساخنة، خاصة وأن كثيرا من تلك المطاردات أدت الى سقوط العديد من الشهداء من المدنيين الأبرياء، كما أنها تعد انتهاكا لسيادة الدولة الفلسطينية.
ولكن الشيء الأهم الذي أغفله أوباما هو مسألة القدس وقضية اللاجئين وعودتهم علما انهما من أكثر القضايا تعقيدا، خاصة وأن اسرائيل ترفض الحديث عن القدس الشرقية، وقد رفض العالم كله تقريبا ضم اسرائيل للقدس الشرقية، وحتى الولايات المتحدة لا تعترف بذلك الضم ولن يقبل أي زعيم فلسطيني توقيع اتفاق سلام لا ينص على أن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، ولكنها ستكون مدينة مفتوحة أمام جميع أتباع الديانات السماوية الثلاث، وستكون مدينة بلا حواجز ولا جدران.
وأما مسألة اللاجئين فقد أعلن الرئيس محمود عباس أن مبادرة السلام العربية تتضمن الرؤية لحل هذه المشكلة الشائكة والمعقدة.
إن الفلسطينيين يريدون السلام الحقيقي العادل والشامل وفق قرارات الشرعية الدولية، ويريدون إقامة دولتهم المستقلة وهم ماضون في هذا الطريق. والله الموفق..
أما من "جنيف فلسطيني"؟!
بقلم: عريب الرنتاوي – القدس
لا يكفي أن يتداعى وزراء الخارجية لاجتماع طارئ في القاهرة بعد أسبوع، حتى يُقال إن "شبكة أمان عربية" قد توفرت للمفاوض، فالذين اجتمعوا في القاهرة قد يصبحون سيوفا مسلطة على رقاب الفلسطينيين بدل أن يكونوا سيوفاً بأيديهم، بعضهم لانخراطهم من الرأس حتى الأذنين في معارك السلطة وتعقيدات مرحلة الانتقال، وبعضهم الأخر لأنه اعتاد أن يدفع من جيوب الفلسطينيين ثمن استحقاقات أخرى على جبهات أخرى.
مع ذلك فإن الاجتماع بدا ضرورياً، وقد يكون مفيداً، شريطة أن يكون الموقف الفلسطيني شديد الوضوح، من الأطروحات الأمريكية الجديدة، التي تذهب جميعها كما تشير كافة الدلائل، باتجاه معاكس للمصالح والحقوق والتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني ... فالضغوط التي يتعرض لها الجانب الفلسطيني تتخطى حدود قدرته على التحمل والمقاومة، والمنعطف الذي تمر به القضية الفلسطينية أشد خطورة من أن يترك للفلسطينيين وحدهم .
ملامح الصفقة التي يدور بشأنها التفاوض، ويسعى جون كيري في تمريرها، تُسقط حق الفلسطينيين في استرداد عاصمة دولتهم، وإعادة أشقائهم اللاجئين إلى ديارهم التي أخرجوا منها، وغور الأردن معروض للصفقات والمساومات فيما قمم الضفة الغربية مطلوبة للإيجار كقواعد عسكرية ومحطات إنذار مبكر، أما جدار الفصل العنصري فيواصل التفافه حول أعناق الفلسطينيين وأرزاقهم، و"يهودية الدولة" تطارد كالشبح، ذاكرة الفلسطينيين وضمائرهم وعقائدهم وكتب التاريخ التي توارثوها جيلاً بعد جيل، عن صراعهم التاريخي مع عدوهم.
مثل هذه الصفقة لا يمكن أن تكون مقبولة، حتى من قبل أكثر المسؤولين تهافتاً، فالقبول بها هو نهاية مطاف المسؤولين أنفسهم، وهو الوصفة الموصوفة للخراب الشامل، وهي بذرة لموجات متلاحقة من الصراعات والحروب والانتفاضات التي لا شك ستندلع وإن بعد حين.
خيارات كيري ومبادراته التجسيرية، باتت تشكل تحدياً خطيراً وغير مسبوق للشعب الفلسطيني وقيادته، وقد آن الأوان لـ "كسر الاحتكار" الأمريكي لعملية السلام والمفاوضات بين الجانبين ... فلا يعقل أن تكون "جنيف" قبلة العالم بأسره لمعالجة أكثر أزماته تفاقماً، من الكيماوي السوري إلى النووي الإيراني، ويبقى الفلسطينيون رهينة التفرد والاستفراد الأمريكي – الإسرائيلي، وضحايا عملية تبادل الأدوار بين واشنطن وتل أبيب.
آن الأوان لإطلاق مبادرة جديدة، تبدأ مع الأصدقاء الروس وبعض الأوروبيين ودول "البريكس" وأنقرة وطهران وبعض العواصم العربية، حشداً للتأييد لإعادة القضية الفلسطينية إلى حاضنتها الدولية، وتوظيف "التوازنات الجديدة" في العلاقات الدولية، من أجل حل عادل ومتوازن للقضية الفلسطينية ... آن الأوان لتحرير "الرهائن" الفلسطينيين من قبضة مختطفيهم من إسرائيليين مدعومين بالانحياز الأمريكي الأعمى لتل أبيب، وبأبشع حسابات السياسة الداخلية الأمريكية وتوازناتها المعروفة.
أشهر قلائل وتنتهي المهلة التي ألزم الجانب الفلسطيني نفسه بها للتفاوض غير المشروط ... وهي فترة بالكاد كافية لإطلاق مثل هذا التحرك على المسارات العربية والإقليمية والدولية، وهو تحرك يتعين أن يتوازى، بل وأن يكون مسبوقاً بتحرك على مسار استعادة المصالحة وبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية، إذ من دون شرط ترتيب البيت الفلسطيني من الداخل، لن يكون أي تحرك على مسارات الخارج، كافياً مهما عظم.
"الوكالة الأمريكية الحصرية لملف المفاوضات"، إرث متحدّر من عصر الانفراد الأمريكي بالعالم، فقد كثيٍر من صلاحيته في أزمتنا الراهنة، بعد أن انكمش دور واشنطن وتنامت أدوار لاعبين دوليين آخرين ... وهي وكالة أثبتت التجربة بالملموس، أن صاحبها عاجز عن القيام بالحدود الدنيا من واجباته ووظائفه، وقد آن أوان تغيير الوكيل، أو توسيع دائرة الوكلاء، وعلينا أن نفعل ذلك الآن، وأن نفعله من دون إبطاء.
تأجير "مفروش" للأغوار
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
لا نشكك مطلقاً في نوايا وزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ تاريخه يشهد له، وربما هو أحد الأعمدة الرئيسة في تغيير السياسة الخارجية الأميركية تجاه الحمائمية وسياسة الاحتواء العقلانية - إذا جاز التعبير - وإقناعها بأنها ليست اللاعب الوحيد في هذا العالم، وإن كانت اللاعب الأبرز والأخطر، وإن بدت عليها ملامح الشيخوخة الاقتصادية؟! ولكننا نشكك بقدرته على أن يكون وسيطاً نزيهاً قادراً على جلب حل سياسي مقنع بالحد الأدنى للشعب الفلسطيني، وقادراً على الصمود أمام المتغيرات العاصفة في المنطقة.
والأخطر في المعادلة هو فرض حلّ لا يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية وعلى رأسها إقامة الدولة المستقلة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس وإيجاد حل لقضية اللاجئين، والسيطرة الفعلية على مقدرات هذه الدولة براً وبحراً وجواً كأي دولة ذات سيادة في العالم.. المشكلة تكمن في محاولة إيجاد طرق سياسية التفافية، شبيهة جداً بالطرق الاستيطانية الكولونيالية، تهدف في النهاية إلى خدمة المشروع الاستيطاني اليهودي، والقضاء على الحلم الفلسطيني الذي دفعنا ثمنه غالياً.
على سبيل المثال: أبو ديس ليست القدس، والعيزرية، وضاحية البريد، والرام، وعناتا، وحتى شعفاط وبيت حنينا... هذه أحياء في محيط القدس، القدس هي البلدة القديمة بكل ما عليها وامتدادها العمراني والجغرافي خارج الأسوار القديمة والأحياء والحارات العربية التي تتصل بالأحياء السابقة.. وأي لعب بالألفاظ أو رسم طرق سياسية بديلة هو مجرد تضييع للوقت ليس إلاّ.
أما قضية الأغوار، التي جعلت منها إسرائيل قضية إستراتيجية وكأن مستقبل هذه الدولة المحتلة متوقف عليها، فهو ذر للرماد في العيون.. من ناحية عسكرية فإن شريطاً بعمق 10 كيلو مترات بالمطلق لا يعني شيئاً أمام أكبر قوة في الشرق الأوسط.. ولا يعني شيئاً أمام التغيرات العسكرية السريعة في ظل ما يسمى عصر "حرب النجوم" - وليس "حرب الأغوار" - والاحتلال الإسرائيلي يعلم ذلك.
الحدود الشرقية التي يتحدث عنها الاحتلال هي الأكثر استقراراً وأمناً خلال العقود الخمسة القادمة على الأقل (وفق تصريحات عسكرية إسرائيلية للصحافة العبرية).. فهناك معاهدة سلام أردنية ـ إسرائيلية، ولم تعد فكرة الحرب قائمةً بالمطلق. أما العراق الذي كان يمثل الخطر الأكبر في عهد نظام البعث القومي، فقد تمكنت إسرائيلي وحليفاتها من القضاء عليه، والقضاء على عراق مُوحَّد أو قادر على الوقوف على قدميه، أيضاً، لخمسين عاماً قادمة، ومجرد التفكير في العراق الجديد بإسرائيل كدولة عدوة غير وارد بالمطلق... تبقى سورية التي دمرت كل مقدراتها... وتمت إعادتها إلى العصور الوسطى، وتفتيتها إلى قبائل وأحزاب متناحرة.
سورية المدمرة، هي الأخرى، تحتاج إلى عقود طويلة من أجل إعادة الإعمار والعودة إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الحرب الأهلية.. إذن كل ادعاءات الاحتلال الأمنية، هي حجج واهية.
الموقف الفلسطيني الرسمي يزيل آخر ورقة توت عن عورة الاحتلال في هذه القضية عندما يقول: "نحن نقبل بأي طرف ثالث حتى لو كان أميركياً لفترة محددة في الأغوار ولن نقبل بوجود جندي إسرائيلي واحد"، وبهذا فهو يسحب آخر الحجج الأمنية.
ولكن القضية ليست في بعدها الأمني بقدر ما هي قناعات مترسخة لدى قيادات صهيونية متطرفة، ما زالت تؤمن بـ "أرض الميعاد" ويهودية الدولة من منظور عنصري.. وتتحجج بذلك لأنها لم تجد حتى الآن في هذا العالم من يقول لها: توقفي ؟!
إسرائيل منذ سنوات وهي تعيد أسطوانتها المشروخة باستئجار الأغوار، والتي وصلت في إحدى جلسات المفاوضات إلى مدة إيجار تصل إلى مائة سنة.
ربما بعد جلسة أو جلستين وفي ظل تصاعد المطالب الإسرائيلية قد تطلب إسرائيل من الفلسطينيين أن يكون تأجير الأغوار مفروشاً دون أن يسري عليه قانون الإيجار المفروش.
بائع الوهم والسراب
بقلم: صادق الشافعي – الايام
بائع الوهم والسراب في هذه الايام هو وزير الخارجية الاميركي كيري، في توافق تام مع رئيسه الذي يسوق نفس البضاعة. لا احد يعلم، ولا الوزير كيري يقول، على ماذا يستند في تفاؤله الذي يعلنه بان انجازا سيتحقق في نيسان القادم في المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
الاتحاد الاوروبي دخل السوق ايضا، فأعلن اولا عن دعمه الكامل للمفاوضات الحالية كما يتولى كيري الاعلان عنها، ثم قدم وعودا بدعم "غير مسبوق للطرفين في حال جرى التوصل الى اتفاق سلام"، لكن بدون ان يرفق ذلك باي مبادىء او قواعد او استهدافات ( حتى لا نقول شروط ) تضمن عدالة اتفاق السلام وقدرته على التواصل والاستمرار، وقدرته على احقاق للحقوق الفلسطينية المشروعة كما اقرتها المواثيق والهيئات الدولية.
هل هي تصريحات في اطار حركة دبلوماسية تريد ان تسوّق املا غير موجود للهروب من الاعتراف بالفشل في هذا الملف الهام؟ أم أنها تأتي في اطار ولخدمة الجهود لابقاء الفلسطينيين بعيدين عن التوجه الى الامم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها المتخصصة؟ أم أن الحقيقة وراء هذه التصريحات انها لخدمة تمرير، او فرض، المشروع الامريكي ومقترحاته الجوهرية والتي تنصب اساسا، على المطالب الامنية الاسرائيلية المفرطة، وتتبناها تماما. إن الموقف الاميركي الاخير والمشروع الذي يقدمه الوزير كيري في جولتيه الاخيرتين هو، في جانب رئيسي منه، سعي امريكي الى مراضاة اسرائيل بعد غضبها من امريكا لانها كانت اللاعب الاساس وراء التوصل الى الاتفاق النووي الاخير مع ايران.
واميركا لا تتحمل غضب اسرائيل، ولا تقدر عليه، ولأن اسرائيل تعرف ذلك فانه تسوق دلالها وترفع من شروطها وتزيد مطالبها.
المشروع الاميركي يسميه الوزير كيري " اتفاق اطار" ويوضحه الرئيس اوباما حين يقول " على الفلسطينيين الموافقة على رغبة اسرائيل في قيام فترة انتقالية " وهذا ما يسترجع في النفوس كل مواجع اوسلو. خصوصا وان المشروع المقترح لا يتناول اياً من القضايا الاساسية المفترض ان تكون مادة المفاوضات واساسها، والمرحّلة من اتفاق اوسلو. بل انه يتناسى المطالبة الامريكية السابقة بضرورة وقف الاستيطان كشرط من شروط المفاوضات، وحتى اطلاق الدفعة الثالثة من اسرى ما قبل اوسلو، وبطلب من كيري نفسه واستجابة مرحبة من اسرائيل، تجري محاولة التعامل معها كورقة للمساومة والضغط على الطرف الفلسطيني.
إن المشروع الامريكي المقترح يجعل من ضمان أمن اسرائيل الاساس وحجر الزاوية والمبتغى، لدرجة ان يصرح كيري " ان لم يضمن الاتفاق أمن اسرائيل فانه لن يكون هناك اتفاق ". وهذا يستدعي مفارقة مستهجنة وتساؤلا: اما المفارقة المستهجنة، فانه لم يحصل ربما في تاريخ التفاوض بين طرفين في حال يشبه حالنا ان انصبّ همّ المفاوضات الاول والاساس على ضمان الاحتلال واستمراره، وعلى ضمان امنه وامن احتلاله، ودون الالتفات اللازم لحقوق من هو تحت الاحتلال. وهذا هو جوهر المشروع الاميركي ومقترحاته.
واما السؤال، فهل صحيح ان امن اسرائيل مهدد الى هذه الدرجة؟ هل الدولة الفلسطينية اذا ما قامت وباحسن الشروط والمواصفات المتداولة يمكن ان تشكل خطرا ماحقا على اسرائيل بكل امكاناتها وقدراتها وتحالفاتها المعروفة، وبدرجة تتطلب كل هذه الاجراءات الامنية لحمايتها ولضمان امنها؟ ام هي مجرد تماحيك تخفي ورائها الدافع والهدف الحقيقي، وهو استمرار الاحتلال وسياساته في القمع بكل اشكاله وبالسيطرة، واستمرار قضمه للارض حتى لا يبقى هناك ما يمكن التفاوض حوله؟ والسؤال المرادف، لماذا تحتاج اسرائيل لاعترافنا بها كدولة يهودية او كدولة لليهود، وتريد فرض ذلك كشرط اضافي جديد من شروط المفاوضات، وهو ما لم يكن موجودا في اي وقت ، ولماذا توافق لها امريكا على مطلبها؟ في نفس الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لتحصيل نفس الاعتراف من الدول الاوروبية اولا ومن بقية دول العالم. ان نوالها لهذا المطلب، اذا ما تحقق، بقدر ما ينهي، بنظرها، حق العودة وحق المطالبة به، فانه يمهد الطريق امام عملية ترحيل ( ترانسفير) لفلسطينيي مناطق 1948 من ارض وطنهم لان بقائهم في ارضهم هو، بالمنطق العنصري، تهديد لنقاء الدولة العبرية.
ان احتمال قبول السلطة الفلسطينية بالمقترحات والشروط الاسرائيلية - الامريكية، حتى لو ادخل عليها تعديلات شكلية تجميلية، هو احتمال يقترب من الصفر، كما اكدت ذلك تصريحات اكثر من مسؤول ومواقف كل القوى السياسية ومواقف الناس، خصوصا وان المقترحات الامنية تتضمن ايضا ضرب اسس، وحتى مظاهر، سيادة الدولة الموعودة (بقاء القوات الاسرائيلية في الاغوار،دولة منزوعة السلاح ،الادارة المشتركة على المعابر..الخ).
وهذا يتركنا امام الاحتمال الاخر للهدف من وراء المشروع الامريكي وهو تحميل الطرف الفلسطيني كامل المسؤولية عن فشل المفاوضات من جهة، وتبرئة اسرائيل من المسؤولية من الجهة الثانية، بما يظهرها بالطرف الايجابي وبما يخفف عنها المسائلة الدولية والتبعات التي يمكن ان تنشأ عنها.
واقع الحال يؤكد انه لم يبق لدى الفلسطينيين تنازل اضافي يمكنهم تقديمه، وانه ليس لدى اسرائيل اي شيء تعطيه او تتنازل عنه على طاولة المقاوضات. وواقع الحال يؤكد بنفس القدر ان الادارة الامريكية لا يمكن ان تكون وسيطا محايدا، بل منحازا دائما دائما لاسرائيل.
اذن الرهان الان هو على ثبات الموقف الفلسطيني وعلى تمسكه بالاهداف والشروط الوطنية التي عاد الى المفاوضات على اساسها. ثم، لماذا لا نحول اتجاه حركتنا السياسية، ونعود بها الى حضن الامم المتحدة وهيئاتها ومنظماتها المتخصصة، والى حضن المجتمع الدولي وشعوبه وقواه وهيئاته المحلية والدولية.
بكرا بذوب الثلج
بقلم: وليد بطراوي – الايام
خلال عودته من حيفا إلى رام الله أثناء العاصفة الثلجية استمع صديقي لأكثر من ساعة الى برنامج إذاعي عبر إحدى المحطات الإسرائيلية يتحدث عن خطة "كيري" وقرب التوصل الى اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتم توقيعه خلال الأسابيع الأولى من العام القادم في مؤتمر يشبه مؤتمر مدريد. وقد تطرق المتحدثون في البرنامج الى تفاصيل الاتفاق والتي تشمل مطاراً صغيراً قرب رام الله لنقل المسافرين بالمروحيات إلى الأردن، وسيطرة فلسطينية على جسر "اللنبي" مع مراقبة إسرائيلية عن بعد خمسة كيلومترات، والسماح بالسفر الى الأردن بالمركبات الخاصة، وتأجير الأراضي الفلسطينية في الغور لإسرائيل لمدة 10 سنوات وتبادل للأراضي وغيرها من التفاصيل الدقيقة. قد لا نثق بالإعلام الإسرائيلي، وقد يكون ما ورد في البرنامج مجرد تكهنات غير مبنية على معلومات وهدفها جس نبض الشارع الإسرائيلي حول "مقترحات" لاتفاق فلسطيني – إسرائيلي. إلا ان هذه المعلومات غاية في الأهمية ولا بد من طرحها أمام الرأي العام الفلسطيني حتى لا نتفاجأ باتفاق لا ندري عنه شيئاً، وحتى نستطيع بناء رأي عام مؤيد للاتفاق في حال كان منصفاً للفلسطينيين، والأهم من ذلك ان نكاشف ونصارح شعبنا وان نبقيه على اطلاع دائم بما يحدث، ومن أجل ان يكون لإعلامنا الفلسطيني السبق في مثل هذه المعلومات وان لا نعتمد على الإعلام الإسرائيلي، والاهم من ذلك حتى لا نفاجأ بخفايا الاتفاقات كما سنفاجأ بخفايا ما أحدثته "أليكسا" بعد ذوبان الثلج.
ما افتقدناه
خلال العاصفة الثلجية تحدث كثيرون عن تقصير الجهات المختصة في عدة مجالات وكان لشركة الكهرباء النصيب الأكبر من الانتقادات والاتهامات. لن أتحدث في أمر اشبع حديثاً. ما افتقدناه خلال المنخفض الجوي، خطة واضحة ومدروسة للمدارس والمؤسسات، وخاصة في الأيام التي سبقت المنخفض، وإخفاق واضح بالتعامل مع الأحوال الجوية، فعلى سبيل المثال تم الإعلان صباح الخميس 12 سبتمبر عن تعطيل المدارس بعد ان كان المعظم قد توجه الى المدارس أو في طريقه إليها، اي ان الهدف من تعطيل الدراسة لم يتحقق إذا ما اعتبرنا أن الهدف كان الحفاظ على سلامة الطلبة، فمن وصل باب المدرسة كان قد خاطر بسلامته وبالتالي كان على إدارات المدارس استقباله لا ان ترده الى بيته ليخاطر مرة أُخرى بسلامته، الأمر الآخر الذي افتقدناه ونفتقده هو نظام المواصلات العامة، فبعد ان انحسر تأثير المنخفض الجوي، خرج الجميع إلى أعماله وحدثت أزمة سير خانقة، والسبب ان الجميع استخدم مركباته الخاصة لعدم توفر حافلات ومركبات نقل عام داخل المدن.
دفع رباعي
الدفع الرباعي كان حاجة ماسة خلال العاصفة الثلجية، والدفع الرباعي لم يقتصر على المركبات وحسب، فالدفع جاء بأشكال مختلفة، دفع مسبق لتيار كهربائي انقطع، ودفع لفاتورة مياه انقطعت هي الأُخرى، ودفع لفاتورة إنترنيت كان على وشك الانقطاع، ودفع لفاتورة هاتف، وبالطبع دفع للوقود والغاز ودفع لمشتريات ضرورية وكمالية، أما أغرب ما دفعناه فكان ثمن خدمة إزالة الثلج، حيث اضطررنا لاستئجار جرافة على نفقتنا الشخصية لفتح الشارع الفرعي، والأدهى من ذلك ان سائق الجرافة وهو في طريقه إلينا لم يكلف نفسه أن ينزل كفة الجرافة ليفتح الطريق التي يسلكها! والاهم "ادفع وانت ساكت".
هكذا نحن يا دنيا
قرأت طرفة وضعتها صديقة على صفحة "فيسبوك" الخاصة بها. تقول "كان رجل يطير رسالة مكتوبة في السماء كل يوم يدعو ربه فيها بأن يرسل له 50 ألف دينار، وكانت الرسالة تسقط على سطح إحدى العمارات القريبة، وبعد سنين طويلة قرر سكان العمارة ان يجمعوا المال للرجل، فجمعوا 25 ألف دينار وذهبوا إليه دون الإشارة الى أن المال مالهم، في اليوم التالي شاهد سكان العمارة رسالة تطير في السماء وتسقط فوق سطحهم، تعجبوا للأمر وقرؤوا الرسالة، فما كان من الرجل الا ان خاطب ربه شاكراً على استجابته للدعاء شاكياً سكان العمارة بأنهم سرقوا نصف المبلغ".
وهكذا نحن، نشكك في كل شيء!
لو كنت مسؤولاً
في بلد غير هذا البلد، وفي بلد غير عربي، ستجدني أجمع وأطرح وأضرب وأقسم، ماذا سيكون مصيري بعد إخفاقي خلال العاصفة الثلجية؟ أين سيكون موقعي؟ هل سيسامحني الناس على أخطائي؟ هل سيحتسبون لي ما أنجزت قبل هذا الإخفاق؟ هل سأبقى مسؤولا؟ ومن سيكون المسؤول عني؟ هل أستبق الأمر وأستقيل؟ وإذا ما استقلت ما هي الضمانة بأن من سيخلفني لن يخفق مثلي؟ أما لو كنت مسؤولا في بلدنا لوجدتني أتساءل هل سأكون الهدف التالي لعمليات إطلاق النار التي تكررت في الآونة الأخيرة؟
الشاطر انا
"اللي ببلاش كثر منه" هيك بيقول المثل. وأنا يا جماعة لما بروح بشتري شغلة، بكثر من اللي ببلاش. يعني مثلا لما بروح ع الخضرجي وأنا بعبي هالأكياس، بذوق من كل شي ممكن أذوقه. ولما بروح على المخبز ما بخلي نوع بسكوت الا بسفقلي حبة منه. أما المحمص فنقرش بلا حرج. في يوم من الأيام صاحب المحمص زهق مني وفاض فيه من كثر ما نقرشت فقال لي وهو منرفز "يا أخي الشغلة بدها ذوق". رحت رديت عليه "طبعاً بدها ذوق وهيني بذوق"! شاطر أنا.
العدالة للشعب الفلسطيني اولا
بقلم: حسيب النشاشيبي - معا
عندما دعا الرئيس عرفات كلينتون لحضور جنازته كان بهذا يرد على تهديد كلينتون إثر رفض عرفات العرض الأميركي ـ الإسرائيلي لتصفية القضية الفلسطينية في مباحثات كامب ديفيدعام 2000. تحضر ذكرى الواقعة بمناسبة معاودة كيري رحلاته المكوكية. يعاود كيري جولاته بعد ان سفه الطرف الفلسطيني اقتراحه بصدد تأكيد امن إسرائيل اولا . فما اكذب المسئولين الإسرائيليين ومناصريهم على الساحة الدولية إذ يدعون حاجة اسرائيل إلى ما يعزز أمنها بينما تملك الترسانة النووية والأسلحة التقليدية المتقدمة ولديها اضخم جيش في المنطقة.
إسرائيل تنشد سرقة الأرض، والأمن في القاموس السياسي الإسرائيلي هو قضم المزيد من الأرض الفلسطينية. ومشروع كينغ وخطة براذر والطمع في اراضي الغور الخصبة هو مضمون البرنامج الأمني الإسرائيلي، وهو ما يشغل حكومات إسرائيل بدعم من أميركا. حتى أراضي الغور لا تشبع نهم نتنياهو واليمين الإسرائيلي، إنما الضفة بكامل مساحتها؛ إسرائيل، حسب تقدير اوري أفنيري في مقاله الأخير، ترفض السلام وتتذرع بقوة إيران بما يثير السخرية المرة كما عبر عنها اوري أفنيري ، "لا يرضي نتنياهو غير دخول إيران في الحركة الصهيونية".
فلماذا عاد كيري لمباشرة جولاته المكوكية؟ هل عاد كيري لاسترضاء الفلسطينيين من جديد بعد ان بلغ بهم الغضب أن اتهموه باسترضاء اسرائيل على حساب الفلسطينيين؟ هل عاد ليقول "فهمتوني غلط؟ أم أن كيري انتوى توجيه التهديد من جديد في مسعى لفرض "اتفاق إطار سيجر وراءه الموقف الأوروبي وربما الروسي، وبطرق مختلفة سيجر وراءه مواقف عربية"، مثلما استشرف النوايا صحفي مسموع الكلمة في فلسطين؟ وفي مواجهة المأزق المترتب على الخطوة الأميركية طرح الصحفي بلهجة إنذار من موقف انهزامي؛ إذ دعا لتجنب ما أسماه " عبارات نارية من قبل عديدين من الناطقين الرسميين او المتطوعين" ؛ فهذا الشعب "يتوق لرؤية مخارج فعلية من أزماته وليس مجرد عبارات إنشائية، ... ولن يصغي مجددا للشعارات غير القابلة للتحقيق". كلمات ملغزة غامضة توحي بالخنوع وقبول ما يعرضه الوزير الأميركي من حل مرحلي مزعوم ، حل يمنح الاحتلال المنبوذ عالميا طاقة تجدد بذريعة أن قضية الشعب الفلسطيني تجتاز مأزقا غير مسبوق ، أي أكثر انغلاقا وتأزما من زمن كامب ديفيد! فهل يراد قبول ما رفضه ياسر عرفات وتحت التهدبد ؟
لا، لن يكون ذلك ! . فقد مضى إلى غير رجعة زمن جولات كيسنغر المكوكية التي روضت العرب كافة للمشروع الصهيوني وأخضعتهم لبرامج التكيف الهيكلي التي ربطتهم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بالليبرالية الجديدة وبمشروع الهيمنة الكونية للولايات المتحدة.لا ولن تجوز على شعبنا فتوى السادات بأن الولايات المتحدة تملك 99بالمائة من اوراق حل المشكلة الفلسطينية. ما من سبيل للتخلص من الأزمات لتحقيق الأهداف الوطنية من خلال الوساطة الأميركية. فعبر الوساطات الأميركية دأب الوسيط الأميركي على انتزاع التنازلات من الطرف العربي وتزويد إسرائيل بما يعزز مواقعها, هكذا حصل في كامب ديفد بين السادات وبيغن، وحصل أثناء كمب ديفيد بين عرفات وباراك الى آخر المسلسل. وصدق اوري افنيري إذ سجل على الإدارات الأميركية انتداب أصدقاء إسرائيل للقيام بالوساطة المزعومة.وصدق مرة اخرى إذ قال مؤنبا حكام إسرائيل:" السلام عملية تتطلب بذل المساعي من اجلها والاستثمار فيها ، تتطلب شن حملة سلام مثلما تشن الحروب.وقد شن نيلسون مانديلا حملة السلام ؛ ولهذا حضر العالم بأجمعه جنازته، لربما لهذا السبب لم يحضر قادة إسرائيل."
إنها النظرة المأزومة العاجزة عن رؤية موقع القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي؛ وهي الكليلة عن رؤية حركة التضامن الواسعة مع القضية الفلسطينية وضد الأبارتهايد. لعل المثال التالي يشعر الناعقين بالاستسلام لشروط كبري بالخجل: كا شمعون بيرس ضيف الشرف في معرض الكتاب بالمكسيك. جرت مظاهرات تستنكر الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الشعب الفلسطيني ، وتتضامن مع نضال الفسطينيين، ولكن خارج المعرض . غير أن "حصان طروادة " عبر وانتصب بوجه بيرس، حسب تعبير مراسل راديو بيلينغ،ماركوفينيسيو غونزاليس. والرواية حسبما رواها على موقع كاونتر بانش الروائي المكسيكي المشهور مالو هواكوجاديل تورو ، الذي دعي لإلقاء كلمته في المعرض فتلا باللغة الإسبانبة كلمة كتبها الكاتب اليهودي أيليوت سبيربر استهلها بالقول "ان تصمت يعني أن تكذب" والثقافة سياسية. وجاء في الكلمة التي اضطر شمعون بيريس لسماعها في معرض الكتاب يجب التمييز بين دولة إسرائيل وبين غنى التراث الثقافي اليهودي. ونقل الكاتب عن أوري أفنيري قوله إن اليهود يشكلون الأقلية بين السكان المقيمين في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية . ثم قال تحظى سياسات دولة إسرائيل يتأييد جمهرة كبيرة من اليهود خارج إسرائيل وداخلها ، لكن إعدادا لا تقل عن هؤلاء توجه انتقادات لاذعة لنهج إسرائيل.
يجدر بمن يشتغلون بالسياسة أن يستشرفوا المستقبل ضمن الإطار الأوسع للوضع الدولي، ومن خلال التدقيق في مرامي الأطراف السياسة المباشرة. وعلى من يرصد مأزقا تتردى فيه الحالة الفلسطينية أن يلوم نهج التراجع امام ضغوط الامبريالية الأميركية . أميركا تقف مع الجانب المعتدي مثلما وقفت من قبل بجانب نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا. أميركا دعمت نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا بالمساعدات العسكرية والاقتصادية والسياسية . وكانت إسرائيل هي المورد الوحيد للسلاح إلى نظام الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، حين اضطرت دول اخرى للإذعان لقرار الحصار حول النظام العنصري. ولم يشطب اسم مانديلا وحزبه، حزب المؤتمر الوطني الإفريقي من قائمة الإرهاب إلا عام 2008. لكن هذا الدعم لم يمنع من تحطم هذا النظام بفضل صمود مانديلا ورفاقه على المواقف المبدئية لحركتهم الوطنية وحفاظهم على وحدة وتلاحم الجبهة الشعبية المناهضة للأبارتهايد.
وقد اضطر الرئيس الأميركي مراعاة القيم الإنسانية في تراث المسجى امامه إلى النط ق بوجوب"التصرف طبقا للعدالة". حيا اوباما مانديلا "عملاق التاريخ الذي نقل امة نحو العدالة إن موت مانديلا ، يقول اوباما ، مناسبة أفضل ما تكون لتأمل الذات. ويرد الكاتب الحقوقي الأميركي لين واشنطون، أحد مؤسسي الشبكة الإليكترونية "ما كان هذا ليحدث "أن "ما يدعو الى السخربة أن تأمل الذات هو بالضبط ما يحتاجه رئيس اميركا إذا أراد تحسين سجله . قال الحقوقي الأميركي لين واشنطون "لم يتعلم الدرس الأول من تراث مانديلا : تجاوز البلاغة الرمزية إلى الفعل....لم تستطع بلاغة النفاق السياسي تغطية تقصير أوباما في الاعتذار عن إساءات اقترفتها الحكومات الأميركية وأفضت إلى وضع مانديلا في السجن" كما استنكر أوباما واقع " أنه ما زال رجال ونساء في جنبات المعمورة مسجونين بسبب المعتقد السياسي. في وداع مانديلا ". اكتفى اوباما بالقول أن الزعيم تحمل "فترة سجن قاسية". ومن باب النفاق ان يقول ما قاله، وبتجاهل آلاف السجناء السياسيين الفلسطينيون يكابد كل منهم "فترة سجن قاسية"، وأقسى مما كابده مانديلا ورفاقه ؛ فذهنية الفاشية تفتقت عن وسائل أشد همجية لم تخطر بالبال من قبل. لم يخرج سجناء من قبل مصابون بالسرطان أو قضوا بالمرض مثل الراحل ميسرة أبو حمدية.
مانديلا وحزبه وشعبه، حفظوا الجميل ، وهم يقطفون ثمار الصمود وتلاحم الصفوف، لحلفاء وقفوا بجانبهم على الصعيد الدولي أثناء النضال القاسي ضد نظام الأبارتهايد. احتضن مانديلا ياسر عرفات لدى أول لقاء بينهما في موزمبيق، ولم يتردد في إعلان التماهي مع منظمة التحرير الفلسطينية وتضامنه مع نضال الشعب الفلسطيني ضد الأبارتهايد الإسرائيلي. كانت فلسطين ولم تزل في الجبهة العالمية للنضال ضد الامبريالية والكولنيالية والعنصرية والأبارتهايد. حقا فالوضع الفلسطيني ليس بالسوء الذي وصف به. وكل من يهتم بالعدالة في فلسطين يرى بمعنويات عالىة، القضية الفلسطينية تحظى بتأييد لا قبل للتحالف الامبريالي ، الإسرائيلي تجاهله.
كتب صامويل نيلسون غيلبرت مقالة نشرت على موقع كاونتر بانش في العاشر من كانون اول /ديسمبر اورد فيها أن حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني تتنامى في الولايات المتحدة ، خاصة داخل المؤسسا ت الأكاديمية .فقد اتخذ مؤتمر جمعية الدراسات الأميركية قرارا بالإجماع يؤيد حركة (بي دي إس)الرامية لمقاطعة إسرائيل وحصارها وسحب الاستثمارات من مشاريعها . اعتبرت الجمعية القرار "موقفا أخلاقيا يمثل مبدأ للتضامن مع العلماء والطلبة المحرومين من الحرية الأكاديمية (في فلسطين) وتطلعا لتوسيع نطاق الحرية للجميع بمن فيهم الشعب الفلسطيني.
وهذا القرار اعتبره البروفيسور في الدراسات الأميركية، اليكس لوبين ، كسرا لما أطلق عليه إدوارد سعيد" التابو الأخير" وإفساح المجال داخل المجتمع الأميركي لاختراق الصمت المفروض بصدد الاحتلال الإسرائيلي. وقال البروفيسور المرموق ديفيد للويد، من جامعة كاليفورنيا ، وهي الجامعة التي حاضر فيها إدوارد سعيد، أن جميع المتحدثين بالمؤتمر عبروا بطرق عدة أن المقاطعة جوهرية بالنسبة لقضية العدالة، وتشير إلى مدى التحول داخل الأكاديميا الأميركية. وكتب البروفيسور لوبين عقب انتهاء المؤتمر " رغم أن الحركة الفلسطينية للتضامن تعمل منذ زمن طويل فإن تنامي نشاط حركة الطلبة من اجل العدالة في فلسطين( أس جى بي) عبر الجامعات الأميركية ساهمت أكثر من غيرها في توسيع إمكانيات النقاش للفلسطينيين داخل الجامعات الأميركية.
أثناء زيارة اوباما لجنوب إفريقيا في شهر حزيران الماضي قوبل بمظاهرات حاشدة تطالبه التصرف طبقا لمبدأ العدالة العنصرية؛ وتعرض اوباما لهجوم من قبل الجمهور الغاضب من سياساته الخارجية القائمة على الغطرسة و اضطهاد الشعوب. حمل المتظاهرون على الحروب العدوانية وعلى الإبقاء على سجن غوانتانامو مواصلة دعم إسرائيل بسياسات القهر الشبيهة بالأبارتهايد المندثر في جنوب افريقيا.
وبفضل نشاط المنظمات الطلابية من اجل العدالة في فلسطين بات النضال الفلسطيني جزءا من طيف أعرض يضم النضال ضد الامبريالية والكولنيالية والعنصرية والأبارتهايد. غدت فلسطين قصية محورية في نضال اليسار والتقدميين..كما أكدت البروفيسورة سنينة ميرا ، أستاذة الدراسات الأميركية بجامعة كاليفورنيا ـ ديفيس.
العدالة في فلسطين مطلب قوى التقدم وانصار حقوق الإنسان. وهذا الاتجاه هو الذي سيضع النهاية العادلة للصراع حول فلسطين.
تغريدة الصباح - ثلج وكبريت
بقلم: عدلي صاد - الحياة
مع صقيع المساء الأخير، من ذات نهاية لذاتِ سنة؛ ماتت الطفلة بائعة الكبريت، في واحدة من أشهر الأقاصيص الخرافية، التي ابتدعتها مخيّلة أديب دانماركي وعالمي شهير، عاش في القرن التاسع عشر، هو "هانس انديرسون". هنا، وفي سطور قليلة، يرى واحدنا كيف تشتعل الأمنيات ثم تخبو، فتنطفئ، ليخسر الواهمون ويألمون. في اشتعال الأمنيات، تستكمل خَلجة التمني بهاءها، وكأن الغايات قد تحققت. يستفيق الحالم على رماد وجمود، وعلى هطول الجنون ثلجاً، وعلى انسداد إنساني. يغمر البرد الطريق، من دورا الى قباطيا، أو من غزة الى جنين، وربما من رأس الناقورة الى رفح، حسبما يُتاح للمخيلة أن ترى حدود ملعبها. فالطفلة الفقيرة التي ضّن عليها "أنديرسون" باسم يُخلّد ذكراها، مكتفياً بتعريفها كبائعة كبريت؛ فقدت ـ أول ما فقدت ـ حذاءها، في طريق مُضنٍ، أبيض، لاسع البرودة، خطير الإزلاج. شعرها الأصفر كان عارياً في الشتاء، ثم حفيت قدماها. لا يماثل بؤس حالها سوى حال من لا سقف له، ولا سلاح ولا سلام ولا طريق، ثم ينشغل في محاكاة نفسه، فتنتج مخيلته المأزومة صور الفائض من الدفء والعنفوان، ويلاعب نفسه النرد. يجادل خصمه الموهوم، ويساجله، وينازعه على ومضات مجدٍ لا ولن تتيحه لأحد، ولن تُعلله، أية حقيقة موضوعية، ولا يعلله تاريخ قريب أو بعيد.
الطفلة بائعة الكبريت، لم تلق من يقبض بضاعتها أو يشتري. فقدت حذاءها، وكان الغطاء انحسر عن رأسها أصلاً، فيما نُثار الثلج في هطول. آوت الى موضع بين منـزلين، تستشعر الدفء من خيوط ضوء، تنبعث من نوافذ بيوت الآخرين. لاذت الى أعواد ثقابها. فهذه هي كل ما تمتلك. اشعلت واحداً وتعمدت أن تداري ناره براحتي يديها. أحست بدفء لا يوفره فعلاً عود الثقاب. وما أن انطفأ العود الأول حتى أشعلت التالي وصولاً الى الثقاب الأخير. مع كل اشتعال مؤنس، تتبدى الصور والتمنيات، في عيون الصغيرة، وكأنها تراها تحققت في الواقع. مونار حديدي كبير، مدت ساقيها بجانبه لتدفّئهما؛ سرعان ما اختفى مع تلاشي الثقاب. يظهر في السياق، ديك الرومي المحمّر الشهي التقليدي، الشائع حضوره في تلك الأمسيات. ثم شجرة ميلاد متلألئة، بشفاعة عودٍ آخر، تختفي بعد اللحظ الخاطف، مع انطفاء الشعلة الصغيرة. وكلما استحالت خلجة التمني، أكذوبة أو لقطة خداع؛ كانت بائعة الكبريت تحاول الإضاءة توخياً للدفء دون أن تيأس. ومع الثقاب الأخير، ظهرت جدتها الرهيفة الرحيمة. تخيلتها واقفة وسط الأنوار مستبشرة هانئة. عندئذٍ يستبد الخوف بالطفلة بائعة الكبريت، إذ ربما تختفي الجدة مثلما تلاشت كل الأحلام، فتسارع الصغيرة الى إشعال عود الثقاب تلو الآخر، وهي تصيح: "خذيني معك يا جدتي" وليس من جدة تُلبي، حتى ينفد الكبريت!
في موضع بين منـزلين، شوهدت الطفلة في الصباح ميتة ومتجمدة، ارتسمت على شفتيها بسمة صغيرة، إما ساخرة أو ساذجة. الذين رأوها على هذا النحو، من المارّين في غير اكتراث؛ علقوا قائلين: ماتت الصغيرة في المساء الأخير، ولم تكن تطمح الى ما هو أكثر من الدفء!
يا لهذا الصقيع اللئيم. ركام سميك، من نُثار الثلج، يجثم على العقول وعلى المصائر. بائعة الكبريت، في استسلامها للهطول، اختارت الوهم بديلاً عن التفكير العقلاني. أغوتها الصور الزائفة، والبهاء المفترض، فانصرفت عن بعض الدفء الحقيقي والتواضع الجميل، تماماً مثلما انتهى حلم سنغافورا في غزة، الى ظلام لا ترضى به الصومال، وانتهى حديث "الدولة" الى تجويف تام للمجتمع، من السياسة ومن المؤسسات الدستورية التشريعية والرقابية. اتكأت بائعة الكبريت على الوميض القصير، مثلما يتكئ الواهم بالوجاهة والعنفوان، على مجدٍ سخيف ليس له تعليل.
آفاق الترغيب والترهيب الاوروبي
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
بادر ممثلو الاتحاد الاوروبي إلى تسليم رسائل لممثلي فلسطين وإسرائيل، تضمنت الرسائل سلاحي الترغيب والترهيب لكلا الطرفين، في البعد الاول، حرص الاتحاد الاوروبي على التأكيد، انه سيقدم دعما ماليا واقتصاديا وعلى المستويات المختلفة في حال تم الوصول الى خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. وعلى صعيد الترهيب، هدد إسرائيل بتحميلها المسؤولية عن فشل عملية السلام نتاج مواصلة الاستيطان؛ كما تضمنت الرسالة للفلسطينيين تهديدا إن "لم يستجيبوا" لتقديم تنازلات لإحداث قفزة في عملية السلام؟!
الخطوة الاوروبية، التي باركتها الادارة الاميركية، تضمنت الايجاب والسلب تجاه طرفي الصراع. الايجابي الاستعداد لتقديم حوافز كبيرة في حال فتح أفق لعملية السلام. مع ان دولة الاحتلال الاسرائيلية، لا تحتاج إلا للغة العصا، لانها اساسا من يعطل مسيرة التسوية السياسية من خلال تخندقها في خيار الاستيطان الاستعماري. الامر، الذي يفرض استخدام لغة الالزام من خلال فرض العقوبات. لاسيما ان تجربة العالم خاصة اقطاب الرباعية الدولية مع إسرائيل، تشي ان حكومات إسرائيل لم تلتزم حتى الآن بأي استحقاق من استحقاقات التسوية، ليس هذا فقط، بل هي تعمل جاهدة لضرب وتصفية اي خطوة على هذا الصعيد. والتجارب الاستعمارية الاخرى في التاريخ، تؤكد ان تصفية الاحتلال وإسقاط ومحو العنصرية والتطهير العرقي لا تتم بتقديم الدعم، بل باستخدام سياسة العقاب الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي والتجاري والامني.
وعلى الصعيد الفلسطيني وقع الاتحاد الاوروبي في أكثر من خطأ في رسالته، اولا عندما ساوى بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بين الجلاد والضحية؛ بين دولة الاحتلال والشعب الواقع تحت نير الاحتلال والاضطهاد. ثانيا التلويح بممارسة سياسة العقاب تجاه الشعب الفلسطيني، فيها قصور فادح، ما هو المطلوب من الفلسطينيين؟ هل تخلفوا منذ التوقيع على اتفاقيات اوسلو عن استحقاق من الاستحقاقات المتعلقة بهم تجاه دولة الابرتهايد الاسرائيلية؟ هل مطلوب من الفلسطينيين ان يتخلوا عن حق العودة لديارهم، التي كفلها لهم القانون الدولي؟ هل مطلوب منهم ان يتنازلوا عن روايتهم التاريخية لصالح رواية صهيونية مزورة وكاذبة، ويعترفوا بـ"يهودية" الدولة الاسرائيلية، ليضعوا رقبتهم، ورقبة شعبهم في مقصلة الصهيونية الكولونيالية؟ هل مطلوب من الفلسطينيين ان يوافقوا على الخطة الامنية الاميركية، التي تتجه نحو تمرحل الحل لعشرات السنين وبقاء جيش الاحتلال الاسرائيلي على حدودهم ومعابرهم، وبالتالي يقبلون بخيار الدولة ذات الحدود المؤقتة؟ وما هي معايير الاستقلال السياسي والاقتصادي؟ وما هي معايير السيادة بالنسبة لدول الاتحاد الاوروبي؟
أسئلة كثيرة تطرح نفسها على الاوروبيين، الذين خطوا الرسائل، ليراجعوا كل كلمة فيها بدءا من الالف وانتهاء بالياء، كي تعيد صياغتها بشكل منهجي يتوافق مع روح الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام، إن كان الاتحاد الاوروبي يريد بلوغ ما يطمح اليه من تقدم لعملية السلام، وإن شاء القائمون على الاتحاد إنصاف الشعب العربي الفلسطيني، ومنحه بعض حقوقه الوطنية. لانهم اولا وثانيا.. وعاشرا شركاء في النكبة، التي حلت بالشعب العربي الفلسطيني، وعليهم ان يكفروا عن بعض ذنوبهم باستخدام سلاح الضغط والعقاب على دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية حتى يكون لرسائلهم آفاق في خدمة عملية السلام.


رد مع اقتباس