أقــلام وآراء إسرائيلي السبــــت 20/09/2014 م
في هــــــذا الملف
حرب الكل ضد الكل
بقلم:تسفي برئيل،عن هآرتس
انتفاضة الأطفال
فتيان فلسطينيون يرشقون الشرطة الاسرائيلية بالحجارة والسلطات ما تزال تنجح في احتواء الأحداث
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
تهديد “الدولة الاسلامية” على اسرائيل مستقبلي اما تهديد ايران في اي لحظة
بقلم: اليكس فيشمان،عن يديعوت
اذا كانت شعبة الاستخبارات حققت في بداية الطريق في 2006 من خلال السايبر 10 في المئة من معلوماتها، ففي 2014 وصلت المعلومات الى 30 في المئة
بقلم: يوسي ميلمان،عن معاريف
حرب الكل ضد الكل
بقلم:تسفي برئيل،عن هآرتس
«هل يخشى الامريكيون تقديم الضحايا في العراق؟ هل يخشون من أن يقتل جنودهم في الحرب ضد الارهاب؟ هل يمكن على الاطلاق القتال ضد الارهاب دون تقديم ضحايا؟». هذا الانتقاد اطلقه في مقابلة مع شبكة «ان.بي.سي» الرئيس الايراني حسن روحاني. ولا ينبغي ظاهرا ان يثير العجب. فلايران والولايات المتحدة مصلحة مشتركة لان تجتث من الجذور تنظيم الدولة الاسلامية داعش والذي وصفه روحاني بانه «تنظيم يريد ابادة الانسانية». والغريب هو أنه بينما «يدعو» روحاني الولايات المتحدة للشروع في هجوم ضد داعش، لزعيمه، علي خمينئي، توجد عدة تحفظات في هذا الشأن.
قبل اقامة التحالف الدولي والعربي لغرض القضاء على الجهاديين، شرح خمينئي بان داعش هو نتاج مؤامرة غربية ولا سيما امريكية. بعد ذلك قيل ان الزعيم الروحي لايران اصدر بنفسه الاذن للتعاون مع القوات الامريكية. وقد نفي هذا التقرير بسرعة ولكن مصادر ايرانية تصر على انه صحيح. وقال روحاني انه «اذا بدأت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات عملية ضد داعش، فسيكون ممكنا التفكير بالتعاون معها».
واستمر انعدام الوضوح هذا الاسبوع ايضا، بعد العملية الجراحية التي اجتازها خمينئي في البروستاتا. وصرح الزعيم الاعلى بان ايران «فخورة» في أنها لم تدعى الى مؤتمر باريس (الامر الذي حصل بضغط سعودي على الولايات المتحدة – تس.ب). المؤتمر الذي تشكل فيه التحالف للقضاء على داعش وصفه خمينئي بانه «حدث مغلوط». وشرع بعض الاعضاء في البرلمان الايراني بان التحالف هو مؤامرة امريكية للعودة الى العراق وضرب الجبهة الداخلية الاستراتيجية الايرانية. وبالمقابل، يتبنى وزير الخارجية محمد جواد ظريف رأيا مخالفا بالذات في أن مشاركة ايران في الحلف ضد داعش يمكن أن تساعدها في تحقيق تسهيلات في العقوبات المفروضة عليها. «اذا كان الامريكيون يريدون ان نفعل شيئا ما فعليهم ان يفعلوا شيئا مشابها تجاهنا، كالتوجه الى الامم المتحدة وطلب رفع العقوبات».
وعليه، فهل ايران داخل هذه المعركة ام تنظر اليها من الخارج؟ واضح لطهران ولواشنطن على حد سواء بانه في كل معركة ضد داعش في العراق وفي سوريا سيكون للاولى دور مركزي. ولكن عند بناء التحالف الدولي والعربي، وحتى لو كان هناك اجمال تام بالنسبة للهدف، فان التوترات بين الاطراف التي يتشكل منها هذا التحالف من شأنها ان تجبي ثمنا باهظا يعرض للخطر مجرد وجوده. لم يكن للولايات المتحدة ترددات هذه المرة، إذ انه بين السعودية وايران واضح الخيار. ولكن من يرغب في ازالة داعش من سوريا لا يمكنه أن يتخلى عن الشراكة الايرانية.
ان الحرب التي اعلن عنها الرئيس اوباما على الجهاديين تنقسم الى جبهتين تفرض على كل واحدة منهما رزمة قيود دولية. في الجبهة السورية، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعمل طالما تعارض ايران وروسيا اي عمل عسكري. ومع أنه شوهدت اول أمس فوق مدينة حلب طائرة بدون طيار، اشتبه بها كأمريكية واوباما اوضح علنا بانه اذا كانت حاجة، فجيشه سيهاجم في سوريا ايضا، الا انه في هذه الاثناء يبدو أن الدائرة مغلقة. فالثوار السوريون الذين يعارضون الاسد ويعارضون داعش وان كان يمكنهم ان يتمتعوا ببرنامج تدريبات اكثر كثافة اقرها مجلس النواب الامريكي، بناء على طلب الرئيس لتخصيص نصف مليار دولار بهذا الشأن، الا ان السلاح النوعي، «محطم التعادل» فانهم لن يحصلوا عليه. عمليا يوجد اجماع غربي وعربي بانه لا يجب ارسال قوات برية اجنبية الى سوريا وللمعركة في هذه الساحة ستديرها قوات الثوار في ظل الاعتماد على الاستخبارات الغربية. وقد سبق أن قيل عن القدرات المحدودة لميليشيات الثوار كل شيء تقريبا. فالقتال الذي يدور بينها وغياب القيادة الموحدة يخدمان جدا نظام الاسد الذي يوسع حدود سيطرته في الدولة.
اما العراق بالمقابل، فهو جبهة مريحة نسبيا. ولكن عندما قال رئيس الاركان الامريكي الجنرال مارتين دمبسي هذا الاسبوع ان نشر قوات امريكية برية هو خيار ممكن اذا ما فشلت الاستراتيجية الحالية، أثارت اقواله ردود فعل حادة في بغداد بالذات. فرئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي أوضح بالقطع بان «القوات الامريكية على الاراضي العراقي غير مرغوب فيها» بينما الزعيم الشيعي مقتدى الصدر هدد بان قواته سترفع سلاحها بكل حال من الغزو البري. السعودية واتحاد الامارات الخليجية اقترحت اشراك قواتها في القتال، ولكن في الرياض تنطلق منذ الان اصوات تعارض حرب السنة ضد السنة من اجل حكومة شيعية في العراق. والخوف هو أنه اذا ما بعثت السعودية بالقوات هكذا ستفعل ايران ايضا، ومن شأن النتيجة أن تكون حربا عربية – ايرانية بدلا من صراع مشترك ضد داعش.
مثلما في سوريا، في العراق ايضا ستحاول قوات التحالف تشجيع القوات السنية على العمل مع الاكراد ضد داعش. وحسب التقرير من الموصل، بدأت الولايات المتحدة منذ الان احياء شبكاتها الاستخبارية التي أهملتها بعد انسحاب القوات في أواخر 2011. وقد اخفيت هذه المعلومات عن ناظر الحكم العراقي ومن يحاول تجنيدها هو الجنرال جون ألن الذي عين في منصب منسق قوات التحالف ومعروف بعلاقاته الطيبة مع القبائل في غربي العراق منذ الفترة التي قاد فيها المنطقة.ولكن هنا ايضا قد تجد قوات التحالف نفسها أمام مقاومة داخلية. فقد علم هذا الاسبوع بان الجيش العراقي طلب من سكان ديالا القتال ضد القوات الكردية المرابطة بجوار المدينة لمنعها من احتلال المزيد من المناطق. ومن الجهة الاخرى، أعلن محافظ كركوك بان هذا الاسبوع اضيف نحو 5 الاف متطوع الى الحرب ضد داعش. ومثلما في سوريا، في العراق ايضا، من شأن الحرب ضد داعش ان تقيم تحالفات قبلية جديدة لن تؤيد بالضرورة قوات التحالف.
وفي هذه الاثناء، فان هناك تهديد جديد ينشأ من جهة اذرع القاعدة في المغرب وفي شبه الجزيرة العربية، ولا سيما في اليمن، والتي نشرت بيانا يدعو كل المسلمين الى الوحدة ضد «الهجوم الصليبي». ويشكل هذا البيان انعطافة في سياسة القاعدة التي رأت حتى الان في داعش منافسا يعرض مكانتها في الشرق الاوسط للخطر. ليس واضحا اذا كان هذا البيان سيضم الى داعش تنظيم جبهة النصرة، المتفرع عن القاعدة في سوريا، او سيؤدي على الاقل الى وقف الحرب بين التنظيمين، ولكن هذه من شأنها ان تكون جبهة غير متوقعة ستضطر قوات التحالف الى مواجهتها.
اضافة الى ذلك، فضلا عن الهامش المتفرع للمنظمات والميليشيات والذي يقيد جدا الاعتماد على قوات محلية، يعاني التحالف من غياب التعاون من جانب تركيا. صحيح أن الهجمات من الجو لا تحتاج بالذات الى قواعد تركية، ولكن القرب الجغرافي لتركيا من سوريا والعراق يمكنه أن يساعد جدا في القصف ولا سيما اذا ما تقرر بالفعل ارسال قوات برية. نائب رئيس الحكومة التركية يلتسين اكدوان شرح هذا الاسبوع بان وجود 49 تركيا في اسر داعش يقيد قدرة أنقرة على المساهمة في الجهد وذلك لان التزام تركيا الاول هو تجاه مواطنيها.
وفي نفس الوقت تشير تقارير متواترة الى ان الف تركي قد انضم الى صفوف داعش وان جرحى التنظيم يتلقون علاجا طبيا في المستشفيات من شمالي الحدود في تركيا.
ويرفض الرئيس اردوغان بالطبع هذه الادعاءات بل وهاجم هذا الاسبوع «نيويورك تايمز» التي نشرت صورة يخرج فيها مع رئيس وزرائه الجديد احمد داوداوغلو من مسجد حجي بايرم والي في أنقرة. ومن هذا المسجد على حد قول الصحيفة الامريكية، خرج نحو 100 متطوع الى داعش. واعتذرت «النيويورك تايمز» على نشر الصورة التي التقطت في آب ولكنها لم تتراجع عن الاتهام بان تركيا تشكل قاعدة تجنيد للتنظيم الجهادي.
على خلفية الصدوع، العلنية والخفية التي يتميز بها التحالف العربي والغربي، يبدو أن اساس العبء سيقع على كاهل الجيش الامريكي. صحيح أن دول الخليج وعدت بان تساعد في تمويل المعركة، الا ان الولايات المتحدة هي التي سؤتقف في رأس الحربة، ليس فقط في المعركة الاساسية بل وايضا في المعركة السياسية اذا ما تبين ان استراتيجيتها فشلت.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
انتفاضة الأطفال
فتيان فلسطينيون يرشقون الشرطة الاسرائيلية بالحجارة والسلطات ما تزال تنجح في احتواء الأحداث
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
عملية يعلون: خلال عملية الجرف الصامد كان وزير الدفاع موشيه يعلون مثل عازف كمان ثان مع رئيس الوزراء. وقد لاءم في مباحثات المجلس الوزاري المصغر ما يراه مع توصيات قيادة الجيش الاسرائيلي العليا. وكان تأييده للابسي الملابس العسكرية كبيرا جدا حتى إن افيغدور ليبرمان لقبه ساخرا «نائب رئيس الاركان».
وفي الظهور المعلن كان يلائم رأيه مع رأي نتنياهو، فكان يبدو حانقا، منطويا على نفسه مستعبدا للنصوص التي أعدها مسبقا متخليا عن الفرصة التي أتيحت له ليظهر نفسه زعيما للجمهور. ويرى الجمهور أن العملية مرت بالقرب من يعلون لا من خلاله.
لكن العملية انقضت ويصر يعلون على أن يُذكر أنه وزير دفاع كما يصر بينيت على ألا يُذكر أنه وزير اقتصاد. وقد بادر يعلون هذا الاسبوع الى عملين يثيران الاهتمام فهاجم في الاول بينيت الذي استعمل المباحثات في الانفاق في المجلس الوزاري المصغر معلومات حصل عليها من ضباط الجيش الاسرائيلي في غلاف غزة. وأعلن في الثاني أن اللواء المتقاعد يوآف غالنت غير مأخوذ في الحسبان أن يكون مرشحا ليكون رئيس الاركان التالي.
لنسر بحسب النظام. يتهم يعلون العميد المتقاعد افيحاي رونتسكي الذي كان في الماضي الحاخام العسكري الرئيس بتسريب معلومات عسكرية الى بينيت وهي معلومات أثيرت بعد ذلك في مباحثات المجلس الوزاري المصغر.
اجل كان رونتسكي يتجول في غلاف غزة في فترة العملية العسكرية، ولم يكن هو الوحيد. فقد لقيت ذات يوم أحد قادة قوات الجيش الاسرائيلي في موقع مشحون بقذائف الهاون بالقرب من جدار الحدود، واتجهت نحونا سيارة مدنية فارهة كان فيها عميد متقاعد كان يقوم بعمل جانبي يصاحبه ضيف من الخارج ومكنته شهاداته من الدخول.
لقيت رونتسكي حينما كان يخطب خطبا نارية على مسامع الجنود. وكتبت عنه فاحتج بالهاتف وفي الفيس بوك ومواقع كثيرة اخرى. وأراد أن يشير في الحديث بيننا الى أنه يؤدي عملا في الجيش سريا لا يستطيع تفصيل الحديث عنه على مسامعي، وبين أن الجيش يزعم غير ذلك فرونتسكي لم يجند ألبتة.
لا أعلم ما الذي علمه رونتسكي عن الانفاق، لكن يخيل إلي أنني أعلم ما الذي علمه بينيت. في بداية العملية طلب توسيعها ردا على قتل الفتيان الثلاثة ولم يعرف بشأن الانفاق، وحتى لو أثير ذلك في نقاش ما في المجلس الوزاري المصغر فانه أثير عرضا ولم يذكره.
اصبحت الانفاق أمرا ذا شأن قبيل العملية إثر الكشف عن النفق بالقرب من كرم أبو سالم. وبرغم ذلك لم يفكر الجيش الاسرائيلي ولا المستوى السياسي فوقه في جعلها هدفا مركزيا في العملية، لكن ما حسم الامر هو محاولة التسلل في نفق بالقرب من كيبوتس صوفا وأفضت هذه المحاولة الى استقرار الرأي على ادخال قوات برية الى القطاع وادخالها في الكيلومترين المجاورين للحدود وهي المنطقة التي حفرت فيها الانفاق الهجومية.
قيل في تلك الايام كلام مبالغ فيه عن الانفاق، فقد وصفت بأنها تهديد استراتيجي لدولة اسرائيل، وكان في ذلك غير قليل من المبالغة. وقد كانت تهديدا لقوات الجيش الاسرائيلي التي عملت على طول جدار الحدود بل للبلدات ايضا، لكن التهديد كان محدودا. وكان فشل علاج الانفاق لاذعا لكن لم يوجد هنا اخفاق حرب يوم الغفران.
وتلقى بينيت معلومات من ضباط ميدانيين لا من رونتسكي خاصة. وكان تأثيره في القرارات محدودا، ولم تكن قرارات الانقضاض على الاماكن التي كانت حماس متحصنة ومستعدة فيها، لم تكن ناجحة على وجه خاص. وعلى كل حال فان زعم اييلت شكيد أن بينيت أنقذ بلدات غلاف غزة زعم مبتذل. لكن يعلون يخطيء حينما يشتكي من أن اعضاء المجلس الوزاري المصغر يحاولون الحصول على معلومات عسكرية بقواهم الذاتية. فقد أوجب القانون وسلسلة لجان تحقيق انشاء مجلس وزاري أمني مصغر لا ليكون ختما مطاطيا للجيش الاسرائيلي ولوزير الدفاع.
وتكلم يعلون على شأن آخر هو تعيين رئيس الاركان التالي وبين أن يوآف غالنت لا يتم التفكير فيه على أنه أحد المرشحين لرئاسة الاركان. كان غالنت ضابطا جريئا وقديرا وقد ظلم ظلما كبيرا في قضية هرباز وبرغم ذلك فان اقتراح تعيينه رئيسا للاركان ليس من الحكمة. وهناك الكثير جدا من الرواسب بينه وبين الجهاز العسكري والكثير جدا من الغريزة ومر زمن طويل منذ أن سُرح من الخدمة العسكرية. وقد وجه تصريح يعلون قبل كل شيء الى رئيس الوزراء وكأن نتنياهو كان يدفع قدما لترشيح غالنت. وأنهى التصريح لعبة كأنما وحسن أن فعل ذلك.
انتفاضة الاولاد
يتجه شارع احمد علي صاعدا من العيسوية، القرية في شرقي القدس التي اصبحت حيا مدنيا، الى الحي اليهودي المجاور، التلة الفرنسية. وفي نقطة ما في أعلى الجبل يتغير اسم الشارع ليصبح «مقاتلي الغيتوات». وقبالة هذه النقطة محطة وقود لشركة الوقود والعمال فلسطينيون والمالك يهودي. والمحطة مصبوغة بالالوان الاخضر والاحمر والاسود؟ أما الاسود فبقي من حريق شب في المحطة في 7 أيلول، وكان المحرقون شباب من العيسوية. وعلى إثر الحريق اغلقت الشرطة بكتل اسمنتية الشارع الذي يربط العيسوية بالاحياء اليهودية. وجاء المختار، السيد درويش مع 400 من سكان القرية طالبا ازالة الحاجز وبين أن العقاب اقسى من أن يحتمل. وكان العقاب في حالته هو شديدا على نحو خاص لأنه مالك شركة نقل.
ووعد المختار بأن يراقب رجاله مراكز الاحتكاك الثلاثة في اطراف القرية، وقد أرسل اشخاصا، فأزالت الشرطة الحاجز بعد يوم، لكن استمر الرشق بالحجارة. ويرشق الشباب بها سيارات تسير تحت القرية في الشارع الى معاليه ادوميم؛ وهم يرشقون بها قاعدة حرس الحدود «عوفريت» بالقرب من مباني الجامعة على جبل المشارف؛ وهم يرشقون بها سيارات الشرطة. وهم يرشقون بالحجارة في الطريق الى المدارس ومنها، يطلعون جماعات وحقائبهم على ظهورهم فيرشقون رشقة ويختفون. ويقول عوفر درور قائد سرية حرس الحدود التي تعمل في القرية إن «العيسوية هي الآن أقسى مركز احتكاك في المدينة».
تجري منذ شهرين ونصف في أحياء التماس في القدس وفي الجيوب اليهودية في شرقي المدينة انتفاضة صغيرة، هي انتفاضة الاولاد. ولو كنا في ايام عادية لاستولى هذا الحدث المستمر على برنامج العمل اليومي لكن لا في هذا الصيف لأن المواجهات القاسية في القدس مرت تحت الرادار بسبب الحرب في الجنوب، وبسبب العدد القليل المفاجيء من المصابين ولأنها لم تبلغ الى الاحياء اليهودية غربي المدينة. واحتواء الاحداث انجاز للشرطة لا يستهان به.
تشير الارقام الى مقدار عنف يذكر بالانتفاضتين. فقد اعتقل 755 رجلا عربيا طوال هذه الفترة؛ واعتقل 247 منهم حتى نهاية الاجراءات القانونية. وأطلق رجال الشرطة أكثر من 7 آلاف رصاصة اسفنجية – وهي ذخيرة مخصصة لمكافحة الاخلال بالنظام. وقتل بالرصاص الاسفنجي فتى عربي واحد وكان ذلك اطلاق رصاص تحقق فيه الشرطة العسكرية السرية الآن. واستعملت الشرطة ما لا يقل عن 90 طنا من المواد النتنة.
ويعتقل 30 يهوديا مشتبه فيهم أنهم مسوا بعرب حتى نهاية الاجراءات القانونية، وقدمت فيهم لوائح اتهام واعتقل عشرات آخرون وأفرج عنهم.
ولنعد لحظة الى العيسوية. يقول قائد الشرطة آفي حفيفيان، قائد منطقة كيدم وهي المركز الشرطي الذي يعمل في اكثر احياء التماس، إنه حقق مع احد الاولاد الذين ضبطوا وهم يرشقون الحجارة، وقال لاحدهم: «إن حجرا كهذا يمكن أن يقتل فماذا تفعل اذا تبين أن السيارة كان فيها فلسطيني؟». فهز الفتى كتفيه وقال «لن يحدث ذلك».
وأطلعني حفيفيان على صور فيديو في هاتفه المحمول لاحد الاولاد الذين ضبطوا وهم يرمون بزجاجات حارقة. وهو ولد ظريف وليّن في التاسعة من عمره، أي دون السن الجنائية بثلاث سنوات. كان يلبس قميصا قصير الكمين عليه رمز اتحاد الكرة الاوروبي، وبدا مثل واحد من الاولاد الذين يلعبون كرة القدم في فرق مركز بيرس للسلام. وسألته: «هل استدعيتم والده؟». فأجاب قائد المنطقة: «اجل، لكنه لم يقل شيئا، فكبار السن لهم تأثير محدود في الاولاد اليوم».
أراد حفيفيان أن ينظم لعبة كرة قدم بين فتيان العيسوية وفتيان التلة الفرنسية. وبين اللجان في الحيين تعاون. وجاء بعد ذلك قتل محمد أبو خضير من شعفاط، وبعده الحرب فأدرك أنه يحسن تجميد الفكرة.
العصر الحجري
«كان قتل أبو خضير هو الحدث التأسيسي»، يقول قائد الشرطة يوسي فراينتي، قائد المنطقة. «كان الاخلال بالنظام بمقدار لم تعرفه القدس منذ سنين، وقد بدأ في شعفاط برمي رجال الشرطة بشحنات متفجرة انبوبية وباطلاق الالعاب النارية بتسديد مباشر، وفي غضون يومين انتشرت الاحداث في كل أحياء شرقي المدينة.
«وكانت الذروة في ليلة القدر في رمضان وسجل خلال الليلة 42 مركز شغب مختلفا في كل نقطة في شرقي المدينة. فقد أخرجت كل المنظمات الفلسطينية رجالها الى الشوارع، من فتح الى حماس والجهاد. وكانت مهمة الشرطة أن تمنع الاحداث من الوصول الى غرب المدينة وأن تمنع اغلاق شوارع رئيسة. وفي النهاية لم يغلق أي شارع ولم يصب أي يهودي حتى ولا اليهود الذين يسكنون في الاحياء العربية.
«كنت استطيع الى ما قبل اسبوعين أن اقول بفخر إنه لم يقتل أي عربي برصاص الشرطة، لكن يؤسفني أنه يوجد قتيل واحد وهو فتى في السادسة عشرة من عمره من حي وادي الجوز، قتل برصاصة اسفنجية. ولا يطلق هذا الرصاص سوى رجال الشرطة الخاصة ومقاتلي حرس الحدود الذين أعدوا اعدادا خاصا، ويستطيع تحقيق الشرطة العسكرية السرية أن يُعرفنا بما حدث».
وقع في هذه الفترة في القدس عمليتان احداهما لسائق جرافة هاجم اسرائيليين بآلته وقتل مواطنا، واخرى اطلاق نار من دراجة نارية تجري، جرح جنديا. ولا يشبه ذلك بأية حال العمليات الانتحارية في تسعينيات القرن الماضي.
ويقول فراينتي: «نجحنا قبيل الهدنة في الجنوب في التغلب على الاخلال بالنظام، وانتقلنا الى مرحلة جديدة هي الرشق بالحجارة. وأنا أسمي ذلك اخلالا بالنظام شعبيا.
«إن الراشقين بالحجارة اولاد على نحو عام، وقد احتجزنا هذا الاسبوع اولادا في السابعة والتاسعة والثانية عشرة والنصف من اعمارهم، واحتجزنا في أبو طور ثمانية اولاد في الثانية عشرة والنصف من اعمارهم أعدوا زجاجات حارقة بانفسهم ورموا بها سيارات. وهذه احداث جو لم ينظمها أحد ولم يأمر بها أحد.
«اعتادت المحاكم الافراج عن أحداث اعتقلوا للرشق بالحجارة من غد الاعتقال، وسألنا: أين الردع. وقد كان القضاة في ذروة الاحداث في الحقيقة اكثر صرامة. فقد حصلنا احيانا حتى على اعتقال للأحداث حتى نهاية الاجراءات القانونية، لكن ذلك انقضى الآن.
«كان القطار الخفيف مستهدفا. يمر كيلومتران من مساره في الاحياء العربية بين بيت حنينا وشعفاط. وحينما اشتد الرشق بالحجارة انشأنا غرفة عمليات لتعالج هذا الشأن فقط فاعتقلنا 100 مشتبه به، وقدمت في 48 منهم لوائح اتهام ولم ننجح الى الآن في حسم ذلك.
«يوجد الآن في المتوسط رشق واحد بالحجارة للقطار في كل يوم. فالقطار يمر 300 مرة كل يوم ولا يوجد سوى رشق واحد. وزجاج القطار واقٍ فلا يوجد مصابون. وبرغم ذلك فان حقيقة أن الرشق بالحجارة مستمر محبطة».
إن القطار الخفيف قصة مشحونة. وقد قال لي رئيس البلدية نير بركات: «إنه لعار وخزي. فهم بخلاف توجيهات وزارة النقل العام يثيرون ضجيجا على الشرطة وعلي بسبب كل حجر، وبدل أن يقولوا، سافروا معنا فأنتم في أمان، يثيرون الهستيريا بقدر عال».
يرتاب بركات في الشركة التي تستعمل القطار أنها تضخم الرشق بالحجارة كي تمهد لنيل تعويضات من الدولة. «قلت لهم سأهتم ألا تحصلوا على تعويضات. فأنتم تتحملون تبعة الضرر الذي اصابكم».
انخفض عدد المسافرين في القطار منذ قتل الفتى بـ 10 الى 15 بالمئة. وانخفاض العدد جزء من الازمة بين العرب واليهود، ويحجم العرب عن الشراء من احياء يهودية؛ ويتلقى سائقو سيارات أجرة عرب يدخلون احياءا يهودية بسياراتهم ضربات قاتلة؛ ويحجم اليهود عن المجيء بسياراتهم لاصلاحها في حي عربي أو عن التنزه في البلدة القديمة، فالمدينة منقسمة بسبب الكراهية والخوف.
يوم الدين والاضحى
قلت لفراينتي إنهم يتهمونك بأنك مكنت المسلمين من احراق مركز الشرطة على جبل الهيكل.
وأفرحه أن يجيب. «إن مركز الشرطة مفتوح 24 ساعة كل يوم، 360 يوما في السنة. وهو يغلق في ايام الجمعة الاربع من رمضان مع ليلة القدر، وهذا قرار اتخذ قبل سنين، ففي هذه الايام يوجد مئات الآلاف من المسلمين في الجبل، وفي حال هجوم فان كل محاولة تخليص لرجال الشرطة ستكلف سفك دم».
في رمضان من هذه السنة ضاءل فراينتي بسبب الاحداث عدد المسلمين الذين سمح لهم بالدخول الى جبل الهيكل، فلم يدخل سوى من اعمارهم 50 سنة واكثر. وبرغم ذلك أخلي مركز الشرطة في الموعد مع معدات العمليات. «كنت اجلس في ليلة القدر في مبنى المحكمة واشاهد كل مراكز الاحتكاك في المدينة، وفي الساعة الثانية ليلا حاصر مئات المصلين مركز الشرطة الفارغ. وحاول حراس الاوقاف ابعادهم ففشلوا وبدأ الجمع يحرق المركز.
«كان يجب علي آنذاك بصفتي قائد منطقة أن اقرر هل نهاجم مع احتمال عال جدا لوقوع قتلى أم لا نهاجم. ولو أنني هاجمت لقالوا لي إنك تشعل الشرق الاوسط كله في زمن حرب كي تدافع عن مبنى فارغ، أنت مجنون.
«وتحدثت الى القائد العام للشرطة فمنحني دعما كاملا، وفي يوم السبت أعدنا فتح مركز الشرطة».
في هذه السنة يحل عيد الاضحى ويوم الغفران في موعد واحد. وهذا يحدث مرة واحدة كل 33 سنة، ومن حظنا أنه يحدث الآن على الخصوص. والذي نبهني الى ذلك التقارن في الزمان ينيف ساغي، مدير المركز التربوي في جفعات حبيبا، وذلك يعني توترا كبيرا في أحياء ومدن مختلطة. وقد تمت مباحثات في مستويات مختلفة للاذرع الامنية وفي القدس ايضا.
حينما تفسد العلاقات
يقول نير بركات، رئيس بلدية القدس: «في المرحلة الاولى من العنف لم يقع قتلى لكن حدث ضرر كبير، وأردنا ان ننشيء خطا واضحا جدا بين من يشاركون في الاخلال بالنظام وبين الكثرة الصامتة. لأنه يجب معاملة المشاركين بأقسى ما يقتضيه القانون.
«يمكن مكافحة الرشق بالحجارة بوسائل تقنية. وقد اقترحت على الشرطة سلسلة وسائل تصنعها الصناعات الامنية، ويمكن أن يوجد مال لاجل ذلك.
«صحيح انه يوجد الآن توتر بين اليهود والعرب، فحينما تسوء العلاقات، تسوء سريعا، أما اعادتها فتكون بطيئة. وفي نهاية المطاف نعود الى الحياة المعتادة».
ذكر بركات اسماء عدة مدن في العالم العنف فيها اشد كثيرا من العنف في القدس، وأنهى بتل ابيب فقال: «اصبح يوجد في القدس في السنوات الاخيرة اربعة قتلى أو خمسة في كل سنة. وهو ثلث ما يوجد في تل ابيب».
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
تهديد “الدولة الاسلامية” على اسرائيل مستقبلي اما تهديد ايران في اي لحظة
بقلم: اليكس فيشمان،عن يديعوت
لو سألوا اللواء افيف كوخافي عن رأيه لبقي في شعبة الاستخبارات، فهو ضابط آخر أدمن على المهنة. لم يكن عنده قبل اربع سنوات حينما قعد في مكتب رئيس “امان” بعد ان كان يتولى رئاسة لواء العمليات، لم يكن عنده أي علم بمبلغ عدم علمه بالمنظمة التي ارسل ليتولى قيادتها. وهو اليوم ممسك بـ “حفتسيلت” أمان وكأنه ولد معها.
في الاجتماعات الاولى التي اقامها للعاملين في أمان لم يفهموا عنه ما يريده، فقد كان يتحدث بمصطلحات الجيش الاسرائيلي الذي يمكث في خيام في الميدان، ولم يكن ذلك ملائما بالضبط لجو الهاي تيك في غرف أمان المكيفة. وتعلم كوخافي واستوعب لكنه احدث في أمان فوق كل ذلك وهو النبتة الاجنبية والذي اصبح رجل استخبارات محضا، احدث في أمان تغييرا ثقافيا – تنظيميا لم يكن احد يحلم به.
وهو يذكر جدا بذلك بما حدث مع مئير دغان في الموساد وعامي أيلون في الشباك، فقد جاء الثلاثة من عوالم مختلفة المضامين ومع عقليات مختلفة، وتولى الثلاثة مناصبهم دون التزام للناس والتاريخ والتصورات العامة والتقاليد في داخل المنظمة، وهتك الثلاثة الحجب، فالموساد بعد دغان مختلف اليوم تمام الاختلاف، ولم يعد الشباك قبل عامي ايلون وبعده المنظمة نفسها وكذلك أمان بعد كوخافي ايضا. وقد اصبح كليشيه “مصوغ من مادة رؤساء اركان” الذي يسحبه من عمل الى عمل، اصبح اقل صلة بالواقع.
يتناول احد التوجيهات الاخيرة الذي صدر عن كوخافي في ظاهر الامر مسألة دلالية – تنظيمية. فقد قضى بأن تكون كل وثيقة استخبارية من الان فصاعدا مصحوبة بـ “درجتين” يمنحهما الباحث إياها. الاولى: ما هو “مستوى احتمال” الواقعة المذكورة، هل هي تهديد مباشر أم تهديد محتمل أم تهديد بعيد أم تهديد في طور التشكل. أي انهم عادوا يتحدثون بمصطلحات الاحتمال العالي والمنخفض والمتوسط. والدرجة الثانية هي “مستوى الصدق”: ما هو نوع المصدر، وهل يحتاج الى تكميلات ليمكن الاعتماد على المعلومة، وبعبارة اخرى لا يريد كوخافي الدقة فقط بل التواضع ايضا.
ايران في المكان الاول
ترى أمان في الحقيقة ان الفظاعات والتهديدات التي تزين في الاسابيع الاخيرة العناوين الصحفية لا تصور الواقع الذي تواجهه دولة اسرائيل في المدى القريب تصويرا صحيحا، فداعش الان تهديد ذو احتمال منخفض وهم ليسوا على الحدود. والان خاصة بعد مرحلة التوسع وتثبيت الاسس يتوقع ان يدخل التنظيم في وضع الوقوف والدفاع عن النفس. بل إن عدد رجال داعش غير واضح. وإن احد اسرار قوة التنظيم الايراد المالي العالي لداعش بعد الاستيلاء على آبار نفط وغاز في سوريا والعراق وبيعها. وداعش ايضا من اكبر منظمات الجريمة في العالم التي تعتمد على التجارة بالآثار التي نهبتها من المناطق التي احتلتها. وهي تواجه في مقابل ذلك الانقسام مع القاعدة والحلف الدولي الذي يقوده اوباما ونفور العالم الاسلامي منها.
إن داعش الان من وجهة نظر اسرائيل تهديد محتمل في المستقبل، والحديث عن خلايا نائمة، وعن تقدمات لداعش في لبنان وجنوبها، لا يتشكل الان ليصبح تهديدا حقيقيا. ليس تصور التنظيم العام الذي يرى الشام مركزا لمصالحه ويرى جبل الهيكل ذروة انجازاته – ليس مشتركا بين داعش فقط بل بين الجهاد العالمي كله. ان جبهة النصرة وهي من فروع القاعدة في سوريا هي تهديد محتمل معروف لكن ما زال السكين بعيدا عن عنق أي اسرائيلي. ان رجالها موجودون في الحقيقة في اجزاء ما على حدود هضبة الجولان لكن اسرائيل ليست موجودة الان في قائمة اهدافها. ونقول بالمناسبة ان الاستخبارات الاسرائيلية شريكة فاعلة في الجهد الدولي لجمع معلومات استخبارية عن تلك المنظمات. وليس الحديث فقط عن معلومات نظرية بل عن معلومات تتعلق بالاهداف ايضا اذا ما استقر رأي الامريكيين على الزيادة في عمق الهجمات.
ان احتمال التهديد من لبنان محصور في الاساس في المخزون من عشرات الاف الصواريخ والقذائف الصاروخية، والحديث في هذه المرحلة عن احتمال فقط لا عن قصد واضحة معلومة لنشوب ازمة. والخشية من تدهور للوضع غير مراقب موجودة دائما لكن مقدار سيطرة اسرائيل الاستخبارية على الجبهة اللبنانية يعرفه العاملون في أمان بأنه جيد جدا.
وهكذا ينهي افيف كوخافي عمله والجهاز الذي كان يرأسه لا يوحي بأي خوف، فاحتمال نشوب حرب في السنة القريبة غير عال.
ومن جهة تركيز الجهد وتقسيم الموارد في امان كان التهديد المركزي وما زال هو التهديد الايراني مبتدئا من احتمال اتمام المشروع الذري العسكري الايراني، منتقلا الى تشجيع ورعاية الارهاب الموجه على اسرائيل منتهيا بهجمات سايبر عنيفة. واحتمال ان تحقق ايران مشروعها الذري العسكري المحتمل في الفترة القريبة غير عال لان نظام روحاني ضغط على الكوابح في مجال سباقه الذري العسكري، لكنه يواصل الجهد في سائر المسارات ومنها تطوير صواريخ بعيدة المدى لتأدية ايران الى وضع دولة على الشفا الذري. وان دولة كهذه ستكون بالنسبة لاسرائيل تهديدا وجوديا ولهذا سيستمر جمع المعلومات الاستخبارية والاستثمار في الدخول الى احشاء ايران.
والتهديد الثاني في اهميته هو “تهديد النيران”: واعني كل نظام القذائف الصاروخية والصواريخ التي تهدد اسرائيل من جميع الجبهات، وبعده مباشرة تهديد الجهاد العالمي، والتهديد الاخير هو حرب السايبر الهجومية من العدو التي اخذت تقوى.
على حسب ترتيب الاولويات هذا يقسم مال امان الكثير ايضا. ففي مواجهة هذه التهديدات الاربعة كلها تنشيء امام كل يوم عمليات لجمع معلومات ولاحباط عمل الاعداء.
برغم تصريحات كبار قادة حماس في الايام الاخيرة لا تلاحظ امان اية نية للمنظمة لمعاودة اطلاق النار. وقد استتبع اطلاق قذيفة الهاون الوحيدة هذا الاسبوع نشاطا مكثفا من حماس والجهاد الاسلامي في غزة للوصول الى مطلقيها وكفهم. وهم يذيعون هذه الرسالة ايضا في الشارع الغزي ومع ذلك توجد علامات احباط قاسية جدا. ولا يحدث الكثير جدا في شأن تعمير غزة ودفع الرواتب، فالسلطة الفلسطينية نفسها لا تدفع مصالحة حماس قدما. ويحاول أبو مازن ان يستغل ضعف حماس ليحظى بنقاط في الشارع الفلسطيني، ويصعب عليه من جهة اخرى ان يقود اجراءا يفرض على اسرائيل العودة الى التفاوض. اما الامريكيون فلا يريدون ان يفرضوا على اسرائيل مسيرة سياسية. واهتمام المجتمع الدولي مصروف الى داعش، فلم يبق لأبو مازن سوى ان يدفع قدما بمحور سلب اسرائيل شرعيتها في العالم وهو يفعل ذلك ايضا بحذر شديد.
بدء اليوم بـ “حتسيف”
جرى على افيف كوخافي، ابن الخمسين، اول تعميد له بالنار بعد توليه منصبه بزمن قصير، في تشرين الثاني 2010. وكان ذلك الزمان زمان نشوب الربيع العربي ولم يكن احد يعلم ماذا يحدث: لا امان ولا الموساد ولا وكالة الاستخبارات المركزية ولا الاستخبارات المصرية ايضا. وقام كوخافي الذي كان انذاك لم يكد يقضي شهرا في عمله بتقدير استخباري اقليمي ليفهم أي يواجه أياً. ولانه لا احد فهم شيئا حصر العناية على الخصوص في معطيات مدنية كالبطالة والوضع الاقتصادي واتجاهات اجتماعية.
وتحدثت المعلومات التي بدات تصل من دول شمال افريقيا ومنها مصر عن خشية الحكام من فقدان السيطرة في الشوارع. وبرغم عدم اليقين ذلك كله اخطأ كوخافي خطأ المبتدئين، وظهر – بعد ان ضغطوا عليه – امام لجنة الخارجية والامن وقال هناك ان الاخوان المسلمين لم يبادروا الى الربيع العربي وانهم “ركبوا” ثورة الشباب وانهم غير منظمين لتنفيذ انقلاب. وحينما سأله اعضاء اللجنة هل تهدد حماس استقرار سلطة مبارك اجاب بلا، بحسب فهمه. وحينما سقط مبارك قدموا اليه الحساب في العناوين الصحفية بقولها: رئيس امان مبتديء، واخضر (من الجيش)، ولا يفهم وهو يخطيء ويضلل.
ووسم ذلك الدرس وعيه جيدا. فانشأ بعد ذلك في داخل امان جهازا سمي “استخبارات عامة”، يحصر عنايته في جمع معلومات من مواد ظاهرة، ومن الشبكات الاجتماعية في الاساس للتعرف ودراسة صيرورات داخلية في العالم العربي وبين الفلسطينيين كي لا نواجه مرة اخرى “ثقبا اسود” كالربيع العربي. وأمر كوخافي نفسه وحدة “حتسيف” (لجمع المعلومات الاستخبارية من مصادر ظاهرة) بأن تقدم له في كل صباح مجموع كل عناوين الصحف والقضايا المهمة في العالم العربي مع ملاحظات المترجمين والخبراء بالشؤون العربية المتعلقة باهمية المادة، وهو يبدأ يومه بهذا المجموع الذي يسمى “نبدأ الصباح” ليشعر بالمزاج العام في الشارع العربي.
لكل قول يصدر عن رئيس امان وزن بل انه اثقل احيانا من قول يصدر عن رئيس الاركان. فهو صاحب التقدير الوطني، وهو ضابط استخبارات الحكومة ولانه كذلك يصبح هدفا للتشهير السياسي. وهكذا يجد كوخافي نفسه في اواخر ولايته في امان محاولا ان يقنع بأن حماس لم تكن تعد لحرب الخمسين يوما في غزة. وهو يزعم ان الجرف الصامد كانت نتيجة تدهور منفلت الزمام وهذه ظاهرة يمكن ان تتكرر مع لبنان أو سوريا ايضا، وهذا ما قاله للحكومة قبيل العملية وهو ثابت على رايه اليوم ايضا.
لكنهم في الشباك اعتقدوا ويعتقدون خلاف ذلك، فهم يزعمون هناك ان حماس كانت تستعد للحرب في شهر تموز. ولا عجب من ان ناضل كوخافي عن موقفه، ولم يعد الامر خلافا مهنيا سليما بين منظمتين بل يوجد هنا تشكيك بالثقة بأمان، وقد ينشأ انطباع ان امان اخطأت تقدير نوايا العدو وافشلت المستوى السياسي.
اذا لم يعتمد تقدير نوايا العدو على معلومات شديدة السرية من مصدر اول فان مجال الخطأ قد يكون اكبر. وفي حال الجرف الصامد بلغت امان الى العملية مسلحة بمعلومات بقدر يفاجيء كل موجود خارج الجهاز الاستخباري. فقد عرضت امان قبيل العملية صورة واضحة تظهر ان قيادة حماس فضلا عن انها لا تريد المواجهة، توجه كل القوات في الميدان الى الامتناع عن مواجهة عسكرية مباشرة وتدهور للوضع. وبين 13 و29 حزيران، خلال ازمة اختطاف الفتيان الثلاثة وقتلهم، حاول ضباط الارتباط من حماس ان يؤثروا في الجهات العاصية كي تكف عن اطلاق النار من غزة لكن بلا نجاح. وفي 30 حزيران اطلقت حماس لاول مرة النار ردا على قتل نشيط من حماس لكنها اوحت انذاك ايضا بعدم رغبة مطلق في الخروج لمواجهة عسكرية واستمرت على اتهام اسرائيل بتدهور متعمد للاوضاع. وزاد الجيش الاسرائيلي في قوة رده كي يحاول ان يكف بالنار اللهب الاتي من غزة فكانت النتيجة عكسية وتصعيدية.
وفي 6 تموز هوجمت افواه انفاق بسبب انذار محدد بعمل معادي منها. واملوا هنا ان تكون ضربة رادعة تكف التصعيد لكن الامر خرج عن السيطرة فردت حماس باطلاق واسع النطاق واعلنت اسرائيل عن عملية عسكرية بنية استعادة عمود السحاب بيومين أو ثلاثة من الهجمات الجوية القاسية توقف اطلاق النار حتى المرة التالية. بيد ان خالد مشعل ادى بالامر الى اتجاه اخر.
ويصرون في امان على ان حماس لم تكن عندها حتى ذلك الوقت اية نية لبدء مواجهة عسكرية ولهذا كان تقدير امان الذي اعطي للقادة الموجهين صحيحا، كما كانت خطة انفاق حماس التي وضعتها امان امام متخذي القرارات قبل العملية ببضعة اشهر، كانت شاملة. ولم تعرض الخطة فقط اماكن الانفاق وبنيتها، يزعمون في امان، بل تناولت ايضا نوايا العدو والصورة التي يتوقع ان يعمل بها بواسطة الانفاق، وهذا موضوع عالجته امان منذ تشرين الاول 2013.
في كل واحدة من الهدنات طوال العملية كررت امان زعمها بالاعتماد على تلك المعلومات ان مشعل هو صاحب الامر والنهي وانه لا احتمال بتحقيق الهدنة ما لم يحرز ادنى الاهداف التي وضعها لنفسه. غير ان المستوى السياسي اختار الاستجابة للهدنة لاسباب اوسع اكثرها سياسي. وعلى حسب تصور امان احرزت الهدنة اخر الامر فقط بعد ان اتهمت حماس في غزة مشعل اتهاما مباشرا بالكارثة الحاصلة في القطاع، فلم يجد مفرا من الانكماش.
المنتج يصبح مستهلكا
كان نقص كوخافي الواضح ميزته الكبرى ايضا اذا نظرنا الى الامور نظرة من بعد، فهو لم يات مع عيني منتج معلومات استخبارية بل مستهلك معلومات استخبارية. وقد اعتاد ان يقارن بين المعلومات التي حصل عليها حينما كان قائدا للواء المظليين حينما كان يوشك ان يدخل مخيم اللاجئين بلاطة في عملية السور الواقي في 2002، والمعلومات التي كان يملكها كل واحد من قادة الالوية الذين دخلوا قطاع غزة في تموز الاخير، فانذاك في بلاطة كانت توجد معلومات استخبارية اساسية جدا عن عدد العدو وقدراته اشتملت على القليل جدا من المعلومات المحددة في الوقت المناسب عن مكان وجوده. وكانت الصورة الجوية التي يملكها قائد اللواء في 2014 تبين له ما يحدث في كل بيت تقريبا: اين توجد بئر، واين توجد عبوة ناسفة، واين يتوقع ان يوجد كمين اسلحة مضادة للدبابات او اماكن مفخخة. ولم يكن مقدار المعلومات كاملا في الحقيقة لكنه مكن من مواجهة افضل لهذا المجهول من امر العدو في داخل منطقة بلدية تشتمل على وسيط تحت الارض ايضا.
والى ذلك تعلم كوخافي بينما كان قائدا للواء المظليين وحينما كان قائدا لفرقة غزة وحينما كان قائدا لفيلق النيران ان الاستخبارات تملك احيانا معلومات لا تصل في الوقت المناسب الى الرجل الصحيح في الميدان ويمكن ان يكون ذلك مسالة حياة او موت، وقد حدث ذلك بسبب محدودية التكنولوجيا وبسبب “البيروقراطية” في داخل امان. وقد مر وقت منذ اللحظة التي تلقى فيها ضابط جمع المعلومات المعلومة الى مرورها بسلسلة الاجازات والتصديق والموافقة على نقلها الى جهة خارجية.
وانتهى ذلك عند كوخافي. لأن وحدة جمع معلومات الكترونية تتلقى معلومة عن اطلاق نار يوشك ان يقع على دورية عندها الوسائل والاذن لتدخل منظومة السيطرة والرقابة للكتيبة ذات الصلة بل لقائد سرية ميدانية لتحذره فورا، وقد نجح ذلك في عملية الجرف الصامد اذ حرفت قوات مسار تحركها بعد ان تلقت – بقناة مباشرة من ضابط جمع المعلومات الى مندوب الاستخبارات في الميدان – تحذيرات من كمين في الوقت المناسب.
واجبر كوخافي ببساطة العاملين في جمع المعلومات التقني على الجلوس الى العاملين في الطوابير ليعرفوهم ويعرفوا حاجاتهم، وفي عملية الجرف الصامد في غرفة عمليات واحدة من وحدات التنصت من الوحدة 8200 جلست طائفة من المتنصتين كانوا يعملون لاجل لواء جولاني فقط او لاجل لواء جفعاتي فقط. وكان في تلك الوحدة ممثل في قيادة الكتيبة او اللواء نقل فورا تحذيرات الى الميدان تعتمد على منظومة جمع المعلومات الالكترونية. وحينما ترك قائد الوحدة 8200 السابق العميد احتياط نداف تسفرير عمله قبل سنة، كان عدد كبير من الضيوف في حفل وداعه وقادة الوية وقادة كتائب في الجيش البري جاءوا لتوديع زميل، وهذا شيء ما كنتم تستطيعون ان تروه قبل بضع سنين.
ان هذا التغيير التكتيكي جزءا من مسار تنظيمي اكبر يشك في ان يكون كوخافي قصد اليه حينما تولى عمله. لكن شخصا ما جاء فقط من خارج الاسرة الاستخبارية وليس شديد التمسك بتقاليد الحفاظ على المعلومات حصريا كان يمكنه ان يهدم الاسوار التي كانت تفصل بين الجهات المختلفة في داخل امان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
اذا كانت شعبة الاستخبارات حققت في بداية الطريق في 2006 من خلال السايبر 10 في المئة من معلوماتها، ففي 2014 وصلت المعلومات الى 30 في المئة
بقلم: يوسي ميلمان،عن معاريف
عقد هذا الاسبوع في جامعة تل أبيب مؤتمر “السايبر” (الحرب الالكترونية) الدولي الرابع بادارة “ورشة يوفال نئمان للعلوم، التكنولوجيا والامن”، اجتذب اليه خبراء كثيرين من البلاد ومن العالم، ولاقى صدى اعلاميا بسبب خطابي رئيس الوزراء ووزير الدفاع. ويحتمل أن تكون رسالة الرافضين الـ 43 من رجال الاحتياط في وحدة 8200، والتي نشرت في موعد قريب من الحدث، ساهمت في جذب الاهتمام.
ولكن مشوق بقدر لا يقل، وان كان خفيا عن العيان، كان ما حصل في الصف الاول في القاعة التي عقد فيها المؤتمر. فهناك جلس الواحد الى جانب الآخر الجنرال كيث الكسندر والعميد احتياط نداف تسفرير. وكان الجنرال الكسندر حتى قبل نحو سنة مدير “وكالات الامن القومي” (NSA)، وحدة التنصت في أسرة الاستخبارات الامريكية، كما شغل منصب رئيس “قيادة السايبر”. وقاد العميد تسفرير حتى قبل نحو سنة وحدة 8200 التي تعنى مثل موازيتها الامريكية بالتنصت على الهواتف، الفاكسات، التسلل الى الحواسيب، اعتراض الوسائط الرقمية، حل الالغاز وقتال السايبر. وقد تحدث الرجلان مطولا، وبدا واضحا انهما معرفة قديمة يسرهما أن يلتقيا مرة اخرى.
قتال السايبر هو سلسلة من أعمال يقوم بها افراد، منظمات، دول أو منظمات فوق دولية، هدفها مهاجمة أو الحاق ضرر بحواسيب الخصم ومنظومات المعلومات لديه. ولمثل هذا الهجوم يمكن ان يكون هدفان اساسيان: الحصول على معلومات والحاق ضرر بالحواسيب ومنظومات المعلومات، يحدث رد فعل متسلسل ويمس بالبنى التحتية الاستراتيجية أو غيرها.
وحسب منشورات في الولايات المتحدة، فمثال على مثل هذا القتال هو الجهود المشتركة للولايات المتحدة واسرائيل للمس بالبرنامج النووي الايراني. وذروة هذه الجهود، على الاقل، حسب المنشورات، كان برنامج فيروس فتاك حظي بلقب “ستوكسنت” وادخل الى منظومات حواسيب الموقع لتخصيب اليورانيوم في نتناز. وحسب ما نشر في “نيويورك تايمز″ في 2010، كان البرنامج والحملة مشروعا مشتركا للمخابرات الاسرائيلية والامريكية، وادخل الفيروس الى حواسيب نتناز قبل نحو سنة من ذلك.
في الجانب الامريكي نسبت الحملة الى الـ NSA، وفي الجانب الاسرائيلي، حسب المنشورات، الى الموساد. وذلك اساسا لانه ترأس الموساد على مدى ثماني سنوات مئير داغان الذي كلفه رئيسا الوزراء ارئيل شارون وايهود اولمرت لتنسيق الجهود الاسرائيلية لاحباط، تشويش وابطاء النووي الايراني. ولكن قبل نحو سنة بدأت تنكشف تفاصيل اخرى، ومن الوثائق التي سربها موظف الـ NSA ادوارد سنودن، تبين أنه في الجانب الاسرائيلي كانت الجهة المسؤولة عن الفيروس هي 8200. وحسب بعض وثائق سنودن، يجري بين الوحدتين تعاون وثيق للغاية، نص عليه في اتفاق وقع قبل بضع سنوات وعمق العلاقة بينهما. وقد ازداد التعاون في عهد الكسندر وتسفرير.
ان قتال السايبر كوسيلة هجومية (خلافا للدفاع في وجه محاولات العدو ضرب منظومات الحواسيب) هو موضوع حساس على نحو خاص، وان كان ظاهرا لا فرق كبير بينه وبين التنصت واعتراض المكالمات الهاتفية. وفي الحالتين يدور الحديث عن عمل تجسس هجومي. ومع ذلك، ربما لان هذا مجال جديد نسبيا، فهناك تخوف من الحديث فيه.
وعليه، كان مشوقا على نحو خاص ان نسمع هذا الاسبوع مصدرا عسكريا رفيع المستوى يتناول الموضوع. وقد تحدث عن التغييرات – وللدقة عن الثورة التي تجري في السنوات الاخيرة في شعبة الاستخبارات “أمان” في الجيش الاسرائيلي وفي مركزها منظومة السايبر. وهذه لم تبدأ امس. هذه مسيرة مستمرة بدأت منذ عهد عاموس يدلين، الذي تسلم المنصب في 2006، ولكنها نالت الزخم الحقيقي عندما حل محله في بداية 2011 اللواء أفيف كوخافي، الذي سيتسلم قريبا منصب قائد المنطقة الشمالية. تعبير عن “تعظيم بعد السايبر”، على حد قول الضابط الكبير، هو حقيقة ان هذه هي المنظومة الوحيدة في شعبة الاستخبارات التي حصلت على علاوة في القوى البشرية.
احد الادوات المركزية في قتال السايبر هو حصان طروادة، البرنامج الذي يدخل الى حواسيب العدو دون علمه، مثل “ستوكسنت”، والذي يمكن أن يفاجيء، يلحق الضرر بالحواسيب او ينتزع منها المعلومات. واحيانا يتم ادخال حصان طروادة مثل “قنصة” من رصاصة وحيدة تطلق الى الهدف، واحيانا مثل “الصلية” التي تطلق وتتوزع. وبتعابير الاستخبارات، فان حصان طروادة هو مثل الطائرة بدون طيار. فهو يجري التحكم به من بعيد، يعمل دون ان يراه احد، او يعلم بوجوده احد، ويحقق بدهاء المعلومات المطلوبة.
ان المساهمة المركزية للسايبر هي في حجم الانباء التي تحققت بواسطته عن الاهداف التي تتابعها الاستخبارات الاسرائيلية. هذه الاهداف معروفة وشدد عليها غير مرة رؤساء الاستخبارات. وكانت ايران الهدف المركزي وبعدها حزب الله، حماس وسوريا. واذا كانت شعبة الاستخبارات حققت في بداية الطريق في 2006 من خلال السايبر 10 في المئة من معلوماتها، ففي 2014 وصلت المعلومات الى 30 في المئة. واضح أن حجم المعلومات يتغير من ساحة الى ساحة، من دولة الى دولة، ومن منظمة ارهابية الى اخرى. كلما كان الخصم يعمل في محيط مفعم بالتكنولوجيا، هكذا يكون اسهل ممارسة قتال السايبر.
ولكن هذا سهم مرتد. فبمساعدة تكنولوجيا السايبر، سيحاول الخصم الدفاع والحراسة لحواسيبه ومنظوماته. ورغم ذلك، فان معطى الـ 70 في المئة مثير للانطباع بكل مقياس كان.
***
والى جانب قتال السايبر حصلت في شعبة الاستخبارات تغييرات تكنولوجية وتنظيمية اخرى، كان هدفها على حد قول الضابط الكبير، “ملاءمة شعبة الاستخبارات مع الواقع المتغير كي توفر للقيادة السياسية والجيش الاسرائيلي جوابا ذا صلة وشاملا على المستوى الاستراتيجي، العملياتي والتكتيكي”.
ومفاجيء بقدر ما يبدو، حتى وقت أخير مضى لم “تتحدث” وحدات شعبة الاستخبارات الواحدة مع الاخرى بذات لغة الحاسوب. فللوحدات الكبرى في شعبة الاستخبارات مثل 8200 أو دائرة البحوث، كانت حواسيب خاصة بها، ولم تعمل على ذات الشبكة. والان، بمساعدة برنامج تطبيقات يفعلون هذا. كان هذا يجب أن يحصل لانه في كل يوم تتلقى شعبة الاستخبارات عشرات ملايين المعلومات التفصيلية، يمكن لهذا ان يكون من التنصت لمكالمات هاتفية، اعتراض بريد الكتروني، او صورة من طائرة.
ان التعبير العملي والبصري لذاك التوحيد هو في اقامة شبكة داخلية تشبه جدا شبكة الانترنت. رجل شعبة الاستخبارات او كل من له تصنيف امني مناسب (ويدور الحديث عن تصنيف عال للغاية) يمكنه أن يضرب رمز دخول فيدخل الى الحاسوب. وعلى الشاشة سيرى ايقونات تشبه جدا تلك التي في حاسوبه البيتي: فيسبوك، غوغل او شيئا ما يشبه موقع الاخبار. فينقر على احدى الايقونات، يدخل اليها، يكتب في نافذة البحث ما يبحث عنه – مثلا عمليات تخريبية معادية فيحصل على الفور، تماما مثلما في غوغل البيتي لديه، كل المعلومات التي تتناول القيمة المطروحة.
مثال آخر: ضابط شبة، في 8200 – دور محلل ومقدر معلومات – يمكنه ان يتصل على الهواء مع باحث في قيادة المنطقة الشمالية. وسيرتبطان بالحاسوب، بينما امام ناظريهما شاشة وعليها ذات المعلومات. ذات مرة كانت تمر ساعات او ايام الى أن تنتقل المادة من واحد الى الاخر. مثال آخر على قوة التكنولوجيا التي تسمح بتوافر المعلومات هو في مجال ما يسمى “المشهد” – المعلومات الاستخبارية التي تصدر عن الصور. بنقرة مزدوجة يمكن لكل مستهلك معلومات (سلاح الجو، القوات البرية) ان يحصل على صورة لكل بيت في غزة باربع زوايا.
المشكلة في كل الوضع المثير للانطباع هذا هي أنه لسماح اقوال الضابط الكبير يثور الاشتباه في أنه يتحلى اكثر مما ينبغي بالتكنولوجيا الاختراقية التي تحققت بمعونة الكفاءة، الحداثة والخيال الابداعي. وفي استعراضه يكاد لا يذكر ما يعتبر دوما الامر الاكثر اساسية في كل عقيدة الاستخبارات – العنصر البشري. فمع أنه أثنى على الضباط والجنود في شعبة الاستخبارات والذين يقومون بمهامهم، الشبان والشابات الذين خلف الالات. ولكن عندما يتحدثون عن العنصر الانساني في الاستخبارات فانهم يقصدون ما يسمى الاستخبارات التي تتحقق بوسائل استخدام العملاء.
لعل هذا ينبع من حقيقة أن لدى شعبة الاستخبارات توجد وحدة 504، وحدة صغيرة نسبيا تعنى بالايجاد، التجنيد والاستخدام للعملاء ولا سيما في مناطق الحدود الاهداف الاستخبارية العسكرية التكتيكية. وقد تعرضت الوحدة في السنوات الاخيرة الى اخفاقات جسيمة، وظهرت نقاط خلل هامة في ادائها.
وبالمقابل، ففي الموساد وفي الشاباك، الذين هم ايضا اجتازوا رفعا للمستوى التكنولوجي ولكنهم بقوا منظمات “بشرية” لا يزالون يؤمنون بان يأتي من عميل يجلس على مقربة من صاحب القرارات او الجنرال. او ربما افضل من ذلك، ان يكون صاحب القرارات او الجنرال او العميلان المجندان.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس