اقلام محلي 07/06/2014
في هذا الملـــــف:
تصعيد اسرائيلي خطير آخر !!
بقلم: حديث القدس – القدس
لا جدوى من الدعم ... المالي بالتنقيط والسياسي بالكلام
بقلم: حديث القدس - القدس
مسموح لنتنياهو... محظور على عباس
بقلم: بيتر باينت – القدس
السيسي والمهمات الصعبة
بقلم: د. حسين حافظ – القدس
.. والخطوتان: الثانية والثالثة؟
بقلم: حسن البطل – الايام
حتى لا تصبح المصالحة رزمة مصالح
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
تغريدة الصباح - مدار المثابرين
بقلم: عدلي صادق – الحياة
اختلال! ماذا يعني احتلال؟
بقلم: جواد بولس – الحياة
تصعيد اسرائيلي خطير آخر !!
بقلم: حديث القدس – القدس
قيام الشرطة الاسرائيلية وأجهزة مخابراتها امس، بمداهمة المؤسسة الاعلامية "بال ميديا" ووقف بث برنامج "صباح الخير يا قدس" والقيام باعتقال ثلاثة من العاملين فيها واستجوابهم حول طبيعة عملهم الصحافي وكذا تفتيش المؤسسة وما أعلنته الناطقة باسم الشرطة لوبا السمري من أن الحدث يدور عن تحقيق مستمر في مضمون أنشطة هذه المؤسسة الاعلامية إنما يشكل تصعيدا اسرائيليا جديدا ضد المؤسسات المقدسية وانتهاكا فظا لحرية الصحافة والاعلام والتعبير واعتداء صارخا يضاف الى سلسلة الاعتداءات التي يتعرض لها الصحفيون المقدسيون من ملاحقة واستجواب واعتقال واعتداءات جسدية ... الخ من الممارسات الاسرائيلية.
وعلى الرغم من ان هذه المؤسسة حاصلة على ترخيص بالعمل في المدينة فمن الواضح أن هذه الخطوة الاسرائيلية تندرج في إطار محاولة إخماد الصوت الفلسطيني والرواية الفلسطينية لحقيقة ما يجري من انتهاكات اسرائيلية في القدس، كما يندرج في إطار محاولة اسرائيل إنهاء عمل المؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة في إطار السياسة الاسرائيلية العامة الهادفة الى تهويد القدس.
وليس صدفة أن يتزامن هذا الاجراء الاسرائيلي مع ما أعلن في اسرائيل امس الاول عن مناقصات جديدة لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في القدس وما أعلن أمس، ايضا من مخطط لإقامة فنادق اسرائيلية غربي قصر المندوب السامي في المدينة.
ومما لا شك فيه ، وعدا عن شجب واستنكار هذه الحملة الاسرائيلية التي يبدو انها متصاعدة في استهداف الصحفيين والمؤسسات الاعلامية الفلسطينية في القدس، وهو ما شجبته بشدة نقابة الصحافيين ووزارة الاعلام، فإن هذه الخطوة الاسرائيلية الخطيرة يجب ان توضع أمام كافة المحافل الدولية والمنظمات الحقوقية لمحاسبة اسرائيل على ممارساتها وإفهامها ان ما تقوم به غير شرعي وباطل خاصة بعد اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين على كافة الأراضي المحتلة منذ عام 67 وفي مقدمتها القدس.
إن ما يجب ان يقال هنا أن على اسرائيل ان تدرك ان من حق المؤسسات الفلسطينية على اختلافها بما فيها المؤسسات الاعلامية ان تواصل عملها في القدس وأن التذرع بحجج واهية مثل التحريض وغيره لن تحجب حقيقة ان سلطات الاحتلال تسعى لطمس الرواية الفلسطينية والوجود العربي الفلسطيني في القدس. فالتحريض الذي تزعمه السلطات الاسرائيلية إنما هو ما تكشفه الصحافة والاعلام من انتهاكات اسرائيلية جسيمة في المدينة المقدسة سواء عبر الاستيطان أو المصادرات أو سياسة التضييق على المقدسيين أو الاعتداءات المتواصلة على الصحافيين الفلسطينيين.
واذا كان يحلو لاسرائيل والناطقين باسمها التشدّق دوما بشعارات الديمقراطية والحرية فإن ما تقدم عليه السلطات الاسرائيلية إنما يؤكد اننا أمام احتلال بشع لم يتغير منذ عام 67 وحتى اليوم وأن ما تفعله اسرائيل في المدينة المقدسة في واد يختلف كليا عن الشعارات والعبارات المعسولة التي يطلقها الناطقون الاسرائيليون في محاولة لتضليل الرأي العام العالمي وذر الرماد في العيون.
وفي المحصلة، فإن على اسرائيل ان تدرك ان ممارساتها التصعيدية الخطيرة هذه لن تسهم في إرساء الأمن والاستقرار في هذه المنطقة كما لن تفلح في كسر إرادة الشعب الفلسطيني وسعيه للحرية والاستقلال وأن من الأجدر بها إنهاء احتلالها غير المشروع للأراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة حتى ينعم الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي بالأمن والسلام والاستقرار بدلا من المغامرات العبثية التي تقوم بها سلطات الاحتلال.
لا جدوى من الدعم ... المالي بالتنقيط والسياسي بالكلام
بقلم: حديث القدس - القدس
بالأمس، حدثت اشتباكات عند البنوك في غزة بين موظفين يطالبون برواتبهم وجهات أمنية مما ادى الى تعطل العمل وتوقف الخدمات. وبالامس ايضا، وعلى مستوى آخر مختلف اعلنت اسرائيل عن مخططات لبناء 3300 وحدة استيطانية جديدة في القدس ومناطق متعددة بالضفة.
هذان المشهدان يعبران عن واقعنا الفلسطيني والمأزق المدمر الذي نواجهه والتحديات المصيرية التي تهدد ارضنا وبقاءنا وصمودنا. المشهد الأول هو المأزق الاقتصادي الذي يعصف بنا والديون المتراكمة على مؤسساتنا ولها، كما يحدث في شركة كهرباء القدس والمستشفيات وموردي الادوية ومؤسسات اخرى كثيرة. ونسمع كثيرا ان الدولة الفلانية تبرعت بكذا مليون دولار او يورو لدفع قسم من الرواتب لمدة شهر واحد على الاكثر بحيث يكون غالبا الراتب غير مضمون ولا مؤكد صرفه في نهاية كل شهر. وكلما حدثت ازمة كما حدث في غزة أمس، تسارع دولة او اكثر لتقديم دعم مالي محدود... وتتكرر القصة شهريا تقريبا ويظل هذا الدعم بالتنقيط غير كاف ولا هو الدعم المطلوب. لقد قررت مؤتمرات قمة تخصيص ميزانيات كافية لسد احتياجات السلطة ونفقاتها ولدعم القدس وحمايتها من التهويد، وهذه الميزانيات حددتها قرارات القمة هذه بالارقام وتواريخ الدفع. إلا ان شيئا من هذا لم يحدث، وهكذا سنظل ندور في حلقة مفرغة داخل مأزقنا الاقتصادي دون وجود مخرج حقيقي.
وعلى المستوى السياسي غير البعيد عن الاقتصادي، نجد اسرائيل تمعن في ممارساتها الكارثية ضد ارضنا ومقدساتنا بشكل يومي تقريبا وقد اتخذوا من تشكيل حكومة التوافق الوطني مبررا كاذبا وغطاء مزيفا لتوسيع الاستيطان كما حدث على سبيل المثال، بالامس. وهم يواصلون اقتحام حرمات الاقصى المبارك بشكل يومي وباعداد متزايدة ويتقدمهم اعضاء كنيست او قياديون من احزاب وجمعيات متعددة ولا يخفون نواياهم وخططهم لتقسيم الزمان والمكان في الحرم القدسي الشريف.
العالم كله، وفي المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، يعترف بحكومة التوافق لان سياستها المعلنة لا تختلف عن اي حكومة سابقة شكلها الرئيس ابو مازن وحدد سياستها بكل وضوح. وكل العالم يقف ضد الاستيطان ويعارض السياسة الاسرائيلية بهذا الخصوص. كما ان العالم العربي والاسلامي يصدر بين الحين والآخر بيانات الادانة والاستنكار دون ان يحرك ساكنا، للرد على هذه الممارسات الاستيطانية والتهويدية، ونجد نحن ان هذا الكلام المكرر لا يعني شيئا من واقع الحال ويظل مجرد حكي لا قيمة له، وتظل الارض تضيع وتظل المقدسات تحت التهديد.
في هذه الاحوال المأساوية المخجلة نظل نحن، او يجب ان نظل نحن، اصحاب القرار والمبادرة لمواجهة هذه التحديات والبحث عن ردود مناسبة، وسنظل ننتظر هذه "الردود غير المسبوقة" التي تحدث عنها نبيل ابو ردينة بالامس.
مسموح لنتنياهو... محظور على عباس
بقلم: بيتر باينت – القدس
محمود عباس (ابو مازن) يواصل مهام منصبه كرئيس فلسطيني رغم أن ولايته القانونية انتهت منذ زمن بعيد، كما يتفق اليمينيون الاسرائيليون بينهم وبين أنفسهم والامريكيون. فضلا عن ذلك، يقولون، فيما يروجون لخطاب نزع الشرعية عنه – بانه لا يحكم على الاطلاق في قطاع غزة الذي يوجد تحت حكم حماس منذ 2007.
وعليه ايها الصقور فانزعوا القلق من قلوبكم. فقد أقام الفلسطينيون حكومة وحدة وطنية تستهدف اعداد التربة لانتخابات في الضفة الغربية وفي قطاع غزة. هذا الجهد كفيل بان يفشل، ولكنه يطرح الفرصة الافضل منذ سنوات لتحقيق الامر الذي يدعي اليمين اليهودي بانه إرادته: زعيم فلسطيني له شرعية للوصول الى اتفاق.
وما هو رد بنيامين نتنياهو وحلفائه الامريكيين المحافظين؟ ليس جيدا. حكومة اسرائيل تهدد بوضع حد لعلاقاتها مع السلطة الفلسطينية، وبعد الجمهوريين في الكونغرس يضغطون لوقف المساعدات الامريكية. والسبب؟ الحكومة الجديدة قامت بمباركة حماس.
وهنا تصبح الامور مشوقة. على مدى السنين بررت اسرائيل معارضتها لحكومة تضم اعضاء حماس باقتباس عن اعلان للرباعية في 2008، يطلب من كل حكومة فلسطينية الاعتراف باسرائيل، بالاتفاقات التي وقعت معها والتخلي عن العنف. غير أن الحكومة الفلسطينية الجديدة تنجح في التوافق مع هذه المطالب. ومع أن حماس كحزب لا يقبل هذه المطالب الا أن عباس الذي يواصل تولي منصب الرئيس، فيدعي بان حكومة الوحدة تفعل ذلك. ويشير مساعدوه الى لبنان الذي يجلس في حكومته حزب الله ومثل حماس تعرفه الولايات المتحدة بانه منظمة ارهابية. تقاطع الولايات المتحدة الوزراء من حزب الله، ولكنها تقبل بالحكومة اللبنانية بمجملها. اما عباس فيطلب معاملة مشابهة.
في نظر نتنياهو، هذا السيناريو ليس مقبولا. حسب موقفه، لا يهم اذا كان عباس يقول ان حكومته تقبل الشروط. على العالم أن يقاطع كل حكومة "مدعومة من حماس وتسندها حماس". ويطرح الموقف سؤالا: هل ستنجح حكومة نتنياهو في الاختبار الذي تجريه لعباس؟ ليس معقولا. فالشرط الاول للرباعية هو أن يعترف الفلسطينيون بحق اسرائيل في الوجود كدولة ذات سيادة. ولكن حكومة اسرائيل مدعومة من البيت اليهودي، حزب وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، وتستند اليه. وهذا الحزب يعارض بشدة حق الفلسطينيين في دولة. كما ان بينيت ليس مؤيدا كبيرا لاحترام الاتفاقات الموقعة. فهو يريد ضم 60 في المئة من الضفة، وهكذا يلقي الى القمامة باتفاقات اوسلو في 1993 وخريطة الطريق للسلام في 2002.
ولكن حتى لو تجاهلنا البيت اليهودي فان حكومة نتنياهو تستند الى حزب أكبر لم يعد يقبل شروط الرباعية – الليكود. مثل حماس، لليكود تاريخ معارضة لحل الدولتين. في برنامجه في 1999 كتب أن الحزب "يعارض اقامة دولة فلسطينية عربية غربي نهر الاردن". وفي موقع "الليكود العالمي" يظهر برنامج سياسي من العام 2006 يتعهد بان "تتوقف المحادثات على اقامة دولة فلسطينية" و "ستعلن اسرائيل عن حقها في الوجود في حدودها دون تنازلات عن المناطق".ومن أجل النزاهة، تجدر الاشارة الى أن هذه الوثائق سبقت خطاب بار ايلان لنتنياهو في 2009، والذي أيد فيه اقامة دولة فلسطينية. غير أن الليكود لم ينشر بعد برنامجا جديدا يلغي فيه معارضته لحل الدولتين. وليس صدفة. فمثلما تفصل اليشيفع غولدبرغ في "ديلي بست" فان معظم المرشحين المتصدرين في قائمة الليكود للكنيست في 2013 عارضوا علنا اقامة دولة فلسطينية. وضمن المعارضين يوجد ايضا وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون.
ولا يذكر بالايجاب تاريخ الليكود في احترام الاتفاقات في الماضي. ومثل بينيت، فان الكثير من نواب الليكود البارزين يرغبون في الغاء اتفاقات اوسلو من خلال ضم قسم كبير من الضفة. وحسب التفسير الامريكي (وان لم يكن الاسرائيلي)، فان تجميد الاستيطان هو شرط ضروري في خريطة الطريق في 2002 – ويكاد يكون كل اعضاء الليكود يعارضون بالقطع هذه القيود. وقد سجل نتنياهو بنفسه في 2011 وهو يتبجح بانه "اوقف اتفاقات اوسلو" من خلال الثغرات التي سمحت له بالتملص من الانسحابات التي تعهد بها اسلافه.
يحاول نتنياهو ان يطبق مقياسا مزدوجا. فمع أنه مدعوم من أحزاب تعارض حل الدولتين، يريد أن يقاطع العالم عباس لذات السبب. وهذا الموقف ليس فقط غير مستقيم من ناحية فكرية، بل وغير مجد ايضا. عمليا، الوضع الراهن محبوب من نتنياهو. والسلطة الفلسطينية هي في واقع الامر مقاول ثانوي لاسرائيل في الضفة. فهي تساعد الجيش الاسرائيلي على منع أعمال الارهاب، والولايات المتحدة واوروبا تمولان هذا النشاط. ولكن هذا الوضع لا يمكنه أن يستمر على مدى الزمن. الامر الذي يحبه نتنياهو أكثر من أي شيء آخر في السلطة هو رغبتها في التعاون مع اسرائيل في شؤون الامن دون أن تتحداه من ناحية سياسية، وهذا بالضبط الوضع الذي يمقته الفلسطينيون.
عباس ابن 79. وهو يعرف بان عصرا جديدا يقف في الابواب. حكومة الوحدة تمثل مساعيه لان يعيد الى السلطة بعضا من المصداقية والشروع في استراتيجية سياسية جديدة في ضوء موت مبادرة سلام جون كيري. اما نتنياهو فليس قادرا على أن يوقف هذا. وحتى لو كان حلفاؤه في الكونغرس يدعون الى الاعتراض على الحكومة الفلسطينية، فان اوروبا ستدعمها. واذا ما عاقب نتنياهو الحكومة من ناحية اقتصادية، فسيطلب عباس اعترافا دوليا أكبر، مما سيسمح له بان يدعي ضد اسرائيل في المحاكم الدولية. واذا أوقف نتنياهو الاموال الى السلطة فانهارت هذه، ستفقد اسرائيل مقاولها الثانوي.
لا أتهم نتنياهو على قلقه من الاثار المحتملة للوحدة الفلسطينية. فلحماس دم كثير على الايدي. واذا ما اندمجت بالفعل قوات أمن فتح وحماس (ما لا يبدو معقولا)، فسيتضرر التعاون الامني مع اسرائيل. غير أنه آجلا أم عاجلا، سيتضعضع هذا الوضع على أي حال. ففي نهاية المطاف الطريق الوحيد لحمل الفلسطينيين على منع الارهاب هو أن يروا أنه من خلال هذا المنع يحصلون على الحقوق والتقدير. لو كان نتنياهو ذكيا، لجمد توسيع المستوطنات وتعهد باقامة دولة فلسطينية حول حدود 1967، الخطوة التي كانت ستري الفلسطينيين بانه من خلال استمرار التعاون يمكنهم أن يحظوا بدولة قادرة على العيش. ولكن هذا سيتطلب تحدي المحافل في حكومته التي لا توافق على شروط الرباعية، وبالنسبة لنتنياهو فان شروط الرباعية لا تنطبق الا على الطرف الآخر.
السيسي والمهمات الصعبة
بقلم: د. حسين حافظ – القدس
مهمات ثلاث تواجه الرئيس المصري الجديد المشير عبد الفتاح السيسي في ترؤسه مصر الدولة والحضارة، نتمنى مخلصين أن يكون قادراً على النهوض بأعبائها، وهو على إدراك تام لمعنى مصر الرمزي والاعتباري، رمزية مصر تتلخص في أنها الدولة العربية المحورية القائدة التي لا يمكن أن تتخلى عن هذه الوظيفة الرائدة في الشأن القومي، ولا يمكن لغيرها من الدول العربية مهما علا شأنها الاضطلاع بهذه المهمة لظروف ذاتية وموضوعية معروفة، واعتباريتها تكمن في أنها الدولة الحضارية الأولى في العالم التي لم تُحل طلاسم فرعونيتها إلى هذه اللحظة ولا يمكن لأي رئيس مصري التراجع عن هذه الوظيفة الحضارية الاعتبارية .
ووفقاً لما تقدم فإنها يمكن أن تشكل القطب العربي الذي تدور في فلكه اثنتان وعشرون دولة، لكل منها خصائصها الطبيعية والبشرية المتميزة، والتي ما انفكت الدول الاستعمارية من جعلها ميداناً للصراع والتنافس الدولي منذ أن تفكك سلطانها العالمي بعد انهيار الدولة العباسية في العراق، ونشأت الحركة الاستعمارية العالمية، وابتدأ الصراع بوجوه وأدوات شتى تارةً دينية مذهبية صفوية - عثمانية وأخرى استعمارية توسعية عثمانية - أوروبية وثالثة استراتيجية سوفييتية أمريكية .
وإذا كانت الدول في العادة تدور في أفلاك ثلاثة، فإن أولها يبدأ بالاستجابة إلى المتطلبات الحياتية التي وصفها ماسلو في سلمه الافتراضي بالحاجات الأساسية، وهي الحاجات الأشد ضغطاً وإلحاحاً من سواها على صناع القرار في الدول كافة، من هنا فإن الرئيس السيسي سيواجه في الإطار الداخلي ضغطاً نوعياً بمستويين .
الأول، معاشي يتطلب أن يوفر ليس خبزاً لملايين المصريين بل فرص عمل تتكفل بعيش موقر للمحرومين من الطبقات المصرية لا سيما تلك المتنورة التي لا تجيد العمل في القطاع الحرفي أو الخدمي، أولئك الذين أهملتهم السلطات المصرية حتى تحولوا إلى بركان هائج فزلزلوا الأرض تحت أقدام الطغاة المتخمين ممن لم يحسنوا إلى شريعة العقد بينهم ومحكوميهم .
مهمة كهذه لا ينبغي النظر إليها ببساطة، فهي كفالة عيش لما يزيد على 94 مليوناً من البشر ضاقت ببعضهم السبل فارتضوا أن يفترشوا المقابر أو العيش وسط النيل في زوارق متهالكة، ثانياً، تترافق مع تلك المهمة مهمة أخرى هي بسط الأمن على مساحة تتجاوز المليون كم مربع تتوزع بين سبع وعشرين محافظة متنوعة التضاريس، وإذا ما أدركنا بأن فرضيات بسط الأمن تتطلب بيئة سياسية ومجتمعية متعاونة وإيجابية، فإن البيئة التي تركها "الإخوان" في مصر هي ليست كذلك، وبالتالي فإن السيسي سيعاني صعوبة نوعية تتطلب جهداً استثنائياً في مواجهة تنظيم تعبث أطرافه في معظم الأقاليم في العالم، والتي تمتد من روسيا شمالاً إلى شمال ووسط وجنوب إفريقيا غرباً، إضافة إلى قدرته على توفير ممكنات مادية لوجستية قادرة على تقويض دول بعينها، وهو تحد خطر ونوعي سيواجهه المشير السيسي، ومما يزيد من صعوبة المهمة أن البيئة المصرية غير قادرة على توفير متطلبات المواجهة في الآني من الأيام .
وبالانتقال إلى الفلك الإقليمي الذي تدور في أرجائه مصر ويحتوي قوى نوعية تختلف في مشاربها الفكرية والمذهبية، ولكنها تتفق في أهدافها ومصالحها الآنية والمستقبلية التي لا تتعدى سوى الإحاطة بالدول العربية واستنزاف قدراتها المادية والروحية، تلك القوى التي تنمر بعضها حتى على المجتمع الدولي في تحدٍ نوعي، وأضحى لا يقيم وزناً للاعتبارات القانونية والأخلاقية إسرائيل مثلاً.
وبالتالي فإن المهمة الجديدة التي ينبغي أن يأخذها الرئيس السيسي بعين الاعتبار هي محاولة إعادة التوازن النوعي بين القوى الإقليمية، بعد غياب طويل وإهمال مقصود وفهم مقصور، ذلك التوازن الذي أشار إليه الرئيس السيسي بالقول وفي إحدى المقابلات في القنوات الفضائية إننا قادمون إليه (مسافة السكة) .
والرجل على ما نعتقد وبما يمتلك من مؤهلات ذاتية وموضوعية قادر على خلق وإحياء بيئة توازنية شرق أوسطية غيبتها القيادات العربية، ولنا في مثال الرئيس الروسي بوتين الذي أعاد إلى روسيا عظمتها وبريقها وقوتها عظةً واضحة، سيما وأن الرجلين يشتركان في مواصفات كاريزمية عدة يفتقر إليها العديد من الرؤساء في العالم .
أما الإطار الثالث فهو الدولي الذي يشهد فيه العالم العربي غياباً فاضحاً ونوعياً، لم يكن لهم فيه حضور ولو شكلي لا في الأحداث الدولية ولا حتى الإقليمية التي يلامس بعضها جوهر أمنهم القومي واستقرارهم السياسي، مكتفين بما تقيمه الجامعة العربية من مؤتمرات سنوية استعراضية يتباكى فيها المتباكون عن سوء أوضاعهم المحلية والدولية .
من هنا لا بد للسيسي إذا أراد إحياء لدور العرب في المجتمع الدولي أن يعيد النظر في الجامعة العربية مؤسسة ومهام، وتلك قضية أساسية ينبغي أن تتضافر الجهود العربية جميعاً لإحيائها .
الدول العربية اليوم جميعاً مدعوة للأخذ بيد الرئيس المصري الجديد ليس لإحياء مصر فقط التي أصابها الكلل قرابة الأربعين عاماً أو يزيد بل لإحياء الوطن العربي داخلياً وإقليمياً ودولياً .
.. والخطوتان: الثانية والثالثة؟
بقلم: حسن البطل – الايام
ثلاث خطوات لترتيب البيت الفلسطيني، تنقل "نيّة" الرئيس أبو مازن على اللا-الترشيح لرئاسة السلطة إلى "عزمه" على ذلك.
خطونا خطوة أولى، هي تشكيل "حكومة الوفاق" كما دعاها الرئيس. من المبكر أن أن نغني لها "دادا .. يللا يللا / دادا ما شاء الله" إذا لم نتبعها بخطوات، أو بخطوتين ذات صلة مباشرة بها.
الخطوتان هما: الانتخابات العامة، الرئاسية والتشريعية، وعقد المؤتمر العام السابع لحركة "فتح" الرائدة - الفائدة.
حسب اتفاق أثمر "حكومة وفاق" فإن موعد "تجديد الشرعية" الفلسطينية سيكون (خلال) أو بعد 6 أشهر، في الأقل من إعلان "حكومة الوفاق". هذا موعد مبدئي، لكن موعد المؤتمر الحركي العام يبدو أكثر تحديداً، وعلى الأغلب في آب المقبل، وربما في يوم انعقاد المؤتمر السادس 4 آب، وهو تاريخ ميلاد الرئيس - المؤسس ياسر عرفات .. وميلاد خصمه مناحيم بيغن!
بالفعل، عقد رئيس السلطة (والحركة والمنظمة) سلسلة اجتماعات للتحضير للمؤتمر السابع، حتى قبل الخطوة الأولى الميمونة فلسطينياً، بإعلان الاتفاق و"حكومة الوفاق".
على ما يبدو، وانسجاماً مع مقررات المؤتمر العام السادس، كان المؤتمر العام السابع سيعقد، حتى لو لم تخط حكومة الوفاق خطوتها، لأن "تجديد شباب" الحركة بدأ جزئياً في المؤتمر السادس بعد 19 سنة من الخامس، ولا بد من استكماله لتسليم قيادة الحركة الى "جيل جديد" من صناعة أعضاء الحركة في أرض البلاد.
الخطوة الثلاثة، المتوقعة بعد "حكومة الوفاق" هي في توجيه، أول من امس، الرئيس رسالتين: الأولى إلى د. حنا ناصر، رئيس لجنة الانتخابات المركزية، للمباشرة في اجراءات فورية لتكون جاهزة خلال المهلة المضروبة، وهي خلال 6 شهور، قد تزيد لكن لن تقل. الرسالة الثانية هي لرئيس حكومة الوفاق، د. رامي حمد الله لمواكبة لجنة الانتخابات المركزية، في حل قضايا وطبيعة الانتخابات قانونياً، وهل ستجري وفق نظام "التمثيل النسبي" (البلاد دائرة واحدة) خلافاً لانتخابات العام 2006 حيث جرت، مناصفة، بين التمثيل النسبي والدوائر.
من الواضح أن حركة "فتح"، بعد مؤتمرها السابع، ستذهب الى الانتخابات وهي موحدة، وليس كما ذهبت بقائمتين، حتى الساعة الاخيرة من اليوم الأخير لباب الترشيح، ما أضعف فرص فوزها، وبخاصة وفق نظام انتخابات الدوائر، حيث كان الاكتساح الأكبر لحركة "حماس" المنتصرة.
هذا يعني انهاء "الانفلاش" الحركي، او "ديمقراطية سكر زيادة" حسب تعبير الرئيس - المؤسس، علماً أن الرئيس أبو مازن حاول ويحاول ضبط مراكز القوى في الحركة، دون المس بخلافات الرأي داخل الحركة، وبخاصة ضبط فوضى "الأجهزة الأمنية".
مؤتمر "بيت لحم" الحركي كان بداية التحول في حركة "فتح" لجهة ضبط العضوية ما أمكن، والاتجاه نحو ضغط أعضاء المؤتمر العام، وانتخاب لجنة مركزية جديدة، غالبية اعضائها محلية وشابة نسبياً، دون كبير إخلال بحصة الاعضاء القدامى "التاريخيين".
هل ستخطو "فتح" الخطوة الضرورية في الانتقال من "حركة" تحرير تبدو "جبهة" وطنية، الى ما يشبه "حزب" كما حصل في "حزب جبهة التحرير الوطني الجزائرية"؟ .. لا يجوز لعضو الحركة ان يترشح مستقلاً عنها كما حصل 2006.
الثورة "فصائل" وأما الدولة فهي أحزاب وائتلافات، ولن تتحول الفصائل في م.ت.ف الى احزاب دون أن تقتدي بالفصيل الأكبر والقائد.
وداعاً، إذاً، للشعار الفتحاوي: "أنا أبن فتح ما غنيت لغيرها" علماً أن بعض خيرة كوادر "فتح" في المنفى كانوا في غيرها من الأحزاب العربية والقومية، أو الفصائل .. والآن: سيكون هذا الشعار أنا عضو حزب "فتح" ما دمت ملتزماً بنظامها الداخلي لا بموالاة مشروعها الوطني، بعد موالاة مشروعها النضالي.
من شأن ثلاث خطوات فلسطينية، متتابعة ومتلاحقة، في هذه السنة الفلسطينية الميمونة، ان تدعم الخطوة الرابعة والأكبر، أي انتقال الثورة الى المنظمة، والمنظمة الى سلطة؛ والسلطة الى دولة - عضو .. فإلى دولة عضو عامل ومعترف بها دولياً.
من من حاجة لامتحان صدقية انتخابات الديمقراطية الفلسطينية، ولا مهنية واستقلالية لجنة الانتخابات المركزية، فقد أدّت الامتحان بنجاح ثلاث مرات في أعوام 1996 البرلمانية والرئاسية و2005 (الانتخابات الرئاسية والبلدية الاولى) وانتخابات 2006، وقد شهد العالم بأسره بنزاهتها، وبخاصة عندما أعلنت فوز "حماس" في انتخابات 2006 وهي اول "نظام" عربي يفعل هذا.
إن اعتراف الاتحاد الاوروبي بحكومة الوفاق، وقبول تعامل الولايات المتحدة معها، يؤشران الى اعتراف دولي لاحق بنتيجة الانتخابات الفلسطينية المزمعة، خلاف ما جرى بعد فوز "حماس" المفاجئ في انتخابات 2006. هذه هي ارادة الشعب، ومن المؤكد ان لجنة الانتخابات ستعلن نتيجة ارادته أياً كانت.
كان الرئيس المؤسس رجل الحركة "الثورة والمنظمة والسلطة" والرئيس ابو مازن يريد أن ينهي خدمته كرجل الدولة.
مدير حملة حماس 2006
تعقيباً على عمود "حكومة محكومة" الاثنين 2 حزيران:
Abdalrahim Zayed ملاحظة: مدير حملة حماس الانتخابية هو الأستاذ (محمد عمر) أبو عمر، ولا يزال مدرس تكنولوجيا ونظم معلومات في مدرسة بيتونيا الاساسية، ويحمل ماستر في الدراسات الاسرائيلية .. وهو صديق عزيز (اقتضى التنويه).
حتى لا تصبح المصالحة رزمة مصالح
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
أحداث اليومين الماضيين ليست مبشرةً بما ستكون عليه الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة عقب اتفاق المصالحة... وبصرف النظر عن مجمل التحليلات السياسية أو التفسيرات للأسباب التي عجّلت في توقيع الاتفاق بشكل نهائي وتشكيل حكومة الوفاق الوطني... فإن كثيراً من القضايا ما زالت معلّقةً وتحمل في طياتها كثيراً من قنابل التفجير.
في خطبة الجمعة قبل الماضية تحدث وزير في الحكومة المقالة بلغة لا تبدو فيها المصالحة وكأنها فعل حقيقي... بل وكأن الأمر قائم على قاعدة التكتيك وليس على قاعدة الإستراتيجية الوطنية الجامعة... لقد قال الوزير السابق إن الحكومة في غزة باقية وإن سلطة حماس باقية وإن ما بنته المقاومة لا يمكن ولا نقبل بهدمه، وما إلى ذلك من شروط أو ملاحظات تبدو فيها المصالحة وكأنها وعاء فارغ من محتواه... وكأن الظروف هي التي أجبرت حركة حماس على قبول هذا الوضع.
إذا ما كان التفكير في المصالحة على قاعدة الرابح أو الخاسر، المهزوم أو المنتصر، القوي أو الضعيف، فإن في الأمر خطورةً بالغةً بل وأكبر مما نتوقع، وإذا اعتبرت المصالحة جسراً للمرور إلى مرحلة أخرى بسبب ظروف استثنائية هنا أو هناك فإن الأمر، أيضاً، خطير.
وإذا ما اعتبرنا، أيضاً، أن المصالحة تعني تحقيق مجموعة من المصالح الحزبية، ومنها كسب أي حجم من الوظائف والترقيات والسيطرة على مراكز صنع القرار في الوزارات والمؤسسات... وغير ذلك من الامتيازات الشخصية أو الحزبية فإن النهاية ستكون مأساوية...
أما إذا ما نظرنا إلى المصالحة من وجهة وطنية جامعة قادرة على إحداث تغيير حقيقي في كل ما حصل واجتثاث السلبيات التي علقت جراء هذا الانقسام فإن الأمور ستسير في مجراها الصحيح.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة جزء أساس من وحدة وطنية لمواجهة المخاطر التي تعصف بالوطن والأرض ولمواجهة التداعيات السياسية التي تهزّ المنطقة فإن المصالحة هي بشائر خير.
وإذا ما اعتبرنا أن المصالحة هي الطريق الصحيح لمواجهة الاحتلال وإفرازاته العدوانية سواء تمثلت بالاستيطان أو التهجير أو التدمير أو غير ذلك من وسائل العدوان الإسرائيلي فإننا قد حققنا تطلعات جماهيرنا الفلسطينية.
ولكن حتى لا تكون الاتفاقات التي وقعت في مكة أو القاهرة أو الدوحة أو غيرها من العواصم مجرد أطر واسعة غير محددة المعالم... وتفاصيلها مبهمة... لأننا إذ ما تركنا مجالاً للفتاوى والتفسير لبنود هذه الاتفاقات كل حسب مصالحه أو ما يحقق هذه المصالح... فإننا حتماً سنصل إلى لحظة المواجهة المرعبة التي ستعيد الوضع إلى ما كان عليه بل وربما أسوأ مما كان بكثير، فعلى سبيل المثال، ينص اتفاق المصالحة على تشكيل لجنة قانونية لدراسة أوضاع الموظفين الذين تم تعيينهم في قطاع غزة بعد الانقسام... والذين يزيد عددهم على أربعين ألف موظف... من واجب اللجنة دراسة هذه الملفات والوصول إلى نتائج قاطعة... وهذا يحتاج إلى فترة زمنية... ومن غير المعقول أن تقوم الشرطة في غزة بمنع الموظفين من الوصول إلى البنوك أو الصرافات الآلية لقبض رواتبهم بحجة أن رواتب موظفي الحكومة السابقة في غزة لم يتم صرفها؟! ومن غير المعقول في بداية المصالحة ألا تأتمر الشرطة بقرارات وزير الداخلية الدكتور رامي الحمد الله وهو رئيس الوزراء في حكومة الوفاق.
في يوم ما كانت تشتكي حماس من أن الأجهزة لا تنصاع إلى تعليمات وزير الداخلية الحمساوي في حينه، وكانت هذه إحدى حجج الانقلاب، فكيف تقوم اليوم بما كانت ترفضه بالأمس، وتعتبره أحد أسباب الانقلاب.
إن حالة الانقلاب الأمني دائماً تبدأ بخطوة صغيرة تتلوها مجموعة من الخطوات... بمعنى آخر الانقلاب هو ككرة الثلج المتدحرجة... فإن لم يتم تفتيتها من البداية فستكبر إلى حد عدم القدرة على إيقافها.
إذا كانت منهجية المصالحة قائمة على مبدأ القوة الأمنية على الأرض فإن ذلك يعني وصفة للفشل لا يمكن التنبؤ بوقتها إن كانت غداً أم بعد سنة أم بعد عشر سنوات... إذا لم نقم باقتلاع الألغام من حقولنا الوطنية ومن أرضنا في الضفة والقطاع ستبدو عوامل الانفجار بادية في كل لحظة؟!.
تغريدة الصباح - مدار المثابرين
بقلم: عدلي صادق – الحياة
أعطت "مدار" وهي المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، حيوية وزخماً لعملية الرصد التفصيلي، الرصين والضافي، لمُخرجات الوعي الإسرائيلي بكل تنوعاته. وللأسف، لم يأخذ هذا العمل النوعي المحترم، مفاعيله على صعيد مؤسسة السياسة الفلسطينية، خطاباً وطرحا ً ونقلاً للعالم، الذي لا يزال فيه بعض المخدوعين بـإسرائيل، أو بعض غير ذوي الإحاطة بقبح وعنصرية سياساتها. فنحن في حاجة الى أن تضُم بُنية كل فريق فلسطيني يضطلع بالاتصالات الرسمية، مختصين في عرض مخرجات الوعي الإسرائيلي لكي يقدموا المستجدات لمن يلتقونهم ويستمعون اليهم، وينقلوا ما يقوله المتطرفون والمعترضون على التطرف في إسرائيل. ثم إن ما يصدر عن مركز "مدار" لم يحظ حتى الآن بالرواج الذي يستحقه في المجتمع الفلسطيني نفسه، بحكم تراجع الاهتمام بالقراءة ومشاعر الميل الى أخذ المسائل بالمختصر المفيد، وبما هو ملموس في واقع الأيام. ومن دواعي الفخر، أن "مدار" توافرت على ثلة من الأكاديميين الألمعيين، من إخوتنا في مناطق الـ 48 الذين استفادوا من تقنيات مدرسة البحث الإسرائيلية التي لا تضاهيها سوى مدارس البحث في كبريات جامعات العالم وأعرقها. فما زال ميدان البحث السياسي والاجتماعي والتاريخي في العالم العربي، يكابد أمراضه المستوطنة، الناجمة في معظمها عن تدني مستوى الهيئات التدريسية، التي يقوم عليها "دكاترة" معظمهم من ذوي أطروحات قدمت بشق الأنفس، من باب تحليل المضمون، على طريقة العناوين الرائجة التي تقول إنها تدرس شيئا وتعرضه "بين النظرية والتطبيق". فالأساتذة العاملون في "مدار" والمتعاونون معها، يقدمون تحليلات عميقة ومدهشة، وترجمات وإضاءات تتعلق بكل جديد في المجتمع الإسرائيلي. وهنا، تتبدى أهمية العمل الذي يؤديه أنطوان شلحت مثلاً، وهو مدير وحدة "المشهد الإسرائيلي" في مركز "مدار". ولو أخذنا أي اسم ممن حلّوا في مواقع المسؤولية عن الأقسام في "مدار" نرى أننا بصدد نوع من الباحثين لا يتثاءب ولا يكل ولا يمل. والأروع أن هذه المدرسة الفلسطينية للبحث والترجمة والتقصي، حافظت على استمرار أجيال من الباحثين والمؤرخين الذين ظهروا وأبدعوا في أراضي 48 لذا فإن المؤرخ إيميل توما عندما توفي في العام 1985 وهو الذي عايش أحداث غزو فلسطين وانتهابها، وكان شاباً يدخل سن الثلاثين في العام 1948؛ لم ينقطع نسله البحثي ولا خط منهجه الوطني، وجاء بعده كثيرون، منهم - مثلاً - من شغل موقع رئيس قسم بنك المعلومات في "مدار" د. جوني منصور. إن نظرة سريعة على انتاج منصور، تعطينا الانطباع عن التميز والعمق والإبداع في عطاء هذا الفريق. كأن واحدهم تأبط مهمة القيام بمسح بحثي شامل لتاريخ بلاده وقضية شعبه وعلائم الوطن وتقاطعات الجغرافيا والتاريخ. فجوني منصور يقدم بحوثاً تنتقل من ميدان الى ميدان ومن حقبة الى حقبة: الكنعانيون، تاريخ العرب، تاريخ الأوروبيين من منظورنا، الأسماء والمصطلحات، الأعياد والمواسم، الشوارع والحارات، السكك الحديدة، تاريخ هذه المدينة أو تلك، حال المدينة في وقت الانتداب، جيش إسرائيل، وإسرائيل نفسها من الداخل، الذاكرة والهوية القومية وغيرها من أعمال التغني بالأرض والحضارة مثل "حيفا اسم يناجي القمر ويخاطب البحر" هذا فضلاً عن أعمال الترجمة.
إن ما يتمخض عن هذه المثابرة النبيلة، يستحق أن يُدرج في لغة حديثنا الى العالم. و"مدار" تقدم اليوم، الجزء الثالث من الرائعة البحثية التاريخية والسياسية والإنثروبولوجية، لليهودي النبيل البروفيسور شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، بترجمة أنطوان شلحت. العنوان هذه المرة:"كيف لم أعد يهودياً؟". تحية لـ "مدار" وثناء عليها.
اختلال! ماذا يعني احتلال؟
بقلم: جواد بولس – الحياة
أعود من عملي في رام الله. الساعة الثانية ظهرًا. درجات الحرارة فوق معدّلها السنوي المعتاد في حزيران. حاجز قلنديا العسكري يشبه مسرحًا من مسارح العبث واللامعقول. تتزاحم على مساراته سيّارات العرب وباصاتهم. بجانبها تقتحم ديناصورات العصر، والعابثون بحرمة الإنسان وبحدود الصبر؛ شاحنات ضخمة تنقل من وإلى فلسطين التراب والحصى والحديد ليزدهر "العمران"، وتشرئب ناطحات الفوضى والندم، وليذهب التطبيع إلى جهنم.
الراجلون يهرولون في حركات روبوتيّة إلى شرايينهم المنسدّة، ويقفون في طوابير تشبه القنوات التي تقف فيها الثيران الهائجة قبل محاولة ترويضها في سباقات "الروديو" الشهيرة.
أندسُّ كسلحفاة وسيّارة تحاول الالتفاف عليّ من جهة اليسار، سائقها شاب يلبس تي شيرت عليه صورة لنجمة يعرفها ولا أعرفها، وقبعة كان لونها أبيض، وفي مقدّمتها شعار غاب تحت مخلّفات الزمن، يضع يده على الشباك وبين أصابعها يشد على سيجارة، ساقه مرفوعة وكأنه يسوق برجل واحدة، يسمع أغنية بالعبرية لم أفهم كلامها، فلقد كانت أقرب إلى الصراخ. أصفّر له منبّهًا، لأنه كاد أن يلتصق بجناح سيّارتي، فيمد رأسه من الشباك ويصرخ باتجاهي: "شومااالك روح اقبع.." ويغيب أمامي وينطلق.
من اليمين، يحاشر جيباً تسوقه سيّدة، صارت مثل جميع البشر، تدافش بعناد. أنظر نحوها، فأرى وجهًا جميلًا ممكيجًا بعناية، وشعرًا ملمومًا تحت منديل لم أحدد ماركته العالمية. على رسغها ساعة فضّية، ويتحلّق صبعها خاتم بلون البنفسج، حاولت أن أوقفها، فرفعت كفّها وحرّكته إلى فوق مسافة شبر وأنزلته بخفّة راقصة، ففهمت أنها قالت لي: انصرف.
لم أنزعج أكثر من العادة، فقلنديا مثله مثل جميع الحواجز، صار ميدان ترويض. إنه الكولوسيوم العصري؛ بشر، مصارعون، (مجالدون)، يصارعون بشرًا أو وحوشًا، والبقاء فيه للأقوى وقيصر يتفرّج، يستمتع، ويمضي.
بهدوء اصطففت وبدأت زحفي نحو الحاجز. في إحدى محطات الإذاعة الإسرائيلية يعلن المذيع: الخامس من حزيران، اليوم يبث برنامج خاص، عن حزيران والذكرى، فهل كان ذاك نصرًا كما أراده أصحاب الكهف واسرائيل الكبرى؟ أم سكرة وحفرة كما حذّرت قلّة، تقدّمها الراحل الفيلسوف يشعياهو لايبوفيتش. قالها المذيع وأعادني إلى حزيراني الجميل الشاب وتذكّرت.
رفعتُ سمّاعة الهاتف ورددت التحيّة باقتضاب. كان الصوت مألوفًا وطلب أن يتحدّث مع " الياس" وقال: أنا يشعياهو لايبوفيتش. انتابني شعور من فضول وسعادة خفيفة. كنت وجمال، شريكي في المسكن في تلك السنوات، نستأجر بيتًا في شارع "شيلر" في القدس الغربية. وكانت " إلياس" صديقتي التي صارت بعد مدّة شريكة حياتي.
كانت دارنا في الطابق الثالث، عرضها يكفي لشهيق كامل في الصباح، صغيرة تكفي لإيواء أحلامنا، وتلائم معيشة طالبين يعتمدان على مصادر إمداد شحيحة وغير رتيبة. الهاتف يتوسط مساحة صغيرة غير مؤثثة، تنتظر أن تصير صالونًا، يفضي مباشرةً لغرفتي نوم عاريتين. أخذت السمّاعة وعلى وجهها علامات قلق. لم أبتعد، فلقد سمعتها تشرح باقتضاب، حتى أضافت أنها طلبت مساعدة صديقها على إعداد الوظيفة التي بصددها اتصل "لايبوفيتش" مستفسرًا ومستزيدًا من إعجاب وتقدير.
عرّفته بنفسي وذكّرته بآخر ندوة قمت، من خلال نشاطي في اتحاد الطلاب العرب، بعرافتها وتقديمه خطيبًا رئيسيًا. يوم هاجمها الطلاب اليمينيون العنصريون هناك على جبل المشارف "سكوبس".
كانت الندوة في ذكرى حرب حزيران واحتلال إسرائيل لأراضي العرب. وكان لايبوفيتش أحد المدعوّين البارزين والخطباء الأساسيين في نشاطاتنا ضد الاحتلال وممارساته.
استعدنا كيف حاول أوباش اليمين أن يقاطعوا كلامه يوم كان يصرخ بنبرته المميزة: "لا أمن بلا سلام ولا سلام مع احتلال، فأعيدوا أيّها المحتلون، جميع الأراضي العربية المحتلة دون قيد أو شرط"!
ثم انتقل ليسألني عن تلك الوظيفة التي فاجأته تمامًا. خف توجّسي وأصابني طرف زهو وفرح.
كان لايبوفيتش عالمًا موسوعيًا فذًا، وصديقتي اختارت أن تدرس عنده عن "السببية في الفكر الفلسفي وتطوّرها".
اختارت أن تكتب عن السببية عند "المعتزلة"، واعتمدت مصادر كُتبت كلّها بالعربية، وفي مقدّمتها كان كتاب حسين مروة- "النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية"، الصادر حديثًا حينها، وذلك في آخر السبعينيات.
فتن لايبوفيتش بما سمع، وطلب مقابلتنا لمزيد من الحديث.
في اليوم التالي توجهنا إلى بيته. استقبلنا بحفاوة. كان بيتًا من كتب. أدخلنا إلى غرفة عمله، وجلسنا على كنبات أتخيّل أنها تعرف القراءة والكتابة. كنت مضطربًا وسعيدًا، وكان هو في تواضع صباح، ورقة ساقية.
سألني عن المعتزلة وعن حسين مروة وحسن حنفي وغيرهم. حزن لأنه أدرك كم يجهل، وأنه لم يتعرف إلى هذه الثقافة، واعترف بحزن وأسف وبموسيقى لايبوفيتشية شهيرة: "لم آسف على شيء إلّا لأنني لم أتعلم العربية وما أنتجته".
ودّعنا وصار في عيني أكبر، فتركته وفي صدري تفتّح فجر.
قلنديا في الخامس من حزيران، مسرح يختزل العبث العربي والضياع كله. يعج بالبشر والزحام. صراخ ونداءات، والكل يركض ليلحق بليله، في قلنديا يشيخ الحزن والنسيان.
بعد نصف ساعة وصلتهم، أمامي يقف بعض الجنود. مددت يدي وبطاقة هويتي، تلقفتها يد صفراء، تفحصت سيارتي وهي تلتفت إلى زميلها وتسأل: اليوم الخامس من حزيران! هل هذا يقول لك شيئًا؟ يتحدثون في الراديو عن اختلال، ماذا يعني اختلال؟ لم يسمعها الجنود، وهي، بإصبعها أشارت لي: تقدّم! دون أن تنظر إلى وجهي.


رد مع اقتباس