النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 271

  1. #1

    اقلام واراء عربي 271

    اقلام واراء عربي 271

    خالد مشعل في غزة: على خُطى ياسر عرفات
    يزيد صايغ (باحث أول في مركز كارنيغي للشرق الأوسط – بيروت) عن الحياة اللندنية
    حين اعتلى رئيس حركة «حماس» خالد مشعل المنصة ليخاطب المهرجان الجماهيري في الذكرى الـ 25 لتأسيس الحركة في مدينة غزة، في 8 كانون الأول (ديسمبر)، من دون أن يخشى الاغتيال من قِبَل إسرائيل، بدا ذلك تأكيداً لمزاعم «حماس» بتحقيق الانتصار في المواجهة المسلّحة التي كانت قد انتهت قبل 17 يوماً فقط. وعبَّر مشعل عن تلك الثقة في خطابه، الذي ظهر فيه مُنافِساً لتولّي الزعامة الوطنية، وليس فقط رئيساً لـ «حماس» أو صانع قرار في غزة. وتعتقد «حماس» أنها في خطّ تصاعدي فيما تتّجه حركة «فتح» والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس في خط تراجعي لا عودة عنه.
    لكن على الرغم من نشوة الفوز هذه، تواجه «حماس» التحديات والخيارات الاستراتيجية عينها التي واجهتها منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، وقيادة «فتح» منذ السبعينات فصاعداً. وقد قدّم مشعل الدلائل على سلوك «حماس» درباً سبَقَ لمنظمة التحرير أن سلَكَته، على الرغم من إعادة تأكيده أيضاً مجموعة من «الثوابت الوطنية» المعهودة في خطابه.
    عند الوهلة الأولى، تبدو الفروق بين الخط البياني لـ «حماس» وبين خط منظمة التحرير أكبر من أوجه الشبه. فحين عاد عرفات إلى غزة قبل 18 عاماً، في 4 تموز (يوليو) 1994، فَعَلَ ذلك بعد تبادل رسائل الاعتراف المُتبادَل وعقد اتفاق «غزة - أريحا» مع إسرائيل. وقد حدّد المهمة الرئيسة التالية بتحقيق «الانسحاب الإسرائيلي الشامل من كل الأراضي المحتلة، وفي مقدّمتها القدس، عاصمة دولتنا المستقبلية» عبر التفاوض. أما مشعل، فقد نادى في خطابه الأخير بـ»التحرير أولاً، والدولة الحقيقية ثمرة التحرير لا ثمرة المفاوضات»، مشدّداً من جديد على وجوب عدم الاعتراف بإسرائيل.
    يمكن لـ «حماس» أن تزعم، وثمة ما يبرّر ذلك، أنها طبّقت هذه المقاربة في غزة. لكن كما كانت الحال بالنسبة إلى عرفات ومنظمة التحرير في العام 1994، فإن تحقيق الاستقلال الذاتي الجاد في الضفة الغربية والقدس الشرقية - ناهيك عن بلوغ الاستقلال والسيادة الكاملَين - يشكّل تحدّياً أعظم بكثير. وإذا كانت قدرات «حماس» العسكرية توفّر لها بعض القوة الضاغطة - ما كان كافياً في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت لردع إسرائيل عن دخول قطاع غزة برّاً وثنيها عن تغيير الأمر الواقع هناك - إلا أنها لم تثبت إطلاقاً قدرتها على إرغام إسرائيل على وقف نشاطها الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية - ناهيك، ثانياً، عن تفكيك المستوطنات والانسحاب، في نهاية المطاف، من الأراضي المحتلة بشكل كامل.
    ولن تسمح إسرائيل لـ «حماس» ببلوغ ذلك المستوى من القدرة العسكرية. فقد مرّت منظمة التحرير في تجربة مشابهة في أواخر السبعينات، حين عملت إسرائيل على منعها من بناء قوّتها العسكرية في جنوب لبنان. ففي تموز (يوليو) 1981، وجّهت إسرائيل ضربات جوية قاسية إلى مقار القيادة الفلسطينية في بيروت، مخلِّفةً حوالى 500 قتيل، أغلبهم من المدنيين، لتعود وتقبل بوقف إطلاق النار بشروط غير مناسبة لها، أتاحت لمنظمة التحرير مجال البناء العسكري بأمان، بعد أن عجزت إسرائيل عن وقف نيران المدفعية الفلسطينية المتواصلة على مناطقها الشمالية. ثم قامت، في غضون أقل من سنة، باجتياح لبنان وإجبار المنظمة على مغادرة بيروت.
    إلا أن التهديد الذي كانت الحكومة الإسرائيلية اليمينية برئاسة مناحم بيغن تردّ عليه لم يكن عسكرياً، بل تَمثَّلَ باتّجاه منظمة التحرير نحو تبنّي حلّ الدولتين عبر التفاوض، ما انعكس في تنامي تعامل أوروبا الغربية مع المنظمة، وفي بدء حوار غير رسمي مع الإدارة الأميركية. فلم تقدر منظمة التحرير على استخدام قوّتها العسكرية في لبنان لإرغام إسرائيل على التخلّي عن أي جزء من الأراضي المحتلة، ولكنها تمكّنت من ترجمة تلك القوة إلى مكاسب ديبلوماسية.
    ويبدو أن مشعل قد وصل إلى الاستنتاج نفسه. فحين اعتبر «أشكال النضال السياسي والديبلوماسي كافة... لا قيمة (لها) من دون مقاومة مسلّحة»، جاء ذلك تأكيداً على شرعية العمل الديبلوماسي وإدراجاً له في قاموس «حماس»، أكثر مما جاء تهميشاً له. وفي تشديده على أن «مَن يريد التحرّك في السياسة، عليه أن ينطلق مع الصاروخ»، أشار مشعل بذلك إلى العزم على القيام بمثل ذلك التحرّك.
    كما اقتربت ملاحظات مشعل الختامية من خطاب عرفات أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1994، حين قال: «جئت اليوم أحمل غصن الزيتون وبندقية المقاتل من أجل الحرية، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي». وفي العام 2012، خاطب مشعل العالم بطريقة أقلّ شاعرية، قائلاً: «جرّبناكم 64 عاماً ولم تفعلوا شيئاً، فإذا ذهبنا إلى المقاومة، فلا تلومونا. فلو وجدنا طريقاً غير الحرب لسلكناه».
    ترى «حماس» فرصة استراتيجية أتى بها «الربيع العربي» لإنهاء عزلتها والحصول على الاعتراف الخارجي بها وبحكومتها في غزة. غير أن قبول انضمامها إلى النظام الإقليمي سوف يتطلّب منها العمل بموجب قواعده ومصالحه، حتى لو باتت الأحزاب الإسلامية «الوَسَطية» الشقيقة في مصر وغيرها تؤدّي دوراً مؤثراً في إعادة تشكيل ذلك النظام. وبهذا أيضاً تسلك «حماس» درباً سلَكَته منظمة التحرير قبلَها. فحين اعترفت الدول العربية بالمنظمة «ممثّلاً شرعياً ووحيداً» للشعب الفلسطيني، وساعدتها على الحصول على صفة مراقب لدى الأمم المتحدة في أواسط السبعينات، ترتَّبَ على المنظمة، في المقابل، أن تمتنع عن التدخّل في الشؤون الداخلية للدول العربية - وهو الأمر الذي تعهّد به مشعل أيضاً في خطابه - وأن تتبنّى استراتيجية ديبلوماسية تستطيع تلك الدول أن تدعمها لدى الأسرة الدولية.
    لا تزال «حماس» بعيدة عن التعامل السياسي المباشر مع إسرائيل، على عكس ما فعلته منظمة التحرير في نهاية المطاف. بل تفضّل «حماس»، كما تفضّل إسرائيل، أن تلتزم بهدنة طويلة الأجل تستند إلى تفاهمات والتزامات ضمنية وغير مباشرة متبادلة حيال الأمن، في موازاة الحفاظ على الترتيبات الوظيفية القائمة وتوسيعها في ما يخصّ النشاط الاقتصادي، والبنية التحتية، والخدمات العامة. فـ «حماس» تسعى إلى تأمين الاستقرار وتعزيز حكمها، ولذا تعتبر النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل مفتاحاً لإدامة سيطرتها السياسية على غزة في المستقبل المنظور، بغض النظر عن نجاح أو فشل مساعي المصالحة الوطنية مع «فتح»، وإعادة دمج مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
    بعد أن صمدت طيلة سبع سنوات عجاف في 2006-2012، تتوقّع «حماس» أن تنعم بسبع سنوات سمان. لكنّ ذلك ينطبق على غزة وحدها. فقد غيّرت «حماس» «قواعد الاشتباك» مع إسرائيل هناك، ولكنها لا تزال بعيدة عن تحقيق ذلك في الضفة الغربية - فهل تلحق بخُطى منظمة التحرير لتصوغ استراتيجية ديبلوماسية؟

    مشعل في غزة... بيّاع أوهام
    بقلم: خير الله خير الله عن الراي الكويتية
    هل الشعب الفلسطيني بالغباء الذي تعتقده «حماس»؟ من يتمعّن بالخطاب الذي ألقاه قبل ايّام السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» يتبادر الى ذهنه، اوّل ما يتبادر، أنّ الشعب الفلسطيني لا يمتلك حدا ادنى من الذكاء والبديهة والمنطق السليم.
    بعيدا عن القدرة على تحرير فلسطين انطلاقا من غزة وما اذا كان ذلك ممكنا، يظلّ الامر الوحيد الثابت أن مشعل الذي وطأت قدماه ارض غزة للمرة الاولى منذ اربعة عقود يبيع الفلسطينيين الاوهام. يحاول رئيس المكتب السياسي تسويق «انتصار» تحقق في الحرب الاخيرة التي شنّها الاسرائيلي على غزة وذلك من منطلق ان «حماس» اطلقت صواريخ طالت تل ابيب.
    حسنا، هناك صواريخ لدى «حماس» تستطيع الوصول الى تل ابيب. ولكن ماذا عن الدمار الذي لحق بغزة والقتلى الذين سقطوا وعددهم يزيد على مئة واربعين في اقلّ من ثلاثة ايّام؟ هل الدم الفلسطيني رخيص الى هذه الدرجة؟
    ينسى السيّد مشعل أنه دخل الى غزة، الساقطة عسكريا، بضوء اخضر اسرائيلي. ما يدلّ على ذلك، أن اسرائيل اعترضت على دخول قياديين من «الجهاد الاسلامي» الى القطاع. كانت النتيجة انهم لم يدخلوا...بعد ابلاغها من يعنيهم الامر في القاهرة أنّ دخول هؤلاء يعني انها لن تعود ملتزمة الاتفاق الاخير الذي رعته مصر- الاخوان وادى الى وقف للنار والى تهدئة.
    في استطاعة رئيس المكتب السياسي في «حماس» قول ما يشاء من منطلق انه يؤمن بان الشعب الفلسطيني غبيّ، وهو ليس كذلك طبعا. هل هناك فلسطيني واحد يمتلك مقدارا قليلا من المنطق يعتقد أنّ «حماس» تريد مصالحة فلسطينية - فلسطينية قبل وضع يدها على منظمة التحرير الفلسطينية...
    المهمّ بالنسبة الى الاسرائيلي تكريس «حماس» للشرخ القائم حاليا بين الضفة الغربية والقطاع. عمليا، تنفّذ الحركة، التي هي جزء لا يتجزأ من الاخوان المسلمين، السياسة الاسرائيلية القائمة على «غياب الشريك الفلسطيني الذي يمكن التفاوض معه». انّها السياسة التي اسس لها اليمين الاسرائيلي وتمكّن ارييل شارون وضعها موضع التنفيذ مطلع العام 2001 عندما اصبح رئيسا للوزراء.
    يقفز مشعل ومعه السيّد اسماعيل هنيّة رئيس الحكومة المقالة في غزة فوق موازين القوى. أنهما يستخفان بعقول الفلسطينيين بتجاهلهما أن المفاوضات التي دارت في موازاة الحرب الاخيرة على غزة ادت عمليا الى التزام «حماس» لعب دور الشرطي على طول حدود مع اسرائيل.
    وفي حال نجاح الحركة في هذه المهمّة ليس ما يمنع في المستقبل نقل تجربتها الى الضفة الغربية. ولعلّ ذلك ما طالب به رئيس المكتب السياس لـ «حماس» عندما تحدث عن «مرجعية» اسمها منظمة التحرير الفلسطينية وضرورة اصلاحها. الهدف من هذا الكلام، الجميل ظاهرا، والذي يرافقه كلام عن مصالحة مع «فتح» تحويل منظمة التحرير اداة لـ «حماس» على غرار ما كانت عليه في الماضي بالنسبة الى «فتح»، وهي الحركة الامّ التي بدأت للاسف الشديد، تتآكل من الداخل.
    لا شكّ أن منظمة التحرير الفلسطينية في حاجة الى اصلاحات بعد ترهّل اللجنة التنفيذية وكلّ المؤسسات التابعة لها نتيجة غياب القائد الفلسطيني الذي يمتلك الرؤية والمستشارين الذين يمتلكون حدا ادنى من الكفاءة. ولكن الى اشعار آخر، لا يزال البرنامج السياسي للمنظمة هو البرنامج الوحيد المقبول من المجتمع الدولي. ما يدلّ على ذلك موافقة الجمعية العمومية للامم المتحدة باكثرية مئة وثمانية وثلاثين صوتا على رفع فلسطين من «مراقب» الى «دولة غير عضو بصفة مراقب»، اي ان وضعها صار شبيها بوضع الفاتيكان.
    لم يكن هذا الانتصار السياسي ممكنا من دون البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. كلّ الدول التي صوتت لمصلحة الطلب الفلسطيني، بمن في ذلك ايران، انما اعترفت بشكل مباشر باسرائيل في حدود 1967 نظرا الى هذه الحدود هي في اساس هذا الطلب. ولو كان في اسرئيل حكومة واعية تريد السلام فعلا، لكانت وجهّت الف شكر وشكر الى الرئيس الفلسطيني السيّد محمود عبّاس الذي جعل كلّ الدول العربية والاسلامية، ومعها ايران بشعاراتها الطنانة، تعترف دفعة واحدة باسرائيل!
    بالسياسة وحدها يمكن للفلسطينيين ان ينتصروا. بالسياسة وحدها، عاد ياسر عرفات، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الى الضفة الغربية وغزة وكان لديه في مرحلة معيّنة مطار اقيم في القطاع يسافر منه الفلسطينيون ويعودون عبره الى غزة.
    بالسياسة وحدها، التي اعتمدها «الاخوان المسلمون» في مصر، وليس بالصواريخ المضحكة- المبكية التي لا تخدم الاّ اسرائيل، عاد خالد مشعل الى غزة. كان هدف الاخوان استخدام حرب غزة للانقضاض على مصر والامساك بكلّ مفاصل السلطة فيها. كادوا ان ينجحوا في ذلك، لو لم يتصد لهم قسم كبير من ابناء الشعب المصري لا يزال يرفض سقوط مصر في فخ شعارات «الاخوان» بعدما مكثت طويلا في اسر نظام العسكر بكلّ ما يمثّله من تخلف وانتهازية.
    تبدو اسرائيل، للاسف الشديد، المستفيد الاوّل من عودة خالد مشعل الى غزة ومن خطابه. لا مانع لديها في الترويج لمثل هذا النوع من الخطابات.
    اسرائيل لا تحارب الاّ من يقف فعلا في وجه الاحتلال ويسعى الى ازالته. ولذلك نراها حاليا شريكا غير مباشر في الحرب الاقتصادية التي تتعرّض لها المملكة الاردنية الهاشمية ذات المصلحة في قيام الدولة الفلسطينية «القابلة للحياة» بديلا من اطلاق الشعارات الفارغة التي تخدم السياسة الاستيطانية وعملية تطويق القدس بالمستعمرات وافراغها من اهلها الاصليين.
    يفترض في من يريد بالفعل خدمة القضية الفلسطينية هذه الايّام، الابتعاد عن الخطابات المتهورة والاقدام على خطوات شجاعة من نوع الزيارة التي قام بها الملك عبدالله الثاني لرام الله. اسرائيل لا تخشى سوى مثل هذا الدعم الحقيقي للقضية الفلسطينية. ولذلك ردت بقسوة، عبر الاعلان عن اقامة مستوطنات جديدة، على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الامم المتحدة وتفعل كلّ ما تستطيع لمنع الاردن من التغلّب على ازمتها الاقتصادية. من يريد تأكيدا لذلك يمكن احالته على الجهود التي تبذلها الدولة العبرية، على كل صعيد، لمنع الاردن من امتلاك برنامج نووي سلمي يسمح بتوليد الكهرباء وتحلية المياه.
    أليست مفارقة أنها سهّلت، في موازاة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، زيارة خالد مشعل لغزة واطلاقه خطابه الناري الذي يؤكّد أن هدف «حماس» تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس زوال الاحتلال.
    تستطيع «حماس» التعايش مع الاحتلال الى النهاية ما دام يضمن لها اخذ الفلسطينيين نحو مزيد من التخلّف والسعي في التمدد في اتجاه الضفّة الغربية من جهة والقضاء على مشروع الدولة الفلسطينية، النائم حاليا في الادراج، من جهة أخرى.


    زيارة مشعل لغزة تجسيد لحق العودة
    بقلم: رشيد أخريبيش عن القدس العربي
    لا شك أن زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل لقطاع غزة ستكون بمثابة تجسيد لحق العودة الذي انتظره الفلسطينيون على أحر من الجمر، بعد انتصارين عظيمين في تاريخ النضال الفلسطيني، نصر حققته المقاومة على الأرض وذلك بدحر جيش العدو الصهيوني ورده على أعقابه مهزوما، واستطاعت أن تفرض نفسها على الأرض وتتوصل مع العدو إلى تهدئة وفق شروطها، ونصر ثاني حققته السلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة، عندما استطاعت أن تدفع بالمجتمع الدولي إلى الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة رغم أنف الكيان الصهيوني وأمريكا الداعمة الأبدية له، ورغم أنف بعض الدول التي صوتت ضد القرار والتي لا وزن لها والتي ربما لا نسمع عنها إلا في نشرات أحوال الطقس.
    ربما يمكن القول ان هذه الزيارة للسيد مشعل تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معاني، وتحمل أكثر من دلالة فيما يتعلق بحق العودة الذي بدأ يتحقق بعد غياب طويل وبعد انتظار طال أمده، فالزيارة التي تمت عبر معبر رفح وفي وضح النهار والتي كان الكل يعتقد أنها من المحال هي اليوم تؤكد أن ذلك الانتصار المؤجل الذي كان الشعب الفلسطيني ينتظره ومعه الشعوب العربية والإسلامية قد تحقق اليوم بلا منازع .
    نعم المقاومة حققت انتصارا وأصبح بمقدورها حماية أي فلسطيني يريد العودة، بل جعلت العدو الصهيوني يرضخ لشروطها، ويقبل بها، وحتمت عليه التفكير مليا قبل الإقدام على أي عملية يستهدف من خلالها أي فلسطيني يعود إلى وطنه.
    فزيارة خالد مشعل إلى قطاع غزة بعد 45 سنة هي تحمل أكثر من رسالة أولها إلى إسرائيل بأنها بعد الحرب الثمانية التي خرجت منها المقاومة منتصرة، لن تستطيع أن تحول دون عودة أي فلسطيني إلى وطنه. والرسالة الثانية موجهة إلى العالم الغربي وإلى أمريكا بأن حماس لها شرعية على الأرض يجب التعامل معها، وأن من يضعها على قائمة الجماعات الإرهابية فهو مخطئ ويسير في الاتجاه الغير الصحيح في تعامله مع الملف الفلسطيني، أما الرسالة الثالثة فهي موجهة بالأساس إلى حركة فتح وإلى السلطة الفلسطينية إلى أن تبادر إلى المصالحة الوطنية وتقبل بالتحولات التي حدثت على الساحة الفلسطينية .
    فحماس بعد هذه الزيارة لرئيس مكتبها السياسي يمكن القول أنها بدأت تكتسب مكانتها عربيا ودوليا وأن من كان يرفض التعامل معها كممثل شرعي للفلسطينيين أصبح من الواجب عليه إعادة النظر في أوراقه، حيث لا مجال لاستمرار نهج طريق الإقصاء فحماس أعادت رسم خارطة فلسطين من جديد، وحتمت على هؤلاء التفكير مليا والقبول بالواقع الذي فرضته المقاومة بقوة على الأرض.
    لم تكن زيارة السيد مشعل إلى قطاع غزة بين حشود من الأنصار من حركة حماس سوى تأكيد من جديد على التلاحم والترابط بين أبناء حماس خاصة وأن هناك من يتحدث على انقسامات وانشقاقات في صفوفها، وأن هناك خلافات على مسألة من سيقود الحركة في المستقبل القريب.
    فحماس التي تؤكد دوما على ضرورة المصالحة الوطنية بين الإخوة الفلسطينيين عادت اليوم وأكدت من جديد في ذكرى 25 من تأسيسها على أنها مستعدة للحوار وأنها تقبل النضال من داخل منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب أن تتوحد من أجل خدمة القضية الفلسطينية .
    بعد أسبوعين من اتفاق الهدنة مع العدو الصهيوني بعد الحرب العدوانية التي شنها على قطاع غزة تعود حماس وتقول وبكل فخر أنها كانت وما زالت و ستبقى حاملة لمشعل الكفاح والمقاومة، وأن قوتها تزداد يوما بعد يوم، وأن صراعها مع العدو الإسرائيلي مستمر ولن يتوقف فإن كانت حماس في حرب الأيام الثمانية قد حققت الكثير من المكاسب بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإنها ستصنع مفاجآت لم تكن في حسبان الصهاينة وحلفائهم .
    نعم من حقكم أيها الفلسطينيون أن تحتفلوا بذكرى تأسيس حركة حماس، ومن حقكم أن ترفعوا شعارات النصر أمام أنظار العالم، وأن تعتزوا بالمقاومة لأنه لولا المقاومة لما استطعتم أن تحتفلوا بهذا النصر، وأن تفرضوا شروطكم على العدو، ولولا المقاومة لما استطعتم أن تعيدوا حق أبناءكم في العودة إلى وطنهم .
    إذا كانت ثورات الربيع الديمقراطي قد استطاعت أن تخلص بعض الشعوب العربية من أنظمة ديكتاتورية جثمت على صدورها لعقود طويلة، فإن حرب الثمانية أيام في المقابل قد أعادت الكرامة للشعب الفلسطيني، وأكدت قدرته على التحدي وعدم التنازل عن أرضه مهما طالت الأيام والسنون.

    سلام معطل... حرب مستحيلة؟!
    بقلم: راجح الخوري عن النهار البيروتية
    كان من حق الرئيس محمود عباس ان يسارع الى طرح السؤال على الحاضرين في اجتماع اللجنة الوزارية لـ"مبادرة السلام العربية"في الدوحة :"هل نحن مستعدون للحرب؟ انا اقول انني لست مستعداً لذلك". وقياساً بالواقع العربي في هذه المرحلة الانتقالية الضبابية لا يبدو ان هناك من هو مستعد لخوض الحرب مع العدو الاسرائيلي او من هو قادر عليها، هذا اذا لم يكن الوضع متجهاً الى سلسلة من الحروب الاهلية في بعض الدول العربية!
    لكن كان من حق الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري ورئيس اللجنة ان يهز"العصا العربية" في الفضاء الدولي بالدعوة الى اعادة النظر في هذه المبادرة، بعد مرور 10 أعوام على قيام خادم الحرمين الشريفين باقتراحها في قمة بيروت عام 2002، في خطوة اعتبرت إستراتيجية وشجاعة لأنها أسقطت المزاعم الاسرائيلية التي طالما كانت تتهم العرب بأنهم "لا يملكون افقاً للسلام". ورغم ان القمم العربية اجمعت عليها تكراراً لم تستجب لها اسرائيل ولا دعمتها واشنطن كما يفترض في أي شريك حقيقي يسعى لتحقيق السلام ان يفعل، ولهذا كان العاهل السعودي السبّاق قبل اعوام في القول : "ان المبادرة لن تبقى دائماً على الطاولة ".
    "التناغم" الذي سجله إجتماع الدوحة كان لافتاً إن لجهة التلويح بعصا الإلغاء او لجهة رفض ابو مازن فكرة الإلغاء، وخصوصاً الآن بعد قبول عضوية فلسطين في الامم المتحدة وانطلاقاً من الواقع العربي الراهن الذي لا يقدر على اعتماد الحرب بديلاً من المبادرة التي ليس هناك في الواقع من يعرف اهميتها السياسية والاستراتيجية اكثر من الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز الامين العام لمجلس الامن الوطني ورئيس الاستخبارات العامة في السعودية، الذي كان عميداً للسفراء العرب في واشنطن يوم اقرار المبادرة المذكورة، وقد خاض معارك كبيرة على المستويات السياسية والديبلوماسية والاعلامية في مواجهة أوساط الضغط الصهيوني التي طالما إتهمت العرب بأنهم إرهابيون وطلاب حروب لا يملكون أي أفق او تصور أو حتى مجرد قبول نظري أو مبدئي بالسلام، فجاءت مبادرة الملك عبدالله لتسقط تاريخاً من الإفتئات عليهم.
    وتماماً كما قال الشيخ حمد بن جاسم، كان من الطبيعي والمنطقي ان يقف العرب بعد الاعوام العشرة الماضية وقفة موضوعية لإعادة تقويم عملية السلام التي تعطلها اسرائيل وتتجاهلها اميركا، وذلك كمدخل يفضي بحق الى الدعوة مثلاً لمراجعة أداء "اللجنة الرباعية الدولية" والبحث في جدوى إستمرارها بعدما ثبت فشلها وعجزها عن تحقيق أي انجاز بإستثناء تلك التحركات الاستعراضية التي يقوم بها طوني بلير ابن بطوطة البريطاني وجعجعته الاسرائيلية التي بلا طحين فلسطيني!

    طرّة عباس ونقش حماس
    بقلم: كنان شوكت يعقوب عن الوطن السورية
    يسود في المنطقة اليوم واقع المراوحة الإقليمية في المكان وروتين المتغيرات الدولية الكبرى، بعد عامين اختزلا بنتائجهما كل إرهاصات الشرق الأوسط خلال العقود الخمسة الماضية.
    وبالعودة إلى زلزال سقوط مبارك لا يخفى على أحد ما تمثله مصر على الساحة الإقليمية العربية والشرق أوسطية من وزن استراتيجي هائل ومؤثر في محيطها لأنها تمثل المركز المشترك للدوائر الإقليمية والإيديولوجية الثلاث غير المتطابقة (إفريقيا، العالم العربي والعالم الإسلامي).
    فكان من نتائج سقوط نظام الرئيس المصري السابق تهاوي عدد من الأنظمة العربية، ما ترك فراغاً كبيراً في الساحة السياسية، إضافة إلى التهاء عدد من الدول الإقليمية الأخرى بمشاكلها الداخلية ما أفسح المجال لبعض الأطراف من الوزن (خفيف الذبابة) للصعود وتصدر المشهد والتأثير في التوازنات الإقليمية المؤثرة في القضية الفلسطينية، وترك المجال لمحمود عباس رئيس السلطة فيما تبقى من الضفة الغربية للذهاب بعيداً في التنازل عن حق العودة والتعهد بمنع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة مستغلاً هامش الحركة السياسية التي يتمتع بها اليوم في غياب مصر مبارك والمضاربة على المشروع (الإخوا أميركي) على الساحة الفلسطينية الذي تقوده حماس برعاية قطرية.
    ومما لا شك فيه اليوم بعد عملية (عمود السحاب) التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والدور المشرف لحركات المقاومة في ضرب عمق الكيان والوصول إلى تل أبيب وما بعد تل أبيب، أننا نستطيع أن نطمئن إلى صلابة محور المقاومة وقدراته العسكرية والإستراتيجية ولكن المؤسف هو استغلال الدكاكين السياسية والطائفية لهذا الصمود الكبير، والذهاب به إلى مكاتب السمسرة لا للتفاوض على النصر وهو حق القيادة السياسية لأي فصيل مقاوم، ولكن لاستخدامه كعمود دعم للظهور بعد ذلك أمام الشارع الفلسطيني كأبطال للحرب والسلام مع العدو الصهيوني.
    وبالربط مع ذلك يبدو أن مواقف العديد من قيادات حماس لا تتلاءم اليوم مع إستراتيجية المكتب السياسي المشتت في ولائه بين القاهرة وأنقرة والدوحة ذات الخلفيات المشبوهة في تعاونها مع الغرب وتنفيذ أجنداته في منطقة الشرق الأوسط وأخص بالذكر هنا القياديين محمود الزهار وموسى أبو مرزوق اللذين لم يحسما حتى اليوم موقفهما في المشروع الأميركي لمكتب حماس السياسي ويواصلان اتصالاتهما مع القيادتين في دمشق وطهران.
    في ضوء هذا المشهد الذي تسوده الوعود بكراسي السلطة الفلسطينية نتابع بازاراً مفتوحاً على مصراعيه بين عباس وحماس، أما الصهاينة فمستمتعون بقائمة العروض المطروحة مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني «التوافقي».
    فهل يكون عباس قريباً أحد أبرز المتابعين لنشرات وتقارير المحطات الإخبارية المرافقة لتحركات الرئيس الفلسطيني المرتقب (خالد مشعل) أم إن ما سيقدمه عباس سيشفع له بالبقاء..!

    من العراقيين الأسرى إلى الأسرى الفلسطينيين
    بقلم: إياد الدليمي عن العرب القطرية
    عقد في بغداد خلال الأيام الماضية مؤتمر دولي لدعم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، مؤتمر لا يمكن أن تشم من ورائه سوى رائحة المأزومين الذين يحاولون الخروج من عنق زجاجة أفعالهم التي وضعوا فيها، معتقدين أن مثل هذه المؤتمرات يمكن أن تنسي العالم مؤامراتهم على الفلسطينيين، سواء في الأراضي المحتلة أو في بغداد، مؤتمر لا يمكن سوى أن يوصف بأنه مزايدة في سوق للنخاسين، تسعى من ورائه حكومة بغداد لتبييض وجهها الأسود ومن ورائها وجه داعمها الأكبر، إيران.
    لسنا ضد أن يعود لبغداد وجهها المشرق، وجهها الداعم لكل قضايا العرب، ولسنا ضد أن يتوافد العرب إلى العراق، أو أن تكون بغداد حاضنة لمؤتمرات أو فعاليات عربية، ولكن ليس قبل أن تطهر بغداد من درنها.
    لقد أثار المؤتمر العديد من التساؤلات، وهي في مجملها تساؤلات محقة، لا أعتقد أن لدى الأطراف العراقية التي رعت المؤتمر الدولي لدعم الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أية إجابات عليها.
    فهل يعقل أن تنادي حكومة بغداد وتتنادى لنصرة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وهي ما زالت تحتفظ بالمئات من الفلسطينيين في سجونها السرية والعلنية؟ هل يعقل أن يعقد مثل هذا المؤتمر بدعوة ورعاية من حكومة المنطقة الخضراء، وما زالت يد قاتل الفلسطينيين في بغداد لم تجف من دمائهم، بل تحول هذا القاتل إلى واحد من أكبر المشاركين بالعملية السياسية؟
    هل من الممكن أن نصدق أن هذا مؤتمر لنصرة أسرى فلسطين، بينما لا تزال حكومة بغداد تعتقل أكثر من 80 ألف عراقي في سجونها، وهو الرقم المعلن، بينما هناك أضعاف هذا الرقم في سجون سرية لا يعرف ضوء النهار الطريق إليها؟
    أليست حكومة بغداد متهمة اليوم بتنفيذ أكبر حملات الإعدام خلال العام 2012 حتى خرجت المنظمات الدولية لتؤكد أن تلك العمليات في العراق خرجت عن نطاق السيطرة.
    هل تناست حكومة بغداد فضيحة تعذيب واغتصاب سجينات عراقيات في سجونها، رغم نفيها المتكرر لهذه الحالات؟ هل نست حكومة بغداد أن الآلاف من العراقيين يقبعون في زنزانات سرية رغم تبرئتهم من التهم الموجهة إليهم ورغم مضي أكثر من عامين على حصولهم على حكم البراءة؟
    أليست حكومة بغداد هي من تعتقل الناس بالشبهة وفي أغلب الأحيان لأسباب طائفية؟ أليست هي من يرعى سجن الشرف السري وقبله الجادرية؟
    لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارن بين أوضاع السجناء والمعتقلين العراقيين في سجون حكومة بغداد بأقرانهم وإخوانهم الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
    بل إن بعض العراقيين لم يكتف بمقارنة أوضاع السجناء في كل من بغداد وتل أبيب، وذهب أبعد من ذلك، عندما راح يقارن حال العراقيين في سجنهم الكبير الذي وضعوا فيه، والذي اسمه الوطن، بحال الأسرى الفلسطينيين في سجون تل أبيب.
    بعضهم يتساءل، ليس لدينا كهرباء أو ماء صاف للشرب، والأسرى في سجون الاحتلال ليدهم، نحن محكوم علينا بمدد مفتوحة عكس أسرى فلسطين فهم سيفرج عنهم بعد انقضاء محكومتهم.
    العراقيون، أسوأ أوضاعا من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فلقد استنزف الفساد أرض الرافدين، وأفقر شعبها، وتحولت البلاد إلى واحدة من أسوأ بقاع العيش في العالم، ولم يعد أمام العراقي سوى الموت حيا بين جدران سجن الوطن الذي تفننت حكومة بغداد في تسميك جدرانه، سواء بسياسة نقص الخدمات أو بتهم الإرهاب الجاهزة لكل من يعارض نهجها أو بسياسة الأزمات الخانقة، من أمنية إلى سياسية إلى اجتماعية إلى ثقافية إلى طائفية، والتي تبتدعها الحكومة بين وقت لآخر بسبب سياساتها الخرقاء.
    إن ما تقوم به حكومة بغداد من محاولات تعتقد أنها من خلالها سوف تجمل القبيح، سيرتد عليها، فلقد عبر العراقيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة عن انزعاجهم لهذه المؤتمرات التي تعقدها حكومة بغداد، وطالبوها بأن تلتفت إلى وضعها الداخلي المتأزم، بدلا من مزايدات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع.
    لقد كان المالكي ومن في سلطة بغداد اليوم، يعيبون على صدام حسين أنه يتاجر بقضية فلسطين، وأنه أولى القضية اهتماما فاق اهتمامه بالشأن الداخلي، وها هم يعيدون نفس السيناريو، أو يسعون لذلك، وما كان ما فعلوه عن قناعة، كما كان يفعل صدام حسين، وإنما هي محاولة مدفوعة من جانب إيران لحليفتها وتابعتها في بغداد من أجل مد يد التغلغل إلى الوضع السوري بطريقة أو بأخرى، تمهيدا لدور مرتقب تعد إيران العدة له عقب سقوط بشار الأسد.
    إن العراقيين اليوم، كلهم أسرى قوانين تخترقها الحكومة متى تشاء وتهم تلبسها من تشاء وقت ما تشاء، وهم رهائن لمشروع توسعي تديره وتخطط له أياد لم تعد خفية في طهران، والعراقيون لا يحتاجون لمن يذكرهم بفلسطين وقضيتها، فلقد كانت حاضرة في أحلك أوضاعهم عقب الاحتلال، وهم أقدر من غيرهم على أن يمدوا يد النصرة لإخوانهم في فلسطين، ولكن ليس قبل أن يحطموا الأغلال.
    على حكومة بغداد أن تلتفت إلى داخلها، وألا تمد عنقها طويلا، فهي تعرف جيدا أن طويلي الأعناق سيأتي حتفهم عما قريب، وقد تلحق بهم إذا ما تمادت وأهملت شأنها الداخلي المتأزم والذي يعيش حالة غليان شعبي قد تنفجر قبل أن تبلغ أعناق حكومة بغداد مقاس الخلع.

    الاغتيالات - إسرائيل تتربص..!
    بقلم: نواف الزرو عن العرب اليوم
    عقلية الاحتلال في سياسات الاغتيالات تبقى هي هي لا تتغير، فهذه السياسات هي من أهم مرتكزاتهم في حروبهم المفتوحة ضد الفلسطينيين، فلا تصدقوا أن الاحتلال سيتوقف يوما عن هذه السياسات، فهذه طبيعتهم ولن يخرجوا من جلدهم، فإذا كانت مصادر فلسطينية ومصرية اعتبرت أن التهدئة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، تتميز عن سابقاتها العديدة، بأنها " تلزم اسرائيل بوقف الاغتيالات" و"هذا انتصار فلسطيني"، بينما نفت مصادر اسرائيلية مثل هذا الالتزام، والأرجح أن النفي الاسرائيلي هو الأدق، ليس لأن المصادر الفلسطينية والمصرية " تفبرك " الأمر، فقد تكون "إسرائيل" سربت مثلا موقفا كهذا، غير أنها في الصميم والجوهر تكذب وتخادع.
    ولأنها اعتمدت سياسة الاغتيالات - تاريخي- كإحدى أهم مرتكزات استراتيجياتها الحربية ضد الفلسطينيين والعرب ولا يمكنها أن تنسلخ عن جلدها، بل إن تاريخ هذه السياسة جزء لا يتجزأ من عقليتهم ومن وجود الكيان، ويعود الى ما قبل إقامة ذلك الكيان عام 48، حيث نظر وخطط وأدلى وسوغ كبار المفكرين والمنظرين الصهاينة للإرهاب الدموي والتدميري ضد الشعب الفلسطيني، وكانت سياسة الاغتيالات في صلب استراتيجيتهم الارهابية.
    ففي أحدث تطورات المشهد الفلسطيني، وعلى الرغم من اتفاق التهدئة، الا انها ابلغت "أي اسرائيل" مصر، بأنها ستغتال رمضان شلح ومن معه، ان هو تجرأ على زيارة غزة، وبعض جنرالاتهم يبدون الندم على عدم اغتيال مشعل خلال زيارته لغزة، وحسب تقرير بثه التلفزيون الاسرائيلي القناة العاشرة 10 / 12 / 2010 فإن "اسرائيل قلقة جدا من تداعيات المصالحة الفلسطينية واحتمالية اكيدة لرجوع العلاقات الودية بين حركتي حماس وفتح"، وأوضح التقرير" أن اسرائيل قلقة جدا من تداعيات المصالحة، حيث إن حركة حماس في الضفة الغربية تحاول أن تطور بنيتها التحتية العسكرية ومحاولة الرجوع الى مقاومة الجيش الاسرائيلي في الضفة، الأمر الذي سيؤدي الى اتخاذ اسرائيل قرارات قد تكون اغتيال القيادات السياسية والعسكرية لحركة حماس في الضفة لمنع أي هجوم من قبل كتائب القسام ضد الاسرائيليين في الضفة".
    يبدو أن ملف الاغتيالات الذي توجته دولة الاحتلال في عدوانها الأخير على غزة، باغتيال القائد أحمد الجعبري، وتواصله بالتهديدات المحمومة باغتيال شلح ومشعل وتصفية القيادات السياسية الفلسطينية بعد العسكرية، يبدو أنه بات في مقدمة الملفات الساخنة مجددا، اذ اخذت دوائر الاستخبارات الصهيونية تستحضر وتفعل هذا الملف على نحو أشد وأشرس وأخطر من أية مرحلة سابقة، بل إنه يتسيد قمة الأجندة الحربية الإسرائيلية.
    وعلى نحو مكمل- إذا كانت سياسة الاغتيالات والتصفيات الجسدية المحمومة لكبار القادة والنشطاء الوطنيين الفلسطينيين، تعتبر "السياسة الصهيونية / الإسرائيلية الأخطر والأشد إرهابية وإجراماً مع سبق التخطيط والنوايا المبيتة"، فإن هذه السياسة في الحقيقة جزء لا يتجزأ من استراتيجية إرهابية صهيونية / إسرائيلية شاملة لم تتوقف التنظيمات الإرهابية السرية الصهيونية عن العمل بها قبل قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولا هذه الدولة نفسها بعد قيامها، كما أنها جزء لا يتجزأ من تراث وأدبيات سياسية وأيديولوجية إرهابية عريقة، وغدت صناعة صهيونية –اسرائيلية بامتياز لا مثيل له عالما...!
    فقد حظيت سياسات الاغتيال ضد القيادات الفلسطينية بمباركة صناع القرار الإسرائيلي على أعلى المستويات، كما حظيت بمباركة القضاء العسكري لدولة الاحتلال، إذ "بارك الجنرال باراك- رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق ووزير الحرب اليوم- عمليات الاغتيال وحيا منفذيها معتبراً إياها تندرج في إطار سياسة الدولة في مكافحة الإرهاب"، والجنرال افرايم سنيه نائب وزير الدفاع الإسرائيلي سابقا يعلن "أن التصفية الجسدية للفلسطينيين تشكل الوسيلة الأكثر فعالية ودقة وصواباً"، في حين أكدت مصادر أمنية إسرائيلية عديدة: "أن إسرائيل ستواصل سياسة الاغتيالات في المرحلة القادمة".
    وكان شارون قد اعتبر في عهده "أن سياسة الاغتيالات التي ينتهجها في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية هي الأفضل التي تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية"، ليأتي الجنرال بنيامين بن اليعازر وزير الدفاع في عهده ليرسخ هذه السياسة قائلا: "ليس أمام الحكومة الإسرائيلية من خيار إلا مواصلة سياسة الاغتيالات"، ولم يتأخر المجتمع الإسرائيلي بدوره عن توفير أوسع غطاء لهذه السياسة، حينما "أعرب 75% من الإسرائيليين عن اعتقادهم بضرورة أن تواصل إسرائيل سياسة الاغتيالات ضد الفلسطينيين".
    لنصبح بالتالي أمام تراث إرهابي إسرائيلي واضح المعالم والخطوط والأهداف، وأمام سياسة اغتيالات رسمية ومشرعة من قبل أعلى المستويات السياسية والقضائية والأمنية الإسرائيلية، ما يعتبر انذارا متجددا للفصائل والقيادات الفلسطينية، فيجب ان لا يلدغوا من هذا الجحر مرات ومرات، فــ"اسرائيل" تتربص صيدا ثمينا، ولن تفوت فرصة مواتية وذهبية لاغتيال احد القيادات وتتردد في ذلك، حتى لو أدى ذلك الى حرب أخرى...هكذا هم ... وهذه هي الطبيعة الصهيونية... وهذه هي "دولة إسرائيل" منذ نشأتها: دولة الارهاب والاغتيالات وجرائم الحرب..!

    لا ربيع ولا جهاد في غزة…
    بقلم: عبد السلام بارودي عن البلاد الجزائرية
    في لبيا لايزال الناس يحملون “الآربيجي” على أكتافهم لمسح خصومهم من أبناء جلدتهم مثلما حدث في بني وليد، وفي تونس لاتزال النار مشتعلة في بيت الشعب الذي ثار على الظلم قبل أن يدخل في ظلمات الفتن والتناحر، وفي مصر لايزال المتآمرون يعتقدون أن حرق مصر هو حرق للإخوان، ولايزال الإخوان أو بعضهم يعتقدون أن خصومهم وحدهم من يكتوون بتلك النار.
    وفي سوريا التي تحترق بنار طاغيتها دخلت المعارضة على خط الاستبداد وسفك الدماء هي الأخرى وها هي الفتنة التي نتكتب عنها في أخبارنا وتحاليلنا.. في سوريا لايزال الوطن ينزف..
    وسط هذا المشهد القاسي.. لا أحد يتذكر فلسطين إلا كخريطة صنعتها مفاوضات الاستسلام، ولا أحد بمقدوره الاقتراب من خطوط النار في إسرائيل. لا الربيع العربي ولا الجماعات المجنونة التي ترفع شعارات الجهاد في مالي البلد الفقير الذي تتجاذبه كل آفات الدهر… أين الربيع العربي الثائر الذي ادعى أنه سيحرر فلسطين وقبل ذلك سيحمي غزة من إثم الآثمين؟ أين أبطال الزنتان ومصراتة الذين رقصوا ذات يوم على جثة رئيس حكمهم قرابة نصف قرن؟ أين أشاوس الثورة الليبية والتونسية وسلفيتها الجهادية تماما مثلما أتساءل أنا المواطن العربي البائس عن الطريق الذي سلكته الجماعات المصرية والأردنية والسورية التي أتحفتنا بذبح جنود مأمورين باسم كتائب الصديق وكأن الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وخليفته رضوان الله عليه كان قاتلا سافكا لدماء المسلمين..
    أين المال العربي الذي الذي يمول القتل في سوريا والدمار في ليبيا والفتن في مصر وتونس والقتل والدمار في مالي؟ هل فقد العرب بوصلتهم وأصبحوا أكثر حرصا على سفك دماء بعضهم بعضا كما كان يحدث في الجاهلية الأولى؟ لماذا تتفنن القاعدة في نشر الموت بيننا وتوزيع الخراب من هنا وهناك ولا تفعل ذلك دفاعا عن غزة وعن الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا ترفع راياتها في بئر السبع وصحراء النقب وتفعل ذلك في غاو المدمّرة وتستقطب كل من له الاستطاعة على القتال في الصحراء المقفرّة بمالي؟
    في الخليج أموال تصرف لمواجهة جنون آخر وأكذوبة من لم يطلقوا طلقة واحدة اتجاه إسرائيل.. إيران المقدّسة؟ أقامت ترسانة دفاعية وهجومية ترعب بها المسلمين في الخليج العربي وتهددهم بالمسح، وطيلة 30 سنة لم نسمع طلقة واحدة اتجاه إسرائيل، بل إنها أمرت أتباعها في العراق بذبح الرجل الوحيد الذي قصف تل أبيب.. الشهيد صدام حسين.. فأعدموا بموافقة أمريكية ومباركة إيرانية.. ثم اصطادوا كل علماء العراق الواحد تلو الآخر ممن صنعوا الصواريخ التي كانت تقصف تل أبيب.. وستظل إيران تهدد والعرب ينفقون وإسرائيل تتشاور وهذا جزء من لعبة حماية المصالح ومجالات القوة..
    عود على بدء.. أين فضائل هذا الربيع الذي لا تنبعث منه سوى رائحة الموت والدماء التي تسيل أنهارا؟ أين النفير؟ أم هو زفير من حولنا نحن الذين نكتوي بظلم هذه السلط الفاشلة في عالمنا العربي والإسلامي بينما أنتم لا تزيدونهم سوى قوة على قوة؟

    «ثورات الربيع العربي» والقضية الفلسطينية
    بقلم: النفطي حولة عن الشروق التونسية
    بعدما تناولنا في الحلقة الماضية بالتحليل القضية الفلسطينية كقضية مركزية في الصراع القومي ضد الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية من جهة والأمة العربية وقواها الوطنية و التقدمية والثورية وحلفاؤها من جهة أخرى وما تمثله من تراث نضالي وزخم ثوري و ثقل تاريخي على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والفنية والأدبية خيم بظلاله وأثر سلبا وايجابا في كل مجريات الأحداث التاريخية والتطورات التي شهدها الواقع العربي المعاصر وبعد ما تعرضنا في سياق هذا التحليل الى مواقف من أتى بهم «الربيع العربي» من الحكام الجدد جماعات الاسلام السياسي المتمثل في الاخوان المسلمين في كل من مصر وتونس وليبيا نتناول بالدرس والتحليل مواقف هؤلاء الحكام من عدوان الثمانية أيام الأخيرة على أهلنا في غزة وصمود المقاومة فيها التي باتت تقض مضاجع القطعان المستوطنين الصهاينة بصفة خاصة والإسرائيليين بشكل عام.
    فكما هو معلوم بدأت سلسلة أحداث العدوان الأخير على غزة بعد أن نفذ مقاومون فلسطينيون لعملية استهداف دورية عسكرية في العاشر من تشرين ثاني – نوفمبر 2012 على اثر الغارات المتكررة التي طالت المدنيين الأبرياء من حين لآخر من طرف الطيران الصهيوني إلا أن المقاومة الوطنية الفلسطينية بكل فصائلها فاجأت الجميع سواء الكيان الصهيوني رأس حربة الامبريالية العالمية أو المتواطئين معه من الأنظمة العربية الرجعية . كان أداء المقاومة رائعا في وحدة العمليات العسكرية على الميدان وفي التعاطي السياسي بالتوازي مع المقاومة .
    كانت كل فصائل المقاومة الوطنية والإسلامية أكثر من ذي قبل مصمّمة على الحاق الأضرار بالعدو ومن ثم ردعه على الأقل بما يسمى بمعادلة الرعب والخوف ومن ثم العجز على طمأنة القطعان الصهاينة خاصة ومواطنيه عامة. وهكذا أمطرته بمئات الصواريخ التي طالت تل أبيب والقدس و مدن لم تطلها من قبل .
    فنقرأ في الصحف العربية والعالمية «الرعب يسيطر على الإسرائيليين من صواريخ المقاومة الفلسطينية» تسيطر حالة من القلق والخوف في إسرائيل بعد وصول صواريخ المقاومة الفلسطينية لمدن وبلدات لم تبلغها من قبل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قبل خمسة أيام، وأصيب عدد من الإسرائيليين اليوم في عسقلان وبئر السبع، بعد دوي صفارات الإنذار في تل أبيب أمس وسماع دوي انفجارين فيها. فقد أعلنت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أنها قصفت وللمرة الأولى مدينة «بات يام» شمال تل أبيب بصاروخ من نوع فجر ثلاثة الذي يتجاوز مداه ثمانين كيلومترًا. كما أفاد مراسل الجزيرة، بأن صاروخين أطلقا من غزة نحو مدينة عسقلان، كما سمعت صفرات الإنذار في بئر السبع بعد سقوط خمسة صواريخ على المدينة.
    وقال الجيش الإسرائيلي، إن ما يسميها القبة الحديدية اعترضت أربعة صواريخ أطلقت من قطاع غزة على تل أبيب. وقال مراسل الجزيرة، إن عددًا من الإسرائيليين أصيبوا في عسقلان وبئر السبع وسديروت بعد إطلاق صواريخ، وبعضهم دهستهم سيارات وهم يحاولون الهرب. كما أصيب عشرون إسرائيليًا بجروح إثر سقوط صاروخ على «أوفاكيم» بجنوبي إسرائيل. وكانت صفارات الإنذار انطلقت في تل أبيب مرتين أمس وسمع دوي انفجارين في المساء بعد إطلاق صواريخ للمقاومة الفلسطينية من غزة. ويقول الجيش، إن نحو مائة صاروخ أطلقت من غزة اليوم، 31 منها اعترضتها القبة الحديدية، مشيرًا إلى 1128 صاروخا أطلقت منذ بدء الهجوم الإسرائيلي الأربعاء الماضي، تم اعتراض العشرات منها.».
    وبالموازاة مع المقاومة الصامدة كانت الجولات المكوكية في الغرف المغلقة في العواصم الغربية والعربية تدار من الخلف حتى لا تفتك المقاومة مكاسب سياسية. فكيف كانت ردود فعل حكامنا الجدد الميامين مباشرة على اثر العدوان وهل ارتقت الى مستوى الفعل التاريخي خاصة وأنهم ملأووا شوارعنا بشعارهم العقائدي «خيبر خيبر يايهود جيش محمد سيعود». ألم يأن لهؤلاء العقائديين المجاهدين المخلصين لأمتهم «الاسلامية» الحكام الجدد من الاسلاميين أن يطلقوا كلمة الجهاد ضد الصهيونيين ؟ لنتابع ردود فعلهم على الساحة.
    ولقد كان أول رد فعل من مصر استدعاء السفير المصري من تل أبيب وما وقع تسويقه على أنه طرد لسفير «اسرائيل» من القاهرة والذي رجع معززا مكرما بعد ذلك بعد اسبوعين تقريبا من العدوان.
    وتلا ذلك مباشرة الحديث عن لتهدئة. فكانت كالعادة الزيارات والجولات المكوكية بين العواصم العربية التقليدية كالقاهرة والدوحة في زمن «الربيع العربي» وكانت الوعود والخطابات واللقاءات والوفود. وحتى يقنعنا بموقفه في «طرد السفير» حاول الدكتور محمد مرسي اقناعنا بمسرحيته الهزلية التي كان اخراجها سيئا بدليل أن «سعادته صديقه سفير اسرائيل» لم تدم اقامته في تلأبيب أكثر من الوقت الذي استغرقه الرئيس في ترتيب التهدئة وتبويب؟ أوراق اللعبة السياسية. فكان زعيمنا هذا لأكبر دولة عربية الدكتور محمد مرسي بعد ما هاج وماج وهو يهدد و يتوعد أعلن أنه سيتخذ «قرارا خطيرا لمساندة أهلنا في غزة . أخذنا ذلك الموقف مأخذ الجد وقلنا لعله سيهدد في الحد الأدنى بفك ارتباط مصر باتفاقية كامب دافيد ويوقف هجمته على تدمير الأنفاق لأن الفرصة مواتية والريح تهب في الاتجاه الصحيح خاصة وأنه من حكامنا الجدد بالتصريح والتلميح. لكن يا خيبة المسعى كما يقولون تمخض الجمل فولد فأرا.
    واذا بزعيم مصر الأكبر يوجز كلامه فيقرر عودة «سعادة سفير» الكيان الصهيوني مؤقتا الى تلأبيب وكأنه راجع لملاقات الحبيب. هذا الزعيم «الفذ» في «زمن الثورات العربية» أعزك الله اعلم أنه قام بطرد سفير سوريا بأكثر جرأة وسرعة تنفيذا لأوامر سيده سام وابن عمه من الرضاعة بيريز الذي راسله فتودد اليه بالتحية وردّ له بالتحية أحسن منها لأنه تعلّم الأصول في الاسلام أن التحية هي أبلغ من الكلام في الحديث عن السلام حتى ترضى عنه اليهود والنصارى فيتبع ملتهم وهو الملتحي المتدين الخارج لتوه من عباءة شيوخ النفط بعد أن أدى صلاة الجمعة من أحد مساجد قاهرة المعز . هذا الزعيم الأوحد الذي هدد سوريا الشقيقة على حدود جاراتها ايران وهو يحضر قمة عدم الانحياز في طهران باللجوء الى الحلف الأطلسي والعدوان نراه يعظ بالنواجد والأسنان على ما يسمى «بسلام الشجعان» مع العدو الصهيوني والأمريكان فلم يهدأ له بال ولا مقام حتى قام بالوساطة على أحسن ما يرام من أجل التهدئة والسلام حتى يفوز في نظر أسياده بعلو المقام . في الوقت الذي اعتبرت فيه بعض الصحف الأجنبية أن تصاعد وتيرة العدوان على غزة يمثل أكبر تحد لمصر محمد مرسي حيث «وصفت الغارديان البريطانية في افتتاحيتها الهجوم الاسرائيلي على غزة بأنه أكبر تحد لمصر على الاطلاق . ورأت الصحيفة أن الحساب الأخطر لما يجري في غزة هو أن الأحداث لا تمثل اختبارا لحماس أو اعادة ردع الجماعات المسلحة في غزة ولكنها تمثل اختبارا لمصر . فبحسب الغارديان , الفارق الأكبر بين الهجوم الحالي والهجمات الأخرى السابقة هو أن الأساس الاقليمي قد تغير فواحدة من الدولتين الموقعتين على اتفاق السلام مع اسرائيل قد أصبح حكامها اسلاميين والأخرى الأردن تقوى فيها القوى الاسلامية أيضا وافترضت الصحيفة أنه كلما زاد نطاق الربيع العربي تضطر اسرائيل الى أن تخفف من هجومها على المسلحين في غزة لرغبتها في الحفاظ على السلام مع مصر».
    هذا السيد الدكتور محمد مرسي زعيم الاخوان انتصر لجماعاته في الحكم وحلفائه من العربان ولم ينتصر لمصر ولا لانتفاضة شعبها شيبا وشبان التي أبت إلا أن تسقط الطغيان وترفض سياسة الذل والهوان والتبعية المطلقة للأمريكان . فكيف بحاكم مصر الجديد سينتصر لقضية فلسطين فيقطع مع سياسة التطبيع مع الصهيونيين فتقطع عنه أمريكا «الصديقة الصدوقة» ما تفضلت به لمساعدة المصريين من بعض ما تيسر لها من الفتاة والهبات للمساكين الذين يعدون بالملايين وهو الذي تمسك بسياسة سلفه في تجديد العهد والمعاهدة «للاسرائيليين» والخضوع بالكامل للأمريكيين الذين دعموه في حملته الانتخابية بالملايين .
    ولعل ما قدموه سادتنا الجدد من الاسلاميين لأطفال غزة وأهلنا الصامدين لطفل جريح أو لمقاوم شهيد أو لشيخ مريض أو لامرأة موجوعة لا يتعدى بعض الخطب الرنانة والمسموعة ولا بعض التصاريح واللافتات المرفوعة ولا بعض الصور الفوتوغرافية التذكارية وهم يزورون القطاع بإذن من صاحبهم بيريز المطاع الذي كان وفيا لرسائلهم المقروءة في التلفاز والمذياع . فأشّر لهم بالدخول وهو أول من يعلم بأن العدوان على غزة ضربة سياسية وليست عسكرية لكشف حسابات الحكام الجدد وكيفية دعمهم للقضية وجر حركة حماس للتخلي على البندقية والتمسك بالمعارضة الدبلوماسية كما كانت فتح من قبل في المفاوضات والجولات المكوكية . وهكذا انتهى العدوان بالهدنة الغير مشروطة والمعلنة من طرف محمد مرسي وكلينتون بعد لقاء التشاور والمهاتفة للبنتاغون و الحديث مع عربان الخليج من شيوخ النفط الملاعين وبعدعرض فحواه على خالد مشعل والمقربين.
    فماذا قدم الاسلاميون لغزة الجريحة غير الكلام وبعض الأدوية والطعام. أتحتاج غزة وفلسطين الى زيارات استعراضية للوافدين من جماعات تونس والمصريين ؟ أم هي في أشد الحاجة الى اسناد المقاومة والوقوف ضد المساومة بالدم الفلسطيني السخي الذي لم يبخل به حتى الصبي لرد كيد المعتدي واسترداد الأرض المغتصبة السليبة فلسطين الحبيبة ؟ أيها الاسلاميون فماذا أنتم فاعلون ؟وهذا السؤال بالمناسبة طرحه صديقكم و ولي نعمتكم وزير خارجية قطر لعلكم تعلمون ؟ هل تدرون أم لا تدرون ؟ أن شيوخ النفط لا يتورعون في بيع ما تبقى من القضية وهم يتغامزون .
    ألستم أنتم من تدّعون عند الوصول الى دفّة الحكم ستحرّرون فلسطين وبيت المقدس من اليهود الصهيونيين ؟ فماذا أنتم فاعلون ؟ لقد كلتم السباب والشتائم في الماضي لناصر ومن كان معه من المناضلين الأشاوس وكل مقاوم وعاديتم الثورة الناصرية وتحالفتم مع الرجعية العربية بزعامة المملكة العربية السعودية وحاولتم اغتياله والقضية ضربا للعروبة والهوية و لحركات التحرر العربية وقد وقفتم ضد الشهيد المغتال القائد الرمز صدام تتباهون بحكم الاعدام الذي سلطه عليه أعداؤه من الحكام زبانية النظام وعملاء الأمريكان من الجلبيين والكرازيين الأزلام وكنتم تمنّون أنفسكم والناس أجمعين بالانتصار لقضية فلسطين .
    وفي ليبيا تحالفتم مع الناتو والقوى الاستعمارية من أجل نيل السلطة باسم الديمقراطية . فماذا أنتم فاعلون يا دعاة الاسلاموية؟ فها أنتم تحكمون الآن وتمسكون السلطة باسم الشريعة والقرآن فتفضلوا بفتح باب الجهاد المقدس وأعلنوا العصيان ضد اليهود الصهاينة وحلفاؤهم الأمريكان. فالبوصلة الحقيقية هي القدس وفلسطين القضية وليست سوريا الأبية سوريا العروبة والهوية. فماذا أنتم فاعلون ؟.

    صمت البيت الأبيض
    بقلم: وليد ابي مرشد عن الشرق الأوسط
    أن تلتزم إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما جانب الحيطة في مواقفها من القضايا العربية الملحة في الوقت الحاضر (وخصوصا سوريا ومصر) أمر مثير للتساؤل في ظل تسارع الأحداث في الشرق الأوسط.
    أما أن يصمت البيت الأبيض على ردود فعل حكومة بنيامين نتنياهو الانفعالية على رفع التمثيل الفلسطيني في الجمعية العمومية للأمم المتحدة إلى مستوى الدولة المراقب غير العضو فأمر يصعب تفسيره مهما قيل عن انهماك الرئيس أوباما بهموم الموازنة الاتحادية.
    بعد أن خذله نتنياهو في حملته الانتخابية الأخيرة، لماذا يفوّت الرئيس الأميركي فرصة متاحة «لرد الجميل» لرئيس الحكومة الإسرائيلية رغم تبدل الموازين الظرفية لصالحه؟
    قبل فوزه بسباق الرئاسة – بفضل أصوات الناخبين السود والمنحدرين من أصول إسبانية - كان أوباما بأمس الحاجة إلى الصوت اليهودي في معركته الانتخابية، وكان تأييده لنتنياهو - الذي بلغ حد القبول بمنطقه في استهداف قطاع غزة - مبررا، وإن مصلحيا آنذاك.
    أما وقد انقضى الاستحقاق الانتخابي الأميركي بفوز مبين للرئيس أوباما، وبعد أن اتضح أن نتنياهو جير الأصوات اليهودية لصالح منافسه المرشح الجمهوري، ميت رومني - الذي تجمعه به ذهنية يمينية محافظة مقرونة بصداقة قديمة تعود إلى زمالتهما في «مجموعة بوسطن الاستشارية» في أواخر سبعينات القرن الماضي،
    وبعد أن واجهت إسرائيل أسوأ نكسة سياسية في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بموافقة 138 دولة على رفع مستوى التمثيل الفلسطيني وخرجت من جلسة 29 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بأعمق عزلة دولية عرفتها حتى الآن.. كان متوقعا أن يتحرر أوباما من ضغوط الصوت اليهودي ويعيد تصحيح معادلة العلاقة الثنائية، الرسمية والشخصية، مع نتنياهو وعبرها العلاقة السياسية مع العالم العربي بعد أن جره تأييد نتنياهو إلى مشاركة إسرائيل عزلتها الدولية في الأمم المتحدة.
    رغم ذلك بقي موقف البيت الأبيض من قرارات نتنياهو الانفعالية، وخصوصا استئناف بناء المستوطنات اليهودية في منطقة «إيه - 1»، محصورا في نطاق بادرتين خجولتين: الأولى تنديد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون برد نتنياهو على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والثانية اتهام رئيس أركان البيت الأبيض السابق في عهد أوباما، وعمدة شيكاغو الحالي راحم عمانوئيل (المؤيد الثابت لإسرائيل) نتنياهو «بخيانة صداقة أميركا» في موقفه من استئناف عمليات الاستيطان.
    صوتان خافتان يدعمان حق الفلسطينيين في أرضهم. ولكن الصوت الأقوى، أي صوت الرئيس أوباما، بقي مغيبا تاركا المجال واسعا لتأويلات متباينة.
    ليس سرا أن علاقة أوباما بنتنياهو مرت، ولا تزال، «بتقلبات» أفرزها التقاطع الظرفي للمصالح الأميركية – الإسرائيلية في الشرق الأوسط. ومنذ نحو السنتين لا تتطابق حسابات «حقل» نتنياهو مع حسابات «بيدر» أوباما في ما يبدو خلافا على الأولويات الإقليمية في موقفهما من إيران ومفاوضات السلام مع الفلسطينيين.
    بالنسبة لإيران، ورغم دعوات نتنياهو المتكررة لعمل عسكري يوقف تطويرها لسلاح نووي، يصر أوباما على التزام القنوات الدبلوماسية لإقناع طهران بالتراجع عن مخططها النووي. وفيما تؤكد إسرائيل أن طهران «تجاوزت العتبة التكنولوجية» لإنتاج قنبلة نووية ما زالت واشنطن تعتبر أن إيران لم تصل بعد إلى هذا المستوى من التقدم التقني.
    أما التباين الآخر في أولويات الدولتين فيعود إلى أن واشنطن، رغم موافقتها على وجهة النظر الإسرائيلية بأن البرنامج النووي الإيراني يشكل خطرا على استقرار منطقة الشرق الأوسط، ترغب في الوقت نفسه أن تحرك حكومة نتنياهو عملية التفاوض مع الفلسطينيين فيما يدعي نتنياهو أن من الصعب التوصل إلى سلام شامل مع الفلسطينيين إذا استمر التهديد الإيراني لإسرائيل.
    أما اليوم فإن إسرائيل تشهد، وهي في أوج عزلتها الدولية، انقلاب علاقتها الثنائية مع البيت الأبيض رأسا على عقب: نتنياهو، لا أوباما، أصبح مرشحا لانتخابات تفتح الباب واسعا لتدخل أميركي يستغل ورقة مؤثرة في إسرائيل: ورقة إعراض الناخب الإسرائيلي العادي عن تأييد الحزب الذي لا يضمن له توثق التقارب التقليدي مع واشنطن.
    فهل من فرصة أفضل لأوباما «لرد الجميل» للزعيم الليكودي بمجرد أن يؤيد الحزب الإسرائيلي القادر على استغلال ورقة الصداقة الأميركية؟


    «الإخوان» خذلوا أميركا و«شركاءهم» وعادوا لطبيعتهم!
    بقلم: صالح القلاب عن الشرق الاوسط
    حتى لو وقعت معجزة وتوفرت إمكانية فعلية للملمة الأوضاع المتفجرة في مصر وتهدئتها، فإن واقع الحال بعد تحول الخلاف بين «الإخوان المسلمين» ومناهضيهم من مجرد تعارض طارئ إلى تناقض سياسي واجتماعي معقد وحاد وخطير، يشير إلى أن أي اتفاق تم أو سيتم تحت ضغط المخاوف المشتركة لن يكون إلا هدنة عابرة واستراحة بين شوطين، وأن القادم قد يكون أعظم، وأنه حتى تستقر الأمور لا بد من الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة تعطي الفرصة لأي من المعسكرين للانتصار على الآخر وبصورة حاسمة.
    كان الاعتقاد خلال ثورة يناير (كانون الثاني) أن مصر مقبلة على نمط جديد من الحكم يختلف عن ما بقي سائدا على مدى مئات، والبعض يقول بل على مدى ألوف السنين، ولقد ساد إحساس قبل أن يختطف «الإخوان» الثورة ويختطفوا الحكم والسلطة أيضا، بأن هؤلاء سيتخلون عن شموليتهم وعن ألاعيبهم ومناوراتهم، وعن عدم استقرار لا صداقاتهم ولا عداواتهم، وأنهم سيقبلون بـ«الشراكة»، مع أنه ليس كل القوى الأخرى، فمع معظمها وبنوايا صادقة وطيبة، لكن ثبت أن الطبع يغلب التطبع دائما وأبدا وباستمرار، وأن كل هذه المراهنات كانت مجرد سراب كسراب الصحراء في صيف «قائظ» شديد الحرارة.
    في البدايات أشعر «الإخوان المسلمون» الآخرين، وأشعروا الشعب المصري والعالم كله أيضا بأنهم زاهدون في الحكم، وأنهم في السنوات الأولى من التجربة الجديدة سوف يكتفون بأن يكونوا الأكثرية في مجلس الشعب والسلطة التشريعية، وأن يكون دورهم الأساسي «رقابيا»، لكن هذا الكلام ما لبث أن تبدد أمام مغريات السلطة والنفوذ، فكانت اندفاعتهم الغضنفرية نحو الانتخابات الرئاسية، وكان تلويحهم بإغراق مصر كلها في الدماء، وإشعالها بالحرائق إن فاز المرشح الآخر، الذي هو أحمد شفيق، على محمد مرسي الذي اتضح أنه لم يكن يحلم في أي يوم من الأيام بأن يدرك ليلة كليلة القدر، ويصبح رئيسا لدولة تعتبر واحدة من دول الشرق الأوسط الأهم والأكثر تأثيرا وعراقة.
    لم يتأخر «الإخوان المسلمون» في إسقاط الأقنعة عن مواقفهم الحقيقية، وعن أنهم حزب شمولي واستبدادي، مثلهم مثل كل أحزاب الانقلابات العسكرية التي حكمت ولا يزال بعضها يحكم في بعض دول المنطقة، والتي أذاقت شعوب هذه الدول الأمرَّين، وأنهم لا يقبلون بالآخرين، ويعتبرون «الشراكة» مع هؤلاء رجسا من عمل الشيطان، فكان انقلاب محمد مرسي هذا الأخير الذي لم ينقصه سوى «البلاغ العسكري رقم 1» ليكون انقلابا عسكريا لا يكتفي بذبح المعترضين والمعارضين في الشوارع والميادين العامة، بل بتعليقهم أيضا على أعواد المشانق وإذابة أجسادهم في «الزنازين» الانفرادية.
    والحقيقة أن هذا الذي جرى ويجري في مصر، والذي لا أحد يستطيع أن يجزم بأين سيأخذ هذا البلد، الذي أثبت شعبه أنه شعب حي ولا يمكن أن يخضع لأي نظام استبدادي وشمولي بعد ثورته المجيدة الأخيرة، هو جزء مما يعم هذه المنطقة بمعظم دولها، ولذلك فإنه من غير الممكن الجزم بأين ستذهب الأمور إن في سوريا، وإن في تونس، وإن في العراق، وإن في لبنان، وإن في اليمن السعيد، وبالطبع إن في مصر.. وأيضا في ليبيا، وربما في موريتانيا وفي كل الدول التي هناك تحت رمادها يعسعس جمر متقد ومتأجج، وتنام ألسنة نيران ملتهبة.
    وهنا، لعل ما يمكن الاتفاق عليه وبسهولة هو أنه بسبب كل هذا الذي جرى ويجري في المنطقة، إن في مصر، وإن في سوريا، وإن في العراق، وفي تونس، وفي اليمن، وفي لبنان، وفي دول أخرى لا تزال الأوضاع فيها متأرجحة رغم نجاحها المبدئي في استيعاب هذه الموجة التي غشتها كما غشت غيرها، هو اهتزاز المعادلات السابقة في هذه المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية في بدايات تسعينات القرن الماضي، وبالتالي بروز الولايات المتحدة كقطب ليس واحدا، وإنما أوحد في العالم كله، وفي الكرة الأرضية.
    والمعروف أن بداية كل هذا الذي شهدته هذه المنطقة سابقا، والذي تشهده الآن، هو انهيار الإمبراطورية العثمانية الذي كان سبقه مؤتمر برلين الشهير 1878 الذي خططت خلاله الدول الغربية لهذا الانهيار، ولتقاسم تركة العثمانيين، وهو اتفاقيات سايكس - بيكو الشهيرة والمعروفة، وهذا كله قد أدى إلى ما بقيت تتعرض له منطقتنا العربية من انقلابات عسكرية، ومن عدم استقرار كانعكاس للصدام الذي بقي محتدما منذ الحرب العالمية الثانية وقبل ذلك، وحتى انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية في بدايات تسعينات القرن الماضي، حيث خلا الميدان العالمي للولايات المتحدة، وأصبحت هي القطب الأوحد في الكرة الأرضية.
    في ظل صراع المعسكرات هذا، تم اعتماد إسرائيل من قبل المعسكر الرأسمالي كخندق متقدم، وكمخفر أمامي للغرب في هذه المنطقة، وبمهمة هي التصدي للزحف الشيوعي الموهوم على منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية والهامة والحساسة، وفي ظل هذا الصراع كانت هناك كل سلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت في سوريا في عام 1949، والتي شملت العراق بدءا بانقلاب عبد الكريم قاسم في عام 1958 وانتهاء بانقلاب صدام حسين على رفاقه في عام 1979، مرورا بما سمي حركة الضباط الأحرار في مصر عام 1952، وبانقلاب معمر القذافي على الملكية السنوسية في عام 1969، وبالانقلابات المتلاحقة في اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، وبالحروب التي تلاحقت بين هذين الشطرين اليمنيين، وأيضا بانقلاب السودان، وبالحروب الأهلية في لبنان، وبما سمي بثورة ظفار، وبتحول زياد بري إلى الماركسية والتحالف مع موسكو، ثم التخلي عنها إلى الغرب «الإمبريالي»، ولاحقا ترك الصومال، ليبدأ حروبه الأهلية التي لا تزال متواصلة حتى الآن.
    وفي إطار هذا الصراع أيضا بدأ الاهتمام الغربي بما سميت حركات الإسلام السياسي، وكانت البداية الحقيقية عندما احتضنت الولايات المتحدة، بعد إزاحة الاستعمار القديم من المنطقة، «الإخوان المسلمين» واعتمدتهم كسلاح ضد القوى القومية واليسارية التي كانت تعتبر حليفا للاتحاد السوفياتي وتدور في فلكه، كالشيوعيين والناصريين والبعثيين والقوميين العرب، وحقيقة أن «هؤلاء»، أي «الإخوان»، قد أبلوا بلاء حسنا في هذا المجال، مما جعل الأميركيين يراهنون عليهم مجددا، على اعتبار أنهم القوة الرئيسية لـ«الإسلام المعتدل» لمواجهة «القاعدة»، ومواجهة كل الحركات الأصولية والمتطرفة التي تكاثرت كثيرا بعد الغزو السوفياتي لأفغانستان، وبعد الاحتلال الأميركي للعراق، وبعد اشتداد كل هذا العنف الذي غدا يضرب هذه المنطقة.
    ولهذا، فإن ما بات ثابتا هو أن الأميركيين قد لعبوا الدور الرئيسي في تنحية مبارك ونظامه، وأنهم بالضغط الشديد والمتواصل على المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة المصرية قد جيروا انتصار ثورة «يناير» المجيدة إلى «الإخوان المسلمين»، وأنهم هم الذين حسموا الأمور وبسرعة لمصلحة محمد مرسي عندما سادت تلك الضبابية المعروفة بالنسبة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة بينه وبين أحمد شفيق، لكن يبدو أن الولايات المتحدة قد فوجئت بتخلي «الإخوان» عن كل وعودهم، وبعودتهم السريعة إلى شموليتهم المعروفة، وإلى عدم قبولهم بالآخرين كشركاء، وأنها فوجئت أيضا بأن رهانها على هؤلاء، إن في مصر، وإن في تونس، وإن في الأردن، وإن في المسألة الفلسطينية، وربما أيضا إن في سوريا، هو رهان خاسر، وأن عليها أن تستبدل بأحصنتها وبسرعة أحصنة جديدة.
    ولذلك وما دام أن مشكلة منطقتنا أنها بقيت ميدانا لصراع المعسكرات منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية وقبل ذلك، وأن معظم أنظمتها، وبخاصة أنظمة الانقلابات العسكرية، قد أوصلتها إلى أوضاع مزرية لم تعد تطاق ولا تحتمل، فإنه يجب عدم استغراب أن تكون هناك كل هذه الزلازل والأعاصير التي تضرب هذه المنطقة، وأن يحاول «الإخوان المسلمون» الاستحواذ على الربيع العربي في كل البلدان التي غشاها ووصل إليها، وفي مقدمتها مصر، وأن يستهدفوا القوى الديمقراطية والعلمانية والليبرالية الصاعدة، أكثر حتى من استهدافهم للأنظمة السابقة القديمة.. ولهذا فإنه لا بد من القول إن هذه الحالة المصرية قد تطول، وإن هذا الصراع الاجتماعي والسياسي المحتدم قد يستمر، وبخاصة في أرض الكنانة وفي تونس، لفترة طويلة.

    خربها الإسلاميون
    بقلم: حسان حيدر عن الحياة اللندنية
    الذين اعتقدوا أن وصول الإسلام السياسي إلى السلطة في عدد من الدول العربية سيعني تغييراً جذرياً في طريقة الحكم ونهج التعامل مع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالمقارنة بالأنظمة الفردية والقمعية التي كانت قائمة فيها، وأولئك الذين رغبوا في أن تُمنح الحركات الإسلامية بقيادة «الإخوان المسلمين» فرصة للتعبير عن ذاتها وإثبات اختلاف برامجها، أصيبوا لا بد بخيبة أمل كبيرة بعد الأداء الفاشل الذي بدأت به هذه الحركات عهدها في كل من مصر وتونس وليبيا... ولاحقاً بالتأكيد في فلسطين وسورية، حيث تطمح الأطراف نفسها إلى الإمساك بالقرار.
    ففي مصر حيث انشأ «الإخوان» ميليشيا لا تختلف عن تلك التي ختمت عهد مبارك ولعبت دوراً في محاولة إخماد الثورة، يتخذ الرئيس الإسلامي قرارات لا تميزه كثيراً عن خلفه المسجون بسبب ديكتاتوريته، ويصدر مراسيم باسم «الأكثرية» التي يرى أن «الأقلية» يجب أن تخضع لها، في فهم كاريكاتوري للمبادئ الديموقراطية، وبعيداً من المشاركة التي قامت الانتفاضة الشعبية من اجلها.
    حتى أن مرسي تفوق على «الرواد» الإيرانيين في سرعة الانقلاب على رفاق الثورة، والكشف مبكراً جداً عن نوايا تنظيمه في الاستئثار والتفرد وإقصاء المعارضين، وباشر فور توليه سلطاته في «أخونة» تدريجية للدولة عبر فتح معارك منفصلة مع الجيش والقضاء والإدارة، ليست المواجهة الحالية حول الدستور والسلطات الرئاسية المطلقة آخر حلقاتها.
    ويترافق ذلك كله مع حال من الترهيب يفرضها «الإخوان»، المتهمون بـ «سرقة» الثورة، على المواطنين العاديين لتغيير السلوكات الاجتماعية. ويكشف تحقيق أجراه تلفزيون «بي بي سي» ويبثه قريباً، أن تفشي ظاهرة معاكسة النساء في شوارع القاهرة والمدن المصرية الكبرى هو نتيجة سياسة مقصودة يعتمدها الاسلاميون لـ «تأديب» المصريات ودفعهن إلى ارتداء الحجاب.
    أما في تونس التي أطلقت شرارة «الربيع العربي»، فتكشف الاشتباكات بين أجهزة الأمن والعمال وسقوط مئات الجرحى، أن البلاد تدار بعد الثورة بالعقلية القمعية نفسها للنظام السابق، وأنها لا تزال بعيدة عن الاستقرار بعدما باشرت الحكومة الإسلامية عهدها بإصدار القوانين المقيدة للحريات، ورفض الإصغاء إلى مطالب النقابات. بل إن «حركة النهضة» الإسلامية الحاكمة شكلت ميليشيا باسم «الرابطة الوطنية لحماية الثورة» تستخدمها لـ «فرض الأمن» ومهاجمة المعارضين، وكان مقر «الاتحاد العام للشغل» عرضة لاعتداء من عناصرها دفعه إلى الدعوة للإضراب العام، فيما يهدد الرئيس منصف المرزوقي بالاستقالة بسبب تجاهل الحكومة لتوصياته.
    ولا يزال الوضع في ليبيا التي تحولت إلى مخزن السلاح الرئيسي للحركات الإسلامية العربية، رهينة الصراع بين التيارات الإسلامية ذاتها وبينها وبين تلك الليبرالية، بحيث تتكرر الخضات الأمنية في العاصمة طرابلس وباقي المناطق مع انتشار الميليشيات المسلحة الخارجة عن أي ضابط.
    ولا يشذ إسلاميو غزة الفلسطينيون عن القاعدة، حيث يستخدم العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع ذريعة لمنع انتقاد سلطة «حماس» التي حولته إلى سجن كبير فارضة قيوداً على حرية الرأي واللباس. ويحول احتضان «الإخوان» في سورية لتنظيمات متطرفة، في إطار الانتفاضة على نظام الأسد، دون إقدام الدول الغربية على مد الثوار بالسلاح مخافة وصوله إلى من قد يستخدمه لاحقاً ضدها.
    لقد قيل الكثير مع بداية الثورات العربية عن ضرورة التخلي عن «الأحكام المسبقة» إزاء الإسلاميين، وأهمية إتاحة الفرصة لهم لكسر الصورة النمطية التي رسمتها لهم أنظمة حاربوها، لكن هؤلاء اثبتوا بعد زمن قصير صحة معظم ما قيل عنهم، وأنهم من القماشة نفسها للديكتاتوريات البائدة، ولو بألوان مختلفة.

    مأزق الربيع العربي
    بقلم: شاكر الأنباري عن الصباح العراقية
    ما يجري في مصر من مواجهات مليونية بين الاخوان المسلمين والشارع المدني، بتلاوينه جميعا، يمكن قراءته عبر أكثر من زاوية، خاصة اذا ما ترافق ذلك الحدث بحصول أمر مشابه في تونس. تونس ومصر هما بلدان من بلدان الربيع العربي يشتركان بأكثر من صفة، لعل اهمها هو ان الجيش كان وقف مع ثورة الشعب فيهما، فسقط رئيسان من معمري الرؤساء العرب هما حسني مبارك وزين العابدين بن علي، ثم فاز الاسلاميون بالسلطة في استفتاء عام، فكان ان صعد الى سدة الحكم حزب النهضة في تونس وجماعة الاخوان المسلمين في مصر.
    سلطة الاخوان في مصر أرادت ان تؤسس لدستور جديد، فمضت في كتابة مسودته بجمعية تتألف أغلبها من الاخوانيين، بعد انسحاب القوى الأخرى، الأمر الذي جعل ذلك الدستور يعبر عن طيف اجتماعي واحد. طيف ما اصطلح عليه بالاسلام السياسي. وبدلا من توسيع دائرة المشاركة في الحكم وتوسيع حرية التعبير اكثر مما كانت عليه في زمن مبارك، حدث العكس، أراد الاسلاميون فرض رؤيتهم المغلقة على المجتمع المصري، وتكشفت نواياهم على روح هيمنة خاصة في مجال الاعلام والقضاء.
    المعروف ان المجتمع المصري يتكون من نسبة عالية من المسلمين، الى جانب الأقباط طبعا، لكن ما فات الاخوان ان الجزء الأكبر من المسلمين ليس بالضرورة انه يمارس شعائره وقناعاته بطريقة الاخوان ذاتها، اذ ليست هناك مرجعية حادة، وسافرة، في هذا المجال. مؤسسة الأزهر الدينية، على سبيل المثال، لا تتطابق في رؤيتها لبناء المجتمع والدولة مع رؤية الاخوان. والفرد عادة ما يمارس دينه برؤية ذاتية للدين، وهو السائد عموما في معظم البلدان الاسلامية، لكن الاسلام السياسي اراد فرض لون واحد من التدين، تطبقه مؤسسة، في اغلب شؤون الحياة، وهذا ما يرفضه معظم الشعب المصري وحتى التونسي.
    الوصاية في الوقت الحاضر لم تعد جاذبة لأغلبية المسلمين، اذ ان نمط الحياة المعاصرة، لا يقبل بوجود تدين مغلق، لا يحاور الآخر، ولا يقر ويرضى بوجوده في الجوار. في تونس كذلك، كانت هناك هجمة من قبل السلفيين على كثير من نشاطات الحياة المعاصرة، في الجامعات، وفي أماكن اللهو، والمنتديات الاجتماعية، والسينمات، وشواطئ السياحة، وحتى الشوارع العادية، هجمة لفرض تدين طقوسي تمارسه جماعة بعينها، ذات عدد محدود لكنها تدعي بأنها تمثل المجموع. طبعا كانت هناك مجموعات مشابهة في مصر، مجموعات سلفية تريد حمل لواء الشريعة بيدها رغما عن حرية المعتقد، وحرية ممارسة الطقس الديني، المتنوعة، والمعتمدة على الفرد ذاته. أي فرض نمط دين متكلس عمر بعض معتقداته مئات السنين، على نمط دين متسامح، وينادي بحرية البشر وكرامتهم، وتعدد مشاربهم وأخوتهم في الانتماء الى الجنس البشري حتى وإن اختلف الدين والمذهب.
    ان معضلة الاسلام السياسي، وهنا نعني الاخوان المسلمين في مصر، او حزب النهضة في تونس، هو تحوله الى حاضنة طبيعية للتطرف السلفي، وهذا ما لا يلتفتون اليه عادة. فثمة اشارات على ان حزب النهضة في تونس كثيرا ما استخدم السلفيين لتنفيذ قناعاته، وهيمنته في قطاعات معينة، كفرض الحجاب في الجامعات، كي يتملص من مسؤولية اخذ القانون بيد الأفراد بعيدا عن مؤسسات الدولة كالشرطة والجيش والقوى الأمنية.
    في مصر خرجت الكثير من التظاهرات المناوئة للرئيس محمد مرسي والاخوان المسلمين من الجوامع ايضا، وهذا يلغي حجة الاسلام السياسي بأنه القائد الشرعي، والوحيد، لكل المسلمين في المجتمع. اذ عادة ما يطرح الاسلام السياسي نفسه على انه المدافع عن الدين، والقيم، والأخلاق الاجتماعية، وفي ذلك الغاء للقوى المدنية الأخرى الخارجة من البيئة الاسلامية ذاتها. وهذا يفسر ايضا خروج مئات آلاف المتظاهرين في تونس رفضا لرؤية حزب النهضة حول ادارة الدولة، وأسلمة المؤسسات، وفرض القيود على حرية المرأة وحرية الأفراد بشكل عام في الملبس، والمأكل، والمشرب، والمعتقد.
    حدث في مصر خلال المواجهات المليونية بين انصار المعارضة وأنصار الاخوان ان طرحت مجموعة من المتظاهرين الاسلاميين، وعلى الاعلام المرئي مباشرة، فكرة الجهاد ضد المعارضين، من اجل فرض الدستور بالقوة على الشعب، الدستور الذي حمل بصمة الاخوان المسلمين. مناداة بالجهاد على مسلمين مثلهم، في قاعدة فقهية لم يقل بها سوى الشاذين في ايمانهم، وهذا توجه خطر على تماسك المجتمع المصري، ويعتبر اكبر تهديد بنيوي للدولة المصرية منذ نشوئها المعاصر وحتى اللحظة.
    الاسلام السياسي، عموما، لا يقر بالتنوع المذهبي والطائفي والقومي الا بحدود دنيا، وان اقر بذلك فعادة ما يكون الاقرار لفظيا، اما عمليا فيمضي الاسلام السياسي بمشروعه الإلغائي والمنغلق حتى النهاية. التجربة السودانية تنفع في هذا المجال، حين اراد الاسلام السياسي فرض قناعاته على جنوب السودان المسيحي، والمعتقد بالاحيائيات، تفاقمت مشكلة السودان حتى ادت الى تفتته وانفصال ثلث البلد الذي سمي لاحقا دولة جنوب السودان.
    في الحالة المصرية ايضا هناك ملايين الأقباط، يقدر عددهم بحوالي اثني عشر مليون قبطي، وهناك ملايين الليبراليين الذي ينادون بفصل الدين عن الدولة، وهناك ملايين الاسلاميين ممن لا يخلطون فن ادارة الدولة بالشريعة وتطبيقاتها، فليتصورن المرء خطر دعوة المجموعة السلفية تلك باعلان الجهاد من اجل تطبيق الدستور الاخواني الذي أجج التظاهرات ضد الرئيس محمد مرسي؟ لا يخفى ان صندوق الاقتراع هو من يعطي الشرعية لأي حزب او حركة، لكن فوز الحزب والحركة في الانتخابات لا يعفيها من ان تمارس الحكم بحكمة، اذ تبقى دائما نسبة عالية لم تصوت لهذا الحزب الحاكم، وينبغي عدم نسيان هذه الحقيقة. بلغت نسبة المصوتين في انتخابات مصر اقل من ستين بالمئة، وفاز من الاخوان من هذه الكمية بأكثر من النصف بقليل. اذن الحكم ينبغي ان يتمتع بمواصفات عالية الذكاء والحكمة، وعليه الا ينسى ان مجتمعه متنوع، لا يمكن فرض اجندات شعبوية ومذهبية وقومية عليه، والا سيصادر حق المذاهب الأخرى والقوميات والأحزاب، ما يجعل الحكم على مسار قلق، متأزم، قابل للتصدع بأية لحظة، خاصة في المنعطفات والتحولات الخطرة، سواء كانت داخلية ام اقليمية ام دولية.
    والقضية الأخرى ان الاسلام السياسي عليه ان يغير كثيرا من قناعاته السابقة، فالتجربة الحديثة اثبتت ان تطبيق الشريعة -وهو بالمناسبة مفهوم عام جدا ويحتمل تفسيرات مذهبية، وتأويلات، وفتاوى، وقراءات لا تعد- مستحيل في اوقاتنا الحاضرة، اذ انه سيصادر حق الفرد المسلم في الاختيار، من باب علاقته بخالقه، وبدينه وتفاصيله ومذاهبه ودهاليزه. من طرائف الحروب المذهبية عبر التاريخ الاسلامي تلك الحرب الطاحنة التي حدثت ايام العباسييين في بغداد بين الشافعية والحنابلة، وكانا مذهبين رسميين في الخلافة، حيث قضى فيها خلق كثير، كما تقول كتب التاريخ، فكيف اذا كانت مجتمعاتنا العربية، والاسلامية، اليوم تضم كل هذا التنوع، لا في المذاهب فقط، بل في الأديان والقوميات والطوائف والأحزاب والمنظمات.
    ان أزمة الإسلام السياسي التي نشهدها في تونس ومصر، وبلدان أخرى، تكشف هي الأخرى عن الأزمة الشاملة التي تعيشها البلدان العربية والإسلامية، فثمة تراكم من الملفات، والإخفاقات، والعقد البنيوية التي تحتاج الى حلول واقعية، علمية، معاصرة، وهذا ما يجعل الربيع العربي يحمل صفة الثورة الدائمة، التي لن تقف عند حد حتى الوصول الى حلول وإجابات، حقيقية، وناجعة، وحضارية.

    درس لنا من بلدان الربيع العربي
    بقلم: محنات الرقاص عن بيان اليوم المغربية
    ما يجري هذه الأيام في مصر، وبقدر ما يهدد بمخاطر على المستوى الداخلي والإقليمي، فهو كذلك ينبه إلى الصعوبات التي تواجه مسلسل الانتقال الديمقراطي في بلد لا تخفى أهميته الإستراتيجية في المنطقة العربية.
    وهذا التنبيه ذاته يصلنا كذلك من تونس، ومن ليبيا، ما يطرح أمام المحللين والسياسيين سؤالا كبيرا وجوهريا يتعلق بمدى قدرة البلدان الثلاثة، وأنظمتها الجديدة على الانتقال إلى الحياة الديمقراطية التعددية والحرة والمنتظمة ضمن منطق العصر الحالي... إن أكثر من متتبع للوقائع والأحداث في هذه البلدان، صار يحذر اليوم من تحول ربيعها المبشر إلى خريف حقيقي ينذر بعودة الاستبداد والديكتاتورية والاحتقان.
    في مصر أقدم الحكام الجدد على خطوات بلا عقل، نجحت في إعادة الشعب إلى الشوارع والميادين للمطالبة (بإسقاط النظام)، ولازالت الجهود متواصلة إلى اليوم قصد الخروج من المنغلقات...
    أما في تونس، فقد نزل النقابيون للاحتجاج، وسالت الدماء في أكثر من منطقة، وبلغ الأمر حد إصابة رئيس الجمهورية المؤقت بالحنق من حلفائه في الترويكا، وخصوصا من الحزب الأصولي الأغلبي...
    وفي ليبيا، الوقائع لا تفتح كوة خطو إلى الأمام إلا لكي تعود كيلومترات إلى الخلف...
    الواضح إذن في هذه النماذج الثلاثة، أن الاختلاف يوجد حول مستقبل البلاد، أي حول نوع النظام المراد بناؤه على أنقاض الأنظمة الديكتاتورية المنهارة، وهنا يعتقد التيار الفائز بأغلبية الأصوات أن من حقه جر البلاد كلها إلى بداية البدايات، وبالتالي العودة بالحياة إلى ما قبل أربعة عشر قرنا، وهنا يتم إغلاق باب الحوار مع التيارات الأخرى، ويتأسس الصدام، ويصير الحسم في الشارع، وليس في السياسة.
    كم هو راهني اليوم، بالنسبة لهذه الدول، منهج (التوافق) الذي كان يثير لدى بعض مغاربتنا السخرية قبل سنوات قليلة عندما أصرت عليه البلاد وقواها الحقيقية، حيث أن(التوافق الوطني) هو اليوم المدخل السليم الوحيد في هذه الدول لتقوية اتفاقها على قواسم مشتركة تهم المؤسسات والعلاقات وشكل الحكم، وسبل الخروج من الأزمة.
    ومن جهة ثانية، فان تحول نشطاء سياسيين في البلدان الثلاثة المذكورة إلى رجال دولة يحكمون البلد يفرض عليهم الانتقال بعقلية ممارسة السياسة، وبالخطاب إلى هذا المستوى، وليس ممارسة وظيفة رئيس الدولة أو صاحب السلطة بمنطق القائد الحزبي، فهذا لن يقود إلا لتأجيج المواجهات.
    فلما بدأ الرئيس المصري مثلا يتابع كيف ينفض مستشاريه من حواليه، وكيف غادر بعض مقربيه المركب وتركوه قائما لوحده، بدا واضحا أن الرئيس وقع، في موضوع الإعلان الدستوري، ضحية مسايرته لحزبه ولمرجعيته الحزبية، وحتى عندما كان عليه إيجاد الحل لاحتواء الأزمة المشتعلة، كان حزبه وجماعته يدفعان للتصعيد في الشارع وعدم التراجع.
    مرة أخرى تقدم لنا بلدان الثورات العربية درسا بليغا حول قيمة وأهمية التوافق، والإصرار على حماية التعددية السياسية، وعلى تقوية العمل الديمقراطي في البلاد، وتمتين دولة المؤسسات، ورفض كل أشكال التحكم في الحياة السياسية وفي المجتمع، ومحاربة أي ميل إلى الهيمنة من أي طرف كان.
    لنتأمل وطنيا في معنى الدرس، وفي حاجتنا المستمرة إلى التشبث به.


    مرسى وهيكل.. فى الوقت الضائع!
    بقلم: محمد الشبه عن اليوم السابع المصرية
    لا تشغل بالك بالإجابة على سؤال لماذا دعا الرئيس مرسى الأستاذ هيكل للقاء فى هذا التوقيت، ولا تتعب نفسك فى معرفة لماذا قبل هيكل الدعوة، لأن الحكاية كلها عبارة عن حوار بين من لا يملك مع من لا يقدر، فلا مرسى يستطيع أن يعمل بنصيحة من هيكل.. ولا الأستاذ بمقدوره أن يقنع مرسى بخطوة أو إجراء دون الرجوع لحكام مصر الفعليين فى مكتب الإرشاد! هو إذن لقاء فى الوقت الضائع يمكن أن تضع له عنوان "اضحك علشان الصورة تطلع حلوة"، وفى الصورة رئيس انفض من حوله مستشاروه، ومستشار قديم مشهود له بقدرات تاريخية فائقة فى إنقاذ الأنظمة لحظة سقوطها! وفى ظنى أنه كان من الأجدى أن يلتقى هيكل مع مرشد جماعة الإخوان د.محمد بديع الذى يأتمر مرسى بأمره ويدين له بالسمع والطاعة، أو مع خيرت الشاطر رئيس هيئة الأركان الذى يتولى الآن قيادة غرف العمليات ويمسك بيده كل خيوط إدارة الأزمة حشداً وتمويلاً وتخطيطاً وتنسيقاً، سواء مع حلفاء الداخل أو مع الكبار فى التنظيم الدولى للجماعة.
    وقبل يومين من لقاء مرسى – هيكل، كان هيكل يتحدث فى التليفزيون محذراً مما سماه بـ"لحظة ديسمبر الخطرة" ومن طرح دستور للاستفتاء "صدم بمجرد قراءة مادته الأولى"، دستور غابت عنه الكنيسة ويرفضه قطاع كبير من المصريين، ويمثل خطراً كبيرًا على مستقبل البلاد! ولا أتصور كيف رد الدكتور مرسى على تحذير الأستاذ هيكل بأن سماحة بحصار المحكمة الدستورية هو "إلغاء لدولة القانون"، وأن "هروب رئيس البلاد من الباب الخلفى لقصره تحت ضغط المتظاهرين هو مؤشر خطير للغاية يستوجب إعادة النظر فى كل تفاصيل الأزمة!"، فهل يمكن أن يستجيب مرسى لنصائح مستشار قديم؟.. وهل يعيد النظر فى كل تفاصيل الأزمة؟.. "يلغى إعلانه الدستورى القديم أو "أبو شرطة" ويؤجل الاستفتاء على الدستور لمدة شهرين لإعطاء فرصة لحوار وطنى ينزع فتيل الأزمة ويجمع الشمل حول دستور توافقى لكل المصريين؟!
    الإجابة معروفة.. مرسى لا يستطيع لأنه لا يملك.. ومن يملك يحكم، ولهذا فإن الشعب خرج ضد الاستفتاء يهتف "يسقط حكم المرشد" بعد أن خرج الأستاذ هيكل من قصر الاتحادية إلى مزرعته فى ضواحى القاهرة صفر اليدين، فقد قرر المرشد ومعه الشاطر وقرارهما نافذ، انهم سيقاتلون حتى آخر مواطن مصرى أمى فقير دفاعا عن الدستور.. بالدم وبالزيت والسكر وبخطباء الجوامع وبميليشيات الإخوان وكتائب حازم أبو إسماعيل التى تحاصر مدينة الإنتاج الإعلامى وجحافل الجماعات الإسلامية التى تحاصر المحكمة الدستورية، كلهم سينتفضون دفاعا عن "الشرعية والشريعة" والاثنان فى وجهة نظرهم سواء، الحكم بالدين، والوالى هو الفقيه الجالس على عرشه أعلى جبل المقطم! وأتصور أن اللقاء البالونى بين مرسى وهيكل لن يسفر إلا ربما عن صفحة سوداء فى كتاب جديد للأستاذ يحلل فيه حالة المصريين لحظة اندقاعهم نحو هاوية الحرب الأهلية بفعل مؤامرة متعددة الأطراف هدفها الانتقال من الانقسام إلى التقسيم عبر تمرير دستور يؤسس للدولة التى رسم ملامحها قبل ثمانية عقود الإمام الأول حسن البنا والتى ينفذها ويقطف ثمارها الإمام الحالى محمد بديع!.
    إن مرسى فى هذه الساعات العصيبة لا يسمع إلى أحد، لا يرى أحد وليس أمامه غير أن يمضى حتى النهاية فى تنفيذ ما رسم له.. لن يتراجع عن الاستفتاء، ولا نتيجة إلا بـ"نعم"، والتزوير بدأ فعلياً بتسخير كل مرافق الدولة وأجهزتها، ولا بديل أمامه غير الاستعانة بميليشيات الإخوان وأمن أبو أسماعيل المركزى! وعلى الجانب الآخر فإن المصريين الذين يدفعون من دماءهم كل يوم ثمن إصرارهم على حماية ثورتهم وتحقيق أهدافها النبيلة، ينتظرون قيادة ثورية شجاعة تقود الشارع فى لحظة تاريخية ضد حكم الجماعة واستبداد النظام.. الشعب ينتظر زعامة شعبية لا تخشى إرهاب النظام ولا ترتعش أمام تهديداته.. لا تساوم ولا ترضى بأقل مما يطالب به الشعب،.. إن المصريين الآن ينظرون إلى جبهة الإنقاذ وينتظرون إما أن يتقدم صفوفهم رجال.. أو تدوسهم النعال!!


    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 285
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:28 PM
  2. اقلام واراء عربي 283
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:26 PM
  3. اقلام واراء عربي 282
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:25 PM
  4. اقلام واراء عربي 281
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:24 PM
  5. اقلام واراء عربي 278
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:15 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •